التحولات النظمية العربية

مقدمة

هذا اللقاء هو الثالث ضمن الملتقى العلمي “ملتقى التحولات والقضايا العالمية من منظور حضاري“. هذا  الملتقى هو من مخرجات المؤتمر الدولي (نحو مدرسة حضارية في نظرية العلاقات الدولية)، الذي قام المركز على تنظيمه في فبراير- مارس 2022، ونتجت عنه عدة دراسات مهمة تصدر قريبا في كتاب بنسختين عربية وإنجليزية. هذا المؤتمر كان من نتائجه أيضا استمرار الفعاليَّات التشابكية/التواصلية، والاشتباكية/التفاعلية -كما أسماها د. بهجت قرني- سواء مع المدارس المختلفة، أو مع قضايا العالم والأمة والأوطان.

يأتي هذا اللقاء بعد لقاءين سابقين: الأول كان بمثابة التمهيد لهذا الملتقى ولفكرة النظر المقارن متعدد المداخل لقضايا العالم وتحولاته الراهنة، فكان تحت عنوان ماذا يعني منظور حضاري لسياسات وقضايا العالم وموقع الأخلاق منها“؟ وقدمه كل من د. نادية مصطفى، و د. مدحت ماهر.

ثم كان اللقاء الثاني مع د. مصطفى كمال باشا- أستاذ السياسة العالمية؛ حيث تناول فيه التحولات العالمية المعاصرة وموقع العالم الإسلامي منها“.

يأتي هذا اللقاء الثالث اليوم مع أستاذتنا الدكتورة نادية مصطفى عن التحولات النظمية العربية والجوار الإقليمي والحضاري في إطار التحولات العالمية الراهنة. وهذا اللقاء -مثله مثل اللقائين السابقين وما سيلحقهما إن شاء الله- إنما يهدف إلى تجديد النظر في المنظورات والمداخل المنهاجية للنظر إلى/في قضايانا، ثم تطبيق منظور حضاري على القضية الواقعية التي نتناولها، فننتظر من أستاذتنا د. نادية مصطفى أن تتكلم في كيف نرى واقعنا العربي وتحولات نظمه الراهنة، ومنظور أو رؤية تقترحها أستاذتنا لرصد وتشخيص التحولات التي يمر بها العالم العربي اليوم.

وما نأمله من هذه اللقاءات التفاعلية المباشرة هو أن نجدد نظرنا إلى قضايانا، قبل أن –ولكي- نجدد تفاعلاتنا الواقعية معها أو مواقفنا العملية، علما بأن المدرسة الحضارية ومنذ تأسيسها، والأعلام د. حامد ربيع، د. منى أبو الفضل، وبالشكل الأبرز د. نادية مصطفى قد أعطوا الأمة العربية/ الوطن العربي اهتماما كبيرا، واستخرجوا من أحواله رؤىً علمية، ومواصفات رؤية ذاتية وحضارية.

نتذكر أن د. منى أبو الفضل حين دعت إلى فكرة المنظور الحضاري كان ذلك في إطار تدريسها للنظم السياسية العربية؛ حيث تكلّمت وقتها عن منظور يليق بهذه المنطقة، وسمته بالمنظور التنموي التكاملي، ثم آل الكلام إلى تعبير “المنظور الحضاري”.

كذلك د. حامد ربيع أولى أمته العربية عناية فائقة على سبيل التنظير والكتابة التحليلية والتفعيلية، وظل حتى وفاته رحمه الله يرفع شعار “سوف أظل عربيا”، وإلى جواره شعار “أمتي أمة القيم”، دليلاً على أن العروبة موصولة بوعاءها الحضاري: الإسلام، وأن وعاءها الحضاري لا يتجلى في مكان آخر كما يتجلى فيها.

محاضرة د. نادية

باستدعاء اللقاء الأول والثاني حول منطلقات وأهداف النظر إلى التحديات العالمية من رؤية حضارية مقارنة، نجد أن هذين اللقاءين كانا يركزان على أمرين: الأول- ماهية وخصوصية الحديث عن رؤية حضارية إسلامية؛ بمعنى استحضار القيم والثقافة والحضارة في التحليل السياسي ليس كأدوات أو قضايا وإنما كمحركات. الأمر الثاني- التغيير المأمول، أو التحول المأمول في وضع الأمة العربية والإسلامية  في نطاق النظام العالمي، وكيف يمكن أن يحدث.

هذا اللقاء الثالث يطبق على ما نسيمه الوطن العربي/ المنطقة العربية/ النظام الإقليمي العربي أو ما تسميه الدكتورة نادية: الفضاء الحضاري العربي الإسلامي؛ وهو تطبيق يمكن أن يتكرر على مستوى مناطق وفضاءات حضارية إسلامية أو عالمية أخرى في قارات العالم المختلفة.

تناقش الدكتورة نادية أربعة نقاط كبرى تمثل هيكل المحاضرة:

  • أولًا-منطلقات وتمهيدات ضرورية (معرفية ونظرية وفكرية)، نسكّن فيها الموضوع في إطاره المعرفي.
  • ثانيًا- منهاجية التحليل النظمية الحضارية: لندرس بها بطريقة مقارنة التحولات النظمية العربية.
  • ثالثًا- ملامح التحولات النظمية العربية المعاصرة (لثلاثة عقود) وصولا للمشهد الراهن، ومن خلال هذا الإطار التحليلي الحضاري.
  • رابعا-خاتمة: في القضايا والإشكاليات الأساسية محل نظرة جديدة لواقعنا العربي الإسلامي؛ وذلك في محاولة للتغير والخروج من الحالة الراهنة المتأزمة التي وصلت في تأزمها وتراجعها إلى ذروتها؛ ومن ثَمّ نتحدث عن تحول وليس مجرد تغير أو تغيير.

على أن هناك أمرين أساسيين تؤكد عليهما د.نادية في بداية محاضرتها:

الأمر الأول- وهو أن في تناول هذا الموضوع -أو غيره- لا يُقدّم النظري فيه والتطبيقي منفصلين؛ بحيث لا يتم تناول موضوع مثل هذا بمجرد وصف أو سرد إجرائي سلوكي للواقع دون تفسير أو تحليل يظهر فيه بصمة الباحث أو رؤيته؛ ومن ثم لا تفصل بين هذين الأمرين على الإطلاق، وفي محاولة لاستعراض مقولات وأبعاد منظورات مقارنة.

الأمر الثاني: هو أن ما تقدمه المحاضرة إنما هو حصيلة اهتمام متراكم من د.نادية بوصفها باحثة وأستاذة علاقات دولية عبر خمسين عاما من عمرها الأكاديمي، تغيرت خلالها خبراتها في النظر إلى فقه الواقع العربي من منظور إلى آخر؛ ليس استبعادا لمنظور على حساب منظور، ولكن في محاولة للمقارنة وإثراء العلم، وفهم الواقع والبحث في مآلات تغييره بقدر الإمكان.

ومن ثم فإن هذه المحاضرة تقدم خلاصة خبرة قائمة على التفاعل مع مجموعة متنوعة من المصادر العلمية الرصينة، التي ظهرت خلال العقود السابقة حول أحوال المنطقة العربية؛ سواء من مراكز بحثية متخصصة، أو من باحثين متخصصين.

الجزء الأول- منطلقات وتمهيدات ضرورية

  1. ثلاثة مفاهيم أساسية: النظام، التحولات النظمية، التحليل الحضاري.

النظام: مستوى كلي للتحليل، يُعني بالنظر إلى الظاهرة محل الدراسة، بوصفها نظاما ذا مكونات وعناصر، والنظر في طريقة التفاعل فيما بين هذه المكونات، وعلاقة ذلك بالبيئة المحيطة، وطبيعة النظم الفرعية في هذا النظام/الظاهرة، وكيف أن التغير في أحد المكونات لابد أن يؤثر في بقيتها ويعطي للنظام برمته حالة معينة.

أما  التحولات النظمية العالمية (Global systemic transformations): فهي مدخل يُعنى بدراسة -ليس فقط التغير في هيكل النظام الدولي القائم- ولكن في البيئة المحيطة والقوى المؤثرة في هذا العالم، وكيف تدلي بتأثيراتها بعضها على بعض.

التحليل الحضاري الإقليمي: بصفة عامة وبالأساس؛ ينظر إلى الأقاليم -ليس في نطاقها الجغرافي المحدد بالجغرافيا و اللغة فقط- ولكن ينظر إليها في سياقها الأشمل المتصل بالإرث الحضاري، وينظر إليها في نطاق التفاعل بين العوامل المادية والعوامل القيمية بدرجة أساسية، وينظر إليها ليس بنظرة استاتيكية سكونية مفادها كيف نحقق الاستقرار، ولكن كيف نحقق التغيير؟ وكيف نفهم حدوث التغيير؟ وكيف نفهم حدوث التداول والسعي إلى العمران؟

  1. العلاقة التفاعلية بين مستويي التحولات النظمية: العالمية، والإقليمية.

ترى د.نادية مصطفي أن هناك علاقة تفاعلية بين التحولات النظمية بمعناها الشامل ودراسة النظم الإقليمية؛ بمعنى أنه كلما حدث تحول في النظام العالمي؛ سواء في هيكله أو في قيمه، ينعكس هذا في صورة تحولات على النظم الإقليمية المختلفة. والمنطقة العربية -أو النظام الإقليمي العربي أو الفضاء الحضاري العربي- من أكثر المناطق التي يتضح فيها هذا الأمر؛ سواء في تاريخه المعاصر وواقعه الحاضر، أو في ضوء ذاكرته التاريخية.

  1. أبعاد دراسة نظام إقليمي عربي وسماتها المنهجية

ينبغي مراجعة القائم من الدراسات حول النظام الإقليمي العربي ومراجعة سماتها المنهجية، وتبين خلاصة ما توصلت إليه هذه المصادر. وعبر خبرة تراكمية في التعامل مع المصادر المختلفة من المنظورات المختلفة (قومية أو يسارية أو ليبرالية)، التي نظرت إلى المنطقة -عبر مسارها خلال الخمسين سنة الفائتة- باعتبارها نظاما إقليميا عربيا، وإجمالا -ودون الدخول في تنويعات هي موجودة ومعترف بها- نلاحظ أن هذه هي السمات الكبرى المشتركة بين منظورات مختلفة:

  1. المحرك هو: مرجعية النظم والحركات السياسية التي تتداول على حساب مرجعية الأمة.
  2. اجتزاء الإقليم العربي من فضائه الحضاري الإسلامي الشامل.
  3. أصبح “الجوار الحضاري” القريب أو البعيد هو “جوار إقليمي” على غرار إسرائيل وإثيوبيا.
  • الانقطاع عن الذاكرة التاريخية ودلالاتها قبل عام 1945، وعدم استدعائها فيما يتصل بسؤال ما العمل، أو تفسير الواقع المتدني. وكيفية الخروج منه. فالتاريخ يقدم لنا خبرات كبيرة جدا في هذا الأمر، خاصة باعتبار المنطقة العربية فضاء جغرافيا هو بدوره امتداد لفضاء حضاري إسلامي.
  1. الفواعل هي الدول القومية والنظم الرسمية بالأساس، من دون الشعوب وتشكيلاتها المجتمعية، التي تعتبر موضوعا للسياسات وليست فاعلا فيها، إلا حين يراد تعبئتها لأمر ما.
  2. أولوية المصالح: مصالح الدول القومية القائمة (أمنها واستمرارها)، على حساب مصالح الشعوب ومطالبها، وذلك تحت اسم الاستقرار وأمن الدولة والسلام.
  3. أولوية السياسات العليا (الأبعاد الأمنية والاقتصادية)، واستدعاء الأبعاد الأخرى (الدينية والثقافية) فقط باعتبارها مجرد أدوات، أو مجرد قضايا ثانوية الاهتمام.
  4. الخارج” هو بالأساس القوى الكبرى المتدخلة بالأدوات التقليدية للتأثير على استقلال الدول والشعوب. لكن الخارج -وهو يتدخل- لا ينظر فقط إلى الدول والنظم، إنما ينظر أيضا إلى الشعوب.

على ضوء هذا الأمر، نلفت النظر لنقطة مهمة عند  الحديث عن “النظام الإقيلمي العربي”؛ حيث إن تدشين دراسة المنطقة العربية تحت هذا المسمى جاء بدراسة علمية رائدة في بداية السبعينات تحت عنوان “النظام الإقليمي العربي” تأليف: أ.د.على الدين هلال، ود.جميل مطر، ومثّلت قفزة في النظر إلى المنطقة العربية باعتبارها نظاما إقليميا فرعيا، في وقت كانت حالة العلم تخرج من مرحلة السلوكية المفرطة إلى محاولة النظر إلى مستويات جديدة للتحليل مثل: النظام الإقليمي، والنظام الدولي. وهذه الدراسات التي تراكمت عبر خمسين عاما تتحدث عن مكونات هذا النظام من الدول، نمط التحالفات بينها، مصادر توزيع القوة وأشكالها بين الفواعل، أنماط التفاعلات مع الخارج؛ سواء الإقليمي أو القوى الكبرى، التحديات التي مرت عليه… وإلى غير ذلك.

  1. الحاجة للنظر برؤية أخرى إلى التحولات النظمية العربية

على ضوء التحولات في العقود الثلاثة الماضية بصفة خاصة، والعقد الأخير بصفة أخص، نحن بحاحة إلى طريقة أخرى للنظر إلى التحولات النظمية العربية: لـمـــــــــــــــــــــــــاذا؟

  • للنظر إلى المنطقة العربية في ضوء ذاكرتها التاريخية الممتدة: وبالتالي يجب الانتقال من الجغرافيا السياسية إلى الجغرافيا الحضارية (كما قلنا: الفضاء الجغرافي العربي جزء من الفضاء الحضاري الإسلامي).
  • بسبب تحولات عالمية جديدة (تتحدى النظرة النظمية التقليدية): ليس فقط في هيكل القوى العالمية وتوزيعها كانتقال من الأحادية إلى التعددية، ولكن في طبيعة القوى العالمية المؤثرة على تفاعلات العالم على رأسها الثورة التكنولوجية، وتأثيرها على التواصل العالمي وكيفية التواصل العالمي.
  • بسبب تحولات نظمية عربية (تتحدى النظرة النظمية التقليدية): التحولات في الداخل العربي؛ سواء في داخل الأوطان والنظم، أو العلاقات ما بين الأوطان والنظم، أو علاقاتهم بخارجهم، هي مرتكزات حصل فيها تغيرات كبيرة. هذه التحولات ربطت ما بين الشعوب وليس بين الدول والحكومات فقط، وأبرزت أزمات اقتصادية عالمية النطاق تعاني البشرية من تأثيراتها، مثل التحولات في المناخ والبيئة مثلا.
  1. ما البديل التحليلي النظمي الملائم؟
  • استعادة المنظور القومي العلماني؟ فنجد أنفسنا أمام سؤال: هل النظام الإقليمي العربي المرتكز على المنظور القومي بالأساس، والمنظور الليبرالي أيضا، هل حقق أهدافه؟

نحن نعلم أن مراحل تطور النظام الإقليمي العربي شهدت مرحلة من سيادة وذيوع الأيديولوجية العربية القومية، ثم ذيوع الأيديولوجية الليبرالية، ثم مرحلة لصعود الرؤية الإسلامية، ورأينا انعكاسات هذه التحولات على الواقع:  فلا قومية عربية حققت أهدافها المعلنة، ولا ليبرالية سياسية أو اقتصادية حققت أهدافها، ولا إسلامية تقليدية أو غير تقليدية حققت أهدافها.

  • أم شرق أوسط (قديم …؟ ….جديد)؟ والذي يؤكد دخول غير العرب إلى هذا النظام بوصفهم جزءًا مندمجًا فيه وليس جوارا إقليميا له تفاعلات مع قلب عربي. منذ خمسة عقود كان هناك انتقادات للمفهوم بأبعاده المختلفة من د.منى أبو الفضل، د.حامد ربيع، د.توفيق الشاوي وغيرهم.
  • أم أحلاف خارجية … ؟ …. أم محاور استراتيجية إقليمية؟  …. أم مـــــــــــــــــاذا؟!!
  1. نحو مدخل تحليلي نظمي حضاري مقارن

انطلاقا من كوننا نحترم التعدد والتنوع، ونحترم وجود منظورات أخرى، بشرط أن تعلن عن أسسها المعرفية والفكرية والنظرية وغاياتها السياسية، وألا تدعي أنها هي المنظور الوحيد أو الرؤية الوحيدة النظرية والفكرية والعملية الملائمة لحل واقع الأوطان والعرب والعالم. من هذا المنطلق فالمطلوب هو: رؤية مقارنة؛ المطلوب مدخل تحليلي نظمي حضاري مقارن.

والسؤال هو: كيف يمكن أن نفعّل مثل هذا المنظور في النظر إلى القائم، وفي التفكير معا في كيفية الخروج من مأزقه، وإحداث تغيير حضاري شامل في هذه المنطقة، وليس مجرد تغييرات سياسية أو اقتصادية جزئية تكتيكية. وما أوجه تمايز رؤية حضارية إسلامية عن رؤية قومية إقليمية؟ كيف يمكن دراسة هذا المنظور وتطبيقه؟

هذا ما نحاول تقديم نموذج له في الجزء المتبقي.

الجزء الثاني- منهاجية التحليل النظمي الحضاري: إطار لتحليل التحولات النظمية العربية المعاصرة:

“من الخصائص والأهداف إلى عناصر التحليل”

  • خصائص منهاجية التحليل النظمي الحضاري للتحولات العربية

من أهم خصائص المنهاجية النظمية الحضارية:

  1. استدعاء الذاكرة التاريخية: حيث تطور موضع العرب من الأمة الإسلامية والعالم.

لا نقصد السنوات الأخيرة ولكن حتى ما قبل الخمسين سنة الأخيرة، لنفهم كيف وصل الوضع إلى ما هو عليه الآن، ما الأسباب؟ وإذا أردنا التغيير فكيف يكون؟ هل يظل العالم العربي على عداواته البينية بحكم صراع المصالح القومية؟ هل يظل على تأرجح ما بين الشرق والغرب؟، هذه ليست مسألة خيارات مزاجية، وإنما تأتي بناء على موازين القوة، وإدراك هذه الموازين للقوة.

  1. الاجتهاد في شمول النظر: بتطبيق نظرة طائر من أعلى:
  • لبيان التفاعلات (من النظام إلى اللانظام) وكيف أن عملية التغير عبر عقود وصلت بالنظام من نظام إقليمي عربي ذو أهداف محددة، إلى حالة من اللانظام، ليس لأن ليس بين أطرافه وفواعله تفاعلات ولكنها ليست واضحة ومحددة.
  • ويبين التقاطعات بين الداخلي، والبيني، وعبر الحدود.
  • وكيف أن العلاقة بين الاستراتيجي المادي والاستراتيجي القيمي واضحة وشديدة الوضوح.
  1. النظر من خلال “نماذج” و”أنماط” التحولات:
  • حيث إن التحليل الحضاري والتحليل النظمي بصفة عامة لا يركز عن حالات بعينها، ولكن يتحدث عن أنماط ونماذج من التحولات.
  • نطبق هذه الأنماط والنماذج على التغيرات في العقود الثلاثة الماضية وصولا للمشهد الراهن.
  • وفيها: ملاحظة الاستمرارية والتغير: تحول “النظام” الإقليمي إلى حالة من “اللانظام“: ابتداءا من عام 1945 تاريخ التأسيس الرسمي للنظام الإقليمي العربي، وبعض المؤسسات مثل الجامعة العربية.
  1. إبراز التفاعل بين التغيرات في:

السياسات الخارجية، الاقتصاد، الأمن، التماسك المجتمعي والديني والثقافي في الأوطان وعبر الحدود.. هذا الأخير لا تُعطى له أولوية كبيرة للأسف؛ حتى جرى أخيرا استكشاف صعود تأثيرات الأبعاد الدينية الثقافية الحضارية ليس كأدوات فقط ولكن (محركات وسياسات وأدوات).

  1. استحضار المقارنة بين المفاهيم من رؤية حضارية إسلامية ورؤى قومية ويسارية وليبرالية: مثل (الأمن، السلام، الاستقرار، الوحدة، التعاون، الاندماج، الاستقلال، الاعتماد، التبعية، التنمية المستقلة، التنمية التابعة، التنمية الرأسمالية، الحرية، العدالة الاجتماعية، المدنية…)

فالنظام الإقليمي العربي في تطوره عبر عدة مراحل (نستطيع أن نقول خمس مراحل كما سنرى تاليا)، تداولت عليه عدة مرجعيات؛ ما بين قومية وليبرالية ويسارية وإسلامية، أحيانا كل منها في تسلط، أو في صراع.

وبالتالي هذه المفاهيم كانت شعارات للنظم القائمة في نطاق النظام الإقليمي العربي استخدمت بمفاهيم مختلفة، من مرحلة لأخرى بالرغم من استمرار نفس المصطلحات.

القضية الكاشفة والمنشئة والمختبرة لمدى ما حدث من تغير وصولا إلى تحول في النظام العربي هو ما وصل إليه حال الصراع العربي الإسرائيلي/ وما وصل إليه القضية الفلسطينية/ وما وصل إليه حال الشعب الفلسطيني ومقاومته والقدس في داخله. فعلى سبيل المثال: هل الآن الاهتمام بالقضية الفلسطينية وإعطاء الشعب الفلسطسني حقه مثلما كنا نفعل منذ 50 عاما وكنا نسميها “الصراع العربي الاسرائيلي” وغايته تحرير فلسطين، والقضاء على الصهيونية؟

  1. الوصول إلى فقه المشهد الراهن (٢٠٢٠-٢٠٢٣).

نعرضها من خلال منظومة عناصر التحليل النظمي الحضاري للتحولات العربية.

  • أهداف منهاجية التحليل النظمي الحضاري للتحولات العربية :
  • التغيير، أو حسن فقه الواقع وصولا إلى التغيير.
  • رفض المسلمات التي تشيع في الذهن الآن على أنها من طبائع الأمور عن القُطرية والمصالح القُطرية والقومية العلمانية والعولمة وضرورة التطبيع.. وما إليه، بحيث لا نقتصر على رصد وتشخيص وتفسير ما يجري بدم بارد، وبإجرائية بحثية مهنية سلوكية، على اعتقاد أن العلم هو: أن تصف ما هو قائم بحرفية ومهنية وفقط. نعم نريد هذا الجانب، ولكن كيف نفسره وكيف نفقهه ابتداءًا؟ … فتلك المسلمات ليست إلا نتاج هيمنة طريقة تفكير معينة، ونتيجة لهيمنة توازنات قوى داخلية وخارجية قائمة، تجعلنا نقول: لا داعي للتاريخ، الواقع هو ما نراه وما نقدر عليه وحسب.
  • يجب أن نعيد الأسئلة جميعها، أين المرجعية؟ أين موضع العرب من العالم الإسلامي؟ أين قضية العدالة والحرية؟ وغيرها من الأسئلة التي يجب أن تحقق حسن فهم الواقع؛ بالثقة والإيمان بأن تغيير هذا التدني والانحدار الحضاري العام في حالة المنطقة العربية سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وتحقيق الاستقلال والوحدة والقوة، ممكن. بل والإيمان بضرورة إحداثه بتداول إصلاحي حضاري يُعمّر ولا يزيد في التدمير.
  • إذًا لابد من التفكير في الواقع بطريقة مختلفة، وتوجيه النظر نحو المآلات العملية وارتباطا بالذاكرة التاريخية..
  • وهو الأمر الذي يعني أن رؤية إسلامية علمية ليست بالضرورة مثالية قيمية وحسب، لكنها مثالية واقعية تستدعي التاريخ وتراعي المرجعية لفهم الحاضر ومآلاته.
  • منظومة عناصر التحليل وتطبيقها على الواقع العربي:
  • المرجعية: بين مرجعية الأمة ومرجعية النظم والحركات السياسية. يجب أن نستدعي دائما الميزان: مرجعية الأمة، أين نحن من مرجعية الأمة بثوابتها ومتغيراتها؟
  • الأمة العربية الإسلامية: تعني الشعوب، وليست الدول والنظم والحركات فقط.
  • الأمة العربية-الإسلامية جزء من فضاء حضاري شامل.
  • الدولة القائد وإدارة التفاعلات النظمية ونمط انتشار مصادر القوة والثروة العربية.
  • العرب والجوار الحضاري التركي والإيراني: لا نساويها بالجوار الإقيلمي “إسرائيل وإثيوبيا” -ويُقال عنها في الكتابات النظمية: الإقليمية الفرعية. وإسرائيل الآن تسعى لأكثر من ذلك؛ تسعى للاندماج في العرب.
  • العرب والعلاقة بين الداخلي والبيني والخارجي (الإقليمي والعالمي).
  • منظومة مجالات وقضايا التفاعلات النظمية العربية: (لا نقتصر على السياسي العسكري، ولكن كذلك الاقتصادي الاجتماعي، والديني والثقافي).
  • منظومة التحديات والتهديدات والاستجابات: الآن من العدو؟ -بعد 75 سنة من تأسيس النظام الإقليمي العربي- وما هي أنماط المقاومة ضد هذا العدو؟ هل ثمة تهديدات حضارية تستدعي مقاومة حضارية؟

الجزء الثالث – ملامح التحولات النظمية العربية المعاصرة في تحليل نظمي حضاري (أنماط ونماذج)

1- ما الذي حدث في بلاد العرب (لثلاثة عقود) وصولا إلى حالة المرحلة الراهنة (2020- 2023)؟ ولماذا؟

  • نلاحظ أولا عدم التوافق حول مآل المشهد الراهن وإمكانيات اتجاهات تحوله بعد تغيرات كثيرة: وذلك بسبب تعدد المنظورات، وبسبب تضارب المصالح.
  • تظهر ثانيا الملامح عبر متابعة: مجالات التغييرات، وخصائصها،  ومقارنة القائم بعقود ثلاثة سابقة. مثلا:
  • هل نتحرك نحو انحياز جديد إلى الشرق أم أن الغرب سيظل متبوعنا؟
  • هل تتحول النظم العربية إلى ديمقراطية حقيقية؟ وهل الانتخابات فقط هي المعيار أم ما زلنا بعيدين عن هذا؟- وهل أسباب البعد عن الديمقراطية في الشعوب بحجة أنها لا تفقه الديمقراطية؟ بالطبع لا، ولكنها في أمور أخرى … وغيرها ..
  • نؤكد ثالثا الإجماع على أنه حدثت وتحدث تغيرات كثيرة في أمور كثيرة مثل:
  • تغيرات في النظم السياسية والمجتمعات العربية منذ بداية الثورات والثورات المضادة.
  • تغيرات في نمط الحروب العربية-العربية إلى حروب أهلية ممتدة في داخل الدول العربية ما يزيد عن العقد حتى الآن.
  • تغيرات في مراكز القوة ونمط انتشار القوة في ظل استحكام الأزمة المالية العالمية منذ 2018 (البترول ثم كورونا ثم أواكرانيا).
  • تغيرات في نمط التحالفات العربية –العربية، من 1945حتى الآن، وقضايا هذه التحالفات وسيولة هذه التحالفات وعدم حسمها.
  • تغيرات في صعود الدور الإسرائيلي الاستعلائي تحت اسم البحث عن التطبيع مع العلاقات العربية.
  • تغيرات في طبيعة المشروعات عبر الاقليمية التركية والإيرانية وتداخلها في نمط التحالفات والتحالفات المضادة العربية –العربية، والعربية-الغربية والروسية.
  • تغيرات في طبيعة النظام التدخلي العالمي من أحادي إلى تعددي، ومن تدخلي إلى اندماجي في الداخل والإقليمي؟ وغيرها من الأمور.
  • مجالات التحولات العربية وخصائصها في عقود ثلاثة أخيرة: (أنماط ونماذج)
  • التفاعلات الداخلية (تأثراً بالإقليمي والخارجي).
  • التفاعلات البينية (تأثرا بالخارجي، وبالجوار الحضاري والإقليمي).
  • التدخلات الخارجية (تفاعلات مع الداخلي والبيني والإقليمي).
  • بالنسبة للتفاعلات الداخلية: أولت د.نادية اهتماما خاصا للمستوى البيني؛ حيث لن نبدأ بالدول والنظم، بل بالمجتمعات داخل الدول وتحت حكم هذه النظم: ما مآلها الآن مقارنة بما كانت عليه منذ 75 سنة أو من قبل هذا؟
  • الملمح الأول: أن هذه المجتمعات تعيش صراع المرجعيات وأزماته؛ وهذا له انعكاس كبير على طبيعة التماسك المجتمعي والثقافي لهذه المجتمعات، قد يقول قائل: هذا هو الحال دائمًا، ولكن لا. قد تكون الظاهرة موجودة، ولكن تعاظم حجمها وعمقها واتساعها ثم وصولها لعامة الناس وليس النخب فقط، هو أمر خطير، لدرجة أصابتنا بما نسميه (أزمة الهويات)، وحالة من اللاوعي أو الضبابية في النظر.

لأنه قد توالت على هذه الأمة منذ 1945، ثلاثة تيارات على التوالي (قومية اشتراكية -ليبرالية- إسلامية)، فبعد مد ليبرالي حتى 1952، ظهر مدّ قومي حتى نهاية السبعينات، ثم بدأ مد ليبرالي في الثمانينات والتسعينات، وبدأ صراع بين المرجعيات، ليس على مستوى الصراع السياسي والنخبوي فقط، وإنما أثر على المجتمعات، ووصل إلى إعادة تشكيل هُوية المجتمعات، وإلى إعادة تشكيل المفهوم عن الإسلام، والتخويف من الإسلام كمرجعية اجتماعية وسياسية.

(وطبعا نستطيع أن نميز ما بين الإرهاب، وهناك إرهاب باسم الإسلام، نعم، وبين أن يكون كل ما هو إسلامي إرهابيًا).

– والحاصل هو تجزئة وتفكيك الأوطان والمجتمعات من داخلها بآفات القومية والمذهبية والطائفية التي نعايشها جميعا منذ أكثر من عشر سنوات، ونتمنى أن لا يقال إن هذا هو نتاج الثورات.

– الملمح الثاني والمتصل بسابقه: الحروب الأهلية والبينية المنتشرة والممتدة: والتي تهدد النسيج المجتمعي وتهدد طاقات الأوطان، ناهيك عن النظم والدول التي تحاول الاستمرار رغم ما يحيق بشعوبها من ويلات حالت دون هذه الشعوب والقدرة على التماسك.

نعم هناك نماذج كثيرة لحروب أهلية قامت عبر مراحل مختلفة: حرب اليمن 1960، أيلول الأسود 1970، الحرب بين الأردن والفصائل الفلسطينية، الحرب بين لبنان والفصائل الفلسطينية، الحرب الأهلية في لبنان (1975- 1990)، عشرية الجزائر السوداء في التسعينيات، الحرب بين شمال السودان وجنوبه، ثورات الخبز والغلاء. وهذه ظواهر جزئية متناثرة متتالية -وغير متزامنة وعميقة وممتدة زمنيًا وتصيب صميم المجتمع ككل، فمنذ 1991 وانكشف غطاء الطائفية المذهبية وليس من 2011، منذ 1991 وضرب العراق، ودخول الولايات المتحدة الأمريكية بعدوانها على العراق وعدوانها على أفغانستان، لكن لم تعد مثل هذه الصراعات السياسية الداخلية صراعات سياسية/ أيديولوجية، ولكنها أضحت صراعات مجتمعية مذهبية طائفية، وهو أمر شديد الخطورة، لماذا؟

لأننا كمجتمع عربي إسلامي/كفضاء حضاري عربي وإسلامي، عبر التاريخ (وهنا معنى الذاكرة التاريخية)، نحن نعيش نسيجًا متنوعًا دائمًا؛ فيه السني والشيعي والعربي والكردي والتركي، والمسلم وغير المسلم ولكنها كانت عوامل ثراء وتنوع، تحولت تدريجيًا خلال القرنين الماضيين إلى آفات لضرب ما تبقى من قوة في هذا الفضاء الحضاري، بحكم الداخل الراعي المسئول عن الرعية/ الحاكم ومواطنيه/ أو الزعيم والقائد وأتباعه ومريديه،… ماذا فعل حتى أضحوا هكذا؟

  • الملمح الثالث: استمرارا في الصعيد الداخلي من أشد المخاطر أن تهجم على مرجعية أمة وقت الحروب، ووقت ضعف الشعوب؛ حتى بالنسبة للرؤية القومية. هل الآن هناك من المواطنين أو الرعايا من يشعر بروابط العروبة أو القومية العربية، وحتى الروابط الإسلامية، هل هناك إحساس بها؛ وهي أزمة هويات شديدة الخطورة… لكن لماذا؟

لأن حالة المجتمعات في ظل هذا التشظي لا تكون قادرة على المقاومة على الإطلاق؛ مقاومة عدوان خارجي أو مقاومة عدوان من الداخل على حرياتها. وبالتالي نجد نظما وحكومات تواجه أزمات شرعية ومشروعية وعدم فعالية، وتستمر النظم  بنفس الطرق التسلطية في النظر في مطالب الشعوب المتزايدة والتي لديها الآن أدوات جديدة لتطلب بها، وتستطيع أن تفهم ما يقدم لها لتشويه الوعي أو ما هو حقيقة وواقع.

ولعل في ظل أزمات الأسابيع الماضية: الزلزال في المغرب، والفيضان في ليبيا، يتجدد أمامنا مظاهر الفشل الحكومي المعاصر في أوطاننا. الكوارث الطبيعية هي من عند الله ولكنها بأسباب بشرية، بما أفسدنا في الأرض، ولكن كيف يكون هناك استعدادات في مواجهاتها، الفيضانات والزلازل في أوروبا مواجهاتها مختلفة، لأن هناك حكومات ونظم إذا لم تنجح في مواجهة هذه الأزمات تتعرض للإقالة،  فضلا عن الديون وأزمات الغذاء وإدارة كورونا، والأخطر أننا لا نتوقف لنمنع تصدير الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، ولكن لنبقيها على أراضينا مقابل اتفاقات مالية وتعاون مع أوروبا.

  • هذه الأمور الداخلية كلها شديدة الإنذار، لأنها تبين ما سيكون عليه المآل حول البيني. وفي هذه الرؤية الحضارية لا نبدأ من الخارج وكيف يفعل بالداخل، ولكن نبدأ بالداخل ونرى لماذا يتم الفعل به من الخارج على هذا النحو.
  • التفاعلات البينية (تأثرا بالخارجي، وبالجوار الحضاري والإقليمي).

ولا ننفي الشبكية في التأثيرات بين الداخل والبيني والخارجي، ولكن ماذا نقصد بالبيني؟

  • حول حضور الدولة القائد للمنطقة والتي تؤثر على التوازنات فيه من 1952 ونقصد هنا (مصر)، ودولة قائد غير المقصود بمركز قوة إقليمية، السعودية الآن هي مركز قوة إقلمية/ الأقوى إقليميًا، ثم تراجع هذا الوزن بالتدريج بعد 1967، ثم تعددت إلى جانبها مراكز التأثير: سوريا العراق الجزائر السعودية في خلال السبعينات، وبدأ يتفكك المعسكر التقدمي الاشتراكي مع السلام المصري الإسرائيلي، وينفتح على ما أُسمي من قبل في ظل الحرب الباردة العربية- العربية المعسكر المحافظ الرجعي وفي ظل التراجع عن الاعتماد عن الذات والتنمية المستقلة، إلى الانفتاح الاقتصادي والتنمية الرأسمالية والتوجه نحو الثورة البترولية والتوجه نحو الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح هناك مجموعة دول تشدد و مجموعة دول معتدلة، وتزايد الاعتدال بالتدريج. والاعتدال: المقصود به هنا هو الاعتدال في مواجهة الضغوط الإسرائيلية المحتلة للأراضي العربية المحتلة والأرض الفلسطينية، بعد دخول الأردن وفلسطين، ثم التواري المتلاحق للعراق أولا ثم لسوريا بعد 2003، 2011، ومع بداية صعود الدور الخليجي منذ 1991، 2003، 2011، وهو أمر أثار نقاش: هل هذا قيام للسعودية بدور القيادة في النظام العربي وماذا يعني هذا مقارنة بالمراحل السابقة؟ هل هي تريد صياغة منطقة عربية على نحو معين، ما هو هذا النحو المعين؟  هل هو تعاون واندماج اقتصادي واستقرار وسلام وأمن لشعوب هذه المنطقة كلها، أم شىء آخر متصل بتحالفات عربية عربية، حول بؤر المعاناة و الحروب الداخلية ونزيف الشعوب، حتى نرى من ينتصر على من فنساعد من على من.  ما يحدث الآن في اليمن من توافقات بعد التوافق السعودي الإيراني، وبعد حضور بشار قمة جدة، في المقابل استعار للنار في السودان وفشل في حل ما يتصل بليبيا، هل زعامة إقليمية ودولة قائد فعلا أم مصالح ؟ وتستخدم فيه عناصر قوة، كالانخراط في الاقتصاد الحر كوكيل للمراكز العالمية، سلاح القروض والمعونات وشراء الأصول والاستثمارات، وكبح التيار الديمقراطي المدني، احتكارا لصفة الإسلامية.

وهكذا يمكن أن نقول أن هذا الغياب للدولة القائد، انعكس على أنماط التحالفات والتحالفات المضادة، فأصبح هناك نظم فرعية عربية متصارعة ترتبط كل منها  بقوة غير عربية شرقا وغربا ومتوسطا بما أسماه أستاذنا د. حامد ربيع ب”سياسة شد الأطراف”، فلم يعد هناك تحالفات مضادة صريحة وواضحة كما كان حتى 2001،  بل أضحت محاور عربية مرنة متحركة متأثرة ليست بمواجهة إسرائيل أو حالة العلاقة بين القطبين، ولكن لإدارة تدخلات عربية في شؤون عربية أخرى  بالوكالة عن قوى خارجية تركت اللعبة للقوى الإقليمية وهي تراقب عن بعد. وهو وضع شديد السيولة وشديد الخطورة وينعكس على الجانب الاقتصادي وعلى التعاون والاندماج ليس فقط على صعيد الأمن العسكري، فمن قبل كان هناك محاولة لجر دول عربية لأحلاف عسكرية غربية في الخمسينات وفشلت، ثم الانحياز للولايات المتحدة، الآن نسمع عن ناتو عربي، وليس في مواجهة قوة خارجية ولكن في مواجهة قوة إقليمية (إيران)، وبالتعاون مع قوة كانت عدوا من قبل (إسرائيل).

  • على الصعيد الاقتصادي: أين مشروعات التعاون العربي الاقتصادي، فالمشروعات الاقتصادية الأساسية انتقل ثقلها من المركز العربي إلى التعامل مع أوروبا في شكل قروض واستثمارات، أو التعاون مع القوى الأخرى، وآخر الأشكال: الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والأكثر خطورة أن هذا يأتي من الهند إلى الشرق ليصب في أوروبا، ومن قبل فشلت مشروعات الشراكة العربية المتوسطية لتعاون ثلاثي مع أفريقيا في السبعينات والثمانينات، ولم تحصل أفريقيا من أوروبا على أي شىء من خلال الجسر العربي.
  • كذلك الأمر بالنسبة للجوار التركي/ الإيراني: دخلت العلاقة معهم في تذبذب ما بين حرب باردة مع تركيا حليفة الغرب، عضوة الناتو خلال المد القومي العربي إلى بداية الانفتاح والترحيب بالدور التركي مع نهاية الحرب الباردة ولكن بحذر. إلى تحول تركيا وإيران من جوار حضاري إلى أصحاب مشروعات إقليمية متنافسة داخل المنطقة، وهذا ضد إرادة الاستقلال العربي من وجهة نظر الرؤية القومية. ولكن فلنسأل: أين هذا الاستقلال من الرؤية القومية، هل هو تجاه الغرب أم تجاه الشرق؟ ولماذا تزكية العداء دائما مع الجوارين الحضارين ولو من أجل العلاقة مع إسرائيل وعلاقة أفضل مع الغرب؟ وهل العلاقة الحالية تأرجحا ما بين شرق أو غرب في ظل تحول التوازن العالمي ما بين روسيا والصين وما بين الغرب: أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. أين مآل هذه المنطقة سيكون؟ – تتشكل تحالفات خطيرة بين روسيا وبين كوريا الشمالية والصين- وكان بايدن في فيتنام، وكل هذا يتشكل حولنا ونحن نتأرجح أحيانا، والسعودية تتأرجح أحيانا ما بين روسيا والولايات المتحدة في محاولة من الولايات المتحدة لأن تضغط عليها من أجل علاقات رسمية مع إسرائيل، وفي وسط هذا كله يأتي الاستعلاء الإسرائيلي كاشفًا عن وجهه بأكثر من شكل سواء في الأمم المتحدة أو على المنصات الدولية أو في التصدي لكل أشكال المقاومة في الداخل الفلسطيني، الذي لم تعد المقاومة إلا في نطاقة، فحتى الشعوب العربية لم تعد قادرة على الخروج في مظاهرات أو التعبير عن المساندة الحقيقة الفاعلة لمقاومة هذا الشعب الفلسطيني، وأيضا التحيزات الإسلامية- القومية -الليبرالية تدخل فيما يتصل بحكاية المقاومة الفلسطينية.

رابعا- خاتمة:

في القضايا والإشكاليات الأساسية محل نظرة جديدة

محور هذه النقطة وعصبها -بالنظر في فقه واقع الأمة- هو كيف فشلت في حماية فلسطين، وكيف فشلت في التصدي للصهيونية وإسرائيل؟ وكله يصب في الداخل والبيني.

في أصول الأمن القومي العربي: أستاذنا د. حامد ربيع له كتابات عديدة في الأمن القومي العربي، وعندما كان يتحدث عنه في السبعينات وفي كتاباته حتى توفاه الله في نهاية الثمانينات، كان يصف ما تتحدث عنه الدكتورة الآن، كما لو كان مستشرفا لما سيؤوول عليه حال الثروات العربية، حال القيادة للمنطقة العربية، حال موضع العرب من الأمة الإسلامية ومن العالم، حال ما ستؤوول إليه إسرائيل بأدواتها المختلفة، حال ما سيؤؤل إليه التلاعب بين الشرق والغرب بنا…. فالمردود والخلاصة الحالية الآن عن حالة الذروة في التغيرات المتراكمة وصولا إلى مفرق تحول نأمل أن يبدأ يتجه في الصعود وليس مزيدًا من التراجع.

  • أزمة الهوية وتعدد المرجعيات وأثرها.

-( عربية/ عروبة/ قومية عربية)

– لماذا لم ينهض العرب ونهضت أمم أخرى؟

– العلاقة ما بين العروبة والإسلام، والعلاقة ما بين القومية العربية والإسلامية؟

2- ماذا تريد الشعوب العربية المسلمة؟

أو بمعنى أصح: ماذا لا تريد الشعوب العربية المسلمة؟

نعتقد أن الشعوب العربية المسلمة والشعوب في العالم كله المهمشة والمستضعفة:

-لا تريد متاجرة بصمود كاذب أمام عدوٍ أو حديث عن وحدة وهمية ويكون الثمن هو حريتها.

– لا تريد حديثًا فارغًا عن سلامٍ هو في الواقع استسلام.

-لا تريد هذه الشعوب حديثًا عن استقلال سياسي غائب وغير مرئي والثمن هو الاستقلال الحضاري.

– لا تريد حديثًا كاذبٍا عن تنمية وهي افتراس لعولمة رأسمالية.

– لا تريد هذه الشعوب تلاعبًا بها باسم شعارات قومية أو اشتراكية أو رأسمالية أو إسلامية، يكون ثمنها دائما بأي حالة من هذه الحالات الحريات بأشكال مختلفة والحقوق بأشكال مختلفة، والعدالة المفتقدة.

– لا يريدون حديثا كاذبًا عن ديمقراطية وانتخابات وهي تجميل لنخبٍ قديمة ما زالت تتنافس على السلطة من أجل السلطة.

– لا يريدون حديثا فارغا عن أمن قومي ينتهك الأمن البشري.

لماذا هذا كله:  التماسك المجتمعي في الأوطان وراء نظم عادلة أساس.

3- تهديدات عاجلة: حوالي ستة:

1) خطورة غياب عدو خارجي واضح أو الضبابية من حوله في الخطاب الرسمي.

2) خطورة عقاب النظم للشعوب على ثوراتها عليها وتحويل العدو من الخارج إلى الداخل.

3) خطورة رفض استمرار التكوينات المجتمعية الذاتية باعتبارها ضد الدول الحديثة؛ فهي طاقة حضارية كامنة يمكن توظيفها.

4) خطورة نظرية المؤامرة: فالخارج علنا وبوضوح ويتحالف مع النظم وفي الوقت نفسه يتستر على فشلها وفسادها لتوظيفها.

5) خطورة الاعتقاد أن الحل سيأتي من الشرق (روسيا أو الصين) بعد أن ضاع مع الغرب، فالمناورة بينهما تحتاج رؤية وقوة لخدمة المصلحة الحضارية

6) خطورة رفض فكرة القومية جملة وتفصيلا؛ فالجوار الحضاري الإيراني والتركي هما جواران حضاريان، لكن قوميان أيضا. ويمكن إدارة التنافس الإقليمي الحضاري بين الأركان الثلاثة الكبرى وفق قواعد تقبل التنوع القومي وتنافس المصالح دون فرض من أعلى.

4- نموذج إعادة بناء الدول لتصبح عادلة وليست إسلامية أو علمانية أو ليبرالية أو قومية على ضوء الخبرتين التاريخية والمعاصرة:

– يجب أن يكون نموذج الدولة غير مفروض من الخارج. الدول القومية التسلطية أو العلمانية أو المحافظة الحديثة لم تنجح في بناء دول حديثة مدنية تحقق مواطنة جامعة للتنوع والتعدد وفق مرجعية الجماعة الرئيسة.

– أيضا في شروط بناء الدولة: نموذج النهوض والتنمية ليس بالضرورة ديمقراطيا رأسماليا، على النمط الغربي، أو رأسماليا متحورا شيوعيا على النمط الصيني، أو رأسماليا متحورا قوميا على النمط الروسي. نحن بحاجة إلى نمط جديد يجمع مرتكزات أربعة: (دولة، وسوق، ومجتمع، وأخلاق /قيم) لإدارة العلاقة بين هذه المكونات الثلاثة وفق الإرث الحضاري لهذه الأمة.

– على النظم الجديدة أن تستثمر في شعوبها، وعلى الشعوب أن تدفع ثمن الحريات والحقوق، بل يجب عليها أن توازن بين الدأب على الإصلاح والتغيير السلمي الحضاري وبين مطلب استقراراها وأمنها هي دون عنف من داخل أو خارج باسم أي قوة من القوى المتصارعة على السلطة اسلامية أو ليبرالية أو قومية…

5- دور الدولة القائد الميزان هام وضروري للتماسك الإقليمي في مواجهة مشروعات مضادة داخلية وخارجية. الدول الإقليمية المتنافسة على القيادة ولكن في إطار جماعي محدد،

إذن يجب أن يكون العدو واضحًا ومحل إجماع على تحديده: قوى الصهيونية والرأسمالية المتوحشة العالمية وكل صور الظلم والعدوان.

6- الجوار الأفريقي أكثر اتساعا من مجرد إثيوبيا؛ فهناك السودان الكبير تاريخيا امتدادا إلى الساحل الغربي موطن الممالك الأفريقية الإسلامية الجنوبية قبل الهجمة الأوروبية الحديثة منذ القرن 15؛ فهذا امتداد حضاري عضوي بين الإسلام والعروبة والزنوجة.

اتجاهات النقاش:

دارت بعد ذلك نقاشات ثرية من الحضور حول محتوى المحاضرة كانت هذه أهم اتجاهات الرأي والنقاش:

  • موضع المنظور الحضاري من واقع تدريس العلاقات الدولية.
  • مؤشرات ومعلومات تشرح الحالة والأنماط الراهنة للتحولات العربية.
  • أهمية التفاعل المجتمعي الداخلي وعبر القومي بين مجتمعات الأمة.
  • شروط تمكين المجتمع سياسيًا: المحاسبة/ دولة القانون/ دولة جديدة.
  • قضية الصراع العربي-الإسرائيلي وموضعه من الدراسة والوعي العام.
  • قضايا فكرية تحيط بالتفاعلات العربية العربية (د.الملكاوي)= أنماط النهوض/ دوائر الانتماء.
  • المركزية الغربية لا تقابل بمركزية مضادة/ وهل المنظور الحضاري يساوي علم سياسة كونيا؟
  • أفريقيا وأهمية الجوار الحضاري الأفريقي وليس أثيوبيا فقط.
  • نقاش حول القومية والدولة القومية وأهميتها وأن الحضاري يضم القوميات ولا يستبعدها ولا يستسلم لمنطقها الأحادي.
  • الاقتصاد السياسي للعلاقات والتحولات العربية والإسلامية بصفة عامة.

 

ملتقى التحولات والقضايا العالمية

اللقاء الثالث: 16 سبتمبر 2023

تفريغ وتحرير: الزهراء نادي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى