الغرب وأفريقيا: تطور سياسات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تجاه أفريقيا

مقدمة:

تتشابه مصالح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الأساسية في أفريقيا، خاصةً في مجالات الأمن والسياسة والاقتصاد. ويُفسر ذلك تطابق نظاميهما الاقتصادي الرأسمالي، وأيديولوجيتيهما الليبرالية، وتحالفهما العسكري تحت مظلة حلف الناتو، كما يشتركان في قوة موقفيهما العسكري والاقتصادي تجاه أفريقيا. وقد مرت سياسات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تجاه أفريقيا بعدة مراحل تشكلت خلالها وفق السياقات الدولية والمحلية. فبينما استفادت الولايات المتحدة من الهيمنة على النظام العالمي بعد الحرب الباردة، تراجعت هذه الهيمنة منذ بداية القرن الحادي والعشرين مع صعود قوى دولية منافسة لا سيما روسيا والصين، وتعرض الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين لهجمات قوية من جماعات ما يُسمى الإرهاب، ومرورهما بأزمات مالية عسيرة، فضلا عن زيادة الهجرات غير القانونية إليهما مما أدى إلى الصعود السياسي للقوى الشعبوية المطالبة بالاهتمام بالداخل على حساب الدور العالمي.

ويتتبع هذا التقرير ملامح تطور سياسات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تجاه أفريقيا خلال عدة عقود، لكنه يُركز على السنوات الخمس الماضية، أي منذ تولي “دونالد ترامب” رئاسة الولايات المتحدة، و”إيمانويل ماكرون” رئاسة فرنسا. وهنا تبرز إشكالية النظر لكل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كوحدة واحدة. فبينما تلعب فرنسا دورًا رئيسيًا في رسم سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه أفريقيا وتنفيذها، فإن أدوار دول أخرى في الاتحاد، كألمانيا وبريطانيا قبل خروجها منه، لا تقل أهمية عن دور فرنسا. فافتراض وحدة صانع السياسة الخارجية الذي تؤكد عليه المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية لا ينطبق على الاتحاد الأوروبي. وهو أيضًا موضع شك في حالة الولايات المتحدة، حيث لم تحظ سياسات الرئيس “ترامب” الخارجية دائمًا بموافقة الكونجرس. أما أفريقيا، فتضم عشرات الدول التي لا تنسجم مصالحها دائمًا ولا تحظى بذات الاهتمام من جانب صناع السياسة الخارجية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ولتجاوز هذه الإشكالية يُركز التقرير على سياسات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجاه أفريقيا كقارة دون بحث تفاصيل سياساتهما تجاه دولها، كما يُركز على الإدارات الأمريكية دون مؤسسات الحكم الأخرى، ويتعامل مع الاتحاد الأوروبي كمنظمة دولية، ومن ثم لا يُعنى التقرير بسياسات أعضائها تجاه أفريقيا. وينقسم التقرير إلى جزءين يتناول أولهما سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه أفريقيا، وثانيهما سياسات الولايات المتحدة تجاهها. وتناقش الخاتمة الفرص والتحديات أمام الدول الأفريقية لوضع سياسات تجاه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتنفيذها في ظل التنافس الدولي على القارة.

أولًا- تطور سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه أفريقيا:

لدول الاتحاد الأوروبي تاريخ استعماري طويل ومؤلم في أفريقيا. وقد سعت دول القارة بعد الاستقلال للتخلص من آثار هذا الاستعمار، ومن أبرزها التبعية الاقتصادية لأوروبا، حيث استمرت موارد أفريقيا الطبيعية تتدفق على أوروبا وفق شروط تجارية مجحفة تضمن استمرار هذه العلاقة غير المتكافئة. وفي هذا الإطار، حاولت دول أفريقيا مع غيرها من الدول التي تحررت من الاستعمار إعادة تأسيس علاقاتها مع الدول الرأسمالية، ومنها دول أوروبا الغربية، بإقامة نظام اقتصادي عالمي جديد أكثر عدالة في سبعينيات القرن الماضي. ورغم تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذه الدعوة، ونجاح النموذج الذي قدمته الدول المصدرة للبترول في فرض شروطها على الدول المستوردة له ولو لفترة قصيرة، فإن الدول الغنية بموارد طبيعية أخرى لم تنجح في هذا المسعى. فمثلاً فشل مجلس الدول المصدرة للنحاس الأحمر الذي تشكل بمبادرة أفريقية عام 1967 في تحسين شروط تجارته مع الدول المستوردة له[1].

ورغم ضعف موقف دول أفريقيا تجاه دول أوروبا، فإنها واصلت محاولات التخلص من التبعية الاقتصادية، لا سيما بعد إنشاء الاتحاد الأفريقي عام 2002 (وذلك كتطوير لمنظمة الوحدة الأفريقية)، وإن خففت طموحاتها وغيرت وجهتها وأسلوبها. ويتضح ذلك في مبادرة الاتحاد الأفريقي عام 2013 لحوكمة الموارد الطبيعية المعروفة باسم “رؤية التعدين الأفريقية”، ودور المركز الأفريقي لتنمية المعادن في تطبيق هذه الرؤية التي تهدف فقط إلى إصلاح نظم حوكمة الموارد في الدول الأفريقية الغنية لتحسين موقفها تجاه الدول المستوردة؛ أي أن هذه المبادرة لا تطمح لتغيير الشروط العالمية لتجارة الموارد الطبيعية. ويمكن تفسير تواضع هذا الهدف بخضوع المركز الأفريقي لتنمية المعادن لتأثير قوى الرأسمالية العالمية نتيجة استضافته من جانب مفوضية الأمم المتحدة الاقتصادية الخاصة بأفريقيا وتمويله من جانب دول غربية مثل كندا وأستراليا[2].

  • معالم استراتيجية الاتحاد الأوروبي للشراكة مع أفريقيا:

ظل جوهر سياسة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية تجاه أفريقيا منذ إنشائه عام 1993 هو الحفاظ على تبعيتها لأوروبا. ويتبين ذلك في مبادرته الخاصة بالمواد الخام عام 2007، واتفاقية الشراكة التي وقعها عام 2000 مع دول أفريقيا جنوب الصحراء والبحر الكاريبي والمحيط الهادي والتي هدفت أساسًا لزيادة اندماج هذه الدول في الاقتصاد العالمي. وبعد تمديد العمل بالاتفاقية مرتين عام 2020 وقعت الدول ذاتها على اتفاق جديد في العام التالي بهدف تشجيع الديمقراطية وحقوق الإنسان وتحقيق السلم والأمن وتحفيز النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة اقتصاديًا وبشريًا واجتماعيًا ومواجهة التغير المناخي وتنظيم هجرة الأفراد وتحركاتهم[3].

وتتشابه هذه الأهداف إلى حدٍ كبير مع أهداف استراتيجية الاتحاد للشراكة مع أفريقيا وفقًا لبيان مشترك قدمته المفوضية الأوروبية وممثل الاتحاد الأوروبي السامي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية إلى كلٍ من البرلمان والمجلس الأوروبيين في مارس 2020. وكانت المفوضية الأوروبية قد قدمت هذه الاستراتيجية المقترحة قبل إصدارها في اجتماع المفوضتين الأوروبية والأفريقية في أديس أبابا[4]، ورحب بها مجلس الاتحاد الأوروبي في اجتماعه في يونيو من نفس العام، داعيًا إلى تقوية شراكة الاتحاد مع أفريقيا في المجالات المذكورة باعتبارها أولوياته تجاه أفريقيا في المرحلة القادمة[5].

وحددت الاستراتيجية أهم أهداف هذه الشراكة في: تعظيم الاستفادة من التحول إلى الطاقة الخضراء، والحد من المخاطر التي تتعرض لها البيئة، وتعزيز تحول أفريقيا للاقتصاد الرقمي، وزيادة الاستثمارات المستدامة فيها بيئيًا واجتماعيًا وتمويليًا، ودعم فرص الاستثمار فيها، وتشجيع تكاملها الإقليمي والقاري، وحث دولها على تبني سياسات إصلاحية لتحسين بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار، وتعزيز قدرات الأفارقة –خاصةً من النساء والشباب– على التعلم والبحث والابتكار، والقضاء على عمالة الأطفال، وزيادة دعم الاتحاد الأوروبي لجهود السلام الأفريقية، والدمج عمليًا بين كلٍ من الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد وحكم القانون والمساواة الجنسية، ومرونة التعامل مع الصراعات والأزمات، وشمولية التعامل مع ملف الهجرة وحركة الأفراد وتوازنه، وتقوية النظام الدولي وفي قليه الأمم المتحدة[6].

ورغم تقديم أهداف الاتحاد الأوروبي وأولوياته باعتبارها تمثل مصالح وقيمًا مشتركة بين أوروبا وأفريقيا، فإنها عكست استمرار رؤية الاتحاد الاستعمارية في التعامل مع مستعمرات أعضائه القديمة، ومنها الدول الأفريقية، باعتبار أوروبا أسمى منها أخلاقيًا، وقوة عظمى معيارية تحدد للآخرين الصواب والخطأ[7]. ولعل سياسة فرنسا الأفريقية نموذج بارز لهذه الرؤية؛ فدائمًا ما تدعي فرنسا خصوصية علاقتها بأفريقيا كمدخل لفرض الوصاية عليها، ليس فقط لنشر قيمها الثقافية فيها بل أيضًا للظهور كلاعب مؤثر في الساحة الدولية. فحاجة فرنسا لأفريقيا لتحسين مكانتها الدولية لا تقل عن حاجة أفريقيا للحصول على دعم فرنسا ماديًا وسياسيًا[8]. ويتضح ذلك مثلاً في نجاح فرنسا في الوقوف موقف الند أمام الولايات المتحدة فيما يخص قضايا الأمن في أفريقيا نتيجة هيمنة فرنسا على سياسة الاتحاد الأوروبي الأمنية تجاه أفريقيا[9].

  • العلاقات الأوروبية -الأفريقية بين الثوابت والمتغيرات:

في ضوء ما سبق تناوله بشأن ملامح وأهداف الاستراتيجية الأوروبية للشراكة مع أفريقيا، يرى بعض الخبراء أن فرض أولويات أوروبا على أفريقيا ما هي إلا محاولة للسباحة ضد التيار وإعادة فرض ما كان مألوفًا تاريخيًا في علاقة أوروبا بمستعمراتها وعرقلة تحولات هذه العلاقة في زماننا الذي يسميه البعض “زمن ما بعد المألوف”. فبينما تزداد أهمية أفريقيا الاقتصادية والسكانية نسبيًا يتراجع تميز أوروبا عالميًا في هذين المجالين، كما تتزايد محاولات دول أفريقيا التأثير على أوروبا وغيرها من القوى الدولية[10]. ولا يعني ذلك بأية حال حتمية تحول العلاقات الأوروبية-الأفريقية نحو مزيد من العدالة، فهذا التحول ليس إلا إحدى النتائج المحتملة للصراع بين قوى التغيير وقوى المحافظة على الوضع القائم. فكما أن هناك مؤشرات لتحول العلاقات الأوروبية-الأفريقية، لا تزال هناك مؤشرات أخرى على استمرار ما كان مألوفًا فيها.

فمن مؤشرات تحول هذه العلاقات: تراجع اعتماد دول أفريقيا على المساعدات الأوروبية رغم الزيادة المطردة في التمويل المقدم من جانب برنامج الاتحاد الأوروبي للتعاون الدولي والتنمية. وفي المقابل لا تزال المؤشرات الاقتصادية تدل على تباين كبير بين أفريقيا وأوروبا رغم ما حققته أفريقيا من نمو وتنمية في العقود الماضية. وانعكس أثر هذا التباين في المفاوضات بشأن اتفاقية الشراكة الجديدة عام 2021؛ فحين طالبت دول أفريقية بفصل العلاقات الأفريقية -الأوروبية عن علاقات الاتحاد الأوروبي بدول الكاريبي والمحيط الهادي، والسماح للاتحاد الأفريقي بتمثيل القارة في أي اتفاقٍ جديد مع الاتحاد الأوروبي، تجاهل الاتحاد الأوروبي هذا المطلب، بل وساهم في تأجيج خلافات دول الاتحاد الأفريقي حوله، مما عزز اتهام الاتحاد الأوروبي بالسعي لتقويض التكامل الإقليمي في أفريقيا والحرص على تعزيز شروط التجارة الملائمة له فقط[11].

ومن هنا جاءت دعوة الرئيس الألماني السابق “هورست كوهلر” لتحسين مصداقية الاتحاد الأوروبي في علاقته بأفريقيا، لا سيما في ضوء حاجة كلٍ منهما للآخر للتصدي لجائحة كورونا التي أكدت ارتباط مصيريهما ارتباطًا وثيقًا، بحيث يستحيل أن تنعم أوروبا بالرخاء بينما تستمر المعاناة في أفريقيا. فقد فاقمت الجائحة من التحدي الهائل أمام دول أفريقيا لحل مشكلة البطالة، لا سيما بين الشباب الذين لم تتجاوز أعمارهم الخامسة والعشرين عامًا. وبات يتحتم عليها خلق نحو عشرين مليون وظيفة جديدة كل عام وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، وكثير منها في قطاعات لا تزال ناشئة في القارة، وكل ذلك في ظل تراجع السياحة والطلب الصيني والأوروبي على السلع والمواد الخام. ورأى “كوهلر” أن هذه فرصة للاتحاد الأوروبي لإثبات مصداقية شراكته مع أفريقيا[12].

وانتقد “كوهلر” غطرسة أوروبا واستعلاءها في التعامل مع أفريقيا في وقتٍ تفشل فيه أوروبا في حل مشاكلها، ولم تعد نموذجًا براقًا أمام الأفارقة. فهذه الرؤية الأوروبية ليست فقط مهينة للأفارقة بل وبالية في ظل تزايد ثقة الأفارقة في أنفسهم، وتزاحم قوى دولية صاعدة على الشراكة معهم، كالصين وروسيا والهند، فضلاً عن الولايات المتحدة. لذلك دعا “كوهلر” دول أوروبا لمواجهة هذا الواقع الجديد بصراحة، ومن ثم تجنب التعامل مع أفريقيا باعتبارها مصدرًا للمشاكل التي يجب على أوروبا المساهمة في حلها من باب العمل الخيري، بل يجب على دول أوروبا تنسيق سياساتها تجاه أفريقيا في إطار الاتحاد الأوروبي والتعامل مع القارة كشريك سياسي تتطلب شراكته تقديم تنازلات مهمة، مثل رفع الحماية عن المنتجات الزراعية الأوروبية، وقبول حماية أفريقيا لصناعاتها الوليدة تمامًا كما تفعل أوروبا لمواجهة المنافسة الأمريكية والصينية[13].

ويبدو أن الاتحاد الأوروبي بدأ يدرك هذا الواقع الجديد، حيث أطلق عام 2021 مبادرة “البوابة العالمية لإعادة بناء علاقات أوروبا بالعالم” استنادًا لعناصر قوتها غير الصلبة[14]، وانعقدت القمة السادسة للاتحادين الأوروبي والأفريقي في فبراير 2022 كخطوة أولى لتنفيذ هذه المبادرة. وقبيل تولي فرنسا رئاسة مجلس الاتحاد مطلع العام أعلن رئيسها عن التزامه بما أسماه صفقة جديدة مع أفريقيا لدعم اقتصادها الذي يعاني الكساد لأول مرة خلال ربع قرن. وحين ترأست فرنسا مجلس الاتحاد سعت لرفع سقف الشراكة مع أفريقيا لمستوى التحالف بهدف تحقيق التضامن والأمن والاستقرار والرخاء المستدام في القارتين[15].

وجاء البيان الختامي للقمة الأوروبية الأفريقية السادسة يحمل رؤية الاتحادين المشتركة لتجديد الشراكة بينهما ومواجهة التحديات والفرص العاجلة والآجلة، حيث التزم قادتهما بتحقيق الرخاء والاستدامة والشراكة المتبادلة في مجال الهجرة، وتعزيز التعاون من أجل السلم والأمن، والشراكة متعددة الأطراف في إطار النظام الدولي. ولمواجهة جائحة كورونا، تعهد الاتحاد الأوروبي بدعم الإجراءات التي تتخذها الدول الأفريقية للحصول على المنتجات الطبية بما في ذلك تقديم مبلغ 425 مليون يورو لتسريع وتيرة التطعيم ضد الفيروس، ودعم سيادة أفريقيا في مجال الصحة لتمكين القارة من الاستجابة للأزمات الصحية في المستقبل. لكن الاتحاد لم يتنازل عن حقوق الملكية الفكرية الخاصة بالتطعيمات كما طالبت دول أفريقيا، واكتفى بالالتزام بالتفاوض للتوصل إلى اتفاق بهذا الشأن في إطار منظمة التجارة العالمية. ورحب البيان بتعهد بعض الدول الأوروبية بتقديم مبلغ 13 مليار دولارًا أمريكيًا كمساهمة في علاج الآثار الاقتصادية للجائحة في الدول الأكثر احتياجًا، وكثير منها في أفريقيا، كما دعا البيان إلى زيادة هذه المساهمة للوصول إلى الهدف الطموح المعلن وهو 100 مليار دولار أمريكي[16].

ولا تعني مبادرة البوابة العالمية بالضرورة تغير رؤية الاتحاد الأوروبي لأفريقيا بقدر ما تعكس قلقه المتزايد من المنافسة الصينية والروسية في أحد أفنيته الخلفية التقليدية، وهي منافسة يمكن أن تخدم المصالح الأفريقية إذا أحسنت الدول الأفريقية استغلالها. فقادة أفريقيا في وضع مريح الآن نظرًا لقدرتهم على الاختيار بين شركاء متنافسين، لا سيما الصين وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة التي كان يأمل أنصار خروجها من الاتحاد أن تتوطد علاقاتها بدول القارة، خاصةً أعضاء الكومنولث البريطاني، لكن تواضع حجم تجارتها مع دول القارة مقارنةً بمنافسيها حرمها من الاستفادة من تلك الميزة النسبية. ومن غير المستبعد في هذا السياق أن يحاول قادة الدول الأفريقية التلاعب بشركائهم للحصول على أفضل ما لديهم[17].

ثانيًا- تطور سياسات الولايات المتحدة تجاه أفريقيا:

ليس للولايات المتحدة تاريخ استعماري في القارة الأفريقية، ولم تنخرط عسكريًا فيها خلال الحرب الباردة، بل سعت لكسب دول القارة حديثة الاستقلال في صراعها الاستراتيجي مع الاتحاد السوفيتي، وغالبًا ما اعتمدت على دور حلفائها الأوروبيين في التعامل مع مستعمراتهم السابقة. ثم تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالقارة بعد نهاية الحرب الباردة، خاصةً بعد فشلها العسكري المريع في الصومال عام 1993 الذي جعلها تُحجم عن أي تدخل عسكري في أفريقيا لفترة طويلة. لكن أهمية القارة أمنيًا للولايات المتحدة ازدادت منذ بداية القرن الحالي، لا سيما مع بدء حربها على ما تُسميه الإرهاب، وزيادة نمو اقتصاد القارة حتى بلغ مجموع ناتج دولها المحلي الإجمالي بين عامي 2000 و2015 نحو تريليوني دولار أمريكي[18].

  • أفريقيا والأولويات الأمنية والاقتصادية في الاستراتيجيات الأمريكية:

تتضح زيادة أهمية القارة من استقراء استراتيجيتي الأمن القومي الأمريكي لعامي 2002 و2006، ثم إنشاء القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا رسميًا عام 2007 وعمليًا في العام التالي. وتهدف هذه القيادة إلى ردع التهديدات العابرة للحدود ودحرها، ومنع الصراعات في المستقبل ودعم جهود الإغاثة الإنسانية، وحماية مصالح الولايات المتحدة الأمنية عمومًا. وسمحت هذه العمومية الفضفاضة في أهداف القيادة بتوسيع عملياتها لتشمل تدريب قوات أفريقية لتنفيذ مهام حفظ السلم والتدخل الإنساني ومواجهة أنشطة الجماعات الموسومة بالإرهابية وتأمين طرق المواصلات لنقل الطاقة والموارد المعدنية إلى الولايات المتحدة[19].

لكن الزعماء والضباط الأفارقة لم يتحمسوا لتدخل الولايات المتحدة عسكريًا في القارة لشعورهم بعدم الاحترام؛ نتيجة عدم إشراكهم في التخطيط لإنشاء هذه القيادة والإعلان عنها وتفعيلها[20]. كما اعتبر كثير من الأفارقة أن هدف إنشاء هذه القيادة هو مواجهة الوجود المتزايد لقوى دولية منافسة للولايات المتحدة في القارة كالصين، وتأمين الوصول إلى المواقع الغنية بالموارد المعدنية في أفريقيا بما فيها النفط. كما ذهب البعض لاتهام الولايات المتحدة بمحاولة عسكرة الدبلوماسية والتحكم في القارة عسكريًا[21].

وقد عكست المهام التي نفذتها هذه القيادة رؤية الإدارات الأمريكية المحدودة لما يهدد أمن القارة وتجاهلها لتعقد بيئتها الأمنية التي تشمل تحديات بناء دولها وتكامل جهودها الأمنية وتوفير أمن شعوبها. فبناء الجيوش المحترفة الخاضعة للمحاسبة والقادرة على مواجهة ما يسمى الإرهاب لا يكفي لضمان أمن القارة[22]. فلا يمكن تحقيق الهدف الذي من أجله أُنشئت هذه القيادة دون التصدي لقضايا الأمن الإنساني والتنمية البشرية التي تؤثر في الأفارقة تأثيرًا مباشرًا، مثل الفقر والتهديد الذي يشعر به الأفراد والجماعات سواء تجاه بعضهم بعضًا أو تجاه حكوماتهم. لذلك نصح بعض الخبراء الإدارات الأمريكية بتشجيع الدول الأفريقية على بناء مؤسسات حكم ديمقراطي دستوري وتبني سياسة تعليمية ولغوية وثقافية تحترم التنوع البشري، كذلك أشار بعضهم إلى إمكانية الاستفادة من الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية في تحقيق المصالح الأمنية الأمريكية في القارة[23].

غير أن الإدارات الأمريكية لا تدعو إلى إصلاح نظم الحكم إلا للضغط على الحكومات لتحقيق مصالح الولايات المتحدة الأمنية والاقتصادية المباشرة. فنشر الديمقراطية والحكم الرشيد يُستخدم كأداة لدعم اقتصاديات السوق وتعزيز الرأسمالية العالمية وهيمنتها على النظام الدولي[24]. ولا مكان لنشر الديمقراطية في السياسة الخارجية الأمريكية إذا تعارضت مع مصالح الولايات المتحدة الأمنية والاقتصادية المباشرة، وما تردد إدارة الرئيس الأسبق “أوباما” وغموض سياستها تجاه ثورات الربيع العربي في شمال أفريقيا منا ببعيد[25]. وتتضح أولوية المصالح الأمنية والاقتصادية على الأهداف السياسية في استراتيجية الأمن القومي التي أصدرتها إدارة الرئيس السابق “ترامب” عام 2017[26]، واستراتيجية أفريقيا الصادرة بعد ذلك بعام[27]، واللتان قامتا على تصورات قاصرة لدى الإدارات السابقة، ورؤية إدارة “ترامب” لإنجازات القارة وإخفاقاتها، والتوسع الصيني فيها اقتصاديًا وعسكريًا، وقد حددتا أهداف الولايات المتحدة الاستراتيجية تجاه أفريقيا في مجالات الأمن والاقتصاد والسياسة بحيث تخدم السياسة الأهداف الأمنية والاقتصادية وليس العكس.

فمن الناحية الأمنية هدفت الاستراتيجيتان لتحقيق أمن الولايات المتحدة وأفريقيا من خلال تعزيز قدرات دولها على سد حاجات مواطنيها، والتعامل مع كل ما يهدد الأمن والسلم. وتعهدت الإدارة الأمريكية بالعمل مع شركائها الأفارقة ليتولوا بأنفسهم التعامل مع التهديدات الأمنية في أقاليمهم ومنع انتشار الأمراض المعدية القاتلة فيها، وتحسين قدرات أجهزتهم الأمنية على مواجهة التنظيمات الإرهابية لدحر كل من يهدد أمن الولايات المتحدة ومواطنيها. وبينما أكدت إدارة “ترامب” دعم عمليات حفظ السلم الفعالة التي تشرف عليها الأمم المتحدة فإنها التزمت بإنهاء دعم تلك التي لا تحقق أهدافها أو تفشل في تحقيق سلام دائم، والتزمت بدعم الدول التي يهدد فشلها أمن الولايات المتحدة، واتخاذ إجراءات منفردة لحماية أمن الأمريكيين وسلامتهم متى لزم الأمر.

غير أن أحد التحديات التي تواجه السياسة الأمنية للولايات المتحدة في القارة هو إدارة اختلافها مع شركائها في تحديد أولويات الأمن. فالتفاوت بين الولايات المتحدة وشركائها كبير ليس فقط في القدرات بل والمصالح أيضًا. فهم لا يشتركون في نفس النظرة لطبيعة التهديدات الأمنية ونطاقها، وتختلف رؤاهم حول التهديد الذي يمثله ما يُسمى الإرهاب الدولي. ومن ثم، فإن دول القارة قد لا تكون قادرة أو مستعدة لتلبية توقعات الولايات المتحدة، خاصةً أن تصور تلك الدول عن الاستعمار الجديد تغذي شكوكها حول رغبة الولايات المتحدة في أن تفرض تفضيلات سياساتها الأمنية على الأفارقة[28].

أما الأهداف الاقتصادية في الاستراتيجيتين فشملت: دعم النمو والتكامل الاقتصادي بين دول أفريقيا، وتشجيع اندماج اقتصاداتها في الاقتصاد العالمي، وخلق ظروف مناسبة لتحسين مناخ الأعمال فيها، والتوسع في تجارة الولايات المتحدة مع الدول الأفريقية لزيادة أرباح الأمريكيين والأفارقة، وخلق فرص عمل لهم، وزيادة الصادرات الأمريكية التي توفر سلعًا وخدمات عالية الجودة في القارة وتتيح بدائل أفضل من المنتجات الصينية.

وأكدت الاستراتيجيتان عزم الإدارة الأمريكية على العمل مع الحكومات والمنظمات الإقليمية لعلاج الأسباب الجذرية لمعاناة الناس. ولتحقيق هذه الأهداف وظفت إدارة “ترامب” “قانون النمو الأفريقي والفرصة” الذي أقره الكونجرس عام 2000 ثم جدده عام 2015 لمدة عشرة أعوام واستفادت منه حتى عام 2017 نحو أربعين دولة أفريقية جنوب الصحراء لتصدير ما يقرب من سبعة آلاف منتجًا بلا جمارك ودون التزام بحصص محددة[29]. علمًا أن اكتفاء إدارة “ترامب” باستخدام هذا القانون المحلي دون عقد اتفاقات مع دول أفريقيا يعكس نفور “ترامب” من الاتفاقات الدولية كأداة لتنفيذ السياسات الخارجية لأنها في رأيه تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة[30].

كذلك أشارت الاستراتيجية الخاصة بأفريقيا إلى مبادرة “ازدهار أفريقيا” التي طرحتها إدارة “ترامب” لتعميق الروابط التجارية مع دول القارة، وفتح أسواقها أمام الشركات الأمريكية، وتشجيع نمو الطبقة الوسطى فيها، وزيادة فرص توظيف الشباب. وتعمل هذه المبادرة على تنسيق برامج وموارد وإمكانات 17 وزارة ووكالة رسمية أمريكية بما فيها وكالة التنمية الدولية وهيئة تمويل التنمية الدولية وبنك التصدير والاستيراد. وقد دعت إدارة “ترامب” القادة الأفارقة إلى الاستفادة من الاستثمارات المستدامة التي توفرها هذه المبادرة لمساعدة دولهم في الاعتماد على ذاتها، بعكس التعاون الاقتصادي مع الصين الذي يفرض تكاليف لا داعي لها وفقاً لإدارة “ترامب”.

ومنذ دخول هذه المبادرة حيز التنفيذ في منتصف عام 2019 وحتى منتصف عام 2022 دعمت الإدارة الأمريكية إبرام 800 صفقة مع 45 دولة بقيمة 50 مليار دولار من الصادرات والاستثمارات، لا سيما في قطاعات الطاقة وتجارة المحاصيل الزراعية والرعاية الصحية وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات[31]. ورأى بعض الخبراء الاقتصاديين في الكونجرس أن جانب من أهداف هذه المبادرة يحتاج وقتًا طويلاً لتحقيقه، مثل توسيع القطاع المالي وتحسين بيئة الأعمال وبناء قدرات الدول الأفريقية لضمان الشفافية وحكم القانون. كما أن هناك عقبات بنيوية تعيق التجارة بين الولايات المتحدة وأفريقيا، مثل الفجوة بينهما في البنية التحتية ومعدلات التصنيع[32].

وجاءت الأهداف السياسية في الاستراتيجيتين لخدمة الأهداف الأمنية والاقتصادية، حيث دعتا لإصلاح نظم الحكم الأفريقية لدعم التنمية والفرص الاقتصادية، وتقليل رغبة السكان في الهجرة غير القانونية، وتقوية الدول الأفريقية أمام الجماعات المتطرفة، ومن ثم زيادة استقرارها. ولتحقيق هذه الأهداف، التزمت إدارة “ترامب” ببناء شراكات تجارية مع الحكومات الساعية للإصلاح وليس الاعتماد على المساعدات الخارجية، ومراجعة برامج المساعدات وإعادة تنظيمها لضمان فعاليتها لتحقيق الاستقرار والحكم الرشيد والنمو الاقتصادي واعتماد دول القارة على ذواتها. وتعهدت الإدارة بعدم إنفاق أموال دافعي الضرائب الأمريكيين لدعم زعماء فاسدين ينتهكون حقوق الإنسان، وقصر المساعدات على الدول التي تشجع مُثل الديمقراطية العليا والشفافية المالية والإصلاح الاقتصادي، ووقف المساعدات المقدمة للحكومات والمؤسسات التي تُسيء لمواطنيها وترتكب بحقهم أعمالاً وحشية ومعاقبة مسؤوليها. وأعطت الإدارة الأولوية لتشجيع الإصلاح في الدول التي وصفتها بالواعدة، والعمل معها لزيادة كفاءة نظم الإدارة فيها، ودعم حكم القانون، وبناء مؤسسات تخضع لمحاسبة مواطنيها وتستجيب لمطالبهم.

ورغم أن الاستراتيجيتين أوحتا بأن المساعدات الخارجية عمل خيري، فإن الحقيقة هي أن هذه المساعدات لم تكن أبدًا كذلك، بل ظلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تستخدمها كأداة ضغط سياسي لضمان ربط اقتصادات الدول المتلقية للمساعدات وسياساتها الخارجية بسياسات الولايات المتحدة واقتصادها، وإبعاد هذه الدول عن التحالف مع خصوم الولايات المتحدة، وهو الدور الذي لعبته المساعدات الأمريكية للدول الأفريقية خلال الحرب الباردة في مواجهة الاتحاد السوفيتي، وتؤديه حاليًا في التنافس المتصاعد بين الولايات المتحدة ومنافسيها، لا سيما الصين وروسيا. لكن حتى لو قدمت الولايات المتحدة مساعداتها لدول القارة كعملٍ خيري فستظل هي ودول الغرب الأخرى مدينة للأفارقة نتيجة دورها التاريخي والحالي في إفقارهم بسياساتها الرأسمالية التوسعية. فدول الغرب الثرية راكمت ثرواتها بفضل النظام الاقتصادي الدولي غير المتكافئ بشكلٍ صارخ، حيث ظلت هذه الدول تحصل على السلع والموارد الطبيعية الأساسية من الدول الفقيرة وتفرض عليها امتيازات تعيق التجارة والهجرة. وتعود هذه العلاقات غير المتكافئة إلى عصر تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي التي أفادت دول الغرب الثرية بمليارات ساعات العمل التي أُجبر عليه من وقع في أسرها.

ولا فرق في تجاهل هذه الحقائق، ومن ثم خطاب الاستعلاء بالمساعدات على الأفارقة وغيرهم، بين إدارتي “ترامب” و”بايدن”. فخلال قمة مجموعة السبعة في ألمانيا في يونيو 2022 رفض الرئيس “بايدن” اعتبار الأموال التي تعهد قادة المجموعة بجمعها لتمويل البنية التحتية في أفريقيا وغيرها من الدول النامية والتي بلغت ستمائة بليون دولارًا عملاً خيريًا أو حتى مساعدات وإنما فرصة للدول الديمقراطية لإظهار ما تستطيع فعله ومن ثم الانتصار على منافسيها، في إشارة واضحة للصين[33].

  • التنافس الأمريكي –الصيني في أفريقيا:

يُعد تنافس الولايات المتحدة مع الصين مفتاح أساسي لفهم سياساتها تجاه أفريقيا، إذ يتبين من استراتيجية الأمن القومي والاستراتيجية الخاصة بأفريقيا أن تحقيق مصالح الأفارقة كان هدفًا ثانويًا لإدارة “ترامب” مقارنةً بتحقيق مصالح الأمريكيين وضرب مصالح الصين في القارة. وإذا كان من المنطقي أن تقدم حكومة أية دولة تحقيق مصالح مواطنيها على ما سواها من أهداف سياستها الخارجية، فإن حرص إدارة “ترامب” على ضرب مصالح الصين في أفريقيا يعكس رؤيتها لتعاظم هذه المصالح على حساب المصالح الأمريكية، خاصةً من الناحية الاقتصادية. إذ دلت البيانات الاقتصادية في بداية عهد إدارة “ترامب” على استمرار تفوق الصين على الولايات المتحدة كأكبر شريك تجاري لأفريقيا منذ عام 2009، رغم تراجع قيمة صادرات أفريقيا النفطية للصين بنسبة 50٪ بين عامي 2014 و2015 نتيجة انخفاض سعر النفط. وفي المقابل شهدت الفترة ذاتها تراجع قيمة الصادرات الأمريكية لأفريقيا بنسبة 28٪، وهو أكبر تراجع لها[34].

ورغم تفوق الاستثمارات الأمريكية المباشرة في أفريقيا على نظيرتها الصينية، إلا أن الأخيرة كانت تزداد باطراد. فبينما مثلت استثمارات الصين 2٪ فقط من الاستثمارات الأمريكية عام 2003، بلغت هذه النسبة 55٪ عام 2015[35]. أما في مجال الإقراض، فقد تفوقت الصين على الولايات المتحدة تفوقًا ملحوظًا؛ إذ بلغت قروض بنك التصدير والاستيراد الصيني لأفريقيا 63 بليون دولارًا بين عامي 2000 و2015، بينما بلغت قروض نظيره الأمريكي في الفترة نفسها 1.7 بليون دولارًا فقط. واستحوذ قطاع المواصلات على نحو نصف القروض الصينية لا سيما قرض تمويل خط السكة الحديد بين مومباسا ونيروبي، وقرض تمويل خط السكة الحديد بين جيبوتي وأديس أبابا[36].

لكن سياسات إدارة “ترامب” الاقتصادية لم تفلح في وقف تدهور وضع الولايات المتحدة أمام الصين في أفريقيا. فبينما بلغ حجم تجارة الصين مع أفريقيا 206.8 بليون دولارًا عام 2019، بزيادة سنوية قدرها 1.4٪، تراجع حجم تجارة الولايات المتحدة مع أفريقيا بنسبة 8.1٪ في نفس الفترة وانخفضت قيمتها من 61.9 بليون دولار عام 2018 إلى 56.9 بليون دولارًا عام 2019. وفي العام نفسه بلغت الاستثمارات الصينية في أفريقيا 50 بليون دولار، متجاوزةً بذلك لأول مرة الاستثمارات الأمريكية التي تراجعت إلى 49 بليون دولارًا فقط[37]. وبينما أعطت إدارة “ترامب” الأولوية للشركاء الأفارقة الذين يشجعون قيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، لم تشترط الصين على شركائها سوى الالتزام بسياسة الصين الواحدة وهو ما التزمت به كل دول أفريقيا عدا واحدة حتى عام 2016[38]. فاكتفاء الصين بهذا الشرط الذي لا يعني الشيء الكثير لمعظم الدول الأفريقية يُعد ميزة نسبية للصين في مقابل الشروط الأمريكية التي لا تقبلها بعض نظم الحكم الأفريقية أو تمثل لها هدفًا مثاليًا متحركًا يستحيل الوصول إليه.

وحتى الوجود العسكري والأمني للولايات المتحدة في أفريقيا والذي يمثل لها ميزة نسبية في مواجهة الصين، فقد بدأ يتراجع في وقتٍ يزداد فيه الوجود الصيني العسكري والأمني. فبينما انتشر الوجود العسكري الأمريكي في نحو 30 دولة في صورٍ شتى بعد إنشاء القيادة الأمريكية في أفريقيا في نهاية عهد الرئيس “بوش الابن” كجزء مما يُسمى الحرب على الإرهاب، تراجع هذا الوجود في عهدي “أوباما” و”ترامب” إلى أن وصل عام 2019 إلى 29 قاعدة عسكرية في 15 دولة معظمها في إقليمي الساحل والقرن الأفريقي. وفي المقابل زادت الصين من وجودها العسكري في أفريقيا بشكلٍ ملحوظ، بدايةً من بروز دور بحريتها في محاربة القرصنة في خليج عدن منذ عام 2008، ولاحقًا في خليج غينيا، ومرورًا بتقديم مائة مليون دولارًا أمريكيًا كمساعدات عسكرية للاتحاد الأفريقي لدعم إنشاء قوة أفريقية دائمة عام 2015 تزامنًا مع إنشاء قوة حفظ سلام صينية دائمة قوامها ثمانية آلاف فرد، ووصولاً إلى إنشاء القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي عام 2017[39].

هذا التنافس المحتدم بين الولايات المتحدة والصين في أفريقيا يصاحبه منافسات مع قوى دولية أخرى تسعى لتبادل المصالح الاقتصادية والأمنية والسياسية مع دول القارة. ومن هذه القوى روسيا والهند والبرازيل وتركيا وإيران وكوريا الجنوبية[40]. وربما لا تُحسم هذه المنافسات خارج القارة كما حدث في حقبة الاستعمار القديم في نهايات القرن التاسع عشر، بل قد تحسمه دول القارة وشعوبها في الترجيح بين المتنافسين. ومن هنا تبرز أهمية دراسة السياسات الأفريقية تجاه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة جنبًا إلى جنب مع دراسة سياساتهما تجاهها.

خاتمة: هل من سياسات للدول الأفريقية تجاه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؟

لا يكتمل الحديث عن سياسات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تجاه أفريقيا إلا بذكر سياساتها تجاههما. فقد مضى زمن النظر إلى القارة باعتبارها مجرد موضع لأفعال الآخرين وعبثهم بمواردها ومصائر شعوبها. وتدل دراسة سياسات الدول الأفريقية الخارجية على أنها ليست مجرد انعكاسات لسياسات القوى الدولية، بل أيضًا استجابات لأوضاع محلية أنتجتها إرادات ومصالح سياسية وطنية وقارية. ولإدراك ذلك لا بد من إعادة الاعتبار للعناصر غير المادية في العلاقات الدولية كالثقافة والهوية والقيادة والأيديولوجيا والفكر الاستراتيجي، ومن ثم إعادة تركيز بؤرة التحليل بعيدًا عن العناصر المادية لتلك البنية كالقوتين العسكرية والاقتصادية اللتين تجعلا من أفريقيا مجرد تابع للغرب المهيمن[41].

وحتى السياسات الخارجية التي يسهل تفسيرها بفارق القوة العسكرية والاقتصادية بين الدول الأفريقية من جهة والولايات المتحدة والدول الأوروبية من جهةٍ أخرى، يمكن أيضًا تفسيرها بعناصر غير مادية. فنجد مثلاً أن ضعف تونس العسكري واعتمادها على الاستثمارات والسياحة الفرنسيتين يغريان الباحثين لاعتبارهما سبب سياستها الناعمة تجاه فرنسا حتى عقب الثورة التونسية على حكم الرئيس “بن علي” الذي ظلت فرنسا تدعم سياساته المحلية المستبدة لأكثر من عقدين. فبينما كان متوقعًا من حكومات ما بعد الثورة أن تتخذ موقفًا حازمًا تجاه الحليف الدولي الأكبر للحاكم المستبد السابق، كحال الحكومات الثورية في كل مكان، إذا بتلك الحكومات تتبنى سياسات ذرائعية (براجماتية) تجاه فرنسا بهدف جذب مزيد من الدعم المادي. ولا تُستثنى من ذلك حكومتا حزب النهضة ذي التوجه الإسلامي خلال المرحلة الانتقالية. غير أن المدقق في هذه السياسات يدرك أنها لا تعود فقط لتبعية تونس الاقتصادية لفرنسا، بل أيضًا لبراجماتية قيادة الحزب ونزعتها الإصلاحية غير الثورية السابقتين على توليه السلطة، فضلاً عن تخوفها من دعم فرنسا لقوى محلية معارضة لها بما قد يؤدي للإطاحة بحكم الحزب وعودة قادته إلى السجون والمنافي. ويغفل أنصار التحليل المادي عن هذه العوامل، ومن ثم يعيدون إنتاج التفسيرات القائمة على التبعية الاقتصادية[42].

وتعود فاعلية وتفاعل الأفارقة تجاه القوى الخارجية إلى ما قبل استقلال دولهم، حيث مارسوا المقاومة بكل أشكالها العنيفة والسلمية في زمن الاستعمار، كما كان بعضهم يتعاون مع المحتل، وكل هذه من صور الفعل التي أهملتها نظريات العلاقات الدولية لفترة طويلة، حيث اهتمت فقط بما يصدر عن القوى الكبرى، سواء تجاه بعضها أو تجاه الدول الأخرى[43]. لكن اتجاهًا جديدًا ظهر في العقد الماضي لبناء علم علاقات دولية عالمي لا يركز فقط على القوى الكبرى أو خبرة الغرب ونظرياته عن العلاقات الدولية، وإنما يدعو إلى الاعتراف بتعدد صور الفعل الدولي وشموليته لأفعال لا تعكس بالضرورة القوة المادية لأصحابها، كالفعل القيمي ودور القوى المحلية في إعادة صياغة النظام العالمي في محيطها الإقليمي[44].

وقد عبر “أميتاف أشاريا” في خطابه الرئاسي في الاجتماع السنوي لجمعية الدراسات الدولية عام 2014 عن الحاجة إلى إطار جديد لفهم الفعل الدولي، بما فيه الفعل الرافض للوضع القائم والمقاوم له، وليس فقط الفعل الداعم له. فمن خلال هذا الإطار يمكننا فهم الكيفية التي تستطيع من خلالها القوى الفاعلة بناء النظم الدولية العالمية والإقليمية أو رفضها وإعادة بنائها وتغييرها. كما يستوعب هذا الإطار مفاهيم الأمن والتنمية الجديدة التي طرحتها وطبقتها قوى دولية فاعلة غير غربية بما يعكس مخاوف ضحايا الفقر وانعدام الأمن وغياب المساواة وأحوالهم الصعبة. فالفعل الدولي ليس حكرًا على القوي، بل قد يكون سلاحًا في يد الضعيف. ويقود الاعتراف بدول الجنوب كقوى فاعلة دوليًا إلى وضع رؤاها للنظام العالمي وتحولات علاقتها بدول الشمال في مكان مركزي في علم العلاقات الدولية[45]. ويرى “أشاريا” أن أفريقيا قادرة على المساهمة في صياغة النظام العالمي في المستقبل شريطة تحقيق التنمية الاقتصادية والتحرك في إطار جماعي إقليمي، سواء من خلال الاتحاد الأفريقي أو غيره[46].

ولا مجال هنا لبحث سياسات الدول الأفريقية تجاه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ولكن تكفي الإشارة إلى بعض معضلاتها: المعضلة الأولى سعي الدول الأفريقية للتعامل مع القوى الكبرى في النظام الدولي على قدم المساواة رغم فارق القوة البنيوية الهائل بينهما. فبينما تحاول بعض الدول الهامشية في ذلك النظام تحقيق هذه المساواة من خلال التزامها بمبادئ النظام الدولي وأعرافه التي وضعتها القوى الكبرى، فإن دولاً هامشية أخرى تحاول الوصول لنفس الهدف بالسير في الاتجاه المعاكس، أي بمخالفة المبادئ والأعراف السائدة في النظام الدولي. وللمفارقة، فإن كلا الطريقين غير مضمون العواقب، وقد يقود إلى تعزيز عدم التكافؤ في المعاملة بين القوى الكبرى والدول الهامشية في النظام الدولي. ولعل هذا يفسر تأرجح الدول الهامشية في السير بين المسارين[47].

والمعضلة الثانية تتعلق تحديدًا بالقوى الصاعدة في النظام الدولي التي تخالف المبادئ والأعراف السائدة فيه، حيث تنظر إليها القوى المهيمنة على ذلك النظام ومعظم أدبيات العلاقات الدولية كقوى تسعى لتغيير الوضع القائم فيه، ومن ثم تسم سلوكها بالرجعية والخروج عن الأخلاق. ويرجع ذلك الموقف السياسي والفكري إلى التحيز الأصيل في الرؤية الغربية بشأن مفهومي الوضع القائم والتغيير في النظام الدولي، حيث تقضي هذه الرؤية بأن محاولات القوى غير الغربية لتغيير الوضع القائم في ذلك النظام الذي أقامته الدول الغربية تخل بنظام أخلاقي يمثل التقدم الحضاري[48]. ولا شك أن ذلك الموقف يمثل ضغطًا كبيرًا على الدول الهامشية في النظام الدولي حين تضع سياساتها المخالفة لمبادئه وأعرافه، حيث يقع على عاتقها عبء الدفاع عن أخلاقية هذه السياسات ومن ثم شرعيتها.

ورغم أن معظم الدول تؤثر السلامة، فتلتزم بالمبادئ والأعراف السائدة في النظام الدولي التي وضعتها القوى الكبرى، فإن الدول الأفريقية تستطيع الآن مواجهة هذا الموقف المتحيز وتحويله إلى فرصة لتحقيق مصالحها وفق رؤاها للأمن والاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية. فقد ولت مرحلة ما بعد الحرب الباردة التي لم يكن فيها أمام تلك الدول بدائل من الشركاء الدوليين فرضخت لإرادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. أما الآن، فقد ظهر منافسون للولايات المتحدة وأوروبا يختلفون مع رؤيتهما لفضائل نظامهما الرأسمالي وأيديولوجيتهما الليبرالية. وتستطيع الدول الأفريقية استغلال هذا الوضع الجديد إذا لم تستسلم لتأثير عوامل القوة المادية في بنية النظام الدولي، وتبنت استراتيجيات لتوظيف قواها المادية والمعنوية في علاقاتها الخارجية، وأدركت أن جانبًا من قوتها يكمن في ضعفها في النظام الدولي وتكالب المتنافسين عليها.

___________________

الهوامش

[1] Duncan Money, Hans Otto Frøland and Tshepo Gwatiwa, “Africa–EU relations and natural resource governance: understanding African agency in historical and contemporary perspective,” Review of African Political Economy, Vol 47, No 166, 2020, pp. 585-603.

[2] Ibid., pp. 585-603.

[3] Cotonou Agreement, Council of the European Union, available at: https://cutt.us/YUZkb

[4] Eric Pichon, A new EU-Africa Strategy – A partnership for sustainable and inclusive development, European Parliamentary Research Service, March 2021.

[5] Council of the European Union, Outcome of Proceedings – Annex: Council conclusions on Africa, Brussels, 30/6/2020, available at: https://cutt.us/PPQc9

[6] European Commission and High Representative of the Union for Foreign Affairs and Security Policy, Towards a comprehensive strategy with Africa, Brussels, 9/3/2020, available at: https://cutt.us/rAT5E

[7] Look at:

– M. Langan, “Normative Power Europe and the Moral Economy of Africa–EU Ties: A Conceptual Reorientation of ‘Normative Power”’ in New Political Economy, no. 17, 2011, p. 263

–  John Kotsopoulos and Frank Mattheis, “A Contextualisation of EU–Africa Relations: Trends and Drivers from a Reciprocal Perspective” in South African Journal of International Affairs, no. 25(4), 2018, p. 450, quoted in: Ana Pantea, “On the Dialectical Relationship between Europe and Africa,” Studia Ubb. Europaea, Vol. 64, No. 2, 2019, p. 182.

[8] Ana Pantea, op. cit., pp. 178‐179.

[9] Pernille Rieker, Making Sense of the European Side of the Transatlantic Security Relations in Africa, Politics and Governance, Vol. 10, No. 2, 2022, pp. 144–153.

[10] Robin Bourgeois, Frank Mattheis and John Kotsopoulos, “Post-normal times: re-thinking the futures of the EU-Africa relationship,” European Journal of Futures Research, Vol 8, No 9, 2020, p.11.

[11] Ibid., pp. 10-11; Ana Pantea, op. cit., pp. 179-180.

[12] Horst Köhler, “Crisis and Credibility – Towards New Honesty in EU-Africa Relations,” CESifo Forum, Ifo Institute – Leibniz Institute for Economic Research at the University of Munich, Vol 21, No 02, 2020, p. 11.

[13] Ibid., pp. 12-14.

[14] European Commission and High Representative of the Union for Foreign Affairs and Security Policy, The Global Gateway, 1/12/2021, available at: https://cutt.us/IYOZk

[15] Ramona Bloj, The European strategy for a ‘New Deal’ with Africa, European issues, no. 622, 15 February 2022, available at: https://cutt.us/E7Z2i

[16] European Council, Sixth European Union – African Union Summit: A Joint Vision for 2030, Press Release, the Council of the EU and the European Council, 18 February 2022, available at: https://cutt.us/R4X8c

[17] Dirk Kohnert, More Equitable Britain–Africa Relations Post-Brexit: Doomed to Fail?, Africa Spectrum, Vol. 53, No. 2, 2018, p. 119, pp. 126-127.

[18] Robert J. Griffiths, U.S. Security Cooperation with Africa: Political and Policy Challenges, New York: Routledge, 2016, pp. 2-3.

[19] Ibid, pp. 3-4.

[20] Kelechi A. Kalu and George Klay Kieh, Jr. (eds.), United States–Africa Security Relations, New York: Routledge, 2014, p. 23.

[21] Edmond J. Keller, US-Africa Relations and AFRICOM: Possibility, Problem and Limitation, (in): Cassandra R. Veney  (ed.), US-Africa Relations: From Clinton to Obama, Lanham, MA, USA: Lexington Books, 2014, p. 67.

[22] Robert J. Griffiths, op. cit., p. 5.

[23] Kelechi A. Kalu and George Klay Kieh, Jr. (eds.), op. cit., p. 24.

[24] Rita K. Edozi, Rethinking US-Africa Democracy Relations in Obama’s First Term, (in): Cassandra Veney (ed.), op. cit., p. 30.

[25] Ahmed A. Salem, Promoting or Resisting Change? The United States and the Arab Spring in North Africa with emphasis on Egypt’s Transition Period, (in): Cassandra Veney (ed.), op. cit., pp. 75-98.

[26] National Security Strategy of the United States of America, Washington, D.C.: The White House, December 2017, pp. 52-53, available at: https://cutt.us/F6wdT

[27] President Donald J. Trump’s Africa Strategy Advances Prosperity, Security, and Stability, Foreign Policy, The White House, 13 December 2018, available at: https://cutt.us/rYmCH

[28] Robert J. Griffiths, op. cit., p. 7.

[29] Olufemi Babarinde and Stephen Wright, Africa and the United States: Assessing AGOA, Africa Today, Vol. 64, No. 2, Winter 2017, p. 28.

[30] Ibid, p. 38.

[31] Prosper Africa Fact Sheet (Arabic), Prosper Africa (an official website of the United States government), available at: https://cutt.us/E0qTc

[32] The Trump Administration’s Prosper Africa Initiative, Congressional Research Service, Updated Report IF11384, Version 6, 17 November 2020, available at:  https://cutt.us/MLzc2

[33] Howard W. French, What the U.S. Still Doesn’t Get About Countering China: Self-interest, not altruism, is driving Beijing to invest in the global south, Foreign Policy, 7 July 2022, available at: https://cutt.us/S7W2l

[34] Janet Eom, Jyhjong Hwang, Lucas Atkins, Yunnan Chen, and Siqi Zhou, The United States and China in Africa: What does the data say?, Policy Brief, No. 18/2017, China Africa Research Initiative (CARI), School of Advanced International Studies (SAIS), Johns Hopkins University, Washington, DC, p. 1, available at: https://cutt.us/OfLvX

تصدرت جنوب أفريقيا عام 2015 قائمة الدول الأفريقية المستوردة من الصين والولايات المتحدة وكذلك قائمة الدول المصدرة للولايات المتحدة، بينما تصدرت أنجولا قائمة الدول المصدرة للصين، وتصدر الوقود المعدني قائمة صادرات أفريقيا إلى كلا البلدين، وتصدرت الآلات قائمة وارداتها منهما المرجع ذاته، ص 7.

[35] استحوذ قطاعا التعدين والبناء على 55٪ من استثمارات الصين بينما استحوذ قطاع التعدين على 66٪ من الاستثمارات الأمريكية، لاسيما في نيجيريا التي تصدرت قائمة الدول الجاذبة للاستثمارات الأمريكية واستحوذت على ما يزيد عن مجموع الاستثمارات الأمريكية في الدول الأربعة التالية لها وهي مصر وموريشيوس والكونغو الديمقراطية وغانا. أما أكثر دول أفريقيا جاذبية لاستثمارات الصين فكانت غانا وكينيا وجنوب أفريقيا وتنزانيا، ولم تكن الفروق في قيمة الاستثمارات الصينية فيها كبيرة، المرجع ذاته، ص 3-4، ص 8.

[36] Ibid, pp. 4-6.

[37] Wang Lei, China and the United States in Africa: Competition or Cooperation?, China Quarterly of International Strategic Studies, Vol. 6, No. 1, 2020, pp. 126-127.

يرى هذا الباحث أن التنافس الأمريكي الصيني في أفريقيا ليس حتمياً ولا خياراً جيداً لأي من البلدين، بل إن هناك مجالاً واسعاً للتعاون والتكامل بينهما بما يخدم مصالح كل منهما ويساعد على تحقيق التنمية في القارة.

[38] Ibid, pp. 128-130.

[39] Ibid, pp. 130-132.

[40] John M. Mbaku, Fighting Poverty and Improving Human Development in Africa: Opportunities for US Engagement, (in): Cassandra R. Veney (ed.), US-Africa Relations: From Clinton to Obama, Lanham, MA, USA: Lexington Books, 2014, p. 40.

[41] Paul-Henri Bischoff, Introduction: African Foreign Policy Studies – selecting signifiers to explain agency, (in) Paul-Henri Bischoff (ed.), Enhancing Foreign Policy Understandings: Selective Contemporary African Foreign Policy Concepts and Practices,London: Routledge, 2020, p. 5.

[42] Ahmed A. Salem, Tunisia’s Foreign Policy Towards France Before and After an Undemanding ‘Revolution’: A Theoretical Explanation of the Annahdha-led interim governments’ Soft Policy,” (in) Paul-Henri Bischoff (ed.), Ibid, pp.158-178.

[43] Ahmed A. Salem, A Critique of Failing International Relations Theories in African Tests, with emphasis on North African Responses, (in): Paul-Henri Bischoff, Kwesi Aning and Amitav Acharya (eds.), Africa in Global International Relations: Emerging Approaches to Theory and Practice, London: Routledge, 2015, pp.22-23.

[44] Amitav Acharya, Global International Relations (IR) and Regional Worlds: A New Agenda for International Studies, International Studies Quarterly, vol. 58,No.4, 2014, p. 649.

[45] Ibid., pp. 651-652.

[46] Interview with Amitav Acharya: The New “Multiplex” World, The Journal of the Helen Suzman Foundation, no. 84, June 2019, p. 14, available at: https://cutt.us/6lo3C

[47] Sophia Sabrow, Peripheral states and conformity to international norms: the dilemma of the marginalised, Third World Quarterly, Vol. 41, No.2, July 2019.

[48] Oliver Turner and Nicola Nymalm, Morality and progress: IR narratives on international revisionism and the status quo, Cambridge Review of International Affairs, Vol. 32, No. 4, 2019, p. 407

فصلية قضايا ونظرات- العدد السابع والعشرون ـ أكتوبر 2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى