في ذكرى انهيار سور برلين 9 نوفمبر 1991 وبمناسبة فوز ترامب العنصري اليميني المتطرف الرأسمالي المتوحش برئاسة الولايات المتحدة 9 نوفمبر 2016

بعد ربع قرن من انهيار حكم الشيوعية في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية وانتهاء “الحرب الباردة”، نشهد الآن على الساحات الأوروبية والأمريكية صعودًا لليمين العنصري المتطرف. فليست “ظاهرة ترامب” إلا رأس جبل الجليد العائم، والذي طفى بفجاجة في الولايات المتحدة المسماة (عقر دار الحرية والديمقراطية) بعد أن ظهرت -من قبلها- بوادر على ساحات أوروبية وبنفس الفجاجة.
أفلا يتذكرون ويعوون الآن أن التطرف والإرهاب ليس إسلاميًا فقط كما يدّعون ويرّوجون؟ وأنه ليس بالسلاح فقط كما يصورون؟ ذلك لأن للعنف ضد الإنسانية أشكالاً عدة يجاهر بتقديمها الغرب الرأسمالي عبر تاريخه.
وبعد ربع قرن مما بدا أنه انتصار حاسم للرأسمالية الغربية بلا حرب، يشهد العالم ثمار عولمة الرأسمالية والنيوليبرالية المتوحشة؛ ألا وهي: الصعود المتنامي لليمين المتطرف، ليس على أراضينا نحن فقط باسم الطائفية والمذهبية والقومية والعرقية مغلَّفين برداء الإرهاب، ولكن في عقر دار “الغرب”. وهو أمر يؤكد على حقيقة وطبيعة وأصل وجه “الغرب اللا-أخلاقي الاستيطاني الاستعماري العنصري الاستغلالي”. وهو الوجه الذي ارتدى، في مراحل سابقة من تطور نظام الرأسمالية (الاستعمار التجاري، الكشوف الجغرافية وإبادة الشعوب الأصلية، الاستعمار العسكري وتشويه الحضارات القديمة، الاستعمار الجديد، الاستيطان الصهيوني…) أقنعة أخرى، مثل رسالة وعبء الرجل الأبيض، التنوير والاستنارة، حق تقرير المصير، حرية التجارة، وأخيرًا: نشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب.
والآن، وبعد أن سكت ما تبقى من الغرب الأخلاقي القيمي الممثل في قطاعات ليست قليلة من أهله وناسه، عن جرائم وانتهاكات حكامهم وعسكرييّهم ورجال أعمالهم طوال ربع قرن؛ أي خلال ما بدا أنه انفراد للنموذج الحضاري الغربي الرأسمالي العسكري بقيادة العالم (نحو الهاوية)، فماذا بعد السكوت عن ما يجري على أراضينا من إرهاب حكام مستبدين (طالما ساندهم حكام الغرب وتحالف معهم)، وليس فقط إرهاب داعش، ألم يكن ما يجري هذا ثمارًا أخرى للنيوليبرالية المتوحشة وللتحالف مع النظم المستبدة رغم كل شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان المرفوعة؟ ألم يكن هذا نتاجًا لسياسات ظالمة غير عادلة وليس عوامل دينية وثقافية مردها كما يدّعون ويتهمون طبيعة الإسلام بالإرهاب والعنف غير المتسامح؟ فلقد ألبسوا الصراع الاستراتيجي للمصالح لباسًا “دينيًا”، تحولت معه الثورات إلى إرهاب.
فهل ينتصر ما تبقى من الغرب الأخلاقي لنفسه على الأقل، بعد أن دقَّ اليمين المتطرف أبوابه ولكن من داخله وبيد ناسه ذاتهم عبر أوروبا، والآن في الولايات المتحدة بعد فوز ترامب؟ ألم يواجه هذا الغرب إفرازه الحديث في القرن العشرين، النازية، والفاشية، ثم الشيوعية باسم الدفاع عن الحريات والحماية من الاستبداد دعمًا للتنوع والتعددية؟
فهل يقدر الآن على مواجهة إفرازه المعاصر (وأقصد العنصرية والكراهية والتطرف الظاهرين الآن بقوة عبر أراضيه وليس على أراضينا فقط)؟ أم سيتكيف الجميع مع بعضه البعض من جديد، وعلى حساب “الآخر”عبر البحار كما حدث من قبل؟
إن المشكلة ليست مسألة “أشخاص” أي ترامب أو غيره، إن المشكلة تقع في صميم هيكل وقيم وتوازنات هذا النظام العالمي القائم غير العادل غير الإنساني، الظالم([1])، الذي يحتاج تغيرًا جذريًا، وليست كلينتون أو نظرائها بأفضل حال من ترامب إلا في ظاهر القول وليس باطنه.
فهل تدق فجاجة ترامب ونظائره في الغرب ناقوس الحاجة التغيير والتصدي للعنصرية بكافة اشكالها، وذلك كما دق من قبل هتلر وموسوليني ناقوسًا آخر قبل ثلاثة أرباع القرن؟ وهل يحتاج العالم حربا عالمية جديدة ليحدث هذا التغيير؟ وأليس ما يجرى على أراضينا حربًا عالمية تدار من وراء الكواليس وليستمر خلالها اختبار التوازنات العالمية، كما اختبرت من قبل الحروب على أراضي أمتنا (حرب الخليج 1991)، (البلقان والشيشان 92- 95)، (افغانستان 2001)، (العراق 2003) هذه التوازنات منذ نهاية الحرب الباردة؟
إن ظاهرة ترامب وظاهرة اليمين في أوروبا، ورغم كل ما يقوله البعض أنهم ليسوا إلا رد فعل “للإرهاب الإسلامي”، والهجرة إلى أوروبا أو الأزمة الاقتصادية على أقصى تقدير، ليست إلا ظاهرة كاشفة عن طبيعة جوهر هذا النظام العالمي الرأسمالي الغربي. فمهما حاول البعض تجميله، ومهما أفرز اتجاهات نقدية إنسانية من داخله تدعو أيضًا إلى تغيير سلبياته، فهو الذي اجهض بيده كل الدعوات والآمال في نظام عالمي جديد بعد نهاية الحرب الباردة. وهو لم يفعل بذلك جديدًا بل قدم نفس الجوهر والطبيعة في رداء جديد.
فهل علينا انتظار ما سيسفر ما يجري بداخل الغرب من تغييرات؟ أم يمكن أن نكون عامل من عوامل هذا التغيير؟ وإذا كان لهذا السؤال مصداقية حين قامت الثورات الشعبية منذ ست سنوات، فهل ما زالت هذه المصداقية قائمة بعد أن تحولت “الثورات” -بفعل القوى المضادة لها داخليا وخارجيا- إلى اقتتال داخلي لا يصفه البعض إلا بالإرهاب على نحو اسدل الستار على كلمة “الثورة”([2])؟
ولذا كله ليس من العجيب أن يتزامن فوز ترامب مع موافقة صندوق النقد الدولي (بشروطه النيوليبرالية المتوحشة المضادة للشعوب بل والمحفزة لكل الثورات) على القرض للنظام الانقلابي في مصر، ومع تصاعد واقعة حلب والموصل وسرت.
أنها حرب عالمية ثالثة يديرونها على أراضينا. وشعوبنا هي وقودها تارة بسياسات الصندوق وتارة بسلاح كافة الإرهابيين ابتداءً من الأسد إلى بوتين إلى داعش إلى ترامب إلى أوباما ذاته والسيسي.
الحمد لله
13 نوفمبر 2016
*****

الهوامش:

[1] – د.نادية مصطفى: العدالة والديمقراطية: التغيير العالمي من منظور نقدي حضاري إسلامي، القاهرة، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2015.
[2] – د.نادية مصطفى، من الثورة إلى الحرب على الإرهاب: تحالفات الداخل والخارج، متاح على الرابط التالي:
http://www.hadaracenter.com/pdfs/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8.pdf
د.نادية مصطفى، الثورة المضادة عنوانها الحرب على الإرهاب: حرب عالمية ثالثة تدار من وراء كواليس خارجية، متاح على الرابط التالي:
http://www.hadaracenter.com/pdfs/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8.pdf

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى