قراءة في كتاب (تشكيل العلاقات الدولية العالمية: أصول حقل العلاقات الدولية وتطوره في ذكراه المئوية)

ترجع أهمية الكتاب إلى توقيته ومكانة مؤلفيه؛ فقد صدر الكتاب في نسخته الإنجليزية عام 2019 في الذكرى المئوية لتأسيسس علم العلاقات الدولية (يُشير الكتاب إلى أن هذا التاريخ أسطورة، وأن الحقل في الواقع سابق على هذا التاريخ)، وعلاوة على ذلك، فقد جاء الكتاب والعالم يموج بالتغيرات، بل بالتحولات أو ببداياتها على الأقل في بنية النظام الدولي (ونضيف العالمي) في رأي العديد من المحللين والدارسين بالنظر إلى صعود قوى كبيرة كالصين والهند.

والمؤلفان مشهود لهما بالمكانة الكبيرة في تخصص العلاقات الدولية لإنتاجهما العلمي الضخم الممتد عبر ما يزيد على ربع قرن على الأقل، بالإضافة إلى تدريسهما في كبرى الجامعات في الولايات المتحدة وكندا.

هدف هذا الكتاب ليس تقديم رواية شاملة عن ظهور حقل العلاقات الدولية خارج السياق الغربي، بل هو تقديم نظرة عامة واسعة النطاق عن بعض الموضوعات الرئيسة والمراكز المؤسسية لحقل العلاقات الدولية الموجودة في مناطق خارج أوروبا وأمريكا الشمالية. لقد صُمم هذا الكتاب ليكون جزءً من التفكر في الذكرى المئوية لتأسيس حقل العلاقات الدولية، وللمساهمة في هذا النقاش عبر طرق رئيسة ثلاث:

1 – تعميق المساءلة الحالية لرواية العام 1919 لتأسيس حقل العلاقات الدولية، وتوفير إطار بديل متعدد الطبقات لتطور هذا الحقل المعرفي.

2 – ربط تطور العلاقات الدولية بوصفها حقلا معرفيًا ( (IRبالممارسة الفعلية للعلاقات الدولية  (ir) ابتداءً من القرن التاسع عشر، وذلك لإظهار مدى الدقة التي عکست بها العلاقات الدوليةُ IR النظام الدولي الموجود عبر الزمن.

3 – الانفتاح على الرواية المُهْمَلَة بشأن التفكير في العلاقات الدولية، والتي جرت فصولها خارج السياق الغربي طوال الفترة قيد الدراسة.

كما يوفر الكتاب أيضًا نصًا تمهيديًا متكاملا عن تاريخ وتطور حقل العلاقات الدولية، وتطورها بوصفها تخصصًا معرفيًا.

ويتبع هذا التقرير نهجًا مختلفًا بعض الشيء عما هو متعارف عليه في عرض الكتب من تتبع الفصول وموضوعاتها بالتسلسل. ذلك أنه بدأ بأسئلة الكتاب المركزية والفرعية وإجاباته عليها، ثم تأتي أسئلتنا “نحن” المهتمين والمشتغلين بالعلوم السياسية عمومًا، والعلاقات الدولية على وجهٍ خاص عن موضعنا في الكتاب.

ولذلك يأتي العرض في جزئين: الأول يتناول بنية الكتاب وأسئلته وإجاباته، ويُناقش المسار نحو حقل علاقات دولية عالمي: الأبعاد والأجندة البحثية، وكيف يمكن لحقل العلاقات الدولية أن يصبح عالميًا؟ هذا مع الإشارة إلى محاذير ومخاطر هذا المسار: النظرية لمن ولماذا، اليوم وغدًا؟

أما الجزء الثاني من العرض، فيُناقش سؤالا مفاده: أين نحن في الكتاب الذي بين أيدينا، وفي حقل العلاقات الدولية؟ وكيف نُحسن من وضعنا النسبي؟ كما يورد هذا الجزء بعض الملاحظات على تناول الكتاب للحقل الأكاديمي للعلاقات الدولية فيما يوصف بالشرق الأوسط، ووضعنا نحن المصريين والعرب في هذا الحقل مقارنةً بغيرنا من دول الجوار بإيجاز، وكيف نحسن من هذا الوضع بالاستفادة من التجربتين الصينية والهندية في بدايتهما؟

وقبل الختام، يورد التقرير بعض الملاحظات الشكلية الموضوعية عن الترجمة والغلاف، وشبكة الإحالات المرجعية، وتحيز أحد المؤلفين ضد ذاته.

الجزء الأول: بنية الكتاب وخريطته

جاء الكتاب في شكل خمسة أزواج من الفصول، يُغطي كل زوجٍ منها فترة زمنية واحدة:

  • فترة القرن التاسع عشر حتى العام 1919.
  • فترة 1919-1945.
  • فترة 1945-1989.
  • فترة 1989-2017.
  • فترة ما بعد العام 2017.

في كل فترة من الفترات الخمس فصلان؛ يتناول أولهما التاريخ الدولي لممارسة العلاقات الدولية ir المتعلقة بتلك الفترة، ويوضح ثانيهما تطور العلاقات الدولية باعتبارها تخصصًا معرفيًا IR؛ وكيف ارتبط هذا التطور بتاريخ عصره.

من الأسئلة المركزية في الكتاب: متى، وكيف، ولماذا، اكتسب حقل العلاقات الدولية بنيته المركزية الغربية المشهورة؟

وتأتي إحدى مقولات الكتاب الأساسية وإجابته على هذا السؤال المركزي؛ لتقرر أن تطور حقل العلاقات الدولية اقتفى، في الواقع، أثر طبيعة العلاقات الدولية وممارساتها على نحوٍ لصيق. فبالنظر إلى أن حقل العلاقات الدولية كان له دائمًا روابط قوية بالأحداث الجارية وعملية صنع السياسة الخارجية، فإن هذا الارتباط ليس هو الشيء المفاجئ في حد ذاته على نحوٍ خاص، وأنه على الرغم من المبالغة في التبسيط، فإن القول بأن التيار السائد لنظرية العلاقات الدولية المعاصرة ليس أكثر بكثير من أن يكون تجريدًا مستمدًا من التاريخ الغربي المتداخل للنظرية السياسية الغربية يظل قولا صحيحًا على نحوٍ عام. فالواقعية هي فكرة تجريدية تتأتى من ميزان القوة الأوروبي للقرن الثامن عشر من السلوك المقترن بالقرنين السادس عشر والسابع عشر، وبالطبع، من النظرية السياسية اليونانية القديمة. أما الليبرالية، فهي فكرة تجريدية تتأتّى من المنظمات الحكومية الدولية للقرنين التاسع عشر والعشرين، ومن نظريات الاقتصاد السياسي. وفي حين أن الماركسية تعد تجريدًا من فرعٍ آخر ينبثق من نظريات القرنين التاسع عشر والعشرين الأوروبية المتعلقة بالاقتصاد السياسي وعلم الاجتماع التاريخي، فإن المدرسة الإنجليزية عبارة عن تجريدٍ ينبثق من السلوك الدبلوماسي الأوروبي في القرن التاسع عشر ومن تقليد أوروبي طويل للنظرية القانونية القائمة على افتراض أن كل قانون؛ بما في ذلك القانون الدولي، يستلزم وجود مجتمع. ومن الواضح أن البنائية ليست تجريدًا منبثقًا من الممارسة الغربية، ولكنها نظرية مستمدة من فلسفة المعرفة الغربية. لقد بُني حقل العلاقات الدولية -إلى حدٍ بعيد- على افتراض أن التاريخ الغربي والنظرية السياسية الغربية هما تاريخ العالم ونظريته السياسية أيضًا.

ماذا لو؟

ويطرح المؤلفان في مقدمة الكتاب سؤالا ذكيًا عن الشكل الذي كانت ستبدو عليه نظرية العلاقات الدولية “لو” تطور هذا التخصص المعرفي في الصين، أو العالم الإسلامي؟

ويُجيبان بأن الصين، على سبيل المثال، لديها تاريخ ونظرية سياسية مختلفان جذريًا عن التاريخ والنظرية السياسية الغربيين. ففي حين أن التفكير والممارسة الغربيين قد انجذبوا أكثر نحو قضايا السيادة والإقليمية؛ والفوضى الدولية  International Anarchyوالحرب؛ والمجتمع الدولي، فقد وُجهت النظرية والممارسة الصينيتان على نحوٍ كبير صوب قضايا الوحدة والتسلسل الهرمي؛ وتيانكسيا Tianxia (كل ما تحت السماء). فقد جسدت الحرب والدبلوماسية والتجارة في النظام الصيني ممارسات وفهومًا مختلفةً تماما عن تلك الموجودة في الغرب، وأدى ما يُصطلح على تسميته الآن بـ«القوة الناعمة» دورًا كبيرًا جدًا في ذلك. كان ادعاء الصين بأنها تُمثل المملكة «الوسطى» تأكيدًا على التفوقين الثقافي والمادي على حد السواء، وأن الممارسة والتفكير الصينيين لا ينسجمان على نحوٍ مريح مع المفاهيم الغربية مثل: القوة الكبرى، والإمبراطورية، والهيمنة (ص23).

وفي لمحةٍ خاطفة حمالة أوجه، يرى المؤلفان أنه “لو أن حقل العلاقات الدولية انبثق من التاريخ الإسلامي ونظريته السياسية، لربما كان سيركز أكثر على المجتمع العالمي بدلا من نظام الدول الإقليمية ذات السيادة. وكما تُظهر رحلات ابن بطوطة في القرن الرابع عشر، فقد امتد مجتمع العالم الإسلامي من إسبانيا إلى الصين؛ وعبره كان يمكن للفرد السفر على نحوٍ أكثر أو أقل أمانًا، وكان الجميع يعترف بمكانته واحترامه على طول الطريق” (ص 23).

وعلاوةً على ذلك، يذهب الكتاب -تأكيدًا على ما سبق- إلى أنه قد ظهرت خلال العقود القليلة الماضية أدلة أخرى على أن التاريخ الغربي والنظرية السياسية الغربية لا يُمثلان على نحوٍ كافٍ بقية العالم، خصوصًا مع اکتساب دراسة حقل العلاقات الدولية شعبيةً في أنحاء العالم. إذ تُظهر الأبحاث الجارية في حقل العلاقات الدولية في كلٍ من أمريكا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا انفصالاً متزايدًا بين مفاهيم حقل العلاقات الدولية السائدة المطورة في الغرب -بما في ذلك مفاهيم الدولة القومية، والقوة، والمؤسسات والمعايير- والحقائق التي يُدركها ويُحللها الباحثون المحليون في تلك المناطق المختلفة.

ويستمر الكتاب في طرح الأسئلة والإجابات، فبالنظر إلى أن حقل العلاقات الدولية يُفْتَرضُ أن يكون من أكثر العلوم الاجتماعية عَالَمِيَّةً، فكيف ظهرت فيه –إذن- هذه البنية غير المتوازنة؟ يمكن العثور على الإجابة الخاصة بهذا السؤال وإدراك الكيفية التي يمكن عن طريقها أن يُعيد حقل العلاقات الدولية التوازن لنفسه، في الصلة الكامنة بين العلاقات الدولية بوصفها حقلا معرفيًا والعلاقات الدولية بوصفها ممارسة عملية خلال القرنين الماضيين. فخلال القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى، نُظمت -وعلى نحوٍ مكثف- طبيعة العلاقات الدولية وممارساتها من خلال علاقة غير متكافئة بحدة بين مركز/محور  Coreصغير نسبيًا ولكنه قوي جدًا، وأطراف Periphery كبيرة ولكنها ضعيفة نسبيًا. يتمثل المركز أساسًا في العالم الغربي بالإضافة إلى اليابان، وقد كانت ممارساته تنبني على الفصل الجامد بين “الدوَلِ المُتَحَضّرَة” التي شكلت المجتمع الدولي، والمجتمعات “البَرْبَرِيَّة” التي لا تعتبر جزءً من المجتمع الدولي.

نحو حقل علاقات دولية عالمي: الأبعاد، والأجندة البحثية

ماذا يقصد الكتاب في عنوانه “تشكيل العلاقات الدولية العالمية” بالعالمية؟ يرى المؤلفان أن «العالمية» في «حقل العلاقات الدولية العالمي ليست مجرد تعبير جغرافي أو موضوعي (قضية مناطق). بالطبع، فإن لمصطلح «عالمي» في معناه القاموسي دلالة على الارتباط بالعالم بأسره» و”يتعلق أو يشمل كل شيء، أو مجموعة من الأشياء”، كما يمكن أن يعني مصطلح “عالمي” أيضًا “كوني” و”شامل” (لكل من الجهات الفاعلة وقضايا المناطق) أو في جميع أنحاء العالم، إننا معنيون هنا بما هو أكثر من ذلك. إن العالمية هي أيضًا مفهوم يجمع بين الذوات، ويحمل معنى الترابط والروابط بين الجهات الفاعلة؛ مثل الدول والمجتمعات، وبين المناطق؛ مثل الأقاليم والنظام العالمي. وهو يعني أيضًا النظر إلى أصول ومعاني المفاهيم والممارسات من خلال الانتباه إلى تواريخها ومظاهرها المستقلة والمقارنة والمترابطة، كما يعني على نحوٍ خاص سد الفجوة بين الفهم السائد والفهم المهمل لمفاهيم ونظريات العلاقات الدولية.

وفي رأى المؤلفين، يدور تنظير وممارسة حقل العلاقات الدولية العالمي حول سبعة أبعاد رئيسة:

  • إن حقل العلاقات الدولية العالمي يقوم على التعددية الكونية: “لا تنطبق على كل شيء”، ولكنها تعترف وتحترم تنوع الجنس البشري. يدعو حقل العلاقات الدولية العالمي إلى فهمٍ جديد للعالمية أو الشمولية.

وهنا يلزم بعض التفصيل، فالمعنى السائد للعالمية في العلاقات الدولية اليوم هو التجانس، ويحمل معنى «ينطبق على الجميع». وهذا الفهم السائد يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعالمية التنوير. وكما قال روبرت كوكس (يكثر الكتاب من الاستشهاد به في هذا الموضوع): “في التنوير المعنى العالمي يعني الصواب في كل زمانٍ ومكانٍ- منظور الحقيقة المتجانسة”. وكان لهذه العالمية أيضًا جانب مظلم: قمع التنوع، وتبرير الإمبريالية الغربية من خلال إضفاء الطابع العالمي على “معيار الحضارة” الأوروبي. وفي منهج ونظرية العلاقات الدولية، وضع حقل العلاقات الدولية الغربي المعيار العالمي الذي استُخدم وسيلة لوضع المعايير، كما مارس دور حارس البوابة بالنسبة إلى التخصص، مُهَمشًا بذلك السرديات والأفكار والمنهجيات البديلة.

ويذهب المؤلفان إلى أن كوكس يقدم مفهومًا بديلًا للعالمية يقوم على «فهم واحترام التنوع في عالم دائم التغير». حيث ترفض هذه العالمية الانقسام الخاطئ والمستوحى من السياسة بين العالمية والنسبية؛ إن نقيض العالمية المتجانسة ليس النسبية بل التعددية؛ لأن العالمية التعددية تنظر إلى حقل العلاقات الدولية باعتباره تخصصًا عالميًا له أسس متعددة. لكن هذه ليست تعددية مثل تلك التي فُهمت في الكتابات الحديثة بشأن نظرية العلاقات الدولية، إن التعددية في حقل العلاقات الدولية العالمي لا تعني النسبية أو قبول مجموعة متنوعة من النظريات للتعايش أو السعي إلى الوحدة أو التوليف بين النظريات، أو السعي وراء «الانتقائية التحليلية»، كما أنها ليست فقط ما يسميه تيم دن Tim Dunne وليني هانسن Lene Hansen وکولین وایت Colin Wight بـ «التعددية التكاملية» التي تقبل وتحافظ على صحة مجموعة واسعة من المنظورات النظرية وتحتضن التنوع النظري كوسيلة لتوفير رؤى أكثر شمولا ومتعددة الأبعاد للظواهر المعقدة.

إن التعددية في حقل العلاقات الدولية العالمي لا تقبل وتحافظ على النظريات الموجودة كما هي، ولكنها تتوقع منها واجب الاعتراف بمكانة وأدوار ومساهمات الشعوب والمجتمعات غير الغربية. وبهذا المعنى، فإن حقل العلاقات الدولية العالمي يقوم في الحقيقة أكثر حول التعددية داخل النظريات، وليس فقط حول التعددية فيما بينها (ص 453-455).

بالإضافة إلى ان توسيع جينيالوجيا (أنساب) المفاهيم الرئيسة لحقل العلاقات الدولية عبر مصادر متعددة وفي أوقاتٍ مختلفة، سيكون من ثم عنصرًا حاسمًا في حقل العلاقات الدولية العالمي، وهو عنصر يمتد إلى زمنٍ أبعد بكثير من القرنين اللذين غطاهما هذا الكتاب (ص 456).

2 – إنه مُتأصل في تاريخ العالم، وليس فقط في التاريخ اليوناني الروماني أو الأوروبي أو الأمريكي، ويحترم الزمن والسياق التاريخي.

3 – إنه يستوعب نظريات ومناهج حقل العلاقات الدولية الموجودة بدلا من أن يحل محلها، ويهتم بكلٍ من الأسباب والنتائج المادية والفكرية المعيارية.

4 – إنه يدمج في حقل العلاقات الدولية دراسة الأقاليم والنزعة الإقليمية ودراسات المناطق.

5 إنه يتحاشى المفاهيم والنظريات التي تقوم فقط على الاستثنائية أو الثقافة الوطنية. (بعد إشكالي يحتاج للدراسة والبحث)

6 – إنه يعترف بأشكالٍ متعددة من الفاعلية تتجاوز الدولة والقوة المادية، بما في ذلك المقاومة والعمل المعياري والبنى المحلية للنظام العالمي.

7 – إنه يستجيب للعولمة المتزايدة في العالم، ليس فقط من حيث انتشار الثروة والقوة والسلطة الثقافية، ولكن أيضًا من حيث الترابط المتزايد والمصائر المشتركة.

الأجندة البحثية

طرح أميتاف أشاريا عناصر معينة تصلح -من وجهة نظره- أجندة بحثية لحقل العلاقات الدولية العالمية في عمل سابق له وذره في هذا الكتاب، وهي:

  • اكتشاف أنماط، ونظريات، ومناهج جديدة من تواريخ العالم.
  • تحليل التغيرات الحاصلة على مستوى توزيع القوة والأفكار بعد أكثر من مائتي عام من الهيمنة الغربية.
  • استكشاف العوالم الإقليمية في تنوعها الكامل وترابطها.
  • التعامل مع الموضوعات والمناهج التي تتطلب تكاملا جوهريًا وموضوعيًّا للمعرفة المتخصصة ودراسات المناطق.
  • دراسة كيفية تداول الأفكار والمعايير بين المستويين العالمي والمحلي.
  • التحقيق في التعلم المتبادل بين الحضارات، والذي يوجد عنه دليل تاريخي أكثر مما يوجد بشأن «صدام الحضارات».

وهو يرى أن هذه الموضوعات الستة قد تكون نقطة انطلاق جيدة للمحادثات والمناقشات الضرورية لتوسيع نطاق هذا التخصص، فهي ليست مواضيع شاملة بأي حالٍ من الأحوال. بدلا من ذلك، يجب أن تظل فكرة حقل العلاقات الدولية العالمي مظلة واسعة ومفتوحة للمنافسة، والتفسير، والتوضيح، والتوسيع (ص 466).

كيف يمكن لحقل العلاقات الدولية أن يصبح عالميًا؟

يرى المؤلفان أنه لكي يصبح حقل العلاقات الدولية عالميًّا، يجب عليه أن يبذل جهدًا كبيرًا لإعادة تأسيس نفسه مرةً أخرى. فالتأسيسان الأول والثاني لهذا التخصص الحديث حدثا خلال حقبة ذروة الهيمنة الغربية. لقد جرى كل من التأسيسين: الأول (1919-1945)، والثاني (1945-1989) في المركز، واشتملا على تطورات مؤسسية تركزت على نحوٍ رئيس في الدول الناطقة باللغة الإنجليزية. وقد عكست كلٌّ من مؤسسات حقل العلاقات الدولية وموضوعاتها ونظريتها مصالح ووجهات نظر تلك القوى المركزية المهيمنة. وهكذا شُكل حقل العلاقات الدولية بقوة من خلال كلٍ من قضايا وممارسات العلاقات الدولية التي حُددت -إلى حدٍ كبير- من قبل القوى الكبرى الغربية، ومن خلال رؤية تاريخ العالم على أساس أنه امتداد للتاريخ الأوروبي. وللإجابة عن سؤال روبرت كوكس الذي أُثير في القسم السابق، فقد صُمم حقل العلاقات الدولية على نحوٍ مؤسسي، ونظري، ومن حيث نظرته إلى التاريخ من قبل دول المركز ولأجلها. فمنذ تأسيسه، عكس هذا التخصص المعرفي -ولا يزال- السياق الذي وضعته تلك البلدان، والذي تمظهر في مجتمع دولي عالمي استعماري وشبه استعماري، مُؤَسس على ثنائية المركز – الأطْرَاف شديدة الفصل. ومن ثم، فإن منظورات واهتمامات دول المركز متجذرة بعمقٍ في هذا التخصص.

ولا يعتبر المؤلفان قول هذا بمثابة نقد معياري بقدر ما هو ملاحظة تاريخية وبنيوية. وفي ظل ظروف تأسيسه، كان سيُعد مدهشًا أن يتخذ حقل العلاقات الدولية منذ نشأته شكلاً عالميًا حقيقيًا بالمعنى الذي نُطلق عليه هنا. وبالنسبة إلى حقل العلاقات الدولية، ليس من المستغرب أن يعكس التخصص الأكاديمي الظروف الاجتماعية المحيطة به خاصةً خلال مراحل تكوينه. ولذا؛ فإن النقطة في رأيهما لا تكمن في نقد ماضي هذا الحقل المعرفي، بقدر ما تكمن في الإشارة إلى المكان الذي يجب أن ينتقل إليه انطلاقًا من هنا، وذلك من أجل الخروج من خصوصيات تأسيسه.

وهما يريان أن عملية إضفاء الطابع المؤسسي على حقل العلاقات الدولية على مدى عدة عقود حتى الآن لم تنشر التخصص خارج المركز فقط، بل بنت أيضًا شبكات وهياكل عالمية حقيقية. فقد نجحت هذه التطورات في تآكل الفصل المبكر لحقل العلاقات الدولية الخاص بالأطراف عن ذلك الموجود في المركز. وهناك الكثير مما يجب فعله قبل فعل أي شيء؛ مثل: تكافؤ الفرص في أنحاء العالم، بيد أن تطورات حقل العلاقات الدولية في الصين وتركيا وأمريكا اللاتينية وأماكن أخرى تتحرك في الاتجاه الصحيح؛ حيث يُرحب بهذه التطورات المؤسسية على نحوٍ عام، ودعمها إلى حدٍ ما، من قبل مجتمعات حقل العلاقات الدولية في المركز، وقد دُمجت في المؤسسات العالمية، ويُنظر إليها عمومًا على أنها فرصة لتوسيع التخصص أكثر من كونها تمثل أي نوع من التهديد من الناحية المؤسسية -بحسب رأيهما.

وفي تفاؤلٍ حذر، يذهب المؤلفان إلى أنه يبدو الطريق نحو حقل العلاقات الدولية العالمي سلسًا نسبيًّا، على رغم أنه طويل. وربما تكون العقبة الرئيسة هي كيفية الجمع بين “مجتمعات” حقل العلاقات الدولية في الدول الاستبدادية -حيث تُخترق المنظمات الأكاديمية بشكلٍ كبيرٍ من قبل الحكومات- مع “المنظمات” الموجودة في الدول الديموقراطية التي تتمتع بقدرٍ أكبر من الاستقلال الذاتي باعتبارها منظمات عضوية مستقلة. وتعد الصين النموذج الحالي الواضح لهذه الإشكالية على حد قولهما؛ وهو قول يعكس -مرةً أخرى- بعضًا من هواجس المركز (الذي يعيش المؤلفان فيه، ويدرسان في جامعاته) ومخاوفه من الصعود الصيني، وهذه الملاحظة لا تنفي الطبيعة الاستبدادية والقبضة الحديدية التي تُمسك بكل الحقول العلمية في الصين.

ويتبنى المؤلفان الرأي القائل بأنه “لا يمكن أن توجد في الدول الاستبدادية دراسة للعلاقات الدولية أو للسياسة الخارجية، إلا باعتبارها تفسيرًا وتبريرًا لسياسة الدولة” (ص222). والحق أن هذا الرأي يعبر عن جانبٍ كبير من التاريخ والواقع الدولي، ولكن هناك استثناءات في صورة سعي بعض المدارس لتجاوز هذا السقف الاستبدادي، تطلعًا لدورٍ كفاحيٍ حضاري لا يستسلم للواقع المليء بالمُحبِطات ولكن ذلك لم يكن دون تضحيات بل وضحايا.

محاذير ومخاطر: النظرية لمن ولماذا، اليوم وغدًا؟

ثمة بالطبع محاذير ومخاطر مرتبطة بحقل العلاقات الدولية العالمي، والتي تتطلب مزيدًا من الاهتمام والنقاش. ولاستدعاء مقولة روبرت كوكس “النظرية هي دائما لشخصٍ ما ولغرضٍ ما”، لمن هو، إذن، حقل العلاقات الدولية العالمي ولأي غرضٍ جاء؟ من بين المخاوف الأخرى المتعلقة بحقل العلاقات الدولية العالمي، فإن ما يلي جدير بالملاحظة على نحوٍ خاص كما يذكر المؤلفان:

  • خطر التركيز حصريًا -أو على نحوٍ أساسي- على الدول غير الغربية الأقوى والأكثر ثراءً بالموارد كالهند والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا وتركيا وما إلى ذلك؛ حيث تتقدم أبحاث حقل العلاقات الدولية على نحو أسرع مع إهمال البلدان الأضعف في العالم النامي. وظهور المدرسة الصينية لحقل العلاقات الدولية لهو مثال شاهد.
  • إمكانية تكرار الأفكار الغربية أو إعادة إنتاجها مع تعديلاتٍ طفيفة. وقد ينتهي الأمر بحقل العلاقات الدولية العالمي إلى عولمة نظريات ومفاهيم حقل العلاقات الدولية التقليدي، على الرغم من ملء المحتوى الجديد من خلال جمع المفاهيم حول العالم. وقد يثير هذا أيضًا تساؤلات بشأن المزاعم الانعتاقية لحقل العلاقات الدولية العالمي.
  • صعوبة دراسة جميع الأمم والحضارات وقضايا المناطق في إطارٍ واحد، خاصةً مع الاختلافات الثقافية والسياسية والاقتصادية الكبيرة القائمة بين المجتمعات والمناطق.
  • خطر جعل حقل العلاقات الدولية واسعًا للغاية، مما يُقلل من قيمته التحليلية ويجعل بناء النظرية أمرًا صعبًا.
  • من خلال التطلع إلى بناء سردية مشتركة والسعي إلى إنهاء إقصاء البقية، قد يصرف حقل العلاقات الدولية العالمي الانتباه عن أشكال الاستبعاد الأخرى والأكثر تحديدًا، مثل الجنس والعرق… إلخ (ص 475).

 

الجزء الثاني: أين نحن في الكتاب، وفي حقل العلاقات الدولية؟

 وكيف نُحسن من وضعنا النسبي؟

المقصود بنحن هنا بشكلٍ عام: العرب والمسلمون، والمصريون بشكلٍ خاص. يُلاحظ في تناول الكتاب للحقل الأكاديمي للعلاقات الدولية فيما يوصف بالشرق الأوسط ما يلي:

  • يذهب المؤلفان إلى أنه في معظم أنحاء العالم العربي، ظل الحقل الأكاديمي للعلاقات الدولية ضعيف التطور إما بسبب الفوضى السياسية وإما السيطرة الاستبدادية.
  • خارج العالم العربي، يرى الكتاب هذا الحقل الأكاديمي تطور على نحوٍ كبير في إسرائيل وتركيا، وحتى إلى حدٍ ما في إيران، غير أنه في تركيا وإسرائيل كان ذلك الحقل متكاملا إلى حدٍ كبير مع حقل العلاقات الدولية في المركز.
  • يشير الكتاب إلى أن فترة ما بعد الحرب الباردة شهدت إمكانية أن يكون الإسلام مصدرًا غنيًا محتملا لتفكير حقل العلاقات الدولية في المنطقة.
  • تأكيد المؤلفين أن الباحثين منقسمون بشأن كيفية «إقحام الإسلام» داخل هذا التخصص. فبعض الباحثين يرفضون فكرة نظرية العلاقات الدولية الإسلامية باعتبارها نظرية متميزة بسبب موقفها الغامض من مكانة الدولة القومية. إذ يُحاجج شهربانو تادجباخش Shahrbanou Tadbakhsh (أحد الباحثين الإيرانيين بفرنسا) بأن “النموذج الكلاسيكي لنظرية العلاقات العلاقات الإسلامية لا ينسجم مع الدول القومية الموروثة التي تشكلت بالمنطقة نتيجة للاستعمار والتحديث”. ومن ثم، فإن الإسلام قد بَنَى رؤيته الخاصة للعلاقات الدولية… باعتبار أن الإسلام رؤية للعالم وباعتباره متغيرًا ثقافيًا ودينيًا وفكريًا، سعى إلى أساسٍ مختلف للحقيقة والحياة الجيدة التي يمكن أن تقدم بدائل لنظرية العلاقات الدولية الغربية.
  • يورد الكتاب الرأي القائل بأنه يجب أن يُنظر إلى نظرية العلاقات الدولية الإسلامية على أنها “نظرية نسقية (معيارية)”، لا تتعلق بكيفية تفاعل الدول بعضها مع بعض أو كيفية تأثير النظام في الدولة ولكنها… تمثل بالأحرى مفهومًا للنظام العالمي الذي يُركز على العلاقات بين المسلم العربي وغير المسلم العربي، وكيف ينبغي ترتيب هذا العالم.
  • كما يُشيران إلى رؤية أحد الباحثين الإيرانيين السابق الإشارة إليه بأن الرؤية الإسلامية للعالم تختلف كثيرًا عن المفاهيم المعاصرة الموجودة في حقل العلاقات الدولية؛ بحيث لا يمكنها أن تنسجم مع النظريات الموجودة. ومن ثم يجب التعامل مع الإسلام كنموذج فكري خاص للنظرية الدولية.
  • ولكن على الرغم من هذا الارتياب، فإنه من الممكن ربط الإسلام بمفاهيم حقل العلاقات الدولية وتوظيف الرؤية الإسلامية للعالم من أجل بناء نظرية إسلامية للعلاقات الدولية -وهي نظرية مبنية على قوة الأفكار؛ مثل: الإيمان؛ والعدالة؛ والسعي نحو الحياة الجيدة؛ والأخلاق الدينية في مقابل السعي وراء المصالح المادية والسلطة في حد ذاتها.
  • يُحاجج شهربانو تادجباخش، المشار إليه، بأن نظرية العلاقات الدولية الإسلامية يمكن أن تستند إلى مصادر كلاسيكية مثل القرآن والحديث والسنة والاجتهاد وإلى الأصولية والحداثة؛ وكلاهما “رجعي ودفاعي” -بحسب زعمه. وهي تهمة جاهزة ومعلبة توجه إلى كل من يسعى إلى استلهام المصادر الإسلامية في العلوم الاجتماعية، ولا توجه مطلقُا إلى من يُعيد قراءة “سياسة” أرسطو و”جمهورية” أفلاطون و”تحولات” كونفوشيوس وأصوله الخمسة القديمة، ويتخذها منطلقًا للتنظير بل وكموجهات لسلوك الأفراد والمجتمعات والدول في العيش والحياة وتنظيمهما.
  • المدرسة الوحيدة التي يُشير إليها الكتاب في العالم العربي في حقل العلاقات الدولية هي ما وصفه المترجم “أسلمة المعرفة” (ص 386) إشارة إلى “Islamisation of knowledge” ((p254 في ترجمة مملوءة بالأيديولوجيا (لم نُشر لها بوصفها خطأ في الترجمة عند تناول الترجمة؛ فالأمر هنا يتعلق بالأيديولوجيا وتحيز المترجم وتفضيلاته السياسية في غالب الظن)؛ والمقصود مدرسة “إسلامية المعرفة” «كطريق ثالث» بين الأصولية والحداثة.

حين عرض المؤلفان لمصادر تنظير العلاقات الدولية في العالم غير الغربي، فإنهما يؤكدان أن “الإسلام ليس المصدر الوحيد المحتمل لتطوير مفاهيم ونظريات حقل العلاقات الدولية المحلي في الشرق الأوسط. فهذه المنطقة يمكنها أن تحذو حذو الصين والهند -فضلا على الغرب- في النظر إلى الحضارات الكلاسيكية، بما في ذلك المصرية والسومرية والفارسية بوصفها أساسًا لاستخلاص نظريات للعلاقات الدولية” (ص 387)، في حين أنه عندما تناولا الخبرتين الهندية والصينية (ص 377- 378) ضربا أمثلة من نصوص تأسيسية من الأديان والفلسفات في هذين البلدين الكبيرين. فأشارا إلى تطوير تفكير خاص بهذا التخصص استنادًا إلى التاريخ والنظرية الصينيين، وإلى السلوك والخصائص الثقافية الكونفوشيوسية في الحالة الصينية، وفي المثال الهندي يُقر الكتاب أنه “أظهر الباحثون الهنود محاولة متزايدة للاعتماد على التقاليد والحضارات الكلاسيكية لتحدي نظرية العلاقات الدولية الغربية، واقتراح مفاهيم ونظريات بديلة أو أصلية. وكما هو الحال في الصين، ثمة اهتمام متزايد بين الباحثين الهنود للاستفادة من النصوص الهندية الكلاسيكية مثل ملحمة ماها باهارتا”.

اللافت في هذه المقارنة أن النصوص والمصادر التى يوردها الكتاب في الحالتين الصينية والهندية هي نصوص أساسية، وتمثل مركز هاتين الحضارتين، وما زال لها -ليس مجرد حضور مادي- بل تأثير مركزي على ثقافة وعيش أهل البلدين، بل ورؤيتهما للعالم ونظام الكون والأشياء. أما عندما تعرض المؤلفان للإسلام، فقد اجتهدا في عرض أمثلة من حضارات جاءت قبل الإسلام؛ وهي -حتى وإن كان لبعضها وجود مادي متمثل في الآثار، ووجود في بعض المتاحف- إلا أنها لا تمثل ثقافة وطريقة عيش وتفكير معظم من يعيش في المنطقة العربية وما حولها من مسلمين وغير مسلمين على الأغلب، على الرغم من الجهود الحثيثة والأموال الغزيرة والدعوات المتتالية لإحياء هذه الحضارات لتمثل بديلا عن الإسلام.

والمثال الذي يذكره المؤلفان هو أنه لا يزال يتعين استغلال هذه الإمكانات ودراسة دبلوماسية العمارنة؛ وتتضمن الدراسة اليتيمة المذكورة دراسات لوثائق وُجدت في تل العمارنة في المنيا بصعيد مصر تحوي مراسلات بين بعض الممالك المحيطة بمصر إلى البلاط الملكي في مصر. ترجع حكاية خطابات تل العمارنة إلى عام 1887، حين عثرت فلاحة على مجموعة من الألواح المسمارية عمرها 3000 عامًا في أنقاض العمارنة، في صعيد مصر. كان الاكتشاف، الذي كان في الغالب رسائل من ملوك أجانب إلى البلاط المصري، جزءً من أرشيف القصر للفرعون أخناتون الغامض الذي يعبد الشمس. تحكي الوثائق قصة غير متوقعة عن الاتصالات المكثفة بين القوى العظمى في ذلك الوقت -مصر، ميتاني، بابل، حاتي، آشور- والعديد من المراسلات الدبلوماسية لدول تابعة لمصر أو مستقلة عنها؛ تلقي الضوء على أصول العلاقات الدولية. كما أنها تكشف عن الخيانة والتآمر بين ملوك كنعان الصغار، وتقدم نظرة ثاقبة لأسس إسرائيل التوراتية.

المثال المذكور(دراسة دبلوماسية تل العمارنة) لا يُثير التعجب والاستغراب فقط ممن يريد من منظري العلاقات الدولية في العالمين العربي والإسلامي العودة إلى أكثر من 3000 سنة ليُقدموا إضافة لنظرية العلاقات الدولية، ويمتعض من استعانة فريق من هؤلاء المنظرين باستثمار نصوص تأسيسية (القرآن، والسنة) وتجربة تاريخية (التجربة الإسلامية بإنجازاتها، وإخفاقاتها) ما زالت حية على شفاه الكثرة الغالبة من سكان المنطقة العربية، لتطوير مفاهيم ونظريات حقل العلاقات الدولية المحلي في الشرق الأوسط، بل يُثير هذا المثال أيضًا الريبة بالنظر إلى سعي الدراسة (دبلوماسية تل العمارنة) -المشار إليها- الهادئ والحثيث للتأكيد على قِدم وجود إسرائيل في المنطقة، وقيام علاقات بين إسرائيل التوراتية والممالك القديمة فيها.

وضعنا في الحقل

أما عن تحسين وضعنا في حقل العلاقات الدولية، فيمكن الإشارة إلى الاستفادة من  التجربتين الصينية والهندية في بداياتهما اللتين تقدمتا في حقل العلاقات الدولية كما يوضح الكتاب على النحو التالي:

  • انتهاج المسار المزدوج للتمايز والتكامل: التمايز عن المركز، والتكامل عبر الارتباط بالمقاربات والنقاشات الجارية داخل حقل العلاقات الدولية في الصين ومحيطها الإقليمي؛ حيث كان على حقل العلاقات الدولية منذ ثمانينيات القرن الماضي إعادة بناء نفسه من الصفر تقريبًا بعد القمع والفوضى التي خلفتها سنوات حكم ماو تسي تونج.
  • تم ذلك من خلال مسار منهجي لاستيراد وترجمة «كلاسيكيات» حقل العلاقات الدولية وإتقانها، ثم محاولة تطوير صيغ صينية متميزة من نظرية العلاقات الدولية. لقد استوعب حقل العلاقات الدولية الصيني وناقش الواقعية والليبرالية والبنائية والمدرسة الإنجليزية، وأنجب دعاةً مؤثرين لكلٍ من تلك النظريات.
  • ثم جرى الاستمرار في تطوير تفكير خاص بهذا التخصص، استنادًا إلى التاريخ والنظرية الصينيين، وإلى السلوك والخصائص الثقافية الكونفوشيوسية، حتى إنه كان ثمة بعض الأعمال النظرية التي واجهت “النقاشات الكبرى” مثل النموذج الفكري للتطور الاجتماعي لتانغ شيبينغ، الذي يُحاجج بأنه لا توجد نظرية واحدة صالحة في جميع الأوقات، وأن نظريات العلاقات الدولية، وخصوصًا الواقعية والليبرالية تتناسب مع مراحل مختلفة من التاريخ.
  • وأثارت فكرة تطوير “مدرسة صينية” للعلاقات الدولية عديدًا من النقاشات، وقد عارضها البعض على أساس أن نظرية العلاقات الدولية يجب أن تسعى جاهدة لتكون عالمية وليست خاصة، وأن المدارس الوطنية تثير أيضًا خطر الارتباط الوثيق بمراكز السلطة والأمن الوطنيين، وقد بدا هذا خطرًا خاصًا في الصين، حيث كانت الحكومة الاستبدادية، مع القليل من الموانع لقمع النقد، تتبنى على نحوٍ متزايد الخطاب الكونفوشيوسي عن (تيانكسيا Tianxia ((كل ما تحت السماء) وعلاقات الانسجام لتأطير سياستها الخارجية.
  • اجتهدت المدارس الصينية: تشين Yaqing Qin العلائقيةRelationalism) ) ویان Yan وتانغ Tang الواقعية Realism)) مجتهدين في تقديم عملهم النظري باعتباره ذا صلة عالمية، وقد نُشرت كتاباتهم في الغرب لتأكيد هذه النقطة. ومن الناحية الإمبريقية، كان ثمة قدر كبير من أعمال حقل العلاقات الدولية في الصين التي حللت علاقة بكين بالولايات المتحدة على وجه الخصوص، وموقع الصين بوصفها قوة صاعدة داخل المجتمع الدولي العالمي على وجه العموم. كان ثمة أيضًا كثير من الأعمال بشأن المبادرات والمفاهيم الرئيسة للسياسة الخارجية الصينية، مثل «الصعود السلمي» و«الحزام والطريق» و«نوع جديد من مبادرات القوى الكبرى» (ص377).

أما من الحالة الهندية، التي لم يتعرض فيها حقل العلاقات الدولية إلى العرقلة التي تعرض لها في الصين، فيمكن الإشارة إلى عدة نقاط في المسار الهندي يمكن للتجربة المصرية العربية التعلم منها:

  • كان النموذج الهندي أفضل حالا؛ إذ لم يكن لديه كثير من حواجز اللغة التي تفصله عن تفكير حقل العلاقات الدولية الجاري في مركز العالم الناطق باللغة الإنجليزية، غير أن حقل العلاقات الدولية الهندي لم يختبر أيضًا طفرة المصادر المعرفية التي أفادت حقل العلاقات الدولية في الصين، أو انفعال الصين كونها عالمًا تُجوهل فترةً طويلة. وقد ظلت ما بعد الاستعمارية بارزةً في الهند، كما هو الحال في الصين ولكن بدرجةٍ أقل.
  • أظهر الباحثون الهنود محاولةً متزايدة للاعتماد على التقاليد والحضارات الكلاسيكية لتحدي نظرية العلاقات الدولية الغربية، واقتراح مفاهيم ونظريات بديلة أو أصلية.
  • وكما هو الحال في الصين، ثمة اهتمام متزايد بين الباحثين الهنود للاستفادة من النصوص الهندية الكلاسيكية مثل ملحمة ماها باهارتا – Mahabharata والأطروحة العلمانية لتقاليد أرثا شاسترا؛ وذلك لأجل شرح السياسة الخارجية الهندية وخياراتها الاستراتيجية. لكن مثل هذا الحديث لم يتطور بعد ليصبح محاولة واعية لتطوير مدرسة هندية لحقل العلاقات الدولية. وكما هو الحال في الصين، فإن “المعرفة التاريخية الأصلية لها أنصارها وخصومها في الهند”.
  • ومن الناحية الإمبريقية، اشتبك باحثو العلاقات الدولية الهنود مع قضايا وطنهم، وكانوا غالبًا ما يتطلعون إلى ترشيد وتحسين سياسة الحكومة الهندية، ويكتبون عن أهمية عدم الانحياز؛ وعدم الانتشار النووي؛ وعلاقات الهند مع جيرانها في جنوب آسيا وخصوصًا باكستان (ص 378).

ملاحظات شكلية موضوعية

-تحيز ضد الذات   

يُعذر المؤلف أميااف أشاريا بعدم تحقيبه لتاريخ تطور علم العلاقات الدولية بأيام غير أيام الغرب وتاريخه وتحولاته، رغم وجود تقاطع بين هذه الأيام وتاريخ الهند (بلد المؤلف الأصلي)، كأن يؤرخ لمرحلة العالم بعد العام 1945: عصر الحرب الباردة وإنهاء الاستعمار، باستقلال الهند عام 1947، أو يحقب حقل العلاقات الدولية بعد العام 1989، بأنه عصر امتلاك القوى المتوسطة القنبلة النووية؛ حيث دخلت الهند وباكستان النادي النووي عام 1998، يُعذر لأنه ربما أراد ألا يوصف بالتحيز للهند و/أو أن يوصف بالمحلية والإقليمية في مجال العلاقات الدولية.

-شبكة الإحالات المرجعية

يستند الكتاب إلى شبكة إحالات مرجعية واسعة النطاق، فالمراجع تربو على 800 مرجع ما بين كتاب ودراسة (وهما النوعان الأغلب)، وتقرير لمنظمات دولية. الأغلبية الكاسحة من المراجع باللغة الإنجليزية، و(7) مراجع فقط بلغات أخرى (2 بالفرنسية، 2 باليابانية مترجمين إلى الإنجليزية، مرجع صيني مترجم إلى الإنجليزية، مرجع ألماني، مرجع بالهندية أو البنغالية).

ومن المفهوم أن يرجع المؤلفان إلى إنتاجهما العلمي من باب التراكم، فهناك 24 مرجعًا لأشاريا ما بين كتاب له بمفرده ومع آخرين أو كتاب قام بتحريره، و26 مرجعًا لبوزان على نفس المنوال، و(6) مراجع لروبرت كوكس (من بينها دراسة مشهورة عن ابن خلدون).

لا يوجد مرجع عربي، ولا عربي مترجم للإنجليزية، مع وجود مراجع لكتاب مسلمين من الهند وباكستان وتركيا وأفريقيا؛ منهم على سبيل المثال عمل علي مزروعي عن الوحدة الأفريقية. وذكر الكتاب اسم الدكتور بهجت قرني ضمن قائمة من الباحثين المعاصرين الذين انخرطوا في نظرية العلاقات الدولية، وتحدوها في كثير من الحالات ومن مواقع مختلفة (أخطأ المترجم فكتب الاسم: “بهجت كوراني”) (ص 472). وهنا، يتوجب لفت نظر المترجم الذي يُعرف نفسه بأنه يحضر لشهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية بأنه كان عليه أن يُدقق في أسماء الأساتذة العرب والمصريين من كبار المتخصصين في المجال الذي ينوي استكمال دراسته العليا فيه.

هذه الشبكة تكشف عن تحيز مبرر إلى حد كبير بالنظر إلي تعليم وتدريب المؤلفين في جامعات في دول ناطقة بالإنجليزية، وإن كان من الممكن من خلال الإمكانيات التي توفرها لهم جامعاتهم ومراكز الأبحاث التي يعملون بها أو دور النشر التي تنشر كتبهم، توفير فريق بحثي متعدد اللغات يُجري مسحًا أوليا لكتب التنظير في العلاقات الدولية بلغاتٍ أخرى.

-الترجمة والغلاف

يُحسب للمترجم إقدامه على اختيار هذا الكتاب وشجاعته للتصدي للترجمة دون مُراجع يصوِّب كلمة أو يقترح بديلا أدق، وترجمة الكتاب أكثر من جيدة بشكلٍ عام؛ باستثناء هنات صغيرة هنا أو هناك؛ ومنها على سبيل المثال لا الحصر ترجمته  Good Life(ص 253 في الأصل الإنجليزي)   بالحياة الجيدة (ص 386 في الترجمة العربية)، والأقرب للدقة والسياق “الحياة الطيبة”. كذلك ترجمته لاقتباس الشاعر الهندي، حيث اختار أن يترجمThe Idea of the Nation  (p 60) في الأصل الإنجليزي إلى “فكرة الأمة” ولعل الأدق “فكرة القومية”؛ وإن كان هذا خيارًا واعيًا فلا بأس. وأخيرا ترجمته Intersubjective Notion ((p 300 إلى “مفهوم بين الذات” (ص453)؛ وهو من حيث أراد أن يبتعد عن الترجمة الثقيلة على الأذن العربية؛ وهي “مفهوم تذاوتي”. وهي ترجمة شائعة في المغرب العربي، فإنه لم يوفق في اختياره، ولعل الأدق والأسهل هو “مفهوم بين ذوات” أو “مفهوم متعلق بالذوات”. وقد سبق أن أشرنا إلى ما أسماه المترجم “أسلمة المعرفة” ولا نعتبره خطئا، بل هو -في غالب الظن- اختيار متعمد تقف وراءه الأيديولوجيا.

ويوجد بالأصل الإنجليزي كشاف للموضوعات الواردة في الكتاب، ولا يوجد في الترجمة العربية، وقد يرجع الأمر لعدم وجود مساعدين للمترجم لإعداد هذا الكشاف، بينما توفرت لمؤلفي الأصل هذه الإمكانية.

الغلاف: غلاف الأصل الانجليزي هو الجزء العلوي من لوحة اسمها: “قصة رمزية للإمبراطورية البريطانية”، والبعض يسميها “عيد انتقال الملكة فيكتوريا” للرسام البريطانيArthur Drummond  (1871–1951) رسمها عام 1901 بمناسبة تولي إدوارد السابع العرش، بعد وفاة الملكة فيكتوريا. يُصور دروموند فيكتوريا على أنها صعدت إلى الجنة؛ وهي محاطة بالقوالب النمطية للشعوب الأصلية التي استعمرتها الإمبراطورية البريطانية. أما الراكعون، فهم عبارة عن صور لاثنين من المهراجا الهنود ومحارب من الزولو، بينما يمكن القول بأن الشخصيات النسائية البيضاء تمثل مستعمرات مثل كندا وأستراليا ونيوزيلندا.

هذا الغلاف يعبر عن رسالة الكتاب بوضوح في أن تخصص العلاقات الدولية يعكس موازين القوى في ممارسة العلاقات الدولية؛ حيث يحتل فيها المستعمر المركز: يُهيمن ويحكم ويتحكم، بينما البلاد المستعمرة في آسيا وأفريقيا تقدم فروض الطاعة والولاء والتبعية عمليًا ونظريًا؛ أي على الأرض وفي عالم المفاهيم والنظريات.

أما غلاف الترجمة العربية، فعبارة عن مستطيل يحوي مجموعة دوائر ملونة بدرجات من اللون الوردي، بعضها متقاطعة وبعضها متماسّة؛ ربما كان له معنى عند المصمم، لكني لم أتوصل لمعنى بعد جهدٍ غير قليل، ولكن التصميم يشابه تصميمي العددين السابق واللاحق من سلسلة عالم المعرفة الصادر عنها الكتاب (التي يصدرها مشكورًا المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت بسعر مناسب في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار الكتب لارتفاع سعر الورق والشحن). وقد يكون من الاعتساف المجامل للمؤسسة الناشرة، وليس للمصمم، القول بأن الدوائر المتاقطعة والمتماسة تشير إلى تكامل رؤى الأطراف المختلفة في العلاقات الدولية ممارسة ًونظريةً.

خاتمة:

هذا الكتاب –على تقديره الكبير- لا يخلو من ثغرات. فالفصلان الأخيران يكرران عزو دعوة المؤلفين إلى العلاقات الدولية العالمية إلى بروز قرائن عملية لظهور نظام ما بعد الغرب، لكن هذا الإصرار يحجب الانتقادات القيمة للفصول السابقة ضد الوضع المهيمن تاريخيًا لحقل العلاقات الدولية الغربي. ألم نكن نحتاج إلى علاقات دولية عالمية لو لم يكن هذا النظام ما بعد الغربي في طور التكوين؟

لقد تنبه عدد من الباحثين غير الغربيين إلى الحاجة إلى علاقات دولية عالمية قبل تشكل مظاهر نظام ما بعد الغرب بوقتٍ كبير، وتُرجم ذلك في الحالة العربية الإسلامية إلى عملٍ بحثيٍ جماعي استغرق وقتًا وجهدًا كبيرين، وصدرت طبعته الأولى عام 1996؛ ونعني بذلك موسوعة العلاقات الدولية في الإسلام، إشراف وتحرير: أ.د.نادية محمود مصطفي[1]، وتتالت الدراسات التي تُمثل هذا التيار أو هذه المدرسة؛ نذكر منها على سبيل المثال: دراسة بالإنجليزية “الديمقراطية العالمية من منظورات غربية ونحو منظور إسلامي في علم العلاقات الدولية” للدكتورة نادية مصطفى أيضًا، ونُشرت بالعربية في أكثر من طبعة منذ عام 2011[2]، وكتاب آخر غاية في الأهمية حررته الأستاذة نفسها بعنوان (العلاقات الدولية في عالم متغير: منظورات ومداخل مقارنة- 2016)[3]، تُرجمت الدراسة الأساسية فيه باللغة الإنجليزية بعنوان:

“Approaching The Discipline of International Relations: Competing Paradigms and Contrasting Epistemes 2022”[4].

وتكلل هذا الجهد بعقد مؤتمر دولي بعنوان (نحو مدرسة حضارية في حقل العلاقات الدولية في الفترة فبراير-مارس 2021)؛ تخرج أعماله قريبًا في كتاب باللغتين العربية والإنجليزية. بل حرصت هذه المدرسة على أن تكون هذه الدعوة إلى تعدد المنظورات في العلاقات الدولية ضمن كتاب جماعي دراسي؛ وهو “مدخل في علم السياسة” صدر عن مركز الحضارة للدراسات والبحوث هذا العام 2023.

في الختام، يمكن اعتبار كتاب “تشكيل العلاقات الدولية العالمية” قراءة أساسية للمهتمين بحقل العلاقات الدولية من طلاب وباحثين وأساتذة. وهو وإن لم يكن شاملا، كما يقر المؤلفان؛ فهو مفيد بشكلٍ كبير، ويقدم بدايات واعدة واسعة النطاق في مجاله، والكتاب يوفر نقطة انطلاق أساسية لمفاهيم وإسهامات العالم غير الغربي، نحو تطوير تخصص “عالمي حقًا”.

____________________

الهوامش

*  أميتاف أشاريا – باري بوزان، تشكيل العلاقات الدولية العالمية: أصول حقل العلاقات الدولية وتطوره في ذكراه المئوية، ترجمة: عمار بو عشة، عالم المعرفة، عدد 502، )الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، يناير 2023(، (527 ص).

النسخة الإنجليزية من الكتاب:

Amitav Acharya, Barry Buzan, The Making of Global International Relations Origins and Evolution of IR at its Centenary,) Cambridge: Cambridge University Press, 2019(.

[1] د. نادية محمود مصطفى (إشراف)، مشروع العلاقات الدولية في الإسلام،12 جزء، )القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996).

وفي عام 2022 صدرت طبعة منقحة ومزيدة (حيث أضيفت دراسة د. نادية مصطفى عن الفكر الإسلامي في العلاقات الدولية):

د. نادية محمود مصطفى (تحرير)، موسوعة العلاقات الدولية في الإسلام، 8 مجلدات، )القاهرة: مركز الحضارة للدراسات والبحوث، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 2022).

[2] الدراسة الإنجليزية:

Nadia Mostafa, Beyond Western Paradigms of International Relations: towards an Islamic Perspective on Global Democracy, A paper presented to the International Workshop, “Building Global Democracy”, held in Cairo 6-8 December 2009.

الدراسة في نسختها العربية:

د. نادية محمود مصطفى، الديمقراطية العالمية من منظورات غربية ونحو منظور إسلامي في علم العلاقات الدولية، سلسلة الوعي الحضاري (2)، (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، سبتمبر 2011).

[3] د. نادية محمود مصطفى (محرر)، العلاقات الدولية في عالم متغير: منظورات ومداخل مقارنة، ثلاثة مجلدات، (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2016).

[4] Nadia Mostafa, Approaching The Discipline of International Relations: Competing Paradigms and Contrasting Epistemes, (Foreword by: Bahgat Korany), )London- Washington: International Institute of Islamic Thought, 2022(.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى