طوفان الأقصى في الخطاب الإسرائيلي

(تقرير الأسبوع الثاني من الأحد 15أكتوبر إلى السبت 21 أكتوبر)

مقدمة:

اهتمت المنظمة الصهيونية العالمية منذ تأسيسها بالإعلام؛ من أجل الترويج للصهيونية والهجرة إلى فلسطين؛ حيث قال مؤسس الحركة الصهوينية ” تيودور هرتسل” في افتتاحية العدد الأول من أسبوعية الحركة الصهيونية “دي وولت”، بتاريخ 3\6\1897: “يجب على هذه الصحيفة أن تكون درعًا للشعب اليهودي، وسلاحًا ضد أعداء الشعب”.

وقبيل تأسيس إسرائيل عام 1948؛ عمل قادة الحركة الصهيونية على كافة المستويات التي تمكنهم من القيام بوظيفة الدولة، وكان الإعلام  أحد أهم هذه المستويات؛ حيث يمكن أن نستند إلى أقوال الساسة الإسرائيليين فيما يتعلق بدور الإعلام الإسرائيلي، إضافة إلى البند الثالث من قانون الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلي المصادق علية من الكنيست الإسرائيلي، والذي يتلخص في ـ:”أن الهدف من الإعلام الإسرائيلي في كافة المجالات، (سياسة اقتصاد علوم اجتماعيات…الخ) هو أولا إظهار الطابع الصهيوني لإسرائيل، وكفاح اليهود وإبداعاتهم وأهم انجازاتهم على كافة المستويات، مع تعميق الانتماء اليهودي والصهيوني معا، والتعبير والدعاية للحياة الثقافية اليهودية في العالم أجمع، وبث برامج بالعربية لترويض الجمهور العربي في أراضي عام 1948، وترويج دعاية للفلسطينيين والعرب عموما، وفق أهداف السياسة الصهيونية، إضافة إلى بث برامج خارج حدود إسرائيل لتحقيق أهداف الصهيونية، والدفاع عن السياسة الإسرائيلية، خاصة العدوانية والمتعلقة بالاستيطان والتهويد وأعمال العنف الحربية التي تشنها إسرائيل” .. [1]

وما زالت المفاصل الرئيسة للاستراتيجية الإعلامية الدعائية الصهيونية، مستمرة حتي يومنا هذا، مع اختلاف الأدوات الدعائية ومواكبة التطور التكنولوجي، ولاشك أنه مهما كانت الدعاية الإسرائيلية تعبر عن الرغبة الإسرائيلية في السلام، إلا أنها بنية الصراع، مما يؤكد عدم مصداقية هذة الدعاية المزيفة، فالدولة الصهيونية دولة استيطانية إحلالية، اغتصبت الأرض وحاصرت سكانها، ولايزل المستوطنون الصهاينة متمسكون بالأرض والسيادة عليها ومحاولة فرض السلام المزعوم[2]، ولذا بدلًا من دقِّ طبول الحرب، فإن الإعداد للحرب يستمر، على أن تعزف نغمات السلام، وتبدأ معزوفة السلام الإسرائيلية بالمناداه بالبعد عن عقد التاريخ، وأن تتناسى كل دول المنطقة خلافاتها، وأن نقطة البداية لابد أن تكون الأمر الواقع، وأن إسرائيل ليست التهديد الأكبر، ولذا نرى أن أحداث عملية طوفان الأقصى، تؤكد أن الرؤية العدوانية القمعية لاتزال كما هي، والسلوك العدواني القمعي لم يتغير.

كما تأتي عملية قصف باحة مستشفى “المعمداني” مساء يوم الثلاثاء الموافق17/10/2023، لتؤكد بربرية وعشوائية القصف الإسرائيلي للمدنيين والأطفال الفلسطينين؛ وهي الجريمة التي اهتز لها العالم بأسره، وحاولت إسرائيل إطلاق دعايتها الكاذبة، بأن تلك الجريمة جاءت نتيجة ما أسمته بـ”صاروخ فاشل” لحركة “الجهاد الإسلامي”، لاستغلال الحدث لأسباب دعائية ضد إسرائيل.

وفي هذا الصدد يرصد التقرير الخطاب الإعلامي الإسرائيلي في الأسبوع الثاني، منذ بدء انطلاق عملية طوفان الأقصى؛ وذلك علي الجانب الرسمي وغير الرسمي، في محاولة لرسم أهم ملامح الاستراتيجية الدعائية الإسرائيلية في أسبوعها الثاني من العملية؛ لبيان الأهداف السياسية والدبلوماسية منها، وذلك من خلال محاولة الإجابة علي عدة تساؤلات رئيسة، وهو” ماهي أهم المفاصل الرئيسة للإستراتيجية الإعلامية الدعائية الإسرائيلية في الخطاب الإسرائيلي؟ وهل تغيرت الخطابات الإعلامية الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية في الأسبوع الثاني من عملية (طوفان الأقصى) عنها في الأسبوع الأول؟ وما هي الأهداف السياسية من هذا الخطاب الإعلامي؟”.

وللإجابة عن هذة التساؤلات، يحلل التقرير أهم ما جاء علي اللسان الاسرائيلي خلال الأسبوع الثاني من انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، سواء على مستوى الخطابات الرسمية (مسؤولون إسرائيلون)، أو خطابات إعلامية غير رسمية ( لقاءات إعلامية لصحفيين وأكاديميين ومسؤولين إسرائيليين سابقين)؛ وذلك لمحاولة رسم الصورة  كاملة لاستراتيجية الآلة الإعلامية الإسرائيلية، سواء من خلال لقاءات قنوات فضائية تليفزيونية، أو من خلال الصفحات الرسمية للمسؤولين الإسرائيليين علي مواقع التواصل الاجتماعي.

أولاً- طوفان الأقصى في الخطاب الإسرائيلي الرسمي:

ألقي رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو خطاباً في مستهل الدورة الثانية للكنيست الـ25، يوم الإثنين الموافق 16/ 10/2023، أكد فيه عزم إسرائيل علي النصر ضد حماس، وفتح حكومته تحقيقا في كيفية حدوث الهجوم علي إسرائيل يوم 7 أكتوبر، قائلاً:

“إنها لحظة صراع ضد الذين التمسوا القضاء علينا، غايتنا تحقيق النصر بمعنى النصر الساحق على حماس، والقضاء على سلطتها وإزالة تهديدها على دولة إسرائيل نهائيًا، هناك العديد من الأسئلة حول الكارثة التي حلت بنا قبل عشرة أيام، سنحقق في كل شيء بشكل جوهري، وقد بدأنا بتطبيق العِبر الفورية، لكننا الآن نركز على هدف واحد، وهو توحيد القوات والاندفاع إلى الأمام نحو النصر، لهذا الغرض نحتاج إلى العزيمة، لأن الانتصار سيستغرق وقتًا، وستكون هناك لحظات صعبة، والتضحية مطلوبة، لكننا سننتصر كون الحديث يدور حول أمر بقائنا في هذه المنطقة التي تعمها قوى الظلام، حماس هي جزء من محور الشر الإيراني، وحزب الله وغيرهما من الجهات التي تأتمر بأمرهم، هم يريدون تدمير دولة إسرائيل وقتلنا جميعًا، هم يريدون إرجاع الشرق الأوسط إلى غياهب التعصب الهمجي للأيام الوسطى، بينما نحن نرغب في البلوغ بالشرق الأوسط إلى قمم التقدم للقرن الـ 21، إنه صراع بين أبناء النور وأبناء الظلام، وبين الإنسانية والوحشية، وقد شاهدنا ذلك في الفظائع المروعة التي ارتكبها المخربون الآثمون في “كيبوتس بئيري”، و”كفار عزة”، وبلدات منطقة الغلاف، وحفرة القتل للشبان والشابات في الحفلة في “ريعيم”، الآن بات الكثيرون حول العالم يدركون حقيقة من تواجهه إسرائيل، وهم يدركون بأن حماس هي داعش، ويدركون بأن حماس صيغة جديدة للنازية، وكما توحد العالم لدحر النازيين وداعش، فيجب على العالم التوحد في سبيل دحر حماس، وأقول لأصدقائنا في دول العالم المنورة: حربنا هي حربكم أيضًا، إذا لم تقف جبهة واحدة في مواجهة ذلك، فهو سيصلكم أيضًا، لدي رسالة أود توجيهها إلى إيران وحزب الله: لا تختبرونا في الشمال، ولا تكرروا الخطأ الذي ارتكبتموه مرة واحدة، لأن الثمن الذي ستدفعونه سيكون أبهظ بكثير، وقد قال لكم الرئيس بايدن باللغة الإنجليزيةDon’t do ، وأقول لكم نفس الشيء باللغة العبرية: احذروا .. لقد انطلقنا إلى الحرب، وسننتصر في الحرب، ولن تتوقف حتى نحقق النصر”.[3]

ويتبين من تلك المقتطفات من خطاب “نيتنياهو” أمام الكنيست الإسرائيلي، أن الهدف الرئيس من الهجمات الإسرائيلية والعدوان علي غزة، يرتبط بالبقاء الإسرائيلي في المنطقة، فتل أبيب ترى تلك الهجمات عى أنها مسألة “حياة أو موت” للوجود الإسرائيلي، وهو مايبرر وحشية وهمجية العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، إنها مسألة بقاء للكيان الصهيوني، ومسألة بقاء أيضاً لحكومة ” نيتنياهو” التي تواجه أزمة داخلية وانتقادات ضخمة واتهامات بالفشل في حماية الأمن الإسرائيلي.

ووجه “نيتنياهو” أيضا اتهاماً وتحذيراً مباشراً لإيران بأنها وراء هجمات حماس، واصفاً إياها بـ”محور الشر الإيراني”، وكعادة البروباجندا الإسرائيلية التي تتبنى استراتيجية شيطنة العدو؛ وهو نوع من البروباجندا أو الألة الإعلامية الحربية، التي يتم فيها اختزال الصراع في طرفي النقيض: الخير والشر، إسرائيل وحماس، أشار نيتنياهو إلي أن “إسرائيل في حالة صراع بين النور والظلام، الإنسانية والوحشية”.

وفي بيان لديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي صدر يوم الأربعاء الموافق 18/10/2023، جاء فيه أنه “على ضوء الدعم الأمريكي الشامل والحيوي للمجهود الحربي، وعلى ضوء مطالبة الرئيس الأمريكي بايدن بالمساعدات الإنسانية الأساسية، قرر المجلس الوزاري الحربي المصغر(الكابينيت) بالإجماع، أنه لن تسمح إسرائيل بدخول أي مساعدات إنسانية من أراضيها إلى قطاع غزة، طالما لم يتم إعادة المختطفين، وأن إسرائيل تطالب الصليب الأحمر بزيارة مختطفيها، وتعمل على حشد دعم دولي واسع لهذا الطلب، وأنه في ضوء طلب الرئيس بايدن، لن تقوم إسرائيل بعرقلة الإمدادات الإنسانية من مصر، طالما أنها تقتصر على الغذاء والماء والدواء للسكان المدنيين الموجودين في جنوب قطاع غزة أو الذين يتحركون هناك، وطالما أن توفير هذه الإمدادات يضمن ألا تصل إلى حماس، مؤكدة أنه سيتم إحباط أي إمدادات تصل إلى حماس”[4].

وعلي صعيد آخر، قام “نيتنياهو” بعدد من الجولات الميدانية للكتائب العسكرية؛ لرفع الروح المعنوية للجنود الإسرائيليين، ومن ضمنها زيارة قاعدة وحدة “ساييريت ماتكال” في جنوب إسرائيل يوم الثلاثاء 17 /10/ 2023، قائلاً لهم: “الوطن كله يقف خلفكم، وأنت تقفون الواحد من أجل الآخر، أعلم أننا سنفعل الشيء الصحيح معًا، سيستغرق الأمر بعض الوقت، سيتم خوض هذه المعركة بكثافة هائلة في الأيام المقبلة، أريدكم أن تعلموا أننا نثق بكم، ونؤمن بكم، وندعمكم، وأعلم أنكم ستقومون بالعمل المطلوب، أتمنى لكم التوفيق”[5].

وفي زيارة أخرى لجنود كتيبة “جولاني” الخميس الموافق 19/10/2023 في منطقة التجمع بقرب غزة: قال لهم: “إنني هنا مع المحاربين من چولاني، إنهم من كافة أنحاء البلاد، لقد حاربوا كالأسود، وسوف يحاربون كالأسود، سوف ننتصر بكل القوة” .[6]

وفي مؤتمر صحفي لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي “تساحي هنغبي” يوم الثلاثاء الموافق 17/10/2023، أكد فيه امتنان بلاده للدعم الأمريكي لها، وهو ما يعتبر رسالة سياسية واضحة للدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل؛ من أجل تحقيق أهداف الجيش الإسرائيلي، وشدد على أن حماس أقسى من داعش حسب قوله، وطالب سكان غزة بالخروج إلى الجنوب، مدعياً أن هناك أماكن محصنة ومساعدات لهم، باعتبارهم مواطنين وليسوا من ضمن المخربين الذين قد يستولون على هذه المساعدات حسب قوله، مطالباً في الوقت نفسه بسرعة إعادة المختطفين”[7].

وفيما يتعلق بالحدث المفصلي خلال الأسبوع الثاني من انطلاق عملية “طوفان الأقصى”؛ وهو استهداف باحة مستشفى “المعمداني” وقتل المئات من الأطفال والنساء، واستمراراً في الدعاية الكاذبة المسمومة، علق “نيتنياهو” على جريمة قصف الأطفال في باحة مستشفى “المعمداني” قائلاً : “يجب على كل العالم أن يعرف الإرهابيين المتوحشين في غزة، هم الذين ضربوا المستشفى بغزة وليس جيش الدفاع الإسرائيلي، من قتل بوحشية أطفالنا، يقتل أطفاله ايضا”[8].

وفي شريط فيديو قصير تم توزيعه باللغة الإنجليزية، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هجاري: “يشير تحليل أنظمة العمليات التابعة للجيش الإسرائيلي إلى أن الإرهابيين أطلقوا وابلاً من الصواريخ في غزة، مرت بالقرب من المستشفى الأهلي في غزة في وقت إصابته”. وأضاف أن “المعلومات الاستخبارية التي بحوزتنا من مصادر متعددة تشير إلى أن حركة الجهاد الإسلامي مسؤولة عن إطلاق الصاروخ الطائش الذي أصاب المستشفى في غزة”.[9]

وعلق علي نفس الأمر”أفيخاي أذرعي” المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، والذي أكد من خلال صفحاته على مواقع التواصل الإجتماعي ولقاءاته الإعلامية عبر الفضائيات الإخبارية، أن إسرائيل لم تنفذ أية غارات على قطاع غزة خلال هذا التوقيت، وأن هذه الجريمة وقعت بما وصفه بـ”صاروخ فاشل” للجهاد الإسلامي، رافعاً صوراً لخرائط وللرادارات الإسرائيلية، يدعي أنها تؤكد ذلك، مدعياً أن قادة العالم العربي والغربي تدعم إسرائيل وتدين المقاومة والإرهاب، متهرباً من سؤال مذيع اللقاء على قناة العربية الاخبارية: “هل توافق إسرائيل على إرسال لجنة تحقيق دولية في الأحداث”[10]؟

كما نشر” أذرعي” عبر صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، رسما كاريكاتيريا، يوضح إطلاق الجهاد الإسلامي لصاروخ صوب المستشفى “المعمداني”، معلقاً على الرسم بآية قرآنية: “( بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) صواريخ تنظيم  ‫#الجهاد_الإسلامي_الإرهابي قتلت المدنيين في ‫#المستشفى_المعمداني، مثلما قتلت في الماضي الكثير من المدنيين الفلسطينيين، هؤلاء الإرهابيون قتلوا واختطفوا أطفالنا في غلاف غزة، والآن يقتلون أطفالهم داخل غزة، إرهاب أعمى لا دين له، حسبي الله ونعم الوكيل فيكم”[11].

وأطلق “أفيخاي” عبر صفحاته الرسمية، حملة دعائية بعنوان “دواعش حماس لا يمثلوني”، استعرض خلالها مقاطع مصورة  لعدد من الشباب العربي وهم يرددون عبارة: “دواعش حماس لا يمثلوني”، كما استخدم هاشتاج حماس تحت القصف وليس غزة تحت القصف[12].

وكعادته في الاستشهاد بآيات قرآنية، نشر “أفيخاي” عبر صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العربية مقطعا مصورا لضحايا قتل من إسرائيل، معلقًا عليه “إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار”، ومن هذه الأقوال، نستنتج أن آخرتكم أيها #دواعش_حماس إلى النار.”[13] 

ثانياً- طوفان الأقصى في الخطاب الإسرائيلي غير الرسمي:

تسود الإعلام الإسرائيلي تساؤلات وانتقادات شديدة لحكومة نيتنياهو، وتُحملُها بالكامل مسئولية الفشل الذريع في مواجهة أعمال المقاومة الفلسطينية والدفاع عن الأمن القومي الإسرائيلي؛ وفيما يتعلق بهذا الأمر، فهناك انقسام داخلي بشأن عمل عسكري بري على قطاع غزة، من خلال حوارات عدة وجلسات نقاش على القنوات الإسرائيلية، تناولت أداء الحكومة بعد عملية طوفان الأقصى، وسط آراء متضاربة بشأن التحقيق مع المسؤولين عن الإخفاق الاستخباراتي الكبير الذي تعرضت له إسرائيل.

وفي سياق تقييم الإعلام الإسرائيلي لأداء الحكومة، علق على هذا الأمر جنرال” يغال كرمون” مستشار قضايا الحرب علي الإرهاب سابقاً في حوار للقناة “13” من التلفزيون الإسرائيلي، قائلا: “ممنوع إدخال الجيش إلى غزة، إن حماس استغلت المليون ونصف مليون دولار التي سمح رئيس الحكومة بإدخالها لبناء الجهاز العسكري لها تحت الأرض، وتم تجهيزه وهم بانتظارنا”، واعتبر أن معنى إدخال الجيش الآن إلى غزة، هو إضافة إثم على جريمة إدخال الأموال، وأضاف: “الجيش الآن لا يملك معلومة دقيقة في الميدان، والجيش غير مدرب ولا يمكن إدارة الجيش بهذة الطريقة، يجب منحهم الوقت الكافي، وحالياً عليه القيام بقصف غزة”[14].

وفي نفس السياق، قال المحلل السياسي الإسرائيلي “أمتون أفراموفتش” على نيتنياهو أن يقول (أنا غير مناسب وأقدم استقالتي)، بدلا من أن يلقي المسئولية على الآخرين، إن ظهور نيتنياهو عشية السبت، خداع ونقض للأمانة في ظروف حزينة، لماذا إبنك يئير (نجل نتنياهو) لم يعد إلى البلاد ويتطوع في جيش الدفاع”[15]؟

وفي حوار لجنرال احتياط “نوعم تيفون” قائد الفيلق الشمالي السابق، قال: “إن عدد القتلى الذين سقطوا في هذة العملية، يعد الأكبر منذ قيام دولة إسرائيل، وإن عدم تحمل نيتنياهو وحكومته الفشل هذا، هو عكس القيادة الحقيقية”[16]. فيما أكد “ألون ين دافيد” محلل عسكري، أن هذة المعركة ممتدة، قائلاً: “نحن باتجاه معركة ستستمر شهوراً مع غزة، لن نفرغ بعد قليل للشمال، المعركة ستكون بطيئة وطويلة”[17].

ومما سبق، يتضح من الخطاب الإعلامي الاسرائيلي غير الرسمي، في تقييمهم للأداء الحكومي، أنهم يلقون بالمسئولية كاملة على رئيس الوزراء “نيتنياهو” وحكومته، ويصفونها بالفاشلة في حماية الأمن القومي الإسرائيلي، ليكون ما حدث في 7 أكتوبر 2023، صفعة حقيقية لأسطورة الأمن القومي الإسرئيلي، ودحضا لتصريحات حكومة “نيتنياهو”، بأن حماس أصبحت “مردوعة وتحت السيطرة”.

وللأسبوع الثاني على التوالي، واصل ملف الأسرى الإسرئيليين والمختطفين، اتخاذ مساحات واسعة جدا من الخطاب الإعلامي الإسرائيلي، باعتباره ملفا سياسيا وإنسانيا وأمنيا، يهدد شرعية حكومة نينتياهو في الداخل، ويعكس حالة الغضب داخل المجتمع الإسرائيلي.

حيث ارتفعت المخاوف داخل إسرائيل من مصير الأسرى لدى حركة حماس لا سيما مع ترقب خطوة إسرائيلية قد تفتح الباب أمام دخول غزة بريا ما سيعرض حياة الرهائن للخطر حتما، وذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن المهمة الأكثر إلحاحاً التي تقف أمام إسرائيل الآن هي إعادة الإسرائيليين المحتجَزين لدى منظمتي حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، لكن الصحيفة رأت أن ذلك لا يبدو على رأس أولويات حكومة نتنياهو التي يبدو أنها “قررت تفعيل إجراء هانيبال”، و انتقدت الصحيفة تصريحات سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، “غلعاد أردان” لشبكة “سي إن إن، والذي قال فيها” إن الحرص على وضع المخطوفين “لن يمنعنا من تنفيذ كل ما هو مطلوب لضمان مستقبل دولة إسرائيل”، وهو ما انتقدته الصحيفة وأضافت الصحيفة: “يُمنع من الحكومة ورئيسها محاولة إنقاذ كرامة إسرائيل القومية وكرامة الجيش الإسرائيلي على ظهر الأطفال، الأولاد والبنات، الفتيان والفتيات، المسنين والمسنات، الأمهات والآباء العاجزين، وأبناء عائلاتهم الذين يُجنّ جنونهم من جراء القلق والحزن هنا في إسرائيل”.وأكملت: “ليس من حق أية حكومة، ولا هذه الأكثر خرابا وفسادا في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، بالتأكيد، الإتجار بحياة المواطنين المدنيين الأبرياء وتحويلهم إلى ضحايا على مذبح كرامتها القومية”.[18]

وفيما يتعلق بردود الفعل الإسرائيلية غير الرسمية حول جريمة قصف مستشفي “المعمداني”، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، يوم الأربعاء الموافق 18/10/2023، إن إسرائيل تمر حاليا بساعات حرجة عقب الهجوم على المستشفى الأهلي المعمداني في غزة، وأكدت الصحيفة أن الهجوم يمكن أن يمس بشكل خطير بالشرعية الدولية، وكذلك يمس عملية برية كبيرة مرتقبة في قطاع غزة، بل ويعرقل إمكانية إطلاق مثل هذه العملية، وأضافت الصحيفة أن على إسرائيل أن تبذل أقصى جهد لكي تثبت للأميركيين أن الكارثة التي حلت بالمستشفى في غزة هي نتيجة إطلاق فاشل لصاروخ بعيد المدى من قبل حركة الجهاد الإسلامي[19].

كما أضافت الجريدة أن معركة المعلومات هي الجبهة الثالثة في الحرب التي تشنها إسرائيل علي قطاع غزة. وأضافت أن الجيش الإسرائيلي “استغرق وقتا طويلا للزعم أن الهجوم على المستشفى الأهلي المعمداني في غزة كان نتيجة لعملية إطلاق فاشلة قامت بها حركة الجهاد الإسلامي، وأوضحت  الجريدة أن “الإعلان الكامل والرسمي جاء بعد حوالي خمس ساعات من الحادث، مضيفة أنه في هذه الأثناء، استغلت الأطراف الفاعلة في المنطقة الزخم للمطالبة بوقف العملية العسكرية في غزة”.،وأشارت إلى أن هذا بالتأكيد “توقيت سيء للفشل على هذه الجبهة المهمة، قبل وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إسرائيل في زيارة خاطفة مهمة لا مثيل لها”.،وتابعت أنه “حتى لو لم يكن الجيش الإسرائيلي مسؤولاً عن الضرر، فإن رده المصرح به لا يمكن أن ينتظر كل هذه الساعات، في ظل عصر تتدفق فيه المعلومات بسرعة، ولا يمكن إعادة العجلة إلى الوراء، لذلك من الواضح أن قطاع المعلومات في الجيش الإسرائيلي يدار بطريقة غير مثالية”.[20]

كما دعت صحيفة هآرتس إلى وقف “حمّام الدم” :حيث أكدت أنه “يمكن الرد على المجازر بمجازر، لكن حتى ما حدث  لا يمكن أن يبرر ما يليه… يجب أن يكون هناك حدود للدمار”، واعتبرت الصحيفة أن الحرب على غزة ليس لها هدف واضح وواقعي، واعتبرت الصحيفة أن الصور الفظيعة من المستشفى الأهلي المعمداني في مدينة غزة وعشرات الجثث مصفوفة الواحدة تلو الأخرى كثير منهم أطفال بأجساد ممزقة وأطراف مفقودة، أمر يستحيل السكوت معه.[21]

وعليــــــه، يتضح من الخطابات الإعلامية السابقة أن الحرب الدائرة الأن في غزة هي حرب ممتدة، قد تطول لأيام قادمة، تقاتل إسرائيل فيها برغبة انتقامية فهي حرب صراع من أجل البقاء الإسرائيلي في المنطقة، وصراع للبقاء من قبل حكومة نيتنياهو بعد مواجهتها لانتقادات داخلية شديدة من قبل الإعلام والرأي العام الإسرئيلي، لإثبات انتصارها في هذه الحرب بعدما وجهت لها حماس ضربة قاضية هزت شرعيتها الداخلية، وبالتوزاي لم يتوانَ الجهاز الإسرائيلي الدعائي من إطلاق الأكاذيب والحملات الدعائية لتشكيل صورة ذهنية تعطي لإسرائيل الحق الشرعي في الدفاع عن نفسها ضد هجمات حماس، مع محاولة استعراض القوة العسكرية لديها وجاهزية الجيش للاقتحام البري لغزة، وهي المفاصل الأساسية الكلاسيكية للإسترتيجية الدعائية الإسرائيلية، فالسلاح الدعائي الإسرائيلي يعتبر جزءَا لا يتجزأ من السياسة الخارجية الإسرائيلية منها في كل مراحل تطور الحركة الصهيونية، ولكن يبدو أن المأزق الإسرائيلي الحالي يبدو معقداً للغاية؛ فعملية طوفان الأقصي كشفت للرأي العام العالمي حقيقة الكيان الغاصب، ولم تعد الدبلوماسية الإعلامية الإسرائيلية قادرة علي مجابهة الانتقادات الداخلية والخارجية علي حد سواء.

 

هوامش

[1]  أنظر وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية وافا https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=8788

[2] عبد الوهاب المسيري، الصهيونية والعنف..من بداية الاستيطان إلي انتفاضة الأقصي، دار الشروق،القاهرة،2001،ص161

[3] شاهد خطاب رئيس الوزراء “بنيامين نيتنياهو” أمام الكنيست الإسرائيلي علي صفحته علي موقع فيس بوك بتايخ 16/10/2023 https://www.facebook.com/watch/?ref=saved&v=1771327309993575

[4]  بيان ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي صفحة رئيس الوزراء الإسرائيلي علي موقع فيس بوك بتاريخ18/10/ 2023 https://rb.gy/3y4yu

[5] زيارة نيتنياهو لكتيبة “ساييرت ماتكال” صفحة رئيس الوزراء الإسرائيلي علي موقع فيس بوك بتاريخ17/10/2023 https://rb.gy/7344

[6]  زيارة نيتنياهو لكتيبة”جولاني” موقع قناة العربية لبنان بتاريخ 19/10/2023   https://rb.gy/qlxf0

[7] المؤتمر صحفي لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي  منشور علي صفحة رئيس الوزراء الإسرائيلي علي موقع فيس بوك بتاريخ 17/10/2023 https://rb.gy/2xna1

[8]صفحة رئيس الوزراء الإسرائيلي علي موقع فيس بوك بتاريخ  17/10/2023 https://rb.gy/vd32b

[9] وصول جو بايدن إلى إسرائيل في زيارة تضامنية،موقع تايم أوف إسرائيل18/10/2023،https://cutt.ly/XwWzHEIG

[10] شاهد اللقاء علي موقع قناة العربية  https://www.youtube.com/watch?v=2FAlWioeBpA

[11] صفحة” أفيخاي أذرعي” علي موقع فيس بوك بتاريخ 18/10/2023   https://t.ly/W4hPS

[12]  صفحة “أفيخاي أذرعي علي فيس بوك” بتاريخ 21/10/2023 https://t.ly/2qobj

[13] صفحة “أفيخاي أذرعي علي فيس بوك بتاريخ 19/10/2023 https://t.ly/33Is

[14]  شاهد اللقاء علي موقع قناة الجزيرة بتاريخ 19/10/2023 عبر الرابط التالي ( الدقيقة 0:29) https://www.youtube.com/watch?v=XPZ5jFb-VQU

[15] شاهد اللقاء علي موقع قناة الجزيرة بتاريخ 19/10/2023 عبر الرابط التالي ( الدقيقة 10:32) https://www.youtube.com/watch?v=XPZ5jFb-VQU

[16] شاهد اللقاء علي موقع قناة الجزيرة بتاريخ 19/10/2023 عبر الرابط التالي ( الدقيقة 2:11) https://www.youtube.com/watch?v=XPZ5jFb-VQU

[17] شاهد اللقاء علي موقع قناة الجزيرة بتاريخ 19/10/2023 عبر الرابط التالي ( الدقيقة 3:09) https://www.youtube.com/watch?v=XPZ5jFb-VQU

[18] مقتول أفضل من مخطوف هآرتس تحذر من “هانيبال” نيتنياهو ، موقع سكاي نيو بالعربية بتاريخ 21/10/2023 علي الرابط التالي https://cutt.ly/GwWxQ227

[19]  يديعوت أحرونوت: إسرائيل تمر بساعات حرجة عقب قصف مستشفى المعمداني بغزةعبر الرابط التالي :https://cutt.ly/BwWxffxe

[20] رواية الاحتلال حول مجزرة المستشفي الميداني تأخرت خمس ساعات،موقع قدس برس  بتاريخ 18/10/2023 علي الرابط التالي https://qudspress.com/86990/

[21]  https://www.elbalad.news/5968239

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى