نحو مدخل للاقتصاد السياسي العالمي من منظور حضاري مقارن

إن منظورًا حضاريًّا إسلاميًّا لدراسة الظواهر الاجتماعية، يتسم بالمنظومية وتحري الشمول والكلية؛ يلزم أن يتجاوز الثنائيات المعتادة في التفكير الوضعي السلوكي وخاصة ثنائيات الداخل/ الخارج، القيمي/ المادي، الراهن/ التاريخي، الدولة/ المجتمع، … ومن أهم هذه الثنائيات: السياسي / الاقتصادي.

وقد قدم مركز الحضارة للدراسات والبحوث منذ 1997، وعبر ما يقرب من العقود الثلاثة (تطبيقًا وتفعيلًا لمخرجات مشروع العلاقات الدولية [1986- 1997])، تراكمًا يغلب عليه الجانب السياسي العسكري وخاصة في تفاعله مع الأبعاد الدينية والثقافية والحضارية؛ وذلك سواء على مستوى الأوطان أو العلاقات البينية في الأمة، أو وضع الأمة في النظام العالمي. ولم يكن الاقتراب من “الاقتصاد” إلا من قبيل الاستدعاء الاستثنائي، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وفق مقتضيات الموضوع محل الاهتمام[1].

إلا أن للعملة وجهًا آخر؛ وهو مجال “الاقتصاد السياسي العالمي من منظور حضاري إسلامي مقارن“. ولقد سبق لمركز الحضارة أن اقترب من هذا المجال على نحو تأسيس تمهيدي[2]؛ سواء المستوى النظري أو نماذج من التطبيقات. ويقدم ملف هذا العدد من (قضايا ونظرات)، موضوعًا مهمًّا من أجندة موضوعات هذا المجال -الاقتصاد السياسي العالمي من منظور حضاري إسلامي- وهو: قراءة نقدية لخطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، مع التطبيق على نماذج من دول العالم الإسلامي في مجالات متنوعة مثل: التجارة، الفقر، الجوع، الصحة، التعليم، المياه، الطاقة، المساواة بين الجنسين.

إن القراءة الحضارية النقدية في هذه الخطة الأممية وانعكاساتها على نماذج من سياسات بعض حكومات دول إسلامية، يأخذ بنا -بقوة- إلى مجال الاقتصاد السياسي المحلي والدولي من مدخل “الإنسان والمجتمع”؛ مستصحبًا ما يتصل به من قيم وأخلاق وهوية، وكافة الاعتبارات الإنسانية الحضارية الشاملة. وجميعها يقع في صميم منظور حضاري إسلامي لدراسة الظاهرة الاجتماعية في أبعادها الداخلية أو الخارجية على حد سواء.

ومن ثم، فإن ملف هذا العدد من (قضايا ونظرات) يدشن تجديد اهتمام المركز بهذه المساحة المهمة من قضايا الأمة في العالم، وقضايا مستقبل هذا العالم؛ أي مساحة “الاقتصاد السياسي العالمي، للأمة ولموضعها في العالم، ومن منظور حضاري مقارن”.

ذلك لأن موضوع هذا الملف لا يمثل سوى مستوى واحد من عدة مستويات تتشكل منها مساحة الاقتصاد السياسي للأمة في العالم، وذلك دون انفصال عن المساحات المناظرة لها من منظورات غربية في حقل العلاقات الدولية والنظم المقارنة. فإذا كان الاهتمام بالاقتصاد، بوصفه بُعدًا من أبعاد قضايا الأمة، قد حاز -من قبل- جانبًا من اهتمامات المركز، كما سبق البيان، إلا أن الأمر المقصود هنا أكثر كلية وتنظيمًا.

إذًا، ما المقصود بـ”الاقتصاد السياسي العالمي من منظور حضاري”؟ ولماذا يتجدد الاهتمام بهذه المساحة؟ وما هو المدخل المنهاجي إليها من منظور حضاري إسلامي؟ وما هي الإشكاليات المعرفية والنظرية التي تطرحها هذه المساحة؟ وما هي أجندة موضوعاتها الأجدر بالتناول؟

إن الإجابات عن هذه الأسئلة تقتضي استدعاء جوانب معرفية ومنهاجية، ونظرية وعملية؛ سواء المتصلة منها بالخبرات التاريخية أو المعاصرة. ذلك لأن التطور الاقتصادي السياسي العالمي للأمة ككل، أو لأركانها، أو لجماعاتها وشعوبها، لا ينفصل عن التأصيل المعرفي والفقهي والنظري للاقتصاد السياسي الإسلامي، وصولًا إلى الوضع الحضاري القائم في إطار النظام العالمي المعاصر[3].

ونكتفي في هذه التقدمة للملف بالإشارة إلى مجموعة من التمهيدات الأساسية وعلى النحو الذي يسمح بتسكين موضوع الملف في سياق كلي.

(1)

مجال الاقتصاد السياسي العالمي من منظور حضاري يحتاج إلى إيضاح وبلورة وتأسيس
على ضوء طبيعة الإسهامات في مجال “الاقتصاد الإسلامي” وأسبابها

يذيع في الأدبيات العربية -أو الإنجليزية- للتعبير عن هذه المساحة استخدام ألفاظ مثل: اقتصاد إسلامي، واقتصاد سياسي إسلامي، دون “دولي”، حتى ولو تطرق التحليل لتطبيقات أو معايير ذات أبعاد دولية[4]. وغالبا ما يرجع ذلك لعدة أسباب معرفية وعقدية بالأساس؛ من أبرزها:

  • لا يوجد فصل جامد بين الداخلي والخارجي؛ سواء في التأصيل الإسلامي أو خبرات الممارسة الإسلامية. فالتقاليد الدولية الإسلامية -وفق د.حامد ربيع[5]– ذات امتدادات داخلية، والعكس صحيح. وقد كانت الأمة الإسلامية عبر تاريخها تتشكل من ولايات أو إمارات أو دويلات في إطار خلافة جامعة مركزية أو عدة خلافات، ولم تكن الفواعل المستقلة، دولًا قومية أو غيرها من المؤسسات المسيطرة على أرض وشعب وذات سيادة وسلطة في حدود معينة؛ لم تكن قائمة آنذاك. فنشوء مجال الاقتصاد السياسي الدولي الحديث اقترن -في الدراسات الحديثة- بخبرة النهضة الأوروبية، وظهور الدول القومية منذ القرن السادس عشر الميلادي. كما أن تعريف الاقتصاد السياسي الدولي الذائع يتعلق بكيفية إدارة الدولة للثروة أو الرخاء أو الموارد، فالثروة والموارد وفق هذه الرؤية حكر على الدولة وسلطتها، ولصالح شعبها فقط، على عكس الرؤية الإسلامية وتقاليد الخبرات الإسلامية؛ فالحديث عن الأوقاف والحسبة والخراج والزكاة وبيت المال جميعها تقاليد ذات أبعاد خارجية خارج نطاق المركز الإسلامي أو مكوناته بل خارج نطاق العالم الإسلامي[6].

ومن ناحية أخرى، فإن أدبيات الاقتصاد السياسي الإسلامي (كما سنرى) تنطلق من المبادئ والأسس والرؤية الكونية الإنسانية الرحبة، كما أنها لا تتحدث عن اقتصاد المسلمين فقط، ولكن نجد كلمات مثل: مصالح الخلق، وحاجات الناس، وإصلاح الدنيا، وكفاية النفوس،..الخ.

  • إن استخدام مفهوم: “الاقتصاد الإسلامي” هو الأكثر ذيوعًا من “الاقتصاد السياسي الإسلامي”. ولا يعني ذلك أن البعد السياسي للاقتصاد، أو البعد الاقتصادي في السياسة، غائبان عن التأصيل الإسلامي، ولكن الظاهرة الاجتماعية في الرؤية الإسلامية تتسم بالشمول والكلية وعدم الاجتزاء أو الاختزال لأبعادها المركبة وعدم إعطاء الأولوية في التأثير لأحدهما على الآخر. ومن ثم فلا وجود للسؤال التقليدي في أدبيات الاقتصاد السياسي الدولي الغربية؛ ألا وهو: أيهما الذي يؤثر على الآخر: السياسة أم الاقتصاد؟ والسؤال الأكثر ملاءمة لرؤية إسلامية هو: ما نمط تفاعل البُعدين؟ وكيف يؤثر أحدهما على الآخر؟ ومتى يبرز تأثير أحدهما على الآخر، في إطارٍ أكثر كلية يستدعي منظومة القيم الضابطة لكل من البعدين، أو السنن الشارحة، أو المقاصد المستهدفة، أو الأحكام الملزمة… والقيم والسنن والمقاصد والأحكام تصبغ الظاهرة المعنية بصبغتها؛ حيث يصبح لمفهوم الاقتصاد ذاته وفلسفته معنى مختلف عن نظيره “الغربي الوضعي” (كما سنرى)؛ نظرًا لصعود الأبعاد القيمية الدينية والثقافية والحضارية في فهم وتشكيل هذه الظاهرة الاقتصادية دون انفصال عن السياسي، وبدون انفصالٍ أيضًا بين الداخلي والخارجي، وسعيًا نحو إدارة الأوضاع القائمة وإصلاحها لتكون أكثر عدالة وإنسانية.

ومن ثم فليس مطروحًا الحديث عن اقتصاد إسلامي دون سياسة، ولا عن سياسة إسلامية دون اقتصاد، ولا عن داخلي دون خارجي، ولا عن خارجي دون داخلي… وفي ظل منظور حضاري يرى الظاهرة الاجتماعية كلًّا متكاملًا منظومًا موصول الأجزاء… وإذا جرى فصل ما لمجرد الدراسة وتيسير التحليل فلابد أن يعود ويرى علاقاتها وتأثيراتها المتبادلة… ولذا فليس مستغربًا أن نتحدث عن اقتصاد سياسي دولي -موصول بالداخلي- من منظور حضاري إسلامي، ناهيك عن تميز مفهوم السياسة ذاته في المنظور الحضاري الإسلامي؛ فهي القيام على الأمر بما يصلحه؛ قيام وإصلاح على عموم “الأمر”، والاقتصاد معايش ترتبط بالإنسان قبل الأشياء والآلة، وهو من جملة “الأمر”… والقيام في مفهوم السياسة (رعاية) و(مسئولية) تشملان السياسي والاقتصادي، والداخلي والخارجي -حيث إن الخارج -في الرؤية الإسلامية- امتداد للداخل… والقيم الفاعلة هي التي تضمن عنصر ثبات في المنظور والسلوك… ومن ثم يُقدم المنظور الحضاري للعلم مدخلًا جديدًا في تعريف المفاهيم الأساسية يجمع بين الواقع والواجب، والمصلحة (بما يصلحه) والقيمة، ويحل الرعاية محل السلطة (التسلط)، والتدافع (الشامل للتعاون والصراع) محل الصراع المطلق أو التعاون المطلق.

إن طبيعة الظاهرة الاقتصادية المعنية في أدبيات الاقتصاد السياسي الإسلامي؛ ليست هي طبيعة الظاهرة الاقتصادية المعنية في الأدبيات الغربية للاقتصاد السياسي الدولي؛ المعنية بالرأسمالية العالمية أو اقتصاد النظام الرأسمالي العالمي؛ سواء من منظور واقعي أو ليبرالي أو ماركنتيلي أو ماركسي؛ وسواء في أطوار الرأسمالية التجارية أو الصناعية. وهنا تبرز لنا دوافع تجدد الاهتمام المعاصر والقائم بالاقتصاد السياسي الإسلامي من منظور دولي

إن تجدد الاهتمام المعاصر (النصف الأخير من القرن العشرين) بدراسة الاقتصاد الإسلامي بصفة عامة أو الاقتصاد السياسي الإسلامي (أو الدولي) هو استجابة لدافعين مترابطين أحدهما عملي والثاني معرفي. فالاقتصاد السياسي الدولي وفق المنظورات الكبرى والنقدية على حد سواء يعكس النموذج المعرفي الغربي، كما أن النظريات الغربية للاقتصاد السياسي تعكس الخبرة التاريخية للقوى الأوروبية والغربية الكبرى. وبالتالي فهناك حاجة ماسة للدراسة، وعلى ضوء الاحتياجات المعاصرة، وعلى ضوء الخبرة التاريخية، ناهيك عن طبيعة “المرجعية”[7]

(2)

دوافع ومبررات تجدد الاهتمام بالاقتصاد السياسي الإسلامي المعاصر

ثمة دوافع تبرر أهمية الأبعاد الخارجية للاقتصاد السياسي الإسلامي الدولي؛ وتموضعه العالمي، على ضوء وضع الأمة في العالم، وعلى ضوء مرجعيتها:

  • تغيير الوضع العالمي للأمة:

إن أدبيات الاقتصاد السياسي الإسلامي المعاصرة تمثل نوعا من المقاومة ضد وضع العالم الإسلامي المتخلف والتابع، المستنزَف موارده، والغارق في أنماط “التغريب” الاقتصادية بقدر غرقه تحت وطأة أنماط من التبعية السياسية والثقافية. وذلك في الوقت نفسه الذي تنامت فيه مجموعة من التغييرات والاستجابات التي تحفز الاهتمام بمنظور حضاري إسلامي. ومن أهمها:

من ناحية، ظهور العالم الإسلامي بو صفه مجتمعًا عالميًّا نوعيًّا ضمن المنظومة الدولية للأمم والحضارات، بما له من خصائص ثقافية وجيوسياسية مميَّزة، وعلاقات بيـنيَّة صاعدة تمثلها مؤسسات إقليمية مثل منظمة التعاون الإسلامي، ومؤسساته الفرعية في المجال الاقتصادي والمالي؛ مثل: البنك الإسلامي للتنمية (بجدّة)، وأجهزتها المتفرعة المعنية بالتجارة والاقتصاد والأوقاف وغيرها من الطفرات في الأدوات الاقتصادية الإسلامية التي اتسعت شعبيتها في العالم الإسلامي أولًا ثم خارجه، علاوة على الدور المالي والاقتصادي لمجموعات من دول العالم الإسلامي ذات الهوية الظاهرة في الاقتصاد النامي في الخليج وإيران وماليزيا وتركيا وغيرها.

ومن ناحية ثانية، بروز “الحركة الإسلامية عبر الإقليمية” وارتباط نشاطاتها بأبعاد سياسية اقتصادية تتمثل في صناديق العون، والبنوك الإسلامية، وشركات توظيف الأموال، وتمويل العمل الإسلامي، وما أثير حوله بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 من إشكالات تتعلق بالحرب على الإرهاب، والهجوم على مؤسسات مالية واقتصادية إسلامية باسم تجفيف منابع الإرهاب، وجهود الإغاثة الإنسانية وأبعادها السياسية والاقتصادية.

ومن ناحية ثالثة، التوافق ما بين أزمة الاقتصاد العالمي والحاجة الماسّة إلى أطروحات من خارج الصندوق الغربي، والدور الذي أضحت تلعبه القوى من خارج الغرب، في آسيا وأفريقيا، ودول الحنوب؛ وخاصة الأطروحات الفكرية والعلمية؛ الأمر الذي توازي أيضًا مع صحوة فكرية إسلامية في مجالي الاقتصاد والسياسة ضمن تيار التجديد: التجدد الحضاري.

ومن ثم، فإن تجدد الاهتمام بالاقتصاد السياسي الدولي من منظور إسلامي كان استجابة لجانبين من التحديات: أولهما- الوقوع تحت الاستعمار وعواقبه على الهياكل والقوانين والمؤسسات الاقتصادية الإسلامية، والآخر- فشل نظريات التنمية المفروضة علينا؛ سواء الاشتراكية منها أو الرأسمالية، في تحقيق التنمية أو كسر التبعية. فلم تكن الهزائم العسكرية أمام المحتل، ثم عدم النجاح في تحقيق أهداف ما بعد الاستقلال الرسمي، نتاجَ عوامل عسكرية وسياسية فقط، ولكنها كانت -ولا تزال- محصلة تفاعل مجموعة من العوامل العقدية والثقافية والاجتماعية، وفي قلبها العامل الاقتصادي.

وفي هذا، يرى د.جلال أمين أن مفهوم التنمية انتقل إلينا؛ حيث استقبلناه ببعده الاقتصادي فقط، ونحينا منه الأبعاد الثقافية، ثم تقبلنا على أساسه مفهوم “الدول المتخلفة” في وصفنا لأنفسنا ووصف الآخرين لنا. ومعه، تقبلنا تطور تدرج مفهوم “التنمية”: من التنمية بزيادة الدخل، إلى التنمية بزيادة الإنتاج، إلى التنمية بالاستثمار الخارجي، إلى التنمية البشرية، إلى التنمية الإنسانية، كما قدمتها النظريات الغربية؛ وكلها كانت تستبعد موضوع الثقافة التي اعتبرها د.جلال أمين أوسع من الدِّين (الذي يعتبره أحد مكونات الثقافة، بينما يعتبره المنظور الإسلامي المكوِّن الأساسي للثقافة). لذا كان لابد من البحث من جديد في مفاهيم الاقتصاد الداخلي والخارجي، وفي تفاعلها مع السياسي والثقافي وغيره.

أما المتخصصون في الاقتصاد السياسي الإسلامي[8]، فيتحدثون عن الاستفادة من خبراتنا وثقافتنا وديننا؛ لأن فيها جوانب غير موجودة في النظريات المستوردة، في حين نسعى لبناء نموذج خاص بنا، قائم على الأساس المعرفي الخاص بالرؤية الإسلامية للإنسان وللكون وللعلاقة بالطبيعة وبالمادة وموضع الأخلاق والقيم من ذلك كله، من جوانبه كلها بما فيها الجوانب المادية؛ كما أن منظور الاقتصاد السياسي الإسلامي مختلف عن طبيعة الظاهرة التي يتحدث عنها منظرو الاقتصاد السياسي الدولي الغربيون. فالأخيرون يهتمون بآليات إدارة النظام الرأسمالي الغربي وتجلياته وكيفية الحفاظ عليه وحل مشاكله أو نقده، ومنه جانب من الاهتمام  يتعلق بالحفاظ على الهيمنة الغربية حتى ولو من مدخل نقد الرأسمالية العالمية لإصلاحها؛ في حين يهتم الفريق الأول بمساوئ هذا النظام وكيفية مواجهة تحدياتها أو إيجاد البديل؛ لأن القضية الأساسية لديهم تتمثل في ثلاثة أبعاد؛ هي: التنمية الاقتصادية، والاستقلال الاقتصادي، والاندماج الاقتصادي بين الدول الإسلامية.

لذا؛ فمدرسة الاقتصاد السياسي الإسلامي تختلف عن مدرسة التبعية. فالأخيرة تنتمي لنفس النموذج المعرفي الوضعي الغربي أيضًا، وتهتم بدراسة تأثير الخارج على الداخل. لكن مدرسة الاقتصاد السياسي الإسلامي تنطلق من الداخل أساسًا، وليس من تأثير الخارج ابتداءً؛ وترى أن بناء الداخل يسهم في مواجهة تحديات الخارج.

الماليزيون والإندونيسيون، على سبيل المثال، حين وضعوا نموذجهم الاقتصادي الخاص بهم، تحدثوا عن بناء الداخل وعن الاندماج بين اقتصايات الأمة؛  كما تناولوا الاستقلال الاقتصادي عن الغرب، ورفضوا فكرة نقل الخبرات نقلًا تعسفيًا، ناهيك بالطبع عن نقل النظريات والنماذج الاقتصادية المنبثقة من نموذج معرفي مغاير للذاتية الإسلامية.

إن الإمعان في ذلك كله يؤكد أن الغاية من تجدد الاهتمام بالاقتصاد السياسي الإسلامي (بأبعاده الدولية والعالمية)، تتمثل في بناء نموذج جديد للتنمية والاستقلال الاقتصادي في مواجهة الخارج والاندماج الاقتصادي بين مكونات الأمة؛ ومن ثم المساهمة في تغيير وضع الأمة في النظام العالمي، بل المشاركة في التغيير العالمي. وهي أمور تتطلب -وفق خبرة نصف قرن من أداء الدول القومية الحديثة- العودة إلى مرجعية حضارية ذاتية تقود عملية التغيير داخليًا وخارجيًا من منظور إسلامي. إذن، ما خصوصية هذا الجانب التأصيلي؟ ثم ما الذي تحقق منه على أرض “الممارسة”؟ وما وضع الخبرة التاريخية ودلالاتها؟

  • طبيعة النموذج المعرفي الإسلامي وموجبات تفعيله

اختلاف النماذج المعرفية يمارس تأثيره على بناء المفاهيم وصياغة النظريات؛ ومن ثم على نمط التطبيقات والحركة. وإذا كانت الاتجاهات النظرية النقدية الغربية قد انتقدت المنظورات الوضعية للعلاقات الدولية في اقترابها من الاقتصاد السياسي الدولي، وإذا كانت استدعت القيم والأخلاق والدعوة لتغيير الاقتصاد السياسي العالمي، فإن النموذج المعرفي الإسلامي من ناحية، وانعكاساته على رؤيته للعالم من ناحية أخرى، فضلًا عما يتعلق بالأحكام والسُّنن والمقاصد والقيم والمبادئ الإسلامية، هي بمثابة قاعدة تأصيل لمدخل الاقتصاد السياسي العالمي من منظور إسلامي. ويبرز هذا الاختلاف في مستويات ومساحات عديدة؛ نظرية معرفية، وعملية تطبيقية.

فمفاهيم التنمية المقارنة، على سبيل المثال، (وغيرها ذات الأبعاد الاقتصادية)، تعكس أثر هذه الاختلافات بين النموذج المعرفي الإسلامي والآخر الوضعي العلماني في مجال الاقتصاد السياسي[9] العالمي، بالإضافة إلى المفاهيم الإسلامية الأصيلة والمتميزة مثل: العمران والاستخلاف والشورى. كما أن واقع اقتصاد الأمة ومستقبله يفرض تحديد المصطلحات وتدقيقها من منظور إسلامي، مثل مفهوم التخلف، ومفهوم التنمية، ومفهوم الاستتباع، وغيرها، بما لها من أبعاد دولية[10]. حيث نلاحظ أن:

  • الهدف والمعيار في الرؤية الإسلامية لـ”التنمية” مثلًا، ليسا مجرد زيادة دخل الفرد، أو زيادة دخل الدولة، أو زيادة معدلات الاستثمار الخارجي، بل إن مصطلح “التنمية أو النمو” ذاته غير قائم في التراث الفقهي والفكري الإسلامي بهذه المعاني المادية وغيرها، أو وفق الإجراءات الفنية الاقتصادية فقط. ولكن المعيار والهدف ينطلقان -ابتداءً- من البعد الأخلاقي القيمي المتصل بسلوك الإنسان الاقتصادي، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، والعلاقة بين الأمم والشعوب، ويشمل: الرؤية الإسلامية للإنسان، رعاية الإنسان وحفظ كرامته واحتياجاته، وعدم الاستغلال، ومفهوم الثروة، ومقصد العمران، ومبدأ استخلاف الإنسان في الأرض وفق عقيدة التوحيد. وكذلك قيمة الإحسان، ومبدأ التوسط وعدم الإفراط في الاستهلاك أو الإنفاق، وكذلك مفهوم الحرية في الامتلاك والإثراء وفي الإنفاق وضوابط ذلك عبر منظومة قيم حاضنة مثل: العدالة، والمساواة، والتكافل، والرحمة، ومواساة الضعيف، والإصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.وجميعها أمور تحكم وتشكل النظر إلى المادة، وإلى الاقتصاد، ومنع تحكمها في الإنسان.

ومن ثم، فإن الأحكام والمبادئ والأسس الحاكمة للاقتصاد الإسلامي (والسياسي والدولي منه)[11] تنبثق عن الرؤية الإسلامية للكون وللعالم؛ أي الرؤية الإيمانية الإسلامية[12]؛ وذلك وفق منظومة متكاملة تدخل في إطارها “الشورى” أيضًا، ولها مخرجاتها المتعلقة بالإنسان أساسًا: حماية لأمنه متعدد الأبعاد، الذي لا يقتصر على الجانب السياسي أو الاقتصادي فقط، وإنما يشمل مجالات أخرى مثل: القانون والاجتماع[13].

إن الـمُخرَج الأساسي لهذه الرؤية الإسلامية هو منظومة متكاملة من “الخيرية”، المتمثلة في كيفية استخدام الموارد الطبيعية وثروات الأمة والعالم، انطلاقًا من مفهوم العبودية لله واستخلاف الإنسان في الأرض. فالاقتصاد السياسي الإسلامي لا يبحث فقط في العلاقة الثنائية بين الاقتصاد والسياسة، ولكن يربطها بالثقافي والأخلاقي والمجتمعي انطلاقًا من “الشريعة الإسلامية”.

  • هذه الرؤية الكلية القيمية الأخلاقية عن البُعد المادي في دائرة الإنسان ثم الأمة ثم العالم لا تعني إهمال الجوانب المادية والفنية في إدارة الاقتصاد أو أن الجانب الاقتصادي في دراسة الظاهرة الدولية ليس مهمًا، ولكن تعني أن “الاقتصاد” المعنيّ بالمادة فقط ليس له الأولوية المطلقة في المنظومة المعرفية والفقهية للإسلام، ولكن تتحدد وظائفه وأدواره وفق منظومة كلية مادية وقيمية على حدٍّ سواء.

فإن مصطلح “الاقتصاد” في المفهوم الغربي الوضعي، المرادف للندرة، والذي يؤدي للصراع[14]، ليس هو الماثل في التراث الإسلامي، فمصدر كلمة “الاقتصاد” في اللغة هو (قَصَدَ)، و”اقتصد” بالمعنى اللغوي أي صرف بحساب ودقة ومن غير إسراف، واكتفى واعتدل وتوسط، من القصد في الغنى والفقر؛ وهي كلمة تتعلق بالمعاش والمعايش الإنسانية؛ أي ما يتعلق بالاقتصاديات والماليات من المهن والحرف والأنشطة الإنسانية المختلطة بالمال. ولا يرتبط الاقتصاد، وفق المفهوم الغربي الوضعي، بندرة الموارد والصراع من أجل القوة والرخاء والهيمنة على الأسواق والموارد والمصالح. فالرؤية الإسلامية تبحث عن إصلاح الإنسان والأمة في إطار إنساني رحب، وتمكينهما، ضمن منظومة من القيم؛ انطلاقًا من رؤية كلية شاملة الأبعاد تقوم أساسًا على الوصل بين الديني والدنيوي، والدنيوي والأخروي. وهي رؤية تتجاوز الثنائيات دون صراعات، وعلى نحو يحقق التوازن، فالهدف هو إصلاح الإنسان والأمة والعالم، من خلال مرضاة الله.

ولا تعني تلك الرؤية أن الرخاء والقوة والمصالح ليست من الأهداف؛ فهي مستهدفة أيضًا، ولكن في إطار منظومة قيمية تحكم وترشد إدارة هذه الأبعاد وتحقيقها. لأن المنظومة القيمية الإسلامية -متعددة المستويات- متحاضنة وتحقق القوة والمصلحة أيضًا. ومن ثم، فإن تلك الرؤية ليست مثالية أو ماضوية، ولا تتجاهل المصالح أو الواقع، ولكن تختلف معرفيًا وقيميًا عن الرؤية الرأسمالية (الفردية)، أو الماركسية (القمعية للفطرة ولطبائع الأمور). فالرؤية الإسلامية القائمة على الشريعة هي متسقة مع الفطرة والمصالح، والمبدأ الأساسي هو العدالة دون خضوع للفردية التامة أو لحرية السوق المطلقة أو المدعاة، ولا للاقتصاد الموجه توجيها استبداديا تعسفيا[15].

والحاصل أن هذا التأصيل لرؤية إسلامية للاقتصاد الاقتصاد السياسي للأمة من مصادر متعددة[16]، تأسس وتم تطبيقه، وتطور، في إطار مجتمعي ومؤسسي مختلف عن نظائره بالنسبة لعلم الاقتصاد “الغربي” أو الاقتصاد السياسي الغربي. فالأخير بوصفه علمًا غربيًّا قد ظهر في إطار الدولة القومية، وفي إطار القيام بوظائفها على ضوء فلسفة صراعات القوة والمصالح وتوازنات القوى. بينما في التراث والخبرة الإسلامية كان المجتمع يقوم بنفسه بهذه الوظائف ذات الأبعاد الاقتصادية، ومن خلال مؤسسات أخرى موجودة في المجتمع، ومن المجتمع، وفي علاقة تفاعلية مع “السلطة”، وباستقلال عنها.

هذا الأمر تآكل تدريجيًا ووصل إلى أدنى مستوياته في ظل تدهور الخلافة، ثم التدخلات الخارجية، ثم الاحتلال الفعلي، وبعد تأسيس الدول القومية الحديثة؛ مما أبرز الفجوة بين ما عليه التأصيل وما كانت عليه الخبرة التاريخية في مرحلة الصعود الحضاري، وبين ما آل إليه الوضع الحالي للعالم الإسلامي في النظام الدولي.

وأخيرًا، فإن هذه الرابطة بين الجانبين المعرفي والعملي، وعلى ضوء حالة فقه الواقع؛ تدفعنا لسؤال خاص بالإشكالية الثالثة: كيف حدثت هذه الفجوة بين التأصيل وبين الواقع الراهن للأمة الإسلامية؟ وماذا تقول الخبرات التاريخية”؟

(3)

من الخبرة التاريخية لتطور الاقتصاد السياسي العالمي للأمة الإسلامية إلى أجندة القضايا المعاصرة

لا تتضح أبعاد العلاقة بين السياسي والاقتصادي من منظور حضاري إلا على ضوء الذاكرة التاريخية لتطور هذه العلاقة والعوامل التي شكلتها. فلابد -تأسيسًا لمنظور إسلامي للاقتصاد السياسي الدولي- من البحث عن منهاجية تحقيب للتاريخ الإسلامي في تفاعله مع التاريخ الأوروبي والغربي (في سياق رؤية كلية وعالمية للتاريخ)، بشأن الاقتصاد السياسي العالمي وموضع العالم الإسلامي منه. فلا يكفي التحقيب وفقًا للخلافة، أو الأسر والممالك الإسلامية المتعاقبة، أو وفقًا لقضايا الحرب والسلام والمعاهدات فقط[17]، ولكن التواريخ الاقتصادية والاجتماعية والفكرية في التاريخ الإسلامي لا تقل أهمية للإجابة عن عدد من الأسئلة؛ تقع في صميم عملية بناء منظور إسلامي للاقتصاد السياسي العالمي:

  • أين موضع “القوة الاقتصادية” وأدوات القوة الاقتصادية الخارجية في عوامل تحديد موضع “الدول الإسلامية الكبرى” من التوازنات العالمية ومن إدارة العلاقات الخارجية للأمة؟
  • كيف يمثل “الجانب المادي” إلى جانب -أو انطلاقًا من- الجانب القيمي الأخلاقي مكونًا أساسيًا في القوة أو الضعف؟
  • كيف تفاعل الجانب الاقتصادي -تأثيرًا وتأثرًا- مع سياسات الحروب والدبلوماسية في التقاليد الإسلامية؟ وكيف اقترنت سياسات الفتوح والعمران والوحدة بسياسات اقتصادية ومالية؟ وما نظائرها التي اقترنت بها سياسات الدفاع والجمود والتراجع والانقسام؟
  • وكيف كانت عمليات الاسترداد “الغربية”، ثم الاحتلال والتجزئة، نتاج القابلية للانحدار ثم القابلية للاستعمار من الداخل على نحو مكَّن للخارج من الداخل؟ ومن ثم: هل التبعية ناتجة عن أسباب خارجية نظمية عالمية بالأساس، وفق منظري التبعية، أو ناتجة عن أسباب داخلية بالأساس، وفق منظري الواقعية والليبرالية، أم تقدم الخبرة الإسلامية جديدًا بشأن إشكالية العلاقة بين الداخلي والخارجي في عمليات القوة والنمو والاستقلال أو الاستضعاف والضعف والتخلف والتبعية؟
  • ومن ثم، وأخيرًا، فإن السؤال المظلة هو: ما الذي تقدمه الخبرات الإسلامية المتنوعة بالنسبة لإشكالية العلاقة بين القيم والقوة، القيم والمصلحة، الأخلاق والسياسة، التي أسقطتها المنظورات الكبرى للاقتصاد السياسي الدولي وهي تبحث في العلاقة بين الاقتصاد والسياسة؟ وهي الإشكالية التي اقتحمتها واشتبكت معها الاتجاهات النقدية الجديدة في دراسة الاقتصاد السياسي الدولي (كما سبق البيان)، والتي استدعت العلاقة بين الأخلاق والتغيير المنشود في الاقتصاد السياسي العالمي على نحو ينال من الهيمنة ويؤسس لتفاعلات أكثر عدالة وإنسانية[18].

والمقاربة بين الرؤية الإسلامية والرؤية النقدية في هذا المجال قد تفصح عن قواسم مشتركة بقدر ما تفصح عن اختلافات. والأهم أن الإجابة عن السؤال الأخير لابد أن يؤسس بوضوح أو يساعد على توضيح مفهوم “الحضاري”؛ باعتباره عملية شاملة الأبعاد، لابد أن تستدعي كافة عناصر القوة المادية، وكافة أنماط التفاعلات وليست الدعوية الدينية الثقافية فقط. فالنهوض الحضاري والشهود الحضاري، وبالمثل التراجع والانحدار الحضاريان، ليست أبعادًا أخلاقية فقط، بل إن الديني والقيمي والأخلاقي هو المنطلق نحو مجالات أخرى مرتبطة ومتشابكة؛ سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية.

ومن المراحل المقترحة للتقسيم التاريخي لهذا المجال [19] – في مقابل مراحل تقسيم الخبرات التاريخية الغربية خلال القرون الخمسة الأخيرة – ما يلي[20]:

  • مرحلة الكشوف الجغرافية وصعود الدول القومية الأوروبية وأفول الأندلس والمماليك والحراك العثماني الصاعد.
  • مرحلة الثورة الصناعية في غرب أوروبا وتراجع الخطر العثماني على أوروبا، والتوجه الأوروبي نحو الاستعمار وظهور التنافس على الأسواق والموارد.
  • مرحلة الاستعمار الأوروبي في مظلة من الاستشراق المعرفي ونهب الثروات وإعادة تشكيل الهياكل والقوانين والأطر الاقتصادية في العالم الإسلامي وليس فقط السياسية والثقافية.
  • مرحلة تغير التوازن العالمي ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر وفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية.
  • حتى جاءت المرحلة الراهنة من تجدد الاهتمام بالفكر والتنظير الإسلامي للاقتصاد بصفة عامة والاقتصاد السياسي بصفة خاصة، مع بعض الإرهاصات حول الأبعاد الدولية. وهو الأمر الذي سبق تناوله في دوافع تجدد الاهتمام بمنظور إسلامي للاقتصاد السياسي الدولي أو الاقتصاد السياسي الدولي للعالم الإسلامي. والإشكاليات الخاصة بالخبرات التطبيقية المعاصرة ستزيد الخريطة وضوحًا (كما سنرى)”[21].

(4)

التغيير العالمي هدف مشترك بين الاتجاهات النقدية والمنظور الحضاري الإسلامي للاقتصاد السياسي العالمي:

منظور حضاري إسلامي للاقتصاد السياسي العالمي يمثل إضافة وتراكمًا في هذا المجال مقارنة بالاتجاهات التقليدية في دراسة الاقتصاد السياسي الدولي من ناحية، والاتجاهات النقدية من ناحية أخرى.

فالاتجاهات النقدية[22] تتسم بأنها شاملة متكاملة توسع من نمط ودائرة التفاعل بين السياسي والاقتصادي ليصبح هذا التفاعل غير قاصر فقط على البحث في قدر تأثير السياسي على الاقتصادي أو العكس، ولكن البحث في أنماط التفاعل بينهما، وامتداد هذا التفاعل مع مجالات أخرى: اجتماعية، ثقافية، إنسانية (عبر قيم وأخلاق وهوية). وهو الأمر الذي يبين أن هناك مناطق تقاطع بين خصائص هذه الاتجاهات النقدية وبين خصائص منظور حضاري إسلامي؛ من الناحية المنهاجية والأنطولوجية بالأساس؛ حيث تظل هذه الاتجاهات علمانية وما بعد وضعية معرفيًا في آن واحد؛ ولكن يظل هدف التغيير العالمي هدفًا مشتركًا بين الجانبين، تحمل معه خرائط جديدة للقضايا.

(1) خرائط جديدة للقضايا: مقارنة الهيمنة وسبل التغيير العالمي من الرؤية النقدية

لم يعد منظور سياسات القوى التقليدي، بفواعله -الدول القومية- وبعملياته الصراعية، وبقضاياه التقليدية (الديون، المعونات، القروض، التجارة، العقوبات والحصار والمقاطعة، الاستثمار، نقل التكنولوجيا، الشركات العابرة للقوميات)، محتكرًا لدراسات الاقتصاد السياسي العالمي أو مُهيمنًا عليها. فلقد انقلبت خرائط اهتمام وقضايا هذه الدراسات المعاصرة لتنفتح على مجالات نوعية جديدة فرضتها الأسس المعرفية والأنطولوجية النقدية، وجميعها تستهدف مقاومة الهيمنة بسبل ومداخل متنوعة ومتعددة، تشارك فيها فواعل ومستويات جديدة من التحليل (شعوب، أمم) ومن مداخل نوعية متنوعة.

بعبارة أخرى: ظهرت أنماط جديدة من القضايا المتعلقة بماهية القوة وبانتشار القوة ونمط توزيعها في النظام العالمي مثل: قضايا النوع، التنمية، الهجرة واللجوء الاقتصادي البيولوجي، حقوق الملكية الفكرية، البيئة، الطاقة[23].

ومن موضوعات ومسائل هذه القضايا ما يلي[24] :

الاقتصاد السياسي الدولي لكل من: الهجرة، التدخل الدولي الإنساني، محركات البحث على الإنترنت (حالة شركة جوجل)، النفط (مستوى الإنتاج والأسعار)، الملكية الفكرية، وحصول الدول النامية على الدواء (شركات الدواء العالمية وسياساتها)، الفقر، والجهل، الجريمة المنظمة، الاتجار بالبشر، الاستعمار الاستيطاني، الصناديق السيادية، الملاذات الآمنة، الثورات، الإرهاب، الانقلابات العسكرية، السياسات التنموية، التكتلات عبر الإقليمية الصاعدة (البريكس)، المقاومة، الاحتلال والاستيطان، التمييز العرقي والنوعي، الفساد، الحركات الدينية، المياه في الصراع العربي الإسرائيلي، التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي، العلاقات العسكرية المدنية، مؤتمرات المناخ العالمية، الاستثمارات الصينية في هوليوود، قانون جاستا والعلاقات السعودية الأمريكية، المؤسسات الخيرية الدولية، المؤسسات البحثية العالمية، أزمة الغذاء العالمية، غسيل الأموال، التعاريف غير الجمركية، المجتمع المدني العالمي.

إن هذه المسائل والموضوعات، في جملتها، تتداخل فيها كافة أبعاد الظاهرة الإنسانية والاجتماعية، وهي تشير إلى زاوية أخرى للنظر إلى العالم الذي نعيشه، غير الزاوية التقليدية للاقتصاد السياسي الدولي.

وبالنظر إلى خريطة هذه الموضوعات والمسائل، مقارنة بنظائرها في مراحل سابقة من تطور الاقتصاد السياسي الدولي ومنظورات دراسته[25]، يتضح لنا أمران: من ناحية أولى: كيف تراجعت في الأولوية كل من قضايا الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد العالمي وفق النمط الرأسمالي وقضايا الأنظمة الاقتصادية الدولي (Regimes)، ناهيك بالطبع عن تراجع أولوية قضايا الاقتصاد السياسي للعلاقات العالمية على صعيد المحاور الإستراتيجية الكبرى: الغرب-الغرب، الغرب-الشرق، صعود الشمال-الجنوب، وكان ذلك التراجع في مجمله لصالح قضايا نوعية ذات أبعاد قيمية أخلاقية واضحة تختبر إشكاليات العلاقة بين الداخلي والخارجي وبين القيمي والمادي.

ومن ناحية أخرى: ماهية وطبيعة الاهتمام بموضوع الجنوب (العالم الثالث) بصفة عامة، و(الإسلامي) بصفة خاصة، في دراسات الاقتصاد السياسي الدولي؛ سواء على صعيد السياسات، أو في جهود التنظير المختلفة، وهذا يقودنا إلى المحور الأخير من هذه الدراسة”.

2– الحاضر الغائب في خرائط قضايا  منظور حضاري إسلامي للاقتصاد السياسي العالمي:

ليس الحاضر الغائب هو التأصيل، معرفيًا أو منهاجيًا، ولكن الاشتباك مع القضايا العالمية الإنسانية برؤى فكرية وعملية حضارية إسلامية على الساحة العالمية لإدارة هذه القضايا، مساهمة في بناء سياسات ونظم (Orders) جديدة لإدارة هذه القضايا: وطنيًّا وعالميًّا (ومن هنا أهمية الرسالة التي يحملها موضوع ملف هذا العدد من قضايا ونظرات)[26].

ولذا يظل السؤال المركزي قائمًا: هل بمقدور الجنوب أن يكون مصدرًا من مصادر التغيير العالمي المأمول؟ وكيف؟ وهل المتطلبات اللازمة لهذا الدور هيكلية مؤسسة تفاوضية بالأساس؟ أليس المطلوب مسبقًا رؤية أو منظور “حضاريٌّ” عن أسس التغيير ومنطلقاته وآلياته تتجاوز المقولات والمنطلقات الكبرى للمنظورات الغربية؟

بعبارة أخرى: لقد برز منظور التبعية في مرحلة مهمة من تطور الاقتصاد السياسي العالمي -تنظيرًا وحركة- عبر مطالب دول العالم الثالث بإصلاح النظام الاقتصادي العالمي، وتعرضت هذه المدرسة للعديد من الانتقادات، وفي الوقت نفسه تعددت روافدها، وتم اختبار مدى فعالية مقولاتها على صعيد السياسات الإقليمية وعبر الإقليمية والعالمية. يطرح هذا أسئلة مقابلة:

  • ألم تفرز مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة رؤى حضارية “نقدية” غير غربية مقارنة في مجال الاقتصاد السياسي العالمي؟
  • ماذا يقدم مثلًا منظور حضاري إسلامي في مجال دراسة الاقتصاد السياسي الدولي؟ وما هي مجالات تطبيقه؟ وهل يسهم في أحداث تغيير عالمي منشود[27]؟
  • وأخيرًا ما هي متطلبات تطوير دراسة الاقتصاد السياسي الدولي بصفة عامة، لكي تستجيب لاحتياجات التغيير؛ من حيث وضع الجنوب/ العالم الثالث/ العالم الإسلامي في الاقتصاد السياسي العالمي؟
  • بعبارة موجزة: أليس تغيير الوضع القائم يتطلب من الجنوب جهودًا على المستويين النظري والعملي؟ وهل بشكل تدريجي تراكمي أم ثوري جذري؟

أ) على الجانب النظري:

بقدر ما ارتبط التطور في منظورات دراسة الاقتصاد السياسي الدولي بتطورات النظام العالمي، كما سبقت الإشارة، بقدر ما كان لصعود الاهتمام بمنظور إسلامي للاقتصاد السياسي العالمي سياقه ودوافعه وأسبابه؛ سواء المعرفية أو النظرية أو العملية؛ وعلى رأسها الأبعاد القيمية المعيارية حول فاعلية البديل الرأسمالي وعالميته في ظل اعتبارات الخصوصيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للعالم الإسلامي، وخاصة على ضوء تداعي الآثار السلبية لنقل أو فرض النماذج والسياسات الغربية.

ولقد ظل لأسباب ودوافع المنظور الإسلامي النقدي، مقارنة بالاتجاهات النقدية الغربية، ظل خصوصيتها واختلافاتها. فالمنظور الإسلامي يسعى إلى مواجهة نوعين من التحديات؛ الداخلية المتمثلة في الأنظمة التسلطية وقوى الفساد المساندة لها، والخارجية المتمثلة في الهيمنة الغربية. وتعددت أشكال التصدي لهذه التحديات، ليس لاعتبارات إيمانية ومعرفية فقط، ولكن لاعتبارات مصلحية واستجابة لمقتضيات إدارة الأمر الواقع أو تغييره. فمنظومة القيم والأخلاق التي تبنى عليها أسس هذا المنظور (العدالة، الإحسان،..إلخ) لا بد أن ينبثق عنها مجموعة من الآليات (عدم الإسراف، عدم الاحتكار، عدم الربا، أداء الزكاة، حدود المضاربة، مراقبة الأسواق، التكامل وعدالة التوزيع)… وجميع هذه القيم والآليات لا تفترض الصراع بين الثروة والقوة وبين التوزيع.

إلا أن واقع التطبيق، من أجل التغيير داخليًّا أو خارجيًّا وفق مقولات هذا المنظور لم يقدم شكلًا واحدًا، بل يمكن التمييز بين عدة اتجاهات: اتجاه التَكيَّف الذي لا يقدم إلا إصلاحات شكلية تعني التَكيَّف مع الوضع العالمي الراهن والعمل على إصلاحه بشكل تدريجي حتى يتحقق التغيير الكامل، واتجاه الاستتباع الذي لا يرى أنه بالإمكان تغيير الوضع العالمي الراهن، ثم الاتجاه الثوري الذي يرفض القائم ويدعو إلى تغييره. ومن ثم فإن تطبيقات “الاقتصاد السياسي الدولي الإسلامي” الذائعة لا تتجاوز مجال البنوك الإسلامية بدرجة أساسية، وما يتفرع عنه في نطاق المعاملات المالية. وتظل قضايا أخرى حيوية ومهمة بمثابة الحاضر الغائب.

ولذا تعرض هذا المجال بدوره لانتقادات بعدم الفعالية، مثلما تعرضت الاتجاهات النقدية الغربية. والمشترك في هذه الانتقادات للجانبين، رغم اتفاقهما على ضرورة التغيير، هو أن كليهما لم يأخذ فرصة حقيقية للتطبيق لغيابهما عن مراكز صنع السياسات واتخاذ القرارات الوطنية والعالمية.

ب) على مستوى الاستجابات العملية:

لا بد أن تتبلور رؤى حول أولويات المشكلات في فضائنا الحضاري، وبدائل الحلول، على نحو يعكس الخصوصية في سياقها المتعولم. فالبدائل الغربية اتضح أنها ليست الوحيدة، ولا القادرة على تحقيق النهوض والتنمية، فالتغيير العالمي من أجل عالم أكثر عدالة وإنسانية، ليس مطلب شعوب “الجنوب” أو العالم الإسلامي فقط بقدر ما هو أيضًا مطلب شعوب العالم جميعها، كما أن مدخل الاقتصاد السياسي العالمي مدخل أساسيّ يستوي في أهميته مع أهمية مدخل “الثقافة العالمية”، والديموقراطية العالمية أو غيرها كمداخل للتغيير العالمي.

والرؤية الحضارية الشاملة المتكاملة عن التغيير العالمي هي الرؤية التي تتجاوز كافة الثنائيات الاستقطابية، وتستدعي هذه النظرة التكاملية بين الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، المادية منها والقيمية، والداخلية منها والخارجية. فليس المحك فقط فهم أثر السياسي على الاقتصادي أو العكس أو تناول هذا الأثر على مستوى السياسات العليا للدول الكبرى فقط، ولكن المحك هو نمط العلاقة التفاعلية بين كافة هذه الأبعاد والتي تستدعي عناصر القوة المادية في تفاعلها، وليس انفصالها عن أبعاد القوة الأخلاقية والمعيارية؛ تأكيدًا لاندماجية وتكاملية ثلاثية (القوة – القيم – المصالح) على مستوى الأمم والجماعات والشعوب، وليس الحكام وصناع القرار فقط. وهو الأمر الذي يستوجب أجندة اهتمامات “عالمية إنسانية متجاوزة الحدود القومية والحضارية التقليدية. كما يستوجب أيضًا، الاقتراب من تشابك وتداخل أبعاد الظاهرة الإنسانية ودراستها برؤى عابرة للحدود بين فروع العلوم الاجتماعية والإنسانية تؤسس لنظرة شاملة لهذه الظاهرة، وعلى نحو يتسم بانفتاح الرؤية المرتبطة بمرجعية واضحة تشكل النسق القياسي للسياسات وللنظريات على حد سواء. فإن الجمع بين النظري والتطبيقي يؤكد عدم انفصال العلم عن الواقع، ويبرز أهمية وظيفته في تحقيق المصالح والنهوض.

ومن ناحية أخرى، فإن هذه الرؤية الحضارية الشاملة تتسع لكثير من مساحات وفرص العمل والتأثير من “غير الكبار”، وعلى نحو يساعد على إعادة النظر في قضية عناصر القوة ومصادرها وأدواتها القادرة على إحداث التغيير والتجديد في الأمم وعبر حدودها. فلم يعد من الترف أن يتابع “السياسي” أو المهتم بالسياسة في أمتنا التغيرات العالمية الاقتصادية والمالية في كافة أرجاء العالم؛ فهي ذات تداعيات عليه وعلى ما ينتمي إليه من أمة أو دوائرة حضارية.

كذلك فإن الحديث عن التغيير العالمي ليس حديثًا عن المستقبل فقط، ولكنه حديث انطلاقًا من التاريخ أيضًا. فإن فهم الواقع العربي والإسلامي والعالمي المعاصر يكمن في فهم التطور التاريخي لظواهره المعقدة. بعبارة أخرى: نحن في حاجة لإعادة قراءة خبرة تواريخنا الحضارية، وموضعها من الخبرات العالمية الأخرى، برؤى نقدية جديدة حتى يتسنى إعادة رسم الأولويات وتحديد نمط إستراتيجيات التغيير: (ثورية، إصلاحية، تَكيَّفية، تدريجية..إلخ) وفي إطار حسابات المصالح والتكلفة والمكسب الأني والمتوسط وطويل الأجل.

إن التاريخ يقدم الكثير من الدروس والدلالات عن أنماط هذه الإستراتيجيات وهو أمر ضروري في ظل تعقد مستوى الواقع والتناقض الماثل بين المأمول والممكن. فإذا كانت الأوضاع الراهنة تؤشر على عدم إمكانية التغيير السريع على المدى القصير، فكيف يمكن لها أن تتكيف حتى يمكن تعديل موازين القوى تدريجيًا، وعلى نحو يسمح مستقبلًا بتطبيق نماذج اقتصادية حضارية أكثر استجابة لطبيعة مشكلاتها؟

إن هذا التكيف التدريجي، ولا نقول الاستتباع، يتطلب جهودًا مستمرة على مستوى الفكر والعمل، والأهم أنها تتطلب إرادة حقيقية في التغيير، وليس مجرد إرادة لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل.

إن المدرسة المصرية والعربية في الاقتصاد السياسي الدولي، بروافدها النظرية المختلفة؛ الليبرالية، اليسارية، الإسلامية قدمت حصيلة هامة على هذا الصعيد النظري والتطبيقي. فما هي الخريطة، المنطلقات والأسس، والمجالات والنتائج. سؤال تحتاج الإجابة عنه دراسة مسحية مقارنة جديدة بإذن الله، تستكمل حلقات عملية تدشين الدعوة لتجدد الاهتمام بالاقتصاد السياسي العالمي من منظوراتنا الحضارية”[28]. 

خلاصة القول:

إن الاقتصاد السياسي الإسلامي منظور عالمي يقوم على أصول إسلامية، ويطرح مجالات لتفعيل وتطبيق الرؤية المبنية على هذه الأصول، في إطار نموذج متكامل يتحدث عن طبيعة اقتصاد مختلف عن المفهوم الذائع، ومن رؤية معرفية ورؤية للعالم وأسس ومبادئ وقواعد وفقه، تختلف تمامًا عن الأسس المعرفية والفكرية والخبرة التاريخية التي تنبني عليها المنظورات الكبرى في الاقتصاد السياسي الدولي، وإن كانت تقترب من المنظور النقدي أو تقترب منها الاتجاهات الجديدة النقدية التي تركز على العلاقة بين الأخلاق والقيم والاقتصاد السياسي الدولي.

فمن ناحية: يتمايز الطرح الإسلامي عن النقدي الغربي من عدة جوانب: فالنقديون يحتفظون بأصول النظرية العلمانية التي تفصل الديني -معرفيًا ومنهجيًا- عن الموضوع بخلاف الرؤية الإسلامية التي تتخذ الإسلام مصدرًا للمعرفة والرؤية الكلية.

ومن ناحية أخرى: الحاضر الغائب في دراسة الاقتصاد السياسي الدولي من منظور إسلامي ثلاثي الأبعاد: خريطة القضايا وأجندة الأولويات، العلاقة بين القيمي والمصلحي وإمكانيات التغيير، نطاق التفاعلات ومساحاتها.

  • المنظور الإسلامي للاقتصاد السياسي الدولي هو أكثر اتساعًا وامتدادًا من الاقتصاد السياسي الإسلامي أو من الاقتصاد الإسلامي بالطبع.

ولا يمكن أن يظل هذا المجال مقصورًا على تقديم رؤية شرعية، إنما يجب تقديم رؤية تستدعي خريطة أوسع بكثير من مجرد أجندة التمويل والبنوك الإسلامية والربا والأوقاف، والمبادئ والأسس والأحكام. وذلك حتى لا يظل هذا المجال أيضًا قاصرًا على الدراسات الغربية النقدية وغيرها، التي تهتم بقضايا العالم الإسلامي باعتبارها موضوعًا من موضوعات أرجاء أخرى من العالم، أو التي تهتم بالنظام الفرعي الدولي للعالم الإسلامي أو الجنوب أو العالم الثالث كجزء من المنظومة الرأسمالية العالمية.

في المقابل فإن احتياجات “التغيير” في العالم الإسلامي تتطلب الاهتمام بأجندة واسعة؛ وعلى سبيل المثال -وليس الحصر- فإن العلاقات الاقتصادية بين الدول الإسلامية، لا يمكن تطويرها دون الأخذ في الاعتبار العوامل السياسية والعكس صحيح[29]:

  • كيف نقدم من منظور إسلامي نقدًا أو إصلاحًا أو بديلًا لسياسات التكيف الهيكلي للمؤسسات الدولية أو لطبيعة هذه المؤسسات وقدر إسهام الدول الإسلامية فيها، أو لطبيعة الأزمات المالية العالمية والتي تحظي باهتمام منظورات نقدية مقارنة سواء عربية أو غربية[30]؟
  • فأين مثلًا رؤية إسلامية لأزمات النظام الرأسمالي العالمي وعلل العالم الإسلامي في إطاره[31]؟
  • وكيف تتم دراسة السياسات الخارجية للدول الإسلامية الكبرى من مدخل الاقتصاد السياسي من منظورات مقارنة، وليس من مدخل إسلامي تقليدي فقط[32]؟
  • ألا يجدر الاهتمام بالاقتصاد السياسي للعمل الخيري والإغاثي الإسلامي مقارنة بالاقتصاد السياسي لتمويل الإرهاب وتجفيف منابعه حتى لا يتم ضرب الأول بذريعة محاربة الأخير؟ وكذلك الاهتمام بدراسة منظور إسلامي للاقتصاد السياسي للصحة العالمية ومحاربة الفقر ومقاومة الجريمة المنظمة والاتّجار بالبشر؟
  • أين موضع الاقتصاد من مشروعات النهوض الإسلامية التي تعاقبت عبر القرون الثلاثة الماضية؟
  • أين الاقتصاد السياسي للثورات العربية والثورات المضادة عليها إقليميًا وعالميًا؟… إلخ من أجندة قضايا التحديات المعاصرة التي تواجه الأمة والعالم الإسلامي في قلب العالم.

بعبارة أخرى، الاقتصاد والمال في قلب عناصر القوة وأدوات الحركة، وتناول قضايا العالم الإسلامي من منظور إسلامي، ليس مجرد تناول قضايا الدين والثقافة والهوية -بالمعنى الضيق- أو مجرد قضايا السياسة والعسكرة، ولكن المعنى الواسع للمنظور الإسلامي للعلاقات الدولية يقتضي استدعاء الاقتصادي بقوة، كما يستدعي الفكري إلى جانب الحركي، ويستدعي الداخلي إلى جانب الخارجي.

فالنهوض من جديد، وإن استوجب حل الأزمة الفكرية والمعرفية للأمة، إلا أنه يحتاج أدوات للنهوض وعناصر قوة، وموارد مادية، بقدر البشرية أيضًا. بعبارة أخري فهو في حاجة لتجدد حضاري شامل يقع الاقتصاد في قلبه.

  • المنظور الإسلامي للاقتصاد السياسي الدولي يستدعي -بقوة- القيم والأخلاق ذات المرجعية الدينية، إلى مجال دراسة “التغيير أو الإصلاح النظمي”؛ سواء العالمي أو الإقليمي أو الداخلي. وهو بذلك لا يسقط المصلحة أو القوة، بل يستدعي العلاقة بين القيم والمصلحة والقوة؛ لأن وجود القيم في حد ذاتها لا يضمن بالضرورة تحقق المصالح؛ فهي في حاجة لتفعيل وتطبيق لمواجهة التحديات المادية بالأخذ بأسباب بناء القوة وحماية المصلحة على ضوء منظومة القيم والأحكام.

ولكن، وإن لم يكن هذا المنظور مثاليًا مجردًا، ولكن مثاليًا واقعيًا[33]، فإنه لا يجب أن يقتصر على أخلاقيات المعاملات الاقتصادية والخيرية وقيم الاستهلاك والإنفاق، فهي وإن كانت وفق “الشريعة الإسلامية” واجبة؛ سواء أكانت قيمًا أو سُننًا أو أحكامًا، إلا أن هذا المنظور يجب أن يمتد، انطلاقًا من “الإبستمولوجيا التوحيدية” لتقديم الرؤية عن قضايا الواقع العالمي ذات الصلة بهذه الأخلاقيات والأحكام، وكيفية إحداث “التغيير العالمي المنشود” وفق هذه المنظومة القيمية.

ويظل النقد الأساسي الموجه لجهود الاقتصاد الإسلامي، النظرية والعملية، منذ النصف الأخير من القرن العشرين كما سبق ورأينا، هو: عدم القدرة على التنفيذ الذي يُحدث التغيير الداخلي أو العالمي، والأهم تحديد كيفية التغيير: جزئيًا تدريجيًا سلميًا، أم ثوريًا جذريًا كليًا مثلما تدعو إليه الاتجاهات النقدية بصفة عامة؟

ومن ثم، فإن هذه الانتقادات ترى أن أطروحات الاقتصاد الإسلامي ليست إلا أطروحات ذات أهداف ثقافية ودينية، ولا تحقق حلًا للمشكلات، ولا تضع أهدافًا اقتصادية محددة. إن بعض هذا النقد يعتبر أن الطرح الاقتصادي الإسلامي متناقض وغير متكامل، وأنه فاشل عمليًا؛ لأن النقد أو النقض، كما لو كان يعتبر القيمي الثقافي نقيصة في حد ذاته، ناهيك أنه لا يرى شمولية المنظور الإسلامي الذي لا يفصل بين الأبعاد المختلفة للظاهرة ومنها الثقافي والقيمي.

هذا النقد الوضعي الواقعي يتقاطع أيضًا مع الانتقادات الموجهة للاتجاهات الغربية البنائية الجديدة والناقدة للوضعية، التي ترى أن الظاهرة لها أبعاد ثقافية قيمية، وليست اقتصادية وسياسية فقط.

بعبارة أخرى: إن أولوية وأهمية الدوافع الدينية والثقافية -تحقيقًا لأهداف ثقافية أو سياسية- لا تنفصل في المنظور الحضاريالإسلامي عن الأبعاد الأخرى، بل تسعى إلى خدمتها أيضًا، وذلك على عكس الانتقادات الوضعية التي لا ترى فيها مجالًا لأية حلول سياسية أو اقتصادية، إلا تحقيق التمايز -إن لم يكن الصراع- مع الغرب والحماية الثقافية والدينية للذات.

وفي المقابل، وحيث يظل “تغيير الواقع” من عدمه محكًا مهمًّا للتقييم، لا يمكن إنكار أو إخفاء أن واقع العالم الإسلامي الضاغط يبرز الفجوة بينه وبين التأصيل؛ لدرجة أن فقَد المسلمون البوصلة أو الميزان أو الأصل أو المقياس المفترض للتغيير على ضوئه.

حقيقةً، لابد من الاعتراف بأن علل العالم الإسلامي تحتاج ما هو أكثر من الأخلاق لإصلاحها، ولابد من التغيير المجتمعي والسياسي والاقتصادي، ولكن انطلاقًا من القيم والقواعد الإسلامية ذاتها، التي هي ليست مثالية أو فلسفة مجردة، ولكنها قائمة وشاملة لتحكم الحياة الاقتصادية وغيرها. ومبدأ العدل لابد أن يكون مبدءًا حاكمًا لكل السياسات وأساسًا لكل الحلول.

إذن لابد من تجاوز هذا النمط من النقد والنقض الوضعي العلماني؛ لأنه لا يهدف إلا إلى الإلهاء بجدالات الثقافي؛ بعيدًا عن حقيقة المخاطر والتحديات الإستراتيجية السياسية والاقتصادية والعسكرية، التي تستهدف الآن ما تبقى من القيمي الديني-الثقافي في خطوط المقاومة والدفاع، وحتى يتمكن “الكبار” من استكمال مصالحهم السياسية وإقرارها.

  • المنظور الإسلامي للاقتصاد السياسي الدولي ليس منظور علاقات القوة الصلدة بين الفواعل من الدول القومية أو الدول الكبرى السائدة فقط، ولكنه بالأساس منظور علاقات الأمة -شعوبًا وجماعاتٍ- فيما بينها وبين الأمم الأخرى؛ سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات النوعية، وفي كافة المجالات؛ ومن بينها: الدولة، والسوق. فوفقًا لتعريف مسعود شودري فالاقتصاد السياسي الإسلامي هو:

“كيفية تنظيم التفاعلات بين الدولة والسوق والفرد من خلال عملية الشورى، ووفقًا لأخلاق ومبادئ وقيم ونسق معرفي قائم على وحدانية الله والإبستمولوجيا التوحيدية الإسلامية القائمة على المعيارية والواقعية معًا”.

ومن ثم فـ”المنظور الإسلامي للاقتصاد السياسي” يتجاوز ثنائية “الدولة-السوق”، الدولة-الفرد، كما يتجاوز النمط الصراعي للعلاقة بينهما، ويطرح أفقًا أرحب أكثر تعددية للتفاعلات الاقتصادية-السياسية.

ولهذا، فمن الأسئلة المطروحة في هذا المجال: لماذا “صفة الدولي” وليس “العالمي”؟ وإذا كان النقديون الغربيون أكثر استخدامًا الآن لصفة “العالمي”، فمن الأوجب بالنسبة لمنظور إسلامي ينقد بدوره مستوى الدولة القومية ويطرح مستويات أرحب للتحليل تستوعب وحدات تحليل متنوعة (ابتداء من الفرد إلى الدولة فالأمة) أن يكون منظورًا لاقتصاد سياسي عالمي عبر قومي، يسعى للتغيير من أجل عالم أكثر عدالة وإنسانية اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا[34] فهو ليس تغيير سياسي فقط؛ ولكن تغيير حضاري شامل وليس لتكريس استمرار هيمنة النظام الرأسمالي العالمي “غير العادل”.

 

قائمة ببعض أهم دراسات وتقارير نشرها مركز الحضارة للدراسات والبحوث حول الاقتصاد:

  • أمتي في العالم:
  • مطيع الله تائب، أفغانستان ما بعد طالبان: إعادة إعمار ماذا؟، أمتي في العالم: العدد الخامس، القاهرة، مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2003.
  • مصطفى دسوقي كسبه، ثروات آسيا الوسطى- قزوين من البترول والغاز، أمتي في العالم: العدد الخامس، القاهرة، مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2003.
  • مغاوري شلبي، التداعيات الاقتصادية وعولمة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، أمتي في العالم: العدد الخامس، القاهرة، مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2003.
  • مصطفى دسوقي كسبه، الاقتصاد السياسي للإصلاح في الأمة، أمتي في العالم: العدد السابع، القاهرة ، مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2007.
  • عبد الله عرفان، اقتصاد العالم الإسلامي 2008 والأزمة المالية، أمتي في العالم: العدد الثامن، القاهرة، مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2009.
  • محصلة نموذج تنمية النظام السابق… الملامح والمحددات، أمتي في العالم: العدد الحادي عشر، مكتبة الشروق الدولية، 2012.
  • الاقتصاد السياسي للثورة: مصر بين نظامين ومداخل جديدة للنظر، أمتي في العالم: العدد الحادي عشر، مكتبة الشروق الدولية، 2012.
  • محمد كمال محمد، ماليزيا: من الاقتصاد إلى السياسة والثقافة والعكس.. كيف؟، العدد الرابع عشر: أمتي في العالم: السياسات العامة في نظم ومجتمعات العالم الإسلامي: نماذج وخبرات، القاهرة، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، دار مفكرون الدولية للنشر والتوزيع، 2019.
  • د. أحمد عبد الحافظ، الاقتصاد السياسي للعالم الإسلامي بين الدولة الإمبراطورية والدولة القومية: قراءة في نماذج التنمية والتدخل الأجنبي والمقاومة، العدد السابع عشر: أمتي في العالم، القاهرة، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 2024.
  • فصلية قضايا ونظرات:
  • شيماء بهاء الدين، الاتفاق النووي الإيراني: الأبعاد الاقتصادية، قضايا ونظرات، العدد الأول، مارس 2016، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=2295
  • هبة محمد يوسف، السياسات الرسمية المصرية والسعودية والتركية تجاه الهجرة السورية: ما بين الاعتبارات الإنسانية والدوافع الأمنية و السياسية والاقتصادية، قضايا ونظرات، العدد الثاني، سبتمبر 2016، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=2449
  • أحمد شوقي، محاولات التحرر الاقتصادى من الهمينة الأجنبية: دراسة لتجربة بنك مصر خلال (1919-1952)، قضايا ونظرات، العدد الثالث عشر، أبريل 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=3183
  • عمر سمير، درجات وأنماط التنمية في ظل أنظمة اقتصادية مختلفة عبر ستين عامًا، قضايا ونظرات، العدد الخامس عشر، أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=4224
  • سارة أبو العزم، نيجيريا ومالي: بين الاقتصاد والحرب على الإرهاب، قضايا ونظرات، العدد السابع عشر، أبريل 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=9524
  • عبد الرحمن عادل، أزمة النفط في ظل أزمة كورونا: كيف تؤثر على الاقتصاد العالمي؟، قضايا ونظرات، العدد الثامن عشر، يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=9497
  • أحمد شوقي، مؤشرات الاقتصاد العالمي في ظل جائحة كوفيد 19، قضايا ونظرات، العدد التاسع عشر، أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=6558
  • محمد علي إسماعيل، تفجير مرفأ بيروت وأزمات لبنان الاقتصادية والسياسية، قضايا ونظرات، العدد العشرون، يناير 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=6514
  • مهند حامد شادي، عالم جديد شجاع.. ومخيف عصر الاقتصاد السيبراني، قضايا ونظرات، العدد الثالث والعشرون، أكتوبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=6290
  • أحمد طارق البوهي، بريطانيا ما بعد البريكسيت: الهوية، الاستراتيجية، الاقتصاد، قضايا ونظرات، العدد الخامس والعشرون، أبريل 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=6136
  • عبد الرحمن عادل، الأبعاد الاقتصادية للحرب الروسية ضد أوكرانيا (الطاقة، والغذاء)، قضايا ونظرات، العدد الخامس والعشرون، أبريل 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=6147
  • عبد الرحمن عادل، توجُّهات ومسارات الصعود الصيني: الاقتصاد العالمي وما وراءه، قضايا ونظرات، العدد السادس والعشرون، يوليو 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=6399
  • أحمد محمد، الهند المضطربة: صعود اقتصادي وأزمات دينية، قضايا ونظرات، العدد السادس والعشرون، يوليو 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=6411
  • عمر سمير، بنجلاديش والانتعاش الاقتصادي: مسارات وتحديات، قضايا ونظرات، العدد السادس والعشرون، يوليو 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=6423
  • روان عباس، الأزمات الاقتصادية العالمية والاقتصاد الأفريقي: لماذا تفشل السياسات المطروحة؟، قضايا ونظرات، العدد السابع والعشرون، أكتوبر 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=6657
  • محمد علي إسماعيل، النفط الأفريقي وصراعات القوى الكبرى، قضايا ونظرات، العدد السابع والعشرون، أكتوبر 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=6665
  • وليد القاضي، العرب وإسرائيل وأفريقيا: بين سياسات الإغفال وسياسات الاستغلال، قضايا ونظرات، العدد السابع والعشرون، أكتوبر 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=6712
  • قضايا ونظرات، العدد الثلاثون: ملف العدد: أزمة اقتصادية عالمية وتداعيات مركبة: رؤية حضارية، يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=7308
  • سارة أبو العزم، أمريكا اللاتينية.. الاقتصاد والمجتمع والأزمات، قضايا ونظرات، العدد الثامن والعشرون، يناير 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=6855
  • مروة يوسف، الاقتصاد الديني واستثمار المفاهيم: صندوق الحج الماليزي (تابونج حجي)، قضايا ونظرات، العدد الثاني والثلاثون، يناير 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=8060
  • أحمد شوقي، الاقتصاد السياسي للحرب: التمويل – الممارسات – الآثار، قضايا ونظرات، العدد الرابع والثلاثون، يوليو ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=9753
  • أحمد شوقي، سؤال الديون والأزمة الاقتصادية والمؤسسات الدولية مرة أخرى: الأرجنتين وكينيا، قضايا ونظرات، العدد الخامس والثلاثون، أكتوبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=9883
  • محمد علي إسماعيل، بوليفيا بين الأزمات الاقتصادية والسياسية، قضايا ونظرات، العدد الخامس والثلاثون، أكتوبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=9938

——————————————————–

الهوامش:

[1] انظر في آخر الورقة قائمة بأهم هذه الدراسات والبحوث.

[2]  انظر التالي:

  • قضايا ونظرات، العدد الثالث: ملف العدد ” قضايا الاقتصاد السياسي الدولي المعاصرة”، سبتمبر 2016، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=2576
  • قضايا ونظرات، العدد السادس: ملف العدد “النظام العالمي للهيمنة بين التكيف والتغيير: خبرات ونماذج مقاومة الدول”، يوليو 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://hadaracenter.com/?p=2875
  • د.نادية مصطفى، أحمد شوقي، الاقتصاد السياسي الدولي: بين الاقتراب النظمي والسياسة الخارجية وبين التغيير العالمي، (في): د. نادية محمود مصطفى (محرر)، العلاقات الدولية في عالم متغير: منظورات ومداخل مقارنة، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 2016.

[3] انظر التفاصيل في نادية مصطفى: نحو اقتصاد سياسي دولي من منظور إسلامي مقارن: خريطة الإشكاليات، قضايا ونظرات، العدد الثالث، سبتمبر 2016.

[4]  انظر على سبيل المثال أعمال كل من: محمد عمر شابرا، ومحمد نجاة الله صديقي، ومسعود شادري، ومنذر قحف، وعبد الحميد الغزالي، ورفعت العوضي، ونعمة مشهور، ومحمد أسلم حنيف، وعبد الرحمن يسري، ومحمد وفيق زين العابدين، ومصطفى عبد السلام، وغيرهم كثيرون.

[5] انظر تحليلًا لرؤيته في هذا الصدد في:

– د. نادية محمود مصطفى: العلاقات الدولية في الفكر السياسي الإسلامي.. الإشكاليات المنهاجية وخريطة النماذج الفكرية ومنظومة المفاهيم، (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، 2013) ص ص 90-98.

– د. نادية محمود مصطفى: قراءة في أعمال د. حامد ربيع عن العلاقات الدولية والسياسية الخارجية، (في): د.حسن نافعة ود. عمرو حمزاوي (محرران)، أعمال ندوة قراءة في تراث حامد ربيع، (جامعة القاهرة: قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2004)، ص ص 395-442.

[6]  تتضمن مشروع “النظم السياسية من منظور حضاري” استدعاءًا أصيلًا للاقتصاد على مستوى دراسة تطور تاريخ النظم في الإسلام من العصر النبوي إلى عصر الخلافة العثمانية”، انظر:

  • مركز الحضارة للدراسات والبحوث، النظم السياسية في التاريخ الإسلامي(أ)، القاهرة: دار الكتاب المصري، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 2022.
  • مركز الحضارة للدراسات والبحوث، النظم السياسية في التاريخ الإسلامي (ب)} الدولة الأندليسية- الدولة العثمانية{، القاهرة: دار الكتاب المصري، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 2024.
  • وانظر قراءة جامعة للأبعاد الاقتصادية في هذا المشروع في: د.نادية مصطفى، الذاكرة التاريخية والحضارية للأزمات الاقتصادية: نحو اقتصاد حضاري إسلامي عالمي، (في) د.نادية مصطفى، في الذاكرة التاريخية للأمم: تحولات ومآلات حضارية معاصرة، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 2023.

[7] د.نادية مصطفى، نحو اقتصاد سياسي دولي من منظور إسلامي مقارن: خريطة الإشكاليات، مرجع سابق،  ص ص 12-14.

[8] خاصة المدارس الإندونيسية والماليزية والهندية والباكستانية، انظر على سبيل المثال:

– Mohamed Nejatu llah Siddiqui, Nature and Methodology of Islamic Political Economy, paper presented to International workshop on Islamic Political Economy in Capitalist Globalization: an Agenda for Change, Malaysia, 1994.

– Masudul Alam Choudhury,” Toward Islamic Political Economy at the Turn of the Century”, American Journal of Islamic Social Sciences (AJISS), Vol. 13, No. 3, 1996.

-ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ, what is Islamic Political Economy, (in) Masudul Alam Choudhury Studies in Islamic Science and Polity,   UK: Palgrave Macmillan UK, 1998.

-Mohd Syakir Bin Mohd Rosdi, “Conceptualization of Islamic Political Economy”, American International Journal of Social Science, Vol. 4, No. 4, August 2015.

[9] د. سيف الدين عبد الفتاح، مقاصد ومعايير التنمية: رؤية تأصيلية من المنظور المقاصدي، (في) د. رفعت العوضي ود. نادية مصطفى (تنسيق علمي وإشراف)، أسامة أحمد مجاهد وأمجد أحمد جبريل وعلياء وجدي (مراجعة وتحرير)، مرجع سابق، ص ص 273-347.

[10] د. عبد الحميد الغزالي، واقع “اقتصاد الأمة” ومستقبله في تحرير المصطلحات وتدقيقها من منظور إسلامي، (في) د. رفعت العوضي ود. نادية مصطفى (تنسيق علمي وإشراف)، أسامة أحمد مجاهد وأمجد أحمد جبريل وعلياء وجدي (مراجعة وتحرير)، أعمال مؤتمر “الأمة وأزمة الثقافة والتنمية”، (القاهرة: برنامج الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بجامعة القاهرة بالاشتراك مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ومركز الدراسات المعرفية، ودار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 2007)، ص ص 233-257.

[11] Look at:

  • Asad Zaman, Islamic Economics: A Survey of the literature, Religions and Development (Research Program) working Paper 22-2008, available at: http://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=1282786
  • Masudul Alam Choudhury,” Toward Islamic Political Economy on the Turn of the Century, Op. cit.

[12] د. عبد الحميد أبو سليمان: الرؤية الكونية الحضارية القرآنية، (القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2008).

[13]  انظر كلًّا من:

– د. مصطفى منجود، الأبعاد السياسية لمفهوم الأمن في الإسلام، سلسلة الرسائل الجامعية (26)، (القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996).

– د.سيف الدين عبد الفتاح، الأمن الإنساني: رؤية إسلامية بين تكافل المداخل والبحث المقارن، ورقة خلفية ضمن أعمال تقرير التنمية الإنسانية العربية الخامس، (برنامج الأمم المتحدة الإنماني، 2009)، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/Q3K9xDTq

[14]  انظر نقدًا لفكرة الندرة المبني عليها مفهوم الاقتصاد في النموذج الغربي في:

– فرانسيس مورلاييه، جوزيف كولينز، “صناعة الجوع: خرافة الندرة”، ترجمة: أحمد حسان، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، العدد 64، أبريل 1983).

[15] انظر أيضًا هذه المقارنة الثلاثية في:

– Mohd Syakir Bin Mohd Rosdi, Op. cit.

وهي مقارنة استهدفتها دائمًا كتابات منظري الاقتصاد الإسلامي من علماء الاقتصاد أو الاقتصاد السياسي مثل محمد عمر شابرا، حياة الله صديقي، مسعود شادري، منذر قحف، محمد باقر الصدر، محمد أسلم حنيف.  وكذلك استهدفتها كتابات المفكرين الإسلاميين مثل: مالك بن نبي، أبي الأعلى المودودي، أبي الحسن الندوي، محمد الغزالي، محمد الشعراوي، يوسف القرضاوي. وجميعهم تناولوا هذه المقارنات الثلاثية وانعكاساتها في إطار كلي يجمع بين الداخلي والدولي، دون تخصيص للدولي أو العالمي.

انظر أيضًا: موسوعة الاقتصاد الإسلامي، 12 جزءًا، (القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، يونيو 2010).

[16]  ياسر حوراني، مصادر التراث الاقتصادي الإسلامي، (القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2000).

[17]  سبق تقديم منهاجية مناظرة بشأن: العلاقات الدولية بصفة عامة انظر:

– د. نادية مصطفى، “التاريخ ودراسة النظام الدولي: رؤى نظرية ومنهاجية مقارنة”، (في) د. نادية مصطفى، العلاقات الدولية في التاريخ الإسلامي: منظور حضاري مقارن، (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، ودار البشير للثقافة والعلوم، 2015). ص ص 37-112.

– د. نادية محمود مصطفى، مدخل منهاجي لدراسة التطور في وضع ودور العالم الإسلامي في النظام الدولي، (في): د. نادية محمود مصطفى (إشراف)، مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، الجزء السابع من المشروع، (القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996).

[18]  انظر على سبيل المثال:

  • James Brasset: International Political Economy and the question of Ethics. Review of International Political Economy. Vol. 17, No. 3, 2010 pp 425- 453. , available at: https://2u.pw/mh7R6RwA

[19] مدحت ماهر، العلاقة بين الاقتصاديات الدولية والسياسات الدولية: المنظورات الكبرى، ودلالة الخبرات التاريخية، قضايا ونظرات، العدد الثالث، سبتمبر 2016، ص 5.

[20]  حول تواريخ هذه المراحل الاقتصادية والاجتماعية انظر على سبيل المثال:

– Charles Issawi, An Economic History of the Middle East and North Africa, (London: Routledge, 2010), p.1.

– خليل إينالجيك ودونالد كواترت (محررون)، التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للدولة العثمانية، د. عبد اللطيف الحارس (مترجم)، بيروت: دار المدار الإسلامي، 2007.

– الحبيب الجنحاني، المجتمع العربي الإسلامي: الحياة الاقتصادية والاجتماعية، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، العدد 319، سبتمبر 2005).

– الحبيب الجنحاني، دراسات في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للمغرب الإسلامي، (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1986)، ص 246.

–  محمود لاشين، الفاروق عمر والخراج: لماذا حلت الأموال الأميرية محل الخراج: دراسة للأوضاع المالية في مصر أثناء السيطرة العثمانية، (القاهرة: الفتح للإعلام العربي، 1990)، ص 173.

– نجمان ياسين، تطور الأوضاع الاقتصادية في عصر الرسالة والراشدين، (الموصل: بيت الموصل، 1988)، ص 340.

– الحبيب الجنحاني، التحول الاقتصادي والاجتماعي في مجتمع صدر الإسلام، (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1985)، ص 203.

– د. نادية مصطفى، التحليل النظمي للتاريخ الإسلامي ودراسة العلاقات الدولية: الأنماط التاريخية وقواعد التفسير، (في) د. نادية مصطفى، العلاقات الدولية في التاريخ الإسلامي: منظور حضاري مقارن، (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، دار البشير للثقافة والعلوم، 2015)، ص ص 350-417.

– مركز الحضارة للدراسات والبحوث، النظم السياسية في التاريخ الإسلامي(أ)، (القاهرة: دار الكتاب المصري، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 2022).

– مركز الحضارة للدراسات والبحوث، النظم السياسية في التاريخ الإسلامي (ب) (الدولة الأندليسية- الدولة العثمانية)، (القاهرة: دار الكتاب المصري، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 2024).

[21]  د.نادية مصطفى: نحو اقتصاد سياسي دولي من منظور إسلامي مقارن.. خريطة الإشكاليات، مرجع سابق، ص 20-21.

 [22] انظر شرحًا لها في: د. نادية مصطفى، التغيير العالمي: من مدخل الاقتصاد السياسي الدولي، قضايا ونظرات، العدد السادس، يوليو 2017.

[23] Amanda Dickins, the Evolution of International Political Economy, International Affairs, Vol. 82, No. 3, 2006, pp. 458-488.

[24]  من واقع إسهامات متميزة لبعض طلبة الدراسات العليا في مرحلتي الماجستير والدكتواره بجامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مقرر الاقتصاد السياسي الدولي في الأعوام الأكاديمية الثلاثة (2014/2015، 2015/2016، 2016/2017)،  على مستوى التوثيق المعرف أو التقارير الفرعية أو التقارير الكلية.

[25]  انظر حول التطور في هذا المسار على سبيل المثال:

– Darel E. Paul, Abla Amawi: The Theoretical Evolution of International Political Economy, (Oxford: Oxford University press, 3rd edition, 2013).

– Theodore H. Cohn: Global Political Economy Theory and Practice, (London: Routledge, 5th edition, 2016).

[26] انظر مسحًا وتقييمًا أوليًا لحالة دراسات الاقتصاد السياسي الإسلامي، وخرائط الاهتمام القائمة والأخرى المطلوبة في: نادية مصطفى: نحو اقتصاد سياسي دولي من منظور إسلامي مقارن، مرجع سابق، ص 23- 28.

[27]  د.نادية مصطفى، أحمد شوقي، الاقتصاد السياسي الدولي: بين الاقتراب النظمي والسياسة الخارجية وبين التغيير العالمي، مرجع سابق.

– كذلك انظر رؤية مقارنة بين مداخل التغيير العالمي النقدية من خلال “الديموقراطية العالمية” وبين مدخل التغيير العلمي النقدي الإسلامي من خلال “العدالة العالمية”، (في) د.نادية مصطفى: العدالة والديمقراطية: التغيير العالمي من منظور نقدي حضاري إسلامي، (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2015).

[28] د. نادية مصطفى، التغيير العالمي: من مدخل الاقتصاد السياسي الدولي، مرجع سابق، ص 15- 17.

[29] ومن نماذج هذه الدراسات حول أجندات جديدة من منظورات مقارنة غربية وإسلامية انظر على سبيل المثال: ملف العدد بعنوان “في قضايا الاقتصاد السياسي الدولي المعاصرة”، قضايا ونظرات، العدد الثالث، سبتمبر 2016، ص ص 32-94

[30]  د. زينب عبد العظيم، “سياسات التعاون الاقتصادي بين دول منظمة المؤتمر الإسلامي وهدف السوق الإسلامية المشتركة”، (في) د. نادية محمود مصطفى، د. سيف الدين عبد الفتاح (إشراف عام)، حولية أمتي في العالم، العدد الثاني، (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، 1999). ص ص 301- 337.

[31] انظر على سبيل المثال: دراسات د. رمزي زكي، د.مصطفى كامل السيد.

[32]  انظر على سبيل المثال:

  • محمد عمر شابرا، علل العالم الإسلامي المعاصر: المسببات والعلاج في ضوء نظرية العمران لابن خلدون (ترجمة: علياء وجدي)” (في) د. رفعت العوضي ود. نادية مصطفى (تنسيق علمي وإشراف)، أسامة أحمد مجاهد وأمجد أحمد جبريل وعلياء وجدي (مراجعة وتحرير)، مرجع سبق ذكره. ص ص391-432.

[33]  وفق وصف مسعود شودري في: Masudul Alam Choudhury, Op. cit.

[34] انظر:

  • د. نادية محمود مصطفى، العدالة والديمقراطية: التغيير العالمي من منظور نقدي حضاري إسلامي، مرجع سابق، الفصل الثاني، الفصل الرابع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى