التصنيع العسكري والأبعاد الاقتصادية: قراءة في التجربة الإيرانية

مقدمة:
تُواجه الدول العربية والإسلامية اليوم تحدياتٍ تنموية معقدة، تتشابك فيها أبعاد السيادة الوطنية مع مقتضيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي ظل تصاعد الأزمات الدولية، وتحولات النظام العالمي، باتت الحاجة ماسّة لإعادة التفكير في مقاربات التنمية، من منظورِ حضاريٍ قادر على التفاعل مع المعايير العالمية دون الارتهان لها، وتُمثل التنمية المستدامة أحد هذه التحديات الجوهرية التي تواجهها الدول العربية والإسلامية، خصوصًا في السياقات التي تشهد توترات جيوسياسية وضغوطًا اقتصادية خانقة. وفي هذا الإطار، جاءت خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 لتوفر خارطة طريق شاملة، عبر سبعة عشر هدفًا، تندرج ضمن مجالات متعددة تشمل الاقتصاد، والحوكمة، والمجتمع، والبيئة. من بينها مجال “تنمية المجتمعات والدول”، والذي يتضمن أهدافًا جوهرية مثل: العمل اللائق ونمو الاقتصاد (الهدف 8)، الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية (الهدف 9)، السلام والعدل والمؤسسات القوية (الهدف 16)[1]، وغيرها من الأهداف ذات العلاقة بالتماسك الاجتماعي وتوازن التنمية داخل الدول.
في المقابل، تسعى بعض الدول إلى تعزيز قدراتها التنموية عبر أدواتٍ غير تقليدية، مثل التصنيع العسكري، باعتباره مجالًا استراتيجيًا يُعزز السيادة، ويفتح فرصًا للنمو الاقتصادي والتقني، كما هو الحال في التجربة الإيرانية، التي تُعتبر من أبرز النماذج في هذا المجال على مستوى العالم الإسلامي. إذ مثل التصنيع العسكري بالنسبة لإيران خيارًا استراتيجيًّا فرضتْه الظروف السياسية والاقتصادية، لا سيما في ظل الحصار والعقوبات الغربية المتواصلة منذ عقود.
ينطلق هذا التقرير من اختبار فرضية مركزية مفادها أن التصنيع العسكري في إيران لا يُمثل مجرد استجابة أمنية، بل يُعد أيضًا أداة اقتصادية وتنموية، تؤثر في مجالاتٍ متعددة من العمل والإنتاج والابتكار، وتُسهم في بناء الهياكل الأساسية، وتمكين الدولة من ترسيخ مؤسساتها الاستراتيجية. ومن هنا، يسعى التقرير إلى تقييم هذه التجربة في ضوء أهداف خطة التنمية المستدامة، وخصوصًا ما يرتبط منها بمسارات التنمية الاقتصادية بمختلف مجالاتها.
ويهدف التقرير إلى تقديم قراءة تحليلية نقدية لهذه التجربة، ضمن مقاربةٍ حضارية إسلامية، تحاول الربط بين ثنائيات السيادة والتنمية، وبين مقتضيات الأمن الوطني ومتطلبات النمو المستدام، مع استشراف ما يمكن استخلاصه من التجربة الإيرانية في السياق العربي والإسلامي. وذلك من خلال عدة محاور: أولًا- السياق الإيراني للتصنيع العسكري، ثانيًا- التحديات البنيوية، ثالثًا- تحليل الأبعاد الاقتصادية للتصنيع العسكري الإيراني في ضوء أهداف التنمية المستدامة، رابعًا- التصنيع العسكري والتنمية الاقتصادية: رؤية حضارية نقدية، خاتمة- خلاصات ودلالات.
أولًا- السياق الإيراني للتصنيع العسكري
- الجذور التاريخية لتوجهات التصنيع العسكري الإيراني
ترتبط نشأة وتطور الصناعات العسكرية في إيران ارتباطًا وثيقًا بسياقاتٍ سياسية وتاريخية معقدة، تعود جذورها إلى ما قبل الثورة الإسلامية عام 1979، لكنها شهدت تحولًا جذريًّا في أعقاب الثورة، جعل من هذا القطاع أحد الأركان المركزية في استراتيجية الدولة الإيرانية. ففي مرحلة حكم الشاه محمد رضا بهلوي، سعت إيران إلى بناء جيش قوي مدعوم بأسلحةٍ غربية حديثة، وبخاصةٍ من الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت المزوِّد الرئيسي للأسلحة والتكنولوجيا العسكرية لطهران. غير أن تلك المرحلة كانت تقوم على التبعية التقنية شبه الكاملة، إذ كانت إيران مستهلكًا للأنظمة العسكرية دون امتلاك ناصية إنتاجها أو صيانتها، وهو ما كشف عن هشاشة في البنية الدفاعية مع بداية الثورة[2].
مع قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979، تغيّرت المعادلة جذريًا. فقد أدى قطع العلاقات مع الغرب، وفرض حظر على تصدير الأسلحة إلى إيران، إلى فراغٍ استراتيجيٍ حادٍ في الإمدادات العسكرية. وسرعان ما تفاقمت تداعيات هذا الوضع مع اندلاع الحرب العراقية -الإيرانية (1980- 1988)، التي اعتُبرت من أطول الحروب التقليدية في القرن العشرين، وفرضت على إيران مواجهة آلة عسكرية مدعومة إقليميًا ودوليًا، في حين كانت محرومة من الوصول إلى مصادر السلاح العالمية.
دفعت هذه الحرب الطويلة صُنّاع القرار في طهران إلى إدراك أهمية التحرر من التبعية التسليحية، والانطلاق نحو بناء قاعدة صناعية عسكرية وطنية. وبرز في هذا السياق شعار “الاكتفاء الذاتي الدفاعي”، الذي تبنّته القيادة السياسية والعسكرية، ليس بوصفه طموحًا اقتصاديًّا فحسب، بل باعتباره خيارًا وجوديًا يعكس رؤيتها للسيادة والاستقلال. وقد تأسست في هذه المرحلة نواة أولى مؤسسات التصنيع العسكري، تمثلت في إنشاء ورش صيانة وتحويل، تطورت لاحقًا إلى مصانع ومنشآت إنتاج معقدة، أدارتها الدولة عبر وزارة الدفاع ودعم القوات المسلحة، وبدعمٍ مباشر من الحرس الثوري الإيراني.
لقد كان السياق التاريخي إذن حافزًا لبناء قطاع عسكري داخلي، لكن ما يُميّز التجربة الإيرانية هو أن هذه الدينامية تحوّلت من خيارٍ دفاعي إلى استراتيجيةٍ اقتصادية -تنموية. ومع نهاية الحرب، بدأت إيران في استثمار ما راكمته من خبراتٍ خلال الصراع، لتوسيع صناعاتها نحو إنتاجٍ أكثر تعقيدًا، كالطائرات دون طيار، وأنظمة الصواريخ بعيدة المدى، والمركبات المدرعة، مما مثّل انتقالًا من مرحلة “البقاء” إلى مرحلة “الاستقلال الاستراتيجي”[3].
هذا التحول التاريخي لم يكن فقط استجابةً للظرف الطارئ، بل أصبح نهجًا مؤسسيًا طويل المدى، تبنّته الدولة كجزء من بنيتها الأمنية والاقتصادية. ويمكن القول إن التجربة الإيرانية في هذا الجانب مثّلت حالةً فريدة بين دول الجنوب، التي غالبًا ما تظل أسيرة الاستيراد في المجال العسكري، إذ نجحت إيران -رغم القيود الدولية- في بلورة نموذج إنتاجي -عسكري، يحمل في طيّاته رؤى سياسية واقتصادية متشابكة.
- العقوبات الدولية ودورها في تعزيز الاكتفاء العسكري
من أبرز العوامل التي دفعت إيران نحو تعزيز صناعاتها العسكرية المحلية، واستمرارها في هذا المسار، هو الضغط المتراكم من منظومة العقوبات الدولية. فمنذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، بدأت الولايات المتحدة بفرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية والعسكرية المتدرجة على طهران، شملت حظر تصدير السلاح، وقطع العلاقات الدفاعية، وتجميد الأصول. ومع تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، ولا سيما بعد اتهام إيران بالسعي لامتلاك سلاح نووي، تم توسيع هذه العقوبات بشكلٍ غير مسبوق منذ عام 2006، من قبل مجلس الأمن الدولي، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ثم تلَتها عقوبات أمريكية وأروبية أحادية الجانب مرورًا بتصعيد الوضع بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018[4].
لقد شكلت هذه العقوبات، حافزًا داخليًّا لإعادة هيكلة السياسة الاقتصادية والعسكرية الإيرانية، بحيث يتم تقليص الاعتماد على الخارج في القطاعات الحيوية، وعلى رأسها التسليح والدفاع. ومن هنا، بدأت الدولة الإيرانية بالتوسع في تمويل البحث العلمي العسكري، وإنشاء مجمّعات إنتاج صناعي تحت إشراف وزارة الدفاع والحرس الثوري، مع منح الشركات التابعة لهما سلطاتٍ واسعة في الاستيراد، والتطوير، وحتى التصدير غير الرسمي.
وقد رافق هذا التوجه تعزيز لما يسمى في الخطاب الرسمي الإيراني بـ “اقتصاد المقاومة“، ذلك المفهوم الذي صاغه المرشد الأعلى عام 2014، وهو تصور يقوم على استثمار الطاقات المحلية، وتقليل الاعتماد على النظام المالي والاقتصادي العالمي، وتوجيه الموارد نحو القطاعات الاستراتيجية التي تحقق الأمن والسيادة[5]. وكان التصنيع العسكري على رأس هذه القطاعات، إذ وُجّهت إليه نسبة متزايدة من ميزانية الدولة، وجرى تطوير نماذج وطنية بديلة عن المستورد، شملت الطائرات المسيرة، والصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، والزوارق البحرية السريعة، وأنظمة الدفاع الجوي[6].
ولعل المفارقة التي تستوقف الباحثين أن العقوبات التي هدفت إلى إضعاف القدرات العسكرية الإيرانية، تحوَّلت إلى مُحفّزٍ هيكلي لابتكار حلول إنتاجية محلية، مما جعل إيران، برغم الحصار، من الدول القليلة في العالم النامي التي طورت قطاعًا عسكريًا قادرًا على الاستمرار بمعزل عن الدعم الخارجي الغربي المباشر. وهو ما جعلها لاحقًا تعتمد على الاكتفاء الذاتي العسكري كمرتكز للخطاب الرسمي حول “الاستقلال الاستراتيجي”.
ومع ذلك، لا يمكن التغاضي عن الآثار الجانبية السلبية لهذا النهج، فقد أدى تضخم القطاع العسكري وشركاته إلى تعزيز النزعة المركزية، وإضعاف التوازن بين المؤسسات المدنية والعسكرية[7]، كما أُثيرت تساؤلات داخل إيران نفسها حول الأولويات التنموية، والجدوى الاقتصادية من تخصيص موارد ضخمة للتصنيع العسكري على حساب قطاعات حيوية كالصحة والتعليم[8].
- المؤسسات الفاعلة في قطاع التصنيع العسكري الإيراني
لم يكن للتصنيع العسكري في إيران أن يبلغ مستوياته الحالية من التماسك والفاعلية دون وجود بنية مؤسسية متكاملة تجمع بين التخصص التقني، والدعم السياسي، والتمويل المستقل. وقد تشكّلت هذه البنية تدريجيًا منذ بداية الحرب العراقية -الإيرانية، ثم تطورت بشكلٍ أكبر في ظل العقوبات الغربية، حيث تقاسمت المسؤوليات ثلاث جهاتٍ رئيسة: وزارة الدفاع، ومنظمة الصناعات الدفاعية، والحرس الثوري.
- وزارة الدفاع ودعم القوات المسلحة
تُعد وزارة الدفاع الجهة الحكومية الرسمية المسؤولة عن التخطيط العام للقدرات الدفاعية، وتُشرف على عملية التصنيع والإمداد للقوات المسلحة النظامية. وقد تأسست بشكلها المؤسسي بعد الثورة عام 1981. وتحت مظلتها أُنشئت “منظمة الصناعات الدفاعية”، التي أُنيط بها تنفيذ السياسات الصناعية في المجال العسكري. تضم الوزارة عشرات المصانع والوحدات الإنتاجية الموزعة في مختلف أنحاء البلاد، وتعمل على تطوير مجموعة واسعة من المعدات، بما في ذلك الطائرات المسيرة وأنظمة الصواريخ[9].
تمارس وزارة الدفاع دورًا اقتصاديًا غير مباشر من خلال مؤسساتٍ تابعة، مثل صندوق “ساتا” (منظمة الضمان الاجتماعي للقوات المسلحة)، الذي تحوّل إلى تكتل اقتصادي ضخم يمتلك شركات في قطاعات مثل الصناعة، والأدوية، والنقل، والخدمات اللوجستية، والتجارة. تحصل الوزارة على أسهم في شركات مدنية لتسوية ديون الحكومة، مما يجعلها لاعبًا مهمًا في قطاعات لا علاقة لها بالأمن أو الدفاع. هذه الهيمنة تتعارض مع الدور التنموي المفترض للوزارة، إذ تُستخدم كياناتها كأدواتٍ لامتصاص الريع بدلًا من توجيهه لاستثماراتٍ استراتيجية لصالح التنمية العامة أو تحديث البنية العسكرية ذاتها[10].
- منظمة الصناعات الدفاعية (DIO)
تُعد هذه المنظمة الذراع الصناعي الأساسي للمنظومة الدفاعية الإيرانية، وتم إنشاؤها عام 1981 تحت إشراف وزارة الدفاع. تقوم المنظمة بإدارة منشآت الإنتاج والبحث والتطوير في المجالات الجوية، والبحرية، والمدرعة، كما تنخرط في تصميم وإنتاج منظومات الصواريخ بعيدة المدى. وقد لعبت DIO دورًا محوريًا في دعم عقيدة “الاعتماد على الذات”، خاصةً بعد حظر التصدير الأروبي والأمريكي منذ منتصف الثمانينيات. وتستفيد المنظمة من شراكات تقنية غير رسمية، تشمل دولًا مثل كوريا الشمالية والصين[11]، وهي من أكثر الهيئات غموضًا في المشهد الاقتصادي الإيراني؛ إذ لا تُنشر تقارير مفصلة عن ميزانياتها أو سلاسل توريدها، مما يعكس الطبيعة السرية لهذا القطاع.
تنشط DIO في المقام الأول في الصناعات العسكرية والدفاعية، وتُشرف على تطوير الأسلحة والذخائر والتجهيزات التقنية. وبشأن مشروعاتها المدنية، فإن منظمات كهذه في إيران غالبًا ما تُنشئ شركات تابعة أو متعاونة تنخرط في مجالات الصناعات الثقيلة، والمواد الهندسية، وأحيانًا في التقنيات مزدوجة الاستخدام. من المفترض أن تتركّز جهود DIO على تعزيز القدرات الدفاعية الوطنية، ولكن في السياق الإيراني، غالبًا ما تُستخدم واجهاتها للمشاركة في الاقتصاد التجاري، ما يُضعف الشفافية ويخلط بين الأولويات الدفاعية والتنموية[12].
- الحرس الثوري والمؤسسة الاقتصادية العسكرية
يُمثل الحرس الثوري الإيراني (IRGC) مركز الثقل الأهم في منظومة التصنيع العسكري، ليس فقط بوصفه مستهلكًا للسلاح، بل كمنتج مباشر له. فمنذ انتهاء الحرب مع العراق، بدأ الحرس في بناء مؤسسات صناعية خاصة به، أبرزها شركة خاتم الأنبياء للإعمار، التي تُعد اليوم واحدة من أضخم التكتلات الاقتصادية في البلاد، وتعمل في مجالات تشمل الدفاع، والاتصالات، والطاقة، والبنية التحتية. يستفيد الحرس من امتيازاتٍ قانونية ومؤسسية، تجعله في موقع منافس فعلي للدولة المدنية، وهو ما خلق ما يُسميه بعض الباحثين بـ “الاقتصاد العسكري – الموازي”، حيث تُدار مشروعات ضخمة دون رقابة برلمانية، أو شفافية مالية[13].
كما كشفت تقارير عن التمدد الواسع للحرس الثوري الإيراني في القطاعات الاقتصادية الحيوية، لا سيما في مجالات النفط والغاز، والبنى التحتية، والاتصالات، والصناعات البتروكيميائية، وذلك من خلال أذرعه الاقتصادية، وعلى رأسها مؤسسة خاتم الأنبياء للإعمار، التي تُعد أكبر جهة تنفيذية تتلقى عقود الدولة، وتُشرف على مشروعات استراتيجية ضخمة كالسدود والمجمعات الصناعية. هذا بجانب هيئة تنفيذ أوامر الإمام، التي تُسيطر على العديد من الشركات الكبرى في مختلف المجالات[14]، وتُقدّر بعض التقارير أن الحرس يرتبط بأكثر من 100 شركة، وتصل عائداته السنوية إلى 12 مليار دولار[15]، ما يجعله فاعلًا اقتصاديًا مستقلًا عن الرقابة المدنية.
بهذا، تكشف هذه المؤسسات الثلاث عن وجود بنية مزدوجة للتصنيع العسكري في إيران:
الأولى رسمية حكومية، تمثلها وزارة الدفاع ومنظمة الصناعات الدفاعية.
الثانية ثورية غير خاضعة للمساءلة المدنية، يُمثلها الحرس الثوري وشركاته.
ولا شك أن هذا التداخل بين المؤسستين يؤدي إلى إرباكٍ في الحوكمة الاقتصادية، كما يُضعف من فرص التنسيق مع القطاعات المدنية أو التنمية المتوازنة، خاصةً في ظل تضخم النفوذ العسكري في الاقتصاد.
ثانيًا- التحديات البنيوية للتصنيع العسكري في إيران
رغم التقدم الظاهر في قدرات إيران التصنيعية العسكرية، إلا أن هذه التجربة لا تخلو من إشكالات بنيوية وهيكلية تؤثر في فاعليتها التنموية، وتضع قيودًا على إمكانية تحويل هذا النجاح التقني إلى قوة اقتصادية مستدامة. وتُعد أبرز هذه التحديات مرتبطة بطبيعة النظام السياسي، وبنية المؤسسات، وتوزيع السلطة بين المدني والعسكري، إضافة إلى التوتر بين مقتضيات الأمن ومتطلبات الشفافية والمساءلة.
- غياب الشفافية في إدارة القطاع العسكري
تُعتبر الشفافية والمساءلة من المتطلبات الأساسية لأي قطاعٍ اقتصادي يسعى لتحقيق أثر تنموي مستدام، إلا أن الصناعات الدفاعية في إيران تُدار في معظمها ضمن بيئة مغلقة، تخضع لرقابةٍ محدودة للغاية من البرلمان أو الهيئات الرقابية. فميزانية وزارة الدفاع تُعرض على البرلمان كرقمٍ إجمالي دون تفاصيل، كما أن الإنفاق المرتبط بالحرس الثوري لا يخضع غالبًا لأي تدقيقٍ مدني رسمي، وهو ما يُنتج غموضًا في فهم مدى الكفاءة الاقتصادية لهذه الصناعات، أو توزيع عوائدها.[16] هذا الانفصال عن الرقابة المدنية يُسهم في ترسيخ اقتصاد ظل عسكري -أمني، يبتلع موارد عامة دون مردودٍ اجتماعي مباشر، ويُضعف قدرة الدولة على اتخاذ قراراتٍ اقتصادية.
أدى ذلك إلى انتشار ممارسات فساد ممنهجة تمارسها المؤسسات العسكرية وشبه الحكومية في الاقتصاد الإيراني، أبرزها فرض شراكات قسرية على الشركات الخاصة التي تُجبر على التعامل مع كيانات تابعة للحرس الثوري للبقاء في السوق، والتحايل على الخصخصة من خلال تحويل أصول الدولة إلى مؤسساتٍ شبه حكومية بقيادة عسكريين سابقين. كما تنخرط هذه الكيانات في غسيل الأموال عبر تأسيس شركات صُوَرية خارج البلاد للالتفاف على العقوبات. وتستفيد هذه الكيانات من امتيازاتٍ خاصة كالإعفاءات الضريبية وتحويلات النفط لتسوية ديونها، ما يمنحها قدرة احتكارية خارج قواعد المنافسة. الأخطر من ذلك هو استخدام التهديدات الأمنية كأداة ابتزاز ضد رجال أعمال ناجحين لإجبارهم على التنازل عن أسهمهم. كل هذه الممارسات تُكرّس ثقافة الريعية والمحسوبية، وتُقوّض بيئة العمل، وتتناقض بوضوحٍ مع الدور التنموي المفترض أن تضطلع به هذه المؤسسات[17].
- هيمنة الحرس الثوري وتضارب الصلاحيات
يُشكل الحرس الثوري مركز قوة مستقل داخل الدولة الإيرانية، ويتمتع بصلاحياتٍ اقتصادية وعسكرية وسياسية واسعة، حيث يُنافس في بعض الأحيان سلطة الحكومة المنتخبة. وقد أدى ذلك إلى تضارب مؤسسي واضح، خاصةً حين تُمنح الشركات التابعة للحرس عقودًا حكومية كبرى دون منافسةٍ حقيقية، مما يُقصي الشركات الخاصة، ويُعزز الاحتكار[18].
هذا التضخم في دور الحرس الثوري يُثير تساؤلات حول مدى انسجام التجربة الإيرانية مع مبادئ التنمية الشاملة، التي تفترض بيئة تنافسية، وتوزيعًا عادلًا للموارد، ودمجًا فعليًا للقطاعات المختلفة في مسارٍ وطني موحّد.
- التحدي الاجتماعي: الإنفاق العسكري مقابل الإنفاق المدني
أحد أبرز الإشكاليات البنيوية في نموذج التصنيع العسكري الإيراني هو خلل أولويات التخصيص المالي، حيث تُوجه مبالغ ضخمة إلى الصناعات الدفاعية على حساب قطاعات أخرى كالصحة، والتعليم، والخدمات الاجتماعية. وفي ظل تراجع قيمة العملة الوطنية وارتفاع معدلات البطالة، يُطرح على نطاقٍ واسع داخل إيران سؤال حول الجدوى الاقتصادية والاجتماعية لهذا النمط من الاستثمار في الأمن.
وهذا ما جعل نسبةً كبيرة من الشباب الإيرانيين رغم نظرهم إلى الصناعات الدفاعية كمصدر للفخر الوطني، إلا أنهم في الوقت ذاته يُطالبون بتوزيعٍ عادل للثروة والفرص، بما يشمل الاستثمار في التعليم وفرص العمل في القطاعات المدنية[19].
ومن دلائل ذلك، إخفاق النظام الإيراني في إدارة أزمة «كورونا» بفعل غياب الشفافية وتغليب الأهداف السياسية على المصلحة العامة. داخليًّا، زاد تفشي الفيروس من معاناة الإيرانيين في ظل أزمات اقتصادية واجتماعية قائمة، بينما اتسمت استجابة السلطة بالتأخر والتخبط. كما سعت الحكومة إلى تسييس الأزمة، مستغلةً الجائحة لتبرير فشلها وتوجيه اللوم إلى العقوبات الخارجية، مما عمّق فقدان الثقة وكشف عن أولوية الإنفاق الأمني على حساب صحة المواطنين.[20]
- القيود التقنية والتكنولوجية
على الرغم من التقدم الملحوظ في بعض الأنظمة الدفاعية، إلا أن الصناعات العسكرية الإيرانية ما زالت تعاني فجوات تقنية في مجالاتٍ عالية التعقيد، مثل أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة، والطائرات النفاثة المقاتلة، والتقنيات الإلكترونية الدقيقة. وقد أدى الحظر الدولي على تصدير هذه الأنظمة إلى إيران إلى اعتمادٍ مفرط على الهندسة العكسية والتقليد[21]، مما يُقيد الابتكار الحقيقي.
وحتى في حالات النجاح -مثل تطوير طائرات دون طيار أو أنظمة صاروخية قصيرة المدى- فإنها غالبًا ما تعتمد على مكونات مستوردة من السوق السوداء أو من دولٍ حليفة، مما يجعل سلسلة الإنتاج عرضة للتعطيل في حال تغير الظروف الجيوسياسية، الأمر الذي دفع إيران مؤخرًا للسعي لمواكبة التقدم التكنولوجي والحصول على تقنياتٍ حديثة من الذكاء الاصطناعي وتسخير ذلك في مجالات الإنتاج الاقتصادي والعسكري[22].
وبلا شك، فإن تفادي القيود التقنية والتكنولوجية في مجال الصناعات العسكرية لن يتأتى دون دعم البحث العلمي بالجامعات، وذلك من خلال التعاون في مشروعاتٍ بحثية وتطويرية، وتبادل الخبرات، وتوفير الدعم المالي واللوجستي للباحثين، لذلك يوجد تعاون وثيق بين المراكز العسكرية والجامعات لتطوير مجالات البحث العلمي لا سيما فيما يتعلق بالصناعات العسكرية الدفاعية[23].
- مركزية اتخاذ القرار وأثرها على التنمية المتوازنة
يرتبط التصنيع العسكري في إيران بقرارٍ مركزي لا يُخضع للحوارات المجتمعية، أو التقييم الدوري وفق معايير تنموية أو بيئية. وتُتخذ معظم القرارات الاستراتيجية من قبل مجلس الأمن القومي، وقيادة الحرس الثوري، ومكتب المرشد الأعلى[24]، مما يُقصي القوى المدنية والاقتصادية من التأثير في أولويات الدولة. وهذا النمط يُقلل من فرص المواءمة بين الأمن القومي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويخلق فجوةً بين المواطن والدولة، تُهدد استدامة النمو على المدى البعيد.
يتبيّن من خلال ما سبق أن التجربة الإيرانية في التصنيع العسكري لم تتكوّن في فراغٍ، بل نشأت وتطورت ضمن سياقاتٍ معقّدة تُشكّل فيها التهديدات الأمنية، والعزلة الدولية، وضغط العقوبات، دوافع بنيوية نحو بناء منظومة صناعية دفاعية متكاملة. وقد اضطلعت مؤسسات متعددة بأدوارٍ حاسمة في هذا المسار، تتقدمها وزارة الدفاع، ومنظمة الصناعات الدفاعية، ومؤسسة الحرس الثوري، بما يُمثّله من نفوذٍ مركزي في الاقتصاد والسياسة. إلا أن هذه التجربة، وعلى ما تُحققه من مظاهر السيادة والاستقلال التكنولوجي النسبي، لا تخلو من اختلالاتٍ هيكلية، من أبرزها غياب الشفافية، وتضخم دور المؤسسات العسكرية على حساب المدنية، والتوتر بين أولويات الأمن ومقتضيات التنمية.
وتأسيسًا على ذلك، تبرز الحاجة إلى تحليل الأثر الاقتصادي لهذه المنظومة الصناعية العسكرية، في ضوء أهداف محددة من رؤية التنمية المستدامة 2030؛ وذلك لتقدير مدى إسهام هذا النمط من التصنيع في تحقيق تنمية وطنية شاملة، أو إنتاجه لنموّ مشوّه يتعارض مع مبادئ العدالة والمؤسسية والاستدامة. هذا من خلال تفكيك العلاقة بين التصنيع العسكري الإيراني، وكل من: التشغيل، والابتكار، وبناء المؤسسات، استنادًا إلى أهداف خطة التنمية الأممية.
ثالثًا- تحليل الأبعاد الاقتصادية للتصنيع العسكري الإيراني في ضوء أهداف التنمية المستدامة
تنعكس العلاقة بين التصنيع العسكري الإيراني والنمو الاقتصادي في ضوء عدد من الأهداف الواردة ضمن خطة التنمية المستدامة 2030، وتحديدًا في مجال تنمية المجتمعات والدول، وهي: الهدف 8 المتعلق بالعمل اللائق ونمو الاقتصاد، والهدف 9 حول الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية، والهدف 16 بشأن السلام والعدل والمؤسسات القوية. ويهدف هذا التحليل إلى الوقوف على المدى الذي أسهم فيه هذا القطاع في تحقيق هذه الأهداف، أو تعارض معها، وهذا من خلال مؤشراتٍ كمية ونوعية، وقراءة نقدية حضارية.
- الهدف 8 – العمل اللائق ونمو الاقتصاد
- التشغيل وفرص العمل
مما لا شك فيه أن توسع قطاع الصناعات الدفاعية في إيران أدى إلى خلق فرص عمل مباشرة في المصانع التابعة لوزارة الدفاع، ومنظمة الصناعات الدفاعية، ومؤسسات الحرس الثوري، إضافة إلى فرص غير مباشرة في الصناعات المرتبطة مثل التعدين، والاتصالات، والطاقة، والصناعات التكميلية. وتُشير تقديرات غير رسمية إلى أن هذا القطاع يُشغّل مئات الآلاف من الأيدي العاملة، سواء بشكلٍ مباشر أو ضمن عقود فرعية، حيث قال عباد الله عبد الله أحد رؤساء شركة خاتم الأنبياء -التابعة للحرس الثوري- إن عدد من يعملون في مشروعات الشركة يبلغ مليون شخص[25].
غير أن هذه الفرص تعاني إشكاليات نوعية، أبرزها أنها لا تخضع دائمًا لمعايير العمل اللائق، من حيث الأجور، والحماية القانونية، أو المشاركة النقابية، خاصةً في المؤسسات التابعة للحرس الثوري، التي تتمتع بوضعٍ استثنائي خارج القانون المدني، مما يحدّ من انسجامها مع المعايير الدولية للعمل الكريم.
- النمو الاقتصادي والتحفيز الصناعي
ساهم التصنيع العسكري في تحريك عدد من القطاعات الاقتصادية، خصوصًا في ظل سياسة “الاعتماد على الذات”، حيث تلجأ إيران إلى تطوير بنيتها الإنتاجية محليًا بعد فرض العقوبات. وقد وفّر هذا التوجه فرصًا لنقل التكنولوجيا، وتعزيز التصدير، وإنشاء وحدات إنتاج جديدة. لكن، بالمقابل، فإن أثر التصنيع العسكري في الناتج المحلي الإجمالي يبقى غير واضح بسبب غياب الشفافية، واندماجه في “الاقتصاد الموازي” الخاضع للحرس الثوري.
وبالتبعية، فإن النمو الناتج عن الصناعات العسكرية في إيران نمو انتقائي وغير شامل، إذ لا ينعكس إيجابًا على تحسين جودة الحياة أو توزيع الدخل، كما أنه مرتبط بتوسيع النفوذ المؤسسي للمؤسسة العسكرية أكثر من كونه جزءًا من استراتيجية تنموية متكاملة.
- الهدف 9 – الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية
- الابتكار والتحول التكنولوجي
أجبرت العقوبات إيران على الاعتماد على الهندسة العكسية، وتطوير حلول محلية بديلة، مما أدى إلى نشوء منظومة ابتكار خاصة في قطاع الدفاع، شملت الطائرات دون طيار، والصواريخ، وأنظمة الاتصالات المُشفرة. ونجحت بعض هذه التقنيات في إيجاد تطبيقات مدنية، مثل النقل والاتصالات والبرمجيات، فيما يُعرف بـ “الصناعة مزدوجة الاستخدام”[26].
إلا أن هذه المنظومة محدودة في نطاقها وغير قابلة للتعميم الوطني، لأنها محصورة في دوائر أمنية مغلقة، ولا ترتبط بمنظومة الابتكار الأكاديمي أو الصناعي الأوسع، مما يُقلل من تأثيرها في ترقية البنية التحتية الوطنية الشاملة.
- تطوير البنية التحتية
أسهمت الشركات التابعة للحرس الثوري، وخصوصًا “خاتم الأنبياء”، في تنفيذ مشروعات كبرى في مجالات الطاقة، والأنفاق، والمياه، والطرق، وهو ما أدى إلى تحسُن ملموس في بعض مؤشرات البنية التحتية. غير أن هذه المشروعات غالبًا ما تُمنح دون منافسة شفافة، وتفتقر إلى التقييم التنموي الحقيقي، مما يحدّ من مساهمتها في التنمية المستدامة بمعناها الشامل.
ومن أمثلة ذلك، نشاط مجموعة «خاتم الأنبياء» الإنشائية في مجالاتٍ حيوية مثل الغاز، والصلب، والنحاس. وتندرج تحتها شركات متخصصة، منها «سبانير» في قطاع النفط، و«سباسد» التي تنفذ مشروعات كبرى لبناء السدود والأنفاق. وقد توسع نفوذ الحرس عبر «هيئة تنفيذ أوامر الإمام»، وهي كيان اقتصادي يضم ما يزيد عن 800 شركة برأسمال يُقدّر بنحو 100 مليار دولار، تعمل في قطاعاتٍ صناعية وإنتاجية مختلفة. هذا فضلا عن السيطرة على مؤسسات استثمارية مثل «Mehr Eghtesad Iranian» ومجموعة«Bahman» ، إضافة إلى «مؤسسة مستضعفي الثورة الإسلامية»، التي تدير ممتلكات صودرت بعد الثورة. كذلك من أبرز الأمثلة على تدخل الحرس في البنية التحتية الاستراتيجية، استحواذه عام 2009 على شركة الاتصالات الإيرانية «موبين ترست»، بعد إقصاء منافسين بذريعة أمنية. ويُعدّ هذا السيناريو امتدادًا لتدخله عام 2004 في إدارة مطار الإمام الخميني، حيث أوقفت قوات الحرس الجوية تشغيل المطار في يومه الأول، وتم منحه لاحقًا لشركة تابعة له، رغم فوز شركة تركية بالمناقصة[27].
كما يُلاحظ أن البنية التحتية التي تُطورها هذه الشركات تخدم الأهداف الاستراتيجية للدولة المركزية، انطلاقًا من خبراتها المكتسبة من مشروعات إعادة بناء البنية التحتية التي دمرتها الحرب بين إيران والعراق، أكثر من حاجات المجتمعات المحلية، فلا توجد مؤشرات على إسهامٍ يذكر للحرس الثوري أو شركاته في القطاعات الخدمية التي تمس المواطن بشكلٍ مباشر، مثل الصحة أو التعليم أو المرافق العامة، ما يُثير تساؤلات حول العدالة المكانية والتنموية.
- الهدف 16 – السلام والعدل والمؤسسات القوية
1- الأمن مقابل الاستقرار المؤسسي
يُروّج في الخطاب الرسمي الإيراني أن الصناعات الدفاعية تُسهم في تعزيز الاستقلال والسيادة الوطنية، وهذا ما يتحقق جزئيًا من خلال الردع العسكري. إلا أن هذا الإنجاز الأمني غالبًا ما يأتي على حساب توازن المؤسسات، إذ إن تغوّل الحرس الثوري في المجالين الاقتصادي والسياسي يُقوّض مؤسسات الدولة المدنية، ويؤدي إلى تآكل الثقة العامة بها.
كما أن الغياب شبه الكامل للرقابة والمساءلة، والتداخل بين الأجهزة الأمنية والاقتصادية، يؤدي إلى إضعاف مبدأ حكم القانون، ويُنتج صورة لمؤسساتٍ “قوية عضليًا، لكنها هشة قانونيًا”، وهو ما يتنافى مع جوهر الهدف 16 من خطة التنمية المستدامة.
2- العدالة الاجتماعية والتوزيع
أدى التوسع في الصناعات العسكرية، واحتكارها من قبل مؤسسات أمنية -عقائدية، إلى غياب العدالة في توزيع العوائد. فبينما تستفيد فئات معينة من العقود والوظائف والمكافآت، تبقى الفئات المهمشة خارج منظومة التمكين الاقتصادي. ولا توجد آليات شفافة تضمن أن تتحول أرباح هذا القطاع إلى خدماتٍ عامة أو مشروعاتٍ اجتماعية، مما يُرسخ الفوارق الطبقية، ويُضعف التماسك الاجتماعي.
حيث أدى تصاعد الإنفاق العسكري في إيران، لا سيما لصالح الحرس الثوري (IRGC) والمؤسسات الأمنية -العقائدية، إلى تعميق اختلال التوازن في توزيع الموارد العامة، وإقصاء قطاعات واسعة من المجتمع عن فرص التمكين الاقتصادي. فقد ارتفعت مخصصات الإنفاق العسكري من 7.3 مليار دولار عام 2022 إلى أكثر من 10.3 مليار دولار في 2023، أي بزيادة تجاوزت40%، كما يُضاف إلى هذه الأرقام تمويل غير معلن، يُقدّر بنحو 5.9 مليار دولار، يُضخّ مباشرةً من عائدات النفط وصندوق التنمية الوطني لصالح القوات المسلحة، دون رقابة برلمانية أو مدنية. ويتضح من البيانات المتاحة أن الحرس الثوري استحوذ على ما يقرب من 37% من إجمالي مخصصات الدفاع في السنوات الأخيرة، مقارنةً بـ27% قبل خمس سنوات. هذا التمركز المالي حول أجهزة عسكرية -أمنية، يتم غالبًا عبر بنود غير شفافة أو ذات طابع استخباراتي، يُرسّخ امتيازات حصرية لفئاتٍ محددة، على حساب الاستثمار في القطاعات الحيوية كالصحة، والتعليم، والبنية التحتية. وبهذا، يُساهم التوسع العسكري غير المتوازن في تعميق الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، ويُضعف أسس التماسك الوطني والتنمية الشاملة.[28]
رابعًا- التصنيع العسكري والتنمية الاقتصادية: رؤية حضارية نقدية
1- التصنيع العسكري كأداة للتمكين والسيادة
يحتل مفهوم التمكين مكانة مركزية في الرؤية الحضارية الإسلامية، بوصفه ناتجًا عن الإيمان والعمل الصالح، ومقترنًا بتحقيق العدالة، وإقامة القسط، ورفع الاستضعاف في الأرض. وقد ورد في قوله تعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [سورة الحج: 41]، ما يُفيد أن التمكين في التصور الإسلامي ليس مجرد هيمنة أو تفوق تقني، بل مرتبط بمشروعٍ قيمّيٍ شامل.
وفي ضوء هذا التصور، يُنظر إلى التصنيع العسكري– حين يرتبط برؤيةٍ حضارية جامعة- بوصفه أداة لحفظ الكيان، وصيانة الأمة، وضمان استقلال قرارها، وهو ما يندرج تحت مقاصد حفظ النفس، والدين، والمال، ومراعاة درء المفاسد. لا سيما أن التفوق الصناعي، وخصوصًا في المجالات الاستراتيجية، يُعد من مقتضيات “الكفاية السياسية”، التي تُمكّن الأمة من التحرر من التبعية والتحكم الأجنبي.
غير أن التمكين العسكري في المنظور الإسلامي يظل مُقيدًا بجملةٍ من الضوابط:[29]
- أن يكون وسيلةً لا غاية؛ أي أن التصنيع لا يُصبح مشروعًا قائمًا بذاته يُغرق الدولة في سباق تسلح دائم، بل هو موجه لتحقيق مقاصد التنمية والكرامة والاستقلال.
- أن يُسند إلى مؤسساتٍ شفافة وخاضعة للمحاسبة؛ فالتفوق العسكري في الإسلام لا يُبرر تغوّل المؤسسة العسكرية على الحياة السياسية أو المدنية، بل يجب أن يعمل ضمن سلطة الأمة، لا فوقها.
- أن يُراعي أولويات الأمة واحتياجاتها المتكاملة؛ فلا يكون على حساب الإنفاق على الصحة، والتعليم، والعدالة الاجتماعية، التي تُعد مكونات أساسية لأي نهضة متوازنة.
من هذا المنظور، فإن التصنيع العسكري في إيران، وإن مثّل استجابةً لظروف التهديد والحصار، ويُحسب له أنه حقق درجةً من الاكتفاء والسيادة، إلا أنه يبقى دون النموذج الحضاري الإسلامي المتكامل، إذا ما نظرنا إلى موقعه من منظومة الحكم الرشيد، وتوزيع السلطة، والتوازن بين المدني والعسكري. فتمدد الحرس الثوري داخل الاقتصاد، وتحوله إلى فاعل فوق مؤسسي، يُعد انحرافًا عن معيار الحكم الرشيد في الإسلام.
كما أن غياب الشفافية، وهيمنة منطق الأمن على منطق التنمية، يُقلل من فرص تحقيق التمكين الحقيقي للأمة، لأنه يحول دون بناء قاعدة مجتمعية -تنموية حاضنة لهذا التقدم الصناعي. فالحضارة الإسلامية لا تنظر إلى القوة بمعزل عن العدالة، ولا إلى الاكتفاء التقني بمعزل عن التوزيع العادل للثروة، واحترام كرامة الإنسان بوصفه غاية ووسيلة للتنمية.
كذلك، على الرغم من التقدم اللافت الذي أحرزته إيران في مجال التصنيع العسكري، إلا أن هذه التجربة لم تستوعب بشكلٍ كافٍ الظرف الدولي الراهن وتعقيدات التحالفات الإقليمية والدولية، وهو ما قد ينعكس سلبًا على مستقبلها الاستراتيجي. فالمضي في تطوير منظومات عسكرية متقدمة دون امتلاك الرؤية المناسبة للتعامل مع التحولات السياسية والتحالفات العالمية، يُعرّض إيران لخطرٍ داهم يتمثل في تصاعد وتيرة العقوبات الاقتصادية، وتشديد الحصار، بل وربما فتح الباب أمام المزيد من التهديداتٍ المباشرة باستخدام القوة العسكرية. إذ إن تجاهل هذه الأبعاد الدولية يُهدد بتحويل الإنجاز التقني إلى عبءٍ استراتيجي، بدلاً من أن يكون رافعةً لأمن الدولة ونموها الاقتصادي ومكانتها الإقليمية.
لذلك، يمكن القول إن النموذج الإيراني -رغم ما يُسجَّل له من قدرات وإنجازات- يمثل حالة تمكين جزئي ومشروط، ناجم عن الضرورة الجيوسياسية، أكثر من كونه ثمرة لرؤية حضارية شاملة تستحضر الإنسان، والعمران، والمجتمع، ضمن نسقٍ متكامل.
2- مفارقات العدالة والتنمية في ظل التصنيع العسكري
يُشكّل الجمع بين العدالة والتنمية أحد التحديات المركزية في التجارب الاقتصادية المعاصرة، خصوصًا في السياقات التي تهيمن فيها المؤسسات العسكرية أو الأمنية على مفاصل الاقتصاد. وفي الحالة الإيرانية، تظهر هذه المفارقة بوضوح في العلاقة بين توسع الصناعات الدفاعية من جهة، وتوزيع مكاسب التنمية من جهةٍ أخرى.
رغم التقدّم التقني والاستقلال النسبي الذي أحرزته إيران في الصناعات العسكرية، لم تنعكس هذه الإنجازات على تحقيق العدالة الاجتماعية أو النمو الشامل. فقد أدى تضخم دور الحرس الثوري، عبر شركاته القابضة كـ “خاتم الأنبياء”، إلى ترسيخ اقتصاد مغلق ومركّزي تُهيمن عليه المؤسسات الأمنية على حساب القطاع الخاص والمجتمع المدني. وأسفر ذلك عن اختلالٍ في توزيع الموارد.
وتتجلى المفارقة الكبرى في أن القوة الصناعية والعسكرية التي تُعد من مفاخر الدولة، لم تُترجم بعد إلى عدالة توزيع الثروة أو تمكين حقيقي للمواطن، وهو ما يتناقض مع روح المقاصد الشرعية التي تضع رفع الظلم وإقامة القسط في صلب أي مشروعٍ تنموي إسلامي. كما يُضعف هذا التناقض من شرعية نموذج “التمكين العسكري” بوصفه نموذجًا كافيًا لتحقيق التنمية، دون استحضار أولوية الإنسان والمجتمع في هندسة الأولويات الاقتصادية والسياسية.
- حدود استنساخ التجربة الإيرانية في السياقات العربية والإسلامية
تحظى التجربة الإيرانية في التصنيع العسكري باهتمامٍ واسع داخل الأوساط السياسية والفكرية في العالم العربي والإسلامي، نظرًا لما حققته من اكتفاءٍ نسبي واستقلالٍ تقني في بيئة دولية ضاغطة. ومع ذلك، فإن محاولات استنساخ هذه التجربة كما هي، أو اعتبارها نموذجًا قابلًا للتطبيق في الدول العربية والإسلامية، تواجه تحديات بنيوية وعقبات فكرية ومؤسسية متعددة.
أول هذه التحديات يتعلق بـ الاختلاف الجذري في السياق السياسي والمؤسسي. فإيران قامت، منذ الثورة الإسلامية، على نموذج دولة مركزية أيديولوجية، ذات مؤسسات عسكرية -اقتصادية موازية، وأرضية شعبية تبرر هذا الخيار من منطلقات مقاومة وهيمنة خارجية. وعلى الجانب الآخر، تعاني أغلب الدول العربية ضعف في مؤسسات الدولة المدنية، ومحدودية في الإرادة السياسية لإنشاء صناعات استراتيجية مستقلة، في ظل التبعية المزمنة للأسواق والسلاح الغربي.
ثانيًا، تستند التجربة الإيرانية إلى منظومة تشريعية وتنظيمية تتيح للقطاع العسكري، وتحديدًا الحرس الثوري، النفاذ الكامل إلى الاقتصاد الوطني، بما في ذلك العقود الحكومية والقطاعات الاستراتيجية، في غياب منافسة حقيقية. أما في السياقات العربية، فإن تضخم القطاع الأمني -العسكري غالبًا ما لا يقابله إنتاج فعلي، بل يظهر في شكل إنفاق استهلاكي على التسلح، دون تطوير حقيقي لقاعدة صناعية وطنية. وهو ما يجعل من التصنيع العسكري، في كثيرٍ من الحالات العربية، مشروعًا نخبويًا محدود الأثر، أو واجهة للارتهان الخارجي.
ثالثًا، هناك اختلافات جوهرية في درجة التماسك الاجتماعي، والقدرة على تحمّل كلفة التحول الصناعي العسكري. فقد استطاعت إيران، رغم العقوبات، تعبئة رأسمال اجتماعي وثقافي وديني يدعم مشروعها الصناعي -الدفاعي، على الأقل في مراحله الأولى. في المقابل، تشهد بعض المجتمعات العربية حالة من الانقسام السياسي، والهشاشة المؤسسية، وانعدام الثقة بين المواطن والدولة، مما يجعل مشروعًا بهذا الحجم عرضةً للتسييس أو الفشل الإداري.
رابعًا، لا يمكن تجاهل أن تجربة إيران نفسها لا تزال محل نقد داخلي، ليس فقط بسبب الطابع المغلق للمؤسسات العسكرية، بل أيضًا بسبب غياب العدالة في توزيع عوائد الصناعة العسكرية، وعدم انعكاسها في تحسين مستويات المعيشة أو تقوية القطاع المدني. وهذا ما يجعل استنساخها دون قراءة نقدية مخاطرة فكرية واستراتيجية.
أخيرًا، من منظور حضاري إسلامي، فإن نقل التجارب لا يكون بآلياتها المجردة، بل بمقاصدها وشروطها الأخلاقية والاجتماعية. والتصنيع العسكري في أي سياقٍ إسلامي لا يكتسب شرعيته فقط من نجاحه الفني، بل من مدى خدمته لمقاصد الشريعة في حفظ الكرامة والعدالة والحرية والتكافل، ومن قدرته على التوازن بين الأمن وحق الإنسان في التنمية الشاملة.
ومن ثم، فإن أي مشروع للتصنيع العسكري في السياقات العربية يجب أن يُبنى على أسس: استقلال القرار السيادي، وتفعيل المؤسسات المدنية، ودمج المعرفة المحلية بالتقنيات الحديثة، والحوكمة الشفافة، وربط الأمن القومي بالعدالة الاجتماعية.
دون هذه الأسس، فإن استنساخ النموذج الإيراني قد يؤدي إلى ترسيخ “أمن دون تنمية”، أو “استقلال شكلي يُعيد إنتاج الهيمنة من الداخل”.
خاتمة: خلاصات ودلالات
بطبيعة الحال، لا يمكن اختزال التجربة الإيرانية في ثنائية “نجاح مقابل فشل”، بل ينبغي تفكيكها ضمن رؤية حضارية نقدية؛ تقيس المردود ليس فقط بالإنتاجية العسكرية، بل بتأثيره في ترقية الإنسان، واستقلال الأمة، واستدامة التقدم. وهو ما يفتح الباب أمام اجتهاداتٍ فكرية جديدة لإعادة تعريف مفاهيم مثل: “الأمن القومي”، و”التمكين”، و”السيادة الصناعية”، ضمن سياقٍ مقاصدي جامع، يُوازن بين القوة والحق، والمصلحة والقيم، والسيادة والعدالة.
في ضوء التحليل متعدد الأبعاد للتجربة الإيرانية في التصنيع العسكري، تتبيّن صورة مركّبة تُبرز من جهة قدرتها على الصمود والتحول في ظل العقوبات والتحديات الجيوسياسية، ومن جهةٍ أخرى ما تنطوي عليه من اختلالاتٍ داخلية تتعلق بالعدالة المؤسسية، وغياب التوازن بين القوة والتنمية، وبين الأمن والسيادة الشعبية.
وانطلاقًا من القراءة الحضارية للتجربة الإيرانية، يمكن التأكيد على أهمية:
- إعادة تعريف مفاهيم القوة والتمكين ضمن إطارٍ قيمي يتجاوز الإنجاز التقني، إلى ما يخدم حفظ المقاصد العليا: الكرامة، والعدالة، والتزكية العمرانية.
- بناء منظومات تصنيع عسكري في العالم العربي والإسلامي من داخل مشروع تنموي شامل، يربط الأمن بالمعرفة، ويجعل المؤسسات خادمة للمجتمع لا مهيمنة عليه.
- تعزيز الحوكمة والمساءلة في إدارة الصناعات الدفاعية، من خلال تقييد النفوذ العسكري داخل الاقتصاد، وضمان الشفافية، وتوزيع العوائد بشكلٍ عادل.
- تشجيع التكامل الصناعي بين الدول الإسلامية في المجالات الدفاعية، ضمن رؤية تعاونية تحفظ الاستقلال وتقلّل التبعية.
- إدماج التصنيع العسكري في أهداف التنمية المستدامة، خاصةً في مجالات التشغيل، والابتكار، وبناء الهياكل المؤسسية، وفق فهم نقدي للواقع وسعي واعٍ نحو الاستدامة.
بهذا الطرح، لا يُعاد إنتاج تجربة بعينها، بل يُبنى على دروسها لبناء نماذج أكثر اتساقًا مع روح المقاصد، واحتياجات الأمة، واستحقاقات اللحظة الحضارية الراهنة.
——————————————
الهوامش:
[1] قرار (70/1)، قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، 25 – 27 سبتمبر 2015، نيويورك، الأمم المتحدة، د.ت، ص 18، متاح عبر الرابط التالي: Https://2u.Pw/9l8ka9f
[2] للمزيد، انظر: حسن كريم الجاف، موسوعة تاريخ إيران السياسي، (بيروت: الدار العربية للموسوعات، الطبعة الأولى، 2008) المجلد الرابع.
[3] فرح الزمان شوقي، المجمع العسكري الإيراني… توسع في إنتاج السلاح والتصدير للخارج، العربي الجديد، 31 يناير 2017، تاريخ الاطلاع: 15 مايو 2025، متاح عبر الرابط التالي: Https://2u.Pw/O42ms
[4] غزل أريحي، إرث العقوبات على إيران.. أزمة اقتصادية وجهود للاكتفاء الذاتي، الجزيرة، 16 مايو 2025، تاريخ الاطلاع: 17 مايو 2025، متاح عبر الرابط التالي: Https://Aja.Ws/M4e0h4
[5] للمزيد انظر:
– إيران.. هل يحقق “اقتصاد المقاومة” أهدافه في ظل العقوبات الأميركية؟، الجزيرة، 25 مارس 2021، تاريخ الاطلاع: 17 مايو 2025، متاح عبر الرابط التالي: Https://Aja.Me/8bnkq9
– أحمد موسى، نظرية “اقتصاد المقاومة” ومرتكزاتها عند مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية، هسبريس، 22 يناير 2015، تاريخ الاطلاع: 17 مايو 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3TH39pW
[6] Ahmed Shamseldin, The Fate Of Iranian Economy After New US Sanctions And Possible Options Of The Regime, 11 Aug 2018, Accessed at: 18 May 2025, avilable at: Https://2u.Pw/Uzqkc
[7] Ibid.
[8] للمزيد انظر: سماح عبد الصبور عبد الحي، تشابك الداخل والخارج الأزمات في إيران ما بين الضغوط الداخلية والتدخلات الخارجية، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 8 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 18 مايو 2025، متاح عبر الرابط التالي: Https://2u.Pw/R5ooecze
[9] آية رجب أبو اليزيد وآخرين، جيوبولتيك القوى الاقليمية المعاصرة في الشرق الأوسط.. إيران وإسرائيل نموذجًا، المركز العربي للدراسات والبحوث، 29 ديسمبر 2024، تاريخ الاطلاع: 15 يونيو 2025، متاح عبر الرابط التالي: Https://Www.Acrseg.Org/44371
[10] Bijan Khajehpour, Competition, Cooperation, And Tension: Military-Business Relations In Iran, In: Yezid Sayigh And Hamza Meddeb, The Military And Private Business Actors In The Global South: The Politics Of Market Access, Carnegie, 19 August, 2024, Accessed: 15 June 2025, Link: Https://N9.Cl/C3axcc
[11] Defense Industries Organization (DIO), IRAN WATCH, Accessed: 20 May 2025, Link: Https://2u.Pw/Vizgm
[12] Bijan Khajehpour, Op. Cit.
[13] Kourosh Ziabari, The IRGC, Iran’s Military Industrial Complex, ASIA TIMES, 20 May 2019, Accessed: 20 May 2025, Link: Https://2u.Pw/Wmqfw
[14] عمرو الديب، الدولة الموازية للحرس الثوري في إيران، مركز المسبار للدراسات والبحوث، 20 مايو 2019، تاريخ الاطلاع: 22 مايو 2025، متاح عبر الرابط التالي: Https://2u.Pw/Dofjd
[15] الحرس الثوري.. حارس ثورة إيران المتوغل في مفاصل الدولة، الجزيرة، 13 أبريل 2024، تاريخ الاطلاع: 21 مايو 2025، متاح عبر الرابط التالي: Https://Aja.Me/Os4ls2
[16] منظمة الشفافية الدولية: الفساد في قطاع الدفاع والأمن الإيراني “حرج للغاية”، إيران انترناشيونال، 17 نوفمبر 2021، تاريخ الاطلاع: 23 مايو 2025، متاح عبر الرابط التالي: Https://2u.Pw/Vsnin
[17] Bijan Khajehpour, Op. cit.
[18] عمرو الديب، الدولة الموازية للحرس الثوري في إيران، مرجع سابق
[19] للمزيد انظر:
Nasim Salehi And Others, Predictors Of Life Satisfaction: A Nationwide Investigation In Iran, WILEY, 3 April 2024, Accessed: 25 May 2025, Link: Https://2u.Pw/5vfkz
[20] Mahmoud Hamdy Abo El-Kasem, Iran And The Coronavirus Crisis: Outcomes And Scenarios, International Institute For Iranian Studies, 21 Apr 2020, Accessed: 15 June 2025, Link: Https://2u.Pw/Zsjsz
[21] فرح الزمان شوقي، المجمع العسكري الإيراني… توسع في إنتاج السلاح والتصدير للخارج، مرجع سابق.
[22] نسرين بكارة، هل تعيد إيران تشكيل قواعد اللعبة العالمية عبر الذكاء الاصطناعي؟، الجزيرة، 24 أكتوبر 2024، تاريخ الاطلاع: 26 مايو 2025، متاح عبر الرابط التالي: Https://Aja.Ws/5md6q1
[23] دور الجامعات في الصناعات الدفاعية الإيرانية، جادة إيران، 12 نوفمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 18 يونيو 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://aljadah.media/archives/20060
[24] للمزيد حول آليات صنع القرار وبناء السياسات الإيرانية، انظر: إلياس ميسوم، النظام السياسي الإيراني وآليات صنع القرار فيه، المجلة الجزائرية للدراسات السياسية، المجلد الخامس، العدد الأول، 2018.
[25] بوزورجمهر شرف الدين، تحولات السياسة والاقتصاد.. شركة للحرس الثوري الإيراني تواجه أوقاتا صعبة، رويترز، 26 مايو 2016، تاريخ الاطلاع: 25 مايو 2025، متاح عبر الرابط التالي: Https://2u.Pw/Puqhk
[26] قاسم دنش، الهندسة العكسية في الحروب وتحليل التكنولوجيا المعادية.. كيف استفادت منها إيران؟، الميادين، 16 أبريل 2024، تاريخ الاطلاع: 27 مايو 2025، متاح عبر الرابط التالي: Https://2u.Pw/PV8xp
[27] عمرو الديب، الدولة الموازية للحرس الثوري في إيران، مرجع سابق.
[28] للمزيد انظر:
– إدريس بيرصاحب، خالد محمدي، مستقبل المجتمع الإيراني: إشكاليات وقضايا، مركز الجزيرة للدراسات، 23 مارس 2025، تاريخ الاطلاع: 16 يونيو 2025، متاح عبر الرابط التالي: Https://Studies.Aljazeera.Net/Ar/Article/6179
– Bita Ghaffari, Najmeh Bozorgmehr, Iran’s Defense Budget Set To Soar As Regional Tensions Rise, Financial Times, 29 Oct 2024, Accessed: 16 June 2025, Link: Https://2u.Pw/K3vd9
– Walid El Houri, Iran’s Military Spending Surge: A Reflection Of Global Militarization Amid Escalating Regional Conflicts, Global Voices, 3 Oct 2024, Accessed: 16 June 2025, Link: Https://2u.Pw/Cio1v
[29] للمزيد انظر: على محمد الصلابي، فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم: أنواعه، شروطه، وأسبابه، مراحله وأهدافه، (بيروت: دار المعرفة، الطبعة الخامسة، 2009) ، ص ص 160-320.