تحولات الرأي العام الغربي تجاه القضية الفلسطينية بعد طوفان الأقصى

مقدمة :

تعتبر الدعاية والبروباجندا الإسرائيلية أداة أساسية من أدوات السياسة الخارجية الإسرائيلية من أجل إدماج هذا الكيان غير الشرعي داخل المنطقة العربية والتطبيع مع الشعوب العربية بعد هرولة الأنظمة العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ولا سيما من خلال مواقع التواصل الاجتماعي فيما عرف بالتطبيع الرقمي؛ وذلك لاجتذاب الرأي العام وإعادة بناء واقع جديد، يعيد تشكيل الصورة الذهنية لإسرائيل في عقول شعوب المنطقة العربية، فإلى جانب الحرب العسكرية، تشن إسرائيل حربًا نفسية إعلامية من خلال احتكار الرواية الإعلامية حول القضية الفلسطينية، في ظلِّ غياب سردية عربية وفلسطينية.

وواصلت إسرئيل تلك الحرب النفسية الاعلامية، إلى أن جاء السابع من أكتوبر 2023؛ حيث مثَّلت أحداث طوفان الأقصى هزة قوية، ليس فقط للآلة العسكرية الإسرائيلية، بل للآلة الدعائية الإعلامية، فخلال طوفان الأقصى انهارت السردية الإسرائيلية أمام مشاهد الحقيقة التي فضحت الإرهاب الصهيوني، وهو ما ستحاول هذه الورقة البحثية تحليله من خلال عدَّة أسئلة رئيسية: هل تحول الرأي العام تجاه القضية الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر؟ ما مظاهر هذا التحوُّل وما هي أسبابه ودلالاته؟ ما مدى تأثير الرأي العام علي المواقف السياسية الرسمية؟ وما أثر هذا التحول على قضايا الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية؟ ما هو رد الفعل المضاد في الرواية الإسرائيلية لمجابهة هذا التحول؟ وكيف يمكن استغلال هذا التحول في الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية؟

أولًا- مؤشرات التحول في الرأي العام الغربي بعد طوفان الأقصى

في الأيام الأولى من انطلاق عملية طوفان الأقصى، طغت الرواية الإسرائيلية على المشهد، لا سيما وأن عملية طوفان الأقصى لم تسبقها أية انتهاكات أو استفزازات إسرائيلية واضحة، ومن ثم انشغل الرأي العام المتضامن مع فلسطين، على تأكيده للسياق الطويل والممتد للانتهاكات الإسرائيلية، وسط خطاب غربي إعلامي وسياسي صارم ينزع الحدث عن سياقه؛ وذلك حتى بدء الرد الدموي الإسرائيلي، حيث بدأت تتشكل معه وتتزايد القناعة بتجاوز الانتقام الإسرائيلي لحدوده، وهو ما أدَّى لفقدان الراوية الإسرائيلية حول هجوم 7 أكتوبر لزخمها، وهو ما يمكن التدليل عليه من خلال ثلاثة مؤشرات رئيسية، وهي استطلاعات الرأي، والمظاهرات الشعبية والخطابات غير الرسمية.

1- استطلاعات الرأي:

  • انقسام سياسي

أظهر استطلاع للرأي العام الأمريكي فيما بعد السابع من أكتوبر، حدوث انقسام سياسي؛ حيث أشار إلى وجود تعاطف مؤيد للفلسطينيين بين الديمقراطيين، فنحو 25 في المائة فقط ممن صوتوا للرئيس جو بايدن، يُعتبرون مؤيدين لإسرائيل، وهو ما لا يزيد كثيرًا عن نسبة 20 في المائة التي تدعم الفلسطينيِّين. وعلى النقيض من ذلك، فإن 76% من ناخبي دونالد ترامب، مؤيدون لإسرائيل، ويتَّضح من هذا التحوُّل، أن بايدن يواجه الآن صدعًا مفاجئًا داخل حزبه بشأن الشرق الأوسط، بينما يتَّجه إلى حملة إعادة انتخاب صعبة، على الأرجح ضد الرئيس السابق ترامب، وبالتالي فان واقع الحال، هو أن بايدن سيواجه صعوبة في تحقيق الفوز في ولايات مثل ميتشجن وأوهايو وبنسلفانيا[1].

  • انقسام جيلي

أظهرت استطلاعات للرأي بين الأمريكيِّين، أن هناك دعمًا صريحًا من الشباب للفلسطينيِّين أكثر من إسرائيل، وفي الوقت نفسه، بين أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا، حيث يكون الدعم بأغلبية ساحقة لصالح جانب واحد، فنسبة تأييد إسرائيل البالغة 65 في المائة تزيد بأكثر من 10 أضعاف النسبة المئوية المؤيِّدة للفلسطينيين[2].

كذلك خلال الفترة من 12/10 وحتى 14/11/2023، تراجعت نسبة المطالبين بدعم إسرائيل من 41% (عند بداية معركة طوفان الأقصى) إلى 32% (بعد 41 يومًا من المواجهة)، كما أن 68% من الأمريكيِّين يؤيدون وقف إطلاق النار، خلافًا للموقف الرسمي الأمريكي والإسرائيلي، كما أن الذين طالبوا باتخاذ أمريكا موقف محايد، ارتفع من 27% إلى 39% في فترة القياس نفسها التي أشرنا إليها[3].

كما استندت مجلة “الإيكونوميست” إلى تحليل لبيانات جمعتها شركةDMR” ” لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، من مليون منشور على منصَّات إنستجرام، وإكس، ويوتيوب بين 7 و23 أكتوبر الماضي، بناءً على طلب من المجلة، وأظهر وجود تأييد بفارق كبير للفلسطينيِّين على تلك المنصَّات؛ حيث كانت المنشورات المؤيدة للفلسطينيين أكثر بمقدار 3.9 مرات من تلك المؤيِّدة للإسرائيليِّين[4].

2- المظاهرات والاحتجاجات الشعبية

يمكن أن يستدل علي التحول في الرأي العام الغربي من خلال المظاهرات الشعبية التي اجتاحت العالم شرقًا وغربًا، فوفقًا لمركز أبحاث إسرائيلي يرصد الاحتجاجات الشعبية حول العالم في الفترة من 7 إلى13  أكتوبر، فإن 69% من المظاهرات جاءت مؤيِّدة لفلسطين، مقابل 31% لإسرائيل، وبعد 13 أكتوبر ارتفعت النسبة لتصل إلى 95% لفلسطين مقابل 5% لإسرائيل[5].

كما أشار تقرير لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي The Institute for National Security Studies (INSS)، إلى أن عدد المظاهرات المؤيدة لإسرائيل والفلسطينيين في العالم خلال الفترة من 7-27/10/2023، هو على النحو التالي:

في الولايات المتحدة جرت 182 مظاهرة مؤيدة لإسرائيل، مقابل 402 مظاهرة مؤيِّدة للفلسطينيِّين ومعارضة لإسرائيل، بينما بلغ عدد المظاهرات المؤيِّدة لإسرائيل في كل العالم خلال الفترة نفسها 359 مظاهرة، مقابل 3482 مظاهرة مؤيِّدة للفلسطينيِّين[6].

المظاهرات لم تقتصر على الشوارع فحسْب، بل امتدَّت إلي الجامعات أيضًا، ومن أهمِّها جامعتي هارفارد وتكساس، كما ظهرت أشكال مختلفة من الاحتجاجات الشعبية المؤيِّدة لفلسطين، منها على سبيل المثال محاصرة سفن الشحن المتَّجهة إلى إسرائيل، وملاحقة مسؤولين سياسيِّين لعدم دعمهم وقف إطلاق النار، والإضراب عن الطعام وغيرها من وسائل الاحتجاجات الشعبية.

3- خطابات غير رسمية (إعلام تقليدي – مواقع التواصل الاجتماعي)

ضَجَّتْ مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية ( صحافة – فضائيات إخبارية) بالخطابات المؤيِّدة للقضية الفلسطينية، ومنها على سبيل المثال، دعم المشاهير حول العالم وفناني هوليوود؛ حيث وقَّعوا على بيان للمطالبة بوقف إطلاق النار الفوري[7]، وكذلك دعم مؤثرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ضمنهم جاكسون هنكل الذي وصفتْه إسرائيل بـ”عدو إسرائيل على الإنترنت”، وهو ناشط سياسي بيئي أمريكي يبلغ من العمر 24 عامًا؛ حيث لم يتوقَّف عن مهاجمة إسرائيل منذ السابع من أكتوبر على مواقع التواصل الاجتماعي[8].

اليهود والتضامن مع فلسطين:

من أهمِّ مؤشِّرات تحوُّل الرأي العام، هو انخراط مجموعة من اليهود لدعم فلسطين، وهو الاتجاه الناتج عن تنامي التيارات التقدمية داخل الجالية اليهودية، إضافة الى موقف التيار الديني الأرثوذكسي المناهض للصهيونية؛ حيث ُيظهر استطلاع لمركز بيو للأبحاث Center Research Pew، أجراه منتصف 2021، أن ثلث أو أقل من الثلث فقط من يهود الولايات المتحدة، يعارضون حركة المقاطعة BDS، وبالتالي فإن مثل هذه البيانات وغيرها في معظم الدول الغربية، تقدِّم مؤشِّرات حول تعاظم الوعي العام لدى الشارع بعدالة القضية الفلسطينية[9].

ويعدُّ خطاب د. غابور ماتي، وهو طبيب نفسي مجري يهودي ناج من المحرقة، من أشهر هذه الخطابات، وذلك في حواره مع بيريس مورجان، والذي تحدَّث عن السياق التاريخي لقيام دولة إسرائيل على النهب والقتل والاحتلال، واعتمادها على القمع دون محاولة التعايش[10]، فضلًا عن إعلان عدَّة منظمات مدنية يهودية مثل منظمة «ليس باسمنا» لمعارضتها للحرب الإسرائيلية[11].

ولكن يتَّضح من متابعة الخطابات الغربية حول القضية الفلسطينية، تبايُن منطلقات الدعم للقضية الفلسطينية، ما بين الدعم الإنساني، الذي يظل حتى هذه اللحظة من خلال خطاب حقوقي إنساني، وليس خطابًا تحرُّرِيًا، والدعم السياسي من قبل المتابعين لتاريخ الاحتلال الإسرائيلي، من خلال دعم وقف إطلاق النار، خوفًا على مجتمعاتهم الغربية وزيادة نسب معاداة البيض.

ثانيًا- أسباب التحوُّل في الرأي العام الغربي تجاه القضية الفلسطينية

يتبيَّن من استطلاعات الرأي وموجة المظاهرات الشعبية المؤيِّدة لفلسطين، وكذلك الخطابات غير الرسمية في الإعلام التقليدي ومواقع التواصل الاجتماعي لمشاهير ومؤثِّرين، أن هناك تحوُّلًا في منحنى التأييد للقضية الفلسطينية، ولكن يبقى السؤال لماذا حدث هذا التغيير؟

الدبلوماسية الرقمية الشعبية في مواجهة الرواية الإسرائيلية:

يتغير الرأي العام تجاه قضية ما، وفق ثلاثة محاور، وهي الحقائق – القيم – الهوية، ولذا كان للدبلوماسية الشعبية الرقمية، دور هام في إظهار الحقائق عالميًّا، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليكون لها التأثير الأكبر للتحوُّل في الرأي العام الغربي ما مثَّل صدمةً للنموذج المعرفي القيمي الغربي؛ حيث كان الرأي العام الغربي يتلقَّى المعلومات من القنوات الإخبارية العالمية مثل سي إن إن، وبي بي سي، وفوكس نيوز، والتي هي تحت التأثير السياسي الإسرائيلي، ولكن عندما دخلت السوشيال ميديا (الدبلوماسية الرقمية الشعبية) للـ(ريلز)، ومقابلات الشخصيات العامة، غيَّرت المعادلة ووصلت لقلب الرأي العام العالمي، وهو ما يبرر الانقسام الجيلي في دعم القضية، لأنهم (أي جيل Z) الأكثر استخدامًا لها، كما واجهت وسائل الإعلام التقليدية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية مأزقًا لم يسبق أن تعرَّضت له، فقد تناولت وسائل الإعلام الغربي الكبرى هجوم 7 أكتوبر، وفقًا للرواية الإسرائيلية بشكل مطلق في الأيام الأولى للحدث، وفشلت وسائل إعلام عالمية، مثل بي بي سي، في تحقيق توازن في التغطية مع بدء الحرب، وفيما بدا أنه تركيز للرواية الإسرائيلية، وهو ما كشف عن اضطراب التغطيات الإعلامية، وأسْهم في صناعة استقطاب، شجَّع تمرُّد الرأي العام ضدَّها، خاصةً من الأجيال الشابة وأحدث صدمةً في نموذج القيم الغربية.

ساهم عددٌ من العوامل في إظهار الحقائق للرأي العام العالمي عبر مواقع التوصل الاجتماعي، وكذلك من خلال وسائل الإعلام التقليدية منها:

  1. ظاهرة المصور الحر: تُعَدُّ ظاهرة المصوِّر الحر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من أهم العوامل التي ساهمت في نشر الحقائق بالصوت والصورة، ومن أشهر المصورين، معتز هلال محمد العزايزة، وهو صحفي ومؤثر فلسطيني، وُلد في مدينة دير البلح في قطاع غزة، وحصل على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة الأزهر في عام 2021، ثم عمل مصوِّرًا مع قناة إيه بي سي نيوز الأمريكية، ومتطوع حاليًّا في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، ويعمل في الأونروا لتوثيق ما يحدث في غزة[12].
  2. مقابلات تليفزيونية لشخصيات عربية باللغة الإنجليزية ساهموا في نشر الحقيقة، ومنهم على سبيل المثال مقابلة باسم يوسف مع الإعلامي الشهير بيريس مورجان، والتي حقَّقت ملايين المشاهدات[13]، وكذلك مقابلة محمد حجاب، ومقابلات السفير الفلسطيني حسام زملوط والسياسي الفلسطيني مصطفى البرغوثي مع وسائل الإعلام الغربية، وأيضًا توبيخ الناشطة والصحفية “رحمة زين” لإعلامية أمريكية واتهامها لها بتزييف الحقائق، ومقابلتها أيضًا مع بيريس مورجان؛ حيث قالت له “نحن ليس لدينا علاقات الإعلام الإسرائيلي، ولا نملك الأموال لنستعين بجاستن بيبر وكل ما لدينا هو الحقيقة”[14]، وأيضًا خطابات عدد من المشاهير والرياضين والمؤثرين العرب على مواقع التواصل الاجتماعي.
  3. سرديات واقعية من قلب الأحداث فرضتْ نفسَها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها على سبيل المثال سردية “روح الروح” وهي للجد الذي فقد أحفاده في العدوان الإسرائيلي.
  4. حملات ومنظمات إسلامية ساهمت في تنظيم المظاهرات في أمريكا وأوروبا، ومنها على سبيل المثال منظمة “لن يتم إسكاتنا”، وحملة Shut it down، وغيرها.
  5. إعلام المقاومة (إنتاج حماس الدعائي): حافظت حماس على إنتاج وافر من مقاطع الفيديو وغيرها من المواد الدعائية، على الرغم من القيود المفروضة عليها من مواقع التواصل الاجتماعي، واستطاعت من خلاله إضفاء الشرعية على عملية طوفان الأقصى، وإظهار قدراتها العسكرية، وحشْد الدعم الإقليمي والدولي، وإبراز التعاطف الإنساني تجاه وحشية الاحتلال؛ حيث عرضت مشاهد من قتال المقاومة مع ـآليات الكيان الصهيوني، وقدمت بيانات خسائر الكيان اليومية، كما بثت مقاطع للأسرى لدى حماس، لاظهار المعاملة الانسانية لهم والرد علي الصور المتداولة يوم 7 أكتوبر، وعرضت مشاهد تسليم الأسرى في قلب غزة وسط الجماهير، لتمزج بين بمشاهد استعراض القوة مع الانسانية.
  6. قناة الجزيرة:

ساهمت قناة الجزيرة العربية وأيضًا الموجَّهة بالإنجليزية أيضًا في تغيير الرأى العام العالمي، من خلال رصد ونقل الوقائع علي الأرض، وعرض جرائم الاحتلال الصهيوني، باستخدام أدوات إعلامية محدثة، وأيضًا عبر صفحاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

الدبلوماسية الشعبية الرقمية (السلطة والمعرفة من يملك التكنولوجيا؟)

تعرض تطبيق “تيك توك” المملوك لشركة التكنولوجيا الصينية العملاقة ByteDance، لانتقادات بسبب وسومه (الهاشتاجات) المؤيدة للفلسطينيِّين، ويقول منتقدو التطبيق في واشنطن، إن الاختلاف في وجهات النظر بين الوسوم المؤيدة لإسرائيل والمؤيدة للفلسطينيين، هو دليل على غسيل الأدمغة الجماعي، فيما كرر الجمهوريون في الكونجرس دعواتهم طويلة الأمد لفرض حظر على مستوى البلاد على TikTok، وسلطوا الضوء على نقطة بيانات قالوا إنها دليل على الأسس الشريرة للتطبيق: عدد مقاطع فيديو TikTok التي تحتوي على وسم #freepalestine، أعلى بشكل كبير من تلك التي تحتوي على وسم #standwithisrael، وقالوا إن هذه الفجوة تقدم دليلًا على أن التطبيق، كان يستخدم لتعزيز الدعاية وغسل أدمغة المشاهدين الأمريكيين، فيما يعتبر مسؤولو الأمن القومي الأمريكي تطبيق TikTok، بمثابة أداة “تهديد فريد”، فيما قال عضو الكونجرس الأمريكي عن الديمقراطيين جوش جوتهايمر في بيان له “من الواضح أن الصين تستخدم تيك توك كآلة دعاية للتأثير على الأمريكيين”، في المقابل تعرض كل من “فيس بوك” و”إنستجرام” التابعين لشركة “ميتا”، لانتقادات مماثلة بتقييدهم المحتوى الذي يدعم حماس والقضية الفلسطينية[15].

ثالثًا- أحداث طوفان الأقصى وانعكاساتها علي قضايا الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية

استغلَّت إسرائيل دومًا معاداة السامية وتلاعبت بها كفزاعة لكل من يعارض سياستها، وفي إطار معركة المفاهيم، طالبت إسرائيل بعد أحداث طوفان الأقصى، تغيير تعريف معاداة السامية، لجعله مرادفًا لمعاداة إسرائيل، كما أقرَّ الكونجرس مشروعًا يساوي بين معاداة السامية والمعاداة للصهيونية، وهما أمران منفصلان؛ وذلك بموافقة 311 نائبًا جمهوريًّا وامتناع 92 نائبًا ديمقراطيًّا، وأشار القرار إلى تنامي معاداة اليهود في العالم، بينما اللافت في الأمر هو امتناع  ثلاثة ديمقراطيين يهود بالكونجرس عن التصويت، واصفين الأمر بأنه استغلال للألم اليهودي في تسجيل نقاط سياسية[16].

كما أسْفرت الدراسات عن أن هناك علاقة طردية بين احتقان الأحداث في فلسطين، وزيادة حوادث معاداة السامية ومعاداة الإسلام، وقال بريان ليفين مؤسس مركز دراسة الكراهية والتطرف، والأستاذ الفخري في جامعة ولاية كاليفورنيا سان برناردينو، إن الولايات المتحدة تشهد “تصاعدًا في الكراهية بين الأجيال، ومن المرجح أن يكون عمرها أطول وأكثر عنفًا من السابق”، وقال ليفين: “رد الفعل العنيف المتعصب من الحرب بين إسرائيل وحماس، يتسبب في ارتفاع معدلات القدح والتضليل على الإنترنت، في حين ترتفع حوادث جرائم الكراهية ضد اليهود والمسلمين إلى أعلى مستوياتها المحتملة خلال عقد من الزمن”، وفي حالة جرائم الكراهية ضد اليهود، رقم قياسي محتمل في الولايات المتحدة”[17].

رابعًا- التحول في الرأي العام الغربي وتأثيره علي الأنظمة السياسية

هناك تحول في الخطابات السياسية للعديد من الدول الداعمة لإسرائيل، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، هذا التلون قد يكون خطابًا انتخابيًّا لاستمالة الرأي العام بسبب الضغوطات الشعبية، لا سيما بعد انخفاض شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن ووضع موقفه في الانتخابات القادمة على المحك، وكذلك الموقف الفرنسي الذي تحدَّث مؤخرًا عن عدم وجود شرعية ولا سبب للدمار الإسرائيلي، بالإضافة إلى أنه يمكن أن يستدل علي هذا التأثير أيضًا، من خلال تغير مواقف الدول في التصويت على قرار وقف إطلاق النار في الجمعية العامة للأمم المتحدة بين جلسة 27 أكتوبر، وجلسة 12 ديسمبر؛ حيث صوَّتت في جلسة 12 ديسمبر 153 دولة لصالح القرار، وعارضته 10 دول، وامتنعت عن التصويت 23 دولة، حيث ارتفع عدد الدولة المؤيدة للقرار عن جلسة 27 أكتوبر والتي جاء فيها التصويت بموافقة 120 دولة على القرار، ومعارضة 14 دولة له وامتناع 45 دولة عن التصويت[18].

خامسًا- الخطاب الإسرائيلي المضاد بين الترهيب والتضليل

تنوَّعت الخطابات الإسرائيلية المضادة ما بين مرتكزات رئيسية من بينها[19]:

  • الترهيب ( حرمان من التوظيف – وقف التمويل – الاتهامات بالخيانة…).
  • التضليل (كشف حقيقة الأنفاق تحت مستشفى الشفاء – …).
  • التماهي مع الغرب هي جزء من الدعاية الكلاسيكية الإسرائيلية.
  • إسرائيل تواجه نفس الخطر (الإسلاموفوبيا) الإرهاب – حماس هي داعش – نحن نواجه الإرهاب.
  • اختراع قصص مستوحاه من الهولوكوست ومعادة السامية.
  • إعادة روايات حول جرائم حماس في السابع من أكتوبر.
  • محاولة دحض رواية المقاومة حول حسن معاملة الأسرى.

سادسًا- كيف نستغل التحول في الرأي العام لصالح القضية الفلسطينية؟

  • لحظة ذهبية لا بدَّ من استغلالها لبناء سردية طويلة الأمد للتداول العالمي لحقيقة القصة والجرائم الإسرائيلية وإقامة ذاكرة تاريخية طويلة لأحداث طوفان الأقصي.
  • تداول فكرة معاداة الإسلام وأنها لا تقل أهمية عن معاداة السامية، وبيان العنصرية التي تتعرض لها الجاليات المسلمة في الدول الغربية.
  • إحياء سرديات المقاومة.
  • استعادة التاريخ المنسي لجرائم الاحتلال الصهيوني.
  • محاولة استغلال الانقسام داخل المجتمع اليهودي لصالح القضية الفلسطينية.
  • عرض خسائر إسرائيل وفضح أكاذيب الرواية الإسرائيلية.
  • التنسيق بين الفاعلين المؤثِّرين والنخب والمبادرات الشبابية والمؤسسات الإعلامية للدفع بتحويل الرأى العام لصالح القضية الفلسطينية دون توقُّف.

أخيرًا نتائج الورقة البحثية (تمت معالجتها في ضوء التعقيبات للسادة المشاركين في الحلقة النقاشية)

  • كشف طوفان الأقصى عن حقيقة إسرائيل، الدولة الإحلالية الاستيطانية التي نشأت بالقوة واستمرَّت بالعنف والتضليل، فالدعاية الإسرائيلية أصبحت أقل قابلية للتصديق بالنسبة للرأي العالمي، بعد أن فقدت الكثير من التأييد الشعبي وأحدثت حالة جدلية عالمية حول القضية الفلسطينية.
  • أسفر طوفان الأقصى عن انقسام سياسي وجيلي بين الرأي العام العالمي.
  • أدَّت عملية طوفان الأقصى إلى إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة القضايا الدولية.
  • الأجيال الشابة (قادة المستقبل) هم أكثر تعاطفًا مع الموقف الفلسطيني، وهو أمر تعزَّزَ بشكل واضح في فترة ما بعد الطوفان، وهو ما يعني أن احتمالات التغيُّر التدريجي في اتجاهات لا تتناسب مع السياسة الإسرائيلية، أمر سيتزايد.
  • ساهم الرأي العالمي في إحداث تغير في الخطابات الرسمية.
  • لعب الإعلام الرقمي دورًا محوريًّا، من خلال الدبلوماسية الشعبية الرقمية، في إظهار الحقائق ومن ثم التأثير على الرأي العام العالمي.
  • حصل صدع كبير ضرب سمعة الدول الغربية “الديمقراطية” فيما يتعلق بالقيم، بسبب انحيازها السافر إلى إسرائيل في حربها البربرية على غزة، مما فتح نقاشًا غربيًّا حول ازدواجية المعايير.
  • نجحت حماس في إعادة بناء الصورة الذهنية لها، من خلال تطوير أدوات استراتيجيتها الإعلامية.

 

يمكن تحميل الدراسة من خلال الرابط التالي

هوامش

[1] Jason Lange and Matt Spetalnick, US public support for Israel drops; majority backs a ceasefire, Reuters/Ipsos shows, 15 November 2023, Accessed, 1/12/2023, available at: https://bit.ly/48BRGgM

[2] Ibid.

[3] Ibid.

[4] Jason Lange and Matt Spetalnick, US public support for Israel drops, Op. cit.

[5]  معهد أبحاث إسرائيلي: 95% من تظاهرات العالم مؤيدة لفلسطين مقابل 5% مع “إسرائيل”، قناة الميادين، 12/11/2023 تاريخ الاطلاع: 22/11/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/mrDMT

[6] The Institute for National Security Studies, Israel at War: An Overview, Accessed: 10/12/2023, available at: https://www.inss.org.il/publication/war-data

[7] نجوم هوليوود يوقعون على بيان موجَّه لبايدن وزعماء العالم لوقف الحرب في غزة، يوتيوب، 12/11/2023، تاريخ الاطلاع: 14/11/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3ROzBW2

[8] حساب جاكسون هينكل على إنستجرام: https://www.instagram.com/jacksonhinklle/?hl=ar

[9] Justin Norey, U.S. Jews have widely differing views on Israel, Pew Research Center, 21 May 2021, Accessed on: 17 November 2023, available at: https://bit.ly/47xZI9z

[10] فيلسوف صهيوني ينتقد ممارسات الاحتلال في برنامج بيرس مورغان، يوتيوب، 29‏/11‏/2023، تاريخ الاطلاع: 2/12/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3RZI8GC

[11] “ليس باسمنا”: منظمات يهودية غربية تطالب بوقف الغارات على غزة، يوتيوب، 21/10/2023، تاريخ الاطلاع: 10/11/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/fhnwV

[12]شاهد حساب معتز عزايزة على إنستجرام: https://www.instagram.com/motaz_azaiza/?hl=ar

[13] باسم يوسف مع بيرس مورغان مجددا، يوتيوب، 2/11/2023، تاريخ الاطلاع: 10/11/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3H6GKM4

[14] لقاء بيرس مورغان مع رحمة زين، 26/10/2023، تاريخ الاطلاع: 1/11/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3ttvl6a

[15] Drew Harwell, TikTok was slammed for its pro-Palestinian hashtags, Washingtonpost, 13 November 2023, Accessed on: 20/11/2023, available at: https://bit.ly/4aBPc3E

[16] مجلس النواب الأمريكي يقرر أن “معاداة الصهيونية هي معاداة للسامية، روسيا اليوم، 6/12/2023، تاريخ الاطلاع: 8/12/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/bnRX4

[17] اتساع هوة الانقسام حول فلسطين، مركز مالكوم كير – كارينجي للشرق الأوسط، 9/11/2023، تاريخ الاطلاع: 12/11/2023، متاح عبر الرابط التالي:  https://carnegie-mec.org/diwan/90964

[18] كيف تغيرت مواقف الدول من وقف إطلاق النار في غزة بين 27 أكتوبر و12 ديسمبر؟، موقع سي إن إن بالعربية، 13 ديسمبر 2023، تاريخ الاطلاع: 14/12/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3vpelye

[19]  تم رصد ركائز الخطاب الإسرائيلي المضاد من المتابعة الشخصية للباحثة للخطاب الإسرائيلي الرسمي وغير الرسمي عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ، لمزيد من التفاصيل حول الخطاب الإسرائيلي منذ انطلاق أحداث طوفان الأقصى انظر تقارير آية عنان، طوفان الأقصى في الخطاب الإسرائيلي، موقع مركز الحضارة للدراسات والبحوث، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3REBLHG

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى