أفغانستان والجوار: السياسات والانعكاسات والدلالات (2)

لمطالعة الجزء الأول من الدراسة.. اضغط هنا

ثانيًا- الجوار الأفغاني: المواقف خلال الحرب

1- باكستان: رحلة القرارات الأصعب…

مع بدء الغارة الأمريكية غرقت المدن الباكستانية في موجة رفض واحتجاج عاصفة تدرجت في سلم الضراوة مع الوقت، في ظل صراع سياسي متواسع بين الطرفين اللذين استقطبا سائر الداخل الباكستاني، وألقيا بالصامتين والمترددين خارج المشهد المنظور: بين حكومة الجنرال بيرويز مشرف التي مضت في سبيل دعم التحالف الغربي بكل إصرار، وبين الجماعات والأحزاب الإسلامية التي انطلقت تحت راية الجهاد في الاتجاه المضاد مباشرة؛ الأمر الذي أثيرت على جوانبه عدة قضايا أخري ذات اتصال (أهمها: المسألة النووية، المسألة الكشميرية، والرؤية الباكستانية لما بعد طالبان أو سياستها الخارجية الجديدة) على نحو شديد التعقيد والتدخل.
لا شك أن بوادر المعركة الباكستانية هذه تدرجت عبر الجولة الأولى، إلا أنه يمكن اعتبار تصريح مشرف (4/10) بأن أيام طالبان في الحكم باتت معدودة بمثابة الطلقة الأولى التي سعرت المواجهة، وفصمت آخر عرى الارتباط بين إسلام آباد وطالبان، وافتتحت المرحلة أو الوجهة الجديدة التي أشار مشرف من قبل إلى سعيه لتوجيه باكستان إليها، والتي حثه الكثيرون على توخي الحذر في إدارتها، لأنها باختصار ستكون رحلة القرارات الأصعب.
فخلال الأسبوع الأول ومنذ الوهلة الأولي شرع الجنرال مشرف في الإطاحة بكل خصومه البارزين والمحتملين بدءًا من المقربين المتنفذين وانتهاء برؤوس الحركات المهيجة للشارع الباكستاني فيما يمكن تبتعه على النحو التالي:
– في خطوات تمهيدية حرص الإعلام الرسمي على مواصلة نهج التطمين بأن الشارع الهائج لا يعبر عن غالبية الشعب، وأن مظاهرات بيشاور (6/10) التي شارك فيها 100 ألف، هاتفة ضد التحالف والموقف الحكومي ومعلنة رفضها تصريح “الأيام المعدودة” بحمل لافتات “تعيش طالبان” وصور ابن لادن، أن هذه الأحداث لا تفت في عضد تصميم النظام على موقفه. وفي المقابل دفع مشرف مسيرات مضادة ترفع صورة محمد على جناح – المعروف بمؤسس باكستان وذي التوجه التوفيقي– مع التأكيد المستمر على نجاحه في استقطاب العديد من الأحزاب الكبيرة المناوئة للتيار الإسلامي الانفعالي من قبيل حزب الشعب بزعامة بناظير بوتو[213].
– تشديد اللهجة إزاء طالبان إلى درجة الجفاء والتهديد؛ إذ ردت الخارجية الباكستانية على الاستياء الطالباني من تصريح الأيام المعدودة والحملة الإعلامية الباكستانية المدعمة للتحالف الغربي – بأن “طالبان تعلم ما يتوقعه منها المجتمع الدولي، ومن مصلحتها أن تفعله”[214].
– لكن قبيل اندلاع الغارة الأمريكية بساعات قليلة كشف الرجل عن استعداده لقطع رحلة الأشواك والقرارات المصيرية بكل جسارة، حين أطاح بثلاثة من أكبر رموز المؤسسة العسكرية الذين عرفوا بتعاطفهم مع طالبان أو مع الشارع الإسلامي، وهم: الليفتنانت جنرال محمود أحمد – مدير المخابرات العسكرية ISI، والليفتنانت جنرال مظفر عثماني – نائب القائد العام للقوات المسلحة، واللذين أحيلا للتقاعد فيما تم نقل محمد عزيز خان – رئيس أركان القوات البرية إلى منصب تنسيقي لا يتمتع فيه بصلاحيات قيادية، وإحلال آخرين محلهم، ومما هو جدير بالذكر أن هؤلاء الثلاثة كانوا هم الذين عاونوا الجنرال مشرف وأتوا به إلى سدة الحكم من خلال انقلاب أكتوبر 1999[215].
– تلا ذلك ثلاثية أخرى (7/10)؛ إذ بادرت الداخلية الباكستانية بوضع فضل الرحمن محمود زعيم الجناح الأول لجمعية علماء الإسلام، ثم فضل الرحمن خليل زعيم جماعة “المهاجرين الكشميرية” (الذي تردد أن أستاذه فضل الرحمن محمود هو الذي دفعه لتشكليها)، ثم وضع سميع الحق زعيم الجناح الآخر بالجمعية رهن الإقامة الجبرية. وفيما جاء اعتقال خليل عقب صدور اللائحة الأمريكية للمنظمات الإرهابية شاملة جماعته، فإن سميع الحق عد بمثابة الأب الروحي للطالبان الذين تخرج معظم كوادرهم في جامعته الحقانية، بالإضافة إلى رئاسته “مجلس الدفاع عن باكستان وأفغانستان” الذي ضم نحو ثلاثين جماعة مؤيدة لطالبان [216].
– أعقب ذلك اعتقال الشيخ أعظم (أو عزام) طارق زعيم جماعة جيش الصحابة السنية (9/10) وتحديد إقامته جبريًا لثلاثة أشهر قادمة…[217].
– وإزاء رد الفعل الشعبي المتصاعد لم يستدرك مشرف على موقفه، بل افتتح مسرح عمليات سياسية مائلة إلى العنف داخل باكستان؛ فجٌَمد 146حسابًا بنكيًا لكبار وزراء طالبان، واحتجزت قواته طائراتٍ تابعة للحركة (بطياريها) فيما جاء كأول عمل منسق مع القوات الأمريكية وذلك خلال الأيام الثلاثة الأولي من بدء الغارة الأمريكية[218].
– ولمواجهة الحشود المحتجة قررت الحكومة تعطيل الدراسة في المؤسسات التعليمية بإقليم بلوشستان، لتفويت الفرصة على الأحزاب الدينية في حشد وتحريض طلابها، مع التحريك التدريجي للجيش لإقامة المتاريس حول المنشآت الرئيسة بالعاصمة كمبني التليفزيون والبعثات الدبلوماسية – سيما السفارة الأمريكية – والمطارات.. وتوالت تهديدات وزير الداخلية معين حيدر بتدخل الجيش لفض التظاهرات الهائجة إذا ما خرجت عن النطاق[219].
هذه الإجراءات الحكومية لا تنم سوي عن قناعات متجذرة قاصرة عن التنويع أو التحرك إلى مواقف أقل حدة؛ ففي المقابل كان الشارع الباكستاني – فيما بدا – أقدر على إدارة المعركة والمناورة والتحرك على جبهات متعددة، وبطرائق متنوعة: فمع اعتقال الزعماء الدينيين السابقين، وتقييد حرياتهم اندفع الباقون يؤلبون الشارع – ليس ضد أمريكا وطائراتها فقط على النحو الذي كان سائدًا قبيل 7/10- بل بشن الهجمات الخطابية ضد الحكومة نفسها التي صرح قاضي حسين أحمد زعيم الجماعة الإسلامية – والذي رفض وزير الداخلية اعتقاله بزعم أنه رجل معتدل – بأنها “تجازوت كل الخطوط الحمراء”[220]، محذرًا إياها من عواقب إجراءاتها الأخيرة، وذلك تزامنًا مع تهديدات زعماء ” علماء الإسلام بالتحول نحو الحكومة”؛ حيث صرح مولانا محمد شرف – مساعد فضل الرحمن– أنها تفعل ذلك “لإرضاء اليهود والنصارى والهنود…”[221].
استجاب الشعب إلى حد كبير لهذا التيار غير الرسمي المدوي، إلا أن بادرة خطيرة فاقمت من الموقف مع انقلاب الكثير من الزعماء الدينيين والمفتين المقربين من الحومة ضد توجهها، وعلى رأسهم المفتي البارز نظام الدين شامزاي – الذي كان قد بعثه مشرف إلى طالبان قبل شهر؛ إذ أصدر في (8/10) فتوى ذات فحاوى خطيرة تشتمل على
– الإلزام الشرعي لكافة المسلمين، حكومات وشعوبًا، بمعاونة طالبان بالمال والنفس.
– اعتبار أي مسلم ينتمي لأي دولة أو حكومة أو منظمة غير حكومية، ويقوم بعمل ضد حكومة أفغانستان المسلمة، غير مسلم… في رد على التساؤلات عن حال “المسلم المقاتل ضمن الجيش الأمريكي”.
– إسقاط شرعية القادة المتعاونين مع التحالف: “إن هؤلاء القادة لم يعد لديهم الحق في إدارة شئون بلادهم… لتعاونهم مع الولايات المتحدة واليهود ضد أفغانستان”، ودعا إلى ضرورة استخدام كافة السبل لإسقاط هؤلاء القادة سيما من قبل الجيوش[222].
ألهبت هذه الفتاوى والخطب من حمية الشارع الباكستاني الذي اختلطت لديه مشاعر الدين والإثنية والإنسانية، فيما بدا من كلمات آحاد المتظاهرين إلى المراسلين الإعلاميي؛ فعلى الرغم من الإجراءات الأمنية متصاعدة الحدة والتشديد، إلا أن المسيرات والتظاهرات الحاشدة تواصلت من ملتان إلى كاراتشي التي شهدت تظاهر سبعين ألفًا (12/ 10) أوقفوا سير الحياة في العاصمة التجارية لباكستان، وحوٌَلوا الدفة إلى بوادر عنف حقيقي عجز عشرون ألفًا من رجال الشرطة عن التصدي له.
وكما قلنا كان الشعب وتنظيماته أكثر قدرة على التجاوب مع المستجدات والأخذ بزمام المبادأة، والأرجحة بين الهجوم على الحكومة، والهجوم على الولايات المتحدة أو على كليهما معًا؛ فعلى ضوء الإعلان زيارة مرتقبة لكولين باول مطلع الأسبوع الثاني من الغارة لتهدئة التوتر المتصاعد بين نيودلهي وإسلام أباد، تحركت الأحزاب للدعوة إلى إضراب عام، وتنظيم مسيرات تبعث برسالة كراهية شعبية إلى الأمريكان، وقررت الأحزاب الدينية تنظيم مسيرة (14/10) إلى قاعدة “جاكوب أو يعقوب أباد” الجوية في إقليم السند (جنوب العاصمة بـ700 كم)، والتي أثير أنها تستخدم في الدعم اللوجيستي للعمليات الجوية الأمريكية، وزعمت الأحزاب أنها تُستخدم في الهجوم المباشر؛ الأمر الذي يعني استخوان الحكومة التي أكدت مرارًا على عدم استخدام أراضيها في الحملة الدائرة، ومن ثم لم تجد بدًّا من تشديد الإجراءات الأمنية حول القاعدة[223].
بيد أن الولايات المتحدة أصرت على المزيد من الإحراج لموقف النظام الباكستاني؛ إذ أصدرت الخارجية الأمريكية ذات اليوم (13/10) قائمة ضمت مؤسسات وأشخاصًا ينسبون إلى باكستان، تطالب بتجميد أرصدتهم بدعوى صلات بابن لادن، وعلى رأسها جماعة جيش محمد، ومؤسسة ترست، والشيخ سيد أحمد الدهايانوي أحد القيادات الدينية في كاراتشي والمرتبط بالرشيد ترست[224].
في غضون ذلك ظهر الشيخ سميع الحق ليعلن أنه لم يتسلم إخطار الإقامة الجبرية، وليدلي بتصريحات تعد أساسًا أو إطارًا عمليًا للبرنامج الذي نفذته الموجة الشعبية طوال هذه الجولة، والذي يمكن إيجازه في النقاط التالية:
– مواصلة المظاهرات إلى غاية محددة أن تتراجع الحكومة عن موقفها الحالي.
– التأكيد على الطابع السلمي للتظاهرات؛ لأن “دم المسلم على المسلم حرام”، والعنف يضر ولا يفيد.
– بدء حملة تبرعات لمصلحة طالبان: “إن أموالًا كثيرة يتبرع بها الباكستانيون وسوف نوصلها”
– استمرار حملة الرد على الأكاذيب السياسية والعسكرية حول موقف طالبان.
– البدء في تجهيز عشرات بل مئات الألوف للانضمام إلى صفوف الحركة المجاهدة.
وفي هذا السياق دعا الرجل باسم مجلس الدفاع المشار إليه إلى الالتزام بإضراب شعبي عام احتجاجًا على زيارة كولين باول في اليوم التالي (15/10)، الأمر الذي استجاب له الشعب بقوة، فأغلقت المحال التجارية أبوابها وخلت المدارس من تلاميذها، وتداعت جماهير حاشدة نحو مطار (شاه باز) في قاعدة يعقوب أباد لمحاصرته، واشتعلت كويتا بهتاف “الموت لأمريكا”![225].
وفيما كان التحرك الشعبي يتصاعد بخطًى منتظمة بين الدعم المعنوي لطالبان من خلال التظاهر العنيف، إلى الدعم المالي والإعلامي، فالدعم القتالي من خلال الجموع التي اصطفت على الحدود في انتظار التصريح والعشرات أو المئات الذين لم ينتظروا. كانت الأسابيع الثلاثة الباقية أسابيع الأشواك حقًا لحكومة برويز مشرف التي بدا فيها الشقاق الداخلي وانعدام الأسس الثابتة للموقف الرسمي إزاء القضايا والمسائل المثارة.
ففي الوقت الذي يحرض فيه مشرف – قبيل لقائه بباول– للتخلص من الملا عمر وكبار قادة طالبان، كمركز للخطورة يسهل بعده الدخول البري وتقويض فعالية جماعة ابن لادن، مشيرًا إلى تعاون مخابراته مع عناصر أفغانية(الخيول الأفغانية) لمحاولة تحديد مكان عمر، في هذا التوقيت تعلن الخارجية الباكستانية أن باكستان لم ولن تتعامل مع طالبان كتنظيم إرهابي، وأنها ستبلغ باول بقلقها إزاء الإفرازات والانعكاسات الجانبية للحرب سيما مسألة تزايد أعداد الضحايا المدنيين، وتحديد نهاية للحملة الدائرة[226]، والتي كانت لا تزال في مطلع أسبوعها الثاني مما يعبر عن عمق المأزق الباكستاني!!
وذلك أن مشرف كان قد أعلن مرارًا منذ البداية أن العمليات ستكون قصيرة محددة الأهداف، وخالفه الرئيس الأمريكي -في ذات الآن- بإعلانه أن الحرب سيطول أمدها، ثم يتحول الهدف المحدد من ابن لادن إلى طالبان ونظامها على أساس تصريح رامسفيلد لاحقًا.. لقد برز هذا التحرج الرسمي في تهرب المتحدثين من تساؤلات كثيرة للمراسلين حول دور باكستان وقدر مشاركتها.
بيد أن الأزمة الحقيقية التي أنذرت بانفجار الأحداث كانت فيما يتعلق بالتواجد العسكري الأمريكي داخل باكستان. ففي حين نفىكافة المتحدثين الحكوميين ذلك، فاجأ وزير الداخلية الجميع بأن باكستان وضعت مطارين تحت تصرف القوات الأمريكية “تحسبًا لأي ظروف طارئة”؛ الأمر الذي نفاه بقوة متحدث الخارجية (رياض خان) وتردد إزاءه المتحدث باسم الجنرال مشرف (الجنرال راشد قريشي)، إلى أن كشفت كبريات الصحف الباكستانية حقيقة تواجد نحو ألفي جندي أمريكي في ثلاث قواعد عسكرية؛ مما زاد من اشتعال الداخل الباكستاني، وأثار قلق الصين والهند على أساس خلفيات معلومة.
وهكذا، ومع نهاية الأسبوع الثاني تحول التحرك الشعبي من الارتكاز في الغرب في السند وبلوشستان وسرحد إلى إقليم البنجاب في الشرق؛ حيث نظمت جماعة قاضي حسين أحمد مظاهرة ضمت ثلاثين ألفًا، فيما عقد سميع الحق جلسة لمجلس الدفاع لتفعيل سبل مقاومة الحملة الأمريكية… إلا أن التحرك الحقيقي تمثل في زيادة التركيز على عمليات التطوع للقتال في أفغانستان.
وهكذا أسفرت نهاية الأسبوع الثالث عن خلاف متزايد بين القيادة والقاعدة الشعبية حين حسم مشرف موقف حكومته بعيدًا عن تردداته السابقة في محورين أساسيين:
– تحديد التوجه العام والأصلي في ضرورة استمرار الحملة حتى تحقق أهدافها.
– ما عدا ذلك فهو على سبيل التقييم كما سماه الجنرال أو إسداء النصح ولفت النظر، من قبيل القول بأن “أي حرب طويلة تسفر عن ضحايا مدنيين ستقوض التأييد العام للتحالف الدولي ضد الإرهاب، سيما بين الدول الإسلامية”[227].
وفي المقابل انطلق الاحتجاج الشعبي إلى الطرف الآخر، حين أكد نائب رئيس حزب الجماعة الإسلامية (27/10) أمام آلاف المحتشدين أن الشعب “سيطيح بمشرف وسيجره في الشوارع؛ لأنه لم يعد يصلح رئيسًا للبلاد ولا قائدًا للجيش”، بل ودعا الجيش وقادة الفرق وضباط القيادة إلى اتخاذ قرار يتفق مع ضمائرهم “لتخليص الأمة من مشرف، وإنقاذ مستقبل البلاد من التدهور”.. بل إن التطور الأخطر تمثل في توجيه العنف إلى المسيحيين الباكستانيين (البالغة نسبتهم 1% من السكان) حين اقتحم ستة مسلحين كنيسة “دومينيك ” للروم الكاثوليك في مدينة بهادن بور (250 كم غرب العاصمة)؛ مما أسفر عن مقتل 18 شخصًا وإصابة آخرين[228].

مسائل باكستانية على ضفاف المعركة

في هذا السياق وعلى هامشه، أثيرت قضايا أخرى على رأسها: المسألة الكشميرية؛ إذ توترت العلاقات بين الهند وباكستان عقب تعرض برلمان سرينجار في الشطر الخاضع للهند من جامو وكشمر لهجوم أدى إلى مصرع ما بين 30-40 شخصًا وإصابة سبعين؛ مما أتاح الفرصة للهند للضغط على حكومة مشرف لتواصل وتضاعف سعيها المضاد للجماعات الجهادية في الإقليم؛ الأمر الذي بدا في اللهجة العنيفة لوزير الخارجية الهندي جاسوانت سينيج (8/10)، والذي صرح بأن الهند لن تقدم أي تنازلات عن مكافحة حقيقية لمن وصفهم بالإرهابيين.. وهو الأمر الذي دفع مشرف إلى الاتصال هاتفيًا برئيس الوزراء الهندي فاجباي ليتعهد له بمواجهة هذه الجماعات التي وصفها فاجباي بالانفصالية، مشيرًا إلى ضرورة الحل الجذري للقضية وفق إطار أكرا الذي توصلت إليه قمتهما الأخيرة[229].
وبالفعل ساهمت ادعاءات الهند المتواصلة المستغِلَّة للورطة الداخلية لنظام مشرف في تصعيد التوتر، الذي بلغ حده الأقصى مع قصف الهند 11 موقعًا باكستانيًا على الحدود بدعوى إيقاف تسلل الإرهابيين؛ الأمر الذي لم تقف عنده الحكومة الباكستانية بالصلابة المنتظرة، مما أدى إلى إقحام عبارة “العمالة للهنود” ضمن الخطاب الشعبي المعارض. لقد أضفي ذلك مزيدًا من التعقيد على المشهد الباكستاني.
ومن ناحية أخرى طُرحت في الخلفية المسألة النووية على صعيدين مختلفين؛ ففي مطلع الجولة الراهنة أثيرت بقوة احتمالات استيلاء الإسلاميين على القدرة النووية الباكستانية إذا تمكنوا من الإطاحة بالجنرال، وتحولت القوة النووية إلى مظنة الخطر على أصحابها!!! سيما في ظل توارد التهديد بتخطيط هندي إسرائيلي لاغتنام الفرصة في هذا السبيل. إلا أن مطلع الأسبوع الرابع طرح القضية طرحًا أكثر خطورة على صعيدين آخرين امتدادًا لما سبق؛ إذ تناقلت الصحف الباكستانية عن بعض الصحف الأمريكية (نيويوركر) أنباء عن مخططات أمريكية–إسرائيلية لضرب المنشآت النووية الباكستانية على سبيل الخطأ، وعلى طريقة (اضرب واعتذر…) أو بتجهيز كوماندوز إسرائيلي–أمريكي للاستيلاء على هذه المنشآت بحجة الخوف من تداعيات الهياج الشعبي الإسلامي؛ الأمر الذي دفع الخطاب الباكستاني الرسمي إلى نوع من الصرامة؛ حيث صرح معين الدين حيدر: “نحن واضحون مع الأعداء والأصدقاء.. فأي طائرة تقترب من منشآتنا النووية نعتبرها هدفًا معاديًا..”[230].
وعلى الصعيد الآخر أثيرت المسألة فيما يتعلق بطالبان، التي تواترت تقاريرها عن استخدام الأمريكان أسلحة كيماوية ضدها.. الأمر الذي كان غير مؤكد إلى أن أعلن رامسفيد (29/10) عن عدم استبعاد استخدام أسلحة نووية ضد الحركة؛ الأمر الذي أزعج باكستان بشكل واضح؛ حيث عارضت الخارجية الباكستانية هذا التفكير.
بيد أن السؤال الذي ظل مطروحًا بقوة على باكستان هو المتعلق برؤيتها الرسمية لما بعد طالبان! فعلى الرغم من إسدال الخطاب الرسمي ستائر الإهمال على هذا الأمر -في ظل التراخي الأمريكي عن تفعيل التعاون مع تحالف الشمال الذي لا ترغب باكستان في التعاون معه- إلا أن الجزء الثاني من هذه الجولة شهد التحول الأمريكي نحو هذا الفريق، والسعي الروسي والهندي والإيراني والتركي لإشراكه في ترتيبات ما بعد طالبان. لقد دفع ذلك مشرف ورجاله إلى الإفصاح الوجل عن موقفهم، والذي قام بالأساس على التعميم في التأييد الإثني للباشتون دون تحديد، وتفضيل الانتقاء لعناصر من طالبان التي صارت أيامها في الحكم معدودة، في لهجة العرض دون الفرض على نحو ما سارت عليه كافة المطالب الباكستانية منذ البداية.
وعليه؛ فعقب لقاءات مشرف ومسئولي حكومته مع الأخضر الإبراهيمي – موفد الأمين العام للأمم المتحدة – اتضحت ملامح البديل الأفغاني من وجهة النظر الباكستانية في[231]: أن يمثل أي بديل جميع الجماعات والعرقيات داخل أفغانستان (دون الإشارة إلى تمثيل نسبي)، أن يضمن هذا البديل حفظ وحدة الأراضي الأفغانية وألا يجعل هذا البديل من أفغانستان موئلًا للمتشددين، وأن يسعى إلى إقامة علاقات ودية مع كافة جيرانه. وعلى الرغم من التمني الباكستاني أن يمثل البشتون حسب نسبتهم وألا يقود تحالف الشمال بزعامة رباني البديلَ المنتظر، إلا أن القيادة الباكستانية لم تؤكد ذلك أو تصر عليه أمام قيادة الغرب والأمم المتحدة لعملية التنسيق بين جناحي أو قفازي المعارضة. إلا أن الواضح أن الشرط الذي كان أكثر بروزًا والذي تجاوب الجميع مع مضمونه هو شرط “عدم أصولية البديل، وأن يكون صديقًا للجميع”!
وهكذا تنامت مع كل يوم أمارات الحيرة على الحكومة الباكستانية في التعاطي مع الإفرازات اللانهائية للغارة، سيما إزاء تجمعات المسلحين الباكستانيين في الشمال؛ حيث دعتهم الحكومة للذهاب بعيدًا عنها، إلى أن فتحت طالبان لهم الأبواب مع اشتداد الضغط عليها إبان الأسبوع الخامس، في مشهد عبر عن انتفاضة أمة غلبت حميتها العقيدية على حسابات “القوة المكافئة” التي تحلق رموز انعدامها فوق رؤوسهم وتتناثر من حولهم!
حاول الإعلام الغربي في النهاية دعم موقف مشرف والإشادة بحزمه وشجاعته، وراحت السفيرة الأمريكية المخضرمة بإسلام أباد (ويندي تشامبرلين) تشد من أزره: “إن الرجل قوي بما فيه الكفاية لمواجهة معارضيه.. إنه يتعامل مع الوضع بشكل جيد، إنه لم يتخذ أي إجراء استثنائي، مثل فرض الحكم العسكري، ولا يزال يشدد على أن الانتخابات ستُجرى في موعدها المحدد، ويسمح للشعب بالتعبير عن آرائه بالطرق الشرعية”. إلا أن مشرف حرص على عدم التصديق على تصريح السفيرة؛ حيث سرعان ما حظرت السلطات المحلية (3/11) جميع المظاهرات والاجتماعات والمواكب العامة لمدة شهرين، ثم تلا ذلك وضع الرجل الباقي حرًا – قاضي حسين أحمد – رهن الإقامة الجبرية (4/11)، مما دفع الأخير لتجديد دعوة الجيش لإقصاء مشرف[232].
وعليه فقد جاءت هذه الجولة بشرخ عميق داخل باكستان، شرخ تواسع على مستوي القناعات التي أصقلتها نار الحرب، وأسفرت عن مستقبل مفتوح الاحتمالات أمام باكستان ونظام الجنرال، الذي بدا للكثيرين أنه خرج منتصرًا مع الاندحار الطالباني.. إلا أنه يصعب تأكيد ذلك على المدى البعيد.

2-آسيا الوسطى: قواعد الانطلاق ومحطات الاتفاق

هل من جديد على هذه الساحة عقب الاندلاع الفعلي للحرب؟ لقد كشف التحليل السابق عن حالة من الاستخفاف الرسمي بالدور أو رد الفعل الشعبي تعززها حالة من الاستسلام الشعبي للأمر الواقع، وانعدام المعارضة الحقيقية الداخلية للتوجهات الرسمية، بما أفضى إلى المطاوعة الصريحة للمطالب الأمريكية، فهل دخل أي تغيير على ذلك عقب السابع من أكتوبر؟
الحقيقة أن الأوضاع الداخلية في جمهوريات آسيا الوسطى كانت على خلاف الحال في باكستان، أو في جنوب شرق آسيا الهائجة؛ فعلى الرغم من توعدات الإسلاميين المعارضين من الخارج، وتحركاتهم على الحدود [مثل تصريحات طاهر يولداش (9/10) زعيم حركة أوزباكستان الإسلامية أن جماعته تقاتل كتفًا إلى كتف بجانب ابن لادن ضد أمريكا وحلفائها في أفغانستان؛ حيث يقيم بين 2000-2500 من رجاله، واعتباره موقف بلاده في تقديم تسهيلات عسكرية للتحالف الأمريكي “خيانة كبيرة”، وتوعده بالجهاد ضدها وضد طاجيكستان][233]، إلا أن الداخل في هذه الدول بدا خلوًا من مثل أو مما هو أقل من هذه الأصوات المناهضة، سيما في ظل التضارب في المواقف الذي عبَّر عن أحد نماذجه قادة حزب “النهضة” الإسلامي في طاجيكستان، وحرص تياره الرافض للدور الطاجيكي على الطمأنة بأن بلاده خالية من أنصار ابن لادن، على نحو ما سبقت الإشارة إليه، فيما بدا أنه اتفاق بين الجميع أن لا صوت يعلو فوق صوت الأمركة.
لقد أفسح هذا التدجُّن الشعبي المجال أمام حكومات آسيا الوسطى للمضي بسبيل التنفيذ الفعلي للتعهدات السابقة بمناصرة التحالف الغربي؛ فأعلنت دوشنبه (9/10) أنه تم فعلًا وضع مجالها الجوي وقواعدها البرية “رهن أوامر” التحالف الدولي على حد وصف شبكة بي بي سي البريطانية التي أضافت: “إن الأراضي الطاجيكية توفر قاعدة انطلاق للقوات الخاصة الأمريكية .. للدخول إلى أفغانستان من القطاع الشمالي”، فيما أشارت التطورات إلى أن أوزباكستان أضحت توفر هي الأخرى قاعدة انطلاق للطائرات والمروحيات الأمريكية والبريطانية، الشيء الذي تزامن مع إعلان البنتاجون عن تحريك قوات إلى المنطقة تبدأ بنقل 1000 عنصر من الفرقة العاشرة لينضموا إلى ألف آخرين سبق تمركزهم في أوزباكستان على وجه التحديد، والتي خصصت مطار “خان أباد” (500 كم من طشقند و200 كم من الحدود الأفغانية) ليصبح “أول قاعدة أمريكية في أرض الاتحاد السوفيتي”[234].
بيد أن هذا المضي لم يحل دون غلبة الهواجس الأمنية على حكومات هذه الدول، سيما عبر الأسبوع الأول التالي للغارة؛ فعقب مطالبة الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف بألا “تبقى أوزباكستان منفردة أمام قوى الإرهاب البشعة”، جرى توقيع اتفاقية مع الولايات المتحدة عدّها مراقبون”معاهدة دفاعية”، فيما اعتبرها آخرون صفقة للقضاء على قواعد المعارضة الأوزبكية في مقابل الموقف الأوزبكي المطاوع للنهاية.
أثار ذلك حفيظة طالبان والمعارضة الأوزبكية، فهددت الأولى بغزو أوزباكستان وحركت منصات “كود” إلى الحدود، ثم لم تلبث أن سحبتها مع تحريك القوات الأمريكية منصات “باتريوت” حول مطار “توزل” الأوزبكي، في حين ذكرت مصادر أن عناصر من المعارضة الإسلامية تحصنت في مواقع من جبال تيرميز ومنطقة كشيرناك، وأن القائد الأوزبكي “جمعة النمنجاني”- المقرب من ابن لادن –حشد نحو 3000 مقاتل مزودين بأسلحة حديثة وزوارق سريعة لعبور الأنهار الحدودية فيما تردد أنه احتمال القيام بمناورة لتخفيف الضغط على طالبان والقاعدة[235].
بل إن أنباء ترددت عن احتمالات تحرك مجموعة يقودها أيمن الظواهري – مساعد ابن لادن– نحو تركمانستان، التي ارتبطت فيما سبق بعلاقات مع طالبان؛ الأمر الذي بدا محاولة لإثارة مخاوف الدولة التي ظهرت كأقل الجيران ميلًا إلى المؤازرة العسكرية للغارة.
على كلٍ، فقد تحول محور طشقند-دوشنبه منذ البداية للقيام بعدة أدوار معًا:
· العمل كقاعدة انطلاق عسكرية أولى برًا وجوًا.
· العمل كمحطة التقاء واتفاق للداعمين للحملة من السياسيين والعسكريين.
· القيام بدور السنيد الأساسي لقوات التحالف الشمالي الأفغاني المعارض لطالبان.
ذلك في حين استمرت قيرغيزيا وكازاخستان قاعدتين خلفيتين تدعمان هذه الجبهة المتقدمة، وتنقلان إليها الوفود والمعلومات سيما المتعلقة بتحركات الإسلاميين في وادي فرغانة؛ فعلى سبيل المثال نقلت مصادر عدة خلال الأسبوع الأول أنباء وصول ضباط إسرائيليين مختصين في شئون الأمن والاستخبارات ومكافحة الإرهاب إلى قيرغيزيا، في انتظار انتقالهم إلى أوزباكستان التي صورت على أنها تواجه تهديدات وشيكة[236].
الطريف في الأمر أن قيادات الدولتين الأكثر خوضًا في إعانة الأمريكان كانت الأكثر حرصًا على نفي ذلك الموقف الموالي، سيما الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف الذي ظل يردد أن أراضيه “لا تستخدم في عمليات قتالية، بل لمرور مساعدات إنسانية”[237]، في الوقت الذي يؤكد فيه المسئولون الأمريكيون في مطلع الأسبوع الثاني (13/10) التوصل مع الأوزبكيين لاتفاق تعاون يتيح للولايات المتحدة –علاوة على المجال والقواعد الجوية- استخدام بنية تحتية عسكرية ومدنية ضرورية، فيما ترددت أنباء عن مساعٍ أمريكية لاستخدام مطارات طاجيكستان التي راحت تعزز حدودها مع أفغانستان إلى جانب قوات الحدود الروسية[238].
ومن ثم، فقد جاء الأسبوعان الأولان بمثابة المرحلة التمهيدية لاستكمال الدور الذي لعبته الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى عبر هذه الجولة الثانية، إلا أن الأسبوعين التاليين شهدا الزخم الأكبر في التحركات التي اتخذت من عواصم هذه الدول محطات أساسية للالتقاء وتنسيق المواقف؛ فعبر طشقند تكررت لقاءات الفصيل الأوزبكي في المعارضة الأفغانية بزعامة عبد الرشيد دوستم مع الأتراك وممثلي الجهات الغربية، فيما تردد فصيل الطاجيك (رباني ووزراؤه) على دوشنبه سرًا وجهرًا لاستجلاب الثقة والعون،بما انصب بالأساس على مشاورات مسألة ما بعد طالبان، والتي كانت الموضوع الرئيس للقاء رباني مع بوتين ورحمانوف (24/10) في طاجيكستان.
وبناء عليه كان طبيعيًا أن تحرص الأمم المتحدة على الوقوف بهذه العواصم عقب إيعاز واشنطن لها بالاضطلاع بهذا الملف:”المستقبل الأفغاني”؛ فجرى في مطلع الأسبوع الرابع استقبال الأخضر الإبراهيمي مبعوث المنظمة في مهمته الاستكشافية للتعرف على وجهات نظر دول الجوار الأفغاني في صياغة المستقبل السياسي لأفغانستان و”اقتراح البدائل” بهدف تسوية التربة التي ستعرض الأمم المتحدة على أساسها فكرتها في هذا الشأن. وعامة فإلى هذا الحين اتضح أن ثمة اتفاقًا عامًا على ضرورة أن تقوم الحكومة المنتظرة على قاعدة عريضة تمثل فيها كافة العرقيات..إلا أن مؤشرًا معينًا على تحقيق ذلك لم يكن قد ظهر على أرض الواقع[239].
في هذه الآونة من نهاية أكتوبر تضافرت الأدوار التي قامت بها حكومات آسيا الوسطى في مظاهرة الغارة الأمريكية مباشرة عبر أراضيها وأجوائها وبناها التحتية، أو بتعزيز موقف المحاربين بالوكالة سيما عبر القاعدة الأوزبكية الحدودية والأراضي الطاجيكية التي مكنت الأمريكان من زيادة الضغط على مزار الشريف والمدن الأفغانية الشمالية وتمهيد الطريق أمام التحرك البري الأمريكي “الآمن” في بدخشان وتخار[240].
وفي هذا السياق جاءت زيارة القائد العام للعملية الأمريكية -تومي فرانكس- الثرية باللقاءات وصدرت البيانات الغربية المتوالية من محور طشقند-دوشنبه لتعبر عن الأهمية العالية التي أضحت الدولتان تحوزهما في التحالف الدولي، إلى درجة أن التردد الأمريكي في الكشف عن التعاون مع تحالف الشمال الأفغاني تبدد بإعلان رسمي عن تدفق المعونات صادر عن مؤتمر صحفي للجنرال فرانكس في طشقند (30/10) ثم في دوشنبه التي بدا كأنه أقام فيها منطلقًا لبياناته ولقاءاته العسكرية.
وعليه، التقى فرانكس في طشقند مع محمد قاسم فهيم القائد العسكري لتحالف الشمال، ليؤكد عقب اللقاء أن الاتصالات الأمريكية تمتد لتشمل الجميع بما فيها مجموعات في جنوب أفغانستان (في إشارة إلى مجموعة قرضاي ساعتها)، وذلك في ذروة الشعور الغربي بالإحباط والتململ والرغبة العارمة في إحراز أي تقدم يذكر. ثم التقى فرانكس بالرئيس الروسي بوتين لذات الأهداف تحت تشديد أمني عززه كريموف بحرسه الشخصي، وذلك عقب محادثات مع كريموف نفسه صرح الجنرال الأمريكي بعدها بأن قواته “صارت تملك ..كل ما يلزمها لمواصلة العمليات الحربية..إن ما تقدمه [أوزباكستان] اليوم يناسب الاحتياجات الخاصة لقوات التحالف”[241].
ومع مطلع نوفمبر تكاثرت الزيارات رفيعة المستوى إلى المنطقة،سيما دوشنبه التي أمست تشكل القاعدة الخلفية لقوات التحالف الشمالي: فعقب زيارة وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر (20/10)، جاءت زيارة نظيره البلجيكي لويس ميشال(1/11) والذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي ساعتها، ثم النمساوي بينيتا فيربرو فالديز (3/11)، ثم رامسفيلد ذات اليوم، ثم زيارة الرئيس التركي أحمد نجدت سيزار (7/11).
غير أن هذه الحقائق العارية لم تحل دون استمرار نغمة الاستدراك الخطابي لدى قيادات أوزباكستان وطاجيكستان، فلا يزال كريموف يؤكد أن “أراضي أوزبكستان لا يمكن أن تستخدم إلا في إطار الأهداف الإنسانية والعمليات الخاصة بالبحث والإنقاذ، ولا أكثر من ذلك!!”[242]، فيما زعم جعفر سعيدوف المتحدث باسم رحمانوف في دوشنبه أن لقاء الأخير مع تومي فرانكس تناول “ضرورة التركيز على السبل التي تكفل عدم المساس بالمدنيين في أفغانستان”[243]، في الوقت الذي كانت بختيار تعلن فيه أن عدد القتلى من المدنيين الأفغان تجاوز الألف والخمسمائة.
ذلك في حين لم تنقطع الملاحقات الأمنية للناشطين الإسلاميين؛ فاعتقلت طاجيكستان منصور يونسوف قائد إحدى فصائل حزب التحرير الإسلامي الأوزبكي أثناء عبوره الحدود الأوزبكية حاملًا منشورات تدعو للإطاحة بحكومتي طاجيكستان وأوزباكستان فيما أعلنته دوشنبه. وجدير بالذكر أن هذا الحزب يعد من أكثر الأحزاب نشاطًا في آسيا الوسطى، ويضم عدة آلاف في طاجيكستان وحدها، وغالبًا ما يضبط العديد من أعضائه على الحدود الأوزبكية[244].
وبالإجمال، فقد وجدت القناعات الرسمية الطريق واسعة أمامها لتعبر عن نفسها بكل وضوح في الرغبة العميقة للانطباق والالتحاق بالعالم الغربي، الذي بدا أن التحالف الدولي الراهن بزعامة الولايات المتحدة فرصة سانحة للولوج إليه، الشيء الذي لم يلق معوقًا حقيقيًا سواء من الداخل الإسلامي أو القومي، أو من الإسلاميين في الخارج القريب في ظل الخناق والترصد الدولي والإقليمي المشدد عليهم ضمن الحملة الأمريكية، أوحتى المشاكلة من قبل الدول الكبرى في المنطقة التي انتهى بها الأمر إلى دفع الخط الذي انتهجته الجمهوريات المستقلة(!!) للأمام.

آسيا الكبرى: لا وقت للخلافات، إنها معركة الجميع

خلال الجولة الأولى من إفرازات الحادي عشر من سبتمبر تجمهرت التحليلات السياسية الرائجة على التنبؤ بالعديد من المعوقات التي ستواجه السياسة الأمريكية حال شن أي عمل عسكري على أفغانستان، سيما من قبل آسيا الكبرى (روسيا، والصين، والهند)، فيما يكشف عن اعوجاج عميق في آليات التفسير والاستشراف التي تغلب المتغيرات على الثوابت وتتداول ذات المتغيرات بإطلاق، دون اعتبار لاختلاف السياقات والمناخات المسيطرة على الأحداث الجزئية، على غرار الغارة الأمريكية التي اتفقت سياسات الدول الثلاث في التعاطي معها بتنحية الخلافات الثنائية أو القلاقل الخاصة جانبًا، والسعي إلي اغتنام الفرصة بتوسيع دائرتي “مفهوم الإرهاب” و”الحرب ضده”، وفتح صفحة جديدة في العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب… وذلك على النحو التالي:

أ-روسيا: مواصلة التخلص من الحرج والهواجس

قبيل اندلاع الغارة الأمريكية كانت روسيا بسبيلها للتحول إلى شريك، وداعية للتحالف الدولي مع القليل من التحفظ الخطابي، إلا أنه منذ اندلاعها فإن السياسة الروسية لم تكتفِ بمجرد الإعراب عن التأييد التام للغارة؛ حيث سعى الخطاب الروسي إلى توسيع مفهوم “الحرب على الإرهاب” جغرافيًا ونوعيًا وزمنيًا بالتشديد على أن الإرهاب ينبغي أن يُحارب في أفغانستان والشيشان والبلقان وفي الشرق الأوسط؛ الأمر الذي بدا متأثرًا بوضوح بالدعاية اليهودية المسيطرة على الإعلام الروسي، والشيء الذي أثار استفهامات بعض الدبلوماسيين العرب في موسكو حول المقصود بـ”الإرهاب في الشرق الأوسط” دون ردٍّ يُذكر[245]!
لم تكن هذه محاولة لسد الفراغ الخطابي أو التنويع فيه من قبل إدارة الرئيس بوتين؛ إذ تعاقبت التعبيرات الصريحة عن هذه الرغبة خلال الأسبوع الأول؛ فعقب اجتماعه مع نظيره البريطاني جيفري هون يعلن وزير الدفاع سيرجي إيفانوف (9/10) موافقة بلاده على توسيع نطاق العمليات العسكرية: “إن الإرهاب ينبغي أن يُحارب في كل مكان…إن الحديث ليس عن أفغانستان وحدها”، وذلك مع استدراك هو من باب تحصيل الحاصل وذر الرماد في العيون بنفي “احتمالات مشاركة جنود روس في القتال داخل أفغانستان…هذا أمر مستحيل”[246]، في الوقت الذي كانت فيه الخبرة الروسية عن الحرب السوفيتية ودروسها والمعلومات الاستخبارية –وهي المطلب الأمريكي الأساس- تقدم بكل سخاء.
بيد أن التلميح الأنجلو-أمريكي عن اتجاه هذا التوسيع بعد أفغانستان نحو العراق الذي تربطه بروسيا علاقات خاصة أوقع الأخيرة في الحرج الذي تبدَّى في تعليق مستشار بوتين، ووزير الدفاع الأسبق إيجور سيرجييف بأن “الضربات الصاروخية والجوية يجب أن تكون مبررة ولها عناوين محددة”، مع إضافة التأكيد على أن يضم أي ائتلاف لمحاربة الإرهاب الدول العربية، فيما بدا الموقف الروسي فيه يتوارى في الرفض العربي الواضح.
ومن ناحية أخرى، تحركت الدبلوماسية الروسية مبكرًا نحو ربائبها المتفلتة في آسيا الوسطى للاندساس بينها باسم تجديد التوحيد للموقف، الذي عبر عنه سكرتير الأمن القومي فلاديمير روشايلو عقب التقائه بنظرائه في هذه الدول (9/10) بالاستعداد “لتعميق أشكال التعاون” مع التحالف الدولي؛ الأمر الذي لم يمضِ دون تحفظين شكليين أيضًا: أن يتم ذلك “في إطار قانوني موثق…وضمن فترة زمنية محددة”[247]، بما أكد أن هذا الخطاب العاجز لا يمكنه أن يتخلى بسهولة عن وساوسه في انعطافته التاريخية التي يمر بها؛ فيحرص على التمويه على تحوله بعبارات استهلاكية، سواء أمام الدوائر المحلية أو الإقليمية فيما لا تجد له أثرًا في مخاطبة الغرب أو الخطاب الروسي في الغرب.
وعلى العكس من ذلك كانت الولايات المتحدة أكثر صراحة مع الأمانيِّ الروسية، ربما أكثر مما فعلت الأخيرة مع الرأي العام داخلها؛ ففي غمار هذا أعلن الرئيس الأمريكي (13/10) أن الولايات المتحدة “ملتزمة أكثر من ذي قبل بضرورة توسيع حلف شمال الأطلنطي باتجاه شرق أوروبا” مع تأكيد استمرار التعاون مع روسيا في مجالات عديدة كلها تصب بالأساس في الصالح الأمريكي قبل أي شيء آخر. لقد اتضح ذلك جليًا من خلال قمة المنتدى الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي (إيبك) في شنغهاي، والتي التقى بوتين ببوش على هامشها فيما نتعرض له فيما بعد.
وإذا كان الأسبوع الثاني هو أسبوع تجدد القلاقل الخاصة بروسيا في الداخل وفي الشيشيان وفي جورجيا وداغستان، والتي حرصت روسيا –مثل الهند والصين- على تبريدها لصالح الحرب الدائرة، وكان الأسبوع الثالث هو أسبوع إيبك، ثم الدور الروسي في دفع وصياغة ترتيبات ما بعد طالبان؛ حيث تزعمت موسكو جبهة الرفض لأي مشاركة من عناصر الحركة التي لا تضم “معتدلين” بأي حال وفق النظرة الروسية على خلاف الجميع إلى هذا الحين[248]؛ فإنه مع مطلع الأسبوع الرابع تحددت ملامح أسس التعاون الروسي لخدمة الحملة الأمريكية في النواحي التالية[249]:
§تزويد الولايات المتحدة بكافة المعلومات التي تحوزها روسيا عن “العدو”.
§توفير الممرات الجوية وتيسيرها أمام القوات الأمريكية.
§فتح المطارات في الدول الحليفة والمجاورة لخدمة الطيران الأمريكي.
§تقديم الدعم السياسي الكامل للمجهود الحربي، سيما في ظل شعور الإحباط المتنامي.
§الحد من العمليات العسكرية الروسية على الأجناب لتمكين الأمريكان من العمل بفعالية.
§تقديم أحدث الأسلحة الروسية لوحدات التحالف الشمالي بعد توجه واشنطن نحوهم.
§اتخاذ قرارات مصيرية بتصفية قواعد روسيا الحربية والاستخبارية في فيتنام وكوبا…
§اتخاذ إجراءات لعرقلة نشاط ما أسماه بوتين بمجموعات الجريمة، وتعقب أموالهم، ومكافحة غسيل الأموال، ودعوة الدول للتعاون بهذا الصدد في افتتاح الدورة العادية للمنتدى الاقتصادي العالمي (31/10) بموسكو.
في هذه الأثناء ألقت موسكو بكل ثقلها في عملية صياغة المستقبل الأفغاني؛ حيث أعقبت تأكيدها رفض المشاركة الطالبانية على لسان وزير الخارجية إيجور إيفانوف (30/10) بالدعوة إلى تشكيل قيادة أفغانية جديدة على أساس “تراضٍ دوليّ”، مشترطًا أن تتعهد هذه القيادة ببناء “اقتصاد سلميٍّ” ومحاربة بؤر الإرهاب داخل أفغانستان، فيما عُدَّ دعوة لسابِقة تاريخية قانونية: أن تؤسَّس حكومةٌ عبر اتفاقات دولية[250].
وعلى الجانب الآخر أشار المراقبون إلى أن “الحرب الأفغانية” –كما يسميها الإعلام الروسي- قد عمقت من التناقض في المجتمع الروسي الذي يعاني أصلًا من تخلخل متزايد منذ عقدٍ من الزمان في ظل هيمنة رأسمالية علمانية شائهة على مجتمع آيبٍ إلى الدين، تسوده أغلبية أرثوذكسية تليها أقلية إسلامية كبيرة (20 مليونًا)، ثم اليهود المتنفذين والبوذيين..
فعلى مستوى الدوما فقد انقسم المجلس على نفسه منذ البداية بين أغلبية ترفض اتهام العرب والإسلام تخصيصًا، ويسار يحذر من اتساع نطاق الحرب بعد أفغانستان، سيما في الموقف البارز للقومي المتشدد فلاديمير جيرينوفسكي، وبين النواب اليهود الذين كانوا الأكثر تحريضًا على دور روسي داعم للحرب ضد “الإرهاب الإسلامي المتطرف” في كل مكان[251]، الشيء الذي بدا الأقرب للتوجه الرسمي على نحو ما أشير إليه.
هذا التناقض امتد إلى الأقاليم الروسية التي حركتها الغارة المدوية، خاصة جمهوريتي تتارستان وبشكيرستان اللتين تسكنهما أغلبية مسلمة؛ فعلى الرغم من تأييد رئيسي الجمهوريتين لموقف بوتين خلال الجولة الأولى، فإنهما تحولا للجانب الآخر عقب اندلاع الغارة، فيتساءل شايمييف الرئيس التتاري: “لماذا التركيز على الإرهاب الإسلامي؟ أو لا يوجد إرهاب آخر؟”، ويجيبه رحيموف الرئيس البشكيري بأن المجتمع [الدولي] غير عادل في وقوف أكثريته ضد ما يسمى بالإرهاب الإسلامي “كما لو أن إسرائيل خالية من الإرهاب”![252]
لقد دفع ذلك بعض الصحف الروسية إلى إطلاق اسم “الجهاد الفيدرالي” على هذه الجمهوريات الروسية التي “تجاهد” على طريقتها العولمة الأمريكية، الأمر الذي يمكن تعميمه على فحاوي تصريحات سائر رؤساء جمهوريات شمال القوقاز في أنجوشيا والشيشان وكباردينا وبلقاريا وداغستان وكراتشايفا وشركسيا وأوديجيا، بل وفي أوسيتيا الشمالية ذات الأغلبية المسيحية[253]. بما يدلل بطريق المخالفة على عمق الشعور بوطأة النفوذ اليهودي في المجتمع والأقاليم الروسية.
وبالمثل فإن علماء المسلمين الروس الذين كانوا ضمن المشنِّعين على طالبان والأصوليين، انبروا رافضين لهذه الحرب، ولأي ضرب يوجه إلى دولة مسلمة أو شعب مسلم، سواء في أفغانستان، أو ما يتردد عما بعدها: “إذا ما أقدمت الولايات المتحدة على حماقة من هذا النوع فإنها ستحكم على نفسها بأنها دولة إرهابية”- هكذا تحدث طلعت تاج الدينوف المفتي الأكبر لمسلمي روسيا الفيدرالية[254].
وهكذا فقد أفرز هذا التناقض انقسامًا وحيرة في المجتمع الروسي، بما أفصح عن نفسه في نتائج استطلاعات الرأي التي أظهرت أن 42% ضد قصف أفغانستان، في حين أن 38%يؤيدونه، ولا يعرف الباقون (20%) كيف يحددون آراءهم[255]؛ الأمر الذي عبَّد الطريق أمام الرسميين لتغليب قناعاتهم على غرار كافة الجوار الأفغاني.

ب- الصين: للفرصة معانٍ أخرى

بناء على رواية متحدث البيت الأبيض آري فيشر (9/10) كانت الصين من أوائل الدول التي أرسلت تأييدها للولايات المتحدة في غارتها الراهنة عبر اتصال الرئيس الصيني جيانج زيمين ببوش لتجديد الدعم وبحث وسائل التعاون الممكنة[256]، الأمر الذي تزامن مع إغلاق الصين كانتون تكسكورغان الحدودي مع أفغانستان وباكستان وطاجيكستان أمام حركة المسافرين والصحافيين الأجانب، وهو القطاع الواقع ضمن منطقة الحكم الذاتي لتركستان الشرقية، والذي يمر عبره طريق كراكورم أو طريق الصداقة بين الصين وباكستان[257]، والتي كانت بدورها هي وروسيا وسائر دول الجوار اللصيق تغلق حدودها مع أفغانستان لإحكام الخناق حول طالبان والقاعدة..
واتصالًا بهذا وفي إشارة مبكرة إلى ثمن التأييد الذي تبذله الصين، أعلنت الخارجية الصينية أن من أسمتهم بعناصر انفصالية في غرب البلاد يشكلون جزءًا لا يتجزأ من الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب، وأنه يجب ألا تكون هناك معايير مزدوجة: “تُنتقد الصين عندما تواجه بقوة المتمردين، بينما تُؤيد الحملة الأمريكية على طالبان وابن لادن”[258].
في هذه الآونة شهد شمال الصين بل وجنوبها حركات احتجاج ضد الحرب، ووُزعت الملصقات واللافتات على المساجد في مدينة تيانجين (شمالًا)، بينما رفعت لافتات: “مسلمو العالم متضامنون في مقاومة الاستبداد الأمريكي البريطاني..ليسقط عدوان الجيوش الصليبية المسلحة” في هونج كونج، وتحركت مسيرات أخرى في غانسو وهوي وننغيسيا وفي شانكسي ذات الأغلبية المسلمة[259].
وعلى الرغم من أن العديد من التحليلات راهنت على التحفظ الصيني المحتمل على تداعيات الحرب وامتداداتها الزمنية والجغرافية، فإن الذي أوضحته الجولة السابقة وأكدته هذه الجولة هو أن هذه الدول المضخَّمة إعلاميًا ومن نواح ماضوية أو استشرافية أو نواحٍ متقطعة: ديمغرافية أو اقتصادية أو استراتيجية، لا تمتلك الإرادة السياسية الواضحة، وليست لديها أدنى استعداد لاغتنام الفرصة في الضغط على الغريم الأمريكي بأي اتجاهٍ، وأن اغتنام الفرصة عندها إنما يقتصر على الانفراد بالتكوينات الإسلامية المناهضة لها، بل وعلى السعي لمزيد من التقارب مع الولايات المتحدة نفسها.
الطريف في هذا الصدد أن الولايات المتحدة هي التي ازدادت استئسادًا على هذه الدول التي أيدتها بغير ما شرط أو تردد حقيقي؛ فخلال الأسبوع الأول للغارة أعلنت الصين والولايات المتحدة فشلهما في تسوية نزاع “مبيعات مزعومة لتكنولوجيا الصواريخ الصينية إلى باكستان!”، بما يعني بقاء العقوبات التي وقعتها واشنطن على الصين على خلفية هذا الأمر قبيل الأحداث الأخيرة[260]. بل إن الصين بدت غير راغبة في إفساد احتفالها بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية نوفمبر 2001؛ مما اعتبره بوش وفريقه فرصة سانحة للضغط على الصين لمد مفهوم الإرهاب إلى الدول التي تسميها واشنطن “مارقة”، وبالتالي تمتنع عن محاولات تصدير التكنولوجيا أو الخبرة النووية إليها، وذلك على هامش مؤتمر إيبك في شنغهاي والذي يتطلب الوقوف الموجز على أهم دلالاته.
إيبك-شنغهاي: نقطة تحول على طريق التحول
مع مطلع الأسبوع الثالث من الغارة الأمريكية على أفغانستان جاءت قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي في شنغهاي العاصمة التجارية للصين 20-21/10 لتفك البقية الباقية من عُقد التردد في طريق انفتاح آسيا الكبرى نحو الغرب والولايات المتحدة والتعبير عن الإصرار على ذلك دون مواربة.
فعلى الرغم من أن المنتدى أُسس لتشجيع التجارة الحرة والاستثمار في المنطقة، فإن بيانه الختامي جاء سياسيًا بالدرجة الأولى؛ حيث أعلن الرئيس الصيني ضمنه اتفاق زعماء الدول الـ21 المشاركين على ما ملخصه[261]:
· الإدانة بأقوى لهجة ممكنة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر باعتبارها “إهانة للسلام ولرخاء كل الشعوب وكل الأديان وكل الأمم”.
· والتعاطف التام مع الموقف الأمريكي: “إنها معركة العالم في مواجهة الإرهاب”.
· المطالبة بزيادة التعاون لتقديم “الجناة” إلى “العدالة”.
· التعهد بتنسيق الخطط والإجراءات المناهضة للجماعات المتورطة في أعمال الإرهاب بخنق قنوات تمويلهم، وتعزيز المراقبات الأمنية والإلكترونية على الطائرات وفي الموانئ والمطارات والجمارك.
ومن الجدير بالذكر أن المنتدى تعمد عدم الإشارة إلى ما يدور في أفغانستان في إشارة إلى الإجماع السكوتي على قبوله في الوقت الذي كان الإعلام العالمي يضج بأنباء ومشاهد الضحايا الأفغان من المدنيين.
وفيما حاول الجانب الصيني الظهور كمدافع عن الدول النامية، مركزًا الاهتمام على التداعيات الاقتصادية والتأكيد على مواصلة سياسات الإصلاحات والانفتاح والتحديث و”العمل معًا..للقيام بدور في الاقتصاد العالمي والإقليمي”[262]، فإن قمة بوتين-بوش (22/10) على هامش المنتدى مثَّلت نقطة تحول حقيقية في مسار فريق الرئيس الروسي الذي حرص طوال الفترة الماضية على الاحتفاظ بالورقة الاستراتيجية في العلاقات مع الغرب.
فأمام الرغبة الأمريكية في تشييد الدرع الصاروخي المضاد للصواريخ الباليستية، والتي تعني ضرورة التخلي عن اتفاقية آي بي إم الموقعة بين الدولتين عام 1972،خلال الوفاق البارد الأمريكي-السوفيتي، اكتفى بوتين اليوم بوصفها بأنها “عنصر مهم لاستقرار العالم” مؤكدًا على استعداده لبحث المصير المقبل لها، الأمر الذي اعتبره بوش تقدمًا إيجابيًا في يوم فاصل:”لقد تجاوزنا حقًا وفى شكل نهائي الحرب الباردة، اليوم وبعد هذا اللقاء الثالث مع فلاديمير بوتين وأحداث الأسابيع الخمسة الأخيرة يمكن القول إننا أحرزنا تقدمًا في اتجاه هذا الهدف..إن هذه الاتفاقية عفا عليها الزمن، وأعتقد أنها أصبحت خطرة”[263].
وعليه فقد شدد بيان القمة المشترك –في نصه الروسي- على أن العدو المشترك هو “الإرهاب والخطر النووي”، وعلى عزم الرئيسين على “زيادة التعاون في محاربة التهديدات الإرهابية الجديدة بالأسلحة النووية والكيمياوية والبيولوجية وعن طريق الكومبيوتر”[264].
إن دلالة العدو المشترك وتوحيده في “الإرهاب” الذي فقد أي تحديد نظري ليمضي تبع الأهواء السياسية للغرب بزعامة الولايات المتحدة، تبعث برسالة مفادها أن العالم مقبل على مرحلة جديدة تتجيش فيها أقطاب المنظومة العالمية وراء الدعاية والسياسة الأمريكية لإعلان الحرب على هذا العدو، الذي يبدو أنه في الأغلب الأعم يقع داخل الأمة الإسلامية أو ينتسب في هويته إليها.

ج- الهند: القطف المبكر للثمار

بدأ السعي الهندي مبكرًا جدًا لاستثمار التحرك الأمريكي تجاه المنطقة؛ فقبيل اندلاع الغارة (7/10) انتفضت نيودلهي إثر حادث البرلمان الهندي في سرينجار، بما أسفر عن التطمين الأمريكي على لسان كولين باول بأن التقارب مع باكستان لن يكون على حساب المزايا التي ستتمتع بها الهند، وانتزع الوعد السابق الإشارة إليه من الرئيس الباكستاني بمواجهة الجماعات الجهادية في كشمير، والمشاركة في الحيلولة دون اختراقهم للحدود مع الإقليم الواقع تحت السيطرة الهندية.
لم تكف الهند عن مواصلة سياسة الضغط للحصول على المزيد من المكاسب؛ فعلى الرغم من المهادنة التي أكدها اتصال مشرف برئيس الوزراء الهندي، فقد مضى فاجباي وفريقه يكرر الإعراب عن انزعاجه من “اندفاع المجتمع الدولي نحو باكستان..إنه ينبغي عدم ترك دولة معينة تواصل برنامجها الإرهابي تحت غطاء الحملة”[265]، ثم صعَّدت الأمر بقصف 11 موقعًا باكستانيًا على الحدود (15/10) بدعوى “وقف تسلل الإرهابيين” إلى أراضيها، ما أدى إلى تجدد تبادل إطلاق النار بين البلدين،ولم تفلح زيارة باول (16/10) في إثناء الهند عن مواصلته.
لقد بدا أن الهند جادة في السعي لاهبتال الفرصة؛ فمحاولات الإثارة والانطباق مع الحملة الأمريكية لم تتوقف رغم التطمينات الأمريكية التي بلغت مداها مع نهاية أكتوبر. ففي نيودلهي أعلن السفير الأمريكي روبرت بلاكويل أن قائمة المنظمات الإرهابية ستتسع وأن نطاق الحملة الراهنة سيمتد ليشمل المنظمات التي تشن هجمات في كشمير: “إن الإرهاب داخل الهند سيكون جزءًا من الحرب العالمية ضد الإرهاب”[266].
وهكذا نجحت الهند في “عولمة” خطاب الحرب ضد الإرهاب وإظهار أنها واقعة تحت تهديده على النحو الذي أشاعت به بعض صحفها أنباء عن بوادر التعرض لخطر رسائل الجمرة الخبيثة في أنحاء مختلفة من البلاد دون أن تتأكد حالة إصابة واحدة[267].. فيما راح وزير الدفاع جورج فرنانديز يؤجج نار المعركة الدائرة زاعمًا في محافل متعددة أن الولايات المتحدة لا تزال بعيدة عن أهدافها التي أعلنتها:
“إن قاذفات الـB–52 القديمة أعيدت إلى الخدمة .. كما لو أن الأمريكيين يعتريهم حنين إلى حرب فيتنام .. إنها عملية تبذير للمتفجرات على جبال جرداء .. إن الطيران الأمريكي لم يهاجم جسرًا واحدًا..إن الولايات المتحدة لا تساعد بشكل كافٍ تحالف الشمال”[268].
ومن ثم جاء نوفمبر ليجلي أهداف الهند الأساسية خلال المرحلة المقبلة على ما دعا إليه السفير الهندي في واشنطن من “إقامة علاقات عسكرية قوية مع واشنطن، بما في ذلك شراء أسلحة متطورة من شركات الأسلحة الأمريكية”، مشيرًا إلى أنه على الرغم من الضغوط الداخلية في الهند لشن حرب على الأصوليين في كشمير مثلما تفعل الولايات المتحدة في أفغانستان؛ “فإن الحكومة الهندية قررت التحلي بضبط النفس”، مؤكدًا أن الولايات المتحدة تعهدت بأن أهدافها لا تشمل أفغانستان فقط، بل باكستان كذلك[269].
الشيء الجدير بالانتباه إليه أن هذه الدول الآسيوية الكبرى رغم خلافاتها الثنائية، أو تنافساتها السابقة، حرصت إبان هذه الجولة على التنسيق فيما بينها، وتبادل الآراء في مجريات المعركة وانعكاساتها، سيما فيما يتعلق بالمستقبل الأفغاني.
فأثناء زيارته لموسكو (3/11) أكد فاجباي أن “حكومة طالبان ينبغي ألا تكون شريكًا في أي ائتلاف حكومي أفغاني مقبل”، وأن هدف الحرب ينبغي ألا يقتصر على القضاء على الإرهاب، بل يمتد لإقامة حكومة وطنية تمثل كل الأعراق والقبائل[270]، فيما بدا متابعًا إلى حد كبير للموقف الروسي السابق التنويه به.
وعامةً، فقد تحول الجوار الأفغاني المباشر وغير المباشر للإعلان عن بدء مرحلة جديدة نوعيًا في التعامل مع القضايا المحلية والإقليمية والعالمية قوامها المحاور التالية:
• الميل إلى تقديم روح التعاون على الأنماط التي كانت سائدة من الممانعة أو المطاولة الندية، أو المقاسمة، أو المعاوقة، فضلًا عن روح المنافسة أو الصراع في صدد العلاقات مع الغرب بعامة والسياسات الأمريكية بخاصة، سيما مع غلبة روح الاغتنام والاستثمار للمكاسب المترائية على جوانب التحركات الأمريكية، وسيادة القناعة لدى القيادات السياسية في هذه المنطقة بأن الكثير من أوراق اللعبة الكبرى موجودة في البيت الأبيض.
• السعي الجديد من نوعه إلى تدويل أو عولمة القضايا الداخلية؛ استجلابًا للعون الدولي إزاءها، سيما فيما يتعلق بالتكوينات الإسلامية التي سبق لمنظمة شنغهاي أن حددت مكامن خطورتها في ثالوث: الانفصالية، والأصولية، والإرهاب العابر للحدود.
• استمرار واستمراء إغفال التعريف النظري للعدو المشترك “الإرهاب الدولي”، الذي تُدشن المرحلة المقبلة لجعله ملاط التحالف الدولي، والميل إلى التبعية للتأويل فالإسقاط الأمريكي له على الإسلاميين بكافة وجوههم، مع السعي للخدمة على القضية الخاصة بكل طرف بالصمت على الأقل عن ممارساته تجاهها.
• الميل لتقديم الأداة العسكرية في فكر المواجهة مع هذا العدو المشترك، والمضي قدمًا في سائر الخطوط المالية والقانونية والسياسية، وبحذر وإصرار في إضافة الأداة الثقافية المثيرة لقضايا التعليم الديني والخطاب الديني والفكر الإسلامي بالأساس، بما ينذر بمرحلة من العلاقة بين العالم –وليس الغرب وحده- وعالم الإسلام والمسلمين، تتجاوز مرحلة الإعداد السابقة إلى مرحلة المواجهة المنوعة، والتي تفرض على الأمة لونًا جديدًا من التفكير، وسعيًا جديدًا لتجاوز هذه المحنة الممتدة!

الجولة الثالثة- ترتيبات ما بعد طالبان: إرهاصات مرحلة جديدة
(15/11 – 22/12/2001)

في غضون أيام قلائل، وفي مشهد مثير للدهشة والتساؤل أنهت طالبان تجربة السنوات الخمس في الحكم، وانفرطت حبات عقد هيمنتها مع تساقط المدن الكبرى الواحدة تلو الأخرى، بما كشف –على صعيد تقويم التحليل السياسي الراهن- عن حالة اضطراب في نطاق “التفسير” فضلًا عن “التكهن” شملت الكافة من الدارسين والمتمرسين! فبعدما انتهى حماس وزير الدفاع الأمريكي إلى الاعتراف بأن جنود طالبان “أشداء” وأن الحرب معهم تحتاج إلى المثابرة، وسط تنبؤات بامتدادها إلى عام أو إلى نهاية فترة بوش 2004، أو ربما إلى ما لا نهاية..مع تنامي شعور عام في الغرب بالإحباط[271] جاءت اللحظة الثالثة من تداعيات 11/9، والتي بدأت 9/11 لتفقد الجميع توازنه بغير ما استثناء.
وعلى كلٍ، فما أن انقشعت علامات الانبهات حتى انتبه الجميع إلى السؤال الأوٌَلى: سؤال الـ”ما بعد”؛ ما بعد الغارة، ما بعد طالبان، ما بعد أفغانستان. وإذا كان الأمر الأخير لا يدخل في صميم هذا التقرير: (من الذي عليه الدور؟)، فإن الأمور التي طفت على الساحة الأفغانية بدءًا من دراما التداعي الطالباني، وما صاحبه من مساعي الشغل العاجل للفراغ السياسي والأمني، مرورًا بالمسألة الشعبية والثقافية، وانتهاءً بما عُرِّف بعملية إعادة البناء للأمة الأفغانية، تحتاج إلى وقفة أخيرة بغية إسدال الستار على الجولة الأفغانية الثالثة من إفرازات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
جاء التداعي الطالباني والانسحاب من مزار الشريف (9/11) وحتى كابول (13/11) وسط حالة من الغموض عكستها مقولات التحذير من الفخ وغيرها[272]. وإذا ما كان هذا الأسبوع السادس من الغارة الأمريكية يمثل دراما المفاجآت المتصاعدة فإن التأمل في جوانبه يستشف ملامح رئيسة لطبائع الأطراف المختلفة الضالعة في مجرياته:
فمن ناحية أولى، لوحظ على قيادات المعسكر المنهزم –ورغم تقهقرها السريع- أنها لا تزال تستمسك بخطاب التحدي والإباء، بل والتهديد حتى النهاية؛ سواء كانت نهايتهم على ما جاء في كلمات قادة القاعدة، أو نهاية الولايات المتحدة نفسها على ما بشر به الملا عمر. ومن ناحية ثانية، عكست هذه اللحظة إلى أي مدى يتمتع المعسكر الغربي الغالب بدرجة عالية من السرعة في اقتناص الفرصة، مهما كانت قلقة، والتحول بها بنهج ذرائعي حاد وجاد نحو المصالح الخاصة به؛ ومن ناحية ثالثة؛ فقد تراءى على دول الجوار الأفغاني أنها ما كادت ترى نجاح دورها وانتهاءه حتى آثرت اللواذ بالصمت، سيما أمام السؤالات الحرجة الخاصة بوضع القوات الأمريكية وقواعدها في المنطقة بعد أن تنتهي مهمتها الحالية.

أولًا- دراما التداعي: انسحاب مفاجئ وخطاب إباء متواصل

وهكذا فمع مطلع الأسبوع السابع للمعارك (17-24/11) لم تعد طالبان تسيطر سوى على 4 ولايات من أصل 32 ولاية، وهي هلمند (جنوب) وزابول (جنوب شرق) وأوروزغان (وسط جنوب) وقندهار (جنوب)، ولم يعد باقيًا من معاقل طالبان في الشمال سوى “قندُز” التي شهدت قصفًا جويًا غير مسبوق من قبل قاذفات B-52؛ حيث صرح أحد قادة التحالف: “عناصر طالبان أكثر عددًا منا بكثير، ونعتمد على الغارات الأمريكية لمساعدتنا”. وأشار البعض إلى أن عددهم يتراوح بين 30-40 ألفًا من طالبان وأنصارها الذين عرفوا بالمقاتلين الأجانب (من أصول عربية وشيشانية وباكستانية)، وكانت تقاوم بشدة[273].
استمرت حالة المد والجزر في قندوز حتى سقط نحو ألف من الصف الطالباني جراء القصف الأمريكى الكثيف، وإلى أن أعلن عبد الرشيد دوستم أن أعضاء الحركة قد وافقوا بشكل عام على الاستسلام وتسليم المدينة بعدما وافق التحالف على طلب القائد الطالباني بالمدينة، داد الله خروج قواته بأمان مقابل إنهاء القتال.
غير أن دوستم أكد أن التحالف لن يلبي مطلب داد الله بالسماح بالعفو عن الأجانب الذين يقاتلون في المدينة إلى جانب طالبان؛ حيث أعلن التحالف أنه “لن يدع الأجانب يفلتون من العقاب ميدانيًا”000 هذا فيما كانت المحادثات متعثرة مع الحركة في الجنوب لتسليم قندهار[274]
وفي هذه الأثناء كان الغموض يكتنف الوضع في قندهار وجلال أباد؛ حيث قال الملا عمر إن قواته تسيطر على قندهار، في حين قال التحالف الشمالي إن المدينة في حالة فوضى ..فيما كان وفد بشتوني يستعد للتوجه إلى المدينة لمفاوضة الحركة حول الاستسلام؛ حيث صرح الزعيم القبلي المشار إليه سلفًا حميد قرضاي إلى أنه على اتصال بقادة الحركة: “إنني أحاول التفاوض مع طالبان لإقناعهم بأن ما يقومون به لا يفيد الأفغان ولا أفغانستان”. وبما أن قرضاي هذا محسوب على أنصار ظاهر شاه فقد كانت الفرصة تزداد تهيؤًا أمام هذا الفريق للتبشير بالعودة الوشيكة؛ فيؤكد سيد أحمد الجيلاني -كرئيس لما عُرف بمؤتمر السلام الأفغاني- على عودة الملك “لقيادة أفغانستان”[275]
وعقب تهديده للولايات المتحدة بالنهاية والتدمير، ذكرت وكالة الأنباء الإسلامية الأفغانية أن الملا عمر أمر مقاتليه بالانسحاب من قندهار، والتوجه إلى الجبال لتفادي سقوط المزيد من الضحايا المدنيين من جراء القصف الجوي العنيف، وتسليم المدينة إلى قادة المجاهدين السابقين؛ منوّهة أن الملا عمر اتخذ قراره هذا بعد مشاورات لعدة أيام مع قادته العسكريين ومعاونيه المقرّبين والزعماء القبليين في المدينة، وأن عملية الانسحاب ستستغرق 24 ساعة… هذا فيما كانت المفاوضات لا تزال جارية مع قوات الحركة المحاصرة في قندوز، سيما في ظل تقلبات التحالف الشمالي الذي بات أسير مؤشرات الإرادة الأمريكية؛ حيث أشار الجنرال محمد داود من التحالف الشمالي أن قواته ستقتل جميع المسلحين الذين يرفضون الاستسلام، إثر الموقف الذي أعلنه رامسفيلد بالنسبة للقوات الأمريكية الخاصة في الجنوب[276].
توالى الاندحار الطالباني عبر هذا الأسبوع لتبدأ في نهايته الخطوات الكبيرة في الانسحاب والتسليم في قندوز؛ حيث استسلم نحو 3000 مسلح (24/11) تركوا المدينة بغير سلاح بسبب الحصار الخانق لمدة أسبوعين، الأمر الذي تلاه تكثيف القصف الأمريكى على ضواحي المدينة وحصونها ليأتى سقوط قندوز (25/11) بعد ساعات من قصف عنيف شنته نحو 65 قاذفة بعيدة المدى، وانتهى الأمر باستسلام مقاتلي طالبان والمتطوعين في صفوف الحركة لقوات القائد الطاجيكي محمد داود، بناء على اتفاق الأخير وقادة الحركة في قندوز مع دوستم بإبقاء قواته الأوزبكيةخارج المدينة وعدم دخولها من جهة الغرب[277].
بيد أنه في نفس اليوم الأحد (25/11) اندلعت معركة عنيفة داخل قلعة جانجي (غرب مزار الشريف) التي سجن فيها مئات من المقاتلين الموالين لطالبان عقب استسلامهم في قندوز، في ظروف غامضة تضاربت حولها الروايات لأيام، فيما يحتاج إلى وقفة خاصة لبيان المأساة الإنسانية التي كللت النصر الأمريكي!! ولكن قبل ذلك: ماذا عن الخطاب الذي صاحب هذا التداعي والذي يلقي الضوء في خاصة رأينا على بعد هام في المعسكر المدحور؟
عقب لقاء مع بوتين (15/11) أعلن بوش أن العمل يجري لوضع استراتيجية بصيغة وخطة جديدة للتعامل مع الواقع الجديد في أفغانستان، في ضوء التقهقر السريع لحركة طالبان، وشدد على أن الحملة العسكرية في أفغانستان ستستمر حتى يتم القضاء على القاعدة وطالبان وجلب قياداتهما للعدالة[278]. وبناء عليه جاء خطاب هذه القيادات مفعمًا -كما أسلفنا- بالتحدي وترديد فكرة “النهايات”.
ففي حديث بثه القسم البشتوني في الـ”بي بي سي”(15/11) قال الملا عمر: إن الوضع الحالي في أفغانستان مرتبط بقضية كبرى هي “تدمير أمريكا”..”إن هذا المشروع يحرز تقدمًا، ويجري تنفيذه غير أن المهمة هائلة، تتخطَّى إرادة البشر وإدراكهم..سيتم هذا قريبًا وليبق كلامي في أذهانكم”. ورفض عمر بتاتًا فكرة مشاركة حركته في حكومة مقبلة تمثل جميع المجموعات الإثنية الأفغانية، وقال: “لن نقبل بحكومة من الأشرار، ونفضل الموت على المشاركة في هذه الحكومة”. لم يمنع هذا أن يعترف عمر بأن طالبان ربما ارتكبت بعض الأخطاء[279].
ومن ناحيته، أعلن أسامة بن لادن عبر بختيار أنه يفضل الموت على الاستسلام، وأن الولايات المتحدة لن تقبض عليه حيًا. وقال الملا عبد الله إن: “أسامة قرر أن الموت أفضل له من تسليمه إلى الأمريكيين”. وفي المقابل لم يتوقف الجميع من الساسة والإعلاميين عن تصدير الشائعات والتكهن بمصير ابن لادن بين استصعاب القبض عليه وبين احتمالات قتله أو هربه؛ حيث رأى رامسفيلد –مثلًا- أن ابن لادن “يملك الإمكانات التي تجعله يفعل ما يريد، أو على الأقل تجعله يحاول ذلك”، لكنه عبَّر في نفس الوقت عن أمله في “أن يساعد الأفغان أمريكا على القبض على ابن لادن، مدفوعين على الأقل بالمكافأة السخية التي عرضتها واشنطن”[280].
وفي وعيد شديد أفادت صحيفة “جانغ” الباكستانية في 20 نوفمبر أن الرجل الثانى فى تنظيم”القاعدة” تعهد أن تستمر الحملة ضد الولايات المتحدة الأمريكية، مهما كان مصير زعيم التنظيم أسامة بن لادن. ونقلت عن أيمن الظواهري زعيم جماعة الجهاد المصرية أن “القاعدة ستلاحق الأمريكان في كل مكان”! كما نسبت الصحيفة إلى القيادي في القاعدة سيف العدل أن التنظيم يحاول أن يكون “قوة مسلحة بأسلحة نووية”.. وأن القاعدة شكلت قوة من الانتحاريين لتنفيذ مهمات داخل إسرائيل؛ الأمر الذي أكده الظواهري بقوله “إن تل أبيب هي الهدف المقبل للقاعدة”!![281]
هذا، ويشار إلى أن الأنباء ترددت في هذه الآونة عن مقتل محمد عاطف (أبو حفص المصري)، الذي يعتقد أنه المسئول العسكري في القاعدة؛ الأمر الذي أكده عبد السلام ضعيف (18/11) مُعرِّفا عاطف باسم ” الرجل الثالث”[282].
وأخيرًا نجد أننا أمام سؤالين يطرحان نفسيهما حول حقيقة النهاية الطالبانية: هل حقًا يصح أن نسمي هذا الذي جرى نصرًا أمريكيًا؟ وهل هي نهاية طالبانية بكل المعاني، سيما في ضوء الخطاب الإبائي الذي لم ينقطع بل تزايدت ضراوته عن ذي قبل؟؛
يقول د. محمد السعيد إدريس “رئيس تحرير مختارات إيرانية”: إن “احتمال نجاح أمريكا مع تحالفها الدولي في الانتصار على طالبان وتنظيم القاعدة وأسامة بن لادن لا يعني تحقيق انتصار حقيقي ضد العدو الجديد.
الانتصار على طالبان وكما يقول جوزيف ناي- عميد كلية العلوم الحكومية في جامعة هارفارد- لن يكون هو النصر في الحرب ضد الإرهاب. إنه مجرد نصر ضد هدف خاص. فكما يقول البروفيسور فيليب هايمن (من هارفارد أيضًا): سيكون من المستحيل “إعلان النصر الكامل على العدو الإرهابي، كما تم إعلان النصر على العدو النازي في الحرب العالمية الثانية، وعلى العدو الشيوعي في الحرب الباردة؛ لأنه وكما يعتقد هايمن “سيكون في وسع ثلاثة أشخاص فقط يمتلكون القناعة وإرادة الانتحار أن يجعلوا من الإعلان عن النصر ونهاية الحرب أمرًا غير ممكن”[283].
وفي رؤيته لـ “أم المعارك الأمريكية والإرهاب من المنظور الأخلاقي” يقرر د.عبد العليم محمد من مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام/القاهرة أن الحرب ضد أفغانستان بدأت “تكشف عوراتها، ذلك أن غالبية الضحايا حتى الآن من المدنيين الأبرياء والأطفال الجوعى والفقراء، وأن الذكاء المفترض للأسلحة الأمريكية والتكنولوجيا الحديثة قد أسفر عن”غباء”مزمن حيث يقصف مقار منظمات الإغاثة الإنسانية والمدارس والمستشفيات…”[284].

محنة الضمير: فوضى الانتقام والإذلال

نعم، ربما لم تقدم طالبان نموذجًا تعميريًا، إلا أنها أيضًا في حدود الموثق لم تتعمد التخريب أو إزهاق الأرواح، بل شهد لها العدو قبل الصديق بما جلبته للبلاد من توحيد وأمن وسكينة.. فهل دام الحال أو زاد أمنًا بعد تراجعها؟
الواقع أن انهيار مقاومة طالبان جاء ليفتح أبواب ملحمة شرسة فشلت عدسات الإعلام الغربي المنقلبة إلى التحدب في إرسال الغيوم عليها. فقد غرق طريق المنتصرين من مزار الشريف إلى كابول بالأشلاء والدماء والجثث التي ركلتها الأقدام بكل جسارة أمام أبصار العالمين، وتواصل التحالف الأمريكي- الأفغاني في استعراض الأسرى والذبائح على نحو غير مسبوق. توقع المتابعون أشياء كثيرة مما ينسب إلى عالم القسوة والوحشية، بيد أن الذي جرى تعدى كل الحدود والتصورات! ففي المبتدأ يعلق الصحفي البريطاني الشهير روبرت فيسك في الإندبندنت(16/11):
“إن كانت انتصارات التحالف الشمالي هي أنباء جيدة بالنسبة للغرب فإن الأنباء السيئة ليست بعيدة تمامًا، فالجماعة المسلحة التي تضم أوزبك وطاجيك وهزارا الذين يكونون هذا الجيش المهلهل لديهم سمعة دموية لقيامهم بتعذيب وإعدام الأسرى .. ليس هناك ما يجعلنا نتصور أن التحالف قد تلقى دروسًا في حقوق الإنسان، فهو [فقط] ظل يتلقى ذخيرة من روسيا وأسلحة من الولايات المتحدة”[285]
غير أن الأيام القليلة التالية أوضحت تباعًا نوعية الدروس التي تعلمها رجال التحالف؛ فعلى الرغم من انسحاب قوات طالبان من كابول قبل وصول القوات الشمالية إليها إلا أن المحطات التليفزيونية نقلت مشاهد اقتحام وتمشيط المنازل والأحياء، والتنكيل بعشرات الجثث التي تفترش الطرقات، وصور بعض رجال التحالف وهو يركل رأس قتيل بنعله أكثر من مرة، وآخرين يعبثون ويمثلون بالجثث، وغير ذلك من عمليات الانتقام التي أشبهها الكثيرون حتى ممن يلعنون طالبان وأيامها بما جرى على أيدى الصرب في البوسنة وكوسوفا، أو بما يمارسه اليهود ضد شهداء الانتفاضة في فلسطين[286]
حاول الإعلام الغربي بل والإعلام المنسوب إلى الأمة تصوير الأمر وكأن الشعب الأفغاني قد انضم إلى التحالف الشمالي في مطاردة فلول الطالبان، في رسائل بدا التلفيق فيها واضحًا، فإذا ظهرت الفظائع عيانًا جرت نسبتها إلى المواطنين، وإذا أمكن العثور على جرحى تعالجهم منظمات أجنبية غير حكومية، حرصت الدعاية على نسبة أمر إيصالهم إلى المستشفى إلى جيش التحالف الذي أصبح “عالي الحساسية فيما يتعلق بالحد من الفظائع وخرق حقوق الإنسان” على حد تعبير سكوت بيترسون “مراسل كريستيان ساينس مونيتور”. وربما كان في العبارة التالية التي أوردها هذا المراسل ما يشير بكل وضوح إلى ذلك:
“وعندما بدأ الجمهور الغاضب في مطاردة جنود طالبان، التفت حارث – أحد المأسورين فيما بعد – ورفاقه إلى الوراء وأطلقوا النار على الجماهير الغاضبة التي كانت تطاردهم مما أدى إلى قتل واحد من جنود التحالف الشمالي وجرح آخر”[287]
وفيما كان الشماليون يبدون بسبيلهم لإخراج المقاتلين الأجانب من مأزق قندوز مع اشتداد القصف الأمريكي والمقاومة الأرضية، فإن رامسفيلد أعلن 19/11 عن معارضته إجلاء حتى عناصر طالبان مفضلًا أن “يُقتلوا أو يؤسروا”؛ محذرًا الأمم المتحدة والتحالف من المضي في مفاوضات معهم على نحو ما أشير إليه.. ثم عاد الرجل ورفض صراحة قبول أسرى مطلقًا، الأمر الذي بدا مؤازرًا من قِبَل بريطانيا وروسيا والهند والصين ودول الجوار المباشر الذين أظهروا رغبة عارمة في التخلص من القاعدة نهائيًا[288]. أثار هذا الموقف قلق أرباب القانون الدولي والإنساني مما قد يحمله من المسئولية القانونية تجاه السماح بأعمال عنف غير مبررة بحق الأسرى، والتي تطول بالأساس القادة العسكريين والمدنيين سواء الذين يخفقون في منع أتباعهم من ارتكاب جرائم أو في معاقبتهم، بناء على ما كرسته محاكمات لايبزيج في الحرب العالمية الثانية.
وفي هذا تنص مبادئ القانون الإنساني الدولي على أنه “يُحظر قتل أو جرح أي عدو يستسلم أو يخرج من القتال” وعلى أن “المقاتلين والمدنيين الأسرى الذين يقعون تحت سلطة طرف معاد من حقهم احترام حياتهم وكرامتهم وحقوقهم وقناعاتهم، ويجب حمايتهم من أعمال العنف والأعمال الانتقامية، ويجب أن يكون لهم حق مراسلة عائلاتهم وتلقي معونة” كما تنص على أن “من حق كل شخص أن يحظى بضمانات قانونية أساسية”، وعلى أن “الأطراف المتنازعة وأفراد قواتها المسلحة لا يمتلكون خيارًا لامحدودًا في وسائل الحرب وطرقها . ومن المحظور استخدام أسلحة أو وسائل حربية تؤدي إلى خسائر غير مبررة أو معاناة مبالغ فيها”.
واعتبر القانونيون الدوليون قوات القاعدة وكذلك قوات طالبان بحكم خضوعها لقيادة متسلسلة ونظام عسكري داخلي، طرفًا تنطبق عليه قوانين الحرب والفصل الثالث من اتفاقية جنيف، ولو لم تكن الولايات المتحدة تعترف بهما أو بحكومة طالبان.
وهكذا لم يجد هؤلاء القانونيون الدوليون من تفسير للإصرار الأمريكي على هذا الموقف سوى أن الإدارة الأمريكية تبدو “متعطشة إلى الدماء والانتقام” كما أن هذا سيمثل أسوأ سابقة قانونية يمكن أن يتقبلها الرأي العام الغربي في القرن الـ21، وفي حرب حاولت دولتها القائدة التزيي فيها بالعدالة المطلقة[289].
وفي المقابل وقف ممثل العدالة الأمريكية جون أشكروفت يدافع عن قرار رئيسه بالسماح بتشكيل محاكم عسكرية لمحاكمة الأجانب الذين يتهمون بأعمال إرهابية خصوصًا التي وقعت في 11/9 بأن بوش في حالة حرب “وعلينا القيام بكل شيء ممكن لحماية حياة وأرواح الأمريكيين” والطريف أن ذلك جاء ردًا على مخاوف البعض في لجنتي العدل في مجلسي الشيوخ والنواب أن تستخدم تلك الإجراءات في “اصطياد الأمريكيين”!! [290]
وفي هذا شهد الشمال الأفغاني محرقة قلعة جانجي؛ حيث أغارت الطائرات الأمريكية على القلعة (25-27/11) في طلعات متواصلة بلغت ما بين 30-40 مرة خلال ليلة 27/11 فقط، وتضاربت الأقوال في عدد هؤلاء الحرقى والقتلى؛ فقيل أولًا ليسوا سوى عشرة، ثم قيل 300-400، ثم قيل 600 إلى غير ذلك، وتضاربت الأقاويل أيضًا في طبيعة وجودهم داخل القلعة، وفي معنى الذي حدث وملابساته، وهل هو تمرد حقيقي أم رد فعل لعمل استفزازي؟ وما حجم الفعل والاستجابة…إلخ، الأمر الذي أبت الأقدار إلا أن تكشفه كاملًا لتسفر الحقيقة عن مأساة مهولة وصفت بالمذبحة والمجزرة والمحرقة والمخزاة التي تحركت لها مشاعر الجميع عدا الأمة التي لم تحرك ساكنًا ولو على الصعيد الكلامي الذي احترفت العمل به[291].
ونترك لشبكة إسلام أون لاين نت ومراسليها وصف ما جرى ونسجله هنا للتاريخ وللتذكرة والاعتبار، يقول هشام سليمان مراسل الشبكة:
“اقتحمت الدبابة القلعة، وأطلقت أربع دفعات، ثم ساد صمت في الحصن”.. هكذا لخصت صحيفة الجارديان البريطانية الصادرة الأربعاء 28-11-2001 المشهد الأخير للمجزرة التي ارتُكبت في قلعة “جانجي”، وراح ضحيتها أكثر من 600 من الأسرى السجناء من شيشانيين وأوزبك وباكستانيين وعرب.
ففي ليلة الثلاثاء 27-11 سكت إلى الأبد تمرد الأسرى الأجانب المؤيدين لحركة طالبان في قلعة جانجي غربي “مزار الشريف” بشمال أفغانستان، عندما دخلت دبابة لقوات التحالف الشمالي إلى ساحة حصن جانجي، وقتلت الدبابة من تبقى حيًّا من المقاتلين الأجانب في صفوف طالبان بعد القصف الأمريكي الذي وصفته صحيفة الجاردبان بالمتكرر.
وتشير الجارديان إلى أن الطائرات الأمريكية ظلت تقصف القلعة، بعدما تمرد الأجانب الذين كانوا يقاتلون في صفوف طالبان واستسلموا بقندز، وتم نقلهم إلى قلعة جانجي.. والذي وصفته الجارديان بـ”المدهش” أن البعض منهم ظل على قيد الحياة بعد قصف أمريكي استمر طيلة يومين، بل شنوا هجومًا مضادًّا في الثامنة من صباح الثلاثاء 27-11-2001 بالتوقيت المحلي، وأطلقوا النار على القناصة من التحالف الشمالي والقوات الخاصة الأمريكية والبريطانية، وأصابوا بعضًا من هؤلاء الجنود الذين كانوا يتحصنون بالمتاريس بين أسوار الحصن الداخلية والخارجية.
وقد قصفت قوات التحالف الأسرى من طالبان براجمات الصواريخ والهاون، وفتحت نيران المدافع الرشاشة والبنادق الآلية بصورة وصفتها الجارديان بـ “المدمرة”، ومع منتصف يوم الثلاثاء 27-11-2001 كان المتبقي من (400 أو600) أسير ثلاثةَ أسرى فقط، رفضوا كل عروض الاستسلام التي عرضت عليهم، وهم يصرخون “كلكم أمريكان.. لن نستسلم لكم”.
وحسب صحيفة الجارديان، فإنه بناء على نصيحة من قوات “ساس البريطانية” والقوات الخاصة الأمريكية سكب جنود التحالف الزيت على جدران المخبأ الذي كان يتحصن به المقاتلون الثلاث الذين لم يكن معهم سوى رشاش قصير، ورشاش كلاشنكوف، وفي الثالثة والنصف من عصر نفس اليوم (الثلاثاء)، سُمع هدير دبابة داخل الحصن، وراحت تدهس في طريقها جثث قتلى القصف الأمريكي من الأسرى الأجانب (شيشان وعرب وباكستانيين…وغيرهم)، ثم وقفت على بعد 20 مترًا فقط من مخبأ المقاتلين الثلاثة، وأطلقت أربع زخات متتالية، لتطيح دانات الدبابة بمخبأ الجنود، وساد بعدها صمت الموتى.
وقد أكد “كالاجي” أحد قادة العسكريين في التحالف الشمالي –للجارديان – أن “الطالبانيين” أُبيدوا تمامًا، وقال: “لقد فتشنا كل الحجرات، ولم نترك واحدة، علنا نجد واحدًا أو اثنين على قيد الحياة، ولكننا لم نجد”.
وقد ترك المنظر النهائي للحصن الذي كان “أخضر” انطباع المذبحة في مخيلة شهود العيان الذين شاهدوا مذبحة للآدميين، ومجزرة للأشجار التي كانت به، والآلاف من فوارغ المقذوفات، وشظايا قذائف القصف الأمريكي، وانتشار مئات الجثث بساحة الحصن. وحسب مصادر الجارديان، فإن القوات الخاصة البريطانية والأمريكية هم الذين أداروا المذبحة؛ حيث لعبت طائرات AC130 دورًا حاسمًا في إخماد تمرد السجناء بقلعة جانجي بقصفها مستودع الذخيرة بالحصن المليء بالألغام، وقذائف الهاون، وذخائر أخرى. [292]
وفي هذه الأجواء بدأت ملحمة الأسرى المسلمين حين رفض المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة اضطلاع المنظمة بأمر هؤلاء الأسرى؛ بحجة أن المنظمة لا تملك من الإمكانيات ما يمكنها من ذلك!… الأمر الذي أفسح المجال أمام واشنطن للإعلان عن إعداد خطط لمحاكمة الأسرى، سيما من القاعدة أمام المحاكم العسكرية الأمريكية في إحدى القواعد البحرية الأمريكية، في كوبا وفي جزيرة غوام بالمحيط الهادي .. فكانت ملحمة جوانتانامو التي بدأت يومئذ دون أن تحدد لها نهاية أو يجري حديث حول نهايتها.
أعلن دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي في 27/12/2001 أنه سيتم نقل معتقلي منظمة القاعدة وطالبان إلى “جوانتانامو” الواقعة جنوب شرق كوبا. ويرجع تأسيس قاعدة “جوانتانامو” إلى عام 1898م، بعد نزول مشاة البحرية الأمريكية في خليج “جوانتانامو” خلال الحرب الأمريكية الأسبانية، وتبلغ مساحتها 116 كيلو مترًا مربعًا.
وبالفعل بدأ الجيش الأمريكي في نقل المجموعة الأولى من أسرى تنظيم القاعدة وحركة طالبان إلى قاعدة “جوانتانامو” الكوبية، وأقلعت أول طائرة عسكرية أمريكية من مطار قندهار الخميس 10-1-2001. وفي هذه الأثناء ذكرت إذاعة “بي بي سي” أن منظمة “هيومان رايتس ووتش” لحقوق الإنسان أبدت قلقها من المعاملة السيئة التي يتعرض لها معتقلو القاعدة وطالبان؛ حيث تم تكبيل أيديهم وأرجلهم بالمقاعد طوال الرحلة التي تستمر 24 ساعة، ومنحهم مواد مخدرة.[293]
كانت هذه هي البداية وهي منبئة لا شك عن المسار والمصير المنتظر لهؤلاء الأسارى، والتي وإن خرجت عن النطاق الزمني لهذا التقرير، إلا أنها تمثل التأكيد الأخير على الحقيقة التي كشفتها السطور السابقة، والتي هي مصداق القول المحكم الحكيم: “إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون”- الآية 2/سورة الممتحنة، “لا يرقبون في مؤمن إلاٌَولا ذمة وأولئك هم المعتدون”- الآية 10/ التوبة.

ثانيًا- ترتيبات ما بعد طالبان: إعادة بناء أمة بأمر من الخارج

1- المسألة السياسية/الأمنية: مؤتمر بون والقوات الدولية

عقب الاستيلاء على كابول 13/11 كانت هناك إشارات إلى احتمال سعي رباني ومجموعته إلى الانفراد بالأمر، وفرض أنفسهم كأساس لصيغة الحل المنتظرة والاستئثار بالسلطة، تلك المخاوف التي نفخت فيها إسلام آباد ومجموعة ظاهر شاه كثيرًا، خاصة عندما منع هؤلاء الطاجيك حلفاءهم الهزارا الشيعة من دخول كابول، وأعلن رباني -الذي عاد إلى كابول السبت 17/11 بعد أن كان قد وعد الأمريكان والأمم المتحدة بعدم دخولها إلا بعد تشكيل حكومة انتقالية جديدة- اعتزامه عقد مؤتمر أفغانى موسع داخل كابول، فيما فسر على أنه محاولة لانتقاء المؤيدين والمتعاطفين معه لاختياره رئيسًا للبلاد. بدا أن روسيا وإيران تساندان هذا المسعى الأخير نسبيًا خاصة مع سباقهما لفتح سفارتيهما في كابول في هذا التوقيت قبيل باكستان التي كانت الثالثة … هذا على الرغم من حرص وزير الخارجية عبد الله ساعتها على نفي نية فرض الحل الخاص[294].
وفي 14/11 كان مجلس الأمن قد أقر بالإجماع خطة سياسية قدمها الأخضر الإبراهيمى لتشكيل حكومة في أفغانستان بعد رحيل طالبان، قامت بصياغته فرنسا وبريطانيا، يحث الدول على “ضمان سلامة وأمن المناطق التي لم تعد تحت سيطرة طالبان”، وأن الأمم المتحدة يجب أن تلعب دورًا رئيسيًا في مساندة جهود الشعب الأفغانى لإقامة حكومة انتقالية جديدة ذات قاعدة عريضة، كما حدد الطريق نحو إنشاء “قوة أمنية متعددة الجنسيات” لحراسة المدن الكبرى. وفي المقابل جاء أول بيان رسمي من الجبهة المتحدة (التحالف الشمالي) أمام الجمعية العامة بأن حكومة رباني ستذعن لعملية تقودها الأمم المتحدة لإنشاء حكومة ديمقراطية في أفغانستان بعد طالبان[295].
وهكذا، تسارعت وتيرة الاتصالات في إسلام أباد منذ 15 /11 لتشكيل حكومة ائتلافية موسعة في العاصمة كابول في مرحلة ما بعد طالبان؛ حيث توجه فرانشيسك فندريل نائب مبعوث الأمم المتحدة إلى كابول ليلتقي مسئولي الفصائل الأفغانية لبحث صيغة تشكيل هذه الحكومة والإعداد لمؤتمر أفغاني-أفغاني تحت مظلة المنظمة، والتفاوض بشأن مكانه (الإمارات في البداية)؛ الأمر الذي ناقشه قبله جيمس دوبنز –المبعوث الأمريكي الخاص المكلف بشئون المعارضة الأفغانية- مع هذه الفصائل ومع إنعام الحق وزير الدولة الباكستاني للشئون الخارجية ..وانتهى باتفاق بين الجميع على ألا يشكل التحالف حكومة انتقالية في كابول قبل أن يتم الاتفاق بين جميع الفصائل على حكومة ذات قاعدة عريضة، وأن يتم ذلك تحت قيادة وإشراف الأمم المتحدة[296].
لم تلبث أن استقامت الأمور سريعًا حين أعلن الزعماء الشماليون موافقتهم التي بدت جدية على عقد مؤتمر دولي حول مستقبل أفغانستان في دولة محايدة، فيما ألمح المبعوث الأمريكى دوبينز باحتمال أن يُعقد في مطلع الأسبوع القادم في بون، وقال إن قوات التحالف اتفقت مع الأمم المتحدة على المكان والتوقيت، وإن الألمان عرضوا استضافة الاجتماع بعد رفض التحالف عقده في الإمارات، الأمر الذي صادق عليه بتفصيل مطابق وزير الخارجية عبد الله، وكذلك هارون أمين ممثل التحالف الشمالي في الأمم المتحدة في تأكيد على مبدأى إشراف المنظمة، وتمثيل جميع الفصائل[297]
وأخيرًا أعلنت الخارجية الألمانية 20/11 اعتزامها استقبال مؤتمر دولى لبحث مستقبل أفغانستان السياسي دعيت إليه أربع مجموعات: مجموعة ظاهر شاه، ومجموعة التحالف الشمالي، ومجموعة بيشاور التي يرأسها بير جيلاني، ومجموعة قبرص التي يتزعمها صبغة الله مجددي … فيما لم تبد أي دعوة وجهت إلى أي فصائل الباشتون الرئيسة في الداخل: حكمتيار أو خالص أو محمدي فضلًا طبعًا عن طالبان.[298]
وفي السابع والعشرين من نوفمبر بدأت فعاليات مؤتمر بون حول مستقبل أفغانستان بحضور 28 مندوبًا يمثلون الفئات الأفغانية المختلفة، والتي تحولت إلى مناقشة التفاصيل الخاصة بتشكيل حكومة ما بعد طالبان والدور المنتظر للملك فيها، ومسألة نشر قوة متعددة الجنسيات في أفغانستان؛ الأمر الذي رفضه التحالف الشمالي بشدة بينما أصرت عليه الأمم المتحدة.
كان ممثلو الفصائل الأفغانية الأربعة قد اتفقوا على تكوين مجلس أعلى من عشرين عضوا (أشبه بوزارة) يمثلون كل القوى السياسية في البلاد، ويتولى السلطة التشريعية والتنفيذية لمدة لا تزيد عن 6 أشهر، يختار بعدها حكومة انتقالية تلتزم بوضع دستور جديد وإجراء انتخابات عامة خلال عامين على الأكثر. وفيما انهمك المؤتمرون في اقتراح الأسماء التي ستقود المجلس، كان هناك خلاف واسع حول ترشيح ظاهر شاه لرئاسته، فيما تطرق البحث إلى نسب كل فصيل في كل واحدة من المؤسسات المزمعة إقامتها[299]، بقيت المشكلات الثلاث الكبرى معلقة مع مرور أيام المؤتمر رغم الحفز المتواصل من جانب الأمم المتحدة، الأمر الذي كاد يفجر المؤتمر في اليوم الرابع حين أعلن البشتوني الحاج عبد القدير حاكم ولاية “ننجرهار” جنوب شرقي البلاد ورئيس شورى الولايات الشرقية انسحابه من المحادثات احتجاجًا على عدم تمثيل البشتون بشكل مناسب في المحادثات الجارية، علمًا بأن الرجل جاء كعضو في مجموعة التحالف الشمالي واختلف مع وفده أساسًا؛
وحاول البعض التهويل من شأن هذا الانسحاب، والتحذير من بوادر مواجهة مسلحة في مناطق البشتون، فيما قلل المتحدث باسم الأمم المتحدة في المؤتمر من آثاره .
على كلٍ، فإن لمحة اعتراض أخرى تراءت في شكوى كريم خليلي -وهو أحد أعضاء وفد التحالف الشمالي – من عدم تمثيل الهزارا الشيعة تمثيلًا كافيًا؛ حيث قال: “إن الأمم المتحدة تتحدث عن معاملة نزيهة للقبائل، لكنها هي نفسها تتخذ موقفًا قمعيًا؛ حيث إن كلًا من الأوزبك والهزارا ممثل بفرد واحد في الاجتماع”.
الخلاف الثاني أثير حول: من يقود أفغانستان في هذه المرحلة الفاصلة؟ وكان الترجيح السائد يراوح بين أنصار الملك الذين أجادوا القفز على الأحبال وتقديم بدائل متعددة تتفق جميعها في ضرورة منح الرجل دورًا: إما كرئيس للدولة، أو كرئيس للمجلس الأعلى المتفق على إقامته كبرلمان مؤقت، أو كرئيس لاجتماع اللويا جركا … وبين رباني الذي لم يجد نفس الإصرار والحافزية لدى وفده.
الخلاف الثالث والواسع كان ذلك الخاص بمسألة وجود قوات أجنبية لحفظ الأمن والسلام في أفغانستان، الأمر الذي زاده تعقيدًا اضطراب تصريحات رباني وجنراله فهيم في حين كان الداعي إليه أثناء المؤتمر هو كريم خليلي (من التحالف الشمالي)، على أن تكون تحت مظلة الأمم المتحدة وعززه موقف مجموعة روما. وحتى أجل قصير جدًا استمر موقف رباني أن لا حاجة إلى قوة دولية في أفغانستان، غير أن الرجل سرعان ما عاد –كعادته- وأعلن عن احتمالات التراجع أو المرونة؛ الأمر الذي صرح به وزير خارجيته عبد الله حين نفى الرفض البات للمسألة، وأوضح أنه مجرد تفضيل للاعتماد على النفس. لقد كان الهاجس الأكبر المثار حول هذه القوة الدولية ينطلق من التساؤل: هل ستختص هذه القوة ومن ثم يكون بمكنتها أن تفرض قرارات المؤتمر على الأطراف التي تحاول التملص منها؟! والواقع أن هذا الاضطراب كان للاستهلاك المحلي؛ حيث جرى العمل منذ مطلع الأسبوع الأول من نوفمبر على التأسيس لهذه القوة في أفغانستان.
ففيما كان 100 جندي بريطاني ينتشرون في قاعدة باجرام الجوية شمال كابول بدعوى المشاركة في مطاردة ابن لادن وتصفية القاعدة وطالبان؛ حيث وصلوا مع مجموعة أمريكية على متن طائرات تحمل إحداها العلم الإيراني، كانت أوزباكستان تستقبل طليعة الكتيبة الفرنسية التي ينتظر أن تشارك في المهام الأمنية التي دعا إليها مجلس الأمن وشدد عليها الرئيس الأمريكي في لقائه مع نظيره الفرنسي شيراك 6/11[300].
بيد أن الأيام الأخيرة للمؤتمر انتهت إلى الاتفاق على البند الرئيسي، وهو تشكيل حكومة مؤقتة لمدة عامين تعقبها انتخابات حرة، وتشكيل برلمان متوازن التمثيل عرقيًا، وأرجئت لليوم الأخير (1/12) محادثات المهمة الصعبة الخاصة بطرح الأسماء لشغل المناصب في الحكومة الانتقالية التي سيقتسمها التحالف الشمالي مع أفغان المنفى[301].
وهكذا لم يكن ثمة مبدأ حاكم سوى رغبة الجمع؛ الجمع على غير كلمة سواء، اللهم إلا اعتبارات الأساس العرقي ومراعاة الغايات الغربية التي بدت الولايات المتحدة الراسم الأوحد لها، فيما يقوم الاتحاد الأوروبي كلًا وفرادى والأمم المتحدة بالوقوف على تنفيذها، علاوة على مراعاة التمثيل الضمني الصامت لتوجهات الجوار الأفغاني الفاعل سيما الروسي والباكستاني. بيد أن اللافت للنظر أن الكفة الجوارية كانت لصالح الغريم الإيراني الشيعي الذي بدا أنصاره مسيطرين على مجموعة قبرص (همايون جرير)، ومنبثِّين في وفدي التحالف الشمالي (كريم خليلي)، وبيشاور(حفيظ الله آصف محسني)، في حين فقدت باكستان الطرف الذي يمكن أن يحمل صفة الحليف، اللهم إلا بعض وعود من الجميع ألا يتم تجاهل إسلام آباد وأن تكون هناك مساحة للتفاهم والصداقة معها.
الشيء الذي يعنينا ويتماشى مع الإطار التحليلي لهذا التقرير هو مبحث المنطلقات والسمات الفكرية التي أقرها أو قرَّرها مؤتمر بون صراحة أو ضمنًا؛ فمما لا شك فيه أن الأسس الفكرية التي ينتظر أن تبث في الدستور المزمع العمل فيه من بعد هي التي تبقى فاعلة وسارية في كيان وآليات عمل الدولة عبر مسيرتها. ومن ثم يمكن إيراد الملاحظات الأولية التالية التي قد تمثل بدورها أساسًا لرؤية بعض جوانب المستقبل الأفغانى واحتمالات تطوره، وذلك بشكل شديد العمومية:
§ يلاحظ أولًا أنه جرى إغفال متعمد لهذا الشأن على الرغم من خطورته، وعلى الرغم من كونه محكًا للاختلاف والاتفاق المستقبلي، ويتعلق بالمرجعية المردود إليها عند التنازع. قد يرى البعض أن ذلك كان مناسبًا أمام إرادة الجميع؛ إذ الظروف الحالية تستدعي الردم على كل الخلافات الجذرية والالتفات فقط نحو القضية الأوْلى بالطرح: الأمن والسلام. غير أنه كان يمكن هضم هذا المنطق لو أن المؤتمر حدد مجال فعله في اللحظة الراهنة بغية التحضير للمنطلق الفعلي للمستقبل الأفغاني. وعليه فإنه لا يتسنى تفسير هذا السكوت عن الجملة الأساس في ناتج المؤتمر- وفي ضوء ما صُرِّح به من منطلقات غربية بالأساس- إلا بالرغبة في تغليب اتجاه قد يصعب التصريح به ساعتئذ، أو أن الأفضل هو تركه يسري دون الإشارة إليه، كما تجدر الإشارة إلى أن هذا السكوت إن كان يمكن تمريره اليوم والإغضاء عنه تحت عصف الأحداث الملتهبة؛ فإن الدراية البسيطة بهذا المجتمع الأفغاني المُسَيَّس -ربما أكثر من الكثير من المجتمعات الغربية بل والمُعَسْكَر والذي تتعدد فيه الاتجاهات، سيما بين طرفي الديني والعلماني- هذا السكوت ينبئ عن مخاطر يصعب تقديرها.
§ من الواضح كذلك أن هذا المؤتمر وبناء على الدور الأساسي الذي لعبته الأمم المتحدة خلاله قد رجح كفة طرف لا يمكن تبينه في فصيل محدد، إنما هو منساح ومتقاطع بين أغلب المجتمعين، والذي يمكن في هذا الإطار تبين معالم توجهه السياسي في: الميل إلى تنحية الشرعية الدينية -التي قامت على تكريسها طالبان، ومن قبلها أغلب جماعات المجاهدين خلال الثمانينيات- جانبًا، والميل إلى التوجه الذرائعي الذي يُعلي من قيمة النظر الشخصي في تقدير المصالح، والميل إلى كسب الخارج في جانبه وعدم الاصطدام به سيما الخارج الغربي (13 من وزراء قرضاي يحملون الجنسية الأمريكية)، والميل نحو الاعتماد على أوراق لعب تضمن البقاء، سيما السند القبلي العرقي. وهي الخصائص التي يفضي تحليلها والوقوف على امتداداتها المعنوية والموضوعية، إلى تبين بعض ملامح القيادة الأفغانية في المرحلة القريبة التالية.
§ هذه السمات من ناحية أخرى والتي تفضي تلقائيًا إلى احتمالات الاعتماد على القوة الدولية في الحفاظ على البقاء والأداء، وإلى السعي إلى تركيب دولة على النمط التحديثي الغربي ومؤسساته، وبما يضاف إليه من تعديلات مجتمعية خاصة بالتعليم والإعلام والمرأة والطفل وغيرها، مفروضة صراحة ومشترطة للبدء والاستمرار في العملية الدولية المسماة “إعادة إعمار أفغانستان”…هذه النضوحات الضرورية يمكن الانطلاق في أحلام تحقيقها السلمي والهادئ حال إغفال البعد الأهم المتمثل في طبيعة الثقافة الشعبية للمجتمع الأفغاني، التي تميل إلى التحفظ والحفاظ على تقاليد مختلطة غالبًا بما هو ديني مقدس. هل سيتخلى المجتمع الأفغاني بسهولة عما عبر عنه البعض بـ”عُقده الثقافية”، فيما بادر بعض آخر وبشَّر بوقوعه لمجرد أن رباني ورجاله وافقوا على التواجد الأجنبي في كابول؟ وهل هذا الشعب الذي مد يد الحاجة إلى الأمريكان لتعاطي الغذاء والدواء مستعد للخضوع لأوامر القوات الأجنبية في الداخل طويلًا؟! وبالمرة هل سيتجاوب هذا المجتمع مع دعوات السفور والمشاركة النسائية والاختلاط في العمل والتعليم وخلافه؟ هذا ما سوف تسفر عنه الأيام القريبة القادمة.

2.المسألة الاجتماعية الثقافية: الشعب والمرأة وإعادة الإعمار

كانت الفقرة الشعبية إحدى المكونات الأساسية لمشهد التداعي الطالباني؛ حيث حرصت الدعاية الغربية على إبراز بعض الصور التي تبدي وكأن قطاعًا عريضًا من الشعب الأفغاني قد انطلق لتوّه من الأسر الطالباني؛ ليهرول الشباب إلى دور السينما، وإلى حلق اللحى ويعبر الحلاقون عن امتنانهم للأمريكان، وتنطلق جموع لارتياد المزارات والأضرحة التي طال وصدها، وتنزع مجموعة من النساء الحجاب معلنات أنهن اليوم أتيحت لهن فرصة تنسُّم عبير الحرية.. وتتوارد صور المحلات الجديدة التي تبيع أجهزة التلفاز وتعرض شرائط الفيديو والكاسيت وصور الممثلات الهنديات والأمريكيات، بل ويتراقص جمع من الأفغان على أنغام الموسيقى التي سبق أن حرمتهم منها طالبان. ومنذ سيطرة التحالف الشمالي على كابول كان هناك سباق مع الزمن على حد تعبير وكالة رويتر لتشغيل إرسال تليفزيون كابول، وعاد مقدمو البرامج إلى العمل، وبينهم المذيعة التي وصفتها الوكالة بالمحنكة ليدا عظيمي، وعرضت رويتر صورة لفتاة تدعى مريم شاكيبار(16 عامًا) تقدم أول بث مساء 18/11 وقد قدمت مذيعتان آخر الأنباء في راديو أفغانستان لأول مرة منذ خمس سنوات[302]
كان هذا تعبيرًا إعلاميًا لِما تعد له الحكومات والمؤسسات الغربية باسم إعادة بناء أفغانستان؛ ففي واشنطن 19/11 عقد اجتماع لوضع خطة للبدء في إعادة إعمار أفغانستان ترأسته الولايات المتحدة واليابان، وحضره مندوبو 12 دولة غنية أخرى وعدد من المؤسسات( البنك الدولي، بنك التنمية الإسلامي، الاتحاد الأوروبي)و في افتتاحه أعلن كولن باول أنه سيتم تشكيل “مجموعة قيادة” لتقدير وتقويم حاجات أفغانستان، ووضع خطة تؤكد التزام دول التحالف الدولي بالعمل للمساعدة في بناء أفغانستان لم ينس باول أن يرسم مدرجاته المنطقية المعهودة: إن عملية إعادة الإعمار لن تتم دون الشريك الأفغاني، والذي لن يتواجد إلا في صورة حكومة موسعة ذات قاعدة عريضة، والتي لا تتحقق بدورها بغير دور للنساء: “إن هذه الجهود للبناء والإعمار يجب أن تضمن مشاركة ودورًا للمرأة في التخطيط لذلك البلد”[303].
وهكذا، طرحت الأطراف الغربية ضمن مسألة ما بعد طالبان -بقوة وصراحة بالغتين- قضية المرأة الأفغانية سيما من جهة ضرورة مشاركتها في الحكومة الائتلافية المرتقبة؛ حيث أكد الرئيس رباني أن “النساء يجب أن يتمتعن بحق التصويت في الانتخابات العامة المقبلة في أفغانستان”، وقال في رسالة موجهة إلى مؤتمر حول النساء الأفغانيات عُقد 15 / 11 في السفارة الإيرانية(!) في طشقند:” بعد طرد طالبان ستعاد حقوق النساء بحيث سيتمتعن بحق العمل وحق التصويت”. الطريف أن ذلك جاء تزامنًا مع عقد ما عرف بالقمة الاستثنائية للمرأة العربية في القاهرة يومي 12 و13 / 11، بمشاركة 21 دولة وإقراره إنشاء “منظمة المرأة العربية”، والتي أقر مجلس الجامعة العربية مشروع إنشائها[304]، ويكأن مناقشة ومعالجة قضية المرأة المسلمة ومشاركتها في الأمر العام صارت فرض الوقت العيني الذي يجب أن تتوقف عليه كافة الجهود!
تلا ذلك زخم أمريكي وغربي ضخم حول المرأة الأفغانية؛ فصدر تقرير عن الخارجية الأمريكية يدعو هذه المرأة أن تحدد بنفسها دورها في الحكومة الجديدة؛ موضحًا أن المرأة ضمن المجتمع الأفغاني كانت ضحية القمع الطالباني في حرمانها من التعليم والتأمين والرعاية الصحية أو حتى إمكانية تحركها بحرية في الطرق العامة “وهو ما لا يتفق مع الشريعة الإسلامية”. وأورد التقرير واقعة جلد امرأة أفغانية مائة جلدة في مكان عام أمام مرأى ومسمع من “ملايين”(!!) الأشخاص بعد أن شوهدت في الطريق بصحبة رجل غريب عنها، ولا يمت لها بصلة قرابة” وغير ذلك من الروايات التي لم تؤكدها مصادر أخرى”.[305]
ومن ناحية أخرى خصصت لورا بوش الخطاب الأسبوعي للبيت الأبيض -الذي كان قاصرًا على زوجها- لمهاجمة سياسات طالبان القاسية ضد المرأة…”التي تعاقب المرأة على الضحك بصوت عال”، ذات الأمر الذي فعلته شيري بلير قرينة رئيس الوزراء البريطاني في مؤتمر صحفي في مقر رئاسة الوزراء 19/11 حضرته مجموعة عُرِّفن كلاجئات أفغانيات؛ حيث تكرر التأكيد على أن برنامج التنمية الأفغاني سيستمر أكثر من 20 سنة، وأن تعليم المرأة وإشراكها في الحياة الأفغانية “واحد من شروط التسوية السياسية ستفرضه الأمم المتحدة”[306]، ثم تتابعت تصريحات كولن باول وكوندوليزا رايس على تأكيد هذا الأمر والتحريض عليه؛ كقول باول:
“إذا كان القادة الأفغان يرغبون في تشكيل حكومة ذات صفة تمثيلية، تعكس تطلعات الشعب الأفغاني بكامله عليهم إشراك نساء في هذه الهيئة السياسية”[307]
وفي العشرين من نوفمبر احتشدت نحو 200 امرأة أفغانية في أحد أحياء كابول من دون حجاب للمطالبة بحقهن في العمل والتربية، بيد أن الصحيفة التي عنونت لذلك بـ” تظاهرة نزع حجاب في كابول” أضافت أن معظم الأفغانيات في كابول(!) لا زلن محجبات، وأن عددًا محدودًا منهن هن اللاتي استأنفن العمل في الأيام الماضية خصوصًا في المنظمات الإنسانية.[308]
هكذا انتبهت السياسات الخارجية الأمريكية والغربية فجأة إلى أن هناك وراء جبال هندكوش الجرداء نساء تعانين -مثل رجالهن وأبنائهن وإخوانهن- الجوع والخوف، وأن الشيء الذي سيطعمهن من جوع ويؤمنهن من خوف هو مشاركتهن في الأمر العام وخروجهن أي خروج. بيد أن اللافت للنظر هو درجة قابلية المسلمين والمسلمات لمثل هذه التدخلات في شأن هو من صميم شئون الشريعة! إن الدرجتين العاليتين اللتين بدت عليهما المشروطيات الغربية الصفيقة والقابلية أو الخضوعية الإسلامية لها تنذران بأننا على أعتاب صفحة أكثر شراسة من صفحات العولمة الطاغية الشاملة. إن اختيار الغرب للمرأة كمدخل وشرط لإعادة البناء في الأمة علاوة على الموازاة لموضوع التعليم والخطاب الدينيين ليس إلا بداية مسيرة يزمع الغرب فيها قلب الأسس التي تنهض عليها بقايا أمة الإسلام.

ثالثًا- المنطقة بعد طالبان: أي التحالفات تبقى أو تسود؟

قبيل الحادي عشر من سبتمبر2001 كان هناك على هذه الساحة تحالفان رئيسان: تحالف الشمال الأفغاني، وتحالف شنغهاي-موسكو المشار إليه سلفًا. وعقب هذا اليوم ظلَّل ما عُرِّف بالتحالف الدولي ضد الإرهاب هذين التحالفين؛ إذ اتفق الثلاثة وقتيًا على مواجهة عدو مشترك انتهى إلى تعيينه في طالبان والقاعدة، وهاهي طالبان قد غادرت موقعها .. فما الجديد على حال التحالفين الأولين وأطرافهما؟
لا شك أن ترتيبات مؤتمر بون تمكنت -من حيث تقصد أو لا تقصد- من إذابة التحالف الشمالي الأفغاني، وإرسال قياداته القديمة التي آثرت مطاوعة الأمريكان إلى ظل لا ظليل انتهى بتراجع رباني، وتسليمه قصر الحكم في كابول لحامد قرضاي، الذي تسلم مهام منصبه كرئيس للحكومة الانتقالية 22/12 .
وعلى الناحية الأخرى فقد أظهرت الأحداث الأخيرة نتيجة في غاية الأهمية فيما يخص الجوار الأفغاني. إن دخول الولايات المتحدة على نفس خط شنغهاي– موسكو من خلال تحالفها الأكبر والأشمل، كان بمثابة إزاحة كاسحة لهذا الجهد الإقليمي السابق وإعطاء الأولوية لأن تتعامل دول الجوار هذه مع الولايات المتحدة فرادى، وأن تغض الطرف ولو مؤقتًا عن قواعدها الخاصة في إدارة اللعبة؛ الأمر الذي يعني ضرورة الوعي بالأثر الخاص الذي يلعبه تدخل القوى العظمى في الصراعات الدائرة على حواف الأمة وفي قلبها.
وعلى الرغم من التحزب الكامل وراء المساعي الأمريكية حتى التقهقر الطالباني؛ فإن بوادر الارتياب والخلاف تجاه الولايات المتحدة وما بعد طالبان ظهرت في الأفق، علاوة على عودة الخلافات الإقليمية بناء على حساباتها الأساسية المختلفة.
ثلاث مسائل كبرى وقفت إزاءها مجموعات دول الجوار حائرة بين المعالجة المضطربة وبين اللاحراك؛ ففيما يتعلق بـ”أفغانستان ما بعد طالبان” بدا التدخل من جانب كل من روسيا وباكستان وإيران قلقًا ومشدودًا بين النظر في العيون الأمريكية، وبين المراهنات على الداخل الأفغاني المتشرذم، وبين مساعي إرضاء الرأي العام الداخلي بكل من هذه الدول الثلاث؛ فعلى النقيض من الموقف الباكستاني، وقفت روسيا وإيران بشكل سافر وراء قوات تحالف الشمال الأفغاني، وحيَّت الدولتان دخول هذه القوات المبكر إلى كابول. كانت إيران هي الأكثر حركة والأكثر حرصًا في حركتها بغية حجز موطئ قدم لشيعتها من الهزارا في المستقبل المترائي لأفغانستان.
وفي هذا فقد وُجه الموقف الروسي المتردد بتجاوز غربي آل به إلى مزيد من الاضطراب الظاهر؛ فعقب تأكيد موسكو على تأييدها لحكومة رباني كأساس جيد لإيجاد موقف موحد في أفغانستان، عاد وزير الخارجية الروسي ليؤكد أن بلده تعمل بالتعاون مع الأمم المتحدة، ولا تسعى لأن تكون في كابول حكومة تقوم على طرف واحد[309]
ومن ناحية أخرى، فإن إسلام أباد ألفت نفسها في هذه الفترة مضطرة للدفاع عما اقترفت وعما لم تقترف؛ فاستغرقت في الدفاع عن مآلات موقفها، سيما فيما يتعلق بصياغة المستقبل الأفغاني ودورها، فيه والعمل تحت مظلة الأمم المتحدة، خاصة مع الإشارة إلى التداخل وربما التضارب بين الخطة الباكستانية–السعودية، وبين خطة الأمم المتحدة التي عرضها الإبراهيمي وصدر بها قرار مجلس الأمن. وتوالت مطالبات باكستان المستمرة بضرورة كبح جماح تحالف الشمال المعروف بعدم ميله إليها… علاوة على اجتهادها في نفي العديد من الاتهامات المتوالية الموجَّهة إليها من وجود قوات أو خبراء عسكريين باكستانيين إلى جوار طالبان، ونفي أنباء ترددت عن فرار الملا عمر وابن لادن عبر الحدود الباكستانية، والتأكيد على إغلاق الحدود والتحكم بها سواء لمنع تدفق اللاجئين أو تسلل الهاربين [310].
وعليه، أعلنت الخارجية الباكستانية في20/11 إغلاق آخر قنصليتين لطالبان في أراضيها (في بيشاور وكويتا)، وإن تركت سفارة طالبان في إسلام أباد مفتوحة مؤقتًا؛ وذلك بعد أن أعلن وزير خارجية باكستان عبد الستار عزيز 19/11 أن بلاده لم تعد تعترف بحكومة طالبان[311].
ومما هو جدير بالذكر أن أغلب الفرقاء الذين طمعوا في الجائزة الأمريكية بعد النصر قد شعروا بخيبة الأمل إزاء الإعراض الغربي عن مؤازرتهم في مواقفهم الخاصة بهم. غير أن علامات اليأس من هذه المؤازرة لم ترتسم كاملة، تحديدًا فيما يتعلق بالشيشان وتركستان الشرقية، وكذلك ما يتعلق بالموقف الباكستاني ومستجداته في كشمير التي كانت كفة الهند تزداد رجاحة فيها. لم يمنع هذا الإعراض الأمريكي عن التأييد الرسمي لهذه الدول أن تمضي ذاتيًا في معاركها الخاصة ضد المسلمين؛ فعادت المواجهة في الشيشان للتوقد، فيما راحت الهند تعد العدة لتصفية الوجود الجهادي في كشمير، وتصدر التشريعات من قبيل قانون P.O.T.O الذي انصب على مطاردة المسلمين، وتقييد تحركاتهم بدعوى الإرهاب[312] .
المسألة الثانية كانت مسألة التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة الذي حظي بالنصيب الأكبر من اهتمام المراقبين لمرحلة ما بعد طالبان؛ فلم تخفِ الصين على وجه التحديد ارتيابها، ودعت بأساليب مختلفة إلى أفضلية –وليس وجوبية- إنهائه لانقضاء مهمته المعلنة؛ الأمر الذي قابلته واشنطن بمزيج من التحايل واللامبالاة[313].
وعلى الجانب الآخر، برزت الهند وجمهوريات آسيا الوسطى في جانب الرضا والسعي للاستفادة من هذا التواجد وضغوطه على القوى المناوئة. ذلك في حين وجهت وكالة “إيتار تاس” الحكومية انتقادات واسعة إلى القيادة الروسية بسبب ما وصف بممالأتها للولايات المتحدة بما آل إلى تعزيز الوجود الأمريكي في آسيا الوسطى وطاجيكستان: “إنه فشل ذريع للقيادة الروسية… إنها اختارت أن تسير في صورة سلبية في ركاب الاستراتيجية الأمريكية”[314].
وهكذا تضافرت هاتان المسألتان الأوليان في توجيه الثالثة: نحو المزيد من التضييق والملاحقة للإسلاميين في هذه المنطقة وفيما حولها. فلم تكد تهدأ الأنفاس من المعركة الأفغانية حتى استدار نظام الجنرال مشرف في خط شديد الحدة يرمي صراحة إلى تنظيف البيت من بقايا أو علائق طالبان والقاعدة الممتدة في باكستان، في عمليات متوازية من اعتقال القادة، وتحجيم دور ومساحة المدارس الدينية الأهلية وحظر العديد من الأنشطة المتعلقة بنصرة المجاهدين في كشمير ومناطق الزخم الإسلامي القريبة.
وفي مبتدأ هذا اعتقلت السلطات الباكستانية شمال غربي البلاد رئيس حركة “نفاذ الشريعة” (ربما الترجمة الأصح: تطبيق الشريعة) مولانا صوفي محمد المؤيد لحركة طالبان لدى عودته من أفغانستان 18/11 بعد أن كان قد قاد آلاف المتطوعين من رجال القبائل الباكستانية إلى أفغانستان للانضمام إلى طالبان في حربها، والذين بدأوا العودة إلى وطنهم عقب التداعي على رواية فضل الله ابن الزعيم المعتقل[315].
وبالمثل استقبلت أوزباكستان وطاجيكستان وقيرغيزيا بالبِشر النبأ الذي أكده عبد الرشيد دوستم (19/1) حول مصرع جمعة نمنجاني (37 سنة)- قائد الإسلاميين الأوزبكيين المتحالفين مع طالبان- وأربعة وعشرين من رجاله في قندوز إبان حصارها. كان نمنجاني قد شارك في الحرب الأهلية في طاجيكستان إلى جانب الإسلاميين علاوة على عدد من العمليات في وادي فرغانة ضد أنظمة الحكم بالمنطقة[316].
وهكذا اتفق الجوار الأفغاني على عدم تكدير الانتشاء الأمريكي والغربي بالانتصار، وترك مهمة ترتيب البيت الأفغاني الجديد كغنيمة خاصة بالزعيم المنتصر، وكتم الهواجس التي ينذر بها التواجد الأمريكي الاستراتيجي الجديد في المنطقة، بل والسعي لتوظيف هذا النصر والتواجد لصالح المزيد من استئصال الظاهرة الأصولية، الأمر الذي يطرح التساؤل حول مدى إدراك أسامة بن لادن ومَن حوله لحقائق التفاعل الدولي هذه، حين فتح الجبهات كلها على مصاريعها، وحين خص الولايات المتحدة بالقدر الأكبر من المحاربة والاستعداء!!

وأخيرًا، فإنه بناءً على ما تمخض عنه مؤتمر بون، وما أسفرت عنه بوادر عملية إعادة البناء هذه، وعلى ضوء الثوابت والمتغيرات الأفغانية المحلية والإقليمية والدولية الأخيرة، يمكن أن نؤشر بإيجاز على بعض دلالات ممتدة لهذه الفترة على النحو التالي:

‌أ.على المستوى الأفغاني ثمة حالة من القلق السياسي والعسكري والمجتمعي يُنتظر أن تظل مسيطرة على المسيرة القريبة للوضع المنبثق عن الحرب ومؤتمر بون، تستبقي الجميع دائمًا في حالة توجس وانتظار لما يمكن أن يقطع الوتيرة، الأمر الذي يغري الكثيرين من الخاسرين في هذه المعادلة بإحداث هذا القطع، وفي ذات الوقت يسهم في إعاقة الحكومة الراهنة عن الأداء وفق قناعاتها المجرَّدة لتجد نفسها أسيرة توازنات عديدة قد تؤول بها إلى الجمود والتصلب… الأمر الذي يفتح بدوره المجال أمام احتمالات قوية للتحريك من الخارج وتحت مظلته.
‌ب. وعلى المستوى الإقليمي، فإنه ربما كانت الحقيقة الكبيرة الباقية تتمثل في وقوع الأمر الذي عدَّه الكثيرون بمثابة المحظور الأكبر، والعقبة الإقليمية الكئود أمام التحالف ذي القيادة الأمريكية: انتشار القواعد العسكرية الأمريكية في آسيا الوسطى ملاصقة لدول الجوار الأفغاني الكبرى. لا شك أن هذا يعد لغمًا قابلًا للانفجار مستقبلًا إذا ما اختلت الخطوات الأمريكية تجاه روسيا أو الصين أو الهند، أو غيرها من القوى الإقليمية التي لا يمكن التأكيد على قناعاتها بأفضلية استمرار هذا الاقتراب الأمريكي المثير للقلق والمخاوف. كما أن العلاقات الإقليمية في هذه المنطقة قد تبقى بدرجة ما رهينة التفاعلات الثنائية مع الغريم الأمريكي، ومتأثرة بشكل أو بآخر بالمسار المرتقب للأصوليين الإسلاميين، بعد اكتمال عملية انسحابهم من الموقعة الطالبانية.
‌ج. وأخيرًا، فكما أنه يصعب تحرير القول حاليًا في انعكاسات هذه الأحداث والسياسات على المنظومة العالمية، فإنه لا يتيسر أيضًا التفصيل في تبين الموقف الكلي للأمة الإسلامية ككيان حضاري متميز نوعيًا، ومن ثم يمكن إيجاز الأفكار الأساسية في ذلك في حقائق ترتبط عادة بالأقدار المتجددة أو المستجدة، والتي يمكن رصد أهم ملامحها على النحو التالي:
– إن الإضافة القدرية الرئيسة التي راكمت -كامتداد منطقي- على عمليات الانفعال القريبة والتفاعل النفسي للأمة تتمثل في تأكيد -وزيادة كشف- حقائق التداعي ومواطن الوهن، سيما مع تزامن وتوالي الهمٌ الأممي في كل بقاع الأمة المسلمة، ونقل الصورة الحيَّة لذلك عالميًا، وتوكيد حالة المطاردة العالمية للمسلمين في الغرب والشرق بدعوى العلاقة مع ما عُرِّف أمريكيًا بالإرهاب.
لا خلاف على أن أثر هذه الإضافة لن يكون واحدًا، وليس من اليسير رسم دالة معبِّرة عن مجمله، بيد أن الشيء الذي يلفت الأكثرون النظر إليه هو انعكاس هذه الإضافة الكاشفة على تيارات ما يُعرف بالحركة الإسلامية وتزايد احتمالات التحول فيها إلى خط المواجهة مع الداخل من جهة، ومع الولايات المتحدة والتحالف الذي تقوده من الجهة الأخرى.
– وبالمثل أزهقت هذه الأحداث العديد من بقايا أفكار الاستقلال السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي لأقطار الأمة، وإمكانية أن يستند الفرد أو الجماعة على أنظمتها في الدفاع الدبلوماسي أو غيره عن حقوقهم كأفراد أو مواطنين في ذمة هذه الأنظمة..بما تضافرت على تأكيده الخطوات الغربية في الفترة التالية لـ 11/9، ثم ردود الفعل المحسوبة على العالم الرسمي للمسلمين، ثم مذابح شمال أفغانستان ومخزاة جوانتانامو الممتدة، والملاحقات البوليسية والاعتداءات الغربية على العرب والمسلمين أفرادًا وجماعاتٍ ومؤسسات، فيما يعني ترسيخ حالة الشرذمة داخل الأمة وفروعها، وحالة التبرؤ المضاد (تبرؤ الأفراد من الدول ومن الأمة نفسها)، وتوابع ذلك كله، بما يختلف المتفائلون والمتشائمون حول ما وراء مداه القريب.
وختامًا، فقد تفتق عن هذه العصفة التاريخية أمارات شعور أو وعي أممي عام بخطر محدِّق، تطاول حتى تصوَّب تجاه “البقية الباقية” من ذاتية وكيان هذه الأمة، ألا وهي دينها وتمسكها بأصوله، هذا التمسك الذي أضحى –بدوره- على المحكّ في العلاقة بين عالم الإسلام وعوالم الغرب والشرق، فيما عبَّر عنه البعض من قبل بالصراع بين الحضارات، وفيما يمكن الإقدام اليوم على تعريفه بـ “الحرب العالمية على الإسلام غير أو ضد الغربيِّ” تحت العنوان الصريح الذي صرح به الرئيس الأمريكي أمام ملئه وفي وجه كل البشر: “إما أن تكونوا معنا وإما أن تكونوا مع الإرهاب”. ولا تزال عمليات التوليد والإضافة والإزاحة في قضايا ومكونات الأمة تترى بغير ما انقطاع في تربُّص عام من الكافة، وكما قال الرب –تبارك وتعالى-: (قل كلٌ متربصٌ فتربَّصوا، فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى) [الآية 135/سورة طه].
*****

الهوامش:

1. هناك مراجع ومصادر كثيرة يمكن الرجوع إليها في تعريف هذا الكيان، انظر عصام دراز، العائدون من أفغانستان: مالهم.. وما عليهم (القاهرة، الدار المصرية للنشر والتوزيع، ط1،1413هـ=1993م).
– وانظر: حامد عبد الماجد: الأفغان العرب..محاولة للتعريف: أسباب نشأة الأفغان العرب في:
http://www.islamonline.net/arabic/famous/2001/10/article2-a.shtml
– معتز محمد سلامة، انعكاسات الصراع الأفغاني على دول الجوار (1992-1997) في: إبراهيم عرفات (محرر)، القضية الأفغانية وانعكاساتها الإقليمية والدولية (القاهرة: مركز الدراسات الآسيوية بكلية الاقتصاد-جامعة القاهرة،1999).
2. حول الأصولية والأصوليين في الغرب انظر:
· برنارد لويس وإدوارد سعيد، الإسلام الأصولي في وسائل الإعلام الغربية من وجهة نظر أمريكية (دار الجيل، بيروت، ط1، 1414هـ=1994م) وهو كتاب يشتمل على مقال للأول وثلاثة للأخير تجلي مدى المنابذة للإسلاميين بهذا الاسم، الأمر الذي لم يسلم منه مَن يُعرفون بالمعتدلين، حتى من وفق منهم لاعتناق الإسلام وحول هذا انظر أيضًا:
· محمد عمارة، الأصولية بين الغرب والإسلام (القاهرة، دار الشروق،ط1،1418هـ=1998م)؛ حيث يقدم تعريفًا للمفهوم في الاصطلاح الغربي “وبالمفهوم النصراني”، ص ص 5-7 ثم يعقد ثلاثة فصول أخرى يفند فيها كتاب “الأصوليات المعاصرة: أسبابها ومظاهرها” للفيلسوف الفرنسي المسلم روجيه جارودي. وإذا كانت هذه المصادر تعبر عن رؤى غربية “فكرية” فإن ربتشارد نيكسون الرئيس الأمريكي الأسبق تميز بإبراز الجانب السياسي المراسي لهذا الإدراك سيما من خلال كتابة Seize the Chance ومن خلال:
· ريتشارد نيكسون (إعداد وتقديم المشير عبد الحليم أبو غزالة):1999 نصر بلا حرب (القاهرة؛ مركز الأهرام للترجمة والنشر، ط3،1412هـ=1991م) ص ص284 وما بعدها، 307-309
3. ميشيل نوفل، “اللعبة الكبرى” في آسيا الوسطى: الأزمة الأفغانية والاستقطاب الجديد، شئون الأوسط، ع75 (بيروت، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق،سبتمبر 1998) ص ص 7-15، وانظر:
– ماجدة صالح، الصعود السياسي لطالبان؛ (في): إبراهيم عرفات (محرر)، القضية الأفغانية..، مصدر سابق، ص ص 102-115.
4. شيرين حامد فهمي، من هم طالبان؟ (إسلام أون لاين 20/9/2001):
http://www.islamonline.net/arabic/politics/2001/09/article25.shtml.p1of9
5. المصدر السابق، ص ص 2-5.
6. نفسه، ص ص3-5 وانظر بديعة محمد عبد العال حمودة، الطالبان والحكومة الجديدة في أفغانستان، شئون الشرق الأوسط، ع1، (القاهرة، مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس،2002)، ص ص 28-30.
7. تعددت المقالات ذات التوجه العلماني التي قدمت طالبان بهذه الصورة ومن أهمها: عبده مباشر، أمير المؤمنين الأفغاني، الأهرام 25/3/2001، وفيه يصف الملا عمر بـ(الفرد المطلق السلطان وصاحب الأمر والنهي، الذي لا راد لأوامره باعتباره أميرًا للمؤمنين يحكم بمقتضى فهمه المحدود للإسلام… {و}… رسول الإرادة الإلهية وحامى حمى الدين) وكرره في مقال آخر:
– عبده مباشر، طالبان ..والوفد الإسلامي، الأهرام 5/5/2001. وانظر وتابع:
– أحمد عبد المعطي حجازي، الطالبان يقلدون الأمريكان؟ الأهرام 28/3/2001
– أحمد عبد المعطي حجازي، هادم البشر يهدم الحجر! الأهرام 21/3/2001 وفيه يقول:
“خلط الدين بالسياسة خطر ماحق وشر مستطير، لأنه تشويه للدين والسياسة معًا”… “ولقد تعلمنا من القرآن الكريم أنه لا إكراه في الدين، فكل سلطة تقوم باسم الدين سلطة طاغية باغية، ونحن نخضع للسلطة لكن بشرط أن تكون سلطة مدنية ترعى شئوننا الدنيوية وتلبي مطالبنا المادية، وتترك لنا تدبير أمورنا الدينية التي لابد أن نكون فيها أحرارًا”. وانظر رؤية مغايرة:
– محمد إبراهيم مبروك، الإسلام والغرب الأمريكي بين حتمية الصدام وإمكانية الحوار (نظرية في دوافع الصدام واحتمالات المستقبل)، القاهرة، مركز الحضارة العربية، 2002، ص ص 310-315.
8. شيرين حامد فهمي، مصدر سابق، ص ص 4-6. وانظر:
– شهادة على تجربة طالبان..حوار مع فضيلة الشيخ غلام الله رحمتي، البيان، ع: 170، شوال 1422هـ= يناير 2002، ص ص 87-93.
وكذلك: حبيب الله فوزي (سكرتير أول السفارة الأفغانية في باكستان قبل انهيار طالبان): (رسالتنا للعالم: ارفعوا أيديكم عن أفغانستان) حيث يقول: “فقط هناك بعض الدعايات الغربية تقول إن طالبان ترفض تعليم النساء، وأن المرأة الأفغانية لا تأخذ حقوقها، ولكننا في الحقيقة نطبق تعاليم الإسلام ونعترف بتعليم المرأة. ولو ذهبت إلى كابول لوجدت أعدادًا “كثيرة” من البنات يدرسن في القسم الصحي وكلية الطب. كما أنه يُسمح لهن بالعمل في المستشفيات الكبيرة”. الوطن العربي، العدد 1209، الجمعة 5/5/2000، ص ص 28-29.
وراجع وجهة النظر المقابلة في مقالات: إقبال بركة: الطالبان ليسوا أفغانستان، الأهرام 26/9/2001، وعبده مباشر: النموذج الطالباني، الأهرام 8/4/2001، طالبان والوفد الإسلامي، الأهرام 5/5/2001، أمير المؤمنين الأفغاني، 25/3/2001، طالبان والصواب…وثقافة الخرافة، الأهرام 22/4/2001. وأحمد عبد المعطي حجازي، الطالبان يقلدون الأمريكان، الأهرام 28/3/2001، هادم البشر يهدم الحجر، الأهرام 21/3/2001.
وانظر رؤية غربية لممارسات طالبان: بول فندلي، “لا سكوت بعد اليوم: مواجهة الصور المزيفة عن الإسلام في أمريكا” عرض الكتاب، جريدة الحياة، 10/9/2001، الحلقة السادسة: (طالبان لا تمثل النموذج الإسلامي للحكمة).
9. نيفين عبد المنعم مسعد وعبد العاطي محمد أحمد، السياسات الخارجية للحركات الإسلامية، (القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية، 2000)، ص 224. وانظر:
– حامد عبد الماجد، أسباب نشأة الأفغان العرب: الأفغان العرب..محاولة للتعريف، مصدر سابق، ص6-8.
– مصباح الله عبد الباقي، تحالف الشمال..طائر بخمسة أجنحة!! 11/12/2001 في:
http://www.islamonline.net/arabic/famons/2001/12/article3.shtml
10. قنبلة باكستان الجديدة: ترحيل الأفغان العرب.. الدوافع..الأهداف..النتائج، الوطن العربي، ع 1225، 25/8/2000.
11. يردد الفريقان هذه المقولات حتى في خضم محاولات المصالحة بينهما، راجع: الأهرام 16/3/1999، الشرق الأوسط 13/2/2001
12. ذلك الأمر الذي اتفق عليه الجميع، وانظر في ذلك:
– حبيب الله فوزي، مصدر سابق.
– قلب الدين حكمتيار: طالبان خانت أمريكا..وبن لادن مجرد ذريعة، الأهرام21/11/1998.
– الأخضر الإبراهيمي: طالبان وإيران وباكستان مسئولة عن استمرار الحرب في أفغانستان، الحياة،20/10/1999.
– عنان يتهم جيران أفغانستان بالتدخل في شئونها الداخلية، الأهرام 4/5/1998.
13. الحياة 17/5/1999.
14. الشرق الأوسط 15/3/1999.
15. الحياة 16/3/1999.
16. الآية:14 من سورة الحشر.
17. الشرق الأوسط 23/10/1998، الحياة 24/10/1998.
18. الحياة 10/5/1999.
19. الأهرام 7/5/1999، الحياة 17/5/1999، جريدة الشعب 9/6/1999.
20. طالبان: العقوبات تؤثر على الشعب لا علينا، في إسلام أون لاين (15/11/1999).
http://www.islamonline.net/iol-arabic/dowalia/alhadath-15-11/alhadath7.asp
21. حبيب الله فوزي، مصدر سابق. و رحمة الله هاشمي (السفير الطالباني المتجول): ابن لادن اختراع أمريكي ومستعدون لتقديم اقتراح رابع بشأنه، الشرق الأوسط 13/6/2001.
22. أحمد دياب، طالبان تحت الحصار، الأهرام،3/2001
23. مفتي طالبان: الأفغان لن ينقلبوا ضدنا، الشرق الأوسط 9/2/2000.
24. راجع مقالًا على حلقتين للأمير عبد العزيز بن سطام بن عبد العزيز: تماثيل باميان: شبهات وردود 1/2/، 2/2 الشرق الأوسط 7، 8/4/2001. وانظر:
– عبده مباشر، طالبان والوفد الإسلامي، مصدر سابق. فتوح سالمان: “بوذا”.. عزيز قوم زلته طالبان، الأهرام18/3/2001، مفتي مصر: لابد للعالم الإسلامي أن يتواصل مع أفغانستان لإنهاء حصارها، الشرق الأوسط2/3/2001، وليد نويهض، إنقاذ تماثيل بوذا يبدأ برفع الحصار الدولى عن أفغانستان، الحياة، /2/2001. وتابع:
– الشرق الأوسط 5/2/2001، الحياة 7/2/2001، الشرق الأوسط 14/2/2001.
25. الحديث (أنتم أعلم بأمور دنياكم) مع آية (ليتفقهوا في الدين) (التوبة:122)، يدلان على صحة تقسيم العلم إلى علم دين وعلم دنيا، وأن المرجع في ذلك إلى استيعاب علوم الدين، فما لم يكن منها أو مؤصلًا فيها فهو شأن دنيا، والله أعلم.
26. تابع: الحياة يناير-فبراير 2001،
– سامر علاوى: تكسير بوذا: إثارة العالم على الطريقة الأفغانية 12/3/2001، في
http://www.islamonline.net/iol-arabic/politics/2001/03/article6.shtml
27. راجع: تقي الدين بن تيمية، السياسة الشرعية لابن تيمية، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر،د.ت. حيث يقول: “اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل، ولهذا كان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول: اللهم أشكو إليك جَلَد الفاجر وعجز الثقة)، ص 16.
28. حامد عبد الماجد، أسباب نشأة الأفغان العرب (2) مصدر سابق، ص5/8-8/8.
29. المصدر السابق (الرؤى الفكرية والخريطة التنظيمية للأفغان العرب)، ص3/7.
30. عصام دراز، مصدر سابق، ص 40-42
31. المصدر السابق، ص 42-44
32. الشعب 12/1/1999.
33. نيوزويك، الشرق الأوسط 25/12/1998
34. حامد عبد الماجد، (الرؤى الفكرية) مصدر سابق، ص5/7
35. المصدر السابق، ص 5-6/7، وانظر: نبيل شرف الدين، بن لادن..طالبان..الأفغان العرب والأممية الأصولية، (القاهرة، مكتبة مدبولي، 2002)
36. راجع: عبد الله الأشعل: المحاولات الإسلامية لمعالجة الأزمة الأفغانية (في): إبراهيم عرفات (محرر)، مصدر سابق، ص ص
37. الشرق الأوسط 25/12/1998.
38. حديث لوكالة الأنباء القطرية.
39. الحياة 31/7/1999، والحياة 8/2/1999.
40. الأهرام 10/7/1999.
41. الحياة 21/11/1998، الشرق الأوسط 27/3/1999.
42. الشرق الأوسط 11/7/1999.
43. الشرق الأوسط 22/11/1998.
44. الحياة 11/11/1999، الحياة 29/7/1999.
45. الشرق الأوسط 2/11/1999
46. الأهرام 15/11/1999.
47. الشرق الأوسط 1/2/2001.
48. أحمد دياب، مصدر سابق.
49. ميشيل نوفل، مصدر سابق، ص ص 9-11، وتوفيق المديني، صعود طالبان في أفغانستان والصراع على آسيا الوسطى، شئون الأوسط، ع: 75، سبتمبر 1998، ص ص 22-25.
50. توفيق المديني، المصدر السابق، ص ص 30-32.
51. حديث الأهرام مع الجنرال مشرف، الأهرام 27/1/2001.
52. قنبلة باكستان الجديدة، الوطن العربي، مصدر سابق، ص13، و: عبد الحليم الغزالي: بيشاور قاعدة لجهاد آخر يقترب، الأهرام 2/10/2001.
53. صالح محمد الخثلان، الجمهوريات الإسلامية والخيار الديمقراطي، دراسة وصفية تحليلية مقارنة للتغيرات السياسية في آسيا الوسطى، (القاهرة: مركز الدراسات الآسيوية بكلية الاقتصاد جامعة القاهرة، سلسلة أوراق آسيوية، ع 14، يونيو 1997).
54. سامر علاوى: تقاطع المصالح الدولية: هل يجلب السلام لأفغانستان؟ إسلام أون لاين أكتوبر 2000 في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/dowalia-oct-2000/qpolitic27.asp (p2/6)
55. المصدر السابق، ص ص 2/6.
56. نفسه، ص ص 3/6.
57. ألكسندر كوليك: أوزباكستان والتحالف ضد الإرهاب، الحياة 18/7/2001.
58. عمر عاشور، مجموعة شنغهاي: تحالف مصلحي أم صراع حضاري-أيديولوجي؟ (إسلام أون لاين يوليو 2000)ص1/4 في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/dowalia-jul-2000/qpolitic8.asp (p1/4)
– شيرين حامد فهمي، الدفاع الصاروخي الأمريكي يفلس روسيا والصين، قمة شنغهاي.. تحالف ضد الهلال والكاوبوي (إسلام أون لاين 21/6/2001) ص 3/6 في:
http://www.213.131.72.229/arabic/politics/2001/06/article21.shtml(p3/6)
59. خالد شمت، اللعبة الكبرى وفي وادي فرغانة (إسلام أون لاين 25/2/2001)، ص1/6
http://www.islamonline.net/arabic/politics/2001/02/article25.shtml (p1/6)
60. عمر عاشور، مصدر سابق، ص 2-3/4.
61. أحمد الراوي، طالبان والهندوس، مصدر سابق.
62. فيكتور بوسوفاليوك، عفريت أطلق من القمقم، الحياة 5/11/1998.
63. شيرين فهمي، الدفاع الصاروخي، مصدر سابق، ص2/6.
64. انظر: عمر عاشور، مصدر سابق، شيرين فهمي، المصدر السابق، خالد شمت، مصدر سابق، ثم انظر: صهيب جاسم: “التنين الأصفر” يستفحل.. و”الدب الأبيض” يتقلص (إسلام أون لاين 25/6/2001، شئون سياسية آسيا) في: وانظر: عمر فاروق: دول آسيا الوسطى تسعى إلى تشكيل حلف أمنى يشبه “الناتو.. لكن لمحاربة الأصوليين، الشرق الأوسط 20/2/2001.
http://www.islamonline.net/arabic/politics/2001/06/article26.shtml
65. ظفر الإسلام خان: زيارة بوتين للهند: “شراكة استراتيجية” مجهولة المعالم (إسلام أون لاين.نت، شئون سياسية) في:
http://www.islamonline.net/arabic/qpolitic/oct-2000/qpolitic5.asp
66. نورهان الشيخ: إيران وروسيا.. محور استراتيجي ضد الغطرسة الأمريكية (إسلام أون لاين. نت 7/6/2001) في
http://www.islamonline.net/arabic/politics/2001/06/article3.shtml (p2/6)
و: محمد السعيد عبد المؤمن: إيران وروسيا: علاقة استراتيجية متميزة (إسلام أون لاين 22/3/2001)
http://www.islamonline.net/arabic/politics/2001/03/article17.shtml
67. إسلام أون لاين.نت، أولبرايت تحرض ضد الصحوة الإسلامية في آسيا الوسطى، أهم الأخبار 17/4/2000
http://www.islamonline.net/iol-arabic/politics/2001/03/article17.shtml
وانظر: أحمد دياب، مصدر سابق.
68. مقتدر خان (ترجمة: حنان سيف النصر). الأمن قبل كل شئ، (إسلام أون لاين. نت) في
http://www.islamonline.net/iol-arabic/politics/2001/03/article17.shtml
69. أحمد دياب، مصدر سابق.
70. عبد القادر عبد الهادي، سياسة قديمة في وعاء جديد، (إسلام أون لاين.نت) في
http://www.islamonline.net/arabic/qpolitic/April-2000/qpolitic13.asp (p3/5)
71. أحمد دياب، مصدر سابق.
72. إسلام أون لاين.نت: تعاون الهند وإسرائيل العسكري يغضب أمريكا في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/dawalia/alhadath2000-jul-4/alhadath-9.asp
– وانظر: سامر علاوي، يهود الهند يستعدون للهجرة إلى أرض الميعاد، الموقع نفسه في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/dawalia/alhadath2000-jul-2/alhadath4.
73. ظفر الإسلام خان: الهند تصدر الصواريخ وإسرائيل شريكة (إسلام أون لاين.نت، الأخبار، 17/10/1999). http://www.islamonline.net/iol-arabic/dawalia/alhadath2000-jul-4/alhadath-9.asp
74. إسرائيل تاسع مستثمر في الهند، إسلام أون لاين. نت
75. حسام سويلم: إسرائيل تدخل دول آسيا الوسطى الإسلامية من أبواب الحاجات الاقتصادية والمخاوف الأمنية والهجرة “السوفياتية”، الحياة 7/7/2001.
76. إسلام أون لاين نت: الأخبار: مسئول أفغاني، التفجيرات أكبر من بن لادن (12/9/2001) في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/12/Article4.shtml
77. إسلام أون لاين.نت، الأخبار (15/9/2001)، طالبان: تقاتل حتى الموت، في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/15/Article49.shtml
78. الأهرام والحياة 15/9/2001.
79. إسلام أون لاين.نت، باكستان.. الشعب والأحزاب رفضوا التحالف الأمريكي (16/9/2001).
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/16/Article96.shtml
80. إسلام أون لاين.نت، الأخبار: بن لادن: أنا برئ.. وتابع لأمير المؤمنين (17/9/2001) في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/17/Article3.shtml
81. الأهرام 18/9/2001.
82. الأهرام، الحياة 20/9/2001.
83. الحياة 21/9/2001.
84. إسلام أون لاين.نت، الأخبار: طالبان (ابن لادن: اذهب إن أردت الرحيل) (20/9/2001).
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/20/Article58.shtml
85. الأهرام 18/9/2001
86. إسلام أون لاين.نت، الأخبار: بوش: من ليس معنا فهو مع الإرهاب (21/9/2001) في
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/21/Article72.shtml
وراجع الأهرام، الحياة، الشرق الأوسط 21/9/2001.
87. الحياة 21/9/2001.
88. الحياة 21/9/2001.
89. إسلام أون لاين، الأخبار،طالبان تحذر أوزباكستان من التعاون ضدها، 24/9/2001.
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/24/Article84.shtml
والأهرام والحياة 25/9/2001.
90. إسلام أون لاين.نت، الأخبار، طالبان تناشد العالم تفادي الحرب (24/9/2001) في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/24/Article94.shtml
91. نفسه، شروط الملا عمر لوقف الحرب (24/9/2001)
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/24/Article86.shtml
92. نفسه، 40 ألفًا يبايعون طالبان على الموت، (24/9/2001) في
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/24/Article85.shtml
93. نفسه، الإمارات تقطع علاقاتها مع طالبان (22/9/2001) في
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/22/Article87.shtml
نفسه، السعودية تقطع علاقاتها مع طالبان (25/9/2001) في
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/25/Article57.shtml
94. نفسه، حسبان الله عبد الباقي، باكستان تغلق سفارتها ورباني يجتمع بالأمريكان (26/9/2001) في
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/26/Article22.shtml
95. نفسه، بن لادن، منفذو الانفجارات من داخل أمريكا (29/9/2001) في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/29/Article111.shtml
96. الأهرام 26/9/2001
97. إسلام أون لاين.نت، الأخبار، جيران أفغانستان يفتحون مجالهم الجوي لأمريكا (25/9/2001) في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/25/Article99.shtml
98. الحياة 27/9/2001
99. إسلام أون لاين.نت، الأخبار، طالبان تبحث عن أنف إسرائيل في أفغانستان (30/9/2001) في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/30/Article54.shtml
100. نفسه، أوبزرفر: أمريكا ستضرب أفغانستان خلال ساعات، (1/10/2001) في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-10/01/Article55.shtml
101. نفسه، باكستان تغلق مجالها الجوى، (4/10/2001) في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-10/04/Article90.shtml
102. نفسه، خبراء: بدائل طالبان في الحكم بلا شعبية (24/9/2001) في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/24/Article5.shtml
نفسه، خطة طالبان الثلاثية لمواجهة أمريكا، (6/10/2001) في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-10/06/Article11.shtml
103. نفسه، طالبان: خاطفو الطائرات قتلوا فلماذا الحرب؟!في (6/10/2001)
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-10/06/Article17.shtml
104. المصدر السابق.
105. حوار رباني مع (الحياة)
106. إسلام أون لاين.نت، الأخبار: الناتو يعدّ ظاهر شاه مكان طالبان (16/9/2001)
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/16/Article87.shtml
ولمعلومات عن مجلس اللويا جركة راجع:
محمد ناصرى، “لويا جركة”..محاولة للحل من داخل التجربة الأفغانية، إسلام أون لاين.نت، (شئون سياسية) في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/dowalia/gqpolitic-june02000/qpolitic21.asp
107. إسلام أون لاين.نت، الأخبار، ثلاثة سيناريوهات لعودة ظاهر شاه (25/9/2001) في
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/25/Article64.shtml
– نفسه، ظاهر شاه يؤيد التدخل في أفغانستان، (28/9/2001) في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/28/Article22.shtml
108. نفسه، ظاهر شاه: إسقاط طالبان بأيدينا لا بالأمريكان، (30/9/2001) في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/30/Article4.shtml
109. الشرق الأوسط، الحياة 30/9/2001.
110. المصدران السابقان.
111. Northern Alliance Says it has seized Key routes in:(21/9/2001)
http://www.megastories.com/attacklaop/aip020921.shtml
– إسلام أون لاين.نت، حكميتار يرفض الانضمام لبديل طالبان (19/10/2001):
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-10/20/Article14.shtml
112. إسلام أون لاين.نت، الأخبارـ دول آسيوية.. التحالف مع بوش بشروط (15/9/2001) في
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/15/Article54.shtml
113. نفسه، بدء تدفق القوات الأمريكية على باكستان.
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/16/Article58.shtml
114. الحياة 17/9/2001.
115. إسلام أون لاين.نت، الأخبار، باكستان.. الشعب والأحزاب وفضوا التحالف الأمريكي (16/9/2001)
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/16/Article96.shtml
116. المصدر السابق.
117. نفسه
118. الحياة و الشرق الأوسط 20/9/2001
119. المصدران السابقان.
120. إسلام أون لاين.نت، الأخبارـ واشنطن تدعو لتحالف دولي لمكافحة الإرهاب (13/9/2001) في
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/13/Article2.shtml
121. إسلام أون لاين، باكستان الشعب والأحزاب، مصدر سابق.
122. الأهرام 19/9/2001
123. المصدر السابق.
124. إسلام أون لاين.نت، الأخبار، مجاهد وباكستان يتصدون لأمريكا (23/9/2001).
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/23/Article38.shtml
125. الحياة والشرق الأوسط 24/9/2001.
126. المصدران السابقان.
127. حسبان الله عبد الباقي، مصدر سابق.
128. إيمان محمد، إسلام أون لاين.نت، الأخبار، أربع عقبات تواجه تعاون باكستان وأمريكا (26/9/2001)
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/16/Article78.shtml
129. إسلام أون لاين.نت، الأخبار: سقوط طالبان قلاقل لباكستان (27/9/2001)
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/16/Article108.shtml
130. نيوزويك
131. إسلام أون لاين، دول آسيوية… التحالف مع بوش بشروط، مصدر سابق
132. الحياة والشرق الأوسط 18/9/2001.
133. المصدران السابقان.
134. إسلام أون لاين.نت، الأخبار، جيران أفغانستان يفتحون مجالهم الجوي لأمريكا (25/9/2001)
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/25/Artic99.shtml
135. المصدر السابق.
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/22/Artic19.shtml
136. مطيع الله تائب، إسلاميو طاجيكستان يرفضون الحرب ويؤيدونها!! (إسلام أون لاين نت، الأخبار،9/10/2001)
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-10/09/Artic59.shtml
137. المصدر السابق.
138. نفسه.
139. الأهرام 17/9/2001.
140. الحياة و الشرق الأوسط 24، 25/9/2001
141. إسلام أون لاين.نت، الأخبار، أوزباكستان: لا لضرب طالبان من أراضينا (5/10/2001)
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-10/05/Artic59.shtml
142. Taliban warn Uzbakistan against aiding U.S attacks:
http://www.megastories.com/attacklaop/aip040924.shtml
143. الحياة 25/9/2001.
144. مطيع الله تائب، الحرب الأوزبكية على الرحى الأفغانية (إسلام أون لاين.نت، الأخبار، 10/10/2001)
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-10/10/Artic77.shtml
145. المصدر السابق.
146. إسلام أون لاين، الأخبار، أمريكا تنشر 1000 جندي بطاجيكستان وأوزباكستان (4/10/2001)
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-10/04/Artic91.shtml
147. الشرق الأوسط 7/10/2001، بي بي سي أونلاين،
148. إسلام أون لاين.نت، جيران أفغانستان، مصدر سابق.
149. الأهرام 13/9/2001.
150. حمدى الحسيني، خبير روسى، أسلحة أمريكا لن تحسم الحرب، (إسلام أون لاين، الأخبار، 8/11/2001)
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-11/08/Artic19.shtml
151. إسلام أون لاين.نت، الأخبار، دول آسيوية، مصدر سابق.
152. الأهرام 20/9/2001.
153. إسلام أون لاين.نت، بوش يطلب تأييد بوتين (22/9/2001).
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/22/Artic19.shtml
154. المصدر السابق.
155. الأهرام 26/9/2001.
156. الحياة و الشرق الأوسط 27/9/2001
157. الشرق الأوسط 1/10/2001
158. المصدر السابق.
159. الأهرام 29/9/2001
160. المصدر السابق.
161. نفسه.
162. إسلام أون لاين 24/9/2001
163. الحياة و الشرق الأوسط 27/9/2001.
164. المصدران السابقان.
165. إسلام أون لاين.نت، روسيا وأمريكا معًا ضد الشيشان وأفغانستان (26/9/2001).
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/26/Artic21.shtml
166. الأهرام و الحياة 1/10/2001.
167. دانييل بورشتاين وأرنيه دي كيزا، (ترجمة شوقي جلال)، التنين الأكبر: الصين في القرن الواحد والعشرين، سلسلة عالم المعرفة271 (الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، يوليو2001) وانظر فيه على الأخص الجزء الثاني: “معايير الحكم علي الصين”؛ إذ تلاحظ غلبة فكرة التناقضات والغموض على طرائق النظر والممارسة في الشأن الصيني، وانظر أيضًا:
سوسن حسين، رؤى غربية للقارة الآسيوية، (القاهرة، مركز الدراسات الآسيوية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية-جامعة القاهرة)، العدد 11، ديسمبر 1996، إذ تقدم ستة مقالات (ص ص25-71) تفصح عن نفس الفكرة: الغموض والتناقضات.
168. إسلام أون لاين، واشنطن تدعو لتحالف دولي، مصدر سابق.
169. إبراهيم نافع، الأهرام،
170. الوفد 26/9/2001 والأهرام 27/9/2001.
171. ليلى سعيدة، إسلام أون لاين، الأخبار، الصين تساند التحالف وتخشى آثاره (26/9/2001)،
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/26/Artic106.shtml
172. المصدر السابق.
173. نفسه.
174. الأهرام (حوار إبراهيم نافع)
175. الحياة 18/9/2001
176. الشرق الأوسط 19/9/2001
177. إسلام أون لاين. نت، الأخبار، 23/9/2001: بوش يكافئ الهند وباكستان برفع العقوبات
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-09/23/Artic20.shtml
178. الحياة والشرق الأوسط 8/10/2001.
179. الحياة 9/10/2001
180. المصدر السابق.
181. إسلام أون لاين. نت، الأخبار، 7/10/2001، بن لادن: أقسم بالله لن تحلم أمريكا بالأمن، في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-10/07/Artic24.shtml
182. الأهرام 10/10/2001.
183. المصدر السابق.
184. الشرق الأوسط 10/10/2001.
185. الأهرام 18/10/2001.
186. إسلام أون لاين. نت.
187. المصدر السابق.
188. الحياة 13/10/2001.
189. الحياة 17، 18/10/2001.
190. الشرق الأوسط 20/10/2001.
191. الحياة 20/10/2001.
192. الشرق الأوسط 22/10/2001.
193. راجع: – أحمد محمود، بن لادن: رجل بلا أمة، (القاهرة: زهرة المدائن للنشر والتوزيع، ط1، د.ت.).
– جمال عبد الرحيم، بن لادن يشعل الحرب، (القاهرة، بدون دار نشر، ط1، أكتوبر 2001).
– نبيل شرف الدين، بن لادن، طالبان…، مرجع سابق.
194. الشرق الأوسط 28-30/10/2001.
195. الشرق الأوسط 30/10/2001.
196. الحياة 29/10/2001.
197. الحياة 23/10/2001.
198. نيوزويك، الطبعة العربية، 4 نوفمبر 2001، ع: 73.
199. المصدر السابق.
200. الحياة والشرق الأوسط 27،28/10/2001.
201. الشرق الأوسط 29/10/2001.
202. إسلام أون لاين. نت، الأخبار، 9/10/2001، البنتاجون: تفوقنا في الجو وسنبدأ في البر، في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-10/09/Artic58.shtml
203. الحياة 6/11/2001.
204. الحياة 28/10/2001، الحياة 2/11/2001. وانظر: عبد العزيز كامل، التحالف غير المقدس بين أصحاب الشَّمال وأصحاب الشِّمال، البيان، ع 170، شوال 1422هـ، يناير 2002، ص ص 98-108.
205. الأهرام، عبد الحليم الغزالي، حدود الصدام بين مشرف والأحزاب الدينية، 10/10/2001.
206. تابع توارد الأنباء عن هؤلاء المناصرين لطالبان سيما من مسلمي الغرب في: الحياة والشرق الأوسط منذ اندلاع الغارة الأنجلوأمريكية على طالبان 7/10/2001 وحتى وقوع مذبحة جانجي 25-27/11/2001.
207. الشرق الأوسط 25/10/2001.
208. الشرق الأوسط 27/10/2001، 31/10/2001.
209. راجع في
210. الحياة 11/10/2001.
211. تابع حركة الأخضر الإبراهيمي منذ بدء الغارة الأنجلوأمريكية على أفغانستان، وحتى انعقاد مؤتمر بون، في الحياة والشرق الأوسط 8/10/2001- 5/12/2001.
212. الحياة 4/11/2001.
213. إسلام أون لاين. نت، شئون سياسية، 27/10/2001، باكستان: نؤيد من يسيطر على الأرض في أفغانستان، في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/politics/2001-10/27/Artic44.shtml
214. الأهرام، باكستان وطالبان .. افتراق إجباري صعب، 7/10/2001.
215. بي بي سي أونلاين، 7/10/2001.
216. الشرق الأوسط 8/10/2001.
217. الشرق الأوسط 10/10/2001.
218. إسلام أون لاين. نت، الأخبار، 9/10/2001، في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-10/09/Artic4.shtml
219. الأهرام، عبد الحليم الغزالي، حدود الصدام…، مصدر سابق.
220. الحياة 8/10/2001.
221. المصدر السابق.
222. راجع فتوى الشيخ نظام الدين شامزاي الاثنين 8/10/2001، في: إسلام أون لاين. نت، فتوى لإسقاط القادة المتعاونين مع العدو:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-10/09/Artic4.shtml
223. الحياة 15/10/2001.
224. الشرق الأوسط 15/10/2001
225. إسلام أون لاين. نت، 26/10/2001، مظاهرات باكستانية تطالب بإقالة مشرف، في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-10/31/Artic42.shtml
226. إسلام أون لاين. نت، 18/10/2001: مشرف بين نارين.. واشنطن والشعب، في:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/News/2001-10/19/Artic88.shtml
227. الحياة 27/10/2001.
228. الشرق الأوسط 28/10/2001.
229. الأهرام 10/10/2001.
230. الأهرام 30/10/2001.
231. الحياة 17/10/2001.
232. الشرق الأوسط 5، 6/11/2001.
233. إسلام أون لاين. نت، 10/10/2001، الحرب الأوزبكية على الرحى الأفغانية، مصدر سابق.
234. بي بي سي أونلاين 10/10/2001، الحياة 13/10/2001.
235. إسلام أون لاين. نت، الحرب الأوزبكية، مصدر سابق.
236. الحياة 13/10/2001.
237. الحياة 14/10/2001.
238. المصدر السابق.
239. الشرق الأوسط 30/10/2001.
240. الحياة 28-31/2-10/2001.
241. الحياة 1/11/2001، الأهرام 2/11/2001.
242. الحياة 1/11/2001.
243. المصدر السابق.
244. إسلام أون لاين. نت، الأخبار
245. المصدر السابق.
246. الحياة 10/10/2001.
247. المصدر السابق.
248. الحياة 31/10/2001.
249. الأهرام 27/10/2001، الحياة 31/10/2001.
250. الحياة 31/10/2001.
251. الأهرام 18/10/2001.
252. المصدر السابق.
253. نفسه.
254. نفسه.
255. نفسه
256. الأهرام 10/10/2001.
257. الحياة 10/10/2001.
258. الأهرام 14/10/2001.
259. الحياة 17/10/2001.
260. الأخبار 13/10/2001.
261. الأهرام 18/10/1/2001، الحياة 22/10/2001.
262. الحياة 22/10/2001.
263. المصدر السابق.
264. نفسه.
265. الأهرام 14/10/2001: عبد الله عبد السلام، حروب صغيرة على هامش حملة مكافحة الإرهاب.
266. الأهرام 30/10/2001.
267. الأهرام 31/10/2001.
268. المصدر السابق.
269. الحياة 2/11/2001.
270. الحياة 4/11/2001.
271. المصدر السابق.
272. نفسه.
273. الشرق الأوسط والأهرام 16/11/2001.
274. الأهرام 20/11/2001.
275. المصدر السابق.
276. الأهرام 17/11/2001.
277. المصدر السابق.
278. الشرق الأوسط والأهرام 16/11/2001 (وافق أول أيام رمضان 1422 هـ).
279. المصدر السابق.
280. نفسه.
281. الحياة 21/11/2001.
282. المصدر السابق.
283. محمد السعيد إدريس، أي نظام عالمي بعد الحرب الأمريكية ضد أفغانستان؟ الأهرام 16/11/2001.
284. عبد العليم محمد، أم المعارك الأمريكية والإرهاب من المنظور الأخلاقي، الأهرام 16/11/2001.
285. المصدر السابق.
286. سعيد عبد الخالق، من ينقذ الأفغان من الأفغان؟ الأهرام 17/11/2001.
287. المصدر السابق.
288. الأهرام 17/11/2001.
289. الحياة 21/11/2001.
290. الشرق 21/11/2001 الأهرام 21/11/2001.
291. الأهر ام 29/11/2001.
292. المصدر السابق.
293. نفسه.
294. الحياة 19/11/2001.
295. المصدر السابق.
296. نفسه.
297. الأهرام 20/11/2001.
298. الشرق 21/11/2001.
299. الأهرام 29/11/2001.
300. الحياة 17/11/2001.
301. إسلام أون لاين. نت، 30/11/2001
http://www.islamonline.net/Arabic/News/2001- 11/30/Article57.shtml

302. الأهرام 19/11/2001، الحياة 19/11/2001.
303. الشرق 21/11/2001.
304. المصدر السابق.
305. الأهرام 19/11/2001.
306. الأهرام 20/11/2001، الأهرام 19/11/2001.
307. الحياة 20/11/2001.
308. الحياة 21/11/2001.
309. الحياة 17/11/2001، الأهرام 19/11/2001.
310. الحياة 17/11/2001.
311. الأهرام 21/11/2001.
312. إسلام أون لاين . نت.
313. المصدر السابق.
314. نفسه.
315. الحياة 20/11/2001
316. الحياة 20/1/2002.

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2003

للحصول علي الملف كاملًا

اضغط هنا

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى