المحور الإيراني وشبكة التحولات الإقليمية وأثرها على المقاومة الفلسطينية في عام ثانٍ من الطوفان

مقدمة:
كانت القضية الفلسطينية دومًا في مرمى الصراعات والمشروعات الإقليمية المتنافسة، تحت مظلة من مخططات القوى الدولية. فعلى خلاف المفترض، بدلا من أن تكون ملتقى وفاق بين مختلف الرؤى، صارت ميدان استقطاب، تصارعت من حوله المحاور الإقليمية، بين محور الاعتدال الذي يميل إلى خيار السلام ومسار التطبيع وما يطلق عليه محور الممانعة (المحور الإيراني بما حمله من سمات الطائفية والتلاعب بالميليشيات، وإن ساند حركات المقاومة الفلسطينية التي لم تجد بديلا عنه)، فلم تجن قضية الأمة شيئا من هذا الطرف أو ذاك. ولعل ذلك ليس بالأمر الغريب طالما افتقدت أركان الأمة بوصلتها اللازمة المحددة لمقاصد سياساتها وتحالفاتها، فتاهت بين المذهبيات والأيديولوجيات والتبعية[1]. وبدلا من صياغة نظام إقليمي حضاري، تفرقت الإمكانات بين نظام إقليمي عربي، ومشروع إيراني، وآخر تركي… ولا يعني ذلك رفض تنوع مكونات الأمة، وإنما رفض التعصب الطائفي والتحالف مع العدو الخارجي، إلا أن ذلك ما تفرضه فترات الضعف والتراجع… تلك الحقائق التي أدركها الكيان الصهيوني بل صارت مرتكزًا لمشروعه، وقد وجدت مكانها للتنزيل على أرض الواقع مع تأكد مؤشرات الوهن بالعالم العربي وجواره الحضاري من تخبط في التحالفات وأزمات الشرعية والهوية والعجز عن بناء نموذج اقتصادي راسخ الأسس. وكان نتاج تلك الحال العجز (حتى عن المحاولة) عن إسناد المقاومة عقب انطلاق “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023 وما لحق به من عدوان صهيوني على قطاع غزة المحاصر.
وإن محور تركيز هذا التقرير يتصل بتقييم إيران ومحورها في ضوء ما لحق به من تراجع، فإن ما انتهجت إيران من سياساتٍ طائفية -بجانب أسباب أخرى- قد مكن لإسرائيل من سهولة توجبه الضربات الواحدة تلو الأخرى (حيث انكشافها عسكريًا ومخابراتيًا جراء مساندة نظام بشار الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان).
فما أهم مؤشرات تراجع المحور الإيراني؟ وهل تنتهج إيران سياسات معينة لحفظ البقاء؟ كيف تفاعل الجوار العربي والتركي مع هذه التغيرات الإقليمية؛ حيث يمكن رصد بعض مؤشرات التحول في بعض التحالفات، ولكن هل تنم عن استراتيجيات مكتملة تعي خطورة المرحلة الراهنة وأن إسرائيل لن تتورع إذا ما فرغت من إيران إن تستكمل مخططها في الأراضي العربية، أم أن المسألة ليست أكثر من حساباتٍ جزئية تتعلق بكل دولة على حدة؟ وما تداعيات تلك التطورات في مجملها على المقاومة الفلسطينية؟
وعليه، يتناول هذا التقرير الآتي:
تمهيد: يتناول في ضوء خبرتنا الإقليمية المنطقة العربية وجوارها الحضاري وكيف أدى عدم الوعي بالذات إلى التحول إلى نظامٍ إقليمي هش مهدرًا مختلف مقدراته، وكذا سمات المحاور والتحالفات في سياقٍ كهذا.
القسم الأول: المحور الإيراني: مؤشرات التراجع وسياسات البقاء.
القسم الثاني: خريطة التحولات (التحركات) الإقليمية المحيطة، والتفاعلات الدولية المتوقعة.
خاتمة: مستقبل المقاومة الفلسطينية.
تمهيد: المنطقة العربية وجوارها الحضاري… نموذجًا للنظم الإقليمية الهشة
فإذا كان مفهوم “الجوار”[2] وما يستدعيه من كثافة في التفاعلات، سواء كان هذا الجوار المقصود به الجوار بالنسبة لمجموعة من الدول أو بالنسبة لنظام إقليمي، غالبًا ما ينصرف إلى الجوار فقط في بعده الجغرافي، وبالتالي يستدعي أساسًا ما يطغى على التفاعلات من الصراع أكثر من التعاون، سواء بسبب الحدود، أو المياه أو الأقليات، فإن مفهوم “الجوار الحضاري”[3]، والذي يتضمن بطبيعته البعد الجغرافي، وكذلك التفاعلي النوعي، يضيف أبعادًا أخرى ذات طابع قيمي حضاري تتعلق بالروابط التاريخية والثقافية والدينية بين دول الجوار.
وهو الأمر الذي يدفع للبحث في العلاقة بين هذه الروابط وبين المصالح القومية وانعكاس هذه الروابط على درجة وطبيعة كلٍ من الصراع، أو التعاون. وهذا بدوره يدفع إلى البحث عن مداخل جديدة لمفهوم “النظام الإقليمي”[4]، حيث يُعرف النظام الإقليمي بأنه مجموعة من التفاعلات والعلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في منطقة جغرافية معينة بين دول تربطها عناصر تماثل ثقافية، أو اجتماعية، أو اقتصادية. وتتمتع تفاعلاتها بقدرٍ من الذاتية والاستقلال عن النظام الدولي، وتتوافق معه في الوقت نفسه بحيث لا تكون تفاعلاته مجرد رد فعل لسياسات القوى العظمى دون أن يعني ذلك تجاهل محددات وقيود الإطار الدولي وتأثيرها.
إلا أنه عادة ما تنحصر مسألة التماثل هذه في عناصر معينة كاللغة، أو القومية بعيدًا عن المعنى الواسع لها خاصة في شقه الحضاري، والذي يشمل الروابط القيمية والعقدية والثقافية والتاريخية على نحوٍ أعمق ينعكس كذلك على أنماط العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبذا تصبح تركيا وإيران مجرد جوار إقليمي للنظام الإقليمي العربي، أو تعد من قبيل هوامش النظام، على اعتبار أن الدول العربية هي محوره والنظام الدولي هو بيئته التدخلية وجواره الجغرافي هو الهامش.
توصيفات عديدة تناولت المنطقة العربية وجوارها الحضاري، كل منها ركز على بعد دون أبعاد أخرى… على سبيل المثال: تقدم الفكر القومي في الخمسينات والستينات وأوائل السبعينات في القرن المنصرم، إلا أنه لم يتمكن من التعبير عن هوية المنطقة للأسباب الآتية:
أن القومية لا تمثل عنصرًا تكوينيًّا في كيان هذه المنطقة، ولم تكن أحد أسس نشأتها أو دوافعها.
أن هذه الأمة لم يثبُت رجوعها إلى أصلٍ عرقي واحد، وإنما العرب شعوب متنوعة في أنماطها الحضارية، وحّدتها اللغة أولًا والعقيدة ثانيًا، بل كان هناك إطار حضاري استوعب جميع الاختلافات.
ولما كان كذلك، فإن الدعوة القومية (التي برزت في نهايات القرن التاسع عشر في المنطقة) بنت حواجز بين العرب وغيرهم من قوميات لها ثقل في العالم الإسلامي مثل الفرس والأتراك، والذين ظهرت لديهم أيضًا دعوات القومية الضيقة هذه.
ومن ثم، نجد أنه عند تناول علاقات وسياسات كل من تركيا وإيران إزاء العالم العربي والعكس، يكون ذلك في إطار ما يُسمى “النظام الإقليمي الشرق أوسطي”[5] رغم ما يعنيه هذا المفهوم من تراجع أو تجاهل لمعنى الحضاري، إذ إنه يصب في صالح محاولات إعادة تشكيل المنطقة العربية على أساس شرق أوسطي، والتي برزت منذ الخمسينيات لخدمة المشروع الصهيوني على نحو يُهدد النظام الإقليمي العربي ذاته، حيث يدمج إسرائيل داخله ويُخرج دولا عربية أخرى منه كالسودان، كما تعددت التوصيفات فيما بعد ما بين “الشرق الأوسط الكبير” و”الشرق الأوسط الجديد”. وهذا على نحو مرتبط بأجندة القوى الكبرى، وآليات فرض هيمنتها، وتعريفها لمجالات التهديد ومصادره[6].
في المقابل، يعدُّ مفهومُ “الكيان الاجتماعي الحضاري” المدخلَ التفسيري الذي أبدعته د. منى أبو الفضل[7] لدراسة “النظم السياسية العربية” ومن ثم علاقاتها، فهو يقدم المداخل المتنوعة والمتكاملة لفهم الظواهر السياسية في المنطقة وشرحها وتفسيرها، خاصة مع ارتباطها بمنظومة “المفاهيم” التي تعتبر أيضًا من أهم ما قدمت د. منى. ومن بين هذه المفاهيم: “البيئة الحضارية”، وهي البوتقة التي تتفاعل فيها مكونات الكيان الاجتماعي حتى تأخذ صورتها النهائية.
ومن ثم، يجب الانتباه إلى أن ما يُروج له إعلاميًا وسياسيًا حول الشرق الأوسط الجديد، على أنه تغيير في الخرائط وتبديل في الحدود التي وضعها سايكس -بيكو، أمر به الكثير من الاختزال. فإن ما فعله وزير المالية الإسرائيلى، بتسلئيل سموتريتش، حين اعتلى منصة وعليها ما تسـمى “خارطة أرض إسرائيل”؛ تضم حدود المملكة الأردنية الهاشمية والأراضي الفلسطينية المحتلة، خلال مشاركته في مؤتمر نظمته مؤسسة إسرائيلية في باريس 19 مارس2023، له من الدلالات ما يتجاوز الجغرافيا بمعناها التقليدي[8].
فبالاستقراء التاريخي، يمكن رصد أن التوسع يحدث عبر ثلاث وسائل وطرق، إما بواسطة واحدة منها منفردة أو بها مجتمعة، أولا، التوسع العسكري عن طريق احتلال البلدان وضم الأراضي وتغيير الخرائط، وهذه هى الوسيلة الظاهرة والأكثر وضوحا، وهي نفسها التى عبرت عنها الخريطة التي حملها سموتريتش. وأما الثانية، فهي التوسع الثقافي، والديني، واللغوي، وذلك باستغلال الروابط الدينية، والثقافية، واللغوية، وقد لا تكون هناك روابط لكن يتم فرضها بالغلبة والقهر، كما فعلت الدول الاستعمارية الأوروبية فى الدول العربية والإفريقية.
أما الطريق الثالث من طرق التوسع، فهو توفير المظلة الأمنية والعسكرية للدول وحمايتها من التهديد المحيط بها، سواء كان ذلك التهديد وهمًا أو حقيقة، وتقديم وعود بمساعدتها على التطور العلمى والنمو الاقتصادى، ومدها بكل جديد فى هذين المجالين[9].
وها هي إسرائيل تنفذ المخطط، عبر إثارة القلاقل (سوريا كما سنرى) لتغيير الحدود، والنفخ في نار الطائفية كثقافة سائدة، لتمهد الطريق لمزيد من الاتفاقات العسكرية مع دول الإقليم بزهم مواجهة الخطر الإيراني. ما يحدث يمكن إسقاطه على ما جاء به شمعون بيريز في كتابه حول منظوره للشرق الأوسط الجديد، يقول بيريز: “فتوطيد السلام والأمن يقتضي ثورة في المفاهيم”، وهذا ما نراه من ترويج لفكرة أن إيران هي الخطر الأكبر والوحيد، وأن إسرائيل هم إخواننا ومعهم المصالح الحقيقية، وسبيلنا نحو التقدم يمر عن طريقها[10].
هكذا أنماط التحالفات التي تمر بها الأمة أوقات التراجع (محاور وتحالفات لا تخدم سوى العدو الخارجي، وتبث الفرقة بين أركان الأمة لأسباب طائفية أو أيديولوجية)، وبالنظر إلى التاريخ القريب، نجد أن الأحلاف تعارضت مع التوجهات التحررية فـي الوطن العربي، مما أفضى إلى مواجهات سياسية حادة بين حركة التحرر ورعاة محاولات ربطه بهذه الأحلاف، كما فـي حالتي حلف بغداد ١٩٥٥ ومشروع أيزنهاور ١٩٥٧[11].
ومع امتداد السياقات نفسها، ترسخت فكرة المحاور، فاعتبارًا من نهاية سبعينيات القرن الماضي بدأ الشرق الأوسط يشهد مرحلة جديدة تمثلت فـي تطورين رئيسيين أولهما بداية عملية السلام المصري الإسرائيلي بزيارة الرئيس «أنور السادات» للقدس فـي ١٩٧٧، والتي انتهت بالتوصل إلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فـي ١٩٧٩، لنصل إلى عام ٢٠٢٠ وتوقيع ما سُمي بالاتفاقات الإبراهيمية بين إسرائيل وعدد من الدول عربية (إلا أننا تلك المرة كنا في موقع المنهزم)، حتى أن تلك الاتفاقات لم تحل دون تكرار الهجمات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية والسورية وغيرهما.
أما التطور البارز الثاني الذي وقع فـي نهاية سبعينيات القرن العشرين، فهو نجاح الثورة الإيرانية ذات المرجعية الإسلامية الشيعية فـي فبراير ١٩٧٩، والتي مثّلت بؤرة جديدة للصراعات فـي المنطقة بسبب المشروع الإيراني لتصدير الثورة تحت شعار «نصرة المستضعفين»، ليتبلور عبر عقود المحور الإيراني[12]، الذي وإن رفع شعارات المقاومة إلا أنه لم ينج أبدًا من آفات الوهن من تمذهب ورؤى ضيقة للمصلحة القومية.
فإيران ترى أن استقرارها الداخلي كدولة لن يتأتى إلا عبر التمدد في الخارج، وتحييد أي خطر يمكن أن يقترب من حدودها. وقد عبّر المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي عن هذه المقاربة بتصريح شهير، في 5 يناير 2017، حيث قال لعوائل الإيرانيين الذين قُتِلوا في سوريا: “لقد ذهبوا إلى هناك من أجل ألا تحارب إيران داخل حدودها”[13].
من ثم، فإن الوضع الراهن ليس سوى نسخة حديثة من تأزم مشروعاتٍ إقليمية واهنة، وإن اختلفت الأسباب بين مشروع وآخر، تحاول إسرائيل برعاية أمريكية توظيفها لإعادة رسم خرائط سيطرتها ومصالحها.
إذن، في سياق هذا الحيز المأزوم والذي لا يتمكن خلاله الكيان الحضاري الإسلامي حتى من تعريف ذاته وإدراك هويته على نحوٍ سليم، لا شك أن دوله، بما في ذلك دول الأركان، ستعاني هي الأخرى الأزمة ذاتها. فإذا كان من أهم السمات المطلوبة للدولة القائد إقليميًا أن تكون ذات رؤية كلية جامعة مجمعة، تملك من الأدوات والخطط الاستراتيجية ما يحقق مصالح محيطها الجغرافي والحضاري، بما يتكامل ويتوازن مع مصلحتها الوطنية، في رعاية نظام حكمٍ رشيد، فإن واقع المنطقة قد أفرز العكس.
فإذا اتخذنا إيران مثالا، فإن شعاراتها حول الوحدة الإسلامية ونصرة المستضعفين تجلت في مشروع طائفي وميليشيات عبثت بمقدرات الإقليم، بهدف الحفاظ على النظام القائم المأزوم داخليًا جراء التهديد والحصار الحارجي. هكذا أسست إيران محورها في سياقٍ إقليمي معادٍ تابع لسياقٍ عالمي أكثر عداءً، وإن كان ذلك لا ينفي مساندتها القضية الفلسطينية. والأهم أن ما حاق بالمنطقة لا تتحمل إيران مسؤوليته وحدها وإنما تتشارك معها التبعة غيرها من دول الإقليم التي هي الأخرى لم تفلت من براثن الطائفية وهاجس سقوط النظم القائم والتبعية للقوى الخارجية حليفة إسرائيل.
هذا، لتجد المقاومة نفسها (المنضوية تحت المحور الإيراني)، وعبر عامين من اندلاع طوفان الأقصى، مضطرة أن تدفع فاتورة تجاذبات أطراف إقليمية وتفكك الأمة إلى هويات طائفية وقومية وتحالفات علنية ومن وراء الكواليس مع الكيان الصهيوني وشركائه في الغرب.
القسم الأول: المحور الإيراني…. مؤشرات التراجع وسياسات البقاء
ويتناول ما بدا من مؤشرات للتراجع للمحور الإيراني خلال العام الثاني من الطوفان جراء الضربات الإسرائيلية والأمريكية المتتالية، وكذلك إشارات لسياسات البقاء التي انتهجتها الجمهورية الإسلامية بما يتسق مع براجماتيتها.
أولا- مؤشرات التراجع
رغم حرص إيران منذ انطلاقة طوفان الأقصى وما تلاها من عدوان على فلسطين وجوارها -حيث لم تقتصر الهجمات الصهيونية على غزة بل امتدت إلى الضفة ولبنان وسوريا وإيران لاحقًا- على إعلان أنها ليست طرفًا مباشرًا في تلك المواجهة، وأنها لم تكن تعلم شيءً عن التخطيط للطوفان وتوقيته، إلا أن المحور الإيراني والذي يُطلق عليه محور المقاومة كان في قلب الأحداث عن طريق “الإسناد المحسوب”، والذي حرصت طهران أن يبقى هكذا لأطول فترة ممكنة، وهنا يمكن الحديث عن مرحلتين يعبران عن موقع محور إيران من تطورات الطوفان وما تلاه:
المرحلة الأولى، حيث اعتماد مبدأ “الدفاع المتقدّم” الإيراني، أي دعم الحلفاء بهدف إبقاء التهديدات بعيدة عن الأراضي الإيرانية، وتقليل خطر المواجهة العسكرية المباشرة (حيث تفاقم الأزمات الاقتصادية بالداخل، وعدم الرغبة في التصعيد مع الفري، خاصةً الولايات المتحدة). إذ تدخل حزب الله في اليوم التالي للسابع من أكتوبر، مدشنًا جبهة إسناد انطلاقًا من جنوب لبنان أراد أن تكون “منضبطة” ودون مستوى الحرب، ممَّا جعل تدخله غير كافٍ لإيقاف الحرب في غزة، فيما أطلق الحوثيون (وكان لهم حضور واضح) والجماعات العراقية صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيرة باتجاه إسرائيل وأهداف أمريكية. كانت هذه لحظة استعراض المحور لإمكاناته وقدرته على التنسيق العسكري والجغرافي إقليميا، وكان هذا كافيا لاستثارة رد فعل أمريكي وإسرائيلي[14].
وبالتالي، يمكن القول بأن السنة الأولى من القتال قد انتهت بمشهد بدت فيه إيران دولة قوية قادرة على وضع جدول أعمال خاص بها، وتحقيق نتائج مقبولة دون الانخراط الكامل، حتى مع الهجوم الإسرائيلي على السفارة الإيرانية بدمشق في أبريل 2024 اتخذت رد فعل محسوب[15].
المرحلة الثانية، وذلك مع قرب انقضاء العام الأول من اندلاع “طوفان الاقصى”، حينذاك ارتفعت تكلفة المواجهة، والخسارات المتتالية لحلقات المحور (وهي المرحلة محل تركيز هذا التقرير)، ومن أهم محطات هذه المرحلة:
- استهداف أركان المحور الإيراني:
قد بدأت مرحلة التأزم والاختناق فـي ١٧ سبتمبر 2024، حيث أُعلن عن مقتل عشرات من المنتمين لحزب الله وإصابة الآلاف منهم نتيجة تفجير أجهزة اتصالات خاصة بهم تأكد لاحقًا أنها كانت ملغومة، ونُسِب هذا العمل لإسرائيل، وكانت هذه بداية لضرباتٍ متلاحقة وجّهتها إسرائيل لحزب الله بلغت ذروتها بعمليات اغتيال لقادته وصلت لأمينه العام حسن نصر الله تداعيات[16]، وكانت هذه الضربات مقدمة لهجمات ضارية على حزب الله وجنوب لبنان، ورغم أن الكثيرين توقعوا أن يفقد الحزب تماسكه نتيجة هذه الضربات، إلا أنه استطاع أن يكبد إسرائيل خسائر عجّلت بمفاوضات لوقف إطلاق النار أمكن من خلالها التوصل لاتفاق فـي ٢٧ نوفمبر٢٠٢٤.
ورغم أن الاتفاق بدا متوازنًا على الأقل، مع كونه قد استند إلى قرار مجلس الأمن ١٧٠١ الذي وضع نهاية للعدوان الإسرائيلي على لبنان ٢٠٠٦، إلا أن الإنجاز الأهم الذي حققته إسرائيل بهذا الاتفاق تمثل فـي إنهاء مساندة حزب الله للمقاومة الفلسطينية فـي غزة، فقد أصبح بحاجة إلى عملية إعادة بناء لهياكله وكوادره[17]. ناهيك عن تحفيز وتحريك القوى الداخلية اللبنانية الداعية إلى نزع سلاح حزب الله، وخاصةً بعد انتخاب الرئيس جوزيف عون.
أيضًا، استهدفت إسرائيل الهيكل القيادي للحرس الثوري الإيراني في سوريا، وذلك باغتيال الجنرال زاهدي وفريقه في مبنى تابع للقنصلية الإيرانية بدمشق، مما دفع طهران للرد بإطلاق طائرات مسيرة وصواريخ للمرة الأولى من أراضيها باتجاه أهداف عسكرية إسرائيلية في عمليتي الوعد الصادق الأولى والثانية. علمًا أنه في 26 أكتوبر 2024، تلقت إيران ضربة موجهة من الطيران الحربي الإسرائيلي، في هجوم استمر نحو أربع ساعات، ألحق أضرارًا بأنظمة الدفاع الجوي الإيراني[18].
وقع عقب ذلك التطور الأبرز الذي قلب الموازين فـي الشرق الأوسط، وهو إسقاط نظام «الأسد» فـي سوريا فـي ٨ ديسمبر 2024، بعد أن تمكنت «هيئة تحرير الشام» على رأس فصائل مسلحة معارضة من السيطرة على السلطة ودخول دمشق دون قتال تقريبًا، وفر الأسد إلى موسكو تأكيدًا لانتهاء نظام حكَم سوريا لأكثر من نصف قرن[19]، وتتجلى خسارة طهران لسوريا في الآتي:
- كانت سوريا بما تمتلكه من موقع جغرافي يتوسط كل من العراق ولبنان وإسرائيل، تقوم بمهام “الجسر البري” لدعم حزب الله في لبنان والضغط على إسرائيل من جبهة الجولان. وهذا ما ساهم في وضع إسرائيل تحت ضغط من مختلف الجبهات في عملية طوفان الأقصى. ويمكن الاستدلال على الدور الجغرافي لسوريا في محور المقاومة من خلال تصريح مستشار المرشد علي أكبر ولايتي في عام 2012، الذي صرح قائلًا: “إن سوريا هي الرابط الذهبي في سلسلة المقاومة ضد إسرائيل”[20].
- قيام نظام جديد على خلاف أيديولوجي مع طهران، ومن ثم قد يتخذ سياسات ويلتحق بتحالفات مناهضة لتوجهات طهران.
- ما بقي في الذاكرة الجمعية في سوريا إزاء ممارسات إيران وحزب الله الدموية إزاء الشعب السوري؛ دعمًا لبشار الأسد.
- المخططات الإسرائيلية المنتظرة، فقد عكست تصريحات بعض من المسؤولين الإسرائيليين بأن هدف الحكومة الإسرائيلية في سوريا الجديدة هو القضاء على أي أمل في نشوء نظام قوي يحافظ على وحدة البلاد وتآلف شعبها حتى إشعار آخر، وما التدخل السافر في شؤون المكون الدرزي السوري مؤخرًا إلا مثال عن الدور الذي تلعبه وستلعبه إسرائيل في محيطها[21].
بالنسبة إلى اليمن، رغم إدراج الحرب على اليمن، ضمن سياق استراتيجية حكومة نتنياهو المتطرفة التي تقوم على إعادة تشكيل الشرق الأوسط (سنتطرق إلى أبرز معالم هذه الاستراتيجية فيما بعد، ولا سيما بعد تولي دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية)، بدعم أمريكي واضح، إلا أن تحركات جماعة أنصار الله الحوثي عقب الطوفان، جعلت الأمر مختلفًا -كما أشير- حيث تمكنت من المناورة وتوجيه ضربات متوالية ساندت المقاومة.
وكانت إدارة الرئيس جو بايدن قد شكَّلت تحالفًا عسكريًّا باسم “حارس الازدهار”، في ديسمبر 2023؛ لحماية حركة الملاحة في البحر الأحمر، وتلبية لضغوط إسرائيل التي هدَّدت بالتدخل المباشر في البحر الأحمر وتوجيه ضربات للحوثيين. وقد رفضت الدول العربية المشاركة في التحالف لرغبتها في تهدئة الأوضاع، ونظرًا لعدم تحقيق العملية أهدافها، أطلقت الولايات المتحدة فيما بعد عملية عسكرية ضد الأهداف الحوثية في اليمن تحت عنوان “الراكب الخشن” في 15 ديسمبر 2024، تضمنت هجمات جوية وبحرية واسعة النطاق، مستهدفة البنية العسكرية للجماعة وقياداتها. أما على الصعيد الجغرافي، فقد كان التركيز على المحافظات التي تكتسب أهمية كبرى سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا للحوثيين (صنعاء، صعدة، والحديدة)[22]. كما يُشار إلى أن بايدن شطب الحوثيين من قائمة التنظيمات الإرهابية في فبراير 2021، ليُعاد تصنيفهم مجددًا كجماعة إرهابية في يناير 2025 تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب[23].
ورغم عدم القضاء على نفوذ الحوثيين جراء المواجهات، اعترفت جماعة الحوثي بمقتل العشرات من الكوادر العسكرية، كما قُتل المئات من المواطنين اليمنيين في مناطق سيطرة الجماعة، وأحدثت الضربات الأمريكية دمارًا واسعًا في البنية التحتية اليمنية: كالمطارات، الموانئ، خزانات المياه، مراكز صحية، وأبراج اتصالات، وزادت الهجمات الإسرائيلية الأخيرة الوضع سوءًا؛ حيث دمَّرت بشكل شبه كلِّي ميناء الحديدة ومطار صنعاء، بالإضافة إلى تدمير مصنعي أسمنت (باجل، وعمران).
ارتكزت العملية العسكرية الأمريكية على ثلاث أهداف: حماية الملاحة البحرية، تهديد إيران، حماية إسرائيل، وهي أهداف بالمجمل تدخل في صلب الإستراتيجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط. كما يأتي الهجوم الأمريكي على الحوثيين في سياق سياسة الضغوط القصوى التي يتبناها دونالد ترامب على إيران، فيما يتعلق ببرنامجها النووي.
لكن عقب تقدير أمريكي بأن الحرب الأمريكية على الحوثيين وصلت إلى ذروتها، وإن الاستمرار بها لن يشكل قيمة إضافية للموقف الأمريكي في البحر الأحمر، والأهم أنه لن يحقِّق خسائر ذات قيمة على جبهة الحوثيين أكثر مما تحقَّق (حيث طبيعة الجغرافيا اليمنية، وصعوبات لوجستية أمريكية)، كانت موافقة واشنطن على مبادرة سلطنة عُمان لوقف الحرب بين الطرفين. وقد نص الاتفاق على استثناء السفن الأمريكية من الاستهداف الحوثي؛ حيث تركت الاتفاقية للحوثيين حرية العمل في استهداف السفن الغير أمريكية، ما يعني أن أزمة الملاحة في البحر الأحمر أخذت مسارًا أكثر تعقيدًا بعد الحرب الأمريكية[24].
2- الحرب الإسرائيلية -الإيرانية -يونيو 2025 (الانتقال إلى المواجهة المباشرة)[25]:
كانت هذه المواجهة بمثابة نقلة إجبارية فُرضت على الاستراتيجية الإيرانية… لقد تطورت المواجهة من “حرب ظل” تعتمد على الاغتيالات والهجمات السيبرانية والعمل الاستخباراتي، إلى ضربات عسكرية مباشرة وإن تضمنت أيضًا اغتيالات وهجمات سيبرانية أيضًا. هذه المواجهة هي في جوهرها صراع نفوذ إقليمي وليس فقط صراعًا حول برنامج نووي؛ وإن تم توجيه ضربات إسرائيلية وأمريكية إلى أهداف نووية[26]. ومن ثم، فقد تعددت خسائر إيران خلال هذه المواجهة من عدة أوجه: خسارة كوادر وقيادات عليا في عمليات الاغتيال الإسرائيلية، خسائر اقتصادية فادحة، تأخر في القدرات النووية لسنوات خاصةً مع ضرب منشأة فورد، تأزيم الموقف في مفاوضات البرنامج النووي.
تلك الخسائر التي لا شك أنها تخصم من قدرة إيران على دعم المقاومة، لا سيما في هذا التوقيت الحرج؛ إذ تجعل هدف الحفاظ على بقاء النظام والدولة يعلو على سواه.
3- البرنامج النووي: إعادة فرض العقوبات:
فقد انطلقت منذ أواخر 2024 -مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض- جولةٌ جديدة من المحادثات للتوصّل إلى اتفاق. وفي مايو -يونيو 2025، عُقدت خمس جولات من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في عُمان وإيطاليا؛ ركّزت على الشفافية والتحقّق من البرنامج النووي الإيراني، ووضع مخزونات اليورانيوم المخصّب، ومستقبل التخصيب، وبالتوازي رفع العقوبات عن إيران. وقد طالبت إيران بضماناتٍ أمنية ضدّ هجماتٍ محتملة على منشآتها النووية، وبإلغاء العقوبات النووية (وهو ما لم يتحقق)، فيما شدّدت الولايات المتحدة على وجوب وقف إيران للتخصيب. وبينما كانت المفاوضات جارية، أدّى الهجومٌ العسكري الإسرائيلي -الأمريكي على إيران، -سالف الذكر-وتدمير منشآت نووية إيرانية، إلى جعل جزءٍ كبير من موضوعات الاتفاق النووي بلا معنى.
وردًّا على ذلك، أقرّ البرلمان الإيراني في 25 يونيو 2025 مشروعًا لتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي 2 يوليو 2025، أصدر بزشكيان أمر تعليق التعاون مع الوكالة، وغادر مفتّشو الوكالة إيران في 4 يوليو 2025. وقد أثّر هذا التعليق للتعاون مباشرةً على مسار التحقّق، وأضعف ثقة المجتمع الدولي، وخاصة الدول الأوروبية والولايات المتحدة، بإيران.
وبعد تعليق التعاون مع الوكالة، هدّدت بريطانيا، فرنسا وألمانيا بتفعيل آليّة “السناب باك”، أو آليّة الزناد، إذا لم تعد إيران إلى التزاماتها. وردًا على ذلك، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي في مقابلة مع صحيفة «لوموند» الفرنسية إنّ تفعيل الآلية هو بمثابة هجوم عسكري، ويُعدُّ عملًا عدائيًّا قد يُفقد أوروبا دورها البنّاء في أي مفاوضاتٍ لاحقة[27]. وبالفعل، فقد أعيد تطبيق عقوبات اقتصادية أوروبية على إيران شملت تجميد أصول بنوك وحظر السفر والنفط، وذلك بعد خطوة مماثلة من الأمم المتحدة وسط اتهامات بانتهاك الاتفاق النووي لعام [28]2015.
يمكن إرجاع الموقف الأوروبي إلى عدة عوامل، منها: الدعم العسكرى الذي تقدمه إيران لروسيا، الخلاف بشأن القضايا الحقوقية[29]، ذلك كما أنه بعد أحداث 7 أكتوبر 2023 وتصاعد النزاعات العسكرية والأمنية بين إيران وإسرائيل، وجدت أوروبا نفسها ملزمة بدعم إسرائيل، لا سيما وقد ازداد تأثير اللوبيات اليهودية القوية فى العواصم الأوروبية بعد عملية طوفان الأقصى.
نتاج ذلك على سبيل المثال، اتهام رئيس وزراء أستراليا الحرس الثوري الإيراني، بالوقوف وراء هجمات معادية للسامية، مستخدمًا شبكة من الوسطاء والعناصر الإجرامية لتنفيذ العمليات وتغطية تورطه المباشر، الأمر الذي دفع العاصمة الأسترالية كانبيرا إلى تعليق العمل فى سفارتها بطهران وطرد السفير الإيراني، إضافة إلى مناقشة إدراج الحرس الثورى الإيرانى كمنظمة إرهابية[30].
ثانيًا- سياسات البقاء
رغم ما حاق بطهران ومحورها، إلا أن ثمة مسارات حاولت طهران أن تسلكها، وأخرى ما زالت بانتظار الاهتمام، من أهم تلك المسارات:
على المستوى الداخلي، أدرك النظام الإيراني كونه مخترقًا بشكل لا يمكن أن تخطئه عين، فكيف لإسرائيل أن تغتال هذا الكم من القيادات، وكيف لها أن تحدد أماكن وتوقيتات اجتماعات على أعلى المستويات بهذه الدقة؟! سارع النظام الإيراني إثر هذه التطورات بجملات مداهمات واعتقالات واسعة ضد كل من تشتبه به.. لا شك أن الإجراءات الأمنية أمر لا يمكن تجاوزه، لكن شريطة أن يؤسس على الشفافية، بحيث يستثمر النظام الإيراني لحظة الأزمة لتدعيم شرعيته بدلا من تبديد ما تبقى منها.
هذا خاصةً أن الضربة جاءت في وقت كان النظام يعيش فيه أزمة ثقة وتصاعدًا للمطالب الإصلاحية والاقتصادية. ومع ذلك، وبدلًا من إضعافه، فقد عملت الضربة على تعزيز تماسك جبهته الداخلية؛ حيث تراجعت المطالب الشعبية بالإصلاح لصالح الأمن والدفاع، وتصدرت القضايا الأمنية المشهد. كما ساهم في تدعيم النظام منظومته المؤسساتية المتشابكة التي منحته مرونة وقدرة على امتصاص الصدمات ومنع التصدع الداخلي، مع اعتماد متزايد على القوة العسكرية والشرعية الثورية والدينية لضمان استمراريته.
لكن على النظام الانتباه إلى التحديات الملحة التي ستزداد حدتها تدريجيًا، حيث: جعلت التهديدات الوجودية الجديدة ملف خلافة المرشد أكثر إلحاحًا، فضلا عن التداعيات الاقتصادية المنتظرة عقب فرض العقوبات الجديدة. وفي حين ساد التلاحم الشعبي المؤقت خلال فترة التوتر العسكري، من المرجح أن يتلاشى هذا الدعم مع مرور الوقت، ليعود الشعب للتركيز على المشاكل الاقتصادية والمعيشية الملحة[31].
على المستوى الخارجي، وهنا نتناول كل من العلاقة مع نموذج من حلقات المحور الإيراني (العراق باعتبارها الساحة الأكثر هدوءًا رغم ما تحمل من تحديات)، وكذلك محاولة تحجيم تأزم الملف النووي، وصولا إلى التأكيد على تحسين العلاقات مع الجوار الحضاري:
- الجبهة العراقية: رغم التحديات التي تواجه علاقة إيران بالجماعات الموالية لها في العراق، إلا أنها ما زالت تجد لنفسها للتأثير في هذا الإطار. فقد باتت الجماعات العراقية الموالية لإيران تواجه أزمة حقيقية تهدد بقاءها ونفوذها في البلاد، وهو ما ينعكس في تصريح المستشار السياسي السابق لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إبراهيم الصميدعي، بأن “لا يمكن للعراق أن يبقى جزءًا من محور المقاومة بعد سقوط نظام الأسد وتراجع دور حزب الله في لبنان”، ومن ضمن التحديات التي تواجه النفوذ الإيراني في العراق حاليًّا:
سياسات حل الفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران؛ وخاصةً الحشد الشعبي العراقي. وكان قد أصدر علي السيستاني، في نوفمبر 2024، بيانًا دعا فيه إلى حصر السلاح بيد الدولة، ومن هنا جاء مقترح بتفكيك بعض المليشيات ودمج البعض الآخر ونزع سلاح البعض الثالث[32].
من التحديات أيضًا العلاقة الوثيقة التي تربط بين أكراد العراق وبعض الأحزاب الكردية السورية المعارضة، والتي تهدد النفوذ الإيراني في العراق[33].
ومع الأخذ في الاعتبار أن موقف العراق بين طهران وواشنطن يسير على حبل مشدود بين قوتين متنافستين، مع تزايد الضغوط الخارجية[34]، فإن إيران كانت كذلك حريصة نوعًا ما على هدوء الأوضاع على الساحة العراقية، ويُذكر أن المسؤولين الإيرانيين أوضحوا لحلفائهم أن جرّ العراق إلى صراع مفتوح من المرجح أن يؤدي إلى خسارة النفوذ الذي تم بناؤه على مدار 20 عامًا[35].
بالرغم من حجم التحديات التي تواجه النفوذ الإقليمي الإيراني في العراق، إلا أنه من غير المرجح أن تتحرر بغداد من السيطرة الإيرانية في القريب العاجل، نظرًا لأن نفوذ طهران في الساحة العراقية يرتبط بوجود أساس أيدولوجي وطائفي وعسكري يتمثل في الفصائل المسلحة الموالية لها، ومن العوامل التي قد تحفظ الوجود الإيراني في العراق: تمسك إيران بالحشد الشعبي؛ والذي يُعد عنصرًا أساسيًّا في الاستراتيجية الإيرانية لإيجاد موطئ قدم في العراق.
وفيما يخص ملف الغاز؛ فإنه لا بد من الإشارة إلى أن إيران توظف ملف الغاز من أجل تحقيق عدة مكاسب سياسية في العراق، وتوسيع حجم نفوذها في البلاد والحفاظ عليه، والأهم من ذلك؛ أنه لا تستطيع بغداد الخروج من الهيمنة الإيرانية على هذا الملف، وذلك نظرًا لعدة أسباب؛ منها: اعتماد العراق بشكل كبير على إمدادات الغاز الإيرانية لمحطاته الغازية لإنتاج الكهرباء، كما أنه يستورد طاقة كهربائية من إيران لسد النقص الكبير لديه[36].
- تأكيد العلاقة بالشركاء الإقليميين بالجوار الحضاري: فإزاء التشكيك في موقع إيران ضمن المعادلة الإقليمية، حاولت طهران التأكيد أنها لا تزال لاعبًا رئيسيًا في المنطقة، خصوصًا في إطار ما يعرف بـ “محور المقاومة”. لا سيما أن التحرّكات السياسية الأخيرة في الشرق الأوسط، والتغيّرات في مواقف بعض الدول (والتوجس إزاء السياسات الإسرائيلية والأمريكية من الحلفاء)، تفتح فرصًا جديدة لإيران لمواصلة لعب دور مؤثر في القضايا الإقليمية[37]. في هذا الإطار جاءت زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى طهران في فبراير 2025[38]. وسنفصل في تلك التوجهات في الجزء التالي من الدراسة، لقراءتها في سياقها الإقليمي.
- إدارة أزمة الملف النووي مع المجتمع الدولي (الغموض المحسوب)، عقب استهداف الولايات المتحدة وإسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية، اتخذت طهران إجراءات سياسية متشددة لحماية برنامجيها الصاروخى والنووى، بدءًا من إحالة الملف النووى إلى المجلس الأعلى للأمن القومي[39]. ومع ذلك، قد تثار تساؤلات حول تباين هذا التوجه مع تصريحات الرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي أكد فيها أن بلاده لا ولن تسعى إلى تصنيع القنبلة النووية. لكن هناك من يرى أن هذا التباين المقصود، يعكس عقيدة الغموض المحسوب، حيث تسعى إيران إلى الإيحاء بأنها وصلت بالفعل إلى مستوى الخبرة النووية العسكرية، لكنها لا تزال حريصة على استرضاء المجتمع الدولي عبر تأكيد اتباع سياسة سلمية تؤمن بعالم خالٍ من الأسلحة النووية[40].
أيضًا موقف بزشكيان الذي تمسك بضرورة تفاوض إيران مع الولايات المتحدة، يرجع إلى إيمانه بأن (بديل الحوار هو حرب المواجهات) وأن البديل عنها توجيه ضربة ثانية، في إشارة إلى أنه حال قامت إيران بإعادة بناء المنشآت النووية الإيرانية التي قصفتها الطائرات الأمريكية والإسرائيلية في حزيران 2025، الأمر الذي تزداد خطورته بما قد يمس بقاء النظام الإيراني الذي يعاني ضغوط داخلية عدة كما يتعلق بتوفير المياه، فضلا عن الأوضاع الاقتصادية غير المواتية للدخول في معارك جديدة[41].
القسم الثاني- هل من تحول في خريطة التحالفات الإقليمية؟
غالبًا ما تتسم حالة التحالف/ الصراع فـي الشرق الأوسط بدرجة عالية من الثبات والاستمرارية، فلا تشهد تغيرات جذرية أو انقلابات فـي أنساقها التعاونية أو الصراعية إلا عبر فترات طويلة نسبيًا. غير أن عامين من طوفان الأقصى الذي كان منعطفا مهما فـي عدد من الملفات فـي المنطقة، قد رتبا بعض التحولات فـي أوضاع وشؤون داخلية وإقليمية تمس مباشرة دولا وأطرافا أصيلة فـي محاور واستقطابات إقليمية[42]. وفيما يلي نتناول أبرز ملامح التغير في السياق الإقليمي، ثم اتجاهات التغير في حركة التفاعلات الإقليمية ومحاورها، وموضع سوريا منها (باعتبارها كانت ركنًا أساسيًّا من أركان المحور الإيراني، وهو ما تغير الآن).
أولا- ملامح عامة للتغير في السياق الإقليمي
وذلك في ضوء ما أفرزته نتائج المواجهات الدائرة حول طوفان الأقصى:
- الملمح الأبرز فـي ذلك التغير هو تراجع قوة الفاعلين من غير الدول (ما دون الدولة)، وبصفةٍ خاصة بعض التنظيمات والفصائل المنتمية للمحور الإيراني التي اكتسبت فاعليتها وقوتها من طبيعتها المسلحة وأدوارها العسكرية أساسا. وكذلك تنظيمات ذات جوهر عسكري، استتبع دورًا سياسيًّا، كما هو حال حركة حماس الفلسطينية، وكذلك حزب الله اللبناني. ولا يعني ذلك انهيار واختفاء الفاعلين من غير الدول بشكل كامل، أو خروجهم من المعادلة نهائيًّا.
فعقب الثورات العربية كانت الكيانات من غير الدول طرفًا أصيلا فـي موازين التحالفات الإقليمية، على وقع تراجع واهتزاز الفاعل الأصلي (الدولة) بانهيار بعض الدول وانكسار أخرى. لكن خلال تلك الفترة، نجحت بعض الدول التي كانت قد انكسرت فـي استعادة التوازن والدور[43]، وإن كان ذلك على نحو كلف النظم والمجتمعات تكلفة باهظة في الأرواح والحريات وحقوق الإنسان.
أما بعد المستجدات، خلال العام الثاني من الطوفان، كانت خسارة معظم أولئك الفاعلين من غير الدول قدرًا معتبرًا من موارد وأدوات القوة المادية؛ لذا فإن اعتبارها فاعلا إقليميًا بات مقرونًا أو بالأدق مرهونا بالأداء أو الدور «السياسي» لها في كل قضية بعينها[44]. مع الأخذ في الاعتبار استمرار حركات المقاومة في الصمود والمبادرة بما تبقى من موارد، على رأسها الموارد المعنوية.
- تبع ما سبق التغير في نمط المواجهات، على سبيل المثال، فـي السابق لم يكن مُتصورا قيام إيران بعمل عسكري، أيا كان حجمه أو نطاقه، بشكل مباشر، إذ كانت الأذرع الوكيلة والتنظيمات الموالية لطهران تقوم بهذه المهام. وبعد الضربات القاصمة التي وجهتها إسرائيل لأهم تلك الأذرع، فإن الدلالات والنتائج لن تقف عند تقلص قوة تلك الكيانات وإضعافها، إذ ستحتاج طهران إلى جهود مضاعفة لإدارة معاركها أو إعادة بناء قدرات وكلائها[45]، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، كانت القدرة الإيرانية على القيام بهجمات وضربات عسكرية ضد إسرائيل محدودة ومتدرجة في التصعيد، وصلت إلى أقصاها ردًا على عدوان الكيان الصهيوني عليها في يونيو 2025.
- تراجع الثقة في الحلفاء التقليديين، بالنسبة لدول الخليج، لطالما كانت الولايات المتحدة الضامن الأمني الأول لدول الخليج، لكن الضربة الإسرائيلية على الدوحة في سبتمبر 2025، والتي استهدفت منشأة تضم قيادات من حماس، كشفت هشاشة هذا الضمان. وقد الرد الأمريكي كان باهتًا، مما دفع دول الخليج لإعادة تقييم تحالفاتها.
في أعقاب الضربة على قطر، فعَّلت دول مجلس التعاون الخليجي آلية دفاع مشترك، وعقدت اجتماعًا طارئًا. لبحث الرد الجماعي. كما ظهرت دعوات لتوسيع التعاون مع مصر، تركيا، وباكستان، لتشكيل “نواة أمن إقليمي مستقل”، كما سنرى بعض التفاصيل[46].
هذا على نحو ما جاء فى كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى أمام القمة العربية الإسلامية الطارئة في 15 سبتمبر [47]2025، و«الرؤية المشتركة للأمن والتعاون في المنطقة» التي اعتمدها مجلس جامعة الدول العربية في دورته الوزارية في الرابع من الشهر نفسه بمبادرة مصرية – سعودية. هذا التوجه يشير إلى إدراك عدم إمكانية تحييد الخطر الإسرائيلي وفداحة مآلات جعل الترتيبات الأمنية بيد الولايات المتحدة، في ظل اختلال ميزان القوى القائم[48].
وعلى الجانب الآخر، أدركت إيران كذلك محدودية الدعم الذي قد تقدمه لها كل من روسيا والصين؛ نظرًا لطبيعة استراتيجية الطرفين في الإقليم -كما سنرى فيما بعد.
ثانيًا- أبرز اتجاهات الحركة الإقليمية
إن ما لحق بإيران رغم ما حققت من قوة، خاصة جراء الهجوم الإسرائيلي في يونيو 2025، وما كشف عنه من حقائق من قبيل: أولوية أمن إسرائيل لدى الولايات المتحدة وفقط إسرائيل مهما كانت التداعيات الإقليمية، الحاجة إلى آليات دفاعية فالحرب قد تفرض بقرارٍ من طرفٍ واحد بين عشية وضحاها. هذا أفضى إلى مراجعة العلاقات القائمة بين القوى الرئيسية بالإقليم فى اتجاهاتٍ متكاملة، أو هكذا يجب أن تكون، أهمها:
الاتجاه الأول، هو مراجعة العلاقات العربية – العربية، في اتجاه إنهاء الاستقطابات القائمة. ورغم أن هذا التوجه قد بدأ بالفعل قبل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والحرب على إيران (كالمصالحة بين دول الخليج ومصر من جانب وقطر من جانب آخر)، لكن تلك الأحداث دفعت هذه العلاقات نحو مرحلة أو حالة أخرى، تجاوزت مسألة مجرد إنهاء الاستقطابات، استنادا إلى وجود تهديدات مشتركة للمصالح العربية وأمن الإقليم. الأمر الذي تجلى في القمم العربية، والقمم الثنائية والجماعية، وما صدر عنها من مواقف وبيانات رسمية[49]. إلا أن ذلك لم يجد له أثرًا على أرض الواقع؛ نظرًا لطبيعة النظم الحاكمة وسيطرة الرؤى الجزئية الضيقة، بل يمكن القول إن إحدى المصالح الضيقة الدافعة للمراجعة إنما كان مواجهة تيار المقاومة المتصاعد لدى الشعوب.
الاتجاه الثاني، إعادة النظر فى طبيعة العلاقات بين القوى العربية وقوى الجوار الحضاري:
- التقارب مع إيران:
وذلك في اتجاه تعزيز حالة التفاهم المشترك، ولم يقتصر ذلك على دول الخليج العربي، لكنه شمل أيضا قوى عربية رئيسة أخرى، وفي مقدمتها مصر. صحيح أن هذا التوجه لم يصل بعد إلى محطته الأخيرة، لكنه يمثل تحولا كبيرا بالمقارنة بحالة العلاقات العربية- الإيرانية خلال العقود السابقة على العدوان الإسرائيلى على غزة[50]. بالعودة إلى الوراء قليلا، شهدت العلاقات العربية الإيرانية تحولًا ما بعد العام 2003، وتحديدًا جراء دور التدخل العسكري الأمريكي في العراق، والذي أفضى إلى تحول كبير في ميزان القُوى الإقليمية، بعد أن حيد العراق عن اعتباره أحد اللاعبين الإقليميين، وساهم في صعود النفوذ الإيراني، بعد تنامي الجماعات المسلحة والفاعلين من غير الدول.
غير أن خط التماس بين إيران والدول العربية، وكذلك إسرائيل، اتسع بشكل غير مسبوق عقب موجة الاضطرابات التي أعقبت ثورات عام 2011. فقد رأت إيران في تلك التحولات فرصة تاريخية لإحياء مشروع نفوذها الإقليمي، مستغلة حالة الفراغ السياسي والأمني في عدد من الدول العربية. وقد استكملت طهران تطويق إسرائيل من خلال تنسيقها العسكري والعملياتي مع فصائل فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، ما أضاف طبقة جديدة من التهديدات المركّبة والمشتركة.
وقد كانت ديناميكيات التوازن الإقليمي أيضًا تميل في جانب منها لصالح إيران، ثم شهدت العلاقات العربية -الإيرانية تحولًا لافتًا بعد عام 2021، مدفوعة بمتغيرين رئيسيين. تمثل الأول في توجه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن نحو اتباع مقاربة تفاوضية مع إيران، على غرار نهج إدارة باراك أوباما، مع السعي للعودة إلى الاتفاق النووي بنسخة معدّلة عن اتفاق 2015، وتخفيف العقوبات عنها تدريجيًا. أما المتغير الثاني، فكان نتاج إدراك إقليمي جماعي لضرورة التوصل إلى تفاهمات تُنهي حالة الاستنزاف وعدم الاستقرار.
وقد تُوِّجت تلك الأجواء باستئناف السعودية علاقاتها مع إيران في 10 مارس 2023، بعد انقطاعها منذ عام 2018. بموازاة تزايد الحديث داخل الولايات المتحدة عن قُرب التوصل إلى اتفاق سعودي -إسرائيلي[51]. من منظورٍ إيراني، شكّل الاتفاق فرصة للخروج من دائرة العزلة السياسية التى فُرضت عليها بفعل العقوبات الأمريكية المتصاعدة بعد الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى عام 2018، ويفتح قنوات للتواصل مع القوى الإقليمية المؤثرة. أما بالنسبة للسعودية، فقد ارتبطت دوافع التقارب بعوامل استراتيجية وتنموية فى آن واحد. فمن الناحية السياسية والأمنية كان الملف اليمنى يشكل أولوية قصوى للرياض، نظرًا للكلفة البشرية والمالية المستمرة للحرب. وقد رأت القيادة السعودية أن أى تسوية فى اليمن تتطلب انخراطًا مباشرًا مع طهران، نظرًا لدورها المؤثر فى دعم جماعة الحوثى. ومن الناحية الاقتصادية انسجم التقارب مع أهداف رؤية السعودية 2030، التى تركز على تنويع الاقتصاد، وتقليل الاعتماد على التحالفات الأمنية التقليدية مع الولايات المتحدة وحدها[52].
ولكن ماذا بعد طوفان الأقصى، تحديدًا ماذا بعد ما شهده المحور الإيراني من تراجع تعددت مؤشراته رغم محاولات البقاء، على نحو ما أشير؟ كيف تحركت دول الجوار الحضاري لإيران، سواء العالم العربي أو تركيا؟ هل أدركت خطورة الوضع الإقليمي، واحتمالية أن تتجه إسرائيل للانقضاض على أي منهما، بعد أن أضعفت المحور الإيراني بدرجة لا يمكن إنكارها، أم استمر العالم العربي مثلا في مسار التقارب والتطبيع مع الكيان الصهيوني؟
لقد كان الرفض العربي للهجوم الإسرائيلي في يونيو 2025 والوعي بخطورة القضاء على النظام الإيراني، فقد جاءت مواقف الدول العربية والإسلامية والتي أدانت 21 دولة منها بالفعل الهجمات الإيرانية، بالانطلاق من ثلاث ركائز رئيسية:
الأولى: أنَّ استهداف قُدرات النظام الإيراني، قد تُقوض سيطرته على جغرافيا البلاد، وقد تفضي مع مرور الوقت إلى سقوطه، فصحيح أن العلاقات العربية الإيرانية ضلت تستدعي الحذر منذ عام 1979، لكن في المقابل، لا يمكن تجاهل المخاطر المترتبة على انهيار مفاجئ لذلك النظام، في ظل غياب بدائل سياسية واضحة، إذ أن انزلاق إيران إلى حالة عدم استقرارٍ داخلي شاملٍ قد يحمل ارتدادات أمنية واقتصادية عابرة للحدود.
ثانيًا، تُبدي العديد من الدول العربية تخوّفًا متزايدًا من أن يؤدي اختلال موازين القوى في الإقليم إلى دفع إسرائيل نحو ترسيخ نفسها كقوة مهيمنة في المنطقة. ويستند هذا التخوّف إلى ما أثبتته إسرائيل من قدرات عسكرية متقدمة.
ثالثًا، التخوف من امتداد الصراع إلى الدول العربية والممرات التجارية الرئيسية في المنطقة وخاصة مضيق هرمز[53].
من دلائل التقارب أيضًا، تصدّر خطاب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم واجهة الإعلام الإيراني، بعدما دعا المملكة العربية السعودية إلى “فتح صفحة جديدة” في العلاقات، مؤكدًا أنّ “أسلحة المقاومة موجّهة فقط ضد العدو الإسرائيلي”. وفُسرت هذه المبادرة على أنها إشارة من حزب الله إلى أنه شريك محتمل في مواجهة الخطر الإسرائيلي المشترك، وليس عبءً أمنيًا على دول الخليج. وقد أحيلت تلك التغيرات إلى جهود دبلوماسية إيرانية، حيث إنه أعقب جولات قام بها الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى بيروت والرياض، إذ ركّز على اعتبار المقاومة “رأسمالًا وطنيًا”، وضرورة مواجهة التوسّع الإسرائيلي. كما أن إيران تدفع حلفاءها – وفي مقدمتهم حزب الله – إلى إظهار مرونة خطابية، لتهيئة الأرضية أمام تفاهمات أوسع[54].
ويمكن ربط خطاب قاسم بالوضع الداخلي اللبناني، حيث جاء أنّ “دعوة حزب الله للحوار مع السعودية تجعل الحديث عن نزع سلاح المقاومة، وحينها طُرحت التساؤلات، أو لنقل الأمنيات التي عبرت عنها وسائل إعلامية تابعة للمحور الإيراني: هل السعودية التي كانت من أبرز الداعمين لفكرة نزع سلاح حزب الله تجد نفسها اليوم مضطرّة للتعاطي مع هذا السلاح كرصيد اقليمي، وليس كتهديد مباشر، في إطار معادلة استراتيجية جديدة، حيث تعامل إيران معه كأداة لإعادة صياغة التحالفات: أي عدو مشترك واحد هو إسرائيل، بينما المقاومة يمكن أن تتحوّل من خصم إلى شريك أمني محتمل في حسابات السعودية[55]؟
ومع ذلك، فإن معضلة اليمن في العلاقات الخليجية -الإيرانية تظل معقدة على عدة مستويات. أولًا: قدرة إيران على التأثير المباشر فى قرارات الحوثيين ليست مطلقة، إذ إن للجماعة حساباتها الذاتية ورؤيتها الخاصة لمسار الحرب والتسوية. ثانيًا: استمرار حالة الانقسام السياسي والعسكري في الجنوب يضيف طبقة إضافية من التعقيد أمام أي اتفاق شامل. أيضًا انهيار البنية التحتية، والأوضاع الإنسانية الكارثية – تجعل من أى تهدئة مجرد خطوة أولية تتطلب دعمًا اقتصاديًا وإنسانيًّا هائلًا لتترسخ[56].
لم تكن مصر ببعيدة عن التقارب مع إيران، ومن أبرز مؤشرات التقارب التي يمكن رصدها مؤخرًا، زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى مصر، في يونيو 2025 (قبيل العدوان الإسرائيلي بأيام قليلة)، وقد حملت معها توقعات بفرب التطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين[57]. وإن كانت طهران تسعى إلى التقارب مع مصر لكسر عزلتها، فإن مصر كذلك بحاجة للتواصل الدائم مع القوى الإقليمية الفاعلة، خاصة ذات التأثير في ملفات تمس أمنها القومي كالملف الفلسطيني. وقد أكدت مصر عبر وزير خارجيتها، بدر عبد العاطي، أنها تسعى إلى استخدام علاقاتها مع إيران لخفض التوتر في المنطقة[58]. أيضًا على مدى ثلاثة شهور بذلت مصر جهود لسد الفجوة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث توقيع اتفاق في القاهرة يعيد التعاون بين الوكالة وطهران[59].
- التقارب مع تركيا:
فتركيا التي تمتلك ثاني أكبر جيش في الناتو، وسّعت حضورها العسكري في الخليج عبر قواعد في قطر. وتعاون دفاعي مع الكويت وعمان. رغم عدم وجود تحالفات رسمية شاملة، إلا أن أنقرة تعتمد على التحالفات المرنة. التي تجمع بين التدريب، التواجد العسكري، والتعاون الاستخباراتي. هذا التواجد يمنح تركيا موطئ قدم في الخليج، وتعيد توازن القوى في وجه السعودية والإمارات، أيضًا تتعزز قدرة أنقرة على لعب دور الوسيط العسكري في النزاعات الإقليمية، خاصة في اليمن وسوريا. على الجانب الآخر، تتعزز قدرة قطر على الردع في مواجهة التهديدات الإسرائيلية والإيرانية[60].
وبالنسبة للموقف التركي من تراجع المحور الإيراني، لا شك أنه مع سقوط الأسد وتراجع النفوذ الإيراني، برزت تركيا على أنها القوة الإقليمية التي ستحل محل إيران في الشرق الأوسط الجديد الآخذ في التشكل، وهو ما اتضح في الحالة السورية، إذ سارعت أنقرة لتعزيز نفوذها في دمشق على حساب طهران، وهذا الأمر يثير مخاوف إيران بأن توسع تركيا نفوذها أيضًا في العراق على حسابها، استنادًا على العلاقات الاقتصادية والأمنية التي تربط تركيا والعراق[61]. تركيا استفادت من تراجع النفوذ الإيراني في العراق وسوريا والقوقاز، وعملت على تعزيز قدراتها الدفاعية ومكانتها الإقليمية، في وقت أصبح فيه مشروع “طريق التنمية” في العراق أكثر قابلية للتنفيذ بغياب معارضة فاعلة من إيران. لكن رغم ذلك، هناك قلق تركي واضح من سيناريو سقوط النظام الإيراني، الذي قد يخلّ بتوازنات المنطقة ويُعزز القوة الإسرائيلية[62].
3- التقارب مع باكستان:
والذي مثل ملمحًا ذا دلالة في فترة ما بعد الحرب الإسرائيلية على إيران، خاصة في ظل موقفها الرافض تمامًا لهذا الهجوم، ففي ظل توجهات إقليمية نحو الانفتاح على مناقشة الأفكار الخاصة بإنشاء آلية إقليمية أو عبر إقليمية للتنسيق والتعاون، جاء اتفاق الدفاع الاستراتيجى المشترك الموقع في 17 سبتمبر 2025 بين المملكة العربية السعودية وباكستان، والذي ينص على أن “أي عدوان على أحد الطرفين يعد عدوانًا على الآخر”[63]. ويعكس الاتفاق دلالات مهمة؛ أولاها أنه يكرس التوجه السابق الإشارة إليه نحو إنهاء انفراد الجانب الإسرائيلي أو أي قوة أخرى من خارج الإقليم بأية ترتيبات أمنية تخص الإقليم، ثانيتها أنه يعمق حالة الترابط والاعتماد المتبادل بين أمن إقليم الشرق الأوسط وإقليم جنوبى آسيا[64]. ويمكن القول من ثم أنه لم تعد التحالفات مجرد اتفاقيات دفاعية، بل أصبحت أدوات لإعادة تشكيل التوازن الاستراتيجي، في ظل صراعات متشابكة ومصالح متضاربة. كما يمنح الاتفاق السعودية عمقًا دفاعيًا نوويًا غير مباشر عبر باكستان، القوة النووية الإسلامية الوحيدة، وبالتالي يفتح الباب أمام تعاون في التدريب، الإنتاج العسكري، ونشر القوات المشتركة[65].
ورغم أن هذا الاتفاق يعد محاولة من جانب الرياض لتوسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع ما يجري في المنطقة، إلا أن ذلك لا يخفي أن ثمة قلقًا بات طهران من الرسائل التي يوجهها هذا التطور الجديد الذب قد يعني وفقًا لرؤية طهران، أن السعودية تسعى إلى موازنة قوتها إقليميًا، عبر التحالف مع قوة إقليمية على غرار باكستان. ويعني ذلك أن إيران لا تعتبر أن إسرائيل هى الطرف الوحيد المستهدف منه، رغم حرص إسلام أباد والرياض على تأكيد أنه لا يستهدف طرفًا بعينه[66].
ثالثًا- سوريا واختلاف الوجهة:
شهدت سوريا في الفترة الأخيرة تحولات تعكس مرحلة جديدة من الانفتاح العربي، يقابلها حراك داخلي لإعادة ترتيب المشهد السياسي والاقتصادي، في وقت لا تزال التحديات الأمنية والضغوط المعيشية تلقي بظلالها على واقع البلاد[67].. ذلك حيث -كما أشير- سلطةً سياسيةً جديدةً تغيّرت في سياقها التوازنات الطائفية على الصعيدَين الوطني والإقليمي، وبما عبر عن تغيير جيواستراتيجي نقل سوريا من “محور المقاومة”، إلى المحور العربي، المحافظ، في الخليج وفي تركيا. كما فتح على صعيد العلاقات الدولية طريق التفاهم مع الولايات المتحدة، وربّما التطلّع إلى التحالف معها، مع عدم استبعاد علاقات مع إسرائيل[68]. ولا شك أن كل هذا يُلقي بظلاله على إيران وإمكانيات حركتها.
وكان من بوادر التحول على المستوى الدبلوماسي، أن أولى خطوات الرئيس السوري أحمد الشرع بعد توليه منصبه صوب الخليج، عبر زيارة رسمية إلى الكويت، حيث أكد على تمسك دمشق بالعلاقات الأخوية مع الدول العربية، مشددًا على أهمية تعزيز التعاون والتضامن لمواجهة تحديات المنطقة، معتبرًا الزيارة خطوة باتجاه تحقيق التكامل العربي[69]. لتدخل سوريا في معادلة إقليمية ودولية تتجاوز رهاناتها مسألة توزيع السلطة السورية، وإنما أيضًا الاندماج في الاقتصاد الإقليمي القائم الذي يقوده الخليج العربي منذ عقود، الغني بالموارد النفطية، لتسيطر على توجُّهاتها الخيارات النيوليبرالية والاقتصادية السائدة فيه[70].
اتخذ الرئيس السوري أحمد الشرع خطوات مهمة -وإن كانت حذرة- نحو تحول جذري في علاقات دمشق الإقليمية والدولية، بما في ذلك التقارب مع تركيا وإعادة فتح قنوات الحوار مع واشنطن وإسرائيل. ويبدو أنه، بناءً على تحفيز من دونالد ترامب عقب لقائهما في مايو 2025، شارك في محادثات غير مباشرة مع إسرائيل بشأن التنسيق الأمني.. ومن اللافت أن دمشق لم تُدن قصف إسرائيل لإيران، كما لم تعترض على استخدام إسرائيل للمجال الجوي السوري في تنفيذ تلك الغارات. وهو أمر لا شك أنه سيجد أثرًا بعيد المدى بشأن العلاقة بين دمشق وطهران.
ويشار إلى أنه بدأت اللوحات الإعلانية في إسرائيل تذكر سوريا ولبنان ضمن ما يُسمى بـ”التحالفات الإبراهيمية”، لا سيما وقد عبّر المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، بثقة عن توقعاته بتوسيع نطاق هذه الاتفاقات”[71]. كما صرح المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم باراك، إن الرئيس السوري، أحمد الشرع “أوضح أنه لا يكره إسرائيل، وأنه يريد السلام على هذه الحدود”[72].
وهو ما تم إرجاعه إلى أن فقدان الدعم الروسي والإيراني سيترك سوريا في عزلة، بينما هي في حاجة ماسة للمساعدة.. ومن أجل إعادة الإعمار، قد تحتاج إلى دعم دولي -ربما من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي- وهو ما قد يكون مشروطًا بالسلام مع إسرائيل. وبما يدفع باتجاه إعادة رسم خريطة التحالفات والمصالح، في ظل معادلات جديدة للنفوذ الإقليمي وشبكات المصالح الاستراتيجية[73].
وبشأن تركيا، فرغم دعم تركيا للتحول الواقع بسوريا ورعايته، إلا أنه هناك عدة مشاكل تحكم العلاقات بين البلدين: أولها، الخلافات على الحدود القائمة منذ نهاية الإمبراطورية العثمانية، وهي وإن جرى تأجيلها اليوم فستعود إلى الظهور آجلًا أو عاجلًا. وهناك أيضًا مسألة تقاسم مياه نهري دجلة والفرات، مما يشكل عبئًا كبيرًا على العلاقات الثنائية، هذا فضلا عن المخاوف إزاء خطر تشكل دولة كردية على حدودها الجنوبية إن تقسمت سوريا حسب الانتماءات الإثنية والدينية. وهو ما يعني أن تركيا -شاءت أم أبت- لا تملك خيار مغادرة الساحة السورية[74].
إذن، فسوريا مستغرقة في إعادة بناء تحالفاتها الخارجية، وما يرتبط بها من إشكالات قد تختار معها تقاربًا مع الولايات المتحدة، مع ما يمليه ذلك من تقارب أيضًا مع إسرائيل، ولعل ذلك ما يفسر -ولو جزئيًا- عدم إعلان مواقف داعمة للمقاومة على النحو المتوقع من نظام ثائر يحمل خلفية إسلامية.
إلا أن ما يجب التأكيد عليه بشأن العلاقة بين دمشق وطهران، وفي واسطة العقد المقاومة كحركة وفكرة، إن كان النظام السوري الجديد وإن كان لا يمكنه تجاهل العداء القريب مع إيران، فهو في الوقت ذاته، لا يمكنه القفز على العداء التاريخي مع إسرائيل[75]، التي لن تُثنها أي اتفاقات واهمة عن مخططاتها في الجولان.
رابعًا- كيف تقرأ القوى العالمية الوضع الراهن؟
على الصعيد العالمي، حدثت تحولات مهمة فـي موازين القوى العالمية فـي المنطقة، إذ إن الانعطافة التي حدثت على الساحة اللبنانية بالإضافة إلى التطورات السورية لا شك أنها صبّت باتجاه تقوية الموقف الأمريكي فـي المنطقة أولًا بتحجيم دور إيران فـي لبنان وإنهائه فـي سوريا، ومع ذلك فلا شك فـي وجود مربكات للدور الأمريكي فـي سياق هذا الصعود لعل أهمها هو طبيعة القوى التي أطاحت بنظام “الأسد”، وتصنيفها السابق على لوائح الإرهاب، وهو ما يربك الغرب والولايات المتحدة بصفة خاصة حتى الآن (رغم ما أبدته من مرونة)، كذلك فإن صعود نجم تركيا إقليميًّا لا شك أنه يسبب للولايات المتحدة إرباكًا فـي تعاملها مع القضية الكردية المشتعلة حاليًّا فـي سوريا، وذلك بالنظر إلى الموقف بالغ التشدد الذي تتخذه تركيا ضد الأكراد[76].
قد تضطر إدارة ترامب إلى انخراطٍ مباشر على المدى القصير فقط، أي خلال عام أو اثنين على الأكثر، وهي الفترة التي ربما تحتاجها لترتيب الأوضاع الإقليمية وتسكين الأطراف والدول كل فـي سياق الرؤية الصهيو -أمريكية. لا سيما أن حضور واشنطن ودورها المباشر كفاعل إقليمي اكتسب قوة دفع جديدة على خلفية ما تعرضت له إسرائيل فـي السابع من أكتوبر 2023؛ إذ وجدت أن عليها «واجب» استنقاذ إسرائيل[77]. وقد كان التجلي الأبرز للرؤية الأمريكية مؤخرًا في خطة ترامب بشأن قطاع غزة، حيث وقف العدوان مقابل تسليم الأسرى. ذلك لا سيما أن التحوّلات الاقتصادية الكبيرة في دول الخليج، هدفًا لإدارة ترامب في المرحلة القادمة، وبالتالي فالولايات المتحدة بحاجة إلى إقليمٍ مستقر ولو نسبيًا[78].
لا يمكن تجاهل أن التطورات في مجملها (رغم اتخاذ العرب وجوارهم بعض الخطوات التي ربما تعكس إدراك خطورة الوضع الإقليمي) تصب في صالح المشروع الصهيوني ورؤية نتنياهو الأشمل “لتغيير وجه الشرق الأوسط”، وفق تصريحه 17 مارس 2025، ضمن مخطط أمريكي – إسرائيلي قديم يتم استحضاره اليوم وسط استمرار حرب الإبادة ضد قطاع غزة، لفرض الهيمنة وتبوؤ الكيان المُحتل لمكانة “الدولة” المركز إقليميًا[79]. إن اللحظة الراهنة لتمثل امتدادًا لمشروع نتنياهو في حقبه الثلاث (1996 – 1999، 2009 – 2021، و2022 حتى الآن)، ويتميز بأمرين: الأولى، أن حروب إسرائيل – في عهده- تركزت ضد قوى لا دولتية، أي ضد فصائل فلسطينية ولبنانية، وهو ما تجسد في الحروب المتوالية التي شنَّتها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وضد “حزب الله” في لبنان. أما المسألة الثانية، فتتمثل في أن حروب نتنياهو ضد الفلسطينيين واللبنانيين كانت تتأسس على ادعاءات أيديولوجية، وليس فقط سياسية وأمنية[80].
ومن ثم لا يمكن إحالة العدوانية الإسرائيلية المتوحشة فقط إلى رغبة نتنياهو في التملص من المحاكمة والمحاسبة، أو الضغط لتحرير الرهائن. وكان “أورن يفتاحئيل” أستاذ الجغرافيا السياسية، أكد ذلك مبكِّرًا، في بداية الحقبة الثانية لنتنياهو في رئاسة حكومة إسرائيل (2009-2021) بقوله: “هذه الحرب استمرار للمشروع والسلوك الإقليمي الإسرائيلي الذي تبنَّى هدفًا متشددًا ووحشيًّا يتمثل في إسكات الزمن الفلسطيني، أي محو التاريخ الكامل لهذه البلاد… الغزو الإسرائيلي لغزة ليس فقط عملية لوقف الصواريخ، أو لتلميع شخصيات للانتخابات أو محاولة لترميم الردع، الغزو ليس فقط محاولة لإسقاط حكومة “حماس”، وليس مسعى إمبرياليًّا إسرائيليًّا-أمريكيًّا للسيطرة، هو كل تلك الأمور”. إن ما تريده إسرائيل هو دورها كقوة إقليمية وحيدة في الشرق الأوسط، وربما أكثر، على حساب العالم العربي والقوى الإقليمية الأخرى، أي إيران وتركيا[81].
وقد جاء في تقرير إسرائيلي صدر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) بالتعاون مع منتدى السياسة الإسرائيلية (IPF) في 11 سبتمبر 2025 بعنوان “تفكيك المحور: إضعاف وتعطيل شبكة وكلاء إيران”[82]. ويبقى السؤال لبقية عام 2025: كيف يمكن تحويل النجاحات التكتيكية لإسرائيل إلى إنجازات استراتيجية طويلة الأمد؟ يركز التقرير على الحيلولة دون تمكن إيران من إعادة بناء محورها: وتملك الولايات المتحدة فرصة غير مسبوقة لاستغلال التحوّلات في الشرق الأوسط. ولتحقيق ذلك، ينبغي على إدارة ترامب أن تنخرط في المنطقة بدلًا من الانسحاب منها. ولا يتطلّب هذا الانخراط نشر قوّات على الأرض، أو خوض مشاريع مستحيلة لبناء الدول، بل يمكن للولايات المتحدة -بالشراكة مع دول الخليج والقوى الأوروبية، وأحيانًا إسرائيل- أن تعمل كمضاعِفٍ للقوّة لتوجيه المساعدات الخارجية وجذب الاستثمارات.
على سبيل المثال، يمكن للولايات المتحدة أن تساعد في عقد تحالف إقليمي من الدول يركّز على بناء هيكلية جديدة لتعزيز التعاون ودفع الازدهار الاقتصادي، خصوصًا في سوريا ولبنان، ولاحقًا في غزّة بعد الحرب. لن يكون هذا الإطار معاديًا لإيران بشكل مباشر، بل سيقدّم بديلًا لرؤية طهران للمنطقة… هكذا تخطط إسرائيل.
على سبيل المثال، وفي سياق اعتبار إيران ومحورها كمحفز التوتر الإسرائيلي، وبجانب الخسارة التي تكبدتها طهران جراء حرب يونيو 2025 على نحو ما ذكر، فإن لبنان أحد محطات المخطط الصهيوني، فرغم الاستقرار النسبي في الساحة اللبنانية، الذي يعود لتوافق القوى السياسية اللبنانية على اتخاذ خطوات متسارعة لضبط المشهد السياسي الداخلي، إلا أن إسرائيل قد استمرت في خروقات لاتفاق وقف إطلاق النار، وإن مثل تلك السياسات قد يشكل ضربة قوية لجهود القيادة اللبنانية الجديدة في التصدي للأزمات الاقتصادية والاجتماعية الممتدة منذ سنوات طويلة، وراكمها الاحتلال. وهو ما رفضته بيروت، معتبرة على لسان رئيس مجلس الوزراء اللبناني “نواف سلام” في 29أبريل 2025 أن “عدم انسحاب إسرائيل بالكامل من أراضي بلاده يهدد الاستقرار بالمنطقة”.
إذن، فالمخططات الإسرائيلية لا تكتفي باتفاق يضمن منطقة خالية من عناصر حزب الله وسلاحه جنوبي الليطاني فقط، بل هي تطمح في إعادة الأوضاع لما كانت عليه باحتلال مطوَّل لأجزاء أكبر من جنوب لبنان، قبل الانسحاب عام 2002، أو على الأقل إيجاد ترتيبات أمنية تضمن البقاء على مقربة من الحدود إن لم يكن داخل مساحات منها، بما يشكل تغييرًا جغرافيًّا جذريًّا.
ذلك أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين تعكس أطماعًا في ثروات لبنان وموقعه الاستراتيجي، على سبيل المثال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية ديفيد مينسر الذي زعم في 24 سبتمبر 2024 أن “نهر الليطاني حدود إسرائيل الشمالية”، ودعوة الوزير اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش في 10 أكتوبر 2024 “بتوسيع الحدود إلى عمق الأراضي اللبنانية التزامًا بالكتاب المقدس اليهودي”[83].
سوريا حلقة أخرى في مخطط المواجهة الإسرائيلية، وتعد أحداث السويداء نموذجًا دالًا على تحولات المقاربة الإسرائيلية في سوريا. فالتدخل الإسرائيلي العسكري المباشر في المحافظة منتصف يوليو 2025 عبر ضربات جوية استهدفت قوات الجيش والأمن التابعة للحكومة المؤقتة ومواقعها عسكرية في دمشق ودرعا واللاذقية، يعكس انتقال إسرائيل إلى سياسة التدخل الاستباقي في العمق السوري[84].
لا يدعم المخططات الصهيونية -الأمريكية غياب الرؤية الاستراتيجية للعرب وجوارهم الحضاري فقط، وإنما ثمة عوامل أخرى ترتبط بحالة القوى الدولية الأخرى، على سبيل المثال، فإن حضور روسيا كان مرتبطًا بالتدخل العسكري فـي سوريا، واتسع تدريجيا ليصير سياسيا من خلال توثيق التعاون مع عدد من الدول العربية، فضلا عن تركيا، لكن حضور موسكو وتأثيرها كفاعل فـي المنطقة، قد تراجع نسبيا مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية حتى الآن، ثم مع حرب غزة وضرب لبنان وسقوط نظام الأسد والتوترات العسكرية بين تل أبيب/ واشنطن وطهران. ولعل السبب الأساس هو محدودية القدرات الروسية على التأثير فـي مجريات تلك التطورات المهمة، رغم العلاقة الوثيقة مع إيران بصفة خاصة[85].
ولا يعني ذلك أننا نتحدث عن انسحاب روسي كلي أو أن هذا التراجع سيستمر على المدى الطويل؛ حيث إن بقاء واشنطن فـي المنطقة مؤقت ويرتبط بالأزمة الحالية، كما أن التواجد العسكري الروسي ليس محصورا فـي قاعدة حميميم أو ميناء طرطوس بسوريا؛ فهناك نقاط تمركز جيواستراتيجي بديلة، بعضها قائم كما فـي ليبيا وبعضها الآخر محتمل أو ممكن فـي دول أخرى.
أما بالنسبة للصين، معروف اقتصارها فـي الاهتمام والتفاعل على الشق الاقتصادي من قضايا وتطورات الشرق الأوسط. ورغم قيامها على نحو مفاجئ بتحرك سياسي غير مسبوق برعاية تفاهم إيراني سعودي، ثم استضافة لقاء فلسطيني- فلسطيني، فإنها سرعان ما ارتدت إلى موقع المتابع[86].
أما فيما يخص أوروبا، فرغم موقفها بشأن البرنامج النووي الإيراني، وكذلك موقفها الداعم لإسرائيل في العام الأول من الإبادة بغزة، فإن ضغوط الرأي العام شكلت عائقًا أمام درجة الدعم المقدمة، على سبيل المثال الاعتراف من قبل عدد من الدول الأوروبية بالدولة الفلسطيمية في قمة الأمم المتحدة 22 سبتمبر 2025 في نيويورك. من الناحية الواقعية، يمثل هذا الاعتراف تحولا في توازن القوى، حيث تسعى هذه الدول إلى مواجهة نفوذ إسرائيلي متزايد وتعزيز مصالحها في الشرق الأوسط، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية الناتجة عن حرب غزة. كما أنه يعزز مبدأ حل الدولتين كحل مؤسسي يعتمد على القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة (مثل قرار 242 و181). ومع الاعتراف الجديد، يمكن لفلسطين تعزيز مطالباتها بحقوقها في المياه الإقليمية (وفق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982) والمجال الجوي. كما أن الاعتراف يدعم قرار نفس المحكمة الأخير في يوليو 2024 الذي يطالب بإنهاء الاحتلال غير الشرعي[87].
تمثل رد الفعل الإسرائيلي في توعد نتنياهو بأن “دولة فلسطينية لن تقوم غرب نهر الأردن”، ووصف الاعتراف بأنه “مكافأة للإرهاب الوحشي لحماس”. كما عبرت واشنطن عن عدم رضاها عن هذه الاعترافات، معتبرة أنها لا تخدم جهود السلام وتعقد الوضع، كما أكدت وزارة الخارجية أنها “تكافئ الإرهاب” وتضعف المفاوضات. علمًا أنه قد سبق للولايات المتحدة أن استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، مما يؤكد موقفها الرافض لأي خطوات أحادية الجانب، ومن المتوقع استمرار ذلك مستقبلًا[88].
وبخلاف كل ما سبق، يُعد الأخطر في هذه المرحلة، وفق الكاتب الإيراني محمد صدرا مرادي أنّ السؤال الحاسم اليوم في إيران هو احتمال تجدّد المواجهة العسكرية مع إسرائيل (وربما الولايات المتحدة)، موضحًا إنّ الساحة التحليلية تنقسم بين من يرجّح حتميّة الهجوم المقبل ومن يستعبد الأمر بسبب الظروف الراهنة. وفي مقال له في صحيفة “وطن امروز” الأصولية، أضاف الكاتب أنّ فريق “ستقع الحرب” يستند إلى عاملين مركزيين: أوّلًا، استراتيجية إسرائيل بعد 7 أكتوبر التي دفعت نحو توسيع دائرة الصراع. وثانيًا، سياسات واشنطن والغرب حيال إيران، بما فيها تفعيل “آليّة الزناد” في مجلس الأمن وعقوبات مؤلمة يُراد منها التمهيد للفوضى الداخلية[89].
وتابع صدرا مرادي أنّ هذا الفريق ينظر إلى أسلوب الضربات خلال الحرب الأخيرة كمؤشّر إلى تخطيط إسرائيلي لموجات تالية، من استهداف منشآت نووية وصاروخية إلى مواقع أمنية، بالتوازي مع مشروع إضعاف وتقويض أذرع المقاومة (حزب الله، الحشد الشعبي وأنصار الله).
في المقابل، نجد أنّ الفريق الذي يرجًح عدم وقوع الحرب الآن يسوق جملة أسباب؛ أبرزها سقوط عنصر المفاجأة الذي استفاد منه العدو في الجولة السابقة ورفع الجهوزية الإيرانية بعد استخلاص دروس أحدث حربٍ تكنولوجية، من حيث مواجهة تكتيكات جويّة ومسيّرات، وتحديث حلقات الدفاع والهجوم[90].
ومن مؤشرات التصعيد الأمريكي، إلغاء الإعفاء الأمريكي الخاص بميناء تشابهار، ولا تنظر واشنطن إلى هذا الميناء كمسألة تجارية بحتة، بل كورقة ضغط استراتيجية لفرض عزلة على إيران وإجبار الهند على الاصطفاف خلف سیاست الضغط الأقصى[91].
الخلاصة، كما يشير الواقع الراهن ومؤشرات المستقبل القريب إلى أن مختلف أركان الكيان الحضاري الإسلامي قد أدرك أن ثمة خطرًا يعبث بمقدرات المنطقة، خاصة من قبل من كانت تصنفهم لعقود كحلفاء أو لنقل حماةً لأمنها. وقد بدأت دول المنطقة، تحديدًا دول الخليج أن تعيد صياغة علاقاتها وتوسع دائرة تحالفاتها. كما عملت مصر على إعادة مد الجسور صوب تركيا وإيران.
وقد بدت مؤشرات على وعي إيران بما جلبته إليها سياساتها الطائفية من مزيدٍ من العزلة. إلا أن ما يمكن قوله -للأسف الشديد- أن ما سبق رصده من مؤشرات ومساعي لإعادة هندسة العلاقات، على أهميتها، لا تعبر عن رؤية استراتيجية طويلة المدى للأطراف المعنية، وبمثابة مسكنات وإسعافٍ أولي لأوضاعٍ تنزف اختراقات متوالية. وبالتالي، فإن مستقبل القضية الفلسطينية وموضع المقاومة منها لا يبدو أنه من محددات تلك السياسات. اقتصرت أدوار الأطراف العربية على محاولة لعب دور وساطة (ذلك كدور قطر ومصر التي تستضيف في أكتوبر 2025 وفدين من حماس وإسرائيل بهدف تسوبة الأوضاع في غزة وتبادل الرهائن في ضوء خطة ترامب)، بل إن حتى هذه الأدوار للوساطة وجهت إليها الضربات العسكرية كما جرى في الدوحة.
بينما يختلف الأمر بالنسبة للكيان الصهيوني وداعميه؛ إذ مازال ينتزع فرص الغفلة والآنية ليفرض رؤيته للصراع ولمجمل أوضاع الإقليم، والأهم أن ذلك يتم وفق رؤية واستراتيجية تشمل مراحل زمانية ومكانية أيضًا.
خاتمة: التداعيات على مستقبل المقاومة الفلسطينية
تمثل غزة بالنسبة لمحور المقاومة “جبهة متقدمة” في الصراع مع إسرائيل، وفي هذا السياق تراهن إسرائيل أن ما لحق بإيران من ضربات سيُضعف مقاومة غزة ويفتح الباب لسيناريوهات مثل: تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، فرض ترتيبات إقليمية جديدة على حساب حقوق الفلسطينيين -على نحو ما أشير[92].
ورغم أنه ليس من الرشادة إنكار ما لحق بالمقاومة من ضربات وخسائر مادية وبشرية، إلا أنه في الوقت ذاته لا يمكن إغفال أن الحرب على غزّة أظهرت حدود الرهان على التفوق العسكري وحده في تحقيق الأهداف السياسية، إذ لم تنجح في تجنيب إسرائيل خوض حرب إبادة جماعية لا تزال مستمرّةً، ربحت فيها عسكريًا، لكنّها خسرت فيها حصانتها السياسية والأخلاقية واهتزت مجتمعيًا، وتكاد تتحوّل بسببها دولةً منبوذةً بالرغم ممّا كانت تتمتّع به من رعاية عالمية استثنائية[93].
هذا كما أن التحديات التي واجهها محور المقاومة، مثل الضغوط على حركة حماس وحزب الله وسقوط حكومة الأسد، لم تؤدِّ إلى انحساره بشكل نهائي، وذلك بسبب الطبيعة المتغيّرة والمتحرّكة لسياسات المنطقة، بل أنّ سياسات إسرائيل الهمجية في غزة وتجاه دول المنطقة دفعت الرأي العام العربي -خاصة في لبنان وفلسطين- إلى تعزيز التوجّه نحو المقاومة كفكرة، والمطالبة بضرورة تبنيها استراتيجية في المنطقة[94]. كما وضعت هذه السياسات والتفاعلات الشعبية حولها قيدًا -بدرجة ما- على نظام الشرع ونظم عربية أخرى، يعرقل الهرولة السابقة إلى التطبيع ولو إلى حين.
وإن كانت المقاومة كخيارٍ استراتيجي من غير المتوقع أن تتبناها النظم القائمة كخيارٍ استراتيجي، إلا أنه يجب أن تعي تلك النظم ألا تكون جزءً من المخطط الصهيوني لتحجيم المقاومة عبر تحالفات جديدة مع دول الخليج، وفرض ترتيبات أمنية جديدة في البحر الأحمر والخليج، والدفع بمسار اتفاقيات إبراهام نحو تكوين محور إسرائيلي -عربي أوسع (فمسار التطبيع وإن كان توقف إبان الطوفان، إلا أنه مازال قائمًا رغم الجرائم الصهيونية).
إن ما يميز هذه اللحظة هو أن الأطراف الإقليمية تملك فرصة نادرة لبناء نظام إقليمي أكثر شمولًا ومرونة ومقاومة، كيان حضاري يستند إلى موازنة المصالح بدلًا من فرض الهيمنة. وإذا ما نجح هذا المسار، تحت وطأة تداعيات مشهد غزة العزة طوال عامين، فقد نشهد انتقال العالم العربي وجواره الحضاري من “مسرح للصراع” إلى “ساحة للتفاهمات المتعددة”، وهو تحول سيعيد تعريف موقع المنطقة من النظام الدولي.
ومع ذلك، فإنه لا يكفي ما تمت الإشارة إليه من مشتركات ثقافية وتاريخية، فيجب بلورة هذا فيما يمكن من الاستجابة لحاجة هذه الكيانات للهوية سواء الإقليمية أو عبر الإقليمية، خاصة ما يتصل بالأبعاد الأمنية والاقتصادية ومواجهة سائر التحديات (المذهبية والقومية) والتغيرات التي تطرأ من حينٍ لآخر[95]. ومن ثم، فإن إنشاء بعض المؤسسات الرابطة أمرٌ ضروري في هذا السياق. بحيث يناط بهذه المؤسسات تحديد دقيق للمخاطر وأولوياتها. على سبيل المثال، ألا يكون السعي لتحجيم نفوذ أحد الأطراف الإقليمية (مثل إيران) يصب لصالح الكيان الصهيوني، كألا يدفع الخوف من إيران وعودة نفوذها بسوريا (وهو احتمال محدود حاليًا) إلى تجاهل السلوك الإسرائيلي في السويداء والتلاعب بالأقليات على نحو أخطر من النمط الإيراني[96].
أما بالعودة إلى حركات المقاومة الفلسطينية على وجه الخصوص، ولا سيما حماس، فلا شك أنها ستواجه تحديات تتعلق بما أصاب المحور الإيراني من تراجع، وهو ما يتطلب العمل على عدة جبهات، منها ما يتعلق بالعمل على إعادة بناء الموارد الذاتية، ومنها ما يتصل بضرورة بناء شبكة واسعة من الحلفاء الإقليميين، الذين أثبتت لهم الوقائع خلال عامين من الطوفان عدم جدوى الاقتصار على التحالفات مع القوى الدولية الداعمة للكيان الصهيوني. هذا فضلا عن إعادة النظر في البناء الذاتي للحركة ووظائفها، خاصة في المجال السياسي، على ضوء القبول بخطة ترامب التي تفرض الكثير من القيود. فهل سيُمثل التحول في أبعاد المحور الإيراني ضغطًا قويًا على المقاومة وحماس بصفةٍ خاصة نحو اختيارات صعبة خلال مراحل تنفيذ “خطة ترامب”؟
——————————
الهوامش:
⁕ باحثة في مركز الحضارة للدراسات والبحوث.
[1] انظر:
د. نادية مصطفى، التدخلات الخارجية ومسيرة أزمات المنطقة: التجربة التاريخية وآفاق المستقبل، في: د. نادية محمود مصطفى، د. باكينام الشرقاوي (تنسيق علمي وإشراف)، أسامة أحمد مجاهد (تحرير ومراجعة)، إيران والعرب: المصالح القومية وتدخلات الخارج (رؤى مصرية وإيرانية)، (القاهرة: مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات: جامعة القاهرة، 2009).
د. مدحت ماهر، الأمة والطائفية من منظور حضاري إسلامي الدعوي والسياسي في العلاقة مع إيران والشيعة، موقع مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 20 أغسطس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1cilU
وانظر في هذا العدد من فصلية “قضايا ونظرات”:
– د. شيرين فهمي، العلاقات العربية -الإيرانية في ضوء الواقع الراهن: مداخل التناول واستراتيجيات التطوير، ص ص 90-103.
[2] لمزيد من التفاصيل حول تعريف “الجوار الجغرافي” انظر: علي الدين هلال، إشكاليات نظرية في تعريف مفهوم دول الجوار الجغرافي، (في): نازلي معوض (محرر)، علاقات مصر بدول الجوار الجغرافي في التسعينيات، (القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية، 1997)، ص 23-38.
[3] انظر حول هذا المفهوم الذي صكته د. نادية مصطفى:
شيماء بهاء الدين، توجهات النخب والتغير في السياسة التركية تجاه الجوار الحضاري (2002-2009)، رسالة ماجستير، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2014.
[4] لمزيد من التفاصيل حول مفهوم “النظام الإقليمي” انظر: جميل مطر، علي الدين هلال، النظام الإقليمي العربي-دراسة في العلاقات السياسية العربية، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1979)، ص 16-20.
[5] لمزيد من التفاصيل حول المشاريع الإقليمية بالمنطقة كالشرق أوسطية والمتوسطية انظر:
– د. نادية مصطفى (محرر)، مصر ومشروعات النظام الإقليمي الجديد في المنطقة (أعمال المؤتمر السنوي العاشر للبحوث السياسية- القاهرة 7-9سبتمبر 1996)، (القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية، 1997).
[6] انظر نقد المفهوم الشرق أوسطي في:
– توفيق محمد الشاوي، الشرق الأوسط والأمة الوسط، (القاهرة: الزهراء للإعلام العربي، 1993).
[7] انظر:
– د. منى أبو الفضل، المنظور الحضاري في دراسة النظم السياسية العربية: التعريف بماهية المنطقة العربية، مجلة إسلامية المعرفة، العدد 9، ربيع الأول 1418هـ/ يوليو 1997.
[8] أيوب نصر، في معنى الشرق الأوسط الجديد!، موقع مجلة السياسة الدولية، 4 أغسطس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1caeA
[9] المرجع السابق.
[10] المرجع السابق، انظر التفاصيل:
شمعون بيريز، الشرق الأوسط الجديد، ترجمة: محمد حلمى عبدالحافظ، (دار الأهلية للنشر والتوزيع، 1994).
[11] د. أحمد يوسف أحمد، الأمن الإقليمي ومستقبل التوازنات الجيوسياسية فـي المنطقة، موقع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار -مصر، ٢٦ فبراير ٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1gRcR
[12] المرجع السابق.
[13] نقلا عن: د. محمد عباس ناجي، التحالفات الدفاعية الجديدة في الشرق الأوسط: إسرائيل تترقب.. وإيران أيضًا، موقع مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 28 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1cfi7
[14] إعادة تقييم النفوذ الإيراني الإقليمي من “طوفان الأقصى” إلى “ردع العدوان”، أسباب، ديسمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1gWxN
[15] لمزيد من التفاصيل حول هذه المرحلة من تفاعلات إيران ومحورها مع تطورات طوفان الأقصى والسياق الإقليمي انظر:
– د. نادية مصطفى، د. مدحت ماهر، “الردّ الإيراني” من رؤى متقابلة.. أين العدوان على غزة والمقاومة؟، موقع مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 27 أبريل 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1czap
شيماء بهاء الدين، المشروع الإقليمي الإيراني في ضوء الطوفان والحرب على غزة.. هل من مسار لتوازن القوى بين العرب وإيران؟، موقع مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 20 مايو 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1cz8v
[16] ما الآثار التي سيتركها اغتيال نصر الله على الدول والأحلاف؟، الجزيرة، 28 سبتمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1gZKM
[17] د. سلام الكواكبي، سوريا: تحديات داخلية وضغوط خارجية، 6 يونيو 2025، موقع مجلة شؤون عربية، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1gRec
[18] إعادة تقييم النفوذ الإيراني الإقليمي من “طوفان الأقصى” إلى “ردع العدوان”، مرجع سابق.
[19] د. سلام الكواكبي، سوريا: تحديات داخلية وضغوط خارجية، مرجع سابق.
[20] عبد الرحمن مجدي، تأثير خروج إيران من سوريا على محور المقاومة: بين التداعيات والمآلات المستقبلية، مركز إيجبشن انتربرايز للسياسات والدراسات الاستراتيجية، 29 يناير 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1gWzq
[21] د. سلام الكواكبي، سوريا: تحديات داخلية وضغوط خارجية، مرجع سابق.
[22] غازي دحمان، ثلاثية اليمن: تأمين الملاحة البحرية وحماية إسرائيل وتهديد إيران، موقع مجلة شؤون عربية، 4 يونيو 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1cafK
[23] ديناميكيات الموقف العربي في ضوء المتغيرات الإقليمية، ستراتيجيكس، 28 يوليو 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1gReG
[24] غازي دحمان، ثلاثية اليمن: تأمين الملاحة البحرية وحماية إسرائيل وتهديد إيران، مرجع سابق.
[25] انظر ملفًا يغطي مجمل أحداث هذه المواجهة وتحليلا للتفاعلات الإقليمية والعالمية حولها على موقع مركز الحضارة للدراسات والبحوث.
[26] المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية والتحولات الجيوسياسية وتداعياتها الإقليمية، المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية، 15 يونيو 2025: https://h1.nu/1cfG
[27] فارس حمدنوش، الاتفاق النووي.. من الولادة العقيمة إلى إعلان الوفاة، الجادة، 28 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1gRiV
[28] الاتحاد الأوروبي يعيد فرض العقوبات على إيران بعد إجراءات أممية جديدة، فرنسا 24، 30 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1gWUz
[29] د. شيماء المرسي، إحياء العقوبات الأممية على إيران وأبعاد مواجهة مركبة جديدة، موقع مجلة السياسة الدولية، 28 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1gRj1
[30] المرجع السابق.
[31] ندوة علمية تناقش “إيران ما بعد الحرب: التحولات الداخلية ومستقبل العلاقات الخارجية”، الوطن، 03 أكتوبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://alwatan.ae/posts/1575850
[32] شيماء عبد الحميد، آخر معاقل محور المقاومة: تساؤلات عدة حول مستقبل النفوذ الإيراني في العراق، شاف، 19 يناير 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1gX22
– مصطفى العبيدي، الدرس السوري يجدد دعوات التغيير والإصلاح في العراق، القدس العربي، 11 نوفمبر 2025، متاح على الرابط التالي: https://h1.nu/1gX2j
[33] شيماء عبد الحميد، آخر معاقل محور المقاومة: تساؤلات عدة حول مستقبل النفوذ الإيراني في العراق، مرجع سابق.
[34] بين “المحور” والحياد حبل مشدود.. العراق يترقب بحذر حرب الجار، شفق نيوز، 2 أكتوبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1cfVH
[35] المرجع السابق.
[36] شيماء عبد الحميد، آخر معاقل محور المقاومة: تساؤلات عدة حول مستقبل النفوذ الإيراني في العراق، مرجع سابق.
[37] هل تغيّر التحوّلات الإقليمية قواعد اللعبة لصالح إيران؟، جادة إيران، 20 فبراير 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1gRk9
[38] د. سلام الكواكبي، سوريا: تحديات داخلية وضغوط خارجية، مرجع سابق.
[39] د. شيماء المرسي، إحياء العقوبات الأممية على إيران وأبعاد مواجهة مركبة جديدة، مرجع سابق.
[40] المرجع السابق.
[41] إياد العناز، إيران: بين سياسة البقاء والمواجهة، مركز الروابط للبحث والدراسات الاستراتيجة، 16 أغسطس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/fBKJeS
[42] سامح راشد، جديد التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط.. اتجاهات وحدود التغير في 2025، موقع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار – مصر، ١٤ إبريل ٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1camh
[43] المرجع السابق.
[44] المرجع السابق.
[45] المرجع السابق.
[46] التحالفات العسكرية الإقليمية وتأثيرها على التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط والخليج، 28 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1camS
[47] كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام القمة العربية الإسلامية الطارئة، موقع رئاسة الجمهورية، موقع رئاسة جمهورية مصر العربية، 15 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/hpo6tt
[48] د. محمد إبراهيم فرج، الهجوم الإسرائيلي على الدوحة وتداعياته على الأمن الإقليمي، موقع مجلة السياسة الدولية، 11 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1gZmU
[49] محمد فايز فرحات، «حالة جديدة» فى إقليم الشرق الأوسط، العربية، 22 سبتمبر ,2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1gRms
[50] المرجع السابق.
[51] ديناميكيات الموقف العربي في ضوء المتغيرات الإقليمية، مرجع سابق.
[52] د. محمد إبراهيم حسن فرج، التحولات الجيوسياسية فى الشرق الأوسط.. من صدام المحاور إلى توازن المصالح، موقع مجلة السياسة الدولية، 18 أغسطس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1caop
[53] ديناميكيات الموقف العربي في ضوء المتغيرات الإقليمية، مرجع سابق.
[54] غيث علاو، خطاب قاسم تجاه السعودية: منابر إيرانية ترى تحولًا استراتيجيًا وردود متباينة على المنصات، الجادة، 23 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1gRnu
[55] د. سلام الكواكبي، سوريا: تحديات داخلية وضغوط خارجية، مرجع سابق.
[56] د. محمد إبراهيم حسن فرج، التحولات الجيوسياسية فى الشرق الأوسط.. من صدام المحاور إلى توازن المصالح، مرجع سابق.
[57] عودة العلاقات المصرية الإيرانية الكاملة أقرب من أي وقت، العربي الجديد، 5 يونيو 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1cicO
[58] علي فوزي، التحولات السياسية والاقتصادية في المشرق العربي.. بين الانفتاح الإقليمي والتحديات الأمنية والمعيشية، مرجع سابق.
[59] العلاقات المصرية الإيرانية: دوافع التقارب وحدوده، فرنسا 24، 22 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1cig2
[60] د. محمد إبراهيم حسن فرج، التحولات الجيوسياسية فى الشرق الأوسط.. من صدام المحاور إلى توازن المصالح، مرجع سابق.
[61] شيماء عبد الحميد، آخر معاقل محور المقاومة: تساؤلات عدة حول مستقبل النفوذ الإيراني في العراق، مرجع سابق.
[62] المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية والتحولات الجيوسياسية وتداعياتها الإقليمية، مرجع سابق.
[63] التحالفات العسكرية الإقليمية وتأثيرها على التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط والخليج، مرجع سابق.
[64] محمد فايز فرحات، «حالة جديدة» فى إقليم الشرق الأوسط، مرجع سابق.
[65] المرجع السابق.
[66] د. محمد عباس ناجي، التحالفات الدفاعية الجديدة في الشرق الأوسط، مرجع سابق.
أحمد عليبه، مقاربة السلام بالقوة: حركة التغيير وهندسة التحالفات الدفاعية الجديدة في الشرق الأوسط، موقع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، 22 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/d6DFJm
[67]علي فوزي، التحولات السياسية والاقتصادية في المشرق العربي.. بين الانفتاح الإقليمي والتحديات الأمنية والمعيشية، العرب للأبحاث والدراسات، 2 يونيو 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1carw
[68] برهان غليون، سورية في قلب التحوّلات الإقليمية والدولية، مرجع سابق.
[69] علي فوزي، التحولات السياسية والاقتصادية في المشرق العربي.. بين الانفتاح الإقليمي والتحديات الأمنية والمعيشية، مرجع سابق.
[70] برهان غليون، سورية في قلب التحوّلات الإقليمية والدولية، العربي الجديد، 26 مايو 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1gRq2
[71] هل تسرع التحولات الإقليمية “اتفاق سلام محتمل” بين سوريا وإسرائيل؟، CNBC عربية، 2 يوليو 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1gRp9
[72] هل تسرع التحولات الإقليمية “اتفاق سلام محتمل” بين سوريا وإسرائيل؟، مرجع سابق.
[73]هل تسرع التحولات الإقليمية “اتفاق سلام محتمل” بين سوريا وإسرائيل؟، مرجع سابق.
[74] د. سلام الكواكبي، سوريا: تحديات داخلية وضغوط خارجية، مرجع سابق.
[75] مستقبل العلاقات السورية الإيرانية بعد سقوط نظام الأسد، مركز المستقبل للدراسات المتقدمة، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.su/gH1i
[76] د. أحمد يوسف أحمد، الأمن الإقليمي ومستقبل التوازنات الجيوسياسية فـي المنطقة، مرجع سابق.
[77] جديد التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط.. اتجاهات وحدود التغير في 2025، مرجع سابق.
[78] برهان غليون، سورية في قلب التحوّلات الإقليمية والدولية، مرجع سابق.
[79] نادية سعد الدين، لبنان: دفع فاتورة الأطماع الإسرائيلية رغم الاستقرار الداخلي النسبي، شؤون عربية، العدد 202، 5 يونيو 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1cau6
[80] ماجد كيالي، إسرائيل الدولة الإقليمية المهيمنة في زمن نتنياهو السياسي والحربي، شؤون عربية، العدد 202، 7 يونيو 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1gRt9
[81] المرجع السابق.
[82] “تفكك محور إيران”.. دراسة إسرائيلية تكشف انهيار ركائز “المقاومة” وتحوُّل ميزان القوى في المنطقة، جادة إيران، 23 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://aljadah.media/archives/83841
[83] نادية سعد الدين، لبنان: دفع فاتورة الأطماع الإسرائيلية، مرجع سابق.
[84] ديناميكيات الموقف العربي في ضوء المتغيرات الإقليمية، مرجع سابق.
[85] جديد التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط.. اتجاهات وحدود التغير في 2025، مرجع سابق.
[86] المرجع السابق.
[87] أحمد ناجي قمحة، الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. دلالات سياسية وقانونية وردود الفعل المتوقعة، موقع مجلة السياسة الدولية، 28 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://h1.nu/1gRv3
[88] المرجع السابق.
[89] مانشيت إيران: كيف ستعيش إيران حالة ما بين الحرب والسلام؟، جادة إيران، 2 أكتوبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://aljadah.media/archives/83964
[90] المرجع السابق.
[91] مانشيت إيران: هل تستخدم واشنطن ميناء تشابهار للضغط على إيران والهند؟، جادة إيران، 1 أكتوبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://aljadah.media/archives/83953
[92] المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية والتحولات الجيوسياسية وتداعياتها الإقليمية، مرجع سابق.
[93] برهان غليون، سورية في قلب التحوّلات الإقليمية والدولية، مرجع سابق.
[94] هل تغيّر التحوّلات الإقليمية قواعد اللعبة لصالح إيران؟، مرجع سابق.
[95] د. محمد إبراهيم حسن فرج، التحولات الجيوسياسية فى الشرق الأوسط، مرجع سابق.
[96] ماجد كيالي، إسرائيل الدولة الإقليمية المهيمنة في زمن نتنياهو السياسي والحربي، مرجع سابق.
نشر في العدد 39 من فصلية قضايا ونظرات – أكتوبر 2025




