مقدمة عالم مؤسسات الأمة 2008 في حولية أمتي في العالم

يسعى هذا الجزء إلى رصد أحوال الأمة وتحليلها عبر ثلاثة موضوعات أساسية، يتناول أولها العلاقة بين الأمة وبعض المؤسسات السياسية والاستراتيجية المعاصرة، ويتناول الآخر وضعية المؤسسة الدينية الرسمية والمؤسسة الدينية غير الرسمية على التوالي، بينما يتعلق الثالث بنماذج من المؤسسات الثقافية والحقوقية وتفاعلها مع قضايا العالم الإسلامي.
وفيما يتعلق بالمؤسسات السياسية فقد تم التركيز على المؤسسات ذات الصلة الوثيقة بأحوال الأمة، تأثيرًا وتأثرًا، سيما تلك التي تمثل الأمة -دولًا وحكوماتٍ- في مجملها كمنظمة المؤتمر الإسلامي، أو تمثل جزءًا من الأمة كجامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج، أو تمثل الأمة جزءًا منها كالأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.
وهنا، فإنه ليس ثمة شك في أن كلاًّ من منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج إنما تُعنى بأحوال الأمة -كليًّا أو جزئيًّا- بالأساس، ويبين فيها بوضوح ما انتهت إليه هذه الأحوال من قوة أو ضعف، كما يبين فيها، من جانب آخر وبذات القدر من الوضوح، مدى فاعلية هذه المؤسسات ومدى ما أصابها من وهن.
أما الأمم المتحدة، فيركز الرصد والتحليل فيها أساسًا على مجلس الأمن باعتباره الجهاز الأهم فيها من ناحية، وباعتبار أن القضايا الحيوية للأمة في العام موضوع الرصد كانت -بالأساس- محلاًّ لاهتمام هذا المجلس، كقضية القرصنة أمام سواحل الصومال، والوضع في دارفور وإحالة الأمر فيه إلى المحكمة الجنائية الدولية، فضلًا عن قضية العراق وأفغانستان، ثم ما يتصل بالملف النووي الإيراني.
أما الاتحاد الأفريقي، فبحكم عضوية عدد كبير من الدول الإسلامية فيه كان من البديهي أن يهتم ببعض قضايا الأمة، لاسيما منها تلك التي تخص دولًا إسلامية أفريقية، كقضية القرصنة وقضية دارفور. فضلًا عن التعاطف الأفريقي العام مع بعض القضايا الإسلامية الكبرى كقضية فلسطين.
أما المؤسسات الاستراتيجية، فقد اقتصر التركيز فيها على حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، وذلك بحكم كونه المؤسسة الاستراتيجية الأهم في عالمنا المعاصر من جهة، وبحكم تدخله الفعلي في بعض قضايا الأمة الإسلامية -كقضية أفغانستان- من جهة أخرى، فضلًا عن اهتمامه ودوره المحتمل في بعض قضاياها الأخرى كقضية القرصنة أمام سواحل الصومال والملف النووي الإيراني والوضع في دارفور.
ولقد كان من البديهي أن يركز الرصد والتحليل في الجزء الخاص بالمؤسسات السياسية والاستراتيجية على القضايا الكبرى التي تهم الأمة الإسلامية، وعلى الأخص منها القضية الفلسطينية والصراع العربي-الإسرائيلي وما يرتبط به من قضية العلاقة بين سوريا والغرب، وقضية الوضع في السودان عمومًا ومسألة دارفور خصوصًا وما يرتبط بها من إحالة مجلس الأمن القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية لغرض توقيف الرئيس السوداني، وقضية الصراع في الصومال وما ارتبط به أخيرًا من تصاعد لوتيرة ظاهرة القراصنة أمام سواحله، وما ترتب عليها من تهديد للتجارة الدولية وتأثير على اقتصادات الدول الإسلامية ذات الصلة، وقضية الوضع في العراق وأفغانستان، فضلًا عن قضية الملف النووي الإيراني والتهديدات الأمريكية والإسرائيلية في صدده وما ارتبط به من تدخل لمجلس الأمن الدولي. وهنا، فإن هذا الرصد إنما يستهدف دراسة مدى تأثير تلك المؤسسات على أمن الأمة واستقرارها، ومدى قدرتها على مواجهة الأزمات والتحديات التي تواجهها، ومدى فاعليتها وحضورها في هذا الصدد.
أما فيما يتعلق بالمؤسسة الدينية الرسمية، فقد اقتصر الرصد والتحليل، لاعتبارات الوقت والمساحة، على كلٍّ من الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية.
ولعل القضية الأهم خلال عام الرصد في شأن الأزهر الشريف كانت قضية العلاقة بينه وبين الشيعة، والتي راوحت مكانها أكثر من مرة بين تقارب وتباعد، وصولًا إلى الأزمة التي أثارها فليم (إعدام فرعون) وتداعياتها الشديدة. أما دار الإفتاء المصرية، فقد رصد التحليل بعض ما تعرضت له من فتاوى وآراء بصدد مسائل غاية في الأهمية كقضية توريث نظام الحكم، وقضية بيع الغاز لإسرائيل، وغيرها من القضايا التي كانت محلاًّ لاهتمام الشعب المصري.
وفيما يتعلق بالمؤسسة الدينية غير الرسمية، فقد تناول الرصد والتحليل ظاهرة التصوف والحركات الصوفية، مُركِّزًا على الرؤية الغربية لها، والتعاطي الحكومي -إيجابًا وسلبًا- معها. كما تناول أنشطة بعض هذه الحركات سواءً منها ما كانت تعمل بعيدًا عن السياسة أو تلك التي تساهم فيها بدرجة أو بأخرى.
وعلى الجانب الآخر يجري التعريف بعدد من المنظمات الثقافية كالإيسيسكو واليونسكو، واستعراض طرفٍ من مجالات اهتماماتها مثل: التربية والتعليم (اللغة العربية، والأمّية)، والبحث العلمي، والإعلام و صناعة الوعي، وما أنجز في هذا، وجانبٍ من قضاياها الرئيسة: حوار الحضارات، والهجرة والعولمة، والإساءة للإسلام في الغرب، وقضايا اهتمت بها منظمة العفو الدولية والمنظمة العربية لمعلومات حقوق الإنسان مثل ما يثار عن تطبيق أحكام الشريعة أو الحدود الجنائية في بعض الدول كإيران، وأسلوب هذه المنظمات في تناول أزمة دارفور، وما تدل عليه المعالجات والاختيارات والأولويات.

خلاصة الرصد:

استعرض الرصد، فيما يتعلق بالمؤسسات السياسية والاستراتيجية، ما انتهت إليه كل من قمة منظمة المؤتمر الإسلامي التي عقدت في العاصمة السنغالية دكار في الفترة 13-14 مارس 2008، والقمة العربية التي عقدت في العاصمة السورية دمشق في الفترة 29-3. مارس 2008، وقمة الاتحاد الأفريقي التي عقدت في مدينة شرم الشيخ المصرية في الفترة 29 يونيو- 1 يوليو2008، وقمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والتي عقدت في العاصمة العمانية مسقط في الفترة 29 – 30 ديسمبر 2008، فضلًا عن قمة حلف شمال الأطلنطي (الناتو) والتي عقدت في العاصمة الرومانية بوخارست في الفترة 3- 4 أبريل من ذات العام.
وقد بان منه ومما اقترن به من تحليل أن مؤسسات الأمة هي من الضعف وانعدام الفاعلية بمكان، إلى الحد الذي ظل فيه التعامل مع قضايا الأمة ومشاكلها الأساسية تعاملًا لفظيًّا ليس أكثر. حيث اكتفت هذه المؤسسات بإصدار قرارات وبيانات شديدة العمومية، تعبر فيها عن القلق، وتحذر فيها من التداعيات، وتؤكد فيها على مواقف سابقة لها، دون أن تحوي واحدة منها أي خطوات أو إجراءات تنفيذية تهدف إلى عملٍ جادٍ وفعال لمعالجة الأزمة أو المشكلة المعروضة.
بل إن التعامل اللفظي ذاته قد تأخر كثيرًا جدًّا دون أدنى مبرّر موضوعي أو عقلاني في العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة والذي بدأ في 27 ديسمبر 2008، ثم انقضت الأيام الخمسة المتبقية من العام – محل الرصد- دون أن يجتمع وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي مجرد اجتماع، واجتمع نظراؤهم العرب في اليوم الأخير من العام (31 ديسمبر) بعد خمسة أيام كاملة من بداية المذبحة في غزة.
ثم أبانت الأيام التالية -وإن كانت تخرج عن الرصد فإنها ذات علاقة وثيقة به- عن مدى التخبط والتفكك والوهن فضلًا عن الانعدام الكامل للفعالية في أداء هذه المؤسسات، لاسيما المؤسسة ذات الصلة الأكثر مباشرة بالأمر؛ وهي جامعة الدول العربية. والحق أن ما يقال بشأن العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة وإخفاق مؤسسات الأمة الكامل في التعامل معه، لا يختلف إلا في الدرجة عن إخفاقات مماثلة أبان عنها الرصد فيما يتعلق بباقي مشكلات الأمة وأزماتها.
أما الأمم المتحدة -لاسيما مجلس الأمن- وحلف شمال الأطلنطي، فقد أبان الرصد أن الأمة فيهما مفعولٌ به وليست فاعلًا. فقضاياها تعرض عليهما بالشكل والكيفية وفي التوقيت الذي يراه الفاعلون المسيطرون على هذه المؤسسات وعلى هيكل صنع القرار فيها. وليس أدل على ذلك -على سبيل المثال- من أن مجلس الأمن قد أصدر عدة قرارات استنادًا إلى الفصل السابع من الميثاق في شأن إحالة الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفي شأن مكافحة القرصنة أمام سواحل الصومال، ولم يحرك ساكنًا طوال أحد عشر يومًا من بدء المذبحة الإسرائيلية في قطاع غزة، وحين أصدر قرارًا في اليوم الحادي عشر جاء قرارًا ضعيفًا غير مستند إلى الفصل السابع وليس به أية آليات لضمان تنفيذه وإجبار الأطراف على احترامه.
وفيما يتعلق بالمؤسسات الدينية، الرسمية وغير الرسمية، فقد أبان الرصد عن عدد من الإيجابيات تمثلت في محاولات تحقيق التقارب السُّنّي-الشيعي، وبعض الفتاوى الخاصة بقضايا معاصِرة تهمّ المسلمين في حياتهم، فضلًا عن جهود لجعل حركات التصوف أكثر التصاقًا بالواقع وتفاعلًا معه.
وفي المقابل، أبان عن عدد من السلبيات تمثلت في طغيان الاعتبارات السياسية على أداء بعض هذه المؤسسات متأثرة في ذلك بالمواقف الرسمية للدول، ولو أدى الأمر إلى الإضرار بالمصالح العامة للأمة؛ كما تجلى في أزمة فيلم (إعدام فرعون) وموقف الأزهر الشريف منها، ومواقف بعض الحركات الصوفية الداعمة لسياسات حكوماتها، والقائلة- في ذات الوقت- بأنه لا علاقة لها بالسياسة.
ومما تجدر الإشارة إليه في ختام هذه المقدمة، أن اعتبارات الوقت والمساحة كانت حاكمة للغاية فيما انتهى إليه الرصد والتحليل. فكل من المؤسسات السياسية والاستراتيجية، والمؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية في العالم المعاصر، هما من الكثرة والاتساع بمكان. كما أن القضايا المعروضة عليهما وكيفية تعاملهما معها والآثار التي ترتبت على ذلك، أو يمكن أن تترتب عليه، هي أيضًا من الضخامة بمكان. ومن ثم، فقد كان لزامًا علينا أن نحدد وأن نوجز.

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2009

للتحميل اضغط هنا 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى