الأوعية الثقافية الصاعدة في العالم الإسلامي

مقدمة:

يلحظ المتابع لترتيب المواقع الأكثر زيارة على شبكة الانترنت، تفوق مواقع الشبكات الاجتماعية والمدونات والفضاءات الافتراضية على غيرها من المواقع على الشبكة الدولية، ففي ترتيب موقع اليكسا للمواقع الأكثر زيارة على شبكة الانترنت، احتلت مواقع الشبكات الاجتماعية والمدونات ثماني مواقع من بين المواقع العشرة الأكثر زيارة، وتلك المواقع على الترتيب هي (فيس بوك – يوتيوب – ياهو – ويندوز لايف – ويكيبيديا – بلوجر – تويتر)[1]، مما يعطي دلالة هامة ومؤشرا حيويا على زيادة الأهمية التي تحظى بها تلك الفضاءات الافتراضية، حول العالم كله، وفي قلبه العالم الإسلامي، وباعتباره جزء ومكون من مكونات عالم اليوم المعاش، وبؤرة أحداثه واهتماماته.
كما أن العديد من القضايا التي أثيرت مؤخرا على الساحة، وحازت على مساحة كبيرة من الاهتمام والجدل، كان للمواقع الاجتماعية دور كبير في نشرها والتعريف بها، وقد استخدمت العديد من الشخصيات والمؤسسات والهيئات الشبكات الاجتماعية لنشر أفكار معينة أو للترويج لفكرة ما، أو للتعبير عن موقف أو قضية ما، وبالتالي فقد أصبحت الشبكات الاجتماعية ساحات جديدة للحركة، ومساحات متجددة لمواضيع وقضايا تهم فئة معينة من الناس أو الهيئات والمنظمات، وفي بعض الأوقات تحاول الحركات والجماعات استخدام تلك الشبكات في الترويج لها، وكسب مزيد من المؤيدين، والمساندين لها.
وتتنوع تلك الشبكات والفضاءات الالكترونية بين العديد من الأنواع، إلا أنها تشترك في أنها تقدِّم مجموعة من الخِدْمات للمستخدمين، مثل: المحادثة الفورية، والرسائل الخاصة، والبريد الإلكتروني، والفيديو، والتدوين، ومشاركة الملفَّات، وغيرها من الخِدْمات، وقد أحدثت تغيُّرًا كبيرًا في كيفية الاتِّصال والتواصل والمشاركة بيْن الأشخاص والمجتمعات، وتبادُل المعلومات، ومِن أشهر الشبكات الاجتماعية الموجودة حاليًّا: (فيس بوك)، و(ماي سبيس)، و(تويتر)[2].
وكما يرى مانويل كاستلز عالم الاجتماع الأمريكي، إن انتقال المجتمعات من النمط الصناعي التقليدي إلى “مجتمع الشبكة” الذي يفتقد المركز الواحد في الاجتماع والاقتصاد والسياسة، حدث بشكل متزامن مع التحول في عالم الاتصال من نمط وسائل الإعلام Mass media (الذي تنتقل فيه المعلومة من مركز أو مراكز إلى الجموع) إلى نمط الاتصال الشخصي الجماهيري Mass self-communication، شخصي لأن كل شخص هو مرسل ومستقبِل، وجماهيري لأن الرسالة تصل إلى الجمهور الذي يختار بشكل شخصي، أيضا، استقبال هذه الرسالة أو تلك من بين بدائل لا حصر لها، وهو ما يعنى توازنًا جديدًا بين الفردية والجماعية، بالإضافة إلى أنها توفر وسيطًا سهلا لـ”الجماعية” من خلال تطبيقات التواصل وتبادل التعبير والتعليق والنشر ضمن شبكة الأصدقاء[3].
وقد بدأت بعض الشبكات الاجتماعية في الظهور في أوائل التسعينيات؛ حيث تم التركيز فقط على الروابط المباشرة بين الأفراد، وظهرت في تلك المواقع خدمة الملفات الشخصية والرسائل الخاصة بين الأصدقاء، وفي عامي 2004، و2005 ظهر على الشبكة العنكبوتية موقعين من أنجح المواقع الاجتماعية وهما الفيس بوك وماي سبيس؛ حيث تم اعتبارهما من أكبر الشبكات الاجتماعية على مستوى العالم نظرًا لما قدمته من خدمات زادت فعاليّة التواصل بين الأفراد.
والشبكات الاجتماعية بصفة عامة أصبحت ذات تأثير كبير في عالم (الإنترنت)، وكذلك أصْبح لها مكانة كبيرة في الوضْع الإعلامي الجديد، فالآنية الإعلامية، وسرعة نشر الخبر، وانتشاره بين أكبر عدد ممكن من المستخدمين والمتابعين، وبطريقة متعددة الاتجاهات، كل ذلك أدى إلى زيادة أهمية تلك المواقع والشبكات الاجتماعية في عالم اليوم.
أما “علامات تداول المواقع”، أو المفضلات الاجتماعية فهي عبارة عن مواقع وظيفية، تعمل بغرض تمكين المستخدم من ترشيح ونشر ومشاركة محتوى عبر (الإنترنت)، أو جزء منه، سواء كان ذلك المحتوى نصًا، أو صورة أو فيديو، من خلال إضافة الوصلات أو الروابط التي تشتمل على هذا المحتوى، وإضافتها إلى تلك المواقع، وعلى ذلك فمواقع علامات التداول هي مواقع وظيفية تهدف إلى نشر وربط محتوى، وليس إلى تشبيك أفراد، أو تكوين شبكة اجتماعية للأفراد، بينما تقوم مواقع التشبيك الاجتماعي بهاتين العمليتين: تشبيك الأفراد، وربط ومشاركة المحتوى مع الآخرين[4].
كل تلك الأنواع من الشبكات الاجتماعية والمدونات، أدت إلى ظهور ما يسمى بالواقع الافتراضي (Virtual Reality)، أو المجتمع التخيلي، غير الواقعي الذي انتشر بشدة مع ثورة المعلومات والانترنت وانتشار الشبكات الاجتماعية على نطاق واسع في مختلف المجتمعات الإنسانية بما فيها العالم الإسلامي، ويشير هذا المفهوم إلى عالم يصنعه الحاسب الآلي، بحيث يمكن للإنسان التفاعل معه آنيا الأسلوب الذي يتفاعل به مع العالم الحقيقي[5]، كما يقصد به التمثيل شبه الواقعي للأجسام والأشياء والأشخاص وبيئات تواجدها مضافًا إليها عنصر التفاعلية الدائمة بين مستخدم الحاسب الآلي والرسوم والصور الرقمية التي يتفاعل معها.
ويمكن القول أن العالم الافتراضي الذي أوجدته الشبكات الاجتماعية هو عالم شامل ومتكامل يوفر للإنسان بيئة افتراضية تحوي أطرافًا متعددة تحكمها شبكة علاقات معقدة ومتداخلة، لها مفاهيمها ومصطلحاتها الخاصة، وموضوعات وقضايا مشتركة، والتي تتداخل وتتشابه في كثير منها بالواقع المعاش، ويغذي بعضها بعضا، فنرى كثيرًا من الموضوعات أثيرت في الفضاء الافتراضي انعكست في الواقع المعاش، أو الحياة الواقعية، إضافة إلى أن الفضاء الافتراضي مَثَّل للعديد من الأفراد المتنفس والمجال العام المناسب للمشاركة والتفاعل والتعبير عن الآراء والتوجهات والمواقف، وبالتالي فالعلاقة بين الواقعي والافتراضي ليست علاقة منفصلة، وإنما متداخلة ومتشابكة، ولها اتجاهين في التأثير والتأثر.
وتعد الشبكات الاجتماعية الحديثة على الانترنت هي النموذج الأوضح والأكثر تأثيرًا، والتي ساعدت على بروز ظاهرة الواقع الافتراضي، وفي هذا الإطار سوف نلقي الضوء على موقع الفيس بوك كأحد النماذج المعبرة والأكثر شهرة بين مواقع الشبكات الاجتماعية، أو عالم الفضاء الافتراضي في عالم اليوم، في محاولة لتلمس الانعكاسات الثقافية للموقع الاجتماعي على العالم الإسلامي، وخاصة على مواضيع وقضايا العالم الإسلامي، وسلم أولوياته، من خلال رصد لبعض النماذج السلوكية والممارسات اليومية للشباب المسلم على الفيس بوك.
وبالرغم من صعوبة تلمس الجوانب الثقافية للعالم الإسلامي من خلال الأوعية الثقافية الصاعدة كالشبكات الاجتماعية والمدونات وغيرها، إلا أننا نحاول في هذه الورقة تلمس أجندة وخريطة العالم الإسلامي في تلك الأوعية، وتحديد ملامح العالم الإسلامي ومفهومه من خلال رصد بعض المجموعات والمشاركات والنماذج على الشبكات الاجتماعية، وخاصة موقع الفيس بوك، نظرًا لشهرته الواسعة وانتشاره الكبير، وشموله على العديد من الخواص والمميزات التي تسهل عملية الرصد والتحليل للأبعاد الثقافية للعالم الإسلامي.

“فيس بوك”

هو أحد أكثر المواقع الاجتماعية شهرة في عالم الشبكات الاجتماعية على شبكة الانترنت، وقد أسسه الأمريكي مارك زوكر عام 2004 في سن التاسعة عشر لتحقيق التواصل مع زملائه في جامعة هارفارد ثم قرر مؤسس الموقع أن يمده أمام كل من يشاء استخدامه عام 2006 مما زاد عدد المستخدمين، وقد استطاع الموقع إعادة صياغة العلاقة بين الكاتب والقارئ؛ حيث لم يعد الكاتب ذاك الشخص البعيد وأصبح الكاتب يعرف رأي قرائه أونلاين ويتلقى النقد ويطور نفسه وصار يستخدم الآن في الدعايا والتسويق كذلك مما زاد قيمة الموقع ليصل لحوالي 10مليار دولار.
ويتسم “الفيس بوك ” بقدرته علي تصنيف أعضائه والجمع بين مميزات الدردشة والمدونات والمنتديات، والقدرة على جمع أعضائه وتصنيفهم وإتاحة الفرصة لذوي الفكر المتقارب التواصل ويُتيح إمكانية تقديم ملفات وصور ووضع معلومات أحد الأشخاص، وعن هواياتك أو مقطع فيديو وتحديد حالتك وما تفكر به[6].
وقد أصبح موقع الفيس بوك الاجتماعي الشهير أحد أهم المواقع على شبكة الانترنت وأكثرها تصفحا؛ حيث تخطى عدد مستخدميه حول العالم 500 مليون مستخدم يقضون ٤ مليار دقيقة يوميا في تصفحه، ويقوم ٣٠ مليون مستخدم منهم بتحديث “وصف الحالة” الخاص بهم يومياً، ويرفع عليه شهريا ٨٥٠ مليون صورة و ١٠ مليون فيديو على مستوى العالم، كما أنه يحتوي على ٣٠ مليون “مجموعة مستخدمين – جروب” حول العالم لمناقشة كافة القضايا التي تخص أو تهم كل مجموعة من المستخدمين على اختلافها، ويتضاعف عدد مستخدمي الفيس بوك في مصر من حوالي ٤٥٠ ألف مستخدم ( أبريل ٢٠٠٨ ) إلى حوالي١,٥ مليون مستخدم (يونيو ٢٠٠٩ ) يمثل الشباب (من سن 14- 34) حوالي ٩٠ %، ويمثل مستخدمي الـ”فيس بوك” بالنسبة للعدد الكلي لمستخدمي الانترنت في مصر حوالي ١٤% كما يمثلون ١,٨ % من مجمل السكان وحوالي ٤,٧ % من عدد الشباب المصري من سن (١٨ – ٣٤)[7].

العالم الإسلامي:

نستخدم مفهوم العالم الإسلامي هنا للإشارة إلى المجتمعات المسلمة التي يمثل عدد سكانها نحو خُمس سكان العالم، والتي انتشرت عبر دول ومجموعات عرقية مختلفة تشترك معظمها في اعتناق الدين الإسلامي، ويقارب تعداد المسلمين في العالم المليارين، أكثر من ثلثيهم يسكنون البلاد الإسلامية، والثلث الباقي (الأقليات) يقيم في دول غير إسلامية، أو دول يمكن اعتبارها إسلامية ولكنها لم تنضم بعد إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، مثل البوسنة والهرسك، أو دول لا تعتبر نفسها إسلامية رغم تفوق نسبة المسلمين بها، مثل أريتريا و أثيوبيا، ويبلغ عدد الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، ست وخمسون دولة[8].

مسلمون على الفيس بوك .. بين المستقبِل ورد الفعل:

إن عملية تحديد ما هو إسلامي على الشبكات الاجتماعية تعد عملية معقدة للغاية، فمعيار وصف الأشياء بـ”إسلامي” يتسم بالغموض، ولا يمكن القول بوجود معيار محدد لتأطير ما هو إسلامي، وتوضيح ماهيته، لذا فإننا سنستخدم المصطلح للإشارة إلى المساهمات والأفعال المنسوبة للمنتمين للعالم الإسلامي عقديًا، سواء كانوا مسلمين من دول إسلامية أو أقليات مسلمة تعيش في دول مختلفة حول العالم.
وهناك ملاحظة تجدر الإشارة إليها، وهي أن الانتماءات الدينية لمستخدمي الشبكات الاجتماعية غير واضحة المعالم، وغير دقيقة نظرًا لصعوبة التأكد من صحة بيانات الأفراد المشتركين، إضافة إلى السرية التي تتيحها تلك الشبكات للأعضاء في الإفصاح عن انتماءاتهم، فضلا عن اختيارية تحديد الهوية العقدية في الصفحات الخاصة بالأعضاء.
وقد طرح البحث في الوجود الإسلامي على الشبكات الاجتماعية عددًا من الأسئلة مثل: هل يقوم المسلمون بالتواصل عبر الشبكة مع مسلمين في أماكن أخرى انطلاقاً من المعتقدات الدينية المشتركة؟ هل تعكس ممارسات المسلمين وعاداتهم “عبر-القومية” تلك الهوية الجامعة العابرة للحدود؟ أم أنها اتصالات عبر-قومية وتصادف أن تكون بين مسلمين (اتصالات عبر-قومية للتواصل مع أقارب وعائلات مشتتة مثلاً)؟ وهل تتزايد النزعة عبر-القومية في مناطق دون أخرى؟ وقد وجدت إحدى الدراسات أن مسلمي أحد الدول الأوروبية نشطين جداً في مجال التفاعل عبر-القومي على أساس المعتقد الديني لعدم قدرتهم على الوصول لسلطات فكرية ودينية في الأطر التي يتواجدون فيها، ومن ثم فإنهم يعتمدون على علماء، وكتب ومؤسسات ورموز من خارج الإطار القومي. بينما الأمر تتناقص حدته في حالة مسلمي الولايات المتحدة؛ حيث يتم تأكيد الانتماء العالمي للأمة ولكن يتم استخدامه في السياق المحلى الأمريكي لتوفير إطار جامع لمجتمع متعدد الهويات (في الإطار الأمريكي المسلم)[9].
وفيما يتعلق بالمساهمات الإسلامية على الفضاءات الافتراضية بشكل عام، يمكن القول أن العالم الإسلامي اكتفى بدور المتلقي دائما لتلك الفضاءات، والمستخدِم والمستهلِك لتلك المنتجات –إذا جاز لنا التعبير- فالمراقب للشبكات الاجتماعية على الانترنت يجد أن جلها صناعة غربية سواءً في أوروبا أو الولايات المتحدة، أنتجها أفراد أو مؤسسات أو جماعات، واكتفى العالم الإسلامي باستخدامها واستهلاكها – كأحد منتوجات الحضارة الغربية.
وبالتالي فقد فُرض على العالم الإسلامي مفاهيم وأدوات تلك الشبكات، دون قضاياه، حيث استطاع العديد من المشتركين في تلك الفضاءات الافتراضية إيجاد قضايا مشتركة بينهم، وإن كانت غير مطلقة، فقد شهد عام 2010 إغلاق العديد من المجموعات التي تدافع عن فلسطين في مواجهة الكيان الإسرائيلي، كما تم إغلاق مواقع أخرى تفضح الممارسات العنصرية ضد الفلسطينيين من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يعد فرضا من قبل المركز المسيطر على الهامش المُستَخدم، وهو في هذه الحالة العالم العربي والإسلامي.
وهي ضريبة لابد أن ندفعها نتيجة تخلفنا عن ركب الحضارة والعلم بين الحضارات، واكتفائنا بدور المتفرج والمستهلك لما يقدم من منتوجات، وهو ما يمكن أن يفسر لنا المعارك الوهمية، والمجهودات المهدرة، والتي ينفقها العديد من مستخدمي الشبكات الاجتماعية على الانترنت لإعادة مجموعة “جروب” إلى الموقع مرة أخرى بعد أن تم حذفه من قِبل إدارة الموقع، أو لتغيير مفاهيم ومسميات حول بعض القضايا التي تهم العالم الإسلامي، وهو مجهود مشكور وكبير، ولكنه ينقصه مجاله الصحيح، فليست الشبكات الاجتماعية، والفضاءات الافتراضية هي الساحات المناسبة أو الكافية لتلك المعارك، أو للدفاع عن تلك القضايا بعيدا عن الواقع المعاش، بالرغم من أهمية مواجهة تزييف الحقائق ونشر الوعي بين المستخدمين، والتصدي لمثل تلك الهجمات وحملات التزييف التي يواجهها العالم الإسلامي، إلا أننا ربما نحتاج إلى ساحات الحركة المناسبة لمواجهة مثل تلك المعارك، ونشر مفاهيمنا وأجندتنا التي تشمل قضايانا دون تدخل من هنا أو هناك
وهو ما حدث عندما قامت إدارة موقع الفيس بوك بإغلاق مجوعة “جروب” (The Largest Islamic Group)، فقام العديد من المسلمين بإعادة فتح مئات المجموعات تحت المسمى ذاته، فيما اتجه فريق آخر لتكوين مجموعات تندد بإغلاق المجموعة، كانت معظمها تعبر عن انفعالات وقتية، وتجمعات صغيرة للأفراد، انتهت بمرور الوقت، وكأن شيئا لم يكن!!
فالواقع المعاش هو المجال الطبيعي، والساحة الملائمة دائما للحركة والفعل والسعي، وبالتالي فالفضاءات الإلكترونية الافتراضية، والشبكات الاجتماعية هي وسيلة تساعد على توجيه الفعل، والتشارك حوله، وترشيده، لا أن يحل محل الساحات الواقعية، ومجالات التدافع الإنساني في المجال العام.
وهو ما ترجمه العديد من مشتركي الفيس بوك في العالم العربي والإسلامي، في القيام بثورات كبيرة ضد الأنظمة الديكتاتورية كما هو الحال في مصر وتونس، وبالتالي أضحت العلاقة بين العالم الافتراضي على الانترنت والشبكات الاجتماعية شديدة الصلة والتأثير على العالم الواقعي المعاش، وانتفت الأقوال التي كانت تشير إلى أن لجوء الأفراد إلى الشبكات الاجتماعية كعالم افتراضي هو هروب من الواقع بما يحمله من تحديات ومعطيات، إلى عالم آخر يستطيع أن يقضي فيه الأفراد أوقاتهم بعيدا من مشكلاتهم الحياتية في الواقع المعاش.
بل على العكس تماما، أتاح الواقع الافتراضي للأفراد التعبير عن آرائهم بحرية كبيرة دون السيطرة والمركزية التي تُميز وسائل الإعلام التقليدية في بلدان العالم الإسلامي، إضافة إلى تشكيل علاقات جديدة بين الأفراد المنتمين للعالم الإسلامي –عقديا– عبر القارات، والتغلب على عنصري الزمان والمكان، فلم يعد حاجز المكان مؤثرا في ظل الواقع الافتراضي، كما أن عنصر الزمن فقد الكثير من محدداته وضوابطه في عصر التفاعل المباشر والسريع والمتنوع.
ويملك العالم الإسلامي بعض النماذج في المساهمة في وجود تلك الشبكات، وإن كانت تتسم كلها في طبيعتها بأنها رد فعل، إلا أنها تظل من المساهمات التي يمكن الاستفادة منها في إطار رصد وتحليل المساهمات الإسلامية في عالم الشبكات الاجتماعية؛ فقد قامت جماعة الإخوان المسلمين بإنشاء موقع جديد يسمى “إخوان بوك” على غرار الموقع الاجتماعي “فيس بوك” في محاولة لتدعيم وجود الجماعة على شبكة الانترنت، وقد بلغ التشابه بين موقع “إخوان بوك” وموقع “فيس بوك” درجة استخدام عنوان إلكتروني شبه متطابق (Ikhwanfacebook.com). وهو يقدم حزمة من الخدمات التقليدية تتشابه كلية مع “فيس بوك” بدءا من تمكين مستخدميه من تشارك الصور والمواد الفيلمية وإنشاء مجموعات خاصة ووضع استطلاعات الرأي، فالهدف كما هو واضح من ذلك التطابق عدم تشتيت المستخدمين المعتادين على استخدام “فيس بوك” وجعل انتقالهم إلى الموقع الجديد سلسا وبدون صعوبات.
كما قام مجموعة من الباكستانيون بـإنشاء موقع إسلامي للتواصل الاجتماعي لمنافسة موقع (فيس بوك)، الأشهر عالميا، ويأملون في أن يشترك فيه نحو مليار و100 مليون مسلم حول العالم، وذلك بعد غضبهم العارم من مسابقة أطلقها أحد مستخدمي (فيس بوك) لرسم صور تمثل النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) اعتبرها الباكستانيون إساءة للإسلام، وجاء على الموقع أن (مللت فيس بوك.كوم) يعد أول موقع باكستاني للتواصل الاجتماعي، وهو من المسلمين وإلى المسلمين يرحب كذلك بكل شخص دمث من دين آخر. وقال أحد مصممي الموقع، إن محترفين في مجال تكنولوجيا المعلومات يعملون على مدار الساعة لتوفير مزايا في الموقع مشابهة لتلك التي يقدمها (فيس بوك) الأصلي، وقال عثمان زهير (24 سنة) مدير التشغيل في الشركة التي تستضيف الموقع: “نريد أن نقول لأصحاب (فيس بوك)، إنه إذا أسأتم التعامل معنا فعليكم تحمل العواقب وإذا أساء أحد للنبي محمد فسوف نصبح منافسين له ونكبده الكثير من الخسائر الاقتصادية”[10].

غلبة البعد العقدي في مواجهة القضايا الكلية:

من الظواهر البارزة في معظم المشاركات من جانب المسلمين على الفيس بوك، التوجه نحو نشر المواد ذات البعد العقدي، وبشكل مكثف، سواء كانت أحكامًا فقهية أو دروسًا دينية ودروسًا وعظية، في مقابل نشر مواد بسيطة في مجملها حول قضايا الأمة الكلية، وبُعدها الحضاري، وهو تباين له دلالته.
فعقد مقارنة بشكل مبسط بين المجموعات التي تنادي بأمور عقدية وتعبدية، وبين المجموعات التي تحمل أسماء تشير إلى اهتمامها بالقضايا الكلية للأمة الإسلامية، لهو كفيل بتوضيح مدى الفارق بين هذا وذاك. ففي أحد المجموعات التي تضع مسمى “العالم الإسلامي 2030 بإذن الله”، والذي يصف نفسه في خانة التعريف بالمجموعة بـ “ليه ميكونش العالم الإسلامي دولة واحدة (الإتحاد الإسلامي) وله عمله واحدة وليه منكنش احنا المتحكمين في اقتصاد العالم ومش شرط الاقتصاد وبس ليه مايكنش في كل حاجه ليه؟؟؟؟، الجروب دا معمول لكل مسلم بيشجع الفكرة وبيحاول يشد بيد المسلمين سواء كانوا أقارب أو أصدقاء لكل حاجه صح أنا عن نفسي بإذن الله هبدأ بالموضوع وياريت اللي عندوا اقتراح أو نشاط يبلغنا بيه”، فقد بلغ عدد أعضائه 222 عضو، في حين بلغ محبي صفحة “حملة مليون مسلم للصلاة على رسول الله ** أقسمك بالله أن تنشرها” أكثر من ربع مليون مشارك[11].
فبالرغم من أهمية البعد العقدي في حياة المسلم، إلا أن غلبة الطابع العقدي على الموضوعات المتعلقة بـ “الأمة” وقضاياها الكلية ليكشف عن عدم وضوح للرؤية لدى عدد كبير من أفراد العالم الإسلامي، وهو ما يستدعي جهود كبيرة من جانب كافة المؤسسات والأفراد والهيئات لإعادة تلك القضايا إلى صدارة أولويات أفرادها، فغياب قضايا الأمة في أولويات أبنائها، يعني في وجهه الآخر ضياع تلك القضايا واندثارها..

انعكاس لواقع الفرقة:

من بين مائة وخمسون مجوعة “جروب” على الفيس بوك يحمل اسم (Palestine)، لم يجد الباحث سوى مجموعة واحدة وصل عدد أعضائها إلى خمسة عشر ألف عضوا، وباقي المجموعات تراوح عدد أعضائها ما بين الثلاثة آلاف فما أقل، وهو مؤشر له دلالته فيما يتعلق بتوحيد جهود العالم الإسلامي، وتضافره، وانعكاس حالة التشرذم والفرقة بين دول وأبناء العالم الإسلامي على مشاركات المسلمين على الـ “فيس بوك”. هذا فيما يخص الجانب الكمي للمجموعات على الفيس بوك، أما ما يتعلق بالمضمون، فقد ظهرت على الفيس بوك العديد من المجموعات التي تنادي بوحدة إسلامية – الأمة – عبر القارات، ودعت مجموعات أخرى إلى القضاء على الحدود بين الدول الإسلامية، فيما نادت مجموعات أخرى بعودة الخلافة الإسلامية مرة أخرى.

إشكاليات حول الفضاءات الافتراضية:

أثار ظهور تلك الشبكات والمجتمعات الافتراضية العديد من الإشكاليات والأسئلة، حول طبيعة تلك المجتمعات الافتراضية، وطبيعة التفاعل داخلها، أو تأثيرها على الأفراد والمجتمعات عبر دول العالم المختلفة، إضافة إلى مخرجات تلك الشبكات على المستويات المختلفة، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو غيرها، وفيما يلي عرض لأبرز الإشكاليات التي أثارتها تلك الشبكات الاجتماعية في عالم اليوم.

إشكالية الواقعي والافتراضي:

دفع ظهور وانتشار تلك الشبكات والمواقع الالكترونية العديد من الباحثين والمراقبين إلى طرح تساؤل مهم حول إشكالية العلاقة بين الواقعيّ والافتراضيّ، إذ أنّ العديد من المتابعين للفضاءات الافتراضية لا يخفون مخاوفهم من إمكانية تحوّل هذه الشبكات الاجتماعية إلى وسيلة يستعملها الفرد للبحث عن تحقيق الذات وحاجاتها الوجدانية والتواصلية التي عجز عن تحقيقها على أرض الواقع، فيصبح العالم الافتراضي نتيجة لذلك واقعا كامنا في وجدان الفرد ومخيّلته يبتعد به عن التواصل الفعلي والحقيقيّ، ممّا قد يقيم حاجزا أمام وجوده المجتمعيّ الحيّ والمحسوس[12].
ويؤيد هذا التخوف ما ينظر إليه البعض باعتباره مساحات وهمية للسعي والتدافع، وخلق معارك وهمية، والتي يقوم بها العديد من الشباب المسلم على بعض المواقع وخاصة “الفيس بوك” من اجتهاد وبذل للجهد ومسارعة للمشاركة في مسابقات لنصرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) أو جعل صفحة إسلامية صاحبة أكبر عدد من المشتركين ببعض تلك الشبكات أو الفضاءات الإفتراضية، أو المشاركة في استفتاء لأكثر الشخصيات المسلمة على أحد الشبكات الاجتماعية باعتبار ذلك نوع من النصر والانتصار للأمة، وهو ما ينتج عنه شعور لدى المشاركين بالرضا نتيجة الإيجابية والمشاركة الفاعلة في نصر أو نشر ما هو إسلامي.
وعلى الجانب الآخر، هناك من الاتجاهات النظرية التي تؤيّدها دراسات ميدانية ما يؤكّد أنّ الحياة الافتراضية اليوم ليست في تناقض مع حياتنا الطبيعية والواقعية أو بديلا عنها بل هي مكمّلة لها. إذ أنّ المساحة التي تخلقها هذه الفضاءات الافتراضية والتي تطلق العنان للوعي ليتجوّل دون قيود الجسد، توفّر فرصا إضافية للتواصل وللتعارف ولاستثمار القدرات الكامنة في الذات ولتنمية مهاراتها. يعدّ ذلك إضافة حقيقية للوجود الإنساني المعاصر، خاصة أنّ العلاقة بين الافتراضيّ والواقعيّ ليست منفصلة تماما، بل نجد في كثير من الأحيان تداخلا وتقاطعا بينهما، ومن ثمّ يضاف إلى وجودنا بعد جديد هو البعد الافتراضي الذي يكمل وجودنا الحقيقي.
ولقد انطلق هابرماس في تناوله مجال التواصل من الفضاء العامّ وكيفية تشكّل الرأي العامّ، حيث يرى أنّ الفضاء العامّ قد كان مجالاً أو ميداناً للتعبير عن الرأي الفكري والنقدي، ثم جاءت وسائل الإعلام لتحتلّه وتشوّهه، وتسيطر على مضمونه جاعلة منه دعامة للإيديولوجيا والمصالح. فبات من الضروريّ، مع تحوّل العلم والإيديولوجيا إلى أدوات للهيمنة، مساءلة الفضاء العامّ والتفكير من جديد في التواصل، وذلك من خلال تأسيس نظرية اجتماعية وثقافية في التواصل تسمح بالشروع في تفكير عقلي ونقديّ جديد ومستقلّ في قضايا عصرنا، وهو أمر لا يتمّ إلا بواسطة نظرية الفعل التواصليّ حسب هابرماس، إن تشديد الفلسفة النقدية المعاصرة على أهمية الفعل التواصلي الأفقي “بعيدا عن إرادة مؤسّسات السلطة والهيمنة” يمثّل الإطار النظريّ المشجّع الذي امتدّت في ضوئه الفضاءات الافتراضية والشبكات الاجتماعية التي يمكن أن تدرج ضمن سمات عصر ما بعد الحداثة[13].

إشكالية الداخل والخارج:

إنّ الكثير من المحتويات التي تؤثّث الفضاءات الافتراضية لا تقتصر على الواقع المحلّي للفرد الذي يتعامل معها، بل تشمل ظواهر عالمية تجعل الفرد منفتحا على كلّ ما يجري في العالم الخارجي من أحداث وتطوّرات في شتّى المجالات، ممّا يولد مع الزمن وعيا أو انتماء عالميّا لدى الأفراد، دون أن يحلّ بالضرورة محلّ الانتماء إلى الواقع الاجتماعي المحلي، وكما يقول كاستلز: “التكنولوجيا ببساطة ليست مجرد أداة، بل هي وسيط وأسلوب في التخطيط الاجتماعي له مضامينه، بالإضافة إلى ذلك هي منتج من منتجات ثقافتنا التي تتضمن كلا من رؤيتنا لفكرة استقلاليتنا الفردية ومشروعاتنا كفاعلين في المجتمع”[14]؛ حيث نجحت تلك الشبكات في خلق مساحات جديدة، وطرح موضوعات وقضايا أخرى، لم تكن متاحة للتداول والنقاش من قبل.

إشكالية الثابت والمتغيرات في ضوء التفسيرات المختلفة

وهذه التفاعلات التي تعيد النظر في عدد من المفاهيم المستقرة تتخذ أشكالا متعددة من الاتصال، وإنتاج المعرفة، وتشجيع حق الفرد على أن يقوم بالتفسير مما يؤدي إلى هز مفهوم الاجتهاد القائم على سلطة النص؛ حيث أن سلطة فهم وتفسير النص تنتزع من يد العلماء في الواقع الافتراضي وتعطى لكل من يمنح نفسه الحق في أن يمثل الإسلام أو ينتمي إليه، حيث يصبح النص موجودا لكل من يريد أن يقرأه ومن يقرأه يفسره (وهنا تثار إشكالية العلاقة بين الثابت والمتغير…)، وتفوض سلطة القرار للمتلقي الذي يتصفح تفسيرات واجتهادات عديدة وينتقى من بينها، ومن ثم يتم التأثير على مساحات مكانية تقليدية ارتبطت بإنتاج المعرفة الدينية مثل المسجد. من أمثلة ذلك تتبع أحد الدراسات التفسيرات والآراء المتباينة في قضية العنف ضد المرأة فقط معتمدة على المواقع التي تبرز على الانترنت لتكشف عن تباين وتعدد مصادر السلطة الفكرية والدينية بشكل يجعل المتلقي يدخل في “سوق” للأفكار يتم فيها محاولة اجتذاب جمهور افتراضي.

الفضاء الافتراضي وانعكاسه على الزمن:

إن عصر المعلومات تكون في عقل إنسان يرى أن عنصري المكان والزمان قد بدءا يفقدا سلطتهما عليه، أي أن الإنسان لم يعد يرى نفسه أسيرا للمكان والزمان. كما أن العلاقة بين الزمان والمكان قد تغيرت: فبدلاً من ثبوت المكان وتجدد الزمان، تغيرت العلاقة حيث أصبح المكان قابلا لأن يتجدد بالنسبة لزمان واحد لأن الإنسان أصبح قادرًا على أن يستبدل حيز الأرض بحيز افتراضي تصنعه المعلومات لا الجغرافيا. ويرتبط هذا بإعادة تخيل المجتمعات التي أصبح في قدرتها أن تتخطى الحيز الجغرافي وتتمثل في حيز افتراضي[15].
يفرض الزمن الافتراضي وتيرة أسرع من تلك التي يقوم عليها التحوّل الاجتماعي، فما كان يتعرّض له الفرد خلال فترة طويلة من التنشئة الاجتماعية أصبح يواجهه في لحظات معدودة على الزمن الافتراضي، وما كان يقدّم للفرد من مفردات وسلوكيات وأفكار تدريجيا في الزمن الاجتماعي -عبر تجارب ممتدّة في الزمن – أصبح من الممكن تقديمه تزامنيا في لحظة واحدة، إذ أنّ الزمن الافتراضي يخرق جلّ هذه الحدود ويقفز فوق هذه المراحل، وهو ما يساعد الفرد على النظر إلى الذات وإلى المجتمع من زاوية نقدية خارجية نظرا لمعايشته لعوالم متعددة[16].

إضعاف روابط.. وتقوية أخرى:

تفرض الشبكات الاجتماعية أنماطًا جديدة من العلاقات الاجتماعية بين المستخدمين، بناء على الاهتمامات المشتركة بين الأعضاء، وفي مقابل ذلك، تضعف الروابط التقليدية بين الأفراد المرتبطة بالبيئة الجغرافية والمكانية للأفراد في محيطهم المعيشي، وبالتالي فإن الفضاءات الافتراضية تفرض نموذج الروابط الافتراضية على العالم الحقيقي المعاش، فتنشأ روابط.. وتضعف أخرى وربما تنتهي، فقد ظهر في الثورات التي شهدتها مصر وتونس العديد من الروابط الاجتماعية التي نشأت على شبكات التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” بين الثوار، وظهر نوع من التضامن والتنسيق بين هؤلاء فيما يخص قضاياهم واهتماماتهم المشتركة، فبعد نجاح ثورة تونس في إزاحة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، ظهرت روابط جديدة بين ثوار تونس وعدد من المجموعات التي تنادي بالتظاهر ضد نظام مبارك، وظهر التلاحم بين المصريين والتونسيين في مواجهة النظم الديكتاتورية، وظهرت العديد من المجموعات المشتركة بين البلدين مثل (مصر وتونس شعب واحد – اتحاد عربى يجمع مصر وتونس)، وبعد اندلاع المظاهرات في ليبيا ضد نظام معمر القذافي، ظهر الدعم العربي لثوار ليبيا، ونشأت الروابط بين هؤلاء الثوار، والمجتمعات العربية، ومن أبرز الصفحات التي عكست هذا التضامن صفحة (مصريون وندعم ثورة ليبيا) والتي ضمت نحو (35687) عضوًا بالصفحة، وجاء في جانب التعريف بالصفحة “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ.. أشقاؤنا في ليبيا يتعرضون لاعتداءات عنيفة من مرتزقة يتبعون القذافي الذي يبرر قتلهم بإهانات وإدعاءات لا تصدر عن عاقل. شعرنا أن علينا أن نفعل شيئا لمساعدتهم كي يتسع وطننا العربي الحر. ولأحبابنا في ليبيا نقول: لقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا في ميدان التحرير، فاثبتوا وأنتم المنتصرون إن شاء الله”، وتركزت مجهودات الصفحة في تقديم الدعم المادي والطبي لثوار ليبيا في مواجهة نظام القذافي، وشن حملات إعلامية ضد القذافي وقواته، ومناصرة الثوار في مطالبهم المشروعة في إزاحة النظم المستبدة.
لذلك يمكن القول أن الشبكات الاجتماعية تؤدي إلى مجتمعات عالمية مبنية على الاهتمامات والمصالح المشتركة، وفي المقابل وتكون نتيجة ذلك إضعاف المجتمعات المحلية، والأُسَر، وعلاقات الجوار والصداقة[17].

خاتمة:

بالرغم من أن الفضاءات الافتراضية التي أوجدتها تلك الشبكات الاجتماعية قد فتحت المجال واسعا أمام العديد من الأفراد والمؤسسات نحو المشاركة الفعالة، والتفاعل البناء، وطرحت على الساحة موضوعات ومجالات وقضايا لم تكن مطروحة للنقاش والتفاعل من قبل، وأتاحت للأفراد فرصة التفاعل المباشر والسريع والمواكب للأحداث والأخبار، وجعلت من كل فرد مرسل ومستقبل في الوقت ذاته، ومكنت الإنسان من التغلب على هيمنة عنصري الزمان والمكان في علاقاته وتفاعلاته وروابطه. إلا أنه يمكن القول أن العالم الإسلامي قد تخلى عن دوره الحضاري في دعم المنجزات الحضارية التي يشهدها العالم، حيث اكتفى العالم الإسلامي، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى المؤسسات والهيئات، بالقيام بدور المستهلك لتلك المنتجات، والمتلقي لما يقدم له، دون المبادرة بالفعل والعمل، واقتصرت معظم مبادرات العمل والفعل لدى العالم الإسلامي على التقليد، والذي بدوره كان نتيجة حدث أو حادثة وقتية، أخذت بريقها ثم اندثرت كغيرها من مبادرات الفعل والعمل، ونماذج ذلك موقع “مللتفيسبوك.كوم” والذي دشّنه مجموعة من الباكستانيون لمنافسة موقع “فيسبوك”، نتيجة الغضب العارم الذي سببته مسابقة أطلقها أحد مستخدمي “فيسبوك” الغربيين لرسم صور تمثل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى موقع “إخوان بوك” الذي أنشأته جماعة الإخوان المسلمين في محاولة لمحاكاة الموقع الأصلي الـ”فيس بوك”.
إننا في حاجة ماسة إلى دور مؤسسي، فاعل ومتفاعل، حاضن ومكمل لدور الأفراد، مع تلك الشبكات الافتراضية الواردة لنا في عالمنا الافتراضي المشترك مع الآخر حول العالم، وما تقدمه لنا من قيم وموضوعات، وما تفرضه أجندة تلك الفضاءات الافتراضية، كما أننا في حاجة ماسة لتقويم الفعل الإسلامي (فعل وتفاعل المنتمين للعالم الإسلامي)، على تلك الشبكات، بغية تحديد الأهداف، وتصحيح المسارات، وتقويم التفاعلات، بل وتقديم القضايا والموضوعات النابعة من أجندتنا واهتماماتنا، حتى نكون قادرين على أخذ زمام المبادرة في السعي والفعل، والخروج من بوتقة التلقي والاستهلاك التي طال زمن ارتباطنا بها في علاقتنا مع الآخر، وخاصة الغرب بقيمه ومنتوجاته.
إننا الآن مطالبون بصياغة مواصفات ومعايير إسلامية.. نحتاج إليها لأننا ننطلق واقعيا من دائرة حضارية إسلامية تاريخيا، جامعة للمسلمين وسواهم وفق أرضية تعايش مشتركة، ويجب أن يجدّد المشـروع الإسلامي الحضاري، صياغة الثوابت –لا اختراعها من جديـد- لوعاء القيم والمعايير التي يحتاج جنس الإنسان إليها في كل عصر وفي كل مكان، ويحتاج إليها الآن، ويجدّد صياغة السبل والآليات المناسبة لوضع ما تم التوصل إليه من تقنيات ومنجزات بشرية في الوعاء الحضاري الإسلامي، ومتابعة الطريق استيعابا وتطويرا وإبداعًا جديدًا[18].
*****

الهوامش:

[1] – Top Sites، منشور على: http://www.alexa.com/topsites، تاريخ الزيارة (10/11/2010).
[2] – حسين فاروق، الشبكات الاجتماعية العربية.. نظرة تقييمية، موقع الألوكة، (17/7/2010)، تاريخ الزيارة: (4/10/2010) (http://www.alukah.net/Culture/10336/23781/).
[3] – عمرو عزت، الشبكات الاجتماعية على الإنترنت.. دوائرنا الافتراضية التي تتلاقى وتتصادم، صحيفة الشروق الجديد، (10/1/2010).
[4] – حسين فاروق، الشبكات الاجتماعية العربية.. نظرة تقييمية، مرجع سابق.
[5] – فهد عبد الرحمن أبوسيف، “الواقع الافتراضي وتقنياته في تعليم المستقبل”، http://www.aviadef.com/article.aspx?magid=47&artid=169&PageIndex=2
[6] – فاطمة طه، المشاركة الإلكترونية شكل من أشكال المشاركة السياسية: البرادعى نموذجا، منشور على: http://www.democraticac.com/2009-10-18-15-51-52/3297-2010-07-31-10-14-05،(21/10/2010).
[7] – http://www.checkfacebook.com
http://www.facebook.com/press/info.php?statistics
https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/EG.html
http://www.census.gov/ipc/www/idb/country.php، تاريخ الزيارة (18/11/2010)
[8] – وزارة التربية والتعليم الأردنية http://www.moe.gov.jo/school/eil/majalah52.htm، تاريخ الزيارة: (16/10/2010)
[9] – آية محمود إسماعيل نصار، “المسلمون والشبكة المعلومات “، مجلة المسلم المعاصر، العدد (128)، ص146.
[10] – إطلاق (مللت فيس بوك) للتواصل بين المسلمين، موقع صحيفة الشروق الجديد، تاريخ الزيارة (21/10/2010)، http://www.shorouknews.com/ContentData.aspx?id=238070
[11] – http://www.facebook.com/pages/hmlt-mlywn-mslm-llslat-ly-rswl-allh-aqsmk-ballh-an-tnshrha/401193465079، تاريخ الزيارة(6/10/2010)
[12] – مهدي البرهومي، الظاهرة الافتراضية.. السياقات النظرية والاتجاهات العملية، موقع الأوان، (20/5/2010)، تاريخ الزيارة: (19/11/2010)، http://www.alawan.org/%D8%A7%D9%84%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9.html
[13] – المرجع السابق.
[14] – المرجع السابق.
[15] – آية محمود إسماعيل نصار، مرجع سابق، ص146.
[16] – مهدي البرهومين مرجع سابق.
[17] – عمر عبد الجبار، الجماعات، الشبكات والمنظمات الحديثة، الموقع الرسمي للدكتور عمر عبد الجبار، http://omar.socialindex.net/intro.html، تاريخ الزيارة في (1/10/2010)
[18]- نبيل شبيب، “الشبكة العالمية ومستقبل المسلمين”، أمتي في العالم، العدد الثاني، ص ص 275-296.

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى