الدبلوماسية العامة في خطابات أوباما تجاه العالم الإسلامي: ما بين خطابه في جامعة القاهرة إلى نهاية إدارته

مقدمة:

أصبحت الدبلوماسية العامة من أهم الأدوات الإستراتيجية التي تم تبنيها وتفعيلها من جانب العديد من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تجاه العالم الإسلامي في محاولة منها لتغيير واقع هذا العالم.
وبعد أحداث 11 سبتمبر صاغت الولايات المتحدة العديد من الإستراتيجيات التي توظف أداة الدبلوماسية العامة داخل العالم الإسلامي من أجل مواجهة ما أسمته الكراهية للولايات المتحدة التي يعتبرونها من أهم الدوافع وراء أحداث 11 سبتمبر.
والكراهية تجاه الولايات المتحدة كما تؤكد الدوائر الإستراتيجية في الولايات المتحدة نابعة من عدم فهمهم النموذج الأمريكي بما يحمله من قيم وثقافة، ومن ثم أصبح على الولايات المتحدة ترويج نموذجها – قيمًا وثقافة – داخل العالم الإسلامي باستخدام أدوات الدبلوماسية العامة[1].
في حين فسرت دوائر أخرى هذه الكراهية للولايات المتحدة لأسباب ثقافية، وترى أن الإسلاميين يرون أن الصراع مع الولايات المتحدة هي حرب ذات طبيعة ثقافية أكثر منها عسكرية وسياسية[2].
وأرجع توجه ثالث سبب الكراهية إلى السياسات الأمريكية تجاه العالم الإسلامي، وفي مقدمتها مساندة النظم المستبدة والتأييد والحماية والمساندة التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل على حساب العرب والمسلمين.
ونحن نقترب من نهاية فترتي حكم الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان من الضروري تقييم ممارسته للدبلوماسية العامة تجاه العالم الإسلامي، لا سيما وأنه قد حاول في بداية حكمه أن يقدم نفسه كصديق للإسلام وأنه ينشد بداية جديدة ويريد أن يفتح فصلًا جديدًا في العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، وأنه يمثل انقطاعًا عن ممارسات سلفه جورج بوش في مجال السياسة الخارجية ومنها الدبلوماسية العامة تجاه العالم الإسلامي واستمر في تأكيده على ذلك.
وفي نفس الوقت شهد العالم الإسلامي تغيرات كبيرة في السنوات الست الماضية، وقدمت الثورات العربية اختبارًا لالتزام الولايات المتحدة بما تعلنه من مبادئ بشأن دعم الديمقراطية في العالم الإسلامي ورغبتها في تغيير النظم القائمة. لكن أوباما كسائر الرؤساء الأمريكيين انحاز لمصالح الولايات المتحدة في الحفاظ على الاستقرار وعلى أمن إسرائيل واستمرار تدفق النفط على حساب ما يروج له من مبادئ، فساند الثورات المضادة وعمل مع النظم القائمة لتحويل الاهتمام بما يحدث في المنطقة من قضية الثورات العربية إلى محاربة الإرهاب. وليس هذا بجديد فقد سبق وأن شاركت السياسة الأمريكية في قلب حكومات مدنية منتخبة في إيران وشيلي وأيدت الانقلاب على الديمقراطية في الجزائر.
إن الدراسة الكلية والنظمية للدبلوماسية العامة الأمريكية في خطابات أوباما تجاه العالم الإسلامي تطرح ثلاث ملاحظات:
1. الارتباط الوثيق صعودًا وهبوطًا بين استخدام الدبلوماسية العامة واستخدام الأدوات العسكرية والاقتصادية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ومن ثم فهي أداة كسب حرب الأفكار وتستكمل دور الأدوات الصلدة وتعطيها غطاءً أخلاقيًا، ومن ثم كان تأكيد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش على أن الولايات المتحدة سوف تتعقب الإرهابيين بقوة السلاح وستعمل على هزيمتهم أيضًا في معركة الأفكار[3]. وهو المعنى ذاته الذي أكده أوباما في خطابه أمام قمة القادة من أجل محاربة داعش والتطرف العنيف في سبتمبر 2015، حيث قال: إن الهدف ليس فقط هزيمة داعش عسكريًا وإنما أيضًا هزيمة أيديولوجيتهم، والأيديولوجية لا تهزم بالبنادق وإنما تهزم بأفكار أفضل ورؤى أكثر جاذبية[4].ـ وبتقديم الولايات المتحدة وقيمها كنموذج، وأن ما جعل الولايات المتحدة تكسب الحرب الباردة هو قوة الأفكار وقوة النموذج الذي تمثله وليس قوة الأسلحة وهذا هو عنصر القوة الأكثر استدامة. وكان استخدامه المكثف لمصطلح التطرف العنيف وليس الإرهاب تأكيدًا على أولوية البعد الثقافي في محاربة التنظيمات الإرهابية.
وينطبق ذلك بصورة أوضح في السياسات الغربية تجاه العالم الإسلامي. فالبعد الديني – الثقافي – الحضاري لم يكن غائبًا عن حسابات القوى الكبرى التي توالت وعبر أكثر من ثلاثة قرون على استعمار العالم الإسلامي، أو تسابقت على الهيمنة عليه في مرحلة ما بعد الاستقلال، وقد اتسم ربع القرن الأخير بفجاجة التوظيف والاستخدام الأمريكي لهذه الأبعاد الدينية والثقافية والحضارية سواء من أجل تبرير هجومها متعدد المستويات على العالم الإسلامي، أو من أجل تصميم سياسات تدخلية عديدة ابتداءً من القوة المسلحة لضرب ما يسمى الإرهاب الإسلامي أو جذوره، وصولًا لأدوات القوة الناعمة لإعادة تشكيل العقول والقلوب في إطار ما يسمى الدبلوماسية العامة الأمريكية التي تهدف لإحداث تغيير ثقافي في العالم الإسلامي، باعتباره – كما يدعون – أساسًا من أسس التغيير السياسي الذي ينشدونه وليس الذي تنشده شعوب هذا العالم وبعض نظمه[5].
2. لا يمكن فصل الدبلوماسية العامة للولايات المتحدة عن تصور الولايات المتحدة للآخر وهو الإسلام والذي تراه تحديًا وتهديدًا، وبالتالي لم تسع فقط إلى فرض تصورها للإسلام على المجتمعات الإسلامية وإنما إلى إفراغ الإسلام من مضمونه ونزع الخصوصية التي يتمتع بها وإعادة تشكيل الهوية التي قامت على أساسه، وذلك بهدف بناء نموذج إسلامي وفق مرجعية جديدة تصوغها وتحدد أطرها الولايات المتحدة من شأنه أن يقود تلقائيًا وفق التصور الأمريكي إلى القضاء على المرجعية الإسلامية القائمة وتفتيت النموذج الحضاري الذي تأسس استنادًا إليها والتي ترى فيه أكبر تحدٍّ يواجه نموذجها القيمي وبناءها الإمبراطوري[6].
3. لا يمكن فصل الدبلوماسية العامة عن رؤية الولايات المتحدة لنفسها ودورها الرسالي في العالم. والمتابع للدبلوماسية العامة للولايات المتحدة يجد أن نشر القيم الأمريكية كان دائمًا أحد مصالح الأمن القومي الأمريكي الأساسية منذ ودرو ويلسون الذي سعى إلى تشكيل العالم وفق نقاطه الأربعة عشرة ليكون عالمًا ليبراليًا مثاليًا، وحتى أوباما الذي حدد 4 مصالح قومية للولايات المتحدة عندما وضع إستراتيجية الأمن القومي وهي: (الأمن– الرخاء– القيم– الضبط الدولي)[7]. والذي أشار في حواره مع مجلة أتلانتيك في أبريل 2016 إلى أن على الولايات المتحدة أن تنشر قيمها لأن ذلك يجعل العالم أفضل[8].
وتثير دراسة الدبلوماسية العامة للولايات المتحدة تجاه العالم الإسلامي في خطابات أوباما العديد من التساؤلات:
1) ما هي الدبلوماسية العامة كأداة لتشكيل العقول؟ وما هو العالم الإسلامي الذي تستهدفه؟
2) ما هي أهداف ومبررات ودوافع استخدام الولايات المتحدة لهذه الأداة تجاه العالم الإسلامي؟
3) ما هي أبعاد وأدوات ومضمون هذه الدبلوماسية؟
4) ما هو تقييم أداء ونتائج هذه السياسة؟

أولًا: تعريف الدبلوماسية العامة والعالم الإسلامي ودوافع ومبررات استخدامها

يقصد بالدبلوماسية العامة التوجه نحو قطاعات غير حكومية، سواء مدنية أو شعبية، للتعبئة المساندة لسياسات دولة معينة، أو للتأثير في مسار الإصلاحات الداخلية في بعض الدول باعتباره سبيلًا لدعم الأمن العالمي، وهي تعني أيضًا الانفتاح والتعاون مع فاعلي المجتمع المدني وصانعي الرأي العام والقوى السياسية للتأثير عليهم لأغراض معينة[9].
وبالتالي يمكن القول بأن للمفهوم أربعة عناصر، هـي:
الأنـا: وهي الحكومات والمنظمات والمجتمع المدني والقطاع الخاص ومراكز التفكير.
الآخر: شعوب، وثقافات، وحضارات، وأفراد.
رسالة: تعكس شكل التأثير المراد.
أدوات: تنقل هذه الرسالة (بعثات دبلوماسية، منظمات غير حكومية، إعلام، رجال دين، مؤسسات تعليمية…).
إن ما يميز الدبلوماسية العامة عن الدبلوماسية التقليدية أنها تستهدف الشعوب والجمهور الأجنبي، لذا فإن الولايات المتحدة عندما تتحدث عن أهداف دبلوماسيتها العامة تحددها بأنها تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية والدفاع عن المصالح القومية وتعزيز الأمن القومي من خلال إخبار والتأثير في الجمهور الأجنبي وتوسيع وتقوية العلاقة بين الشعب والحكومة الأمريكية مع مواطني بقية العالم.
ويتم تعريف المصالح الأمريكية بأن من أولوياتها نشر القيم الأمريكية وتغيير توجهات الأفراد تجاه الولايات المتحدة وتغيير البيئة في الخارج لتحقيق مصالح الولايات المتحدة[10]، ومنع المسلمين من التحول إلى “أصوليين” وتجنيدهم وإلهامهم من قبل الحركات المتطرفة.
ولقد حددت إدارة أوباما أهداف الدبلوماسية العامة فيما يلي[11]:
– تشكيل أو صياغة الرواية.
– توسيع وتقوية العلاقات بين الشعوب.
– مواجهة التطرف العنيف.
ولقد تصاعد الاهتمام بالدبلوماسية العامة، في إطار ما شهده تطور علم العلاقات الدولية:
– بروز الأبعاد الدينية والثقافية في العلاقات الدولية لا سيما بعد نهاية الحرب الباردة وفي إطار عملية العولمة، وتصاعد القضايا ذات الأبعاد الثقافية ومنها ما يسمى بالحرب على الإرهاب.
– تنامي ظهور فواعل جديدة من غير الدول بات لها تأثير دولي كبير لا يقل عن التأثير التقليدي للدولة، وبالتالي كما تقول وزير الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون أصبح من مسئولية السفراء التواصل ليس فقط مع الجهات الرسمية وإنما أيضًا مع منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام ورجال الدين.
– التغير في مفهوم القوة بحيث لم تعد مصادر القوة للدولة هي القوة الصلدة والرخوة فحسب، وإنما ظهرت القوة الذكية والتي تعد القدرة على جذب الاهتمام وكسب المصداقية من أهم عناصرها[12].
– أصبح الرأي العام قوة يعتد بها في الشئون الدولية حتى في الدول غير الديمقراطية.
تعريف العالم الإسلامي في إطار الدبلوماسية العامة الأمريكية:
تنظر الدبلوماسية العامة الأمريكية للعالم الإسلامي بوصفه كيانًا واحدًا أو كليًّا، وإن كان عبر تنوعات عرقية ومذهبية ولغوية، يجمع بين أفراده وجماعاته الانتماء إلى دين واحد والذي خلق هوية واحدة ومشتركًا ثقافيًا وسياسيًا. وأن مفهوم الأمة هو الذي يفسر لماذا يهتم المسلمون في كل أنحاء العالم بالسياسة الأمريكية التي تمس المسلمين في أي مكان آخر في العالم[13]. وقد أكد كثيرون أن فكرة أن الإسلام بوصفه كيانًا عالميًا موحدًا أصبحت منتشرة على نطاق واسع في الجامعات الأمريكية وتوغلت في المجتمع والسياسات أيضًا. وأصبح هناك حرص على استخدام مصطلح العالم الإسلامي وليس الشرق الأوسط الكبير أو العالم العربي كما كان يفعل بوش مع ما لذلك من دلالات تعكس رؤيتهم لهذا الجزء من العالم.
أكثر من ذلك فإن فهم السياسة الأمريكية للعالم الإسلامي لا يقتصر على الدول الإسلامية أو كما يسمونها أحيانًا الدول ذات الأغلبية المسلمة، بل يمتد إلى الأقليات الإسلامية في الغرب وفي أفريقيا وآسيا. لقد تحدث أوباما صراحة في خطابه أمام قمة القادة لمكافحة التطرف والإرهاب في سبتمبر 2015 عن المسلمين بأنهم 1,6 مليار مسلم من عرب وأفارقة وآسيويين. واستخدم أوباما لقاءه في فبراير 2016 مع المجتمع الإسلامي في بالتيمور بالولايات المتحدة ليخاطب من خلالهم المسلمين حول العالم.

ثانيًا: أبعاد وأدوات ومضمون الدبلوماسية العامة الأمريكية تجاه العالم الإسلامي في خطابات أوباما

من المهم الإشارة إلى أن ممارسة الدبلوماسية العامة لا تقتصر على الحكومة الأمريكية فقط وإنما تشارك فيها مراكز الفكر والشركات ومنظمات المجتمع المدني والإعلام والمؤسسات التعليمية، كما أن المشاركة فيها لا تقتصر على وزارة الخارجية فقط وإنما لدى البيت الأبيض ووزارة الدفاع هيئات تابعة لهما تعمل في مجال الدبلوماسية العامة بالإضافة إلى وكالة المساعدات الأمريكية ومجلس محافظي الإذاعة[14].
ولقد استحدث أوباما أسلوبًا جديدًا في الدبلوماسية العامة تجاه العالم الإسلامي، رغم أنه قد تم استخدامه من جانب رؤساء أمريكيين آخرين تجاه مناطق أخرى من العالم، وهو توجيه خطابات مباشرة إلى الأمة الإسلامية ومن داخل إحدى دولها لتوجيه رسالة إلى الأمة كلها وليس لشعب هذه الدولة أو منطقتها فقط. ولقد بدأها في إسطنبول والقاهرة عام 2009 ثم إندونيسيا عام 2010 ثم تكررت الخطابات ولكن من داخل الولايات المتحدة كخطابه في التعليق على الثورات العربية في مايو 2011 ثم خطابه أمام المجتمع الإسلامي في الولايات المتحدة في فبراير عام 2016. كما حرص مثلًا على توجيه خطابات للشعب الإيراني في عيد النيروز. وتكررت رسائله للعالم الإسلامي في كافة خطاباته التي تناول فيها مواجهة التطرف العنيف والإرهاب والسياسة الخارجية والأمن القومي الأمريكيين. وبمراجعة عدد هذه الخطابات ومضمونها، نلحظ أن العالم الإسلامي يظل يحتل مكانة مركزية وأولوية في سياسة الولايات المتحدة رغم شيوع الحديث بتوجه الولايات المتحدة نحو آسيا وتراجع أهمية المنطقة العربية في السياسة الأمريكية.
وكما فعل أوباما في الحرب العسكرية على ما يسميه بالتطرف العنيف والإرهاب من خلال خفض القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان من 180 ألفًا إلى 15 ألفًا فقط ومحاربة داعش من خلال تحالف دولي يضم 66 دولة بالإضافة إلى التحالف الدولي في أفغانستان الذى يضم 40 دولة بهدف تقليل خسائر الولايات المتحدة الاقتصادية والبشرية والتي تجاوزت تريليون دولار وسبعة آلاف قتيل ومئات الآلاف من الجرحى ونقل الأعباء على الآخرين وبخاصة الدول الإسلامية التي تجد لها فيها هذه الجماعات موطئ قدم، واكتفاء الولايات المتحدة بالضربات الجوية والطائرات بدون طيار وتدريب القوات المحلية وبيع الأسلحة لها.
وقد اتبع نفس الأسلوب في مجال الدبلوماسية العامة؛ ففي خطابه في السادس من يوليو 2015 دعا المجتمع الدولي للاتحاد ضد التطرف بقيادة الولايات المتحدة والتي ستعمل مع شركائها لمواجهة دعاية داعش وخاصة على الإنترنت. وأكد أن الولايات المتحدة سوف تعمل مع المجتمعات المسلمة حول العالم والتي تستهدفها داعش، وأن الحرب من أجل القلوب والعقول لن تكسبها أو تخسرها الولايات المتحدة بمفردها. وأن على المجتمعات الإسلامية بما فيها العلماء ورجال الدين العمل لرفض التأويلات المحرفة للإسلام[15]. وقد تضمنت خطابات مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشئون الدبلوماسية العامة التأكيد على أنهم سيعملون على إظهار الأصوات غير الأمريكية المحاربة لداعش لأنها الأكثر تأثيرًا من الأصوات الأمريكية[16]. وفى هذا الإطار عملت الولايات المتحدة مع الإمارات لتأسيس مركز صواب في أبو ظبي كمنصة لدعم جهود الحكومات والقادة الدينيين والعلماء والشخصيات العامة والأفراد للتصدي للتطرف. كما تم استقطاب الدعاة من العالم الإسلامي للحوار مع نظرائهم في الولايات المتحدة.
ولغرض قيادة الجهود الدولية لمكافحة التطرف أسست وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون مركز الإعلام الإستراتيجي ضد الإرهاب CSCC والذي تم استبدال مركز الانخراط العالمي GEC به في عام 2016 بهدف بناء شراكات وشبكات عالمية ضد التطرف. ويشمل الشركاء المنظمات غير الحكومية والمدارس والشباب ورجال الدين والفنانين والشعراء والحكومات وشخصيات راديكالية سابقة وضحايا مسلمين لداعش. وتدعم الولايات المتحدة هؤلاء الشركاء من خلال التمويل والمنح والمساعدة التقنية وبناء القدرات وتنفيذ المشروعات المشتركة[17].
لقد كانت الرؤية الكامنة خلف نقل عبء مواجهة التطرف إلى المجتمعات الإسلامية هي ما يشير إليه جوزيف ناي من أن الحرب على الإرهاب الإسلامي اليوم مرتبطة بالحرب بين المعتدلين والمتطرفين، ولهذا فإن على الدبلوماسية العامة الأمريكية أن تركز على التواصل مع المعتدلين من أجل كسب عقولهم وقلوبهم.
أبعاد الدبلوماسية العامة الأمريكية:

البعد الأول: بعد اتصالي يومي

والذي يعني الاستعداد الدائم لتقديم معلومات سريعة، وهو يطلق عليه رواية القصة للمواطنين والصحفيين والإعلام بصفة عامة، بالإضافة إلى توصيل القيم الأمريكية وشرح سياسات الولايات المتحدة.
وأهم الوسائل التي تعنى بذلك هي السفارات من خلال ندوات ومقابلات وزيارات وتصريحات بهدف الاتصال المباشر بالجماهير، حيث تم مطالبة السفراء بالإكثار من اللقاءات مع كافة الأطراف والمواطنين والجماهير[18]، ومع قادة الرأي ورجال الدين والطلاب ورجال الأعمال.
وحظي الإنترنت وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي بالأولوية في الاستخدام في فترتي أوباما لا سيما الثانية وذلك لانتشارها وسهولة توصيل المعلومات من خلالها ولأنها تصل للجمهور المستهدف مباشرة وهو الشباب الذين يمثلون نحو 62% من سكان العالم الإسلامي. كما أن داعش نشيطة للغاية على تلك الوسائل بل وتفوقت على كافة دول العالم في استخدامها لنشر أيديولوجيتها وتجنيد عناصرها. وتم الاستعانة بعلماء دين من العالم الإسلامي ومنظمات غير حكومية وشخصيات عامة واستخدام اللغات العربية والصومالية والأردية والإنجليزية في توجيه هذه الرسائل بأن داعش ليست دولة وليست خلافة وليست إسلامية وأن الانضمام إليها محرم شرعًا وتنظيم ندوات ومؤتمرات لرجال الدين في المناطق التي تجد فيها داعش أرضية لتوجيه رسائل قوية ضدها[19]. ويتم التأكيد على مسئولية علماء المسلمين في مواجهة التطرف الذي انتشر في بعض المجتمعات الإسلامية وأن يتحركوا ليس فقط ضد أفعال داعش العنيفة ولكن أيضًا تفسيرات الإسلام التي لا تتسق مع قيم التسامح الديني والاحترام المتبادل والكرامة الإنسانية[20]. وعلى علماء المسلمين إيضاح ما يدعو إليه الإسلام من سلام وعدالة وتسامح مع الآخرين. وقد حرص أوباما على دعوة العديد من العلماء المسلمين في المؤتمرات التي عقدها بشأن مكافحة التطرف والإرهاب[21].

البعد الثاني: الاتصال الإستراتيجي

وهو البعد الذي يسعى إلى تحقيق تناسق بين كل المؤسسات المعنية بتنفيذ الدبلوماسية العامة بحيث لا تحدث تناقضات. ومن أهم الوسائل المستخدمة في هذا الإطار، راديو سوا وقناة الحرة التي تم إنشاؤها خصيصى للعالم العربي وتبث باللغة العربية، بالإضافة إلى مجلات باللغة العربية كمجلة مرحبًا وإذاعة صوت أمريكا التي تبث بالعديد من اللغات كالعربية والفارسية والأردية والكردية والباشتو.
البعد الثالث: بناء وتطوير علاقات طويلة المدى مع أفراد ومؤسسات في العالم الإسلامي:
عن طريق البعثات الدراسية والتبادل الطلابي ودورات التدريب والمؤتمرات، وذلك بهدف خلق جماعات موالية للولايات المتحدة في الدول المختلفة.
وحظي موضوع تغيير الكتب الدراسية بأهمية كبيرة وذلك بهدف حذف ما يرونه التصورات السيئة عن الأقليات الدينية لا سيما الشيعة والمسيحيين واليهود، والتأكيد على أن استخدام العنف للتعبير عن المظالم السياسية غير مقبول[22].
ويتم تنفيذ هذا البعد من خلال منح فئات معينة فرصة زيارة الولايات المتحدة ومعايشة واقعها، سواء كانوا من قادة الفكر أو علماء الدين أو الشباب أو المدرسين أو الصحفيين ممن يملكون قدرة على التأثير في دائرة واسعة من الناس، ومن يتوقع أن يصبحوا قادة في المستقبل.
ويشمل هذا البعد منحًا مثل منح مؤسسة فولبرايت للتبادل الطلابي، سواء لطلاب الجامعات أو المدارس الثانوية، وبرامج تعليم اللغة الإنجليزية للطلاب والكبار، وبرامج للتدريب على ريادة الأعمال تقدمها الشركات الأمريكية، بالإضافة إلى ما تقدمه الولايات المتحدة من برامج لدعم الرعاية الصحية والتعليم والفرص الاقتصادية والمساعدات في مواجهة الكوارث والأزمات في الدول الإسلامية.
محتوى الرسائل الاتصالية في خطابات أوباما تجاه العالم الإسلامي:
أعطى انتخاب باراك أوباما أملًا للعالم وللكثيرين في العالم الإسلامي بانتهاء سياسات بوش التي أثارت استياءً عالميًا واسعًا حيث كان أول رئيس للولايات المتحدة من أصل أفريقي ولأب مسلم وعاش جزءًا من طفولته في إندونيسيا. فضلًا عما حرص عليه من أن يقدم للعالم بصفة عامة وعدًا بالتغيير. وقدم أوباما لغة جديدة تجاوز بها خطاب بوش عن الثنائيات، وأقر ببعض أخطاء الولايات المتحدة تجاه العالم الإسلامي، ووعد بالعمل على معالجة مصادر التوتر بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، وقال في أوائل خطاباته للعالم الإسلامي إنه ينشد بداية جديدة ترتكز على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، وأن الولايات المتحدة والإسلام لا يتعارضان ولا داعي للتنافس بينهما بل لهما قواسم مشتركة يلتقيان عبرها، وأن أمريكا لم ولن تكونَ في حرب مع الإسلام وإنما في حرب مع الإرهابيين الذين يشوهون الإسلام وأغلب ضحاياهم من المسلمين. كما استبدل عبارة الحرب على القاعدة ثم على تنظيم داعش وفروعهما بعبارة بوش الحرب العالمية على الإرهاب والذي فهم منه أنه حرب على الإسلام، ورفض باستمرار وصف التطرف أو الإرهاب بالإسلامي، وأكد أن التنظيمات الإرهابية يعتمدون على تفسير منحرف للإسلام وهم لا يمثلون جموع المسلمين ولا يتحدثون باسمهم ولا يدافعون عن الإسلام ولا تنسب جرائمهم إليه. وتعهد بالتصدي للصور النمطية عن الإسلام أينما ظهرت ودافع عن حق المسلمات في ارتداء الحجاب وملابس البحر، ورفض تصنيف المهاجرين إلى الولايات المتحدة على أساس ديني ووعد بالعمل على منع التمييز ضد المسلمين في الولايات المتحدة.
ووعد أوباما بالعمل لحل القضية الفلسطينية وإنشاء الدولة الفلسطينية وبالانسحاب من العراق وخفض التواجد العسكري في أفغانستان وإغلاق معتقل جوانتنامو.
ودعا أوباما قادة الدول الإسلامية لمواجهة المظالم الاقتصادية كالفقر والفساد التي يستغلها المتطرفون. ودعا الكونجرس لزيادة المساعدات الخارجية بوصفها ليست عملًا خيريًا وإنما عنصر أساسي في الحرب طويلة الأجل لمكافحة التطرف. ودعا الحكومات لمواجهة المظالم السياسية المتمثلة في قمع الشعوب وإنكار حقوق الإنسان وتهميش الأقليات الدينية والعرقية وتفضيل جماعات دينية بعينها على غيرها، لأنه إذا أصبح التغيير السلمي مستحيلًا فإن ذلك يعزز من الدعاية المتطرفة.
وقد تأرجحت قضية الترويج للديمقراطية في خطابات أوباما ما بين الهبوط ثم الصعود ثم الهبوط. إذ تبنت إدارة أوباما في سنواتها الأولى موقفًا معارضًا للترويج للديمقراطية وتغيير النظم بالعالم الإسلامي. ولم يعط أوباما أولوية لهذه القضية أو يعتبرها شرطًا لتطوير علاقته مع دول المنطقة، أملًا في كسب تأييد النظم الحاكمة لتحقيق أهداف أخرى مثل منع الانتشار النووي.
لكن مع الثورات العربية عاد أوباما ليتحدث عن الديمقراطية وعن أن مصالح أمريكا تتطلب التزامًا أمريكيًا بدعم الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية في العالم العربي والتي تلبي طموحات المواطنين. وأن الولايات المتحدة ستعمل على نشر الديمقراطية في المنطقة وستدعم عملية الانتقال إليها والتي بدأت في مصر وتونس. لكن الولايات المتحدة ستعارض أي محاولة من أي جماعة لتقييد حقوق الآخرين والاستحواذ على السلطة من خلال القهر وليس التوافق. كما وعد أوباما بتقديم مساعدات اقتصادية لمصر وتونس وإلغاء مليار دولار ديون عن مصر[23].
لقد أعطت الموجة الأولى للثورات العربية فرصة لإنجاح جهود أوباما في التصدي لتنظيم القاعدة والفكر المتطرف. لأن نجاح هذه الثورات السلمية في بدايتها في تحقيق تغيير سياسي أضعف جاذبية التنظيمات المسلحة. لكن الولايات المتحدة عملت على احتواء الربيع العربي ومنعه من السير في مساره الصحيح فأعلنت مساندتها للمظاهرات المطالبة بالتغيير في الدول العربية، وطالبت بتخلي حلفاء لها عن الحكم كانوا قد استنفدوا الغرض منهم. لكنها لم تقدم أي مساندة حقيقية لهذه الثورات بل على العكس دعمت الدول التي لم تشهد ثورات اقتصادية وسياسة لمنع قيام ثورات فيها واتهمت التيارات الإسلامية بسرقة الثورة ممن قاموا بها.
وتصرفت الولايات المتحدة تجاه هذه الثورات لمنعها من أن تحقق الهدف النهائي منها وأدركت أن استمرار هذه الثورات ونجاحها سوف يضر بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. ومن ثم تركت الولايات المتحدة المجال لحلفائها الإقليميين لوأد الثورات العربية. وعندما نجحوا في مبتغاهم تجاهلت الولايات المتحدة ما تم ووثقت علاقاتها مع النظم القديمة والجديدة بأقوى مما كانت عليه قبل عام 2011 لتحقيق الاستقرار ومواجهة الإرهاب وضمان استمرار تدفق النفط بأسعار منخفضة وزيادة قبول إسرائيل في المنطقة، والتي لم تعد ليس فقط العدو الرئيسي لكثير من النظم بل صارت شريكًا في مكافحة الإرهاب والتصدي لطموحات إيران الإقليمية. ومن ثم كان هناك تلاعب أمريكي بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وتم توظيفها لتحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة.
لقد أصبح أوباما يكرر كثيرًا نكتة ذات دلالة وهي “أن كل ما يحتاجه في الشرق الأوسط بعض المستبدين الأذكياء”[24]. بمعنى أن الولايات المتحدة ستدعم أي نظام مستبد في المنطقة شريطة أن يكون ذكيًا بما يكفي لتحقيق المصالح الأمريكية.

ثالثًا: تقييم نتائج الدبلوماسية العامة الأمريكية تجاه العالم الإسلامي في ظل إدارة أوباما

إن تقييم نتائج الدبلوماسية العامة الأمريكية يستدعي النظر إلى هذه النتائج من زاوية ما حققته للولايات المتحدة وما أدت إليه بالعالم الإسلامي.
بالنسبة للولايات المتحدة، فقد تراجعت وعلى نحو كبير المخاطر على مصالحها في العالم الإسلامي لا سيما في المنطقة العربية وتتعاون كافة دولها بما فيها إيران التي كانت تسمي الولايات المتحدة الشيطان الأكبر معها الآن لمكافحة ما يسمى بالإرهاب. وتتحمل هذه الدول العبء الأكبر في هذه الحرب ماليًا وعسكريًا وبشريًا. بل وصارت دول العالم الإسلامي تحارب بعضها البعض بالوكالة في سوريا واليمن وليبيا مما أدى إلى استنزاف هائل في قدرات الأمة وخلق صدوعٍ عميقة بين بعض مكوناتها لا سيما مع سعي بعض النظم والجماعات لإضفاء طابع طائفي ومذهبي وعرقي على الصراعات الحالية التي هي بطبيعتها صراع بين الثورة والثورة المضادة.
لقد أدى ذلك إلى تعظيم المصالح الأمريكية وتخلصيها من العبء الاقتصادي والسياسي والبشري من تدخلها المباشر في المنطقة، وأصبح بإمكانها نقل جزء من قواتها العسكرية إلى شرق آسيا لمواجهة الصعود الصيني، لا سيما وأن الأطراف الإقليمية أصبحت تتحمل عبء حماية الأمن الإقليمي وتتنافس فيما بينها لكسب ود الحليف الأمريكي وشراء المزيد من الأسلحة منه لتعزيز قدراتها العسكرية. كما أدى التنافس الإيراني الخليجي إلى تخفيض أسعار البترول مما أضر بالطرفين وأضر بمنافسي الولايات المتحدة الآخرين كروسيا وفنزويلا في حين استفادت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون واليابان.
وتعزز الأمن الإسرائيلي في المنطقة لا سيما مع انشغال غالبية جيوش وحركات المقاومة في المنطقة بالحرب ضد داعش أو بالحرب فيما بينها. بل صارت إسرائيل حليفًا لبعضهم في قتالهم للتنظيمات المتطرفة وعدائهم لإيران.
كما تراجع خطر ما يسميه أوباما بالتطرف العنيف على الولايات المتحدة، وحتى داعش يعتبرها أوباما ليست تهديدًا وجوديًا للولايات المتحدة. ويرى مؤيدوه أنه في فترة بوش كان تهديد القاعدة موجهًا مباشرة تجاه الغرب أما الآن فإن مركز الحرب تحول إلى داخل العالم الإسلامي فالصراع الآن داخله. وداعش هو تهديد وجودي للأنظمة في الدول العربية ولمفهوم الدولة القومية، ومن ثم على النظم العربية أن تتحمل المسئولية الرئيسية في مواجهته.
ومن ناحية ثانية، وفيما يتعلق بالدبلوماسية العامة فقد حققت الولايات المتحدة نجاحًا ليس كبيرًا في توثيق علاقات مع النظم والحكومات. فخلال إدارة بوش أحجمت بعض الدول عن التعاون معه بسبب ما كان يدعو إليه من تغيير النظم. اليوم تتعاون الكثير من النظم بكل حماسة مع الولايات المتحدة في تطبيق أجندتها لمكافحة ما يسمى بالتطرف، سواء بهدف كسب المزيد من ود الحليف الأمريكي وتعزيز شرعيتها أو بسبب ما تتبناه النخب العلمانية المسيطرة من توجهات معادية للتيارات الإسلامية ولأي دور للإسلام في الحياة العامة. وهناك حالة استنفار في كافة مؤسسات تشكيل الوعي في كثير من دول العالم الإسلامي لمراجعة المناهج التعليمية وإصلاح الخطاب الديني، وإعادة تعريف مفهوم الدين ليقتصر على الحياة الخاصة للأفراد وفق المعنى الضيق للدين السائد في الغرب.
ومن ناحية تأثير الدبلوماسية العامة الأمريكية على الشعوب الإسلامية وعلى صورة الولايات المتحدة لديها، لم تحقق هذه الدبلوماسية النتائج المرجوة. ويعود ذلك للأسباب التالية:
– أن أفعال أوباما كثيرًا ما تناقضت مع أقواله، فعندما تتناقض المبادئ مع المصالح يتم الانحياز إلى المصالح. كما فشل أوباما بالوفاء بوعوده التي قدمها للعالم الإسلامي في بداية فترته الأولى. فمن ناحية الصراع العربي/ الإسرائيلي؛ فقد ظلت الولايات المتحدة غير قادرة على التصرف كوسيط نزيه وظلت التوجهات المؤيدة لإسرائيل أحد أعمدة سياسات الولايات المتحدة في المنطقة في فترتي أوباما. وبالنسبة للحرب في أفغانستان فقد استمر أوباما على نفس مسار سلفه بوش وقام بالتوسع في استخدام الطائرات بدون طيار. وصحيح أن أوباما سحب قواته البرية من العراق، لكنه زاد من استخدام السلام الجوي والطائرات بدون طيار في الحرب على القاعدة وداعش، وهذه الطائرات قتلت بأوامر من أوباما مئات من المشتبه فيهم بالإرهاب وأعدادًا لا تحصى من المدنيين. وبالنسبة لوضع المسلمين داخل الولايات المتحدة فعلى الرغم من وعود أوباما المتكررة، فقد استمرت ظاهرة الإسلاموفوبيا وتنميط المسلمين في النمو تحت سمع وبصر الإدارة الأمريكية ووجد المسلمون أنفسهم ضحايا للمجتمع المدني والوكالات الفيدرالية وتزايد مناخ الكراهية وعدم التسامح ضدهم[25].
– التناقض بين بين أقوال أوباما بعضها البعض. لقد بدأ أوباما خطاباته في الدبلوماسية العامة بالتأكيد على أن الولايات المتحدة والإسلام لا يعارضان بعضهما البعض ولا داعي للتنافس بينهما بل لهما قواسم ومبادئ مشتركة. وأن أمريكا ليست ولن تكون في حرب مع الإسلام. وأن التطرف العنيف لا يتطابق مع الإسلام، والإسلام ليس جزءًا من المشكلة ولكنه جزء من الحل، والمتطرفون ليسوا قادة دينيين ولا يمثلون أو يتحدثون باسم الإسلام أو المسلمين وهم جزء ضئيل من المسلمين ويشوهون الإسلام. واستمر في تكرار ذلك لسنوات. لكنه عاد وناقض مقولاته في حواره الأخير مع مجلة أتلانتيك ليقول إنه لا يوجد حل شامل “للإرهاب الإسلامي” حتى يتصالح الإسلام نفسه مع الحداثة ويتسق مع بعض الإصلاحات الشبيهة التي غيرت المسيحية[26]. وبالتالي فهو يرى المشكلة في الإسلام نفسه وأنه يجب علمنة الإسلام وقصر دوره على الحياة الخاصة للأفراد.
– كما عاد أوباما عن كل الوعود التي قطعها في تلك الخطابات وأكد في حواره مع مجلة أتلانتيك أن هدفه من خطابه للعالم الإسلامي في القاهرة عام 2009 كان إقناع المسلمين بالبحث بشكل أعمق عن جذور معاناتهم وليتوقفوا عن ادعاء أن قضية الشرق الأوسط هي إسرائيل، لأن المشاكل الحقيقية التي يواجهها المسلمون هي مشاكل الحكم الرشيد، وحاجة بعض التيارات الإسلامية إلى تكييف عقائدهم الدينية مع الحداثة[27]. أي أنه تجاهل كافة مصادر التوتر بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي والتي تحدَّث عنها في خطاب جامعة القاهرة.
– وجود فجوة في الاهتمامات والأولويات بين الدبلوماسية العامة الأمريكية وبين أولويات شعوب العالم الإسلامي، فهم يهتمون بمواجهة التطرف والإرهاب ونشر قيمهم ومحاولة فرض نسقهم القيمي وإعادة تعريفهم للإسلام، لكننا نهتم بفلسطين وبأوضاع المسلمين وبالديمقراطية وبالتجديد الحضاري والذي يلعب فيه الدين دورًا محوريًا.
نخلص من كل ما سبق، إلى أنه رغم كثافة الجهود الأمريكية والمحلية فيما يتعلق بالدبلوماسية العامة لكنها تواجه بتزايد الوعي لدى الشعوب وهو الوعي الذي تنامى بفعل الحراك السياسي وتعدد مصادر المعرفة والإعلام البديل وتراكم الخبرة وعدم المصداقية للسياسات الأمريكية في المنطقة. وتقوم الشعوب وبعض منظمات المجتمع المدني الإسلامي والأفراد بحملة للدبلوماسية العامة الإسلامية وهي الدبلوماسية التي مارستها الأمة عبر تاريخها في احتكاكها بالأمم الأخرى من خلال الدعوة.
*****

الهوامش:

* طالب دكتوراة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.
[1]مروة عيسى ونسمة شرارة، الدبلوماسية العامة في العالم الإسلامي: الشعوب أبقى من الحكومات، حولية “أمتي في العالم”، العدد العاشر: الحالة الثقافية للعالم الإسلامي (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2010/2011) ص 82 متاحة على
http://www.hadaracenter.com/pdfs/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9.pdf
[2]- Lisa Blaydes and Drew A. Linzer Elite Competition, Religiosity and Anti-Americanism in the Islamic World, American Political Science Review, May 2012. p 2.
[3]هبة الله إسماعيل فوزي إسماعيل فهمي، الدبلوماسية العامة كأداة للسياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس جورج بوش الابن (2000 – 2008) رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، 2010. ص 107.
[4]- The White House, Remarks by President Obama at the Leader’ Summit on Countering Isis and Violent Extremism, Sep. 29. 2015.
[5]- أ. د. نادية محمود مصطفى، في ظاهرة التوقعات من أوباما: حول الحاضر الغائب منذ حفل تنصيبه رئيسًا إلى خطابه للعالم الإسلامي في القاهرة، مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2009، صـ 2 . متاح على:
https://hadaracenter.com/pdfs/%D8%A3%D9%88%D8%A8%D8%A7%D9%85%D8%A7.pdf
4- عصام عبد الشافي، الإٍسلام في الرؤية الأمريكية، أكتوبر 2012، متاح على:
http://islammemo.cc/print.aspx?id=156565
[7]-Allen Keismetter and Bishop John Chane Diplomacy and Religion, The Brookings Project on U.S. Relations with the Islamic World, Nov. 2013. p 3 available at
https://www.brookings.edu/wp-content/uploads/2016/06/Religion-and-Diplomacy_English_Web.pdf
[8]-Jeffrey Goldberg, The Obama Doctrine, The Atlantic, April 2016 Issue, p 12. Available at http://www.theatlantic.com/magazine/archive/2016/04/the-obama-doctrine/471525/
[9]- أ. د. نادية محمود مصطفى ود. معتز بالله عبد الفتاح (محرران)، الدبلوماسية العامة الأمريكية تجاه العالم العربي (القاهرة، مركز حوار الحضارات كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، 2008)، صـ 16.
[10]-USA State Department, Public Diplomacy: Strengthening U.S. Engagement With The Islamic World, 2010. Available at
https://uscpublicdiplomacy.org/sites/uscpublicdiplomacy.org/files/legacy/pdfs/PD_US_World_Engagement.pdf
[11]-Sarah A. Aghazadeh, “Public Diplomacy for a Global World: The United States and Iran” (2015), Master’s Theses, San Jose State University, p 66.
[12]- مروة عيسى ونسمة شرارة، مرجع سابق، صـ 83 .
[13]-Walter Douglas and Jeanne Neal, Engaging the Muslim World, Center for Strategic International Studies, 2013. P 2.
[14]- هبة الله إسماعيل فوزي إسماعيل فهمي، مرجع سابق، صـ 117 – 129.
[15]- Barack Obama Speech on the Progress Toward Defeating ISIL,6 July 2015. Available At
http://www.americanrhetoric.com/speeches/barackobama/barackobamaisilprogresspentagon.htm
[16]- STATEMENT OF RICHARD A. STENGEL DEPARTMENT OF STATE UNDER SECRETARY FOR PUBLIC DIPLOMACY & PUBLIC AFFAIRS BEFORE THE 114th CONGRESS U.S. HOUSE COMMITTEE ON FOREIGN AFFAIRS JULY 13, 2016, p2. Available at
http://docs.house.gov/meetings/FA/FA00/20160713/105223/HHRG-114-FA00-Wstate-StengelR-20160713.pdf
[17]- لمزيد من المعلومات عن المركز يمكن الرجوع إلى موقعه على الإنترنت: http://www.state.gov/r/gec/
[18]-Hilary Clinton, Leading Through Civilian Power, Foreign Affairs, November/December 2010 Issue. P 5
[19]-Rashad Hussain, Special Envoy and Coordinator for Strategic Counterterrorism Communications, A Strategy for Countering Terrorist Propaganda in the Digital Age, June 12, 2015, p 5. Available at http://www.state.gov/r/cscc/releases/243877.htm
[20]- Barack Obama, Speech on Foreign and Domestic Counter-Terrorism Strategies,
6 December 2015. P 4. Available at
http://www.americanrhetoric.com/speeches/barackobama/barackobamaforeigndomesticterrorismresponseovaloffice.htm
[21]-Barack Obama, Speech On Countering Violent Religious Extremism
18 February 2015, p 4. Available at
http://www.americanrhetoric.com/speeches/barackobama/barackobamaviolentreligiousextremism.htm
[22]-Rashad Hussain, ibid, p6.
[23]-Barack Obama, Speech On American Diplomacy in Middle East and Northern Africa, 19 May 2011.
[24]- Jeffrey Goldberg, ibid, p 15.
[25]-M. A. Muqtedar Khan and Sara J. Chehab, American Foreign Policy and the Continuing Struggle against Anti-Americanism in the Muslim World, In Bahram M. Rajaee and Mark J. Miller(eds), National Security under the Obama Administration (New York; Palgrave Macmillan,2012), p 105.
[26]- Jeffrey Goldberg, ibid, p 21.
[27]-Jeffrey Goldberg, ibid, p 14.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى