التحولات في السياسة الأمريكية الداخلية: أزمة في الديمقراطية

اللقاء الخامس من ملتقى التحولات والقضايا العالمية

افتُتِحت المحاضرة بعدد من المنطلقات المنهاجية، والتي جاءت على النحو التالي:

  • تكامل أبعاد أزمة الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية، بمعنى عدم انفصال الأبعاد السياسية عن الاقتصادية والثقافية؛ وعدم الاقتصار على البعد السياسي.
  • عدم الفصل بين المجالين الداخلي والخارجي، حيث نرى التأثيرات المتبادلة بين المجالين، الأزمة الداخلية مثلا في الولايات المتحدة لها انعكاساتها على الصورة الدولية والعكس يحدث كذلك.
  • الاقتراب من الأزمة الأمريكية من مدخل قيمي، دون إغفال العوامل المادية كذلك في التحليل.
  • العلاقة مع النموذج المعرفي الغربي المادي، حيث فهم الأزمة الأمريكية لا يمكن أن يكون مكتملا دون فهم خصائص النموذج المعرفي الغربي حيث التركيز على الماديات – فصل القيم عن الواقع أو حتى الاستخدام الميكافيلللي لهذه القيم.

الافتراض الأساسي للمحاضرة:

تأسَّس النموذج الأمريكي على عدَّة تناقضات تمثِّل السبب الرئيسي للأزمة والتي ربما تكون المحفِّز الأساسي والمحرِّك لعملية الصعف والتدهور.

محاور المناقشة:

أولا: ملامح أزمة الديمقراطية الأمريكية.

ثانيا: الأسباب المفسرة للأزمة.

ثالثا: العدوان على غزة وأزمة الديمقراطية الأمريكية.

رابعا: المنظور الحضاري في قراءة لمستقبل القوة والأزمة الأمريكية.

أولا: ملامح / مظاهر الأزمة

أ) الملامح السياسية للأزمة: داخليًّا وخارجيًّا

ملامح الأزمة داخليًّا:

1)تراجع ديمقراطي: حيث أبرز ملامحه

  • استقطاب وانقسام سياسي: ظهر مع اقتحام أنصار الرئيس السابق ترامب مبنى الكونجرس في 2021، وربما بدأ الانقسام بسبب بعض القضايا التقليدية مثل معدلات الضرائب، أو القضايا القيمية مثل الحق في الإجهاض أو الحياة. ثم تفاقم مع الوقت بحيث يطلق عليه “صراع على الهوية الثقافية”. بعض الأدبيات الآن تشير إلى أن الولايات المتحدة  لم تعد nation- state بل bi-national state or Dis-united states of America،  وبالتالي فإن كلًّا من الديمقراطيين والجمهوريين ينظرون للآخر على أنه تهديد لأسلوب الحياة الأمريكي وتهديد للقيم الأمريكية، وكلها مظاهر تشير -كما يقول لاري دايموند، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ستانفورد- إلى أن معايير الديمقراطية الخاصة بضبط النفس أو نبذ العنف تتفكَّك الآن في الولايات المتحدة وأصبح عدد كبير من السياسيين يتخلون عن المعايير الديمقراطية للوصول إلى السلطة أو الاحتفاظ بها.

2) تصاعد اليمن الشعبوي

  • انخفاض الثقة في الديمقراطية: فالمجتمعات عندما تفقد الثقة في أن الحكومات قادرة على حل مشكلاتها تقبل الخطاب الشعبوي الذي يعد بحل هذه المشاكل وهو ما يلاحظ في الولايات المتحدة. فوفق استطلاعات الرأي المختلفة فإنه يُلاحظ انخفاض الثقة في الديمقراطية الأمريكية: فنتحدث عن أن اعتزار الأمريكيِّين بديمقراطيَّتهم انخفض من 90% في العام 2002 إلى 54% في العام 2022، بالإضافة إلى أن 52% غير راضين عن الطريقة التي تدار بها الديمقراطية الأمريكية و57% يرون أن الولايات المتحدة لم تعد نموذجًا للديمقراطية.

هذه التوجهات شكَّلت بيئة مناسبة لصعود الشعبوية والتي تمثَّلت في رئاسة ترامب، والانقلاب على الثوابت الديمقراطية، وهي كلها أمور قابلة للتكرار في الانتخابات القادمة.

3) تصاعد التطرف والعنصرية والكراهية:

  1. لو نظرنا لفترة ترامب نجد خطابًا عنصريًّا صار مكوِّنًا أساسيًّا في الخطاب السياسي الرسمي.
  2. معاداة للمقولات الكبرى للديمقراطية الخاصة بقيم الحرية والمساواة.
  3. تصاعدت العنصرية الممنهجة وكان واضحًا في احتجاجات مجموعات Black lives matters, I Can’t Breathe.

كل هذه الممارسات كانت واضحة في فترة ترامب الذي -بدلا من تهدئة الوضع- كان يزيده سوءًا ببعض الاستعراضات المسرحية الدرامية، بالإضافة لتصاعد خطاب الإسلاموفوبيا.

4) التشكك والتشكيك في مصداقية الانتخابات:

  • اتهامات بتزوير انتخابات 2020.
  • حديث “التدخل الخارجي في الانتخابات الأمريكية”.
  • توظيف الأدوات السياسية للتلاعب بالانتخابات: ويكون عن طريق استخدام الأدوات التشريعية والبيروقراطية لكبح مشاركة قطاعات معينة في المجتمع الأمريكي وتحديدًا الأمريكان الأفارقة.
  • تزايُد الحديث عن عدم ديمقراطية نظام المجمع الانتخابي (خسارة عامة + مكسب نخبوي).
  • التلاعب في الدوائر Gerrymandering. (مدى تمثيل الكونجرس/ والرئيس للشعب)!!!

ملامح الأزمة السياسية خارجيًّا:

1) الاستقطاب بين الحزبين ما يجعل هناك صعوبة في رسم سياسة خارجية مستمرة وفعالة ومتماسكة نتذكر ما حصل في :

  • الاتفاق النووي الإيراني: وزير الخارجية أنتوني بلينكن يتحدَّث عن خطأ في الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.
  • تفاقية باريس للمناخ: التي تمت خلال فترة أوباما وانقلب عليها ترامب والجمهوريين عند وصولهم إلى السلطة.

فنجد عدم استمرارية في قضايا جوهرية على أجندة السياسة الخارجية الأمريكية.

2) القوة الناعمة تُضرب

صور مثل (اقتحام الكونجرس – عنف الشرطة ضد السود…)

دعمت الشكوك حول أطروحة فوكوياما بأن الديمقراطية الليبرالية كما نشأت في الدول الغربية تمثِّل نهاية التاريخ.

3) إعادة توزيع القوة العالمية:

  • تحدثنا عن صعود الصين في اللقاء السابق[1]:
  • من حيث قدرتها على بناء التوافقات، التوسُّط في الصراعات، الوساطة بين إيران والسعودية من غير تدخل الولايات المتحدة.
  • ترويجها لنظام متعدد الأقطاب وإنشاء منظمات بديلة.
  • روسيا ووضعها في سوق الطاقة العالمي.
  • نفقات الدفاع الكبيرة والتحركات السياسية لاستعادة دورها.

ب) الملامح الاقتصادية للأزمة: داخليًّا وخارجيًّا

داخليًّا:

1- ارتفاع مستوى ديون الحكومة الأمريكية وبلوغ العجز الفيدرالي 31 تريليون دولار.

2- شبح الركود.

3 – أزمات وانهيارات البنوك (واحد من أكبر الإفلاسات).

4- معارضة شعبية للنظام الاجتماعي والاقتصادي: أبرز تجلياتها (احتلوا وول ستريت 2011).

5- اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء: فالولايات المتحدة أكثر انقسامًا من أيِّ بلدٍ غربيٍّ فيما يتعلَّق بتوزيع الثروة، (نجد على سبيل المثال: أغنى 10% يحققون متوسِّط دخل سنوي أكثر بـ9 مرات من متوسِّط ما يحقِّقه 90% من المواطنين) ما يشكِّل تربة خصبة للخطاب الشعبوي.

6- انخفاض الأجور الحقيقية خلال السنوات الأربعين الماضية: وعلى الرغم من تراكم الثروة في الولايات المتحدة فإنها تركَّزت في يد قِلَّةٍ. ووفقًا لبعض التقديرات فإن أجور العمال هي في حقيقتها الآن نفس ما كانت عليه في عام 1979.

7- عدم الأمان الوظيفي بالنسبة لوظائف ذوي الياقات البيضاء، والعولمة أحد الأسباب في ذلك.

خارجيًّا:

كل أسس النظام الاقتصادي التي وضعتها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية تتعرَّض للتحدِّي الآن، ومن ذلك:

  • تراجع الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على الاقتصاد العالمي.
  • إنشاء مؤسسات بديلة للمؤسسات الاقتصادية الأمريكية.
  • تزايد الانتقاد للنظام الاقتصادي العالمي والمطالبة بالمزيد من العدالة العالمية.
  • شكوك حول وضع ومستقبل الدولار، بعد هيمنته أكثر من نصف قرن، نجد اقتصاديات ودول كبرى بدأت تقيم تجاراتها الثنائية بالعملات المحلية.
  • المنافسة مع الصين على الهيمنة الاقتصادية.

ج) الملامح الثقافية للأزمة:

أزمة قيم: الحرية / الديمقراطية / الجدارة / المساواة.

والكثير من المؤشرات التي تضحد هذه القيم، فنجد مثلا:

  • التمييز ضد الأمريكان من أصل أمريكي، مقابل صورة الولايات المتحدة كراعٍ رسميٍّ لحقوق الإنسان والديمقراطية في العالم.
  • المعايير المزدوجة واضحة وتراجعت قدرة الولايات المتحدة على تبرير أفعالها في الكثير من المواقف وكسب ثقة الرأي العام العالمي.
  • التشكيك في القيم الأمريكية من الأساس، حيث انتهاكات لحقوق الإنسان في جميع الحروب التي خاضتها وحالة سجن أبو غريب في العراق أكبر مثال على ذلك.
  • تحدي عالمية القيم الأمريكية وهو ما تتزعَّمه الصين / روسيا، وتزايد ردود الفعل الداخلية والخارجية على التوسُّع في الأجندة الخاصة بالحقوق الليبرالية وخاصة الترويج لمجتمع الحقوق ومجتمع الميم، ففي الداخل غضب من اليمين، وفي الخارج ردود فعل عنيفة كما حدث في أوغندا أو التشيك وغيرها من الانتقادات العالمية.
  • التصدي للقوى (غير الليبرالية) وعلى رأسها الصين، وقد اتبعت الولايات المتحدة في سبيل ذلك سياسات تتعارض تماما مع الانفتاح الليبرالي.

د) ملامح اجتماعية للأزمة:

  • التراجع في مؤشِّر التقدُّم الاجتماعي -أكثر مقياس شامل للأداء الاجتماعي والبيئي للدول-: حيث تراجعت الولايات المتحدة من المرتبة 16 في عام 2014 إلى المرتبة 28 في العام 2020.
  • قصور نظم الرعاية الصحية: فقد تكون الولاياتُ المتحدة الدولةَ الصناعيةَ الوحيدةَ التي لا توفِّر رعاية صحية شاملة للمواطنين، وقد كشفت أزمة كورونا بشكل واضح عن القصور في هذا القطاع.
  • المدن غير الآمنة: ويظهر ذلك واضحًا في حوادث إطلاق النار.
  • تراجع تنافسية التعليم وتقييد الحريات الأكاديمية: حيث أصبحت الجامعات اليوم مسؤولة عن تمويل نفسها، وتعمل بنفس منطق المؤسسات التجارية، وبالتالي تقع تحت تأثير نفوذ المانحين؛ ممَّا يحدُّ من الحريات الأكاديمية، وهو الأمر الذي حدث في كبرى الجامعات الأمريكية جرَّاء الحرب على غزة.

المحور الثاني: أسباب الأزمة

أولا: النموذج التأسيسي = قيم التأسيس السياسية

أزمة الولايات المتحدة هي من صنعها نتيجة النموذج الذي تأسَّست عليه، والتطوُّر المزدوج والانتهازي للقيم الذي تدَّعي أنها تقوم عليه.

1- ديمقراطية المسيحيين البيض The Racial Contract:

قامت الديمقراطية الأمريكية بالأساس لتمثِّل جماعةً سياسيةً من المسيحيين البيض واستبعدت بالقوة ملايين من الأمريكان الأفارقة لتكون قائمة على فكرة الاستبعاد العرقي.

– التحول الديمغرافي وتداعياته:

في الخمسينيات كان المسيحيون البيض يمثلون نسبة 90% من الهيئة الناخبة الأمريكية، ثم انخفضت هذه النسبة إلى 73% في العام 1993، ثم انخفضت إلى 57% في العام 2012، وتشير التوقعات إلى أنه في الانتخابات القادمة ستكون نسبتهم أقل من 50%.  وبالتالي يفقد المسيحيُّون البيض أغلبيتهم الانتخابية، ومن ثم مكانتهم الاجتماعية أيضًا، ويشعرون أن هذا الوضع بمثابة تهديد وجودي لمكانتهم المسيطرة في الولايات المتحدة.

– المسيحيون البيض بين الحزبين:

هذا التحول الديمغرافي أصبح بمثابة قنبلة سياسية، حيث الاختلافات العرقية والثقافية أصبحت تتجسَّد بشكل واضح في الحزبين، ولم يكن هذا الوضع في الماضي؛ فحتى السبعينيَّات كان المسيحيُّون البيض ينقسمون بشكل متساوٍ بين الحزبين الأمريكيَّين، ولكن نتيجة لتغيرات الحزبين الكبيرين أصبح كل منهما يمثل قطاعات مختلفة من المجتمع الأمريكي، فالديمقراطيون يمثلون تحالفًا متنوعًا من البيض المتعلمين ساكني الحضر، بالإضافة للأقليات والملونين، حيث نصف الناخبين الديمقراطيين تقريبًا من غير البيض، أما الحزب الجمهوري فما زال يتشكل باكتساح من البيض الأمريكيين.

وبالتالي فالأحزاب أصبحت بمثابة تعبير عن تقسيمات عرقية وهويات اجتماعية مختلفة، وتعبير أيضًا عن رؤى متباعدة حول حقيقة القيم الأمريكية و أسلوب الحياة الأمريكي وشعارات مثل Make America great again  في الانتخابات الأخيرة تعكس هذا الإحساس بالخطر من قبل الجمهوريِّين.

2- من الرقابة والتوازن إلى Vetocracy

– تحوَّلت العلاقة بين الحزبين من الكبح والتوازن إلى التصادم والعرقلة.

– نموذج حكم الأقلية: الآباء المؤسِّسون أقامو نظامًا دستوريًّا متحيزًا تجاه الولايات الصغيرة وقليلة السكَّان.

وبمرور الوقت انعكس هذا التحيز على تمثيلٍ مبالغٍ فيه لهذه الولايات في ثلاث مؤسسات كانت مصمَّمة من البداية لحماية الأقلية: المجمع الانتخابي – مجلس الشيوخ – المحكمة الدستورية.

– التداعيات: انخفاض عدد سكان الولايات الريفية الآن يفاقم المشكلة، وتشير التوقعات إلى أنه في خلال 20 سنة فإن 70% من سكَّان الولايات المتحدة سيتركزون في 16 ولاية، وهو ما يعني أن 30% من السكان سيتحكمون في حوالي 68% من مقاعد مجلس الشيوخ.

هذا التحيز الهيكلي لم يكن واضحًا حين كانت الأحزاب لديها أجنحة ريفية وحضرية متساوية، ولكن مع حدوث الانقسام أصبح هناك “تحيز هيكلي في النظام لصالح الحرب الجمهوري”.

3- ديمقراطية المال السياسي:

أصبحت الأموال تشتري العملية السياسية وخصوصًا الانتخابات، وبالتالي تم تحويل التفاوت في الوضع الاقتصادي إلى تفاوت في النفوذ السياسي، وأصبحت هناك علاقة ارتباطية إيجابية بين ثروة الأشخاص وتأثيرهم على صنع السياسات: حتى إن الدراسات توضِّح أن الفائزين بـ91% من مقاعد الكونجرس الأمريكي هم المرشَّحون الذين يحظون بدعم مالي كبير (الشركات – مجموعة من الأثرياء – جماعات الضغط) الأمر الذي يكرِّس حكم الأقلية ومصالح الأقلية لما تحمله هذه التبرعات من نفوذ سياسي للأثرياء.

4- تغول البعد الليبرالي بشقَّيْه (السياسي والاقتصادي)، على البعد الديمقراطي المتعلق بحكم الأغلبية والسيادة الشعبية:

  • تحولت الولايات المتحدة إلى نظام ليبرالي ولكنه شبه ديمقراطي، يطلق البعض عليه أوليجاركية أمريكية، حيث تمَّ إضعاف الإرادة الشعبية وصنع واتخاذ القرارات المصيرية أصبح يتم تحت تأثير (جماعات المصالح).
  • كما هيمنت القضايا النوعية والحقوقية ذات الطابع (الفردي / الشخصي) على حساب القضايا ذات الطابع الافتصادي والاجتماعي، حيث حقوق (المرأة / الأقليات / الحقوق الجنسية….) ومنظومة الحريات الفردية أصبح لها الأولوية ومتصدِّرة على الأجندة السياسية، على حساب قضايا العدالة الاجتماعية.

5- تأسَّست كجمهورية وليست كديمقراطية:

الولايات المتحدة لم تقم قطُّ على أساس “الحكم للشعب”، وكان هذا واضحًا في كتابات الآباء المؤسِّسين (هاملتون – جيمس ماديسون…) The Federalist Papers، حيث جوهر الديمقراطية من وجهة نظرهم كان يكْمن في الاستبعاد التام للشعب من أي حصة من الحكومة.

  • بدلا من ذلك وكما يقول ماديسون “سيتم ترجمة وجهات النظر الشعبية إلى سياسة شعبية من خلال انتخاب ممثلين يمكن لحكمتهم أن تدرك بشكل أفضل المصلحة الحقيقة للبلاد”. وبالتالي مؤسسة كالمجمَّع الانتخابي لم تكن من قبيل الصدفة، بل كان مقصودًا بها عزل اختيار الرئاسة عن الاختيار الشعبي بشكل كبير.
  • ونجد نعوم تشومسكي يصف النظام الأمريكي بـ(الديكتاتورية الناعمة)، تحكم الشعب باسم الشعب ولكن لا تضع السلطة في يد الشعب.

الخلاصة:

الأزمة السياسية في الولايات المتحدة هي نتيجة حتمية للقيم السياسة التي قامت عليها.

ثانيًا- القيم الاقتصادية:

إلى جانب القيم السياسة نجد قيمًا ذات بعد اقتصادي مرتبطة بالأزمة في الولايات المتحدة:

  • الرأسمالية: واستغلال الإنسان بدلا من تحريره. النظام الرأسمالي كما هو مبدع في خلق الثروة فهو مبدع في الظلم في توزيع الثروة، وهذا ما يجعل 1% من المجتمع يملك أكثر ممَّا يملكه 90% آخرين، وبهذا فالرأسمالية متتاقضة مع الديمقراطية، والأهداف تتعارض بشكل كبير. الرأسمالية في سبيل زيادة الربح وتعظيم الثروة لا تمانع في اللامساواة والفقر واستغلال الطبيعة واستغلال الإنسان بكافَّة الأشكال التي منها نشر الثقافة الاستهلاكية.
  • الاستهلاكية: من مجتمع مواطنين إلى مجتمع مستهلكين، وهذا ما يفسِّر الميل للاستدانة (واستخدام Credit cards). وهذا الميل الاستهلاكي يخدم مصالح رأس المال، وتعزيز الثقافة الفردية والمعتمدة على الثروة من القيم التي تعززها الرأسمالية، الخطير أن مسألة الثروة والفقر أصبحت متداخلة مع مسألة العرق واللون؛ فهناك فجوة في متوسط دخل الأسر البيضاء عن تلك الأسر الملونة أو الأقليات.
  • قيم العولمة: التي في سبيل تعظيم الربح أخذت الوظائف بعيدا عن الأمريكيين، تاركة العديد منهم دون أمان وظيفي، بالإضافة للتطورات التكنولوجية واستبدال الانسان بالآلات. وحدوث انفصال بين زيادة الإنتاجية وزيادة الأجور نتيجة العولمة.
  • الديمقراطية والمساواة الاقتصادية: يؤكِّد الأمريكيُّون على أن ديمقراطيتهم تهدف بالأساس لضمان تكافؤ الفرص دون العدالة الاجتماعية… فنجد الكثير من المدن الأمريكية والمناطق الريفية تعاني من الفقر لأن النظام قائم على فكرة الجدارة؛ التي أصبحت مبررًا لعدم المساواة بين الأثرياء والفقراء، فيصبح الفقير هو المسؤول عن فقره. وهو نمط يعرقل الحراك الاجتماعي بالأساس، حيث تنصبُّ استثمارات النخب الثرية بشكل أساسي في مجالين، هما: تعليم أبنائها لضمان إعادة استنساخ النخبة، والنفوذ السياسي ليكون لها تأثير في وضع الأجندة وتحديد قواعد اللعبة بشكل كبير.

ثالثًا: القيم الاجتماعية والثقافية

  • العنصرية: حركةBlack lives matters  كشفت عن تمييز داخل الجتمع الأمريكي، يتمثل في تعامل الشرطة مع الأقليات والأمريكيين السود، وصعوبة الحراك الاجتماعي للسود لعدم حصولهم على فرص متساوية في التعليم والرعاية الصحية.
  • معنى تكافؤ الفرص: نجد أن هناك شغفًا بالاستهلاك المادي، وهذه الهيمنة للنزعة المادية أدَّت إلى تدنِّي الجانب الإنساني والروحي وغياب الكثير من المعاني الأخلاقية التي تجعل الإنسان حسن السلوك…

المفكر الفرنسي روجيه جارودي: أشار إلى أن المجتمعات الغربية تعيش تطورًا مادِّيًّا، ولكن في نفس الوقت في ظلِّ انحطاط أخلاقي، وبالتالي فهي تُعاني من (أزمة قيم) تُسبب كثيرًا من الآفات الاجتماعية الموجودة.

المحور الثالث: العدوان على غزة وأزمة الديمقراطية الأمريكية

·        محاولة فهم الموقف الأمريكي

  • السابع من أكتوبر والاستراتيجية الأمريكية في المنطقة: يمكن القول إن السابع من أكتوبر شكَّل ضربة للاستراتيجية الأمريكية المخطط لها في المنطقة، حيث كانت تحاول إقامة حلف عربي-إسرائيلي يتولى إدارة الاستقرار في المنطقة ويدير الصراع مع إيران، لتتولَّى هي إدارة مناطق أكثر أهمية بالنسبة لها في هذه المرحلة، وهو الأمر الذي كان واضحًا في وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكية التي وقَّعها بايدن في أكتوبر 2022، والتي أوضحت أن الأولوية القصْوى لأمريكا على الساحة العالمية تكْمن في التفوُّق على الصين، ويليها الحدُّ من نفوذ روسيا؛ فتصبح الصين هي الغائب الحاضر في المعادلة.
  • وبعض التقارير تشير أيضًا إلى أن الولايات المتحدة كانت ربما تريد استنساخ نسخةٍ من حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط، والاتفاقيات الإبراهيمية كانت جزءًا من التأسيس لهذا الحلْف وتأسيس علاقة جديدة بين إسرائيل والدول العربية بالقفز على القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيِّين؛ والسابع من أكتوبر ضرب كل هذه المخططات في مقتل.
  • الممر الاقتصادي الهندي كبديل لطريق الحرير: المشروع الأمريكي المار بالهند وشبه الجزيرة العربية وإسرائيل وأوروبا، والذي كانت تنوي تنفيذه ليكون بديلا ومنافسا لمشروع الصين، أيضًا السابع من أكتوبر عطل من تنفيذ هذه الخطة.
  • وهو ما يؤكِّد ما تقوله د. نادية مصطفى من أن المنطقة دائمًا في قلب استراتيجيات القوى الكبرى وإدارة تنافستها وتوازنتها.

·       تداعيات الحرب على الأزمة الأمريكية:

  • العزلة “الأمريكية”: تسبَّبت الحرب في تعرية أخلاقية غير مسبوقة للولايات المتحدة على مستوى الرأي العام العالمي بالتأكيد سينعكس على نفوذ الولايات المتحدة في العالم.
  • القوة الناعمة النازفة: جوزيف ناي وغيره كثيرون يؤكِّدون على أن الولايات المتحدة تستمد قوتها من المؤسسات والأفكار والقيم التي تخدم الجميع، وهو الخلل الذي كشفتْه الحرب على غزة حين كشفت عن النفاق الأمركي Presentative، حيث إن تغنِّي الولايات المتحدة بالديمقراطية وحقوق الإنسان أصبح ورقة غير رابحة بعد الآن في الضغط على الدول.
  • التناقضات الأمريكية: فقد كانت الحرب عدسة مكبرة لكثير من التناقضات الأمريكية التي تحدثنا عنها، وجعلتها أكثر وضوحًا أمام الرأي العام الأمريكي، حيث شعرت قطاعات بأنها غير مؤثِّرة على الإطلاق، وبدؤوا في التساؤل والتشكك حول الكثير من الثوابت والقيم التي طالما تم الترويج لها في مجتمعاتهم، نتحدث عن فئة كالشباب ودور منصات التواصل الاجتماعي في تحررهم من السيطرة الإعلامية التي كانت تتحكَّم فيها النخب والمصالح التقليدية.
  • تعميق الأزمة السياسية الأمريكية بتعميق الانقسامات: كان البعض يفسر موقف بايدن بأن الهدف منه هو معالجة الانقسام بين الحزبين من خلال التوافق على قضية هي محل إجماع بينهما وهي (الوقوف مع إسرائيل)، لكن الحاصل أن الحرب تسبَّبت في نوع آخر من الانقسامات وهي انقسامات داخلية داخل الحزب الديمقراطي (الجناح التقدمي – الشباب – الأقليات الملونة…)، إذ أظهرت استطلاعات الرأي داخل الحزب الديمقراطي أن الأغلبية تدعم وقف إطلاق النار. وتعاطف أكثر مع الفلسطينيِّين (49% فلسطين – 38% إسرائيل) حتى قبل الحرب.
  • التأثير على انتخابات 2024: صحيح أن السياسة الخارجية الأمريكية لم تكن هي المحدد الأساسي لتصويت الناخبين، لكن نتيجة لنطاق العنف والكارثة الإنسانية في غزة فإن السياسية الخارجية تجد طريقها على أجندة الانتخابات الأمريكية.
  • التداخل مع قضايا الهوية والعرقية:

التقدميون داخل الحزب الديمقراطي أو خارجه بدؤوا في إضْفاء صيغة عرقية على الصراع  وتصويره على أنه صراع بين البيض الإسرائيليين والملونيين الفلسطينيِّين، وهي فكرة كانت ظهرت مع حركة BDS ثم اتَّسعت وعبَّر عنها سياسيُّون أمريكيُّون؛ فالنائبة أيانا بريسلي تقول “إنني بصفتي امرأة سوداء في أمريكا، لست غريبة عن وحشية الشرطة والعنف الذي ترعاه الدولة، لقد تمَّ تجريمنا بسبب الطريقة التي نظهر بها، ويُقال للفلسطينيِّين نفس الشيء الذي يُقال للسود في أمريكا: لا يوجد شكل مقبول من المقاومة”.

وبالتالي قد يكون موقف بايدن أكسبه دعم الجماعة اليهودية ولكنه يخاطر بخسارة أصوات التقدميين والأقليات المسلمة، ويعمِّق الشرخ بين الديمقراطيِّين حول الصراع في الشرق الأوسط.

  • الفجوة وعدم الثقة بين الجماهير والنخب (الشعب والساسة): حيث النخبة السياسية الأمريكية كلها كانت تدافع عن إسرائيل على العكس من قطاعات الطبقة الوسطى والمثقفين التي أصبحت تتساءل هل الحكومة تنفق أموالها بالفعل على قضايا تخدم المصلحة الوطنية أم بعض هذه النفقات تضر بالفعل المصالح الوطنية. وهي الفكرة التي تحدَّث عنها جون ميرشايمر وستيفان والت في كتابهما عن اللوبي الإسرائيلي.
  • تصاعد الانتقاد لإسرائيل من داخل الولايات المتحدة: والحديث عن أن موقف الولايات المتحدة من العدوان على غزة يساعد عل تغذية البيئة التي تسهِّل من تجنيد للجماعات المسلَّحة مثلما حدث مع القاعدة وداعش؛ ما يضرُّ باستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية التي تضع محاربة الإرهاب في الأولوية الثالثة.
  • هل هو تراجع للنفوذ الأمريكي؟

من منظور تنافسها مع الصين، حاولت الصين كسب ثقة الكثير من دول الجنوب والدول النامية، وحيث إن هدفها تقويض مكانة الولايات المتحدة والترويج لرؤيتها حول الحكم العالمي، فقد استفادت من تعاطف دول الجنوب مع فلسطين في الترويج لأن قيادتها مختلفة عن الولايات المتحدة وفي رئاستها لمجلس الأمن حاولت إثبات هذا التوجُّه بشكل كبير.

المحور الرابع: المنظور الحضاري وقراءة في مستقبل القوة الأمريكية

– ينطلق هذا المحور من سؤال رئيسي: لماذا على الرغم من المظاهر التي تحدَّثنا عنها والتي تشير إلى أزمة ومؤشرات ضعف، لا تزال الولایات المتحدة تتصرَّف بمنطق القوة وترى نفسها الأكثر قوة والأكثر تطوُّرًا؟

-وتكمن الإجابة في مقياس القوة والتقدُّم وفقًا للنموذج المعرفي الذي تنتمي إليه الولايات المتحدة.

فالفهم الغربي لكلٍّ من التقدُّم والقوة؛ قائم بالأساس على نظرة تركِّز على عناصر القوة المادِّيَّة؛ سواء كانت مؤشِّرات اقتصادية أو عسكرية، وهي تشكِّل العوامل المؤثِّرة في القوة والصعود أو الضعف والهبوط. إن مقياس التقدم الحضاري وفق هذه الرؤية يكْمن في حجم الإنتاج الكَمِّيِّ، ولذلك تؤكد هذه النظرة على العامل الخارجي المتعلِّق بالحرب في الإعلان عن الهبوط أو القوة الجديدة.

– ويختلف هذا التصوُّر مع الرؤية الإسلامية، حيث قوة الدولة تقوم على أساس قوَّتها الداخلية، بمعنى الاستقرار الداخلي، وقيام الحكم على أسس الحكم الصالح، والقیام على الأمر بما یصلحه (الحكم الجید)، وبالتالي فإن الانهيار يبدأ من الداخل.

– مفهوم القوة أيضًا في الرؤية الإسلامية يجمع بین العوامل القیمیة والمادیة: فقوة الدولة وبالتالي صعودها يرتبط بتوفر عدة عوامل، مثل العقيدة بشكل عام والقيم التي تدفع حركة الدولة وترشِّدها وتكون الأساس في قوتها ونشأتها، بالإضافة لعدم إغفال الجوانب العسكرية والاقتصادية.

– بهذا الشكل يحدث التداخل بین الإرادة الإلهية والفعل الإنساني، فالإرادة الإلهية نافذة، ولكن الأداة في تحقيقها هي الفعل الإنساني، وبقدر الابتعاد أو الاقتراب من السُّنن تكون العاقبة أيًّا كان الزمان أو المكان.

– وبالتالي يكون مقياس التقدُّم أو التفوُّق الحضاري والقوة: يكْمن في مدى أخلاقية الجماعة وسعيها لخدمة الأهداف الإنسانية الشاملة، والتي يعبِّر عنها مفهوم “الاستخلاف” في الإسلام.

الأمر الذي تفشل فيه الولايات المتحدة بجدارة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي؛ فعلى المستوى الداخلي تبدو الديمقراطية الأمريكية مزعومة لأنها تحاول أن تداري مبادئ الليبرالية الرأسمالية الاستغلالية تحت غطاء من الشعارات الخاصة بالديمقراطية والحرية، بينما الشيء الوحيد الذي له قيمة هو الثروة أو الربح؛ الأمر الذي يعزز الروح الفردية على حساب مصلحة الجماعة، وبالتالي فإن فكرة التفاوتات مقبولة على المستوى الداخلي.

وهذا ينطبق على سياستها الخارجية أيضًا، فالولايات المتحدة سَعَتْ إلى إعادة صياغة وترتيب العالم بما يتناسب مع  مصالحها، ولم تكن تحرُّكاتها السياسية أو العسكرية لخدمة أهداف نشر الديمقراطية أو تعميم العدل، وإنما تحكمها دائمًا مصالحها المادية الأنانية.

وهو ما أشار له جارودي حول أن الغرب يعتبر التقدُّم التكنولوجي هو المعيار الوحيد للتقدُّم… لكنها معايير تقود البشرية -من وجهة نظره- إلى الهاوية.

وفي هذا السياق يمكن استعراض آراء ابن خلدون حول صعود وهبوط الأمم، حيث يرى أن:

  • الفساد يبدأ من الرأس…
  • ساعة السقوط ترتبط بتسلم المسؤولية جماعة من الفاسدين التي تؤدي سياستهم إلى إلحاق التفكك والدمار بالجماعة.
  • هذا النمط من الإدارة يؤدي إلى فساد العمران (الحضارة المفسدة للعمران).

العوامل الفاعلة في عملیة الصعود والهبوط لدى ابن خلدون، هي:

  • عامل عقائدي – الدين بمعنى واسع: الدعوة الدينية الإصلاحية ( ویمكن أن نطلق علیه العامل القیمي).
  • عامل اجتماعي (العصبية) = التماسك الاجتماعي.
  • عامل اقتصادي: على اعتبار أن الملك يطلب من أجل ثمراته التي من أهمها: تجاوز ضرورات العيش وخشونته، ومن وجهة نظره الدولة تضمحل نتيجة استحكام عوائد الترف.

ولو حاولنا تطبيق هذه الأفكار الخلدونية على الحالة الأمریكیة، يمكن القول بأن مؤشرات الهبوط والضعف واضحة.

مؤشرات التدهور:

  • ضعف العصبیة “التماسك الاجتماعي” حیث الاستقطاب السیاسي المتزاید وزیادة الفوارق الاجتماعیة والانقسامات الثقافیة. وكلها عوامل تشير لضعف الشعور بالهوية والهدف المشترك؛ ممَّا يؤدِّي لاضطراب سياسي.
  • تحدیات اقتصادیة متزایدة، حيث تتزايد الفجوة بين الأثرياء والفقراء، وتبرز مقولة ابن خلدون “الظلم مؤذن بخراب العمران”، حيث أوضح كيف أن إتاحة المجال لفئة قليلة كي تملك أسباب الثراء في مقابل كثرة تتضوَّر جوعًا، هي مسألة في غاية الخطورة، خاصة إذا اقترن التملُّك بالسلطة، وهو الحادث الآن في الولايات المتحدة.

وأخيرًا.. تعتبر أزمة الديمقراطية الأمريكية عرضًا لمرض أساسي هو “أزمة القیم”؛ فخدمة الرأسمالية وتعظيم الثروة دفعت إلى التركيز على قيمة أساسية هي قيمة الحرية -تحديدًا الحرية الشخصية الجسدية- مع إغفال مطالب العدالة الاجتماعية والمساواة، وهي منظومة قيم تختلف عن الرؤية الإسلامية التي تتحفظ على جعل الحرية المطلقة قيمة عُليا، بل تجعل من العدل القيمة العُليا، بحيث لا تُفهم قيم الحرية والمساواة إلا في إطاره.

ختامًا:

* السُّنن تعمل بسبب تقصیر الجماعة عن أداء دورها المتوقَّع تجاه البشرية.

* السقوط الكامل لا یحدث إلا بعد أن تكون الجماعة قد استنفدت كافَّة مبرِّرات بقائها. وهنا يُطرح سؤال هل استنفذت الولايات المتحدة كافة مبررات بقاءها أم لا؟

* التطورات الداخلیة التي تم استعراضها تشیر إلى أن القوة الأمریكیة تتَّجه إلى الأفول، وبالطبع لا يمكن تحديد مدى زمني لهذا الأفول، فهذه الأمور لا تحدث على مدى قصير، لكن السنن الإلهية ستنطبق لا محالة.

 

التحولات في السياسة الأمريكية الداخلية: أزمة في الديمقراطية

د/ مروة فكري- مدرس العلوم السياسية – جامعة القاهرة

اللقاء الخامس: السبت، 20 يناير

يمكن مشاهدة المحاضرة من خلال هذا الرابط

إعداد التقرير : الزهراء نادي

 

هوامش

[1]  التنافس الأمريكي الصيني في الشرق الأقصى وتحولات النظام العالمي، موقع مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 16 ديسمبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=7898

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى