العراق الجديد: ما الجديد 2008؟

مقدمة:

يمثل العراق بعد الاحتلال (2003-…) إحدى القضايا المركزية في قائمة قضايا الأمة العربية والإسلامية اليوم، ارتقت بفضل المحنة وتحدياتها إلى مصاف القضية الفلسطينية وسائر القضايا المصيرية والاستراتيجية التي تؤرق البال العربي والمسلم. فالهزيمة والاحتلال والفوضى والدمار والقتل بالجملة وهتك الأعراض واستنزاف الدماء والأموال والزيت، وتحكم الصائل الأمريكي والدولي بالمقدرات العراقية جرح غير مندمل، ومتابعة ما يجري بالعراق والتذكير بما جرى إنما هو أضعف الإيمان الذي ليس بعده إلا السقوط.
إن العراق الجديد -أقصد ما بعد عام 2003- الذي بشر به المحررون تحت اللواء الأمريكي ليس إلا ساحة اختبار وعينة لاستراتيجية الفوضى التي ينبغي أن يعتبر بها الواثقون بالغرب والمتحالفون مع الإرهاب الحقيقي الأكبر ضد الإرهاب الموهوم. وفيما يلي استعراض لخريطة الواقع السياسي الراهن في العراق، ومرور موجز على أهم وقائع السنة الماضية 2007م، تمهيدًا للوقوف أمام محطات مهمة مرّ بها القطار العراقي في هذا العام الأخير 2008م.

أولاً- خريطة القوى العراقية

· الأطراف المؤثرة:

يأخذ العراق الجديد شكل تقسيمات عرقية ومذهبية طائفية يجاهر بها الجميع من دون تردد على أساس أن هذا هو الواقع العراقي ولابد من الاعتراف به. الطرف الأول هم العرب؛ وهم منقسمون بين السُّنة والشيعة والمسيحيين–الكلدوآشور(*) والصابئة المندائيين. والطرف الثاني هم الأكراد؛ وهم متوحدون إلى درجة كبيرة ومتماسكون، ومع أن الغالبية الغالبة منهم من أهل السُّنة –على المذهب الشافعي– لكن يوجد فيهم أيضًا بنسبة قليلة شيعةٌ من الذين يعيشون قرب الحدود الإيرانية من جهة محافظة ديالي، ومنهم نسبة أقل مسيحيون وإيزيديون، ومنهم الشبك المسلمون(*)، في حين أن الشبك الذين يقطنون محافظة نينوى ينكرون أصولهم الكردية، ويقولون إنهم كيان مستقل وحدهم وليسوا أكرادًا وإن كانت لهجتهم في الغالب كردية الكلمات، ويتهمون القوات المسلحة الكردية بممارسة القمع بحقهم.
الطرف الثالث هم التركمان وهم أقلية باتفاق الجميع؛ فيهم السُّنة وهم الغالبية، وفيهم الشيعة، ومن بعدهم يأتي المسيحيون بنسبة قليلة ومن ثم الصابئة. ولابد من الإشارة هنا إلى أن الحكومة العراقية، وفي قرار صادر في 19 مارس 2007، أعادت الاعتراف بالديانة البهائية كهوية دينية للمعتقدين بها بعد أن رفعت حكومة صدام حسين عنهم الاعتراف كديانة مستقلة عام 1979[1]، يقدر عدد أفرادها زهاء 1000 شخص.

· النسبة السكانية

من الصعوبة بمكان تحديد النسبة السكانية لطرف من هذه الأطراف لعدم وجود إحصاء جديد دقيق يمكن الاعتماد عليه؛ ولهذا أخذ كل طرف يحدد لنفسه رقمًا مبالغًا فيه غالبًا؛ بحيث يصل عدد سكان العراق بناء على مجموع هذه التقديرات إلى أكثر من 125% من مجموعه المعروف. فالشيعة يقولون إنهم يشكلون 66% من سكان البلد وبالتالي هم الغالبية، والسُّنة العرب يقولون إنهم يشكلون 35-40%، والكرد يقولون إنهم 20 – 25%، والتركمان 7% وهكذا. لكن السُّنة -وبناء على إحصاء وزارة التجارة العراقية لعام 2002 الذي بموجبه كانت توزع الحصص التموينية الغذائية للبلد- يقولون إنهم (11) مليونًا كسُنة من دون النظر إلى الانتماء القومي، والشيعة تسعة ملايين. كما يستندون إلى نتائج الانتخابات التي أجريت في ديسمبر 2005؛ حيث إن الشيعة -ورغم تكتلهم الواضح في قائمة واحدة- لم يقدروا على الوصول إلى نسبة النصف من عدد أعضاء مجلس النواب. لكن يبقى الأمر موضع الشدّ والجذب لحين إجراء إحصاء سكاني دقيق.

· القوى السياسية

تتوزع القوى السياسية في العراق بناء على انتماءات طائفية وإثنية، بطريقة مركبة نابعة من غايات سياسية وفيها شيء من الخداع للذات. فلا هي بتقسيم قومي ولا هي بطائفي مذهبي. فالعرب منقسمون بين السُّنة والشيعة بناء على المذهب، في حين أنهم منقسمون مع الكرد بناء على الانتماء القومي[2]، والتركمان منقسمون على المذهب أيضًا لكنهم في القضايا القومية يتوحدون ويتجاوزن المذهب ضد الأكراد في كركوك. وخارطة القوى السياسية في العراق كالآتي:

(1) الشيعة العرب:

المجلس الإسلامي الأعلى العراقي: هو الاسم الجديد للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. تأسس في إيران في ديسمبرعام 1982 إبان الحرب العراقية-الإيرانية من طرف آية الله محمد باقر الحكيم[3] الذي كان يعيش لاجئًا في إيران، كبديل قيادي لغياب محمد باقر الصدر الذي أعدمه النظام عام 1980، لكنه بديل مرجعي شيعي للقيادة العراقية المغيبة تحت كنف ونظر إيران، له جناح عسكري تحت عنوان “منظمة بدر” حاليًّا و”فيلق بدر” في السابق، وتدرب عناصره في إيران تحت إشراف الحرس الثوري. كان عدد مقاتليه يتجاوز 10.000، انخرطوا بعد سقوط النظام العراقي في أجهزة الجيش والشرطة ولهم السطوة والسيطرة فيها, وتم تغيير اسم “فيلق” إلى “منظمة” عام 2003 بعد تهديد من وزير الدفاع الأمريكي آنذاك دونالد رامسفيلد وبعد سيطرة القوات المحتلة على العراق. في وقته قال رامسفيلد إن أية قوة عسكرية باستثناء القوات المتحالفة لن يكون لها وجود شرعي وستضرب. ومن ناحيته قال المجلس الأعلى في مؤتمره الأخير إنه يقلد المرجعية الشيعية العليا في النجف؛ بمعنى أنه يمثل الوجه الفقهي السياسي لمرجعية النجف. القيادة في المجلس الأعلى لها طابع أُسري مرجعي أكثر من أن يكون حزبًا ينتخب قائده الأول على أسس حديثة؛ ولهذا فإنه بعد مقتل باقر الحكيم تولى أخوه عبد العزيز الحكيم القيادة، والآن وبعد إصابة الحكيم بالسرطان بدأ نجله عمار بالظهور وتقلد منصب نائب الرئيس من دون مرور بالسلسلة التنظيمية[4].
حزب الدعوة: يقوده رئيس الوزراء نوري المالكي. أسسه محمد باقر الصدر[5] عام 1958 لمحاربة الأفكار العلمانية التي بدأت تغزو المجتمع، والشيوعية منها بالأساس. لكن الحزب دخل في سجال مع النظام خاصة بعد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979؛ حيث أرسل الخميني برقية قُرئت على أمواج إذاعة طهران، دعا الخميني فيها محمد باقر الصدر بالبقاء في النجف وعدم مغادرته كما كان الصدر ينوي. وفي سنة 1980 وبقرار من مجلس قيادة الثورة أُعدم الصدر مع أخته بنت الهدى، وصدر قرار بحبس وقتل عشرات الآلاف من شباب الحزب. في عام 1982 أخفق مجموعة من كوادر الحزب في اغتيال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عند زيارته لبلدة الدجيل في محافظة صلاح الدين. لا يتمتع الحزب الآن بشعبية واسعة سوى جذوره التاريخية. وفي مؤتمره الأخير عام 2008 انشق الحزب إلى قسمين؛ حيث تم فصل زعيمه السابق إبراهيم الأشيقر الجعفري جراء عدم امتثاله لسياسة القيادة الجديدة المتمثلة بنوري المالكي، ومن ثم ذهب عدد كبير من الأعضاء مع الجعفري وأسس الأخير التيار الإصلاحي الوطني العراقي في 31 مايو 2008. ولم يكن هذا الانشقاق هو الأول من نوعه بل سبقه العديد ابتداء من سنة 1980 وتأسيس حركة الدعوة الإسلامية من طرف عز الدين سليم[6].
التيار الصدري: نسبة إلى محمد محمد صادق الصدر؛ المرجع الشيعي الثوري الكبير لدى العراقيين الشيعة، الذي انتقد كثيرًا سكوت الحوزة الدينية في النجف، وكان يسعى إلى تكوين حوزة ناطقة. وهو تيار فقهي مذهبي أكثر من كونه حزبًا سياسيًّا، يعتمد على الفتاوى الفقهية والعقائدية لمحمد صادق الصدر، والذي قتله النظام العراقي واثنين من أبنائه عام 1999 عند عودته من خطبة الجمعة من الكوفة فيما بات يعرف بحادثة الجمعة.
يقود التيار الآن مقتدى الصدر نجل صادق الصدر، مقيم ببغداد في “حي الصدر” حاليًّا “الثورة” سابقًا. وهو قادر على تحريك الشارع الشيعي بصورة تذهل المراقبين، ولكنه ليس له باعٌ طويل في العلوم الشرعية، بيد أنه -وحسمًا لبعض الخلافات- تولى مقتدى القيادة. وهو -كوالده- ثوري الطبع وعروبي الهوى. نقطة ضعف التيار الأساسية تتمثل في قلة الدراية السياسية لقادته مما جعله عرضة للاختراقات من جميع الجهات. كوَّن التيار جيش المهدي وقاتل القوات الأمريكية والعراقية، لكنه تورط في الاقتتال الطائفي، وأصبح أداة سهلة الاستعمال من قبل القيادة في إيران. ويقلد مقتدى المرجعَ الشيعي كاظم الحائري المقيم في مدينة قُم الإيرانية بتوصية من والده. دخل في مواجهة مع حكومة نوري المالكي، ويعيش منافسة شرسة مع المجلس الأعلى للسيطرة على الشارع الشيعي. دفع ثمنًا باهظًا من شعبيته جراء تورط جنوده في توتير الوضع الأمني في البلد.
حزب الفضيلة الإسلامي: تشكل بعد الغزو الأمريكي عام 2003، له وزن لا بأس به في الشارع الشيعي. يقوده المرجع الشيعي الكبير محمد اليعقوبي الذي لا ينفك يتدخل بالسياسة. وكان من مقلدي والد مقتدى الصدر. الآن وفي المحافل الرسمية يتحدث باسم الحزب الدكتور نديم الجابري الأستاذ بالعلوم السياسية في جامعة بغداد. تتركز شعبية الحزب في المدن الجنوبية خاصة في مدينة البصرة.

(2) القوى السُنّية:

الحزب الإسلامي العراقي: الكيان السياسي والاجتماعي الأكثر شعبية وتجذرًا في الشارع السُنّي، يقوده نائب الرئيس طارق الهاشمي. تأسس الحزب عام 1961 كواجهة سياسية لحركة الإخوان المسلمين التي بدأت العمل في العراق عام 1948 عند عودة الشيخ محمد محمود الصواف من دراسته الأزهرية بمصر ولقائه بالأستاذ حسن البنا. دخل الحزب في صراع مع الشيوعيين والبعثيين في الستينيات، وناله الكثير من الأذى من حكومة البعث في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وأُعدم الكثير من قادته، بعد قرار حَلِّهِ ولمّا تمضِ سنون قليلة على إعلانه. لجأ العديد من قادته إلى الخارج. بعد غزو العراق عاد إلى الظهور بقيادة المفكر الإسلامي الدكتور محسن عبدالحميد، ودخل في مجلس الحكم المُحَلّي، وهو مستمر الآن في إطار العمل السياسي الرسمي في ظل الوضع الراهن[7].
مؤتمر أهل العراق: هيئة ذات صبغة شخصانية تتألف من عدة شخصيات أكاديمية وشعبية، يقوده الدكتور عدنان محمد سلمان الدليمي، والدليمي ذو لهجة متشددة تجاه الحكومة الحالية ويتهمها في تصريحات قوية بممارساتها الطائفية، وأدخلته تلك التصريحات في صراع عنيف مع الدولة بقيادة الشيعة. جرت محاولة رفع الحصانة البرلمانية عنه أكثر من مرة بتهمة التورط في القتل والتهجير الطائفي ضد الشيعة، وقد اعتقل ابنه واثنان وخمسون هم أفراد حمايته من طرف جهاز الجيش والشرطة العراقية.
جبهة الحوار الوطني: يقودها صالح المطلك، بعثيّ الهوى وقوميّ الفكر وعلمانيّ النهج. أسس الجبهة بعد 2003 مع عدد من الشخصيات العسكرية والأكاديمية وأساتذة الجامعات في الوسط العربي مع الشيخ القبلي والضابط السابق خلف العليان، إلا أن الخلاف في وجهات النظر أدى إلى الانشقاق بين الرجلين وتأسيس الثاني لمؤتمر الحوار الوطني. وهو متهم من القوى الشيعية والحكومة بالعلاقات مع المجاميع المسلحة.
هيئة علماء المسلمين: يقودها الآن الشيخ حارث سليمان الضاري –شيخ الدين والقبيلة. تأسست عام 2003 لتكون مرجعًا دينيًّا لأهل السُّنة بالعراق، احتوت الغالبية الساحقة من الأئمة والخطباء في الوسط السُنّي. جاء تأسيسها بتحرك من الحزب الإسلامي، لكن الهيئة ابتعدت كثيرًا عن الغاية المرسومة لها والتي من أجلها تأسست. كان لها دور كبير وفعال جدًّا في الشارع السُنّي وكانت وراء عزوف السُّنة العرب عن المشاركة في الانتخابات التشريعية عام 2004، لكن التطور الذي حدث في الوسط السُنّي أدخل الهيئة في خصام حتى مع الكثير من الشخصيات السُنّية كالحزب الإسلامي وديوان الوقف السُنّي. تُحرِّم الهيئة الدخول في العملية السياسية الجارية بالعراق في الإطار الرسمي طالما الاحتلال الأجنبي موجودًا. كان للهيئة مقرٌّ في جامع أم القرى في بغداد لكن رئيس ديوان الوقف السُنّي أخذ الجامع وجعله مسجدًا للصلاة فقط من دون أن يكون مقرًّا لهيئة أو غيرها. الآن تعيش الهيئة حالة من الخسارة الشعبية لدى السُّنة[8].

(3) القوى الكردية:

الحزب الديمقراطي الكردستاني: تأسس عام 1946 من طرف ملا مصطفى البارزاني. يقود الحزب الآن نجله مسعود البارزاني. دخل في قتال دام عقودًا مع الحكومات المركزية المتعاقبة في العراق للحصول على الحقوق القومية للكرد. وقع اتفاقًا للحكم الذاتي مع حكومة بغداد في 11 من شهر مارس عام 1970، لكن محاولة اغتيال تعرض لها البارزاني الأب من طرف المخابرات العراقية تسببت في اندلاع القتال من جديد. استمر في قتال الحكومة إلى عام 1991؛ حيث أجبر صدام حسين على التخلي عن المناطق الكردية بسبب الظروف التي أعقبت غزو الكويت ومعركة عاصفة الصحراء. ومنذ ذلك الوقت يدير الحزب -مع غريمه الاتحاد الوطني الكردستاني- الإدارة في كردستان العراق. ومسعود البارزاني الآن ملقب أيضًا برئيس إقليم كردستان.
الاتحاد الوطني الكردستاني: يقوده الرئيس العراقي الحالي جلال الطالباني. أسس الطالباني حزبه بعد انشقاقه من الحزب الديمقراطي عندما كان عضوًا في المكتب السياسي. بداية حركة جلال كانت في 1966 مع مجموعة من المسلحين الأكراد، وجرى تحالفه مع النظام العراقي ضد البارزاني (الأب)، ثم تآلفت المجموعات في كيان جامع تحت عنوان “الاتحاد الوطني الكردستاني” بزعامة جلال الطالباني منذ ذلك الحين وإلى الآن. تألف الهرم التنظيمي للحزب من جناحين (الثوار) و(الكومونيست). دخل في قتال مرير وطويل مع الحزب الديمقراطي، ووقع اتفاقية هدنة مع الحكومة العراقية عام 1983 إلى أن تجدد القتال بينهما من جديد. بعد عام 1991 تقاسم السلطة مع الديمقراطي في كردستان، لكنهما عادا إلى القتال من جديد؛ ما دفع بمسعود البارزاني إلى الطلب رسميًّا من صدام حسين توفير الدعم له ومن ثم دخول قوات الحرس الجمهوري مدينة أربيل 1996 وطرد جلال وأنصاره إلى إيران، لكن الأخير ما لبث أن عاد بدعم من القوات والمدفعية الإيرانية.
الاتحاد الإسلامي الكردستاني: يقوده صلاح الدين محمد بهاء الدين. أُسِّسَ من طرف مجموعة من القيادات الشابة للحركة الإسلامية الكردية المؤمنة بفكر الإخوان المسلمين. غالبية قياداته كانوا في المهجر ودخلوا السجن إبان حكم صدام حسين مع قادة الحزب الإسلامي العراقي. عمل الاتحاد الإسلامي بعد عاصفة الصحراء في المدن الكردية تحت لافتة (الرابطة الإسلامية الكردية) التي يترأسها الشيخ علي محي الدين القرداغي كإطار متاح معلن في وقته لحين التأسيس في 6 من شهر فبراير عام 1994. ابتعد عن العمل المسلح واعتمد مبدأ المشاركة والتمايز بعيدًا عن المغالبة. شارك -في شخص أمينه العام- بمجلس الحكم المُحَلّي. دخل الانتخابات البرلمانية مستقلاًّ عام 2005.

(4) القوى التركمانية:

الجبهة التركمانية[9]: تأسست عام 1995 بقيادة صنعان آغا لتكون تجمعًا للكيانات التركمانية، تحت لوائها أحزاب تركمانية من مثل “تركمان إيللي”، و”الحركة الإسلامية التركمانية”. غالبية أعضائها من السُّنة. فصلَ المكتب السياسي للجبهة مؤسسها صنعان آغا لثبوت ارتباطه بمخابرات النظام العراقي السابق. وهي مدعومة من تركيا.
الاتحاد الإسلامي التركماني: كيان شيعي يقوده النائب عباس البياتي. منضوٍ تحت لائحة الائتلاف العراقي الموحد الشيعي إلى حدّ الذوبان.

(5) القوى العلمانية:

المقصود هنا القوى التي لا تعتمد التقسيمة الطائفية أو العرقية في التشكيلة أو المبادئ والغايات وفيها من الشرائح العراقية كلها؛ وهي:
حركة الوفاق الوطني: تأسست سنة 1991 بقيادة الشخصية البعثية القديمة الدكتور إياد علاوي المعارض لصدام حسين، وقد تعرض لمحاولة اغتيال قاسية في لندن. أسَّس الحركة من بعثيين معارضين لطريقة صدام في الحكم مع تبني النهج الليبرالي بدلاً من الشمولي. مباديء الحركة تقوم على نبذ الطائفية، وتعتمد العروبة والانفتاح على العالم العربي. بين علاوي والقوى الشيعية الدينية بون شاسع ونزاع حاد على طريقة تشكيلة العراق بعد السقوط. علاوي متهم بالبعثية وهو يتهم الأطراف الأخرى بالتبعية لإيران. ولإيران دور كبير في الحد من سلطة علاوي في العراق (كما يقول هو). تولى رئاسة الحكومة العراقية المؤقتة من يونيو إلى ديسمبر عام 2004[10].
المؤتمر الوطني العراقي: أسسه أحمد الجلبي أستاذ الرياضيات والحاصل على الجنسية الأمريكية عام 1991 بدعم من وكالة الاستخبارات الأمريكية وتمويل مباشر من وزارة الدفاع (البنتاغون). تجمع فيه شخصيات ثقافية وسياسية علمانية كانت معارضة للنظام العراقي. كان الجلبي ذا نفوذ لدى الولايات المتحدة لما بعد غزو العراق. حينه وبعد شهور تمت مداهمة منزله في حي المنصور ببغداد من قبل وحدة عسكرية أمريكية. تقرب من إيران كثيرًا لكن حصل على أقل بكثير مما كان يتوقعه. تراجعت شعبية المؤتمر كثيرًا إلى درجة أنه لم يمكنه الحصول على كرسي في البرلمان[11].
الحزب الشيوعي العراقي: من الأحزاب القديمة جدًّا في العراق. تأسس عام 1935 في مؤتمر تأسيسي ببغداد. تولى يوسف سليمان –الملقب حركيا بفهد- قيادة الحزب بعد عودته من الدراسة في موسكو. تعود نواة الحزب الى المدن الجنوبية العراقية. أول تجمع شيوعي كان في مدينة الناصرية سنة 1932. كان مقربًا جدًّا من مؤسس النظام الجمهوري بالعراق عبد الكريم قاسم. دخل في مواجهة مع البعثيين عند الإطاحة بالقاسم دامت ثلاثة أيام. كان محظورًا كأي حزب سياسي آخر في العراق. عارض الغزو الأمريكي، لكنه شارك في مجلس الحكم في شخص سكرتيره العام حميد مجيد موسى[12].
ليست هذه هي كل الأحزاب الموجودة في الساحة السياسية العراقية، لكنها أكثر الأحزاب تأثيرًا في صناعة القرار ورسم الخارطة السياسية والاجتماعية للبلاد. وباقي الأحزاب لا تكاد يُسمع لها ذكر من مثل الناصريين وحزب الطليعة والاتحاد الاشتراكي والحزب الوطني الديمقراطي وكتلة المستقلين و”الرساليون” وغيرهم كثر بين جهات دينية وسياسية وقومية.

· الكيانات البرلمانية:

الائتلاف العراقي الموحّد: كيان برلماني أريد له أن يكون شيعيًّا جامعًا للكيانات مهما كانت وجهات النظر فيما بينهم أو انتماءهم القومي، ذلك من أجل الحصول على الغالبية البرلمانية وبالتالي قيادة الحكومة. دخل الانتخابات بشعارات جهوية معتمدة على صورة المرجع الديني الأعلى علي السيستاني في استمالة الشارع الشيعي. وقد حصل ما أرادوا في انتخابات ديسمبر 2005، وحصد 128 مقعدًا برلمانيًّا، يترأسه عبدالعزيز الحكيم، لكن الكيان الشيعي تشظَّى ودبت فيه بذور الخلاف ولم يبقَ فيه سوى الحزبين الرئيسيين: “المجلس الإسلامي الأعلى” و”حزب الدعوة” إضافة إلى شخصيات مستقلة، عدد نوابه حاليًا (88) نائبًا.
التحالف الكردستاني: يضم الكيانات الكردية وعلى رأسها الحزبان الرئيسيان: “الديمقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني” وشخصيات سياسية كردية. رفع شعار الحصول على الحقوق القومية الكردية، فاز بـ(53) مقعدًا.
جبهة التوافق العراقية: تضم ثلاثة مكونات سُنّية عربية: “الحزب الإسلامي العراقي” و”مؤتمر أهل العراق” و”جبهة الحوار الوطني”، يقوده عدنان الدليمي. أريد له أن يعمل كممثل للسنة العرب في البرلمان والحكومة رغم وجود قوى عربية سُنّية أخرى في مجلس النواب.
القائمة العراقية: مكون برلماني يعتمد البرنامج الوطني البعيد عن المحاصصة الطائفية. يقودها إياد علاوي، وفيها العرب والكرد والشيعة والسُّنة والعلمانيون وحتى الحزب الشيوعي، لها (25) مقعدًا.
الكتلة الصدرية: هم البرلمانيون الذين ينتمون إلى التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر. انشقت عن الائتلاف العراقي الموحد. لها (33) عضوًا في البرلمان الحالي.
كتلة الفضيلة: انشقت هي الأخرى عن الائتلاف العراقي الموحد. لها (15) نائبًا في البرلمان هم ممثلو حزب الفضيلة الشيعي.
الكتلة العربية: مجموعة من النواب العرب السُّنة يبلغون (15)عضوًا، يقودهم (صالح المطلك) رئيس مؤتمر الحوار الوطني.
الاتحاد الإسلامي الكردستاني: يمثل التيار الإسلامي الكردي المعتدل، خاض الانتخابات مستقلاًّ عن التحالف الكردستاني، ما عرضه -وما زال- إلى ضغوطات غير عادية. وقد قُتل عدد من أعضائه بيد عناصر الأمن التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني أثناء الانتخابات، حصد خمسة مقاعد برلمانية.
كتلة المصالحة والتحرير: لها ثلاث مقاعد.
تلك أهم القوى والكيانات السياسية والبرلمانية المؤثرة في صنع الأحداث بالعراق، وما حدث على الخارطة السياسية والبرلمانية من تغيرات.

ثانيًّا- أهم المحطات في عام 2007

· مشروع الصحوات العشائرية:

الصحوات (أو مجالس الإنقاذ) العشائرية عبارة عن المجموعات العشائرية التي تسلحت في حدود وجودها الجغرافي تطوعًا للسيطرة على الأمن وإعادته بدعم وتمويل من القوات الأمريكية ضد تنظيم القاعدة بدرجة أكبر ومن بعدها الميليشيات وعصابات الجرائم المنظمة. بدأ هذا المشروع في محافظة الأنبار الغربية بقيادة عبد الستار أبو ريشة. ولنشوء[13] هذه الصحوات أسباب عديدة، إلا أن السبب الجامع هو ما مارسه تنظيم القاعدة من ضغوطات عبر إدارة وحكم البلدات والقرى في المنطقة الغربية بالسلاح والاحتكام إليه في حسم كل خلاف مع الوجوه الدينية والقبلية؛ وهوما نتج عنه مقتل عدد كبير من أبناء المحافظة من الوزن الثقيل.
وقد انطلقت الشرارة الأولى في مدينة القائم المتاخمة للحدود السورية حيث الصراع على النفوذ بين عشيرة “البومحل” وفصيل التوحيد والجهاد (تنظيم القاعدة) أدى إلى نشوب قتال بين “كتائب الحمزة” التابعة لعشيرة البومحل وعناصر القاعدة، ثم بعد فترة وجيزة تعاطفت القبائل الأخرى مع البومحل وانضم رجالها إلى كتائب الحمزة ضد القاعدة، انتهت المعركة بانتصار العشائر، وتلك نتيجة أعادت الهدوء والاستقرار إلى البلدة والقرى المحيطة؛ لأن القاعدة كانت تحكم كإدارة محلية ولم تكن تقاتل ضد القوات الأجنبية في العراق.
هذه المواجهة في القائم قدحت ذهن الشيخ عبدالستار أبو ريشة -رئيس فخذٍ في عشيرة الدليم– وقرر التصدي لتنظيم القاعدة، وكان في نفسه قدر كبير من الثأر إزاء عناصره لأنهم قتلوا ثمانية من إخوانه وأبناء عمومته. سلح الشيخ أبو ريشة أبناء قبيلته وبدأ بمنطقته في حرب مفتوحة مع القاعدة، وكان ينتصر في كل جولة، فبدأ يتوسع شيئًا فشيئًا وما لبس أن انضمت إليه القبائل الأخرى والأفخاذ في الدليم.
القوات الأمريكية تعاملت بإيجابية مع حركة أبو ريشة وتغاضت عن الظهور المسلح لرجاله ثم بدأ القادة الأمريكيون بتقديم الدعم له –ماديًّا ولوجستيًّا. تطورت الفكرة إلى عقد مؤتمر عام لعشائر الأنبار، قرر المؤتمرون تشكيل أفواج عسكرية منظمة. وفي شهر سبتمبر 2007 قتل عبد الستار أبو ريشة في انفجار استهدف موكبه في الحي الذي يسكن فيه، وذلك بعد فترة وجيزة من زيارة الرئيس الأمريكي إلى الأنبار ولقائه بعبد الستار أبو ريشة. ونقل عن الاجتماع بأن أبو ريشة تحدث إلى الرئيس الأمريكي عن النفوذ الإيراني والسوري في العراق، وما نقل أيضًا عن عدم ارتياح الحكومة العراقية لهذا التصريح من أبو ريشة. وعلى هذا الأساس لم يتردد البعض في اتهام إيران وقوى عراقية بالوقوف وراء مقتل عبد الستار.
امتدت قومة العشائر إلى بغداد وبدأت ببلدة “أبو غريب” من محطيها الغربي ثم دخلت العاصمة نفسها. عدد المتطوعين في بغداد يقدر بـ 8.000 شخص، الغالبية في الأحياء السُنّية أو الكثافة السُنّية. ثم توسعت الفكرة إلى أن أضحت تقليدًا لدى العشائر في البلد كله، خاصة في ديالي وصلاح الدين والموصل وبابل. وقد انضم عدد لافت من العناصر المسلحة التي كانت تقاتل القوات الأمريكية إلى هذه المجالس لسببين رئيسيين:
الأول- ردع الميليشيات المسلحة التي فتكت بالأهالي بحجة محاربة الإرهاب.
والثاني- ترتيب الأولويات؛ فقد وضع هؤلاء النفوذ -أو كما سماه بعضهم “الاحتلال”- الإيراني قبل الأمريكي في سلم الأولويات. حدث هذا خاصة في بعقوبة والأحياء الغربية لمدينة بغداد وضواحيها الغربية أيضًا، إضافة إلى محاولة إعادة التوازن للمؤسسات الأمنية الرسمية التي تميل الكفة فيها لصالح الشيعة.

موقف الحكومة من الصحوات:

لم تتردد الحكومة العراقية في بداية الأمر في إبداء موقف معارض من تسليح العشائر، وقالت إنها تمثل امتدادًا للميليشيات غير النظامية وإن الجهة الوحيدة التي لها الحق في التسليح والتسلح هي الحكومة. قلق الحكومة كان نابعًا من تحول مجالس الإنقاذ العشائرية إلى قوة عسكرية سُنّية (شرعية) تكسب وتعطي زخمًا سياسيًّا للسُّنة في الدولة. ثم لانت الحكومة قليلاً خاصة بعد ظهور النتائج الإيجابية ووقوف الأمريكيين بجنب مجالس الإنقاذ العشائرية وقرارهم بتزويدهم براتب شهري وإمدادهم بالسلاح.
بعد هدوء الوضع في محافظة الأنبار التي كانت أسخن منطقة في العراق، تم طرح فكرة دمج العناصر العشائرية المسلحة المتطوعة في مؤسسات الدولة؛ تحديدًا منها الجيش والشرطة. وتبنت هذه الفكرة جبهة التوافق البرلمانية السُنّية وتحمس لها كثيرًا نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الذي قال: “إن مشروع الصحوات التخلي عنه أو تركه مرفوض”، كما كان الأمريكيون يريدون دمج هذه العناصر الذين وُجِد من بينهم العديد من الضباط في الجيش إبان عهد صدام حسين؛ لكي لا تلجئهم البطالة أو الإجحاف إلى مقاتلة الأمريكان؛ ومن ثم عودة القاعدة إلى الظهور من جديد، إلا أن الحكومة ممثَّلة برئيس وزرائها وقائمته البرلمانية الشيعية -الائتلاف العراقي الموحَّد- كانت ترفض الفكرة، ومن بعد اقتنعت بدمج 20% منهم فقط في وزارتي الداخلية والدفاع. وقد أعاد النائب الكردي محمود عثمان هذا الموقف من رئيس الوزراء إلى خوف الحكومة من تزايد عدد العناصر السُنّية في الأجهزة الأمنية؛ ومن ثم تنامي دورها لصالح الطرف السُنّي، أو التقليل من الوزن الشيعي في تلك المؤسسات. وإلى الآن فإن الفكرة لم تتجسد في الواقع.

تواريخ مهمة لمشروع تسليح العشائر:

§ (نيسان/ 2003): القيادات الأميركية تبرم اتفاقًا مع عشائر الجبور العربية، ونتج عن هذا الاتفاق إدارة أفراد هذه العشيرة لأجهزة الشرطة والحكومة المحلية في الموصل وتكريت بنسبة (90) في المئة.
§ (بداية عام 2006): الأميركيون يشرعون في الترويج لفكرة تولي العشائر مسئولية الأمن في مناطق غرب العراق في أعقاب النتائج الكارثية التي أفرزتها معركة الفلوجة الثانية وتعاظم سطوة تنظيم “القاعدة” في هذه المناطق.
§ (بداية عام 2006): القوات الأميركية في الأنبار تطرح مشروع “ذئاب الصحراء”؛ وهي وحدة من المسلحين البدو تقطن منطقة الحدود العراقية-السورية المشتركة، وتصدى للمفاوضات مع الجانب الأميركي يومها الشيخ أسامة الجدعان أحد شيوخ عشائر منطقة القائم الحدودية الذي اغتيل في منطقة المنصور ببغداد نهاية 2006، وبالفعل شُكّلت تلك القوة لكنها لم تستمر سوى أشهر معدودة بعد اكتشاف الفساد والتزوير في إدارة الأموال التي أغدقت عليها.
§ (17/10/2006): “مجلس الإنقاذ” المنبثق عن مؤتمر “صحوة الأنبار” يشكل ثلاثة أفواج طوارئ من أبنائهم بالاتفاق مع وزير الداخلية الذي تكفلت وزارته بتجهيزهم وإمدادهم بالمال والسلاح.
§ (14 / 4 / 2007): زعماء عشائر من العرب السُّنة ووجهاء مناطق في محافظة كركوك يدعون إلى “انتفاضة” وعقد مؤتمرات “صحوة العشائر” على غرار محافظتي الأنبار وديالي للتصدي “لعناصرالقاعدة”، ومجلس قضاء الحويجة يطالب جميع المجالس المحلية وزعماء العشائر والأعيان بالوقوف بحزم أمام ما يُسمى بدولة العراق الإسلامية.
§ (22/ 6 / 2007): اضطرار المالكي قبول الأمر الواقع وإعلانه عن تشكيل “لجنة مركزية عُليا للإشراف على عملية تسليح العشائر وإسنادها بطريقة منظمة ومدروسة”.
§ (25 / 6 / 2007): هجوم انتحاري -حسب فرضية الشرطة العراقية- في باحة فندق المنصور وسط بغداد، يسفر عن مقتل ستة من أبرز الوجوه العشائرية في غرب العراق ووسطه، كانوا التقوا قبل يومٍ واحد برئيس الوزراء نوري المالكي لمناقشة الدعم الحكومي لمجلس العشائر.
§ (13 / 9 / 2007) مقتل عبد الستار أبو ريشة (رئيس مجلس صحوة العراق) ليحل محله (أحمد أبو ريشة)، ومسارعة الحكومة على إعلان النبأ والإعلان عن تشكيل لواءين من الشرطة الوطنية تحمل اسم عبد الستار أبو ريشة وإصدار أمر بإقامة تمثال في الموقع الذي قتل فيه أو أي مكان آخر يختاره أهل المحافظة. وهذا التعجل في هذه الإجراءات دعت بعض المُحلِّلِين إلى تصور أنها كانت معدة سلفًا للتستر على دور متفق عليه في عملية الاغتيال.
§ (17 / 9 / 2007): فواز الجربا شيخ عشائر شمر يعلن أنه نال موافقة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على تشكيل “مجلس إنقاذ الموصل”.
§ (4-10-2007) اغتيال رئيس صحوة عشائر صلاح الدين، معاوية الجبارة، بعد أن أصيب بجروح خطيرة في انفجار عبوة ناسفة عند مرور موكبه على الطريق العام بالقرب من تقاطع سامراء الفلوجة.
§ (30/10/2007): رفض (12) زعيمًا قبليًّا وممثلاً لعشائر الموصل تعيين الحكومة العراقية لفواز الجربا رئيسًا لمجلس صحوة نينوى لضبط الأمن بالموصل ولمحاربة مسلحي القاعدة، وقرر معظم زعماء العشائر رفض ترشيح الجربا؛ باعتباره أحد شيوخ عشائر خارج الموصل وأنه ذو توجه طائفي كونه عضوًا في الائتلاف العراقي[14].

· الحوار الأمريكي-الإيراني:

على غير ما كان متوقعًا جلس الإيرانيون مع من يسمونهم “بالشيطان الأكبر”: الأمريكيين، وتحدثوا وجهًا لوجه في سلسلة حوارات مباشرة حول الوضع الأمني في العراق، الذي للبلدين يد في تردّيه أو تحسنه بإجماع المراقبين. أصل الفكرة جاء من تصريح لزعيم المجلس الإسلامي الأعلى عبد العزيز الحكيم الأقرب جدًّا إلى إيران من قادة العراق الآخرين أثناء تواجده في طهران؛ حيث دعا الطرفين إلى الجلوس في حوار مباشر وتبادل الآراء بخصوص العراق. طلبُ الحكيم ربما جاء لوضع نهاية للصراع الإيراني-الأمريكي وتبادل الاتهامات بالتسبب في توتير الجو الآمن في العراق، لأن ذلك انعكس على الشعب العراقي سلبًا، وربما أراد دفع بلاء نزاعاتهم عن العراقيين، وقد يكون لتخفيف الضغط عن إيران.
بعد أسابيع من دعوة الحكيم قبل الطرفان الجلوس على طاولة واحدة بحضور ممثلين عن الحكومة العراقية، وقد اتخذ الكثير من السياسيين العراقيين والبرلمانيين قبول إيران الحديث مع الأمريكيين حول العراق دليلاً على تدخلها في الشان العراقي الداخلي، وأن لإيران من الأوراق في الداخل العراقي ما تمكنها من المساومة مع واشنطن. وهنا جاء اشتراط حضور رسمي عراقي. هذا الموقف ظهر من رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي وبرلمانيين شيعة من حزب الفضيلة، وكذلك من العرب السُّنة والأكراد.
عقدت الجلسة الأولى في مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي في المنطقة الخضراء في 28 مايو2007، وقاد الوفد الإيراني السفير في بغداد “حسن كاظمي قمي” بحضور مسئول الملف العراقي في الخارجية الإيرانية. الوفد الأمريكي مثّله السفير “رايان كروكر”. وافتتح الجلسة رئيس الوزراء بحضور مستشار الأمن القومي والخارجية العراقية.
الجلسة الثانية عُقدت على مستوى السفراء أيضًا، لكن الوفد الإيراني أبدى امتعاضه من تصريحات المسئولين الأمريكيين حول ما دار الحديث حوله في الجلسة الاولى، فإن دبلوماسيين أمريكيين قالوا إنهم قدموا ما يكفي من الأدلة للجانب الإيراني تثبت تورطهم في توتير الأمن في العراق، وأن معسكرات للتدريب بإشراف الحرس الثوري الإيراني يتدرب فيها مجموعات خاصة لضرب القوات العراقية والبريطانية والأمريكية.
الجلسة الثالثة عقدت على مستوى الخبراء الأمنيين في المكان ذاته بتاريخ 24 يوليو2007. الجلسة الرابعة لم تعقد.
وقد جاء وفد من إيران بصورة مفاجئة إلى بغداد عقيب زيارة الرئيس الإيراني إلى العراق في مارس 2008، لكن رجع الوفد من دون حصول لقاء؛ حيث قال الجانبان العراقي والأمريكي إنهما لا يعلمان بموعد مقرر لجلسة رابعة!!! من دون أن يفسر أحد كيف وصل الوفد الإيراني الرسمي الذي جاء في مهمة حساسة كهذه إلى العراق من غير أن تعلم السلطات لماذا يأتي وكيف دخل حتى تتفاجأ به؟؟؟ رجع الإيرانيون إلى طهران غاضبين بلا شيء.

· هدنة مقتدى الصدر:

في شهر أغسطس عام 2007 قرر الزعيم الشيعي الراديكالي بطبعه مقتدى الصدر نجل (محمد محمد صادق الصدر) تجميد الجناح العسكري لحركته المسماة (جيش المهدي) الذي يتزعمه، محدِّدا مدة التجميد بستة أشهر قابلة للنظر. والسبب في إقدام مقتدى على هذه الخطوة التي لاقت ترحيبًا من طرف الحكومة العراقية والبيت الأبيض في واشنطن، هو أنه في الأسبوع الثاني من شهر أغسطس 2007 كانت مدينة كربلاء المقدسة لدى الطائفة الشيعية تغص شوارعها بالزائرين بمناسبة ما يتم تسميته بالزيارة الشعبانية (مولد الإمام الثاني عشر الغائب- المهدي)؛ حيث مئات الآلاف من الشيعة يتجمعون في مثل هذا اليوم لزيارة ضريح الإمام عباس والإمام حسين بن علي بن أبي طالب، ولجيش المهدي حضور أكثر من القوي في المدينة والحماية الأمنية للضريحين، إضافة إلى منظمة بدر الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق سابقًا (المجلس الإسلامي الأعلى العراقي) حاليًا. لكن غالبية عناصر منظمة بدر منخرطون في سلك الجيش والشرطة، وبالتالي ظهورهم يكون بالزي الرسمي للشرطة والجيش، وبين الطرفين منافسة قوية حادة تاريخية تتعلق بالمنافسة بين العائلتين (آل الصدر وآل الحكيم) في الصدارة للعمل المرجعي الديني، وامتداده أخذ أطرًا منظمة للسيطرة على الشارع الشيعي عبر مؤسسات الدولة.
في أيام الزيارة تلك حدثت مواجهات عسكرية بين مسلحين وجهاز الشرطة سقط خلالها العشرات من المدنيين الزائرين بين قتيل وجريح. مصادر الشرطة ومجلس الأعلى اتهمت تصريحًا وتلميحًا جيش المهدي (مستعملين في التوصيف العناصر الخارجة على القانون) بضرب رجال الشرطة وتعكير أجواء مراسيم الزيارة الدينية عند الشيعة، ما نفاه جيش المهدي متهمًا عناصر بدر بمحاولة تشويه جيش المهدي؛ ومن ورائه التيار الصدري لأغراض سياسية وانتخابية… في هذا السياق، وفي تحدٍّ منه وبغية إثبات براءة جيش المهدي من تلك الأحداث قرر مقتدى الصدر وقف نشاطات الجيش لمدة ستة أشهر، وإعادة هيكلته من جديد، لكن وبالمقابل، طالب الحكومة العراقية بإجراء تحقيق محايد ونزيه لتحديد الفاعل والمتسبب في تلك الاشتباكات الدموية[15].
هدنة مقتدى الصدر ساهمت بنسبة معقولة في انخفاض أعمال العنف، تحديدًا الجانب الطائفي منها، وتعاملت الحكومة العراقية والقوات الأمريكية والبريطانية بشكل إيجابي مع خطوة الصدر. بعد انتهاء الفترة المحددة، وفي شهر فبراير 2008 استمر الصدر في موقفه، وجدّد الهدنة لستة أشهر أخرى. لم تتفاجأ الأوساط المعنية بتجديد وقف نشاطات جيش المهدي؛ لأن المؤشرات كانت كلها تدل على ذلك، وقيل بأن تمديد الهدنة جاء باتفاق بين الأطراف الثلاثة (حكومة بغداد، والأمريكيين، ومقتدى الصدر). لكن رافق تمديد الهدنة هذه المرة تهديدات واضحة بنقضها في حال استمرار أجهزة الجيش والشرطة الحكومية بتنفيذ عمليات الدهم والاعتقال لعناصر التيار الصدري، وهو ما حدث فعلاً، وبعد مضي ثلاثة أشهر من مواجهات دامية في غالبية المدن الجنوبية (يأتي تفصيلها فيما بعد) جاء قرار تمديد الهدنة على لسان المتحدث باسم مكتب الشهيد الصدر في حي الصدر شرقي العاصمة بغداد، مشيرًا إلى أن القرار عُمّم على جميع مكاتب التيار كما قرأه خطباء الجمعة المنتمون إلى الصدر في خطبة الجمعة في المساجد.
هنا لا بد من الإشارة إلى أن تمديد الهدنة لم يكن بعيدًا من الخط الأمريكي-الإيراني ولقاءاتهم المباشرة وغير المباشرة حول العراق.

· اللاجئون:

يعتبر 22 من شهر فبراير لعام 2006 تاريخًا فاصلاً في التردّي الأمني والصراع الطائفي الدموي فيما بعد غزو العراق وما قبله، وما حدث بعد ذلك من قتل بلا حدود وسفك للدماء البريئة بلا تحقيق، والإعدام رميًا بالرصاص بلا قضاء، وفتنة أهلكت العقول والنفوس والقلوب والأبدان، أعقبها نزوح جماعي باتجاه الخارج (سوريا، والأردن، ومصر، ودبي، واليمن، والعشرات إلى المغرب). فقد وصل اللاجئون العراقيون من سكان البصرة إلى أقصى حدود العالم الإسلامي في مدينة طنجة المغربية، وجرى نزوح باتجاه الداخل من محافظة أو مدينة ذات غالبية شيعية إلى أخرى ذات غالبية سُنّية والعكس أيضًا.
ففي هذا اليوم تم تفجير ضريحي الإمامين (هادي العسكري وعلى العسكري) في مدينة سامراء. وبما لهذين الضريحين من قداسة لدى الشيعة وقع اللوم من دون تردد على السُّنة؛ ومن ثم نزل المسلحون الشيعة في الشوارع وفتحوا البنادق الخفيفة والثقيلة على السكان والعائلات السُنّية، فكان ما ابتغاه منفذو التفجيرين وما حدث من قتل مباشر على الهوية في وضح النهار. فكل سُنّي متهم بتفجير المرقدين ولا بد من دفع الثمن. ووزارة الداخلية العراقية لم تقدر على فعل شيء لأن القضية كانت أكبر من تدخل جهازي الشرطة والجيش حديثي العهد، بل كانت الغالبية من عناصر المؤسسات الأمنية متعاطفة مع الميليشيات لانتمائها المذهبي.
يقدر عدد المهجَّرين القسريِّين في العراق بحوالي 4.5 مليون شخص. في 7 يوليو 2008 قال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة لمؤتمر الهجرة والمهجّرين في بغداد: “إن سدس سكان العراق مهجّرون في الداخل والخارج”. ويشهد الجميع أن نزوح العراقيين يعتبر الأوسع منذ نكبة فلسطين عام 1948. وتنبأت المنظمة الدولية أن نسبة الهروب من العراق هي 2000 شخص خلال 24 ساعة؛ أي بنسبة (80) شخصًا في الساعة الواحدة[16]. يوجد في سوريا 1.4 مليون لاجئ عراقي بنسبة 7% من نسبة سكان البلاد، وكان عدد اللاجئين العراقيين في سوريا إلى 2005 حوالي 4500 لاجئ، لكن بعد سنة -أي بحلول الربع الأول لعام 2007- بلغ مليونًا وارتفع إلى مليون وأربعمائة في الوقت الراهن، وأكثريتهم يسكنون حي السيدة زينب. وفي الأردن الأرقام غير رسمية ولا محددة، لكن العدد يترواح بين 500 ألف و750 ألفًا، ما يقارب 10% من نسبة السكان، مستقرين في العاصمة عمان. وفي مصر حوالي 100 ألف متجمعين في مدينة ستة أكتوبر. وفي اليمن نحو 200 ألف.
ويعتبر العراقيون من أكثر طالبي اللجوء في أوروبا عامي 2007-2008. فقد حددت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين للأمم المتحدة عدد مقدّمي طلبات اللجوء في أوروبا بـ(20) ألفًا في النصف الأول عام 2007، ويعيش هؤلاء في ألمانيا والدنمارك وأستراليا والسويد وهولندا وفرنسا وبريطانيا وعدد محدود في بلجيكا.
أما النزوح باتجاه الداخل وهجرة العوائل القسرية بين المحافظات العراقية تحت التهديد بالسلاح من ميليشيات متقاتلة على خلفيات مذهبية دينية فيقدر بحوالي (1.8) مليون شخص.
حالات اللجوء لم تقتصر على المسلمين سُنة وشيعة، بل مسّت أصحاب الديانات الأخرى من المسيحيين والصابئة تحديدًا. فخلال شهري مايو-ويونيو 2007 قالت بعثة الأمم المتحدة في بغداد إنها تلقت معلومات بزيادة عدد الهجمات وعمليات الطرد القسري لأفراد من الطائفة المسيحية وخصوصًا في منطقة الدورة الواقعة جنوبي بغداد. ووفقًا لمصادر من الكنيسة فإن من يُعرفون بمجاهدي الدورة وفيلق عمر ونصرة الإسلام هم من يهددون المسيحيين بالقتل. وما زالت جماعة الأقليات كالمسيحيين واليزيديين والشبك مستهدفة في الموصل، وقد تم توزيع منشورات في القرى التي يقطن فيها الشبك تتضمن تهديدات بالقتل إذا لم يغادروا منازلهم[17].
وفي شهري أبريل ومايو لقي عشرون فردًا من الشبك حتفهم، والإيزيديين كذلك، لكن للهجمات التي تلقتها الطائفة الإيزيدية الذين يقطنون شمال العراق تحديدًا في منطقة سنجار بين الموصل ودهوك تفاصيل أخرى. فهذه الطائفة مع قلتهم، لهم موقف متشدد للغاية تجاه المسلمين ويحكمون بالقتل على كل من يعتنق الدين الإسلامي أو يتزوج من مسلم أو مسلمة. وهنالك قصة في هذا الباب ذاع صيتها في الآفاق، وتعرف باسم (الفتاة دعاء). ودعاء هي بنت من الطائفة أسلمت وقررت الزواج بمسلم، لكن كل الطائفة قررت الوقوف ضدها. اختبأت دعاء ثم سلَّمت نفسها للشرطة لكن قوة القبيلة سحبتها من قبضة الشرطة، وقام المئات من أبناء الطائفة الإيزيدية برجمها حتى الموت. تركت الحادثة جرحًا غائرًا في نفوس المسلمين وبدأوا بالانتقام لها، لكن الانتقام الموجع جاء من تنظيم القاعدة –مجموعة أنصار الإسلام– حيث قررت في بيان لها تعليقًا على رجم دعاء بأن يقتلوا (ألفًا) من الأيزيديين ثأرًا لها. لم تمضِ فترة حتى بدأت الاغتيالات في صفوف شباب الطائفة الأيزيدية، وقتل منهم حوالي عشرين في الموصل. لكن الضربة الكبرى جاءت حين دخلت ثلاث شاحنات مفخخة في قريتين يقطنهما الأيزيديون في ثلاث عمليات فجَّر سائقو الشاحنات الثلاث الكمية الكبيرة من المواد المتفجرة المشحونة، فدمرت القريتين عن بكرة أبيهما، وكانت النتيجة مقتل وإصابة ما يقرب من 735 شخصًا وهدمت المنازل على رؤوس ساكنيها، وأصبحت الأسواق أثرًا بعد عين.

· اللاجئون الفلسطينيون:

على أثر أعمال العنف التي كانت وتيرتها في تصاعد والاحتقان الطائفي في النصف الأول من عام 2007، اضطر اللاجئون الفلسطينيون الذين وصلوا العراق بعد النكبة 1948 إلى مغادرة العراق والاستقرار في مخيمات قرب الحدود السورية-العراقية في داخل المنطقة المحرّمة بين البلدين في مخيمي (الوليد والتنف). وأعادت بعثة الأمم المتحدة بالعراق هروب الفلسطينيين إلى “الهجمات المستمرة التي تشنها كل من قوات الأمن العراقية والميليشيات المسلحة على حد سواء ضد مجمعاتهم السكنية”، وكانت الغالبية منهم يسكنون مجمعات سكنية في حي البلديات شرقي بغداد. وأثبتت البعثة في تقاريرها اعتقال عدد منهم دون توجيه تهم قضائية لهم، كما عثر على جثث بعض منهم مقتولاً بعد فترة وجيزة من الاعتقال.
استهداف الفلسطينيين في العراق يعود إلى جملة أمور في تقديري:
1- أنهم من العرب غير العراقيين الذين ساندوا صدام حسين على الشعب العراقي وحصلوا على امتيازات كان أبناء البلد أنفسهم يفتقرون إليها، هذا من وجهة نظر بعض الكيانات الحاكمة.
2- أن النظام العراقي أسكن عددًا كبيرًا من العوائل الفلسطينية في منازل مصادَرة من طرف الحكومة تعود لمعارضين أو مطرودين بحجة (التبعية لإيران)، وكان الفلسطينيون غافلين ويعتقدون أنهم في بيوت تعود ملكيتها إلى الحكومة، ثم عاد المعارضون وأخرجوا بالقوة تلك العائلات التي كانت تقطن تلك المنازل.
3- النزاع الطبيعي الذي ولّد التهجير القسري الطائفي بين السُّنة والشيعة، والفلسطينيون هم من السُّنة، ومنطقتهم كانت تقع تحت نفوذ جيش المهدي.

· الانسحابات من الحكومة:

الجو السياسي الخانق والصراع المحتدم (حول تنفيذ أجندات متناقضة في كثير من الأحيان) الذي تميز به العراق في 2007 وما زال، سواء بين السُّنة والشيعة أو بين الحكومة القائمة على مبدأ المحاصصة الطائفية والقومية، وبين قوى تنأى بنفسها عن هذا الوصف، أو النزاعات بين مكونات طائفة واحدة… كل ذلك انعكس على واقع الحكومة العراقية.
في 29 حزيران 2007 علقت جبهة التوافق العراقية المعرّفة بممثل السُّنة في الحكومة مشاركة وزرائها الستة في اجتماعات مجلس الوزراء، ثم انسحبت من الحكومة بالكامل، ومنهم نائب رئيس الوزراء سلام الزوبعي. بررت الجبهة انسحابها بتهميشها من طرف رئيس الحكومة في اتخاذ القرارت المصيرية؛ والأمنية منها على وجه الخصوص، وطالبت بإصدار عفو عام عن المعتقلين الذين لم تثبت عليهم التهم الجنائية، والقضاء على الميليشيات، مع تصفية الأجهزة الأمنية من الجيش والشرطة من العناصر الفاسدة والموالية لجهات وكيانات خارج الأطر الرسمية. وبقي للجبهة في مؤسسات الدولة شخصان فقط هما نائب الرئيس طارق الهاشمي ورئيس البرلمان محمود المشهداني.
بعد أقل من شهرين من انسحاب التوافق، وفي يوم 15 أغسطس 2007 انسحبت القائمة العراقية التي يتزعهما رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي بخمسة وزراء على إثر رفض الحكومة قائمة مطالب سياسية إصلاحية تقدمت بها قبل خمسة أشهر من الموعد السالف. وبعدها انسحبت الكتلة الصدرية التي تتبع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بستة وزراء وتركت الحرية للمالكي في ملء الشواغر شريطة أن يكونوا مستقلين تكنوقراط، لكن هذا لم يحصل فجو العراق لا يسمح بتولي التكنوقراط الحكم.
رئيس الوزراء من جانبه رفض الاستقالات جميعها، إلا أن الحكومة كانت تعقد اجتماعاتها بغياب (16) وزيرًا خدميًّا؛ لأن الوزير السابع عشر (علي بابان – وزير التخطيط) رجع إلى أداء مهامه وكسر قرار الحزب الإسلامي العراقي الذي كان عضوًا في مكتبه السياسي ومكونًا رئيسًا في جبهة التوافق؛ ونتيجة لذلك فصل الحزب الإسلامي بابان من صفوف تنظيماته.

· حادثة 16 سبتمبر 2007:

في يوم 16 سبتمبر 2007 كانت قافلة من العربات الخاصة ببنادق مركبة من أعلاها قد اقتربت من ساحة النسور وسط العاصمة بغداد، ترافقها طوافتان. أخذت العربات جولة دائرية حولة الساحة التي تلتقي فيها أربعة شوارع رئيسية وسط بغداد، ثم توقفت وبدأت بإطلاق النار صوب السيارات المدنية والمواطنين في المنطقة المحيطة. ما حدث (كان فيلم رعب)[18]، بهذه التعبيرات وصف أحد شهود العيان الحادث. بعد (15) دقيقة غادرت القافلة المكان مخلفة وراءها (17) قتيلاً والعشرات من الجرحى. بعض من الجثث تفحمت ولم يتم التعرف عليها إلا من خلال بقايا أسنان داخل الفم أو حذاء تعرف عليها الزوج أو الأب. هذه الحادثة هزت الشارع العراقي هزًّا، وحركت المجتمع الدولي كما دفعت بالحكومة العراقية لطرح قضية محاسبة المتعاقدين بقوة والحصانة التي منحهم إياها الحاكم الأمريكي السابق في العراق بول بريمر.
القتلة كانوا من شركة (بلاك ووتر) الأمنية الأمريكية، وفي تعليقه على الحادث قال رئيس مجلس إدارتها أمام الكونجرس في جلسة استجواب: إن حراس الشركة ردّوا على أهداف تنطوي على التهديد وكانت بادرت بإطلاق النار عليهم. لكن حادثة ساحة النسور لم تكن الأولى من نوعها. فقد أثبت تقرير حقوق الإنسان الصادر عن مكتب الأمم المتحدة ببغداد في 30 يوليو 2007 تقارير عدة تشير إلى حوادث قتل يرتكبها متعاقدون يتم استئجارهم بشكل خاص تتعلق بالأمن، بالاستناد إلى ما نشرته صحيفة واشنطن بوست بأن موظفين لدى شركة بلاك ووتر قاموا بإطلاق النار على مواطن عراقي في 24 من مايو بحجة أنه اقترب بسيارته الشخصية كثيرًا من موكبهم.
وفي حادث آخر نشرت صحيفة الإندبندنت في 15 يونيو قتل شاب في التاسعة عشرة من عمره في منطقة المسبح ببغداد أيضًا. وفي جلسة للكونجرس الأمريكي في أكتوبر 2007 قالت لجنة الخاصة بالإصلاح الحكومي والرقابي: أن 195 حادث إطلاق النار وقع بين عامي 2005-2007 في العراق: 160 حادثًا منها بادر فيها العاملون بإطلاق النار أولاً.

· الشركات الأمنية

توجد في العراق أكثر من (100) شركة أمنية، وجميعها منظمة في اتحاد واحد تحت عنوان (اتحاد الشركات الأمنية في العراق)، وتتراوح أجرة المرتزقين العاملين فيها بين 900-3000 دولار أمريكي في اليوم.
أكبر هذه الشركات هي (بلاك ووتر- الماء الأسود)[19] تأسست عام 1996 من قبل المليونير من كتلة المحافظين (إيريك برينس) الذي عمل سابقًا في سلاح البحرية الأمريكية، ويعتبر سليل أسرة غنية من ولاية ميتشجان، ساعد في تأسيس الشركة ثروةُ إيريك والمساحة الشاسعة من الأراضي التي كان يمتلكها في ولاية كارولينا الشمالية المقدرة بـ5000 هكتار. تلبي الشركة طلبات الحكومة من حيث الأسلحة والتدريب على النواحي الأمنية. وقد سهل من إنشائها القوانين الأمريكية في الخصخصة.
في غضون أسبوعين بعد أحداث 11 من سبتمبر 2001 صارت بلاك ووتر لاعبًا رئيسيًّا في الحرب على أفغانستان ومن بعدها على العراق. يعمل لصالحها الآن حوالي 2.3 مليون جندي (مرتزق) في جميع أنحاء العالم، ولديها أسطول جوي يقدر بـ (20) طائرة وجهاز استخبارات. كان أكبر عقد حصلت عليه بلاك ووتر في العراق عام 2003 بقيمة 21 مليون دولار مقابل القيام بالحماية المباشرة للحاكم الأمريكي بول بريمر والسفراء الأمريكيين المتلاحقين (جون نغروبونتي- زلماي خليل زادة – رايان كروكر)، لكن عددًا من القادة في الحكومة العراقية أيضًا كانوا محميين بحراس شخصيين من بلاك ووتر. بل إن ديفيد بترايوس الجنرال العسكري -قائد القوات متعددة الجنسيات في العراق- اعترف أمام لجنة الكونجرس بأن حراسه الشخصيين من الشركات الأمنية وليسوا جنودًا في الجيش الأمريكي. يبلغ عدد المرتزقة للشركات الأمنية في العراق حوالي 100.000.
هذه الشركات لم تكن معروفة ولم يسلط عليها الضوء إلى أن وقعت أحداث الفلوجة في 31 مارس 2004. في وقته قتل أربعة من العاملين في بلاك ووتر، ومثَّل شبابٌ قرويُّون بجثثهم، وعُلقت اثنتان منها على أسلاك كهربائية، في مشهد نقلته مختلف الشاشات العالمية التلفزيونية. وعلى إثره قرر بريمر شن حرب انتقام على المدينة، أهلكت الحرث والنسل، ودمرت البيوت على ساكنيها.
الصحفي الأمريكي جيرمي سكاهيل كتب كتابًا تحت عنوان (مرتزقة بلاك ووتر-جيش بوش الخفي)، قال فيه إنهم أقوى جيش مرتزقة في العالم.

الحصانة من الملاحقة القانونية:

هؤلاء العشرات من الآلاف من المرتزقة الأمنيين الذين غالبيتهم من الجنود المحالين إلى التقاعد في الولايات المتحدة الأمريكية أحرار في كل ما يفعلون ويرتكبون من جرائم جنائية، لا أحد يحاسبهم، لا يُسألون عما يفعلون. هذا الحق متعهم به بريمر حينما قرر بأن المتعاقدين الأمنيين لا تشملهم القوانين الجنائية العراقية بقرار رقم 17 في شهر يونيو 2004 الصادر من سلطة الائتلاف المؤقتة حينذاك. وعرف بريمر المتعاقدين بأنهم “شخصيات اعتبارية غير عراقية لا تتواجد في العراق في الحالات الطبيعية بما يشمل العاملين بهذه الجهات من الموظفين غير العراقيين”. وبناء عليه، فإن جرائم هؤلاء لا يتم توثيقها ولا ينطبق عليهم القانون واتفاقيات جنيف. ومن جانبها دعت منظمة (هيومن رايتس ووتش) في 8 يناير 2008م البرلمان العراقي إلى إبطال القرار رقم 17 ووضع حد لإفلات المتعاقدين من العقاب[20]، كما دعت المنظمة الحكومة الأمريكية إلى مقاضاة المتعاقدين الأمنيين الأمريكيين في محاكم أمريكية إذا كانوا قد ارتكبوا جرائم بحق المدنيين العراقيين، وقد تمَّ رفع الحصانة عنهم بالفعل عقب التصديق على الاتفاقية الأمنية الاستراتيجية بين بغداد وواشنطن، على أن يدخل هذا حيّز التنفيذ ابتداء من الأول من شهر يناير 2009، وأَبلغت الإدارة الأمريكية ممثلي الشركات المتعاقدة مع وزارتي الدفاع والخارجية بذلك.

· مشاكل النفط بين أربيل وبغداد:

في أربيل -عاصمة كردستان العراق- حكومة محلية تملك برلمانًا ودستورًا ومجلسًا للوزراء ورئيسًا لإقليم كردستان؛ هو الزعيم الكردي مسعود البارزاني. وفي بغداد حكومة تحكم بلا مركزية وفق القانون الاتحادي، لها برلمان ودستور ومجلس للوزراء، والأكراد جزء منها. لكن تضارب الصلاحيات كان –ومازال- يفجر خلافات الى حدٍّ تهديد الأكراد بإعلان الاستقلال. ويقف وراء تلك الخلافات أمران أساسيان: النفط والميزانية السنوية المخصصة للشطر الكردي.
في شهر نوفمبر 2007، قامت حكومة كردستان بتوقيع (15) عقدًا للتنقيب عن النفط مع عشرين شركة دولية من دون العودة إلى طلب موافقة حكومة بغداد في ذلك؛ حيث قال وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني إنني سمعت بخبر التوقيع على العقود عبر وسائل الإعلام!!
والاعتراض من بغداد كان بسبب عدم التوقيع على قانون النفط والغاز وتقسيم الثروات بين الأقاليم والمحافظات من طرف البرلمان؛ حيث لم ينتظر الأكراد تمرير القانون برلمانيًّا واستندوا على قانون إقليم كردستان الخاص بالحركة الاقتصادية في إطار حكومتهم المحلية في العراق الفيدرالي.
وزارة النفط العراقية هددت بمنع الشركات التي وقّعت العقود مع أربيل وحرمانها من العمل في العراق في حال الاستمرار مع أربيل. وهذا الموقف سبَّب استياءً كبيرًا لدى الأكراد وطالبوا باستقالة وزير النفط. ثم جاءت وفود من أربيل إلى بغداد من أجل حل القضية لكنها لم تحل وبقيت المسألة في توتر بانتظار إقرار القانون من البرلمان في بغداد. وللإشارة فإن الإدارة الأمريكية وقفت مع بغداد في نزاعها وطالبت كردستان بالتأني لحين إقرار قانون تقاسم الثروات رسميًّا.

ثالثًا- أهم المحطات في عام 2008:

· قانون المساءلة والعدالة
في يوم 21 يناير 2008 مرّر البرلمان العراقي -بعد مخاض طويل ونقاشات حادة وصلت إلى حد الاتهامات بين البرلمانيين- قانونًا يسمى “قانون المساءلة والعدالة” كإطار جديد للتعامل مع أعضاء حزب البعث السابقين. التصويت على القانون أُجِّل لمرات متتالية بسبب الخلاف الحاد بين من يرى بضرورة رفع الظلم عن الأبرياء الذين مُنعوا من ممارسة حقوقهم الطبيعية كمواطنين في البلد بسبب تسييس الإجراءات التنفيذية، وبين من يرى أن البعث لا بد أن يُعاقب وأن البعثيين لابد أن يحاكموا.
جاء هذا القانون ليحلّ محل “قانون هيئة اجتثاث البعث” الذي أصدره بريمر وسحب حق الوجود من البعث ككيان سياسي منظم، والذي رأى فيه عدد كبير من المراقبين سببًا في توتير الوضع الأمني، خاصة بعد أن استعمل القانون لتصفيات سياسية. وكان الدكتور أحمد الجلبي وُضع على رأس هيئة اجتثاث البعث.
هذا القانون قسم المنتمين إلى البعث إلى أقسام؛ على أن يكون القضاء هو الطرف الذي يبتُّ بمدى مسئولية العضو المحاكَم، في حين يحال أعضاء الفرق والشعب أتوماتيكيًّا إلى التقاعد. ويخصص راتب شهري لعائلات المعاقبين. وكان التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر قد وقف ضد القانون في حين رآه آخرون دون المستوى المطلوب.

· قانون العفو العام
هذا القانون الذي صادق عليه البرلمان في فبراير، جاء بضغط كبير من جبهة التوافق العراقية، وكان سببًا في انسحابها من الحكومة. وبعد إقراره من مجلس الوزراء للإفراج عن أصناف عديدة من المعتقلين في السجون العراقية، كخطوة باتجاه المصالحة الوطنية. ولتنفيذه شكَّلَ مجلس القضاء الأعلى عدة لجان، وأصدر استمارات مخصصة ليتابع ذووا السجناء إجراءات الإفراج عن أقاربهم. ووفقًا لما صرح به المتحدث باسم مجلس القضاء الأعلى، فإن قرار العفو شمل حوالي 70,000 ممن صدرت بحقهم أحكامٌ قضائية أو من أُخلي سبيلهم بكفالة، فيما بلغ عدد المطلوبين ممن شملهم العفو ولم يُلقَ القبض عليهم 33,273 مطلوبًا. وكانت وزارتا الداخلية والدفاع العراقية تنفيان سابقًا قبل صدور القرار وجود أكثر من 40.000 سجين لديها[21].

الانفتاح الدبلوماسي الإقليمي على العراق

§ زيارة الرئيس الإيراني

وصل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى بغداد صبيحة 2 مارس 2008 في زيارة وصفها -في مؤتمر صحفي مع نظيره العراقي- بأنها صفحة جديدة تفتح في تاريخ العلاقات بين البلدين. وهي الأولى لرئيس إيراني منذ (29) عامًا. استغرقت الزيارة يومين حرص نجاد خلالهما على اللقاء بمختلف الكيانات السياسية والدينية العراقية. وقال نجاد إن وجوده بغياب الدكتاتور -في إشارة إلى صدام حسين- يبعث على السرور، داعيًا إلى انسحاب القوات المحتلة –كما قال- من العراق، لكنه نسي بأن القوات المحتلة هذه هي التي هيَّأت له أجواء زيارةٍ الدكتاتور غائب فيها.
في نهاية الزيارة أصدر مكتب الرئاسة العراقية بيانًا لخص فيه ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين؛ حيث تم الاتفاق على سبع نقاط لعل أهمها ما تناول القضايا الأمنية والمشاكل الحدودية بين البلدين. وقد شدّد الجانبان على التنسيق بين الأجهزة الأمنية، كما نص الاتفاق المُوقّع على تشكيل لجان مخصصة تنفيذية لترسيم الحدود المائية والبرية في مياه شط العرب، إضافة إلى الحقول النفطية والغازية المشتركة بين البلدين. وقد سبقت زيارة نجاد اتهامات وجهها مسئولون عراقيون إلى طهران باستثمار الحقول النفطية المشتركة مستغلة الظروف الاستثنائية التي يمر بها العراق، كما كانت الزيارة تسجيلاً لسبق دبلوماسي إيراني في مقابل الغياب العربي.
إلا أن الكثير من القوى الشعبية والسياسية العراقية كانت منزعجة من زيارة الرئيس الإيراني؛ أثرًا عن مخلفات الحرب العراقية-الإيرانية إضافة إلى تدريب مسلحي كيانات سياسية أو مجموعات خاصة لقتل العراقيين. وفي لقاء مع قناة العربية قال نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي إنه دخل في حوار صريح ومتوتر مع نجاد، وأن الهاشمي قال له: لو لم تسحبوا أيديكم من التدخل في الشأن العراقي سنوقع الاتفاق مع الأمريكيين حتى ولو كان مع (الشيطان الأكبر)!!! كفوا عنا!!

§ زيارة رئيس الوزراء التركي

في فبراير دخل حوالي 100,000 جندي تركي الأراضي العراقية بمساندة جوية وأربعين مدرعة عسكرية لملاحقة أفراد حزب العمال الكردستاني؛ لأنه -وحسب حكومة أنقرة- فإن مقاتلي حزب العمال يتخذون مقرًّا من المناطق الجبلية في كردستان العراق كقاعدة للهجوم داخل الأراضي التركية ضد الجيش والمؤسسات التركية. وقد سبب عبور الحدود العراقية توترًا شديدًا بين بغداد وأنقرة، إلا أن التصريحات النارية المتبادلة كانت بين الأكراد والأتراك.
بعد العملية العسكرية بعدة أشهر، وفي 10- يوليو-2008 قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بزيارة لبغداد، اجتمع خلالها برئيس الجمهورية العراقية ورئيس مجلس الوزراء. وتركز الحديث في اتجاهين: الأساسي شأن أمني عسكري؛ وهو تحديدًا ما يتعلق بحزب العمال الكردستاني وما تقوله أنقرة عن إيواء الأكراد لعناصر الحزب في مناطقهم في كردستان لشن هجمات داخل الأراضي التركية؛ حيث تم إقرار العمل من أجل منع تنقل السلاح والمسلّحين من وإلى العراق. هذا إضافة إلى الحديث عن حاجيات العراق من مياه نهري دجلة والفرات. وفي الزيارة قال أردوغان إن بلاده تريد رفع حجم التبادل التجاري مع العراق إلى (25) مليار دولار أمريكي في السنة الواحدة.

§ زيارة الملك الأردني

كما زار العاهل الأردني الملك عبد الله العراق في 10 أغسطس 2008 في أول زيارة لرئيس عربي منذ الإطاحة بالنظام العراقي عام 2003. وكانت الزيارة سريعة للغاية لم تتجاوز ساعات معدودات أجرى خلالها الملك عبد الله مباحثات مع رئيس الوزراء العراقي قيل إنها اتسمت بالصراحة لما للعرب من ملاحظات على الحكومة العراقية وأدائها ومواقفها. وقد شكلت زيارة العاهل الأردني بداية الانفتاح العربي على العراق؛ حيث جاء بعده بأسابيع قليلة رئيس الوزراء اللبناني في زيارة اقتصادية تجارية في 20 من شهر أغسطس، وحصل خلالها على النفط العراقي بسعر تفضيلي.

§ ضرب الميليشيات

تميزت الحياة العسكرية والميدانية والسياسية في العراق بسيطرة شبه كاملة للميليشيات المسلحة على جميع مفاصل الدولة والتحكم بها. قسم من هذه الميليشيات ينتمي إلى أحزاب السلطة من مثل منظمة بدر، لكن الذي مثّل مشكلة بالنسبة إلى الجميع -بمن فيهم الشيعة أنفسهم- هو جيش المهدي بإقرار الحكومة والأحزاب سُنّة وشيعة وكردًا، من دون أن يعني ذلك عدم تورط الآخرين. مع أن عناصر هذا الجيش خاضوا ثورتين ضد القوات الأمريكية في 2004، إلا أنهم تورطوا حتى النخاع في القتال الطائفي مع السُّنة. وقلة الدراية السياسية لقادته جعلته سياجًا سهل الاختراق؛ ومن ثم تم استخدامه في أعمال تبدو متناقضة إلى حدٍّ كبير؛ من مثل ضرب الأمريكيين وإيذاء المتعاملين معهم من مترجمين وموظفين وضرب الشرطة العراقية –ومن هنا تصفية حسابات مع منظمة بدر التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى- من أجل السيطرة على الشارع الشيعي، كما لم يتوانَ جيش المهدي من قتل أبناء الطائفة السُنّية تحديدًا بعد تفجيرات ضريحي الإماميْن العسكريين في سامراء 22 فبراير 2006.
باختصار، أصبح جيش المهدي مواجهًا للجميع ومخترَقا إلى حد كبير من إيران وسوريا ومن قيادات بعثية وعسكرية سابقة؛ هذا ما يقوله الشارع. ولهذا كان مقتدى الصدر يتبرأ بين فينة وأخرى من مجموعة منهم.
كما كان لكل منطقة ميليشياتها كالبصرة (ثانية أكبر مدن العراق)؛ حيث سيطرت هذه الميليشيات على موارد النفط وتهريبه بتسهيلات من إيران، وفرض ضرائب تعود إلى الجهات التي تنتمي إليها هذه الميليشيات. وكانت الاتهامات متبادلة بين حزب الفضيلة الإسلامي وجيش المهدي ومنظمة بدر، وكلها كيانات شيعية تتقاسم السلطة في محافظة البصرة، إضافة إلى عمليات الاغتيال الواسعة ضد أطباء وأساتذة جامعات وبنات سافرات أو لباسهن لم ينسجم مع المقاييس الدينية، وفق تفسيرات هذه الكيانات للدين.
وبعد أن ضاق الذرع بالناس قررت الحكومة في شخص رئيس الوزراء التصدي لمن سمتهم بالعناصر الخارجة على القانون. لكن الذي حدث كان خارج التوقع؛ حيث تصدى جيش المهدي للقوات العراقية في 23 مارس 2008. وأصبحت مدينة البصرة ساحة حرب حقيقية مالت الكفة فيها بمرور الأيام لصالح ميليشيا جيش المهدي إلى درجة أن الحكومة لم تكن تهتدي إلى وسيلة لحفظ ماء الوجه والخروج من العملية بسلام نظرًا للتسليح الجيد للميليشيات.
امتدت المواجهات كالنار في الهشيم إلى العاصمة بغداد بالتركيز على مدينة الصدر -الضاحية الشرقية الشيعية الشعبية الفقيرة للمدينة– ووصلت إلى الديوانية والكوت والناصرية وكربلاء. ولو لم تتدخل القوات الأمريكية في الوقت المناسب لكان رئيس الوزراء العراقي وقع في الأسر بيد رجال جيش المهدي. وفي هذه الفترة كان مقتدى الصدر يصدر بياناته من خارج الحدود –مدينة قُم الإيرانية- وطالب فيها نوري المالكي بمغادرة مدينة البصرة وترك القضية للجنة برلمانية تحلها. كما زار وفد من كبار قادة حزبي الدعوة والمجلس الأعلى إيران والتقى الوفد برئيس الحرس الثوري الإيراني من أجل وقف الدعم عن جيش المهدي لكن رجع الوفد خاوي اليدين.

نتيجة هذه المواجهة بين الحكومة وجيش المهدي كانت كالآتي:
1- وقوف جميع القوى السياسية مع الحكومة بالكامل حتى المنسحبة منها والسُنّية بالخصوص.
2- وضعت المواجهات خطًّا فاصلاً على طريق العلاقات بين الحكومة والتيار الصدري الذي ينتمي إليه جيش المهدي وكان الطلاق البائن، علمًا أن برلمانيي مقتدى الصدر هم الذين أوصلوا المالكي إلى منصب رئاسة الوزراء.
3- دفعت العمليات مسيرة المصالحة السياسية الوطنية إلى الأمام بمقدار كبير، وقد وصف الرئيس العراقي الفترة التي أعقبت العمليات بالربيع السياسي في العراق.
4- عودة الأمن إلى الشارع بنسبة كبيرة للغاية.
5- ظهور منظمة بدر الشيعية المنافسة لجيش المهدي من جديد بعد الضربة القاتلة التي تلقاها الأخير من الحكومة.
6- ذهاب ريح جيش المهدي في الشارع واختباء عناصره بعد أن كانوا يتحكمون.
7- إعادة نوع من الثقة بنسبة قليلة إلى داخل المحاور الرسمية للدولة بين رئيس البرلمان ونائب الرئيس طارق الهاشمي من جهة ورئيس الوزراء من جهة ثانية.
8- اكتسب رئيس الوزراء قدرًا من الاحترام في الشارع العراقي بعد إقدامه على هذه الخطوة التي لم يخطط لها، ولم تكن في باله بل وجد نفسه في خضمها بعد أن بادره جيش المهدي بالمواجهة.

§ عودة جبهة التوافق إلى الحكومة

بعد نقاشات وجلسات متتالية وصلت الحكومة إلى اتفاق مع جبهة التوافق العراقية المنسحبة من الحكومة، وعلى إثرها استأنفت الجبهة ممارسة عملها الحكومي داخل مجلس الوزراء؛ حيث قالت الجبهة إنها حصلت على تلبية نسبة لا بأس بها من مطالبها التي تركت الحكومة لأجلها.
وفي يوم 19 يوليو 2008 صوت البرلمان العراقي على منح الثقة لعشرة وزراء: خمسة منهم مع نائب لرئيس الوزراء ينتمون إلى جبهة التوافق، وأربعة منهم لشغل الحقائب التي تركها التيار الصدري. وبذلك انتهت خمسة عشر شهرًا تقريبًا من الانقطاع السُنّي للحكومة وبدأت اجتماعات الحكومة بالنصاب القانوني.

§ الانضمام إلى معاهدة منع التعذيب

في منتصف شهر يوليو أقر البرلمان العراقي قانونًا لانضمام العراق إلى اتفاق مناهضة التعذيب والأفعال المهينة الأخرى. وفي يوم الأحد 17 أغسطس 2008 صادق مجلس الرئاسة العراقي على قانون انضمام جمهورية العراق إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أوالعقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة المعتمدة من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1984 والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 1987.

فدرلة العراق

تنص المادة الأولى من الدستور العراقي على أنّ (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني، ديمقراطي). وفي المادة 116 ينص على أنه (يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة وأقاليم ومحافظات لا مركزية وإدارات محلية) وفي المادة 119 (يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب، بالاستفتاء عليه ..). إذن العراق بلد اتحادي تعددي فدرالي بإدارات وحكومات محلية. وتفصيلات أو الخطوات الإجرائية المؤطِرة لتنفيذ هذه المواد الدستورية من مهمة مجلس النواب، وفي هذا تنص الفقرة الرابعة من المادة رقم 122 من الدستور: (يُنظَّم بقانون انتخاب مجلس المحافظة والمحافظ وصلاحياتهما).
وعلى هذا الأساس خاض البرلمان نقاشات مستفيضة دامت فترة ليست بقصيرة من الزمن وتدخلت فيها الأمم الأمتحدة لسَنِّ قانونِ مجالس المحافظات الذي كان من المقرّر إجراؤها في شهر أكتوبر لعام 2008. لكن الذي حصل وبدلاً من أن يوحِّد الكيان الفدرالي الأطراف المتنوعة، وقع انقسام حوَّلَ البرلمانَ إلى شقين متقابلين فيما عُرِف في وقته بـ”قوى 22 تموز” و”الأكراد”، حيث نص القانون الذي صوت عليه البرلمان على تقسيم الإدارة في كركوك بين المكونات (بالتساوي)؛ الأمر الذي لاقى رفضًا شديدًا من الأكراد؛ لأن النسبة القومية في المدينة ليست متساوية، ومن هنا رفض رئيس الجمهورية الكردي القانون بما له من صلاحيات دستورية وأعاده إلى البرلمان، ثم بعد محاولات حثيثة حُلَّت الإشكالية، لكن إشكالية أخرى حلت محلها وهي “حقوق الأقليات”.
فبما أن النظام في العراق وتوزيع المناصب فيه قائم على المحاصصة القومية والطائفية، طلبت المكونات الصغيرة من مثل المسيحيين والصابئة والإيزيديين والشبك بتحديد مقاعد لهم في مجالس المحافظات التي يتواجدون فيها، وكان ذلك تكريسًا لوضع خريطة قومية طائفية مذهبية للعراق، وتدخلت الأمم المتحدة في هذه النقطة أيضًا. ثم حالت الخلافات بين القوى الرئيسية دون حصول الأقليات الصغيرة على ما يستحقون –حسب تصورهم. وأُقِرَّ القانون من طرف البرلمان. وهكذا بدل أن يوحد القانون الجميع في كيان واحد متفق عليه، تسبّب في تمزيق النسيج الاجتماعي العراقي.

الاتفاقية الأمنية العراقية-الأمريكية

المدى من الحديث الذي أخذته هذه القضية كان طويلاً وقاسيًا بين العراقيين أنفسهم؛ نظرًا لخطورة الأمر على مستقبل العراق كبلد مستقل وما تتركه هذه الاتفاقية من أثر على المنطقة برمتها تحديدًا ما يتعلق بإيران.
العراق أراد الوصول إلى اتفاقية من الولايات المتحدة للخروج من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ورفع اليد عن حوالي (70) مليار دولار من الأموال العراقية بالخارج، وواشنطن أرادتها لوضع خريطة مفصلة قانونية لقواتها في العراق، ولطبيعة علاقاتها معه قبل أن يفقد من الأوراق ما تمتلكها في الساحة الآن.
أصل الاتفاقية هو التوقيع على مبادئ بين الرئيس الأمريكي جورج بوش والرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عبر دائرة تلفزيونية مغلقة في ديسمبر2007. المبادئ تلك شملت النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. طلب العراق خلالها تعهدًا من واشنطن لحمايته والدفاع عنه من التهديدات الداخلية والخارجية. وكان خوف العراقيين كبيرًا من تصريحات المسئولين الديمقراطيين حول الانسحاب السريع من العراق ولهذا قال وزير الخارجية العراقي في 15 فبراير 2008: نحن نريد التوصل إلى اتفاقية متكاملة مع واشنطن قبل انتهاء ولاية الإدارة الحالية.
انطلقت المحادثات ببغداد بين وفدي البلدين في يوم 11 مارس، قاد الوفد العراقي وزارة الخارجية بمشاركة ممثلين عن الوزارات المعنية (الداخلية والدفاع والتخطيط)، كما وصل من واشنطن خبراء أمريكيون لهذا الغرض. بداية الطريق كان صعبًا للطرفين حيث المسودة المقدمة من الأمريكيين رفضتها جميع الكيانات العراقية بالإجماع، وكاد أن يصل الأمر إلى طريق مسدود. بعد ذلك عدلت الولايات المتحدة شيئًا فشيئًا، والعراقيون خففوا من طلباتهم شيئًا فشيئًا لحين التوصل إلى نقطة قريبة من الاتفاق.
وفي يوم 21 أغسطس 2008 قالت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في تصريحات صحفية في بغداد أن العراقيين والأمريكيين قريبون جدًّا جدًّا من التوقيع على الاتفاقية، لكن الأمر لم يكن كذلك، وبقيت نقاط بالغة الأهمية موضع خلاف بين الطرفين رغم تصريحات رايس، وهي حركة القوات الأمريكية في العراق والحصانة للشركات الأمنية العاملة وجدول زمني للانسحاب وحصانة الجنود الأمريكيين. الجدول الزمني تم تحديده بـ(أفق زمني)[22] يقضي بمغادرة القوات الأمريكية المدن العراقية كلها في شهر يونيو 2009، على أن تغادر هذ القوات الأراضي العراقية نهاية عام 2011 وفقًا للمادة 24 من الإتفاقية، ويبقى التاريخ مرهونًا بالحالة الأمنية العراقية (مع اختلاف في ذلك بين النصين الإنكليزي والعربي للاتفاقية)، والحصانة أجزم العراق أنه لن يقبل بها نظرًا للفواجع والمشاكل التي يسببها رجال الشركات الخاصة هذه في صفوف المدنيين.

تأخذ الاتفاقية مسارين:

الأول- اتفاق استراتيجي بعيد المدى يحدد إطار العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات.
الثاني- وضع القوات الأمريكية في العراق بعد 31 ديسمبر 2008؛ حيث تنتهي الفترة التي حددها مجلس الأمن لبقائها بناء على طلب من الحكومة العراقية.
كان من المتوقع أن يتم التوقيع على بنود الاتفاقية بحلول 31 يوليو 2008، لكن هُوة الخلاف بين الطرفين حالت دون حصول ذلك، وامتدت النقاشات بين الجانبين إلى شهر نوفمبر حيث تم حل إشكالية الولاية القضائية للجنود الأمريكيين؛ بإعطاء العراق (الحق الأولي) في مقاضاة مرتكبي الجنايات (الجسيمة) من الجنود الأمريكيين خارج أداء الواجب، على أن يشارك القانون الأمريكي مع القانون العراقي في إجراءات المحاكمة، بالإضافة إلى حق أحد الطرفين أن بطلب من الطرف الثاني التنازل عن حقه الأولي.
وهذه كلها فقط لتسهيل تمرير الاتفاقية، وإلا فإن وضعًا كهذا يصعب تواجده في الواقع، فالجنود الأمريكيون لا يخرجون من الثكنات العسكرية إلاّ لأداء الواجب!! إضافة إلى أن نقابة المحامين العراقيين أصدرت دراسة تفصيلية أثبتت فيها أن البند (12) المتعلق بالولاية القضائية ينتهك القانون الجنائي العراقي النافذ رقم 111 لعام 1969..
أقرَّت الحكومة العراقية الاتفاقية بموافقة (27) وزيرًا من مجموع (28) وزيرًا حضروا جلسة استثنائية في 17 نوفمبر 2008 بعد وصول المفاوضات إلى نهايتها. بعدها أحيلت إلى البرلمان وبدأت المناقشات في البرلمان في 19 نوفمبر؛ أي بعد يومين من تصويت الحكومة.
الجلسة الأولى كانت أكثر من المتشنجة: بدأ النواب بحضور وزير الخارجية بالنقاشات، لكن شدة المعارضة من النواب الصدريين أدت إلى مناوشات بينهم وبين حماية وزير الخارجية وضرب بالأيدي داخل قاعة البرلمان أدى إلى رمي الورود وزجاجات المياه من على منصة رئاسة البرلمان. أجبر ذلك رئيس مجلس النواب إلى رفع الجلسة لليوم التالي.
الصوت الغالب كان ضد الاتفاقية؛ من التيار الصدري وحزب الفضيلة وجبهة التوافق والقائمة العراقية وكتلة الحوار الوطني، لكن الوضع الذي يمرّ به العراق وخطورة ترك الأمريكيين الساحة فارغة في حال رفض الاتفاقية ليَّنَ من موقف بعض من تلك الكيانات، إلا أنّ الخلافات السياسية والأداء غير الموفق لرئيس الوزراء فيما يتعلق بالاتفاقية دفع بجبهة التوافق العراقية بربط الموافقة على الاتفاقية بتبني وثيقة إصلاحية سياسية يصوت عليها البرلمان قبل التصديق على الاتفقاية، وتكون الوثيقة ملزمة التنفيذ.
حصل ذلك، وكان من ضمن الوثيقة إجراء استفتاء شعبي في شهر يونيو من عام 2009 بعد ستة أشهر من دخول الاتفاقية حيّز التنفيذ لمعرفة رأي الجماهير العراقية حيال الاتفاقية ونتائجها في الشهور الأولى.
وفي يوم الخميس 27/11/2008 في الساعة الثالثة وخمسة وثلاثين دقيقة بعد الظهر، صادق البرلمان العراقي على الاتفاقية بغالبية 149 من مجموع 194 نائبًا حضروا الجلسة بغياب (81). وبذلك تمّ تبني الاتفاقية رسميًّا وتم رفعها لمجلس الرئاسة العراقية الذي صادق بدوره على الإتفاقية بإجماع أعضائه الثلاثة -الرئيس ونائبيه- في 4/ ديسمبر 2008.
ومما أريد لفت النظر إليه: الموقف الإيراني من الاتفاقية، فإيران كلها بجميع مؤسساتها الرسمية والأهلية قد شنت حربًا شعواء على الاتفاقية وتبنى الإعلامُ الإيراني خطًّا تحريضيًّا للعراقيين ضد الاتفاقية، لكن بعد التصديق لانَتْ الأمور كثيراً كثيراً. وفي اليوم التالي من مصادقة البرلمان تحدث رئيس مجلس خبراء الدستور الإيراني عن إيجابيات في الاتفاقية، إضافة إلى وزير خارجية إيران الذي قال في 2 نوفمبر إن الاتفاقية فيها مؤشرات جيدة، منها مغادرة الجنود الأمريكيين الأراضي العراقية بحلول نهاية عام 2011.

الواقع الراهن

أهم شيء من الضروري التركيز عليه -في تصوري- هو العلاقات الاجتماعية بين العائلات العراقية -تحديدًا الشيعة والسُّنة من العرب في الوسط والجنوب- فمع الأسف الشديد تعاني شبكة العلاقات بين العراقيين من تمزق كبير جدًّا، والثقة تقلصت بنسبة ملفتة للنظر. وأصبحت النفوس طائفية، وبدأت الحالة تقتصر على التزاور بين أهل المذهب الواحد، ولو كان هنالك العكس فهو من الاستثناءات.
المناطق السكنية تم فرزها طائفيًّا، فهذه منطقة سُنّية وتلك منطقة شيعية. والسكن أصبح محاطًا بخطورة بالغة على الحياة، ولا يفعله إلا مغامر أو غالب على أمره. وكل ذلك نتيجة القتال الطائفي والتهجير القسري مارسه مسلحون وميليشات من الطرفين. ورغم تحديد فترات زمنية لإعادة البيوت المصادرة إلى أصحابها المهجرين، إلا أنهم هاربون من الموت المُحقَّقْ -شيعة كانوا أوسنة، لكن من الإنصاف تسجيل أن عدداً لا بأس به من العائلات العراقية بقيت على مودتها من دون الاكتراث بالبعد المذهبي.
سياسيًّا: تتميز طبيعة العلاقة بين الفرقاء في الحكومة بعدم الثقة والتعامل على أساس الشك المتبادل، والبطء في تحقيق المصالحة الوطنية. كما أن الوشايات الكيدية مازالت تتسبب في الكثير من المشاكل. أما صورة السياسيين في الشارع العراقي فقد ساءت إلى حد بعيد في السنتين الأخيرتين بسبب عدم تحقيق الوعود وبسبب حدوث سلوكيات تنافي الحس الوطني المسئول.
أمنيًّا: وبالنظر إلى تفجير السيارات المفخخة أو العبوات، فقد أصبح أخف بكثير، ووصل إلى 5%. وتظل الأسواق مفتوحة إلى فترة من الليل. لكن بالمقابل ما زالت نسبة الاغتيالات مرتفعة وعلى حالها. وقد أكدت هذا مجموعةُ الأزمات الدولية في 16 أغسطس 2008، وكذلك الاختطاف. ومصداقًا لقولها فقد اغتال مسلحون بأسلحة كاتمة للصوت مستشار وزارة الثقافة العراقية يوم 13 أغسطس 2008 وسط بغداد بعد ما اعترضوا سيارته من دون خوف. والشيء الغريب هو أن كل منطقة تحولت إلى دائرة مغلقة بسياج كونكريتي عالٍ، ولها مدخل واحد فقط يمر بنقطة تفتيش. والحماية الأهم تأتي من أبناء المنطقة ذاتها، وليس من الجيش والشرطة. هذه صورة الغالبية من أحياء بغداد الرئيسية. لكن هذا الأمن الملحوظ يعترف كل الأوساط بأنه (هشّ) وقابل للانهيار في أية لحظة لأن أركان الأمن لم تثبت بعد.
ورغم العمليات العسكرية في البصرة مثلاً أو الموصل أو ديالى إلا أن الحال قلق، والمواطنون في هذه المحافظات يلاحظون عودة التوتر الأمني إلى مدنهم. ثم الشيء الأخطر في الناحية الأمنية هو عدم ثقة المواطن بالأجهزة الأمنية. فمثلا في 15 أغسطس داهمت قوة تحت عنوان مكافحة الإرهاب مبنى محافظة ديالى، وقتلت سكرتير المحافظ، وضربت آخرين ودخلت في مواجهة مع رجال الحماية من الشرطة الرسمية، ثم اعتقلت مسئول اللجنة الأمنية للمحافظة ثم رئيس جامعة ديالى وسرقت السيارات، ولا أحد يتحمل مسئولية هذه القوات لا من الحكومة ولا من الأمريكيين!! والآن بدأت ظاهرة العبوات اللاصقة بأسفل السيارات تقلق الجميع خاصة من المسؤولين أو ممن يعملون في خطوط النقل الخاص بموظفي الوزارات.
الواقع الخدمي: صحيًّا.. تبدأُ المشكلة من داخل المستشفيات من حيث رداءة الخدمات وقلة أسرّة المرضى والخدمة الطبية من الأطباء الجدد؛ حيث غادر(20) ألف طبيب من أصحاب الخبرة البلد وفق لجنة الصليب الأحمر، وقتل 2300 منذ عام 2003، و250 تم اختطافهم. والمشكلة أيضًا هي في تسريب الأدوية من المستشفيات وبيعها في السوق السوداء. واستيراد أدوية منتهية الصلاحية من مصادر مجهولة تباع في أرصفة الشوارع. وحتى الأدوية والعقاقير التي توصف للمريض من إنتاج معمل ( سامراء) أقرّ المفتش العام في وزارة الصحة أن الكثير منها من إنتاج عام 2005 ولم يبق على انتهاء صلاحيتها سوى شهرين أو ثلاثة.
وفي يوم 23 أغسطس 2008 قالت وزارة الصحة إن نماذجَ تم كشفها من الأدوية فيها مواد (سامّة). كما لابدّ من دفع مبالغ مالية من المريض للحصول على دواء أو إبرة من صيدلية المستشفى الحكومي. والكهرباء تنقطع عن المستشفيات لفترات طويلة. والأغرب من كل هذا أثبتت هيئة النزاهة الحكومية استخدام مواد مخدرة بيطرية في تخدير المرضى من البشر في بعض المستوصفات.
وما يدخل في المجال الصحي أيضًا هو (مياه الشرب)، فقد بدا الحصول على مياه شرب نظيفة مستحيلاً بسبب اختلاط مياه الصرف الصحي بمنابع المياه الرئيسية للمدن. وعجز المصافي من تنقيتها وبالتالي وجود نسبة كبيرة من التلوث في المياه التي تصل إلى داخل المنازل[23]. ومن هنا ليس لثلثي العائلة العراقية من بُدّ سوى (شراء) الماء من السوق للشرب وباستمرار وليس لفترة من الوقت محددة وهو ما يزيد كاهل العائلة من الناحية الاقتصادية، و الثلث الآخر لا مجال له سوى شرب المياه الملوَّثة. والبصرة التي تفتح سكانها عيونهم على مياه شط العرب كل صباح تعاني من ندرة مياه الشرب وتصاب الآلآف من العراقيين موسميًّا بوباء الكوليرا الذي استوطن البلد وفقًا للتقديرات الطبية.
على الرغم من وجود دجلة والفرات على الأرض العراقية والبترول الكثير تحت أرضه إلا أن الكهرباء مازالت من المشاكل الكبرى في العراق. أصبحت كالزائر الذي طال انتظاره، ويقوم بزيارة مخففة من دون أن يثقل أو يشغل أهل البيت كثيرًا. عدد ساعات الكهرباء في العاصمة بغداد ست ساعات متقطعة في أربع وعشرين ساعة. ولمعاجلة المشكلة لجأ الناس إلى المولدات المحلية، لكن هذا أيضًا بحاجة إلى الوقود (البنزين) وهو عالة أخرى تضاف إلى الأخريات. ولتر واحد من البنزين في بلد البترول تباع في السوق السوداء بـ(750) دينار عراقي، وهو في غلاء دائم. ففي سنة 2006 كان يباع عشرون لترًا من البنزين بـ(ستة آلآف) دينار. أما الآن يباع بـ(15) ألفًا. هذا إضافة إلى مشاكل الشتاء وتوفير وسائل التدفئة من نفط وغاز للطبخ، فقنينة غاز واحدة في 2006 كانت تباع بـ(ألفي دينار). أما الآن في 2008 وصلت إلى (15) ألف دينار عراقي -ما يعادل (12,5) دولار أمريكي.
الحالة الاقتصادية: لا شك بأن العراق شهد ازديادًا في التوظيف في الدوائر الحكومية، وأصبحت القدرة الشرائية للموظف أكبر من السابق، سواء كان الموظف من (الدرجة العادية أو من أصحاب الشهادات). طبعًا هذا في مواجهة الارتفاع المستمر للسلع التجارية على العموم، إلا أن البطالة تبقى متفشية بنسبة كبيرة بين الشباب والمحسوبية في التوظيف والانتماء السياسي له دور كبير، يسهل أو يصعب حصول المتقدم للتوظيف في دوائر الدولة. وفي بعض الأحيان تطالب بالتزكية الحزبية. وهذه حالة تحدث في إقليم كردستان أيضًا من الأحزاب المسيطرة أو الحاكمة.
ويعتبر الفساد الإداري إشكالية كبرى، وسرقة أموال الدولة من المسئولين الكبار الذين يصعب الوصول إليهم أو هم محصّنون، حالة يتحدث فيها جميع العراقيين. فقد أوضح نائب رئيس هيئة النزاهة القاضي موسى فرج، بتاريخ 10-أبريل-2008[24]، في مناسبة الذكرى الخامسة لسقوط بغداد، أنّه -وفي هذه الفترة- خسر العراق (45) بليون دولار من تهريب النفط الخام الذي تسيطر عليه أحزاب شيعية في الجنوب، و(45) بليون دولار أخرى من المشتقات النفطية، بالإضافة إلى حرق 600 مليون متر مكعب من الغاز سنويًّا من دون الاستفادة منها، واستغلال 441 بئرًا نفطية من أصل 1041 بئرًا منتجة، وطاقة تصديرية تقدر بـ4.2 مليون برميل لم يستغل منها أقل من النصف. وأضاف أن وزارة الدفاع احتلت المرتبة المتقدمة في الفساد المالي والإداري، خصوصًا في عقود التسليح بما فيها شراء طائرات عمودية قديمة غير صالحة للعمل وبنادق قديمة مصبوغة رفضتها اللجنة العراقية وفرضتها الشركة الأمريكية المصنعة، واستيراد آليات من دول أوروبا الشرقية بنوعيات رديئة. وعن وزارة الداخلية يقول فرج إنه «تم اكتشاف 50 ألف راتب وهمي كلفت الحكومة خمسة بلايين دولار سنويًّا، مع ثمن الأطعمة والملابس، عدا الأسلحة والأعتدة». كما فقدت الوزارة (19) ألف قطعة سلاح، أفادت وثائق أن شركات أعادت بيعها الى أطراف بريطانية. وقال إن «الأمانة العامة لمجلس الوزراء تحولت الى أخطر بؤرة للفساد في العراق، بعد إلغاء لجنة الشئون الاقتصادية التي كان يرأسها نائب رئيس الوزراء، وتم تحويل صلاحياتها إلى الأمانة العامة، فمعظم العقود الضخمة تبرم من خلالها، مثل شراء طائرات ببلايين الدولارات، أو التعاقد لبناء مستشفيات كبيرة، وعدم السماح للجهات الرقابية، خصوصًا هيئة النزاهة، بالاطلاع أو التحقيق»، معتبرًا «تشكيل مجلس لمكافحة الفساد سرقة لمهمات هيئة النزاهة وصلاحياتها». ومن الفساد أيضا تزوير الشهادات لنيل وظائف مرموقة بالدولة إلى أن تحولت إلى ظاهرة مقلقة حيث صاحب شهادة الابتدائية يشغل وظيفة بدرجة (مدير)، ومما هو مؤكد أن مسؤولاً في استعلامات إحدى الدوائر رقّي إلى درجة مدير عام!!
واقع اللاجئين: النازحون داخل البلد: قالت منظمة الهجرة الدولية إن ملايين العراقيين الذين نزحوا جراء العنف الطائفي مازالوا يعانون من الصعوبات في الحصول على ما يكفيهم من الخدمات الأساسية من المأوى والطعام ومياه الشرب والرعاية الصحية. وأضافت في تقريرها نصف السنوي المنشور في يوم 17 يوليو من العام الجاري: إن أعدادًا أقل من العراقيين ينزحون الآن، لكن نحو 2.8 مليون نازح يعيشون أوضاعًا آخذة في التدهور[25]. وعن اللاجئين بالخارج، أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بأمريكا تقريره لعام 2008، حذر فيه من التداعيات الأمنية لهؤلاء، كما قال التقرير إن الولايات المتحدة أخفقت في تقديرها لقضية اللاجئين. واليوم العديد من العوائل العراقية تقع فريسة للعصابات خاصة في سوريا، حيث يوجد عدد لافت من الفتيات يزاولن مهنة الدعارة للحصول على لقمة العيش أو لدفع الإيجار الشهري للمنزل[26].
حقوق الإنسان: من الأمور المقلقة جدًّا في العراق، التعذيب في السجون الحكومية والأمريكية بدرجة وصلت إلى حد صراخ الجهات المعنية بحقوق الإنسان. وقد أثبتت بعثة الأمم المتحدة في تقاريرها المقدمة إلى مجلس الأمن والمؤرخة في (30 أبريل و31 يونيو2007) والتقارير اللاحقة وآخرها في أكتوبر 2008 (الذي يغطي يناير- يونيو 2008) بانتهاكات واضحة وإن وضع حقوق الإنسان في العراق خطير, وإقرار وجود التعذيب في السجون الحكومية والأمريكية وبحق الأحداث، وأثبت التقرير أن 125 مسجونًا يعيشون في زنزانة سعتها 50 مترًا، و في نهاية أكتوبر 2008 مات -الشيخ بشير الجوراني- إمامُ جامع أحمد بن حنبل وخطيبُهُ – تحت التعذيب في مركز شرطة مدينة بعقوبة –الحادث الذي استفزَّ كثيرا الحزب الإسلامي العراقي، وفي إدارة كردستان العراق أيضًا. كما اعترفت الجهات الرسمية صراحة أو بخجل بوجود حالات التعذيب واستعمال الآلات الكهربائية في نزع الاعترافات. أصدرت وزارة حقوق الإنسان العراقية تقريرًا لأول مرة في أغسطس 2008 قالت فيه إن (68) معتقلاً ماتوا في السجون، وأن آلاتٍ كهربائية والماء البارد مازالت تستعمل في التحقيق مع السجناء. وفيما يدخل في حقوق الإنسان ما يحدث من حالات القتل للنساء تحت عنوان (غسل العار) أو جرائم الشرف[27]. وتحدث حالات القتل هذه بالعشرات كل سنة في كردستان العراق؛ نظرًا للتقاليد الاجتماعية المنافية للدين والقانون، وطبيعة المجتمع المحافظة والمرحلة الانتقالية التي يحاول العلمانيون عبور مجتمع الشباب بها. إضافة إلى العنف ضد النساء الذي تسبب بدوره في محاولة العديد منهن الانتحار عبر حرق أجسادهن.

التحديات

كل ما سبق ذكره من إشكاليات الواقع ومساوئه يعتبر بالتبع تحديات أمام الحكومة عليها تجاوزها. لكن التحدي الأكبر يبقى هو “المواطنة” و”الوطنية”. تلك هي مشكلة العراق الكبرى الآن، وكل المشاكل الأخرى نابعة عنها. قد يكون ذلك من خصوصيات البلد في مرحلته الراهنة. حقوق المواطنة في العراق ليست كما تتداول في الدول الأخرى -العربية منها وغير العربية- فحسب؛ (حيث يجري الحديث عن حقوق المواطنة دون النظر إلى المذهب أو الانتماء الحزبي أو القومي، ومن خلال التكافؤ في الفرص، كما يجري الحديث في هذه الدول عن الوطنية وتبني أجندات الوطن –بعمومه؛ طوله وعرضه- والبعد عن الجهوية والطرفية، وما يشكله ذلك من سد منيع في مواجهة الميل إلى الخارج شرقًا أوغربًا، وما يتبعه من طرح برامج تتعلق بالمواطنين كلهم وليس بالجهة أو الطائفة أوالقومية الفلانية).
أقول هذا؛ لأن مجرد الاهتمام بالبنية التحتية للمدن في العراق بدأت تتأثر بالجهوية. حتى نظام القبول في الكلية العسكرية من حيث العدد متأثر بهذه الإشكالية، بل حتى عمل سائقي (التاكسيات) في الأحياء السكنية انعكست عليه هذه القضية. لكن الأغرب من كل هذا هو فصل المعتقلين العراقيين في السجون الأمريكية بناء على الانتماء المذهبي. ففي 2 نوفمبر، قال الجنرال ديفيد كوان تاك -مسئول ملف المعتقلين لدى القوات متعددة الجنسيات- إن المسجونين العراقيين مقسمين (بين الشيعة والسُّنة) داخل الزنازين: هذا معتقل خاص بالسُّنة، وذلك معتقل خاص بالشيعة. وبرّر هذه الخطوة بالحفاظ على أمن المعتقلين من العنف الطائفي. وإنّ 80% منهم سُنة، و18% من الشيعة، مع وجود (15) امرأة وعدد من الأحداث.
إعادة بناء المواطنة والوطنية تحمى العراق من التشظي والتعدد في الولاءات، تحميه من تحوله إلى كيان متعدد الاتجاهات، إلى كيان هزيل لا يقدر على الدفاع عن نفسه إلا بالاستقواء بالخارج. والخارج أعداد وأنواع:أعداد من حيث الجهات والأقاليم، وأنواع من حيث الانتماءات العرقية والمذهبية؛ فهناك الدولة التركية السنية، وهناك إيران الفارسية الشيعية، وهناك المملكة العربية السعودية والأردن العربية السنية بالإضافة إلى مصر، وهناك سوريا التي تعيش وفاقًا استراتيجيًّا مع إيران من منطلق علوي، وهناك الصف المعارض لأمريكا والمتوافق مع المسلحين والمنتمين لحزب البعث.

المشكلة العربية الكردية: من التحديات المستقبلية التي ظهرت ملامحها في الأشهر الأخيرة، الصراع القومي العربي–الكردي. ويبدو أن خفوت الاقتتال الشيعي-السُنّي على مستوى الشارع حلّ مكانه هذا النزاع القومي بين العرب والأكراد. وهذه المرّة أخطر من العقود الستة أو السبعة الماضية في القتال الذي دار بين الأكراد والأنظمة العراقية المتتالية، فمع حدّة ودموية الصراع بين الطرفين في زمن حكم صدام حسين تحديدًا، إلاّ أن الجميع كانوا حريصين على حصر الصراع في نطاق الدولة والكيانات الكردية الثورية، وبقي الجانبان العربي والكردي في قمّة المودّة والاتصال الاجتماعي.
لكن الآن القضية تأخذ منحى خطيرًا وشكلاً شعبيًّا على مستوى الفرد العادي في الشارع، والحديث يجري الآن من الطرفين عن العرب والكرد وليس عن أحزاب ودولة وكيانات، وهذه تنبيء بنشوب جفاء شعبي ومناوشات على مستوى القوميتين في حال ترك الأمر هكذا يأخذ منحى تصعيديًّا، والسبب في تقديري يعود إلى نقطتين أساسيتين:
الأولى- تضارب المصالح والطموح بين الأحزاب التي تعيش في رحم قوم من الأقوام، ثم لجوء تلك الأحزاب إلى الحضن القومي واستنفار الطاقات الهادئة والعجولة كما حدث مع الشيعة والسنة، وتم إلباس القضية لباسًا طائفيًّا مذهبيًّا إلى أن أصبح حقيقة واقعة على الأرض.
والثانية- هي وعود قطعتها تلك الأحزاب العربية على نفسها في أيام المعارضة العراقية: أنه في حال سقوط الدكتاتورية في بغداد ووصولها إلى الحكم ستعيد جميع المناطق ذات الغالبية الكردية التي قطعها صدام حسين إداريًّا عن المحافظات الكردية وألحقها بمحافظات ذات غالبية عربية، ويتم إعادة الوضع الديموغرافي في تلك المدن إلى طبيعته، ثم تثبيت تلك الوعود في موادّ دستورية وقانونية ملزمة كما في صيغة تحالفات وتعهدات. والآن يبدو تلكؤ العرب في الوفاء بتلك العهود حسب التقييم الكردي، وتبدو صعوبة التطبيق وفق المنظور العربي.
ذلك إلى أن وقف الجيشان الكردي والعربي وجهًا لوجه في خندق القتال حول مدينة خانقين في شهر أغسطس 2008. وبدأ الحديث في الشارع الكردي عن خوض معركة جديدة لتحرير مدينة كركوك ردّا على نكوص القوى العربية عن تعهداتها وبقاء الحال كما كان إبان حكم حزب البعث.
فشل الأحزاب الإسلامية (السنية والشيعية) في إعطاءِ نموذجٍ جيِّد في الحكم أصبح موضع تساؤل المراقبين في العراق: فكل ما حدث من اقتتال خلال السنوات الماضية كان تحت لافتة دينية، والتهجير القسري كان بذرائع دينية، والقتل المجان في الشارع جرى –ويجري- في ظل حكم الأحزاب الإسلامية -سُنّة وشيعة- وإن كانت السلطة متركزة في يد الشيعة، والسؤال: ما هو جواب تلك القيادات الإسلامية التي فيها الكثير من المعمّمين وأئمة المساجد عن كل تلك الدماء المسفوكة أمام رب العالمين؟ وهل لهؤلاء حجج ومسوِّغات شرعية فيما حدث؟ في وقت كانت شخصيات سنية وشيعية وعلمانية تقف صفًّا واحدًا موحّدًا في إطار ليبرالي ونأوا بأنفسهم عن كل تلك الأحداث والأرواح الزكية التي أزهقت؟
*****

الهوامش:

(*) شعب وريث لكبريات الحضارات في العالم وهم سليلو حضارة بابل وآشور وموطنهم الأصلي بلاد النهرين ويسمى بالارامية-السريانية، لغتهم الام هي السريانية وقاعدتها العريضة والأصلية هي الآرامية التي مازال يتحدث بها أكثر من مليون مواطن في العراق ومثلهم في إيران وسوريا وتركيا ولبنان وغيرها من بلدان المهجر وقسم غير قليل منهم يتقنها قراءة وكتابة. نقلا عن موقع مجلس الأقليات العراقية، على الرابط: http://www.minoritiescouncil.org/html/ashoor.htm
(*) الشبك من الأقليات التي تتركز في سهل نينوى، وهم من المسلمين الشيعة والسنة، ويعدون أنفسهم “قومية منفصلة” عن العرب والأكراد رغم أن الأكراد يؤكدون في أكثر من مناسبة أن الشبك ينتمون إليهم. نقلا عن الموقع الرسمي لهيئة علماء المسلمين في العراق، على الرابط:
http://www.iraq-amsi.org/news.php?action=view&id=25998&48a0f31a3d9fa66e378ead601c3b0c74
[1] رسالة من وزارة حقوق الانسان العراقية مؤرخة في 13 مايو 2007 موجهة إلى الأمم المتحدة.
[2] ومن الغرائب و الطرائف في هذا الباب أن عائلة كردية شيعية من القلة الشيعة وسط الاكراد كانت تسكن منظقة العامرية ذات غالبية عربية سنية فلما انفلتت الامور و أصبحت العامرية تحت قبضة المجموعات المسلحة هُجِّرت العائلة من العامرية فذهبت غلى منطقة الحرية و التي كانت تحت سلطة ميليشيا جيش المهدي من الشيعة ثم لم يمض سوى ايام قلائل حتى هُجِّرت العائلة للمرة الاثانية من الحرية من طرف جيش المهدي بحجة انها عائلة كردية !!!!
[3] هو (محمد باقر محسن الحكيم) ولد عام 1939 في مدينة النجف، من سليل أسرة شيعية متدينة مهتمة بالعلوم الشرعية، تعرض للاعتقال مرتين في عام 1972 وعام 1977، وفي المرة الثانية حكم بالسجن المؤبد ثم أطلق سراحه بعفو عام 1978، غادر العراق إلى إيران في يونيو 1980 وبقي فيها حتى سقوط حكم صدام حسين عام 2003 استقر في النجف واغتيل بعد خروجه من المسجد عقب صلاة الجمعة في مدينة النجف ومجموعة من أنصاره بسيارتين مفخختين و لم يعثر على بقايا جثته لشدة الانفجار وشدة الإصابة..
[4] مسيرة المجلس-نبذة تاريخية، ورقة صادرة عن المكتب الإعلامي للمجلس الإسلامي الأعلى العراقي.
[5] ويكيبيديا الموسوعة الحرة (حزب الدعوة الاسلامية).
[6] لقي حتفه في عملية بواسطة تفجير سيارتين مفخختين في مايو 2004 في مدخل الحارثية لمنطقة الخضراء عندما كان رئيسًا لمجلس الحكم.
[7] نبذة تاريخية عن الحزب الإسلامي – الفكرة والانطلاقة– 2007، المكتب الإعلامي.
[8] للمزيد يمكن مراجعة موقع الهيئة نت على الشبكة العنكبوتية.
[9] ويكيبيديا الموسوعة الحرة (الجبهة التركمانية)و للمزيد يمكن مراجعة www.kerkuk.net
[10] ويكيبيديا الموسوعة الحرة.
[11] المرجع السابق.
[12] المرجع السابق.
[13] مجلة الرائد، العدد(25) بغداد.
[14] المرجع السابق.
[15] بيان صدر عن مقتدى الصدر قريء في المكتب الرئيسي في بغداد (وكالة الأنباء الفرنسية-22-8-2007)ب
[16] تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2008 (فرار الملايين العراقيين).
[17] بعثة الأمم المتحدة في العراق، مكتب حقوق الانسان، تقرير يونيو 2007.
[18] منظمة هيومان رايتس ووتش، 8 يناير 2008.
[19] بلا ووتر أكبر مقاولي الحرب في العالم، 29 سبتمبر 2007 ..www.inciraq.com
[20] بيان عن هيومان رايتس ووتش، 8 يناير 2008.
[21] تصريح صادر عن مجلس القضاء الأعلى في بغداد بتاريخ 8-7-2008.
[22] تصريح للمتحدث باسم البيت الأبيض نقلا عن وكالة رويترز للأنباء، 18 -7 – 2008.
[23] وقد تسبب ذلك بانتشار مرض الكوليرا وإصابة الآلاف في مختلف مناطق البلاد في عامي 2007- 2008 واتهمت اللجنة الصحية في البرلمان العراقي في 11-9- 2008 وزارة البلديات بالتقصير في توفير مصادر مياه الشرب وتنظيف المستنقعات والصحة في توفير العلاج اللازم والتستر على المرض.
[24] صحيفة «الحياة»، 10-أبريل- 2008.
[25] نقلا عن وكالة رويترز للأنباء، 18 يوليو 2008.
[26] تقريره المعنون بـ “التوقع العالمي لتحديات الأمن العليا لعام 2008.
[27] تقرير حقوق الإنسان – الأمم المتحدة بعثة العراق أغسطس 2007، و بيانات وزارتي المرأة في بغداد وحكومة إقليم كردستان التي تتحدث عن ارتفاع مستمر في انتهاك حقوق النساء وقتلهن، و بعضهن يرجعن الحرق إلى أسباب لا إرادية سترًا للعار في المجتمع وفق منظورهن.

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2009

للتحميل اضغط هنا 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى