عرض كتاب شروط النهضة للكاتب مالك بن نبي

مقدمة*:

يُعد مالك بن نبي أحد أبرز المفكرين الجزائريين، وقد اشتُهر بطرحه قضايا النهضة والحضارة من منظورٍ فلسفي وإسلامي. وُلد بن نبي في قسنطينة بالجزائر عام 1905 وتوفي في 31 أكتوبر1973، وتأثر بنشأته بين التعليم التقليدي والدراسة بالمدرسة الفرنسية. واهتم مالك بن نبي بقضايا الأمة الإسلامية، حيث ركزت أعماله على تفسير أسباب التخلف وسُبل النهوض الحضاري، والبحث عن حلولٍ علمية وعملية للخروج من حالة التقهقر والضعف التي يواجهها العالم الإسلامي؛ وذلك كان نتيجة انعكاس ثقافته المتنوعة في تبني منهجية تحليلية في فهمه لما يدور حوله[1].

ومن أبرز مؤلفاته: الظاهرة القرآنية (1946)، شروط النهضة (1948)، ومشكلة الأفكار في العالم الإسلامي (1954). عُرف بن نبي بفكره النقدي وتأثيره الكبير في الحركات الإصلاحية، مثل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وكان ذا اطلاعٍ واسع في مجالاتٍ عديدة، حيث قرأ في الأدب العربي القديم واطلع على العديد من كتب التفسير، بالإضافة إلى اهتمامه بأدب المهجر والأدب الفرنسي نتيجة دراسته بالمدرسة الفرنسية. وقد ساعده هذا على التنوع في القراءة وتطوير فكره النقدي، مما وسع آفاقه وأثرى حسه الأدبي[2].

كان مالك بن نبي، بشخصيته الفذة وإسهاماته الفكرية، مؤهلا لتقديم رؤية متكاملة وشاملة لمفهوم الحضارة من خلال مزجه بين العناصر الأساسية للحياة: التراب، والإنسان، والثقافة. ويرى بن نبي أن هذه العناصر تتفاعل لتُشكّل الأساس لأي مشروعٍ حضاري، وركّز في فلسفته على استثمار الثقافة كعنصر محوري في هذا التفاعل. وسعى إلى صياغة نموذج جديد لصناعة رجال الحضارة الذين يحملون خصائص تُميزهم عن النموذج الغربي، ويرتكزون على مقوماتٍ ثقافية أصيلة ومنهج فكري متجدد. أفكاره لم تكن مجرد نظريات، بل كانت دعوةً صريحةً للعمل على بناء نهضة مستدامة تستند إلى الذات الحضارية للأمة الإسلامية، مع رؤيةٍ عميقة في التمييز بين ملامح الحضارات المختلفة ومقوماتها الأساسية[3].

سياق كتاب شروط النهضة:

ظهر كتاب مالك بن نبي “شروط النهضة” في سياقٍ تاريخي وفكري فارق؛ حيث مقاومة الاستعمار ولا شك أنه قد امتد أثر الأفكار بعد أن تحررت الجزائر من الاستعمار الفرنسي في عام 1962. وكانت تلك الفترة تحمل تحدياتٍ كبيرة للدول المستقلة حديثًا، التي كانت تواجه مشاكل اقتصادية واجتماعية وثقافية عميقة نتيجةً للآثار المدمرة للاستعمار.

إلى أي نوعٍ من الكتابات ينتمي هذا الكتاب؟

ينتمي كتاب “شروط النهضة” للمفكر والفيلسوف الجزائري الإسلامي مالك بن نبي إلى الكتابات الفكرية، التي تركز على القضايا الاجتماعية والسياسية، من منظورٍ إسلامي. ولكن كما سبق القول، فقد انصب الاهتمام على فحص ودراسة أسباب التخلف في ظل الاستعمار الذي كان يسود سياقة ويُعاني منه العالم الإسلامي، ثم متابعة البحث في شروط النهضة. إذ ركز الكتاب على العوامل التي يمكن من خلالها تحقيق التقدم على المستويات الاجتماعية، والاقتصادية.

ولعل أهم ما ميز هذا الكتاب أنه لم يكن عبارة عن شرحٍ تاريخيٍ بحت ولكنه مال إلى أنه كتاب فلسفي اجتماعي وتحليلي، تحت مظلة علم الاجتماع، حيث إنه درس القضايا الاجتماعية على تنوعها في المجتمع، كما اهتم بالعلاقة بين الفرد والمجتمع ومدى تأثير أفكاره على النهوض[4].

الإطار المنهجي:

لا يتبع كتاب “شروط النهضة” ترتيبًا ثابتًا للقضايا، بل ركز على مفهوم النهضة بشكلٍ عام وعرض شروطًا فكرية واجتماعية لوجوب تحقيقها. وعليه، فالقضايا التي تناولها الكتاب جاءت مترابطة وتتناول جوانب متنوعة من مشاهد التخلف والتغيير الاجتماعي.

ويعتمد هذا العرض على المنهج التحليلي والنقدي في تناول أفكار مالك بن نبي، حيث يتم تحليل القضايا التي طرحها في كتابه من خلال ربطها بالسياق التاريخي والاجتماعي والسياسي لعصره. وقد تم الاعتماد على قراءة متعمقة لكتاب شروط النهضة، بالإضافة إلى الاستعانة ببعض المصادر الثانوية التي تناولت فكر مالك بن نبي، والسياق التاريخي الذي كُتب فيه الكتاب.

  • الإطار المفاهيمي:

تبلورت أفكار الكتاب وقضاياه تحت مظلة عددٍ من المفاهيم المحورية، أهمها:

مفهوم النهضة

يرى مالك بن نبي أن النهضة ليست مجرد عملية اقتصادية أو سياسية بل هي عملية حضارية شاملة، تعتمد على ثلاث عناصر أساسية: الإنسان، التراب (الموارد الطبيعية)، الوقت (إدارة الزمن).

العلاقة بين الثقافة والحضارة

يؤكد مالك بن نبي على الثقافة كعاملٍ محوري في بناء الحضارة، فالثقافة ليست مجرد تراكم للمعرفة، بل هي طريقة لفهم العالم والتفاعل معه بشكلٍ نقدي وفعّال.

وبالتالي، فًقد ناقش مالك بن نبي، مفهوم الحضارة، وكيفية قيامها، باعتبار أن الحضارة ليست مجرد تحقيق رفاهية مادية أو بناء مؤسسات. بل هي عملية روحية وثقافية تعتمد على إبداع الإنسان، وتفاعل المجتمعات مع البيئة. وأكد أن العوامل الأساسية التي تؤسس الحضارة هي الإيمان، والعمل، والحرية. كما رأى أن العالم الإسلامي يحتاج إلى استعادة الحضارة الإسلامية عبر الإيمان العميق بالقيم الدينية والفكرية، مع تحديث هذه القيم لتتناسب مع التحديات الحديثة. وبالتالي، فإنه يجب على الأمة العودة إلى أسس الحضارة الإسلامية مع التكيف مع العصر الحديث، حيث إن الإبداع والتفاعل بين الإنسان والمجتمع هو ما يصنع الحضارة.

القابلية للاستعمار

واحدة من أهم الإسهامات النظرية في فكر مالك بن نبي هي طرحه لمفهوم “القابلية للاستعمار”، حيث يرى أن الاستعمار ليس فقط نتيجة قوة خارجية، بل هو أيضًا انعكاس لحالة داخلية من الضعف والتخلف الفكري والثقافي داخل المجتمعات الإسلامية.

  • أهم قضايا الكتاب:

يدور هذا الكتاب حول دراسة أسباب التخلف في العالم الإسلامي، وتقديم الحلول لمواجهتها تحقيقًا للنهضة. ورغم عدم تصنيف الكتاب للأفكار المتعلقة بكلٍ من هذين الجانبين بشكلٍ حدي، إلا أنه يمكن تقديمها في هذا العرض مقسمة بما يُسهم في مزيد من توضيح الأفكار، وبالتالي نحن بصدد محورين:

  • المحور الأول: أسباب التخلف في العالم الإسلامي:
  • التخلف الفكري والثقافي

ناقش المفكر مالك بن نبي، مسألة التخلف الفكري والثقافي، وربطها بالمناخ الفكري السائد في المجتمعات الإسلامية، حيث رأى أن الفكر الديني التقليدي قد أصبح عائقًا أمام التجديد والتقدم، وبالتالي فإنه لا بد من نشر الوعي الثقافي والفكري من أجل تحقيق النهضة. وتحدث أيضًا عن العقلية التقليدية السائدة التي لم تُركز على إعمال العقل والفكر، ولكن فقط ركزت على الموروث.

  • الاستعمار وتأثيره على الأمة الإسلامية

سلط مالك بن نبي الضوء على الاستعمار الغربي وتأثيره على العالم الإسلامي، حيث إن هذا الاستعمار سيطر على كافة مناحي حياة الأمة سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية، وكان له أسوأ تأثير على البنية الثقافية والاجتماعية، وركز بن نبي على ضرورة التغلب على الاستعمار والتحرر فكريًا وسياسًا منه، وكيف أن الأمة يجب أن تُعيد بناء نفسها على أسسٍ مستقلة وقوية بعيدًا عن التبعية الفكرية للغرب.

وقد طرح بن نبي فكرة أن الأمة الإسلامية قد أُصيبت بعقليةٍ مستعمَرة أدت إلى تقليد الغرب في العديد من المجالات، من دون النظر إلى ملاءمة هذه الأفكار للواقع الثقافي والاجتماعي للعالم الإسلامي وللأمة الإسلامية. ورأى أن الأمة الإسلامية يجب أن تتخلص من التبعية الثقافية من خلال إعادة اكتشاف هويتها، واستخدام العقل الإسلامي في بناء حضارة معاصرة. وبالتالي، فإنه لا بد من إصلاح المجتمع ليكون قادرًا على التعامل مع آثار الاستعمار.

  • أزمة الهوية الإسلامية والتفاعل مع الحضارات الأخرى

اتصالا بما سبق، ناقش بن نبي كيف أن العالم الإسلامي يعيش أزمة هوية، وبالتالي فهو يحتاج إلى تحديد وتثبيت هويته الثقافية والدينية مع الانفتاح على الحضارات الأخرى والتجارب الغربية والاستفادة منها، وحذر كيف أن المحاكاة العمياء للغرب قد أدت إلى تدهور ثقافة الأمة الإسلامية، وأن النهضة لا يمكن أن تكون عبر تقليد الغرب بل من خلال العمل على إحياء الثقافة الإسلامية عبر التعليم والإبداع.

  • تدهور الأخلاق الإسلامية

أشار مالك بن نبي إلى أن تدهور القيم والفساد الأخلاقي من أبرز العوامل التي أدت إلى تخلف الأمة، وأكد على أن الأمة الإسلامية قد شهدت انحدارًا أخلاقيًا نتج عن ابتعادها عن الأسس الإسلامية وتراخيها في تطبيق المبادئ التي دعا إليها القرآن والسنة النبوية، هذا بينما النهوض يتطلب استعادة القيم التي تُحقق العدالة، والتعاون، والإنتاجية.

  • المحور الثاني: شروط تحقيق نهضة الأمة الإسلامية:

طرح المفكر مالك بن نبي شروط النهضة بعد طرح ما سبق من أسباب التخلف التي عانى منها العالم الإسلامي، ويمكن بلورة تلك الشروط في الآتي:

  • تهيئة البيئة الاقتصادية والسياسية

حيث إنه لا بد من توافر بيئة سياسية واقتصادية ملائمة، مما يستلزم تواجد بنية اقتصادية قوية، وأنظمة سياسية مستقرة لتحقيق شروط النهضة، مع إبراز أهمية العدالة والمساواة على المستوى السياسي والقدرة على توزيع الموارد من الناحية الاقتصادية.

أكد مالك بن نبي أن وجود اقتصاد قوي ومستقل هو شرط أساسي لتحقيق النهضة، وبالتالي فإنه يجب أن تتم إعادة هيكلة الاقتصاد ليتناسب مع احتياجات الأمة الإسلامية في مختلف المجالات، سواء الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية. كما أنه لا بد من ابتكار حلول تشمل كافة التحديات الاقتصادية التي تواجهها المجتمعات الإسلامية، مع التأكيد على ضرورة البحث عن حلول علمية وعملية لضمان الاستقرار الاقتصادي والتقدم.

  • الوعي الثقافي والفكري

فمن شروط تحقيق النهضة إحداث تغييرات جذرية في الفكر والثقافة لدى الأمة الإسلامية، والقدرة على التفكير النقدي من أجل تحليل مشاكل المجتمع وتقديم حلول لها، حيث رأى مالك بن نبي أن السبب الرئيسي في تخلف العالم الإسلامي يعود إلى التخلف الفكري، فالأمة الإسلامية لم تتمكن من تطوير فكر نقدي قادر على مواجهة تحديات العصر. ولذلك، فإنه يجب على المجتمعات الإسلامية أن تبدأ بتغيير عقلياتها، وبناء منهجية علمية قادرة على تحليل مشكلاتها وحلها.

  • التفاعل مع الحضارات الأخرى

يُعد التفاعل مع الحضارات الأخرى لدى مالك بن نبي ركيزة أساسية لتحقيق شروط النهضة، حيث إنه أوضح في كتابه ضرورة أن نواكب كل التغيرات الغربية للتعلم والاستفادة منها في مجال التنمية، ولكن دون المساس بالهوية الثقافية والدينية للعالم الإسلامي أو التأثير عليها، وهذا كما سلفت الإشارة.

  • الروح الاجتماعية والتعاون

ركز بن نبي على ضرورة التماسك الاجتماعي ووجود وحدة اجتماعية، وكذلك العمل على نشر التعاون والتضامن بين الأفراد والجماعات داخل الأمة الإسلامية، هذا لتحقيق الارتقاء والتقدم والنهضة سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي.

في هذا الإطار، وضع مالك بن نبي التعاون الاجتماعي شرطًا أساسية من ضمن شروط تحقيق النهضة، وأكد على أن النجاح لا يمكن أن يتحقق إلا عندما يعمل الجميع معًا نحو هدفٍ مشترك. وناقش بن نبي فكرة أن المجتمعات الإسلامية يجب أن تبني تحالفات اجتماعية قائمة على التضامن والتعاون، مع الالتزام بالمصلحة العامة.

  • نشر العدالة الاجتماعية

إذ أكد بن نبي ضرورة إلغاء الفوارق الطبقية، وتحقيق المساواة في توزيع الثروات والفرص بين أفراد المجتمع. كما أوضح مدى خطورة الظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي علي العالم الإسلامي وتأثيره السلبي على تقدم الأمة وتحقيق النهضة، ولذلك فإن العدالة والمساواة شروط حقيقية لنهضة الأمة الإسلامية. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أنه لا بد من التركيز على المساواة في الفرص التعليمية لكل أفراد المجتمع، بغض النظر عن الخلفية الاجتماعية أو الاقتصادية. ولذلك فإنه لا بد من توافر هذه الشروط:

  • التوزيع العادل للموارد لأنه يُعد أساسًا للنهضة المستدامة.
  • ضرورة إصلاح النظام الاقتصادي لتوفير العدالة الاجتماعية.
  • التعاون بين أفراد المجتمع لتحقيق العدالة في جميع المجالات.
  • التربية والتعليم

أكد بن نبي أنه لا بد من تواجد التعليم كشرطٍ أساسي لتحقيق النهضة، حيث إن التعليم هو الأساس لبناء الإنسان المسلم القادر على مواجهة تحديات العصر، ومن ثم تتأكد أهمية إصلاح النظام التعليمي ليكون قادرًا على تنمية التفكير النقدي، فالتعليم يجب أن يتجاوز مجرد نقل المعلومات إلى تنمية القدرة على التفكير النقدي والابتكار وتحقيق التقدم.

ورأى أيضًا مالك بن نبي أن المدارس يجب أن تتبنى أساليب تعليمية جديدة، فضلا عن الوعي ببناء شخصية الطالب فكريًا وعلميًا، وأنه يجب أن يكون هناك تعليم تربوي يُعزز من القيم الإسلامية. إذ يبني الإنسان ذاته من خلال التربية والتعليم لإشباع العقل وإعادة صياغة المفاهيم، وتعزيز القيم الإسلامية من العدالة والتعاون والاجتهاد والمساواة. ولذلك؛ فإنه يجب أن تشمل المناهج المهارات العملية والقدرة على التفكير المستقل.

  • التوفيق بين الدين والعلم

سلط مالك بن نبي الضوء على ضرورة توفيق العلاقة بين الدين والعلم في المجتمع الإسلامي، إذ أكد على أولوية الجمع بين الإيمان الديني والتقدم العلمي. ويرى أن الدين يجب أن يكون محفزًا للعلم والمعرفة، وليس عائقًا أمام التطور وتحقيق النهضة في المجتمع الإسلامي.

  • الحرية والتغيير الاجتماعي

رأى مالك بن نبي أن الحرية شرط أساسي لتحقيق النهضة، ولكن الحرية التي يقصدها ليست مجرد الحرية السياسية، بل الحرية الفكرية والحرية الاجتماعية التي تسمح للأفراد بالتعبير عن ذواتهم والعمل على تغيير واقعهم، وبالتالي يعتبر أن المجتمعات الإسلامية يجب أن تكون حرة في اتخاذ قراراتها بما يتماشى مع مصلحة الأمة، دون أن تكون تحت تأثير الأنظمة الاستبدادية أو التبعية الثقافية للغرب. وتتلخص رؤيته للحرية في أنها ركيزة أساسية لبناء مجتمع ديمقراطي يقوم على الحرية الفردية والتعبير، وأنها ليست فقط في التخلص من الاستعمار السياسي، بل في التحرر الفكري.

  • إعادة بناء المؤسسات الإسلامية

ركز مالك بن نبي في كتابه “شروط النهضة” على أهمية إعادة بناء المؤسسات الإسلامية، على أسسٍ حديثة تواكب التحديات الاقتصادية والاجتماعية. واعتبر أن المؤسسات التعليمية، والاقتصادية، والسياسية في العالم الإسلامي بحاجةٍ إلى إصلاحٍ جذري لكي تكون أكثر قدرةً على تلبية احتياجات العصر، واقترح أن يكون هذا الإصلاح تدريجيًا؛ بحيث يتم تطوير المؤسسات دون فقدان الهوية الإسلامية. كما أشار بن نبي إلى أهمية التمويل المستدام للمؤسسات الإسلامية مما يلعب دورًا هامًا في تحقيق وتعزيز النهضة، ذلك مع الاهتمام بالتحسينات في إطار الهوية الإسلامية دون التخلي عن القيم.

  • النتائج والرؤية التقييمية:

وفي نهاية عرض كتاب “شروط النهضة” لمالك بن نبي، يمكن القول بأنه تم التوصل إلى عدة نتائج واستخلاصات ورؤية ذاتية تقييمية لهذا العمل. حيث إن الكتاب كان بمثابة محاولة لتشخيص مشكلة التخلف التي يُعاني منها العالم الإسلامي، والتأكيد على ضرورة إيجاد حلول عقلانية وعملية بعيدة عن الحلول السطحية أو العاطفية. كما قدم بن نبي في هذا الكتاب رؤية منهجية لنهضة العالم الإسلامي تركز على العمل الجاد والمثابرة، بعيدًا عن الافتقار للأدوات اللازمة للنهوض.

تناول الكتاب تحت هذه المظلة العديد من القضايا الفرعية الأخرى التي تُساهم في تحقيق النهضة الشاملة للأمة الإسلامية، مثل إعادة بناء المؤسسات الإسلامية، والتكنولوجيا والعلوم، والحرية الاجتماعية والفكرية. وتمحور الكتاب حول ضرورة التغيير الشامل الذي يعتمد على الإنسان المسلم، والعدالة الاجتماعية. وقد عرض مالك بن نبي هذه القضايا بأسلوبٍ متماسك يربط بين التاريخ والمستقبل، وقدم حلولًا عملية للوصول إلى النهضة المستدامة.

فلا يمكن إنكار أن الكتاب قدم رؤيته الفكرية وأثره واسع المدى على التفكير النقدي في العالم الإسلامي، كما وركز الكتاب على التشخيص العميق لمشكلة التخلف في العالم الإسلامي، ووجه دعوةً ملحة للتغيير على مستوى الإنسان والمجتمع. وعلى الرغم من بعض التكرار في الأفكار والمقاطع التي قد تكون معقدة في بعض الأحيان، إلا أن الكتاب قدم أفكارًا ثرية وحلولًا عملية. إذا كنت مهتمًا بدراسة النهضة الإسلامية أو بإصلاح المجتمع الإسلامي، فإن هذا الكتاب سيكون نقطة انطلاق قوية لفهم التحديات وفرص الإصلاح في هذا السياق. ويمكن القول بأن هذا الكتاب مفيد بشكلٍ خاص للأكاديميين والمفكرين، والمهتمين بالتحديات الفكرية ممن يسعون إلى البحث في قضايا النهضة وتحليل التاريخ الاجتماعي والثقافي في العالم الإسلامي.

احتوى هذا الكتاب على رؤيةٍ شاملةٍ ومتكاملةٍ وليست مجرد تشخيص للمشكلات؛ مما من شأنه تعزيز الوعي الثقافي والتشجيع على العمل الجماعي في إطار قيمٍ إسلامية. ورغم مُضي الزمان، يظل الكتاب ذا أهميةٍ كبيرة، خاصةً في ظل التحديات التي تواجهها الأمة الإسلامية في مجالاتٍ مثل التعليم، والتنمية، والعدالة الاجتماعية. فالرؤية التي قدمها بن نبي مازالت بإمكانها أن تدفع القارئ إلى البحث عن طرق لتطبيق هذه الأفكار في الواقع الاجتماعي والسياسي.

_______________

هوامش

مراجعة وتحرير: شيماء بهاء**

*  مالك بن نبي، شروط النهضة، ترجمة: عبد الصبور شاهين وعمر كامل مسقاوي، (بيروت: دار الفكر، الطبعة الثانية، 1979).

*  باحثة في العلوم السياسية.

**  باحثة بمركز الحضارة للدراسات والبحوث.

*  هذا العرض لكتاب “شروط النهضة” هو أحد تكليفات “مدرسة التأسيس في المنظور الحضاري” التي نظمها مركز الحضارة للدِّراسات والبحوث في الفترة سبتمبر – ديسمبر 2024.

[1] أسامة خضراوي، مالك بن نبي… سيرة ذاتية غير موضوعية، الجزيرة، 25 أكتوبر 2018، متاح عبر الرابط التالي:

https://2u.pw/TtO1exSH

[2] علي محمد ياسين، مالك بن نبي (1905م – 1973م) والظاهرة القرآنية، جامعة كربلاء، 2 ديسمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://2u.pw/c3S3rDpe

[3] بوعزة صالح، قراءة تحليلية لمقاربة مالك بن نبي في بناء الأفراد وإصلاح المجتمعات العربية في ظل العولمة الثقافية، مجلة تنمية الموارد البشرية، جامعة محمد لمين دباغين سطيف 2 (وحدة بحث تنمية الموارد البشرية) -الجزائر، المجلد 6، العدد1، يونيو 2015، ص 1- 3، متاح عبر الرابط التالي:

https://bit.ly/3VtJj2q

[4] المرجع السابق، ص 4 – 7.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى