سد النهضة: تحولات وتحديات

مقدمة:

في إبريل 2011م وضع “ميلس زيناوي” رئيس الحكومة الإثيوبي السابق حجر الأساس للمشروع الذي عرِف آنذاك “بسد الألفية” قبل أن يتحول اسمه إلى الاسم الحالي “سد النهضة”[1].

وعلى الرغم من أنه ليس أول المشروعات التي تبنيها إثيوبيا على مجري النهر وروافده دونما تشاور مع مصر كما تقضي المعاهدات الدولية والإقليمية[2]، فإنه (سد النهضة) يعد الأكبر أثرًا والأكثر خطرًا في ضوء التعديلات الفنية على المخطط الأصلي للسدّ.

ومع الإيمان بوجود عديد من الفاعلين، فإن حجم التقرير لم يكن يحتمل التوسع في تتبع أدوارهم جميعا، لذا يعنى هذا التقرير بالتعرف على تداعيات السد داخليا وإقليميا بالنسبة للفاعلين المباشرين وتحديدًا: إثيوبيا ومصر والسودان؛ وصولا إلى طرح بدائل التعامل مع تلك الآثار والتداعيات.

أولًا- سد النهضة وإثيوبيا: فرصة تاريخية أم ثقب أسود؟

تشير الدراسات إلى أن سد النهضة من المتوقع أن يحقق لإثيوبيا مجموعة من العوائد الاقتصادية والسياسية[3] يمكن إجمالها فيما يلي:

– تقليص المخاطر البيئية الناجمة عن الاعتماد على الوقود العضوي، وتوفير الطاقة اللازمة لسد العجز الذي تعاني منه إثيوبيا والوفاء باحتياجات المشروعات التنموية الطموحة للبلاد من الطاقة وانتشالها من دائرة فقر الطاقة[4].

– تصدير فائض الطاقة كمصدر للعملة الصعبة لدول الجوار والشرق الأوسط.

– مصدر من مصادر الفخر الوطني لتنفيذه (حتى الآن) بالاعتماد على التمويل الوطني من ناحية[5]، ولأنه يعد كسرًا واضحًا “للغطرسة والهيمنة” المصرية التاريخية على مجريات الأمور فيما يتصل بنهر النيل وروافده.

– تأكيد مركزية الدور الإقليمي لإثيوبيا كفاعل رئيس في القرن الأفريقي وحوض النيل وشرق أفريقيا بصفة عامة.

ورغم ما سبق، فإن مشروع سد النهضة لا يخلو من مجموعة من الآثار السلبية على إثيوبيا والشكوك حول جدواه الاقتصادية وغاياته الفعلية وهو ما يمكن إجماله فيما يلي:

التكلفة الباهظة للسدّ قياسًا إلى ميزانية الدولة الإثيوبية وعوائد المشروع المتوقعة[6]، حيث نصح خبراء صندوق النقد الدولي إثيوبيا بتقليل معدلات بناء السد حتى لا تؤثر الوتير المتسارعة للبناء على الاحتياجات التمويلية للمشروعات في القطاعات الأخرى.

أن ارتفاع السد المقترح (١٣٥ مترًا) ومعدل التدفق المائي اللازم لتشغيله يشير إلى أن السد ربما لا يستطيع تحقيق حجم إنتاج الطاقة المستهدف إنتاجها على مدار العام، وهو ما دفع البعض للتشكك في أن تكون الغاية من السد هي توليد الطاقة الكهربائية فقط كما تعلن دائما وتؤكد الحكومة الإثيوبية، أخذًا في الاعتبار نصائح خبراء البنك الدولي بجعل السد متعدد الأغراض ليكون أكثر عائدًا وجدوى، حيث يرى هذا الفريق أن اقتصار استخدامات السد على توليد الطاقة يتعارض ومبادئ الكفاءة والجدوى الاقتصادية[7].

– الشكوك حول جدية وكفاية الدراسات التي قامت بها إثيوبيا، وهل أخذت في الاعتبار آثار ترسبات الطمي على عمر السد؟

– أن أي تأخير في تشغيل السد فور الانتهاء منه ستكون تكلفته عالية جدًا، مقيسة بمعدلات الديْن المحلّي المرتفعة[8]، خاصة في ظل عدم جاهزية شبكات الربط الكهربائي مع الدول المستوردة وعدم ملاءمة البعض منها اقتصاديًا للوفاء بالتزاماتها المالية.

– التكلفة الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن اتساع نطاق مرض الملاريا في منطقة الخزان باعتبار ديمومة الوجود المائي في المنطقة، وعن عمليات التهجير المصاحبة لبناء السد[9].

تلك الآثار مجتمعة تنذر في بعض جوانبها أن المشروع -حال فشله أو توقفه لأي سبب من الأسباب- قد يتحول إلى ثقب أسود يبتلع داخله موارد البلاد الشحيحة دون أن يظهر لها أثر على مواطني البلاد. وهو ما يمكن أن ينعكس سلبًا على النظام الحاكم في ظل ما أحدثته الدعاية المصاحبة للمشروع وسياسيات التعبئة من ثورة توقعات متزايدة لدى قطاعات كبيرة من الشعب بربط اكتمال المشروع بتحسن مستوياتهم المعيشية.

وقد أدارت إثيوبيا ملف سد النهضة بكفاءة عالية متّبعةً سلسلة من التكتيكات والأدوات[10] في مقدمتها:

1- حسن اختيار موعد الإعلان عن المشروع والذي تزامن مع مخاض محاولة الانسلاخ من نظام مبارك في مصر وما صاحبها وتلاها من عوامل عدم استقرار.

2- الترويج للمشروع باعتباره قاطرة للتنمية في إثيوبيا وترجمة واقعية للرؤية الإثيوبية فيما يتصل بقواعد استغلال الأنهار، وأداة لتعزيز التعاون والتكامل الإقليمي بين دول حوض النيل والقرن الأفريقي وربما دول الشرق الأوسط، وأنه ليس موجهًا ضد أحد.

3- السعي إلى تسويق مشروعات ربط كهربائي مع كل من جيبوتي وكينيا والسودان، واستهداف أوغندا وتنزانيا وبورندي، ورواندا، واليمن، وجنوب السودان، ووعود بأنصبة من الطاقة المتوقعة للسد بأسعار مخفضة.

4- محاولة جذب السودان إلى تأييد المشروع عبر التأكيد على المزايا التي يحققها المشروع للسودان، بما يحرم مصر من ظهير وسند رئيس في معارضة المشروع.

5- الاعتماد في تمويل المشروع على الجهود الذاتية للدولة الإثيوبية وشعبها بما يفقد مصر إحدى أوراق الضغط الأساسية ممثلة في السعي لدى المؤسسات والدول المانحة للحيلولة دون تمويل مشروعات السدود؛ استنادا إلى عدم التوافق (الإجماع) بين دول الحوض التي كثيرا ما كان تشترطه الجهات الممولة لتقديم قروضها ومساعداتها[11].

6- تأخير المفاوضات ومد آجالها والمماطلة في تنفيذ توصيات تلك اللجان، مع رفض أي وقف أو تأجيل للعمل في المشروع بما يعني فرض الأمر الواقع والاستفادة منه في مزيد من أوراق المفاوضة باعتبار ما صار إليه الوضع في الواقع.

ثانيًا- مصر وسد النهضة: من واقع الأمر إلى الأمر الواقع

يعتبر سد النهضة بمثابة تحول جوهري في قواعد اللعبة في منطقة حوض النيل[12] التي خضعت طويلا لما يمكن تسميته الهيمنة المصرية؛ انطلاقًا من أوضاع منطقة حوض النيل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي سادتها خلال العقود الماضية العديد من الاضطرابات تضافرت مع الصعوبات التمويلية والفنية؛ لتحول دون قدرة أي من دول الحوض -وفي مقدمتها إثيوبيا- على طرح تحدًّ فعلي للرؤية المصرية، رغم اعتراضات النظم الإثيوبية المتعاقبة ورفضها الاتفاقيات الدولية المنظمة لاستخدام مياه النيل[13]. ساعد على ذلك حرص مصر وقدرتها على منع تكتل دول الحوض في مواجهتها؛ مستعينة بمساندة سودانية للموقف المصري.

لكن منذ عقد التسعينيات من القرن العشرين بدأ نوع من التراجع في الدور المصري على الساحة الأفريقية بصفة عامة؛ بدت ملامحه شديدة الوضوح في مشكلات القرن الأفريقي (الصومال، الحرب الإثيوبية الإريترية….)، ومنطقة حوض النيل (رواندا، بوروندي، الكنغو….)، لصالح قوى (إثيوبيا) وتنظيمات إقليمية (الإيجاد)، وبلغ ذروته في انفصال جنوب السودان.

في ظل ما سبق، بدأ يظهر على السطح تكتل واضح وصريح لدول منابع النيل خلف الرؤية الإثيوبية بشأن الاستغلال العادل لمياه حوض نهر النيل في مواجهة مصر ،ومن ورائها السودان، كدول مصب تجسد في توقيع ست دول من دول الحوض على اتفاق إطاري بشأن استخدامات المياه في حوض النيل، على غير رغبة مصر أيضا[14]. وبذلك تبادلت مصر وإثيوبيا المواقع فيما يتصل بالفعل ورد الفعل، وهو ما تجلى بوضوح في مسألة سد النهضة.

فرغم المخاوف المصرية من التأثيرات السلبية للسد، ورغم تجميد مصر مشاركاتها في بعض جولات المفاوضات والمباحثات الثلاثية (مصر، إثيوبيا، السودان)، والتلويح باستخدام كافة السبل (بما في ذلك القوة المسلحة ) في الدفاع عن حقوقها المشروعة في مياه النيل، فإن مجريات الأمور تشير إلى رضوخ مصر وعودتها للمسار الإثيوبي المرسوم للمفاوضات. وتوقيعها اتفاق إعلان المبادئ في مارس ٢٠١٥م الذي تضمن عشرة مبادئ، وتشمل: مبدأ التعاون، والتنمية والتكامل الاقتصادي، والتعهد بعدم إحداث ضرر ذي شأن لأي دولة، والاستخدام المنصف والعادل للمياه، والتعاون في عملية الملء الأول لخزان السد وتشغيله السنوي، ومبدأ بناء الثقة، ومبدأ تبادل المعلومات والبيانات، ومبدأ أمان السد، ومبدأ احترام السيادة ووحدة أراضي الدولة، ومبدأ الحل السلمي للنزاعات، فضلا عن إنشاء آلية تنسيقية دائمة من الدول الثلاث للتعاون في عملية تشغيل السدود بشكل يضمن عدم الإضرار بمصالح دول المصب[15].

وقد أثار الاتفاق المذكور لغطًا كثيرًا بين من يرون فيه تخليًا عن الحقوق التاريخية لمصر وحصتها في مياه النيل، ومن يعارضون ذلك الطرح؛ باعتبار أن اتفاق المبادىء يتضمن الإشارة إلى قواعد القانون الدولى؛ وهو ما يضمن – من وجهة نظرهم- حقوق مصر التاريخية.

وقد اعتبرت إثيوبيا اتفاق المبادئ اعترافا مصريا بحقها في بناء السد بالمواصفات المطروحة، وأن التفاهم والتفاوض سيكون بشأن ترتيبات وآليات عمل السد وليس حجمه. في مقابل الرؤية المصرية التي ترى أن الاتفاق لا يعني الموافقة على حجم السد وتصميمه؛ ولذا طالبت ببعض التعديلات في تصميم السد؛ من بينها: زيادة فتحات تصريف المياه، وهو ما رفضته السلطات الإثيوبية، واعتبره البعض بمثابة “النكتة”، إذ يتطلب تعديل تصميم المشروع بعد إنجاز 55% من أعماله[16]، في تأكيد لتحولات الموازين وفاعلية الاستراتيجية الإثيوبية القائمة على فرض الأمر الواقع، في مواجهة بطء مصري في التعامل مع الأزمة وعجز عن الإمساك بزمام المبادرة من جديد. وهو أمر يجد تفسيره في حالة الانقسام وغموض المستقبل داخليًا، إضافة إلى تداعيات الغياب المصري الفاعل عن الساحة، وفقدان كثير من أوراق الضغط ومصادر الدعم بفعل التقلبات التي شهدتها وما زالت تشهدها الساحة المصرية، ولعل في تحولات الموقف السوداني بشأن سد النهضة واحدًا من أخطر تحديات السياسة المصرية فيما يتصل بالتعامل مع أزمة سد النهضة.

ثالثاً- السودان وسد النهضة : من الغموض إلى رمانة الميزان

موقف السودان من سدّ النهضة شابه نوع من الغموض؛ فيما يتصل بتأييد مشور سد النهضة أو معارضته، على كافة المستويات[17]. ويقتضي التعرف على موقف السودان من سد النهضة، التقدير الموضوعي للرؤى المطروحة بشأن الآثار المتوقعة للسد على السودان، والتي يمكن إجمالها في مجموعتين من الآثار[18]:

أ‌. الآثار الإيجابية:

1- حَجزُ الطمي الناجم عن فيضان النيل الأزرق (ما بين ١٢٠ – ١٥٠ مليون طن من الطمي) أفقد تراكم رواسبها ثلاثةً من سدود السودان (سنار والروصيرص وخشم القربة) أكثر من نصف طاقتها التخزينية للمياه والتوليدية للكهرباء، وأدّى إلى انهيار البنية التحتية للري في مشروع الجزيرة. ويكبد الحكومة السودانية نحو عشرين مليون دولار سنويًا لمكافحتها.

2- وَقْفُ الفيضانات المدمّرة التي تجتاح مناطق النيل الأزرق كل عددٍ من السنوات. وتنظيم انسياب النيل الأزرق خلال العام بدلاً من موسميته الحالية (يونيو إلى سبتمبر) مما سينتج عنه تعدّد الدورات الزراعية، وتنظيم وزيادة الإنتاج الكهربائي من سدِّ مروي، وتنظيم تغذية المياه الجوفية في منطقة النيل الأزرق خلال كل العام بدلاً من موسميتها.

3- وعود إثيوبيا بمدِّ السودان بكهرباء سدِّ النهضة للسودان بسعر التكلفة الذي يبلغ ربع التكلفة لتوليد الكهرباء في خزان مروي والسدّ العالي.

4- وعود إثيوبيا بمدِّ السودان بمياهٍ لري مشاريع السودان الزراعية في ولاية النيل الأزرق من بحيرة سدِّ النهضة عبر قناةٍ يمكن شقّها من البحيرة وحتى هذه المشاريع، إن رغب السودان في ذلك.

5- أن العرضين السابقين سوف يساعدان السودان في حلِّ مشاكل إمدادات الكهرباء في كل الولايات، وفي زيادة كميات المياه التي سيستخدمها من نصيبه من مياه النيل، وفي توسيع الإنتاج الزراعي في ولاية النيل الأزرق.

6- الحديث عن أنه مع انخفاض المياه المتجهة للسد العالي، فإن حوالي 140 ألف فدان داخل حدود السودان ستنحسر عنها المياه وستكون صالحة للزراعة بفضل ترسب الطمي فيها.

ب. الآثار السلبية:

1. انهيار السدّ سوف يُغرِق السودان ويدمّر كل أرجائه من الحدود مع إثيوبيا وحتى حلفا القديمة.

2. سيحرم الآلاف من الفدادين التي تروى خلال موسم الفيضان من وصول المياه إليها.

3. سيؤثر السد على منسوب المياه الجوفية في البلاد والزراعة المعتمدة عليها.

4. تزايد الاعتماد السوداني على الطاقة وكذا تحكم إثيوبيا في حجم التصرفات المائية المنسابة عبر السد إلى السودان؛ بما يجعل الأخيرة رهينة طبيعة العلاقات السياسية للبلدين.

5. تكريس تنامي النفوذ الإثيوبي في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا.

والمتأمل فيما سبق، يكشف بوضوح أن المخاطر السياسية بالنسبة للسودان تفوق المخاطر الطبيعية والفنية؛ التي لا تخلو منها أي من سدود العالم. أضف إلى ذلك، ضغوط بعض التيارات الداخلية في اتجاه فك الارتباط بين السودان ومصر وعدم رهن المصالح السودانية بالمصالح المصرية، وهو ما يزيد من أعباء رسم الخيارات المتاحة أمام صانع القرار المصري.

رابعًا- الخيارات المصرية للتعامل مع تحديات سد النهضة

يتعين العمل بكافة السبل للحفاظ على التعاون (التحالف) المصري السوداني في تلك القضية المصيرية، علاوة على العمل على عدة مسارات متوازية ومتساندة، نجملها في:

أـ داخليا:

1. رأب الصدع السياسي الداخلي الذي مثّل كعب أخيل للسياسة المصرية وعبره استكملت حلقات تقويض الدور المصري في أفريقيا وفي القلب منها منطقة حوض النيل.

2. التحسب لأسوأ السيناريوهات: وهي انخفاض إيراد نهر النيل بصورة مؤثرة؛ من خلال إعادة النظر في نظم الري والتركيب المحصولي للزراعة المصرية، ووقف الهدر في استخدام المياه.

3. تعبئة كافة الجهود الوطنية الحكومية والخاصة واستنهاض الهمم والكفاءات العلمية الداخلية والخارجية لمواجهة ذلك التحدي عبر بحوث المصادر البديلة لمياه النيل كمشروعات تحلية مياه البحر والتكنولوجيا المتعلقة بها، وإعادة استخدام مياه الصرف. وكذا تعظيم الاستفادة من المياه الجوفية وتكنولوجيا الآبار.

4. توظيف جهود الإعلام الموجه (من مصر ويفضل من خارجها) باللغات المحلية الأفريقية في التعريف بالموقف المصري من المشروع ومواجهة الدعاية الإثيوبية.

5. التدرب على مسارح القتال الأفريقية، واعتبارها من مسارح القتال المحتملة للجيش المصري.

6. وضع حسابات جادة وواقعية لبديل تخريب أو انهيار السدَ قبل وبعد تشغيله.

7. تعزيز الدفاعات الخاصة بالسدّ العالي الذي تتوعد إثيوبيا حكومة وشعبًا بضربه حال إقدام مصر على أي عمل يستهدف سد النهضة بنفسها أو عبر وكيل.

8. دراسة إمكانات التعاون الاقتصادي مع إثيوبيا ودول حوض النيل في مجالات المنتجات الزراعية والحيوانية بصورة كبيرة، على نحو يقلل من احتياجات مصر المائية للزراعة من ناحية، ويمنح مصر ثقلًا اقتصاديًا في الميزان التجاري الإثيوبي يمكن توظيفه لتحقيق توازن في التأثير بين الجانبين.

ب. إقليميا:

1 ـ إبداء بعض المرونة فيما يتصل بمطالب إثيوبيا والسودان في مجال الطاقة والزراعة مع التمسك بعدم إضرار تلك المشروعات بالمصالح المصرية، ويمكن أن تكون مؤشراته ( مؤشرات عدم الإضرار) تقليص حجم خزان سد النهضة، وإطالة المدى الزمني لملئه.

2 ـ المبادرة بتسوية مشكلة حلايب وشلاتين مع السودان بحل جذري مشترك بين البلدين، أو قبول التحكيم بشأنها مع اتفاقيات ثنائية مسبقة على سبل استغلال المنطقة بصرف النظر لأي طرف جاء حكم التحكيم. وأن يصاحب ذلك حملة إعلامية ضخمة بشأن مزايا التكامل أو التحكيم والفوائد الاقتصادية والسياسية التي ستعود على الدولتين؛ وهو أمر سيحقق مزيدا من الشرعية لكلا النظامين ومزيد من التقارب، يمكن أن يستثمر في مزيد من فرص التعاون الاقتصادي المصري السوداني زراعيا وصناعيا في منطقة التكامل المقترحة، وكذا في تعزيز الوجود البشري والعسكري المصري في مناطق الحدود السودانية لا سيما تجاه إثيوبيا والجنوب، بما يوازن النفوذ الإثيوبي في المنطقة .

3 – تكثيف التعاون المصري مع دول حوض النيل والقرن الأفريقي في المجالات الاقتصادية والثقافية والفنية (التدريب والتكنولوجيا)، بما يزيد من أوراق المساومة والتأثير المصري في مواجهة النفوذ الإثيوبي ومن ورائه النفوذ الإسرائيلي.

4 – إعادة إحياء “مشروع جونجلي” في جنوب السودان لتوفير نحو ٤ مليارات متر مكعب من المياه والبحث عن مشروعات مماثلة يمكن من خلالها تقليل أثر سد النهضة على مصر.

5 – فتح قنوات اتصال مباشرة أو غير مباشرة مع قوى المعارضة الإثيوبية المختلفة لا سيما في منطقة بني شنقول جوموز (مقر سد النهضة).

6 ـ تكثيف الجهود السياسية والمبادرات المصرية والعربية بشأن قضايا القرن الأفريقي والصومال وإحياء جهود الوحدة الصومالية (الدولة)، والمراقبة عن كثب لمساعي إحياء فكرة الصومال الكبير (القومية/ الأمة) الذي يضم الأوجادين الخاضعة لإثيوبيا. وجهود إحياء النزعات القومية (الأورومو، السيدامو، الجبرتي، الصوماليين…..)، والتي لا شك ستزيد تكلفة تأمين الأعمال والاستثمار في مشروع سد النهضة بما يزيد من التضييق على داعمي المشروع، ومخاوف المستثمرين، وهو ما لن تستطيع ميزانية الدولة الإثيوبية احتماله بما سيدفعها إلى تخفيض سقف طموحاتها بالنسبة لحجم السد.

7 ـ استثمار ما تبقى من رصيد لمصر لدى دول الخليج في مساندة مطالب مصر المشروعة على الصعيد الدولي في وقف العمل في السد؛ لحين البت في آثاره من كافة الجوانب من خلال نفوذ دول الخليج الاقتصادي في القارة والبالغ نحو 30 مليار دولار ما بين قروض وهبات واستثمارات مباشرة نسبة كبيرة منها في شرق أفريقيا[19].

8 – التنظيم والمشاركة في مناورات مشتركة مع بلدان أفريقية، وفي مناطق وبؤر التوتر في السودان أو ما يناظرها من مسارح قريبة الشبه من مسرح القتال الإثيوبي.

9 ـ مراجعة قواعد بيانات دورات أكاديمية ناصر العسكرية وأكاديمية الشرطة خلال العقدين الماضيين للتعرف علي الكوادر الأفريقية التي يمكن استقدامها لدورات فنية متقدمة يمكن الاستفادة منها معلوماتيا وميدانيا في التعامل مع التهديدات سالفة البيان.

10 ـ إن لم يكن ثمة قواعد بيانات كافية عن السنوات المذكورة، يتعين أن تعمل الأجهزة المعنية على اصطفاء وانتقاء كوادر من بلدان القرن الأفريقي لحضور دورات قادمة تحقق ذات الغاية.

ج. دوليا:

1. التمسك بالموقف الرافض للتمويل الدولي للمشروع بصورته المطروحة باعتبار آثاره السلبية على مصر بما يحول دون انفتاح أبواب التمويل الدولي للسد.

2. السعي لدى كل من الصين وإيطاليا (الداعميين الرئيسيين) للضغط على إثيوبيا لأخذ تخوفات مصر في الاعتبار والاستجابة لمطالبها المشروعة فيما يتصل بدراسات المشروع وطريقة وحجم تنفيذه، وهنا يمكن ربط مصالح البلدين في مصر وبعض الدول العربية بمدى تفهم البلدين لمخاوف مصر ومطالبها.

3. استخدام المنابر الدولية الرسمية والشعبية لبيان تأثيرات السد على الأمن والاستقرار في المنطقة، وإذا استدعى الأمر طرح القضية على مجلس الأمن باعتبارها تهديدًا جديًّا للأمن والاستقرار في المنطقة.

ختامًّا: فإن الأمر جد خطير ويحتاج تنسيق بين كافة الأجهزة والمؤسسات المعنية، وإن كانت الخطوات سالفة البيان تتسم بالطابع العاجل السريع، فإن خطوات أخرى – لا تقل أهمية- مطلوبة على المدى البعيد، من أجل استعادة دور مصر الريادي في القارة. وفي مقدمتها إعادة الاعتبار لنوادي الطلاب الوافدين والقائمين عليها ودعم المؤسسات المعنية بالقارة، وحسن اختيار الكوادر والقيادات العاملة في الساحة الأفريقية، والعمل على تجميع المؤسسات المعنية بالشأن الأفريقي تحت مظلة جامعة بما يعظم الجهود المبذولة والعائد المتوقع.

*****

* أستاذ العلوم السياسية، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة.

[1] The Economist (2011), ‘A Dam Nuisance’, 20th April 2011, available online at http://www.economist.com/node/18587195

[2] Minas. T. G “In Defense of Ethiopia’s Dam and Its National Interest”., at

http://aigaforum.com/articles/In-Defence-of-Ethiopias-Dam.pdf

الشفيع محمد المكي (2000)، الأبعاد السياسية للمشاريع المائية الإثيوبية، مجلة دراسات حوض النيلن العدد الثاني، جامعة النيلين: الخرطوم. ص ص 19- 20

[3] Rawia Tawfik, (2015), Revisiting hydro-hegemony from a benefit-sharing prespective: the case of the grand Ethiopian renaissance Dam, Discussion paper, German Development Institute, p 26 at: https://www.die-gdi.de/uploads/media/DP_5.2015.pdf

Block, P. and K. Strzepek (2010), ‘Economic Analysis of Large-Scale Upstream River Basin Development on the Blue Nile in Ethiopia Considering Transient Conditions, Climate Variability, and Climate Change’, Journal of Water Resources Planning and Management, 136(2), pp. 156-166

[4] Block, P. and K. Strzepek, Ibid, pp. 156-166

[5] Financial Times (2012), ‘Nile dam: Water wars averted for now’, June 19, at http://www.ft.com/cms/s/0/1f820ab2-b608-11e1-a511-00144feabdc0.html#axzz24mAeU79P

[6] في دراسة سابقة للبنك الدولي قدرت تكلفة إدارة الموارد الهيدرولوجية بنحو 30 من الناتج الإجمالي لإثيوبيا مع قدرة تخزينية لا تزيد عن 1% من إدارة نفس الموارد في أمريكا الشمالية راجع:

World Bank (2006), ‘Ethiopia – Managing Water Resources to Maximize Sustainable Growth’, World Bank, at http://water.worldbank.org/publications/ethiopia-managing-water-resources-maximizesustainable-growth-water-resources-assistanc

[7] Michael Hammond (2013), “The Grand Ethiopian Renaissance Dam And the Blue Nile: Implications for trans boundary water governance”, Discussion Paper 1307, at: http://www.globalwaterforum.org/wp-content/uploads/2013/02/The-Grand-Ethiopian-Renaissance-Dam-and-the-Blue-Nile-Implications-for-transboundary-water-governance-GWF-1307.pdf

[8] Pat Adams, p.12

[9] Minas. T. G. op.cit., p.18

[10] حول تلك التكتيكات والأدوات راجع:

Rawia Tawfik, op. cit., pp23-26

[11] Financial Times, op. cit., see also Pat Adams, Progress-at-Any-Cost_-International-Development-Banks-Large-Hydropower-and-the-Environment-in-Ethiopia. At

http://web.colby.edu/eastafricaupdate2012/files/2012/12/Chapter-7.-Progress-at-Any-Cost_-International-Development-Banks-Large-Hydropower-and-the-Environment-in-Ethiopia.pdf

[12] Rawia Tawfik, op. cit., p23

Michael Hammond (2013), “The Grand Ethiopian Renaissance Dam And the Blue Nile: Implications for trans boundary water governance”, Discussion Paper 1307, at: http://www.globalwaterforum.org/wp-content/uploads/2013/02/The-Grand-Ethiopian-Renaissance-Dam-and-the-Blue-Nile-Implications-for-transboundary-water-governance-GWF-1307.pdf

[13] Minas. T. G. op. cit., p.3

[14] Michael Hammond, op.cit.,

[15] الاهرام المصرية في 24مارس 2015

[16] Ethiopia News, Egypt is grappling with reality of the Grand Ethiopian Renaissance Dam, at: http://www.tigraionline.com/articles/egypt-and-gerd16.html

[17] انظر على سبيل المثال فقط موقفين متعارضين للرئاسة السودانية “البشير لا نساند إثيوبيا وسد النهضة يهدد بغرق السودان”

http://www.albawabhnews.com/1643393

بعد تصريحات البشير حول حلايب وسد النهضة : هل باعت السودان مصر

http://www.daralhilal.com.eg/show-8177.html

[18] تم الاعتماد على تقرير لجنة الأنهار الدولية بشأن سد النهضة على الرابط التالي

http://www.internationalrivers.org/files/attached-files/international_panel_of_experts_for_ethiopian_renaissance_dam-_final_report_1.pdf

ولرؤية مختصرة راجع: Rawia Twfik, op. cit., pp 40-42.

وانظر أيضا وجهتي نظر مصرية وسودانية:

سلمان محمد أحمد سلمان، د. سلمان محمد أحمد سلمان : سد النهضة الإثيوبي.. فوائد متعددة للسودان، http://www.alnilin.com/695961.htm

هاني رسلان : موقف السودان من سد النهضة “سياسي” بحت، http://www.alrakoba.net/news-action-show-id-187235.htm

[19] Diversifying to Africa: Gulf countries to pump $30 billion into the continent at: http://www.albawaba.com/business/gcc-investments-african-infrastructure-609451

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى