رؤى بحثية متنوعة لعامين من الإبادة الصهيونية في غزة: قراءة مقارنة بين ثلاثة إصدارات عربية

في السابع من شهر أكتوبر الماضي، مَرَّ عامان على عملية إبادة جماعية يومية مارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، ونُقلت مباشرةً بالصوت والصورة عبر وسائل الاعلام إلى العالم، شعوبه وحكوماته. ويطرح مرور عامين على هذه العملية الإبادية أسئلة عبر الأبعاد المختلفة؛ الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى المستويات كلها: الداخلي الفلسطيني والإقليمي والدولي.

وتركِّز هذه الورقة على القراءات الأكاديمية العربية لتلك اللحظة الفارقة في حياة الصراع العربي الإسرائيلي بعد عامي الإبادة؛ حيث تُعاد فيها صياغة التحالفات والتحالفات المضادة والنظام الإقليمي وربما الدولي بأكمله، وذلك من خلال مراجعة نماذج من الإنتاج الأكاديمي العربي لمعرفة: كيف قرأت دوريات أكاديمية عربية استراتيجيًّا تلك اللحظة التاريخية في حياة الصراع والمنطقة العربية بأكملها وما دلالة ذلك على رؤى مراكز بحثية عربية متخصِّصة في العلوم والشئون السياسية والاجتماعية للقضية الفلسطينية والحالة العربية والدولية المحيطة بها؟

تتحرَّك هذه القراءة بين محورين أساسين؛ هما: أهم القضايا التي تناولتها تلك الدوريات، والمنهجية وأهم المفاهيم التي استخدمتها في معالجة الموضوع؛ استيضاحا لخريطة ومنهجية الاهتمام البحثي بالقضية وأثر مداخل الرؤية ومناطات التركيز.

واتصالًا بما سبق، نجد أن قلةً قليلةً من المراكز البحثية العربية هي التي اهتمَّت بإفراد مساحة في دورياتها لمناقشة دلالات وخلاصات عامين على طوفان الأقصى، بينما غاب مثل ذلك الإنتاج البحثي لمراكز أخرى شهيرة؛ ومن المراكز التي قامت بجهد في هذا السياق تبرز مراكز من قبيل:

– المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ودورياته العديدة مثل “حكامة” لدراسة السياسات العامة، و”سياسات عربية” للعلوم السياسية، و”عمران” لدراسة العلوم الاجتماعية، فقد أفرد المركز العديد من الأوراق والدراسات لدراسة جزئيات عدَّة حول ما حدث في غزة وعموم فلسطين وتداعياته واتصاله بالمنطقة والعالم؛ كان منها: تقييم حالة بعنوان “التفوُّق الاستراتيجي على حساب الاستقرار: عقيدة إسرائيل في السلام المعتمد على الحرب الوقائية” بتاريخ 9 أكتوبر 2025، ودراسة بعنوان “الاستيطان الإسرائيلي: تكلفته الاقتصادية والاجتماعية وآثاره في الأراضي الفلسطينية المحتلة” بتاريخ 13 أكتوبر 2025[1]. وتقدير موقف بعنوان “إعلان ترامب للسلام في الشرق الأوسط: إملاءات أمريكية لإعادة تشكيل المنطقة لمصلحة إسرائيل” بتاريخ 16 أكتوبر 2025، لكن غاب عن المركز تقديم رؤية كلية لقراءة تداعيات الإبادة عبر -وبعد- عامين منها.

– مركز دراسات الوحدة العربية عبر إصدارته الثلاثة: “شؤون عربية” في آخر عدد أغسطس 2025[2]، و”المجلة العربية للعلوم السياسية” آخر عدد سبتمبر 2025[3]، و”المستقبل العربي” في آخر عدد أكتوبر 2025[4] ، التي قدَّمت العديد من الدراسات النوعية والجزئية حول القضية الفلسطينية خلال هذين العامين من الإبادة، وخصَّص المركز على موقعه الإلكتروني ملفًّا ثابتًا متجدِّدًا بعنوان “طوفان الأقصى”، ينشر عليه أحدث دراساته حول الطوفان، جاء آخر مقال فيه قبل إعداد هذه الورقة، بعنوان “حقائق الطوفان: تحرير فلسطين في الإمكان”[5] بتاريخ 3 سبتمبر 2025، إلا أنه لا دوريات المركز ولا موقعه الإلكتروني تناولت فكرة مرور عامين على الطوفان، وتركَّزَ أكثرُ التناول على قضايا جزئية.

– مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية الذي يتناول إنتاجه العلمي القضايا الجيوسياسية والاجتماعية الاقتصادية التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومقره الدوحة، وله العديد من الدراسات النوعية والجزئية حول القضية الفلسطينية، من أحدثها “وجهات نظر الشباب في تركيا بشأن حرب إسرائيل على غزة”[6] بتاريخ 6 أكتوبر 2025، إلا أنه أيضًا لم يتناول لحظة مرور عامين على الطوفان وتداعياته.

– المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مؤسَّسة بحثية مقرُّها أبو ظبي، ويركِّز إنتاجَه على الدراسات التحليلية في الشئون السياسية، والجيوسياسية والعلاقات الدولية، كما يدرس التغيرات الاقتصادية، والتحولات الاجتماعية علاوة على البحث في إشكاليات التطرف والإرهاب بشكل خاص، وله العديد من الدراسات النوعية والجزئية عن القضية الفلسطينية؛ ومن آخر ما نشر مقالة بعنوان “إدارة قطاع غزة: حسابات السياسة ومتطلبات الأمن”[7] بتاريخ 22 أكتوبر 2025، إلا أنه -مثل سابقيه- لم يتناول آثار مرور عامين على الإبادة.

ما سبق هي نماذج لمؤسسات ومراكز بحثية أظهرت اهتمامًا ونشاطًا في متابعة الإبادة الصهيونية في غزة والكتابة عنها خلال شهر أكتوبر الماضي، ووفَّرت عبر مواقعها الإلكترونية أرشيفات حول القضية وحول الكتابة عنها، وتناولت قضايا نوعية وجزئية على مدار العامين. بينما لم تُظهر محركات البحث عن مراكز بحثية عربية أخرى عديدة أن لها اهتمامًا ونشاطًا علميًّا وبحثيًّا حول غزة طوفانا وإبادةً، ما يستدعي إعادة النظر في مدى مركزية القضية الفلسطينية في الإنتاج البحثي العربي، ويطرح تساؤلات حول طبيعة اهتمامات المراكز البحثية وقائمة القضايا التي تركِّز عليها.

أمَّا المؤسَّسات والمراكز التي أفردتْ بعضًا من إصداراتها لمناقشة مرور عامين على الإبادة فكان من أبرزها: مؤسسة الدراسات الفلسطينية (من خلال العدد 144 من مجلة الدراسات الفلسطينية)، ومركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (من خلال عدد خاص للملف المصري)، ومركز الحضارة للدراسات والبحوث (من خلال العدد التاسع والثلاثين من فصلية قضايا ونظرات الإلكترونية).

فقد صدر عن

مؤسسة الدراسات الفلسطينية العدد 144 من مجلة الدراسات الفلسطينية في خريف 2025[8]، تحت عنوان (عامان من الإبادة)، وبداخله أعدت ملفات تحمل عناوين مثل: ملف (الضفة الغربية: سياسات الضم والتهجير)، ومحور (إفلات يد الجريمة وملاحقة سياسية). ويتكوَّن العدد من 436 صفحة تضم 49 تقريرًا ودراسة ومقالاً؛ وهو الكم الأكبر بين مقالات الإصدارات العربية في هذا الصدد.

أمَّا الملف المصري الصادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والذي جاء بعنوان (عامان على طوفان الأقصى والتحولات الكبرى)، فهو عدد خاص ينقسم إلى جزأين: يضم الأول دراسات ومقالات مختلفة ومتنوعة… ويتضمَّن الملف ست أوراق تؤلِّف 85 صفحة، والجزء الثاني عبارة عن ملحقٍ إحصائيٍّ عن حرب الإبادة الإسرائيلية (33 صفحة)، وهو الأصغر حجمًا بين الإصدارات العربية المعنيَّة، وليس له خيط ينظم مقالات.

وفي ذات السياق، أصدر مركز الحضارة للدراسات والبحوث العدد التاسع والثلاثين من فصليته (قضايا ونظرات)، بعنوان (بعد عام ثان من الطوفان: القضية الفلسطينية على مفترق الطرق)، وهو ذات عنوان الملف الأساسي في العدد؛ تنصبُّ تحتَه كلُّ الدراسات بما فيها الرؤية المعرفية للعدد وخاتمته، ويأتي في 254 صفحة بعدد 18 تقريرًا ودراسة؛ وهو أوسط الإصدارات الثلاثة من حيث الحجم.

نراجع هذه الأعداد الثلاثة -كما سبق الذكر- من خلال تسليط الضوء على: أهم القضايا التي تناولها كلٌّ منها، والمفاهيم الأساسية التي اعتمدَ عليها، ثم منهجية التناول للموضوعات والمفاهيم.

أولًا – قوائم القضايا الأساسية

يتناول هذا الجزء أهم القضايا التي ركَّز عليها مضمون الدوريات الثلاث، مع بيان حجمها وترتيبها في كل إصدار، ما يكشف عن جانب من الرؤية التحليلية والمضمونية العامة للدراسات التي تحتويها، ولخطة الإصدارة في تقديمها، بالإضافة إلى محاولة التقاط الخيط الناظم لتلك الإصدارات، ونبدأ من أصغر الإصدارات إلى أكبرها حجما.

  • القضايا الأساسية التي تناولها الملف المصري:

اهتم الملف المصري بإبراز القضايا الآتية:

  1. الثبات والتغير في السردية الإسرائيلية وفي الموقف منها: وقد تناول هذا بمزيد من التفصيل كل من د. حسن أبو طالب في ورقة له بعنوان “عامان على طوفان الأقصى.. سقوط سردية إسرائيل وتداعياتها”، وهدير عبد المقصود في ورقتها المعنونة “الحراك الشعبي الغربي و «أنسنة» القضية الفلسطينية”.

وقد ركزت الورقتان على نتائج الطوفان وأثره على السردية الإسرائيلية سواء في استخدام خطاب الحرب على الإرهاب لتبرير عدوانها وإبادتها لشعب غزة أو نفي الإنسانية عن الشعب الفلسطيني وكيف أنه -وعبر مدار عامين من الإبادة الممنهجة- قد تحللت تلك السردية على مستويات عدة؛ منها المستوى الرسمي. كما أوضح د. حسن أبو طالب في ورقته: “أدت الضغوط الشعبية وتحولات الرأي العام في العديد من دول أوروبا إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ حيث يشكِّل ذلك تيارًا دبلوماسيًّا قويًّا عالميًّا ورصيدًا مهمًّا لمبدأ حل الدولتين”[9]، بالإضافة إلى التغيُّر الرسمي الإسرائيلي في رؤيتها لمكانتها الإقليمية والدولية كما صاغها د. حسن أبو طالب كالآتي: “يمكن القول إن «طوفان الأقصى» كفعل مقاوم أصاب كبرياء الجيش الإسرائيلي وكل أجهزة الأمن والاستخبارات. أمَّا رَدُّ الفعل الإسرائيلي الانتقامي، وتصوُّرات الهيمنة الإسرائيلية المجافية للعقل والمنطق فأتت بنتائج عكسية. فقد فشلت محاولات التهجير الفلسطيني، وأعيد الاعتبار -بقوة- لمبدأ السلام وفق حل الدولتين، كما تم تحجيم العنجهية الإسرائيلية الناتجة عن وهم التفوق المطلق”[10]. أمَّا على المستوى الشعبي العالمي فقد رأت هدير عبد المقصود أن “نزع صفة الإنسانية عن الفلسطينيين لم يكن مجرد خطاب دعائي عابر، بل بُني عبر عقود كمنظومة ذهنية عالمية تسلَّلت إلى الإعلام والسياسة الغربية، فصُوِّر الفلسطينيون إما كشعب غير موجود أصلًا، أو كـ«إرهابيين» لا يستحقُّون الحياة. هذا التجريد من الإنسانية شكَّل أداةً لتبرير الاحتلال والقتل والتطهير العرقي، وجزءًا راسخًا من السردية الصهيونية الساعية إلى محو الوجود الفلسطيني من الذاكرة العالمية”[11]. وتضيف “من أبرز نتائج طوفان الأقصى تعميق زخم أنسنة القضية الفلسطينية، والتي أسْهمت في كسر الصورة النمطية لمظلومية إسرائيل، ونُشوء جيل عالمي يتبنَّى التعاطف مع المظلومية الفلسطينية، وتصاعد عزلة إسرائيل دوليًّا”[12].

  • مشروعية المقاومة الفلسطينية: تناول تلك القضية كل من من د. حسن أبو طالب في جزء من ورقته المذكورة، واستفاض في الحديث عنها د. أحمد يوسف أحمد بعنوان “مشروعية المقاومة الفلسطينية ومستقبلها”.

حيث أكَّد د. حسن أبو طالب “أن «طوفان الأقصى » فعل مقاوم ومشروع، وليس فعلًا إرهابيًّا كما روَّجت له السردية الإسرائيلية-الأمريكية-الغربية”[13]، أمَّا د. أحمد يوسف أحمد فقد أفرد ورقة كاملة للتأكيد على تلك المشروعية من جانبين: الأول القانون الدولي، والثاني السياسي، وركَّز في ورقته على تأكيد أن ما يحدث من جانب إسرائيل يعد استعمارًا حسب القوانين الدولية المتعارف عليها، وأن مقاومة هذا يعدُّ حقًّا مشروعًا لحركات المقاومة الفلسطينية باعتبارها حركة تحرُّر وطني، وأن تلك الحركات تملك مشروعية شعبية نتيجة القبول الشعبي بما تفعله في سبيل تحريره، وأكَّد د. أحمد يوسف على تلك الفكرة قائلا: “ما حدث في 7 أكتوبر ليس نقطة البداية، ولكنه نقطة انفجار عرفتها تجارب استعمارية عديدة، عندما تجاوز الاستغلال والقهر والظلم الاستعماري الحدَّ الذي يمكن للشعوب المستعمَرة احتماله”[14]، وأنه “لا تكتسب المقاومة الفلسطينية شرعيَّتها من حماية القانون الدولي والقرارات الأممية لها فحسب، وإنما أيضًا من تأييد شعبي واضح لها، وإفلاس الوسائل السلمية لاسترداد الحقوق”[15]. واختتم د. أحمد يوسف ورقته بأنه -وبعد عامين من الحرب الإسرائيلية على غزة- قد فشل نتنياهو في تحقيق أهدافه المعلنة في بداية حربه نتيجة للمقاومة، على الرغم من التأرجح بين التشاؤم والتفاؤل في استشراف مستقبلها.

  • أثر الطوفان على الداخل الإسرائيلي: يعد هذا الموضوع بؤرة تركيز الملف المصري، وربما يرجع ذلك إلى أن نصف أوراق الملف المصري كتبها خبراء أو باحثون في الشؤون الإسرائيلية؛ حيث كتب كل من علاء سالم ورقة بعنوان “السردية الإسرائيلية.. محركات إرهاب الدولة وكوابح مقاومة الحقيقة”، وكتب د. محمد بدري عيد ورقة بعنوان “«الأمننة» والحرب الوجودية بعد عامين من حرب غزة”، وكتب محمد محمود السيد ورقة بعنوان “دولة إسبرطة بديلاً.. واقع حل الدولتين بعد عامين من طوفان الأقصى”.

ركَّز علاء سالم في ورقته  على مرتكزات السردية الإسرائيلية العقائدية السياسية؛ وذلك لأنه “تأتي في مقدمة أهداف حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة بناء نظام إقليمي جديد، يتسق مع رغبة أمريكية في إعادة رسم الملامح المستقبلية للمنطقة، بما يمكن إسرائيل من فرض سرديتها الذاتية ومصالحها ودورها على بقية الأطراف”[16]؛ حيث تتكون السردية الإسرائيلية من أربعة مرتكزات حسب الورقة وهي: السردية الدينية وهي التي تحدد كيفية التعامل مع الآخر الفلسطيني، السردية القومية التي تريد إعادة تشكيل الشرق الأوسط، متلازمة الماسادا التي تركِّز على عداوة الأغيار، حق إسرائيل المشروع في الدفاع عن نفسها ضد المقاومة الفلسطينية، ويؤكِّد الكاتب أن تلك السردية اهتزَّت نتيجةً للطوفان إلا أنها ما زالت هي المرتكز الإسرائيلي في التعامل مع الإقليم والعالم. أما ورقة د. محمد بدري بعنوان “الأمننة والحرب الوجودية بعد عامين من حرب غزة” فركَّزت على تحليل الخطاب الإسرائيلي ليستخلص منه أن “خطاب وسياسات حكومة بنيامين نتنياهو منذ إعلان الحرب على غزة، كرد رسمي إسرائيلي على هجوم 7 أكتوبر، تُعتبر نموذجًا غير مسبوق للمبالغة المفرطة في اعتماد فكرة (الأمن الوجودي) مسوِّغًا لِشَنِّ حرب الإبادة، وإطالتها زمنيًّا، وتوسيع نطاقها الجغرافي والمكاني”[17]. لكن أليس النهج الأمني هو النهج الوحيد للتعامل الإسرائيلي مع الوضع الفلسطيني منذ نشأتها، وأن ذلك النهج لا يتعلَّق بالسابع من أكتوبر كما تذكر الورقة وتُحَلِّل؟

أمَّا ورقة محمد محمود السيد بعنوان “دولة «إسبرطة» بديلًا.. واقع «حل الدولتين» بعد عامين من «طوفان الأقصى»” فهي أيضًا تركز على تحليل الخطاب الإسرائيلي تحليلا سياسيًّا، خاصة الرؤى الإسرائيلية حول حل الدولتين؛ حيث يؤكِّد على كيف “استغل اليمين الإسرائيلي تداعيات السابع من أكتوبر، وصار يحاول تقديم خطاب شعبوي -بجانب خطابه الديني المتطرف – يكون أكثر إقناعًا للجمهور الإسرائيلي، لتبرير معارضة حل الدولتين”، وكيف “دفعت عملية طوفان الأقصى المجتمع الإسرائيلي أكثر نحو اليمين، وهو ما استغله نتنياهو لتسريع وتيرة خططه التوسُّعية، وكأنه يرغب في تحويل السابع من أكتوبر كإحدى أكبر الانتكاسات في تاريخ إسرائيل، إلى ما يشبه تأسيسًا جديدًا لها، أو وفق ما يروِّجه اليمين (حرب استقلال جديدة)”[18]. ومرة أخرى نتساءل: ألم تكن الحكومة الإسرائيلية يمينية متطرِّفة انتخبها المجتمع الإسرائيلي قبل عملية طوفان الأقصى، فكيف يمكن أن يُعَدَّ الطوفانُ هو المسؤول عن التحول إلى اليمين داخل المجتمع الإسرائيلي؟ وقد اتخذت الحكومة الإسرائيلية إجراءات في تجاوز حل الدولتين منذ زمن؛ لعل من أهمها: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في مايو 2018 باعتبارها عاصمة إسرائيل.

  • القضايا الأساسية لفصلية قضايا ونظرات:

تناولت فصلية “قضايا ونظرات”، عددًا آخر من القضايا، وذلك على النحو التالي:

  1. المعاناة الإنسانية لسكَّان غزة: يظهرالإنسان والبُعد الإنساني في مفاصل الفصلية؛ ويتَّضح ذلك من حجم التقارير التي ركَّزت على آثار الإبادة على السكان من جميع الجوانب ومقاومتها كما يتَّضح من التقارير التالية: ورقة تقى محمد عن “هندسة التجويع: المجتمع الغزاوي في عام ثانٍ من الإبادة والحصار”[19]، وورقة سارة أبو العزم عن “منع المساعدات عن غزة: بين تصفية الأونروا وإيجاد كيانات بديلة خلال عام ثانٍ من استراتيجية التهجير والإبادة”[20]، وورقة أحمد مصطفى الكوشي حول “المقاومة الحياتية في غزة: كيف يقاوم الفلسطيني سياسات الموت الصهيونية؟”[21].
  2. الداخل الفلسطيني: تناول العدد الداخل الفلسطيني عبر البُعدين العسكري والسياسي من خلال ورقتين؛ الأولى لأحمد خليفة عن “نهج حركة حماس خلال عام ثانٍ من طوفان الأقصى: النماذج والدلالات”[22]، وورقة عمر سمير بعنوان “العدوان الإسرائيلي على غزة والبيني الفلسطيني: فتح وحماس”[23].
  3. إسرائيل والإبادة: وحول هذا الموضوع طرح العدد ثلاثة أبعاد رئيسية: الأول هو البُعد الاستراتيجي الإسرائيلي من خلال ورقة أحمد نبيل بعنوان “الاستراتيجية الإسرائيلية في فلسطين عبر عام ثانٍ من العدوان: مكوناتها وخصائصها”[24]. البُعد الثاني هو الصراع الإسرائيلي الداخلي نتيجة استمرار عدوانها، وركَّزت على ذلك أمنية عمر من خلال ورقتها بعنوان “حقيقة ودلالة الصراع السياسي الداخلي في إسرائيل”[25]. أمَّا البُعد الأخير فيتعلَّق بالمجتمع الإسرائيلي وتأثير الحرب عليه من خلال ورقة محمود فاضل بعنوان “تأثر الداخل الإسرائيلي بالمواجهات والحرب مع إيران”[26].
  4. المنطقة العربية أمام عامين من الإبادة: يتساءل العدد عن المنطقة العربية ودورها من الإبادة فيطرح ثلاثة أسئلة عبر أوراقه: السؤال الأول عن التحولات في الأمن القومي العربي نتيجة العدوان الإسرائيلي وتداعياته من خلال ورقة السفير معتز أحمدين التي جاءت بعنوان “الأمن الإقليمي العربي خلال عام ثان من العدوان والمقاومة: التحولات والعبر الأساسية”[27]. والسؤال الثاني عن مدى نجاح الوساطات العربية في وقف العدوان على الأراضي الفلسطينية وخاصة غزة عبر ورقة عبد الرحمن عادل بعنوان “دبلوماسية وقف العدوان بين المبادرات والوساطات: دلالات النجاح والفشل”[28]. أما السؤال الأخير فيتعلَّق بفعالية وحراك الشعوب العربية من خلال ورقة إيمان علاء الدين بعنوان “لماذا سكتت الشعوب العربية عن إبادة إسرائيل لغزة؟ اتجاهات الإجابة ودلالاتها”[29].
  5. الجوار الحضاري والإبادة: ويركز هذا الموضوع على كل من تركيا وإيران مواقفهما وأدوارهما، ونتيجة لانخراط إيران المباشر في مواجهة عسكرية مع إسرائيل فقد تمَّ تخصيص تقريرين عنها الأول لشيماء بهاء الدين بعنوان “المحور الإيراني وشبكة التحولات الإقليمية وأثرها على المقاومة الفلسطينية في عام ثانٍ من الطوفان”[30]، والآخر للدكتورة شيرين فهمي بعنوان “العلاقات العربية -الإيرانية في ضوء الواقع الراهن: مداخل التناول واستراتيجيات التطوير”[31]. أمَّا تركيا فقد تناولها عبد الرحمن فهيم من خلال ورقته بعنوان “الموقف التركي خلال عام ثان من العدوان: تجدُّد أم تراجع؟”[32].
  6. العالم وعام ثان على الإبادة: وتناول العدد تلك القضية من خلال ثلاثة محاور الأول مواقف الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا من الإبادة ومدى التغير في المواقف من خلال ورقتي كلٍّ من يارا عبد الجواد بعنوان “إدارة ترامب الثانية وجديد السياسة الأمريكية تجاه الطوفان والعدوان”[33]،  ود. علياء وجدي بعنوان “الموقف الأوروبي من إبادة غزة: بين التباينات القومية والتجمد الجماعي وأثر الرأي العام الداخلي”[34]. أمَّا المحور الثاني فجاء عن الرأي العام العالمي من خلال ورقة د. آية عنان بعنوان “تغيرات الرأي العام العالمي والدعاية الصهيونية المضادَّة خلال عام ثان من الحرب في غزة خريطة النماذج: والدلالات والفاعلية”[35]. فيما ضَمَّ المحورُ الثالث ورقة د. مدحت ماهر بعنوان “مع إكمال عامين على الطوفان: سلام ترامب.. استكمال لمشروع صهيوني تحت تهديد الإبادة والمجاعة”[36] وتلك الورقة تُعَدُّ خاتمةً للعدد وتتساءل عن اتفاقية وقف إطلاق النار الأخيرة وتداعياتها على الداخل الفلسطيني ووضع كلمة أساسية لرؤية العدد عن الإبادة وملف العدد أن القضية الفلسطينية الآن على مفترق الطرق، وكيف يجب أن تُشْحَذَ القدرات لاستعادة مركزيَّتها في الذهنية العربية والإسلامية؛ لأن الاتفاقية الأخيرة تؤكِّد على أن “سلام ترامب غير مضمون، وغير مأمون، وغير عادل، وهو سلام صهيوني بكل تأكيد”[37].
  7. القضايا الأساسية التي تناولتها مجلة الدراسات الفلسطينية:

هذه المجلة هي أكبر الإصدارات حجمًا من حيث عدد الصفحات والتقارير، كما سبق الذكر، والقضايا الأساسية التي تناولتها هي:

  1. إبادة غزة وطول أمد العدوان: وفي تلك القضية كتب هاني المصري مقالا بعنوان “استخدام المفاوضات للتغطية على استمرار الحرب”؛ وفيه يدرس مسار المفاوضات ليؤكد على أن المفاوضات كانت تكتيكًا إسرائيليًّا لإطالة أمدِ الحرب، وفرض شروطها على الأرض. وكتب فؤاد أبو سيف ورقة بعنوان “البنية الاستعمارية للتجويع الإسرائيلي في قطاع غزة”، وفيها أكَّد على “تحوُّل التجويع إلى تقنية إسرائيلية منظمة تمارَس على مجتمع محاصر، في سياقات استعمارية مستمرَّة تسعى لإخضاع السكَّان المدنيِّين وتفكيك مقوِّمات بقائهم. وهذه السياقات جزء من سردية مستمرَّة وليست سياسة طارئة أو مؤقَّتة”[38]. وكتبت يارا عاصي في نفس المساحة ورقة بعنوان “علاقة الفلسطينيين بأرضهم: من الجذور إلى المجاعة”، توجه فيها سؤالا في غاية الصعوبة؛ وهو كيف سيؤثِّر الجوع وتدمير قطاع الغذاء في الأجيال المقبلة في غزة؟ وفي تلك القضية تظهر غلبةُ البُعد الإنساني المتعلِّق بالجوع والتجويع على السياسي المتعلِّق بالمفاوضات في تناول الدورية لوضع الإبادة في غزة.
  2. الوضع في الضفة الغربية: نتيجة تركيز الاهتمام على ما يحدث في غزة من إبادة وعدوان، فقد قرَّرت مجلة الدراسات الفلسطينية فتح ملف يتناول ما يجري في الضفة الغربية في ظلال الإبادة في غزة، من أجل دراسة وتحليل توسُّع السيطرة الإسرائيلية وإحكامها أكثر وأكثر، عبر الاستيطان، وغيره من الجرائم كالقتل والهدم والاعتقال والتهجير والتحكُّم في حياة الفلسطينيين كليًّا تقريبًا؛ ويتضمَّن هذا المحور عشر مقالات ودراسة وتقريرًا.

وقد كتب أنطوان شلحت ورقة بعنوان “الإجراءات الإسرائيلية في الضفة: نحو واقع الدولة الواحدة”[39]، ركز خلالها على الإجراءات وخطط البناء الإسرائيلية في الضفة الغربية وحول القدس بشكل خاص. ودرس مجدي المالكي وأحمد عز الدين أسعد أثر العنف الاستيطاني وتفكيك المكان، وكيف يمهِّد لضمِّ الضفة الغربية، من خلال ورقة بعنوان “العنف الاستيطاني وتفكيك المكان: التمهيد لضمِّ الضفَّة الغربية”[40]. وكتب أمير داود ورقة بعنوان “التحولات في المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023”[41]، تدور حول ما سبق ذكره من توسيع للسيطرة الإسرائيلية، والتحولات في المشروع الصهيوني بعد 7 أكتوبر. وكتبت إيمان العصا عن تنازع المفاهيم في الضفة الغربية، فقدَّمت قراءة بذلك في الحقل ما بعد الكولونيالي، من خلال ورقتها بعنوان “الضفة الغربية وتنازع المفاهيم: قراءة في الحقل ما بعد الكولونيالي”[42]. وتناول أحمد حنيطي عنف المستوطنين في الضفة كأداة ضمن مشروع المحور والإلغاء[43]، وكتب عبد القادر بدوي عن دور المنظمات الاستيطانية غير الحكومية في الاستيطان والضم[44]، وأسهم أشرف أبو عرام بنظرة معمَّقة في آليات السيطرة الإسرائيلية على الضفة[45].

طرح الملف أمثلة لتلك السياسات من واقع الضفة في مقالات موسَّعة؛ إحداها لباسل ريَّان قرأَ فيها تصاعُد الهجمة الاستيطانية في مقابل محدودية المقاومة في محافظة سلفيت[46]، وكذلك أجرى عطوة جبر قراءةً تاريخيةً لواقع الأغوار الفلسطينية ما بين الضمِّ والتهجير[47]، وشمل الملف نظرةً إلى ملفِّ المياه في فلسطين، كنموذج للسيطرة الاستعمارية، تناوله عبد الرحمن التميمي[48]، وضمَّ الملف أيضًا مقالة لخليل تفكجي عن القدس وإعادة تشكيلها[49]، وتقريرًا كتبه أيهم السهلي رصد فيه تطوُّرات مخيَّمات شمال الضفَّة[50].

  • الواقع السياسي لفلسطينيي الداخل: وقد طرحت المجلة فيه مساحةً لمناقشة الوضع السياسي لفلسطينيي الداخل عبر ملف آخر في العدد 144، من أجل القراءة في الأسباب العميقة للملاحقة السياسية المكثَّفة في حقِّ فلسطينيي 48، والتي لم تعد تقتصر على أبناء الأحزاب، وعلى الذين يشاركون في التظاهرات، بل باتت تطال الجميع أيضاً. كما يسلط هذا الملف الضوء على مشكلة الجريمة المنظمة المتفشِّية في المجتمع الفلسطيني داخل الأرض المحتلَّة، ويدرس أسباب انتشارها، ولا سيما دور السلطات الإسرائيلية في رعايتها بأساليب مباشرة، وأُخرى غير مباشرة.

فكتبت حنين زعبي حول “مراجعة لسياسات المواطنة من عدسة العداء / الصراع”، وتحرك العدسة للحديث عن الاعتقالات والتحريض والإقصاء[51]. وتحاول عرين هواري “قراءة لحظة الإبادة في غزة، في حضورها في الشارع الفلسطيني داخل مناطق 48، وخصوصاً مفترق الطرق الذي يقف فيه فلسطينيو الداخل أمام التحولات التي تدفع بها إسرائيل بالعلاقة معهم، من خلال ممارسة هذه الأخيرة أدواتها المتنوِّعة السياسية والقانونية وغيرها، ثم تتطرَّق إلى الفاعلية الفلسطينية في ظلِّ هذا الواقع”[52]. وكتب أنس إبراهيم حول تفاصيل الملاحقة الأمنية للناشطين في الداخل والخناق الاقتصادي ممَّا قد يدفع البعض في الاتجاه إلى الجريمة المنظمة[53]. وكتب خالد عنبتاوي عن نتائج الجريمة المنظمة على المجتمع الفلسطيني في الداخل[54]. ويختتم هذا الملف بورقة حول العمال الفلسطينيين في الداخل الذين يتمُّ استقدامهم من الضفة وغزة وقد توقَّف ذلك بعد السابع من أكتوبر[55].

  • التغييرات الإقليمية ما بعد الطوفان: يقع في قلب تلك التغييرات إيران بمواجهتها المباشرة وغير المباشرة مع إسرائيل، ولقد طرحت المجلة ذلك الموضوع من خلال ورقتين: الأولى لعلي هاشم بعنوان “حدود المبادرة الإيرانية بعد 7 تشرين الأول / أكتوبر”[56]؛ وفيها يتساءل الكاتب عن المساحة المتاحة للحركة الإيرانية بعد فقدان لاعبيها الأساسيِّين في الإقليم مثل حزب الله وسوريا، وبعد المواجهة المباشرة مع إسرائيل. وتأتي أيضًا ورقة محمود البازي بعنوان “احتمالات اليوم التالي بين إسرائيل وإيران وحسابات ما بعد حرب حزيران / يونيو 2025”[57] لتركِّز على السؤال عن المطلوب لنجاح طهران في الجولة القادمة من المواجهة بينها وبين إسرائيل وما المعوِّقات التي تقف أمام هذا الاستعداد؟ حيث يؤكِّد على أن الحرب بين إيران وإسرائيل لم تنته، وإنما هي معلقة لجولة قادمة. وتتبعها ورقة لدراسة حالة أحد أهم حلفاء إيران في المنطقة وهي بعنوان “أنصار الله ومزاولة المستحيل!”[58] لبشار اللقيس، وتركز على دراسة جماعة الحوثيين في اليمن منذ نشأتهم، وكيف أداروا معركتهم مع إسرائيل. أما ورقة فيصل علوش بعنوان “سورية تطلب الودَّ وإسرائيل تتمنَّع: من المواجهة إلى النادي الإبراهيمي”[59] فيركِّز فيها على التغيير في السياسة السورية بعد سقوط بشار الأسد ومحاولتها تقديم نفسها للإقليم والعالم على أنها لا تمثل أي تهديد لجوارها الإقليمي، ويطرح الكاتب تساؤلا: هل هذا يعني دخول سوريا في التطبيع الإبراهيمي؟ وأخيرًا تأتي ورقة أيهم السهلي بعنوان “جدل السلاح: لبنان إلى أين؟”؛ حيث يتساءل الكاتب حول مصير حزب الله في ظل تغير موازين القوي الداخلية والإقليمية والعالمية[60].

وممَّا سبق تؤكِّد المجلة على أهمية القضية الفلسطينية بكلِّ جوانبها وليس فقط الإبادة في غزة، فما حدث خلال العامين أكتوبر 2023- أكتوبر 2025 لا يتعلَّق بجزءٍ من فلسطين بل بكلِّها المتكامل من الضفة الغربية وغزة والقدس، فالسياسات الإسرائيلية لا تفرق في المعاملة بين جزء وجزء، فكيف يمكن التفرقة بين جزء وجزء من الاهتمام العلمي والأكاديمي عند النظر للقضية الفلسطينية.

ثانيًا- المنهجية والمفاهيم التي استخدمتها الإصدارات الثلاثة

في هذا الجزء سنركز على مدخل ومنطق التناول ومحل التركيز، وأثره على كيفية إخراج كل إصدار من أجل تحديد البُعد الاستراتيجي للإصدارات الثلاثة، وكيف يراه كل إصدار، وكيف يسكن اللحظة التاريخية الحالية في مسار الصراع العربي الإسرائيلي ومستقبل الإقليم؟ وذلك من خلال تحديد منهجية التناول والمفاهيم المستخدمة.

  • الملف المصري:
  • منهجية التناول

لم تبد للملف المصري منهجية واضحة في ترتيب موضوع الإبادة في غزة بعد عامين حيث انقسم الملف إلى جزأين: الأول عبارة عن ثلاث دراسات تدور حول المقاومة ورؤية عامة شاملة لتطور الأوضاع في القضية الفلسطينية بعد الإبادة، وورقة ثالثة تتناول أثر الطوفان على الرأي العالمي، ولعل أكثر الأوراق وضوحًا في مفاهيمها ومنهجية التناول كانت ورقة د. أحمد يوسف أحمد الخاصة بمشروعية المقاومة، فقد انطلق من فكرة رئيسية مفادُها أن المقاومة حقٌّ مشروعٌ للشعوب التي تقبع تحت الاحتلال ولا يجوز وصفها بأي حال من الأحوال بالحركات الإرهابية.

أمَّا الجزء الثاني من الملف فقد ركَّز على أثر الطوفان على الداخل الإسرائيلي وحمل إشكاليات منهجية في غاية الأهمية؛ منها: انطلاقه -في تحليل ذلك الأثر- من لحظة الطوفان، وليس من الذاكرة التاريخية للصراع؛ فحمل مقولات من قبيل أن الطوفان أثر على “أمننة الداخل الإسرائيلي”؛ وهذا ليس حقيقيًّا؛ فمنذ لحظة نشأة الكيان وهو يرتكز في خطابه الداخلي والخارجي على عداء محيطه الإقليمي حتى بالرغم من رفع الدول العربية شعارات السلام خيارًا استراتيجيًّا.

الإشكالية الثانية تتمثَّل في الحديث عن الطوفان؛ باعتباره ظاهرةً منفصلةً عن الواقع المصري، واستخدام مصطلحات تبدو علمية ولكنها تحمل في منطقها انفصال الأبحاث عن محيطها الذي أُنتجت به؛ فهي أبحاث خرجتْ من مؤسسة مصرية تحمل هموم الأمن القومي المصري وليس الأمن القومي الإسرائيلي، ولا يجوز -حتى بدواعي العلمية- الوقوع في فخِّ عدم الانحياز المطلق؛ لينتج عنه في النهاية انحيازٌ خفيٌّ نتيجةَ منهج التناول لما قد يهدِّد الأمن القومي المصري.

ثمَّة إشكالية ثالثة مرتبطة بالسابقة؛ وهي غياب أثر الطوفان على الأمن القومي المصري سلبًا وإيجابًا، وكأن ما يحدث في البوابة الشرقية لمصر غير مؤثِّر على أمنها القومي.

ومن جانب آخر، وعلى صعيد القراءة في الملف بأكمله، فقد غاب أثر الطوفان على الإقليم والعالم، اللهم إلا فيما يتعلق بالرأي العام العالمي، مع غياب غزة نفسها عن التقرير فيما يتعلَّق بالإحصاءات الخاصة بالخسائر، وكذلك غياب الداخل الفلسطيني. كل ذلك نتج عنه عدم ترابط منهج الملف المصري وانفراط خيطه الناظم، مع غلبة السياسي على الإنساني بعد مذبحة شهدها العالم عبر عامين متتالين.

وبشكل مجمل، فقد غاب البُعد الاستراتيجي الذي من المفترض أن يركِّز عليه الملف حسب عنوانه “عامان على طوفان الأقصى والتحولات الكبرى”، فأين التحولات الكبرى عبر الأصعدة الداخلية الفلسطينية، والإقليمية، والدولية؟

  • المفاهيم الأساسية:
  • المقاومة: تناولت هذا المفهوم ورقتان من أوراق الملف لد. حسن أبو طالب ود. أحمد يوسف أحمد، وقد نظر د. أحمد يوسف أحمد للمقاومة من خلال القانون الدولي والرضا الشعبي ووضعها في سياقها الداخلي دون انفصال عن مجتمعها وحاضنتها الشعبية، أما د. حسن أبو طالب فقد أشار لدور المقاومة في نفي السردية الإسرائيلية عبر عامين من أنها قوة عسكرية كبرى.
  • الأنسنة: وقد تناول هذا المفهوم ورقة هدير عبد المقصود، وأطَّرت للحراك الفلسطيني خلال العامين الماضيين من خلال إحصاءات التغيير في الرأي العام العالمي تجاه ما يحدث في غزة، وتناقص الدعم لإسرائيل، وعلى الرغم من أن الدراسة تركِّز على مفهوم الأنسنة فإنها تناولتْه من الناحية الغربية والتغيُّر في تلك الرؤية، وليس من جانب المعاناة الفلسطينية، فبدت الدراسة كأنها يغيب عنها البعد الإنساني في مقابل الجانب الإعلامي.
  • الأمننة: تناولت هذا المفهوم ورقة د. محمد بدري عيد بعنوان “«الأمننة» والحرب الوجودية بعد عامين من حرب غزة”، وركَّز فيها على كيفية استخدام الخطاب الأمني الإسرائيلي للتأثير على الداخل من أجل إطالة حرب الإبادة، وكيف تغير ذلك مع مرور الوقت.

إن المفاهيم السابقة في غاية الأهمية عند النظر إلى القضية الفلسطينية والتحوُّلات الناتجة بعد عامين من الإبادة، ولكن تكمن الإشكالية في تناولها الجزئي لقضايا محدَّدة، دون رسم خريطة شاملة لما يحدث في فلسطين بشكل شامل؛ مما أدى إلى افتقاد الملف لخيط ناظم، وغياب البعد الاستراتيجي عن مفاهيمه؛ حيث تؤكد تلك المفاهيم الإشكاليات المنهجية السابق تناولها. ومن جانب آخر، ورغم أن المقدمة التحريرية للملف ذكرت مفهوم “الإبادة الإسرائيلية”؛ فإن الدراسات والتقارير لم تتَّضح فيها محورية المفهوم، لا من حيث تناول القضايا التي ركَّزت الأوراق عليها، ولا من حيث منهجية تناولها.

  • قضايا ونظرات
  • منهجية التناول

يقف العدد التاسع والثلاثين وسطًا بين الإصدارين السابقين، فهو يركِّز على العام الثاني من الإبادة الإسرائيلية على غزة وفلسطين، وانقسمت موضوعاته إلى ستة محاور أساسية تتعلق بـ: الإنساني والداخلي الفلسطيني والإسرائيلي والإقليمي العربي، والعالمي.

يقدِّم العدد نظرةً أفقيةً شاملةً على الإبادة من خلال أطرافها الفاعلية داخليًّا وإقليميًّا ودوليًّا دون غياب أي طرف عن التساؤل والتحليل في هدف الملف؛ وهو التأكيد على أن هذه الإبادة تمثِّل حلقةً فاصلةً في تاريخ الصراع ومساره ومستقبله، وتلك الحلقة بالتأكيد ليست تصفية القضية الفلسطينية.

يتَّضح المنظور الحضاري الإسلامي في عناوين التقارير ومنهجية تناولها، فلا يغيب البعد الإنساني عن البعد السياسي عن العسكري عن الاجتماعي عن الاقتصادي عن التاريخي، بل تجتمع تلك الأبعاد لترسم الصورة كاملة غير مجتزأة، لا تُزيف الواقع بل تراه بكافَّةِ أبعاده بما فيها البُعد العقيدي، ويجتمع ذلك كله لتشكيل حياة الإنسان ومفاهيمه وقيمه وحياته وموته.

يطرح العدد في نهاية تقاريره أسئلة عن المستقبل والآثار المنتظرة، فلا يعطي أحكامًا قطعية ولا سيناريوهات نهائية، خاصة في ظل تعقيد المشاهد وتغيُّرها بسرعة. تلك الأسئلة تفتح مساحات جديدة للحركة سواء على صعيد الفرد أو المجتمعات أو الدول، وتضيف أبعادًا مهمة مطروحة لدراستها بشكل علمي للنظر في الواقع من أجل المستقبل.

  • أهم المفاهيم الأساسية
  • الذاكرة: ركَّز العدد على ذاكرة الحدث وتفاصيله، ولم يغفل عن الذاكرة التاريخية للصراع برمَّته وتسكينه في الذاكرة الأكبر للتحولات في المنطقة عبر قرنٍ ماضٍ، وتضمين ذاكرة المشروع الصهيوني الذي لم يبدأ مع نهاية الحرب العالمية الثانية بل يمتدُّ إلى لحظة نشأة الفكرة الصهيونية والتبرير لها بالتضامن مع لحظات الاستعمار التي اجتاحت العالم، وتسكين ذلك كله في حال الأمة الإسلامية وانحدارها وضعف قوَّتها، خاصةً مع تصاعُد المشاريع المضادَّة والمقابلة، وقد ركَّزت د. نادية مصطفى في ورقتها بعنوان “عامان من طوفان الأقصى والعدوان عليه: تهديدات واستجابات ودلالات حرب موصولة بذاكرة تاريخية حية”[61] على الذاكرة الحية للطوفان وللصراع وللأمة.
  • المقاومة: أكَّد العدد على مشروعية المقاومة، وأن المقاومة الحضارية بكل أشكالها هي السبيل الوحيد لتغيير واقع كان يُرسم على الأرض لتصفية القضية الفلسطينية، وكان الكثير من الخبراء والمحلِّلين يعتبرون أن ذلك الأمر حتمي. وأظهر العدد نوعين من أنواع المقاومة بجانب التأصيل لها، الأولى- المقاومة العسكرية وصمودها من خلال: ورقة د. نادية مصطفى المشار إليها. وورقة أحمد عبد الرحمن خليفة بعنوان “نهج حركة حماس خلال عام ثانٍ من طوفان الأقصى: النماذج والدلالات”[62]. والثانية- المقاومة السلمية التي ظهرت عبر أنحاء العالم من خلال التظاهرات المؤيدة لفلسطين والمنددة بالإبادة الإسرائيلية من خلال: ورقة د. آية عنان بعنوان “تغيرات الرأي العام العالمي والدعاية الصهيونية المضادة خلال عام ثان من الحرب في غزة: خريطة النماذج والدلالات والفاعلية”[63]، أو المقاومة الحياتية لسكان غزة في مواجهة الإبادة كما أكَّدت على ذلك ورقة أحمد مصطفى بعنوان “المقاومة الحياتية في غزة: كيف يقاوم الفلسطيني سياسات الموت الصهيونية؟”[64].
  • الإبادة: استخدم العدد مفهوم الإبادة لتوصيف ما حدث ويحدث في الأراضي الفلسطينية وللفلسطينيين دون مواربة، أو استخدام كلمات أخرى مثل أمن أو ما شابه، ويحدِّد المفهوم توجُّه العدد في تفسير هذا الوضع عبر تقاريره ومقالاته.

وفي ختام النظر في هذا العدد من فصلية قضايا ونظرات نجد أن البعد الإستراتيجي واضح من خلال تسكين اللحظة الراهنة في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، وربط الإنساني بالسياسي، وربط الداخلي بالخارجي، وربط المحلي بالإقليمي بالدولي، فكل ذلك يصبُّ في مسار الصراع والحلقة الحالية منه. والأسئلة التي طرحها العدد ومحاوره تحاول أن تجيب عن حال الواقع، وتطرح أسئلة حول المستقبل، فاتفاق وقف إطلاق النار أو وقف الإبادة ليس نهاية للإبادة، وإنما بداية جديدة لحلقة أخرى من حلقات الصراع العربي الإسرائيلي، وليس نهاية القضية الفلسطينية ولكن بداية تحتاج إلى إدراك لخطورة الوضع، والبدء بمحاولات جدِّية من أجل امتلاك القوة ومقاومة ما يحدث والمسارات المحتملة لاستكماله.

  • مجلة الدراسات الفلسطينية
  • منهجية التناول

أما منهجية مجلة الدراسات الفلسطينية فقد ركَّزت على القراءة الرأسية للوضع الفلسطيني، من خلال تناول موضوعات كبرى؛ هي الوضع في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني وفي غزة، ثم أخيرًا التغييرات الإقليمية.

ويتميَّز العدد بأنه لم يقتصر في فلسطين على غزة وحدها، بل قرأ في الوضع المعقَّد الذي يعيشه الفلسطينيون في الضفَّة وفي الأراضي المحتلَّة بأكملها؛ ليطرح رؤيةً شاملةً أفقيَّةً رأسيَّةً لما حدث ولا يزال يحدث للفلسطينيِّين عبر العامين، وتحديد آثار الإبادة التي ما زالت لم تتَّضح بعد بشكل كامل على الأراضي الفلسطينية وخاصة بالنسبة لفلسطينيِّي 48، من خلال موضوعات جزئية متنوِّعة وعبر تفاصيل في غاية الأهمية؛ لرسم صورة شاملة عن السياسات الإسرائيلية الممنهجة التي تمارسها داخل فلسطين بأكملها.

القراءة الفلسطينية الرأسيَّة منحت الكثير من المعلومات حول كل موضوع من الموضوعات التي تخصُّ الفلسطينيِّين؛ وهو المنتظر من مجلة تخرج عن فلسطين، ومن أجل شعبها؛ لتوضِّح -أكاديميًّا ومن خلال مفاهيم ومنهجية علمية- السياسات الإسرائيلية وأثرها على المجتمع الفلسطيني بأكمله، حتى يتبيَّن أن سياسات الإبادة الإسرائيلية لم تقفْ عند حدود غزة بل امتدَّت لكلِّ ما هو فلسطيني. فالإبادة كانت شاملة موجَّهة ممنهجة، ولم تبدأْ مع السابع من أكتوبر، ولم تَنْتَهِ مع توقيع الاتفاق الأخير لوقف إطلاق النار في غزة؛ فالسياسات الإسرائيلية المتعلِّقة بمحو الوجود الفلسطيني مستمرَّة على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والوجودية، وقد قدَّم العددُ رؤًى متنوِّعة لتلك السياسات وتلك الآثار.

ومن جانب آخر، اتَّضحت مركزية القضية الفلسطينية من خلال مقالات ودراسات العدد؛ فبالإضافة إلى الملفات السابق ذكرها خصَّص العددُ جزءًا لتخليد ذكرى الكُتَّاب والمفكِّرين الفلسطينيِّين الذين أسْهموا في الحفاظ على الهوية الفلسطينية. ومن جانب آخر، تناول العددُ الفنَّ الفلسطيني والمسرح. وبالرغم من ذكر الإقليمي والعالمي في الملف إلَّا أنه لم يكن محل تركيز الملف لاستشراف رؤية واضحة حول التحولات الإقليمية والعالمية من القضية أو حتى تحديد للمواقف.

  • أهم المفاهيم الأساسية:
  • الإبادة: لم تقرأ مقالات وتقارير العدد ما حدث خلال العامين الماضيين إلا من خلال عدسة الإبادة للفلسطينيِّين في غزة، وكيف اتَّسعت تلك الإبادة لتشمل مناطق أخرى كالضفَّة والقدس وفلسطينيِّي الداخل، ووسَّعت من رؤية المفهوم ولم يقتصر على فكرة القتل والتجويع والتشريد ولكن أيضًا على تغيير واقع الأرض والاستيلاء عليها.
  • القوانين الدولية والقواعد الإنسانية والأخلاقية: تتساءل مقالات هذا العدد عن شكل العالم ما بعد الطوفان مع تجاهل كافة الأعراف والقوانين الدولية والقواعد الإنسانية التي أطَّرت لها الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وتتساءل عن منظومة الأخلاق والقيم العالمية أيضًا في الصراعات المستقبلية في ظلِّ تجاهل تلك المنظومات ولو على الصعيد الشكلي الخطابي دون ممارسة.
  • الذاكرة: استخدمت مقالات ذلك العدد مفهوم “الذاكرة” على مساحتين أساسيَّتين: الأولى- ذاكرة الأشخاص والكتَّاب والمفكِّرين الفلسطينيِّين، الثانية- ذاكرة الإبادة في الأماكن التي لم يُلْقَ عليها الضوء من أجل إظهار المعاناة وتوثيقها.

وخلاصة النظر في عدد مجلة الدراسات الفلسطينية “عامان على الإبادة”، أن نتاج القراءة الرأسية للقضية الفلسطينية بأكملها، يكشف أن السياسات الإسرائيلية المتوغِّلة في الضفَّة وضدَّ الفلسطينيِّين في الداخل تشكِّل تهديدًا قويًّا ينبغي الاهتمام به وتفكيكه من أجل مقاومته؛ سواء على مستوى الداخل أو مستوى الداعمين للقضية. فالإبادة التي بدأتها إسرائيل في غزة أكتوبر 2023 تمتد إلى باقي فلسطين بخطى سريعة وثابتة تستهدف أسس الحياة والوجود الفلسطيني، كما بيَّنه العدد 144 من المجلة. ومن ثم يتَّضح أن الرؤية الاستراتيجية الداخلية الفلسطينية التي حاول العدد التركيز عليها وتوضيحها من خلال دراسة السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية ووضع أمثلة لها، والسياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيِّين في الداخل من زوايا نظر مختلفة، لتقدِّم رؤيةً شاملةً حول تلك السياسات الصهيونية ومنهجيَّتها وتداعياتها.

خاتمة:

في نهاية هذه القراءة الأفقية الموجزة لنماذج من الإنتاج البحثي العربي حول مرور عامين على الإبادة الصهيونية في غزة، يمكن القول إن هناك ضعفًا شديدًا في الاهتمام البحثي العربي بدراسة البُعد الاستراتيجي للحظة الراهنة؛ وللعملية الإبادية الصهيونية المسنودة غربيًّا وبالأخصِّ أمريكيًّا، والتي تُعَدُّ حَدَثًا فاصلًا في تاريخ الأمة العربية والإسلامية الحديث، ليس فقط على صعيد التداعيات السياسية والاقتصادية والعسكرية للعدوان الإسرائيلي على خمس دول (فلسطين – لبنان – سوريا – إيران – قطر) في المنطقة خلال العامين الماضيين، بل على الصعيد الإنساني الاجتماعي؛ فقد عايشت الشعوب العربية الإبادة في غزة بالصوت والصورة، ونُقِلَتْ مباشرةً عبر وسائل الإعلام المختلفة، ولا شك أنه سيكون لتلك اللحظة من التداعيات التي ربما لم تتَّضح معالمُها بعدُ في الوقت الحالي، إلا أنها في النهاية لها دلالاتها ومساراتها في تغيير الشعوب.

إن غياب البُعد الاستراتيجي في الإنتاج البحثي العربي عن القضية الفلسطينية في هذا المنعطف، تجلَّى في التركيز على متابعة الأحداث الجارية الراهنة بشكل جزئي، ومتقطِّع، صحيح أنه يقدِّم دراسات، لكنها متفرِّقة ولا تغطِّي الحدثَ بأبعادِه المختلفة، ولا تقدِّم رسمًا لخرائط الوضع متَّصلة مستوعبة، ولا تقدِّم رؤيةً كليةً لإدراك تبعات ذلك على المنطقة والتغيير المستمرِّ فيها عبر عقد ونصف من الزمن، وما لذلك من آثار حول مستقبل المنطقة وشعوبها، ولا تسكين الواقع في التاريخ الحديث والمعاصر وأثره على المستقبل.

فاللحظة الراهنة من وقف إطلاق النار في غزة لا تضع القضية الفلسطينية في مفترق طرق بين إحياء بعد موات أو بين إبادة تتوسَّع في مناطق أخرى من فلسطين فقط، بل تضع مستقبل المنطقة وشعوبها على المحكِّ بين مشاريع متنافسة تتصارع فيما بينها داخل المنطقة؛ أخطر تلك المشاريع هو المشروع الإسرائيلي الصهيوني الاستيطاني المعلَن المتحرِّك على الأرض، والذي لا يستهدف فقط الأراضي الفلسطينية، بل يسعى للتوسُّع في دول أخرى في سوريا ولبنان، وعبر تواطؤ داخلي وإقليمي، ومؤازرة عالمية. تستدعي تلك اللحظة أن تتَّجه كلُّ مراكزنا البحثية لتفكيك مساراتها من أجل مقاومتها وليس تجاوزها والغرق في الجزئي والجاري من القضايا، وعلى الرغم من أهمية ذلك الجزئي أحيانًا، كان ولا يزال من الأوجب أن نربط بين الجزئيات لنرسم صورة شاملة ورؤية كلية ومسارات وسيناريوهات للمستقبل القريب والمتوسط.

وأمَّا فيما يتعلَّق بالإصدارات الثلاثة التي تمَّ استعراضُ مكوِّناتها عبر تلك الورقة، فنجد أن اثنتين منها اتَّضحت أهدافهما ورؤيتهما وخيطهما الناظم ومفاهيمهما؛ وهما مجلة الدراسات الفلسطينية وفصلية قضايا ونظرات؛ إحداهما تناولت الإبادة برؤية رأسية، والأخرى برؤية أُفقية؛ فيكملان إحداهما الأخرى، لرسم صورة شاملة تفصيلية عن الإبادة والإنسان ومساراتها في الداخل والخارج، إلا أن إبادةً بهذا الشكل وبهذا الحجم وبتلك الوحشيَّة تستدعي مزيدًا من الدراسات والتفاصيل لتغطية الأماكن والمساحات التي لم تُدرس لضيق الوقت والمساحة، دراسات عربية تهدف لتمكين الشعوب العربية في فهم واقعها ونتائجه واستشراف مستقبله.


*  باحثة في مركز الحضارة للدراسات والبحوث.

[1] للمزيد حول إنتاج المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسية، انظر: https://www.dohainstitute.org/ar/Pages/index.aspx

[2] آخر عدد من دورية شؤون عربية معاصرة، عبر الرابط التالي: https://2u.pw/4Ib4so

[3]  آخر عدد من المجلة العربية للعلوم السياسية، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/mr2zcV

[4]  آخر عدد من مجلة المستقبل العربي، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/505W24

[5]  حمدين صباحي، حقائق الطوفان: تحرير فلسطين في الإمكان، مركز دراسات الوحدة العربية، 3 سبتمبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/F9hLUg

[6]  أوزغي غينج، وجهات نظر الشباب في تركيا بشأن حرب إسرائيل على غزة، مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، 6 أكتوبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/pmiPWQ

[7] إدارة قطاع غزة: حسابات السياسة ومتطلبات الأمن، المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية، 22 أكتوبر 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/MZ8EW7

[8]  متاح عبر الرابط التالي: https://www.palestine-studies.org/ar/node/1657825

[9]  د. حسن أبو طالب ، عامان على طوفان الأقصى..سقوط سردية إسرائيل وتداعياتها ، الملف المصري، عدد خاص، مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية، ص 14

[10]  المرجع السابق، ص 18.

[11]  هدير عبد المقصود، الحراك الشعبي الغربي وأنسنة القضية الفلسطينية، الملف المصري، مرجع سابق، ص 69.

[12]  المرجع السابق، ص 79.

[13]  د.حسن أبو طالب ، مرجع سابق، ص 8

[14]  أحمد يوسف أحمد، مشروعية المقاومة الفلسطينية ومستقبلها، الملف المصري، مرجع سابق، ص 22

[15]  المرجع السابق، ص 24.

[16]  علاء سالم، ” السردية الإسرائيلية..محركات إرهاب الدولة وكوابح مقاومة الحقيقة، الملف المصري، مرجع سابق، ص 34.

[17] د.محمد بدري، “الأمننة والحرب الوجودية بعد عامين من حرب غزة”، الملف المصري، مرجع سابق، ص47.

[18]  محمد محمود السيد، دولة إسبرطة بديلً .. واقع حل الدولتين بعد عامين من طوفان الأقصى، الملف المصري، مرجع سابق، ص 61-63.

[19]  تقى محمد، هندسة التجويع: المجتمع الغزاوي في عام ثانٍ من الإبادة والحصار، قضايا ونظرات، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، العدد 39، أكتوبر 2025، ص 31، متاح عبر الرابط التالي:

[20] سارة أبو العزم، منع المساعدات عن غزة: بين تصفية الأونروا وإيجاد كيانات بديلة خلال عام ثانٍ من استراتيجية التهجير والإبادة، المرجع السابق، ص 204.

[21] أحمد مصطفى الكوشي، المقاومة الحياتية في غزة: كيف يقاوم الفلسطيني سياسات الموت الصهيونية؟، المرجع السابق، ص 213.

[22]  أحمد عبد الرحمن خليفة، نهج حركة حماس خلال عام ثانٍ من طوفان الأقصى: النماذج والدلالات، المرجع السابق، ص 54.

[23]  عمر سمير، العدوان الإسرائيلي على غزة والبيني الفلسطيني: فتح وحماس، المرجع السابق، ص 103.

[24]  أحمد نبيل، الاستراتيجية الإسرائيلية في فلسطين عبر عام ثانٍ من العدوان: مكوناتها وخصائصها، المرجع السابق، ص 42.

[25]  أمنية عمر، حقيقة ودلالة الصراع السياسي الداخلي في إسرائيل، المرجع السابق، ص114.

[26] محمود فاضل، تأثر الداخل الإسرائيلي بالمواجهات والحرب مع إيران، المرجع السابق، ص128.

[27] معتز أحمدين، الأمن الإقليمي العربي خلال عام ثان من العدوان والمقاومة: التحولات والعبر الأساسية، المرجع السابق، ص 19.

[28] عبد الرحمن عادل، دبلوماسية وقف العدوان بين المبادرات والوساطات: دلالات النجاح والفشل، المرجع السابق، ص 157.

[29] إيمان علاء الدين، لماذا سكتت الشعوب العربية عن إبادة إسرائيل لغزة؟ اتجاهات الإجابة ودلالاتها، المرجع السابق، ص165.

[30]  شيماء بهاء، المحور الإيراني وشبكة التحولات الإقليمية وأثرها على المقاومة الفلسطينية في عام ثانٍ من الطوفان، المرجع السابق، ص68.

[31]  شيرين فهمي، العلاقات العربية -الإيرانية في ضوء الواقع الراهن: مداخل التناول واستراتيجيات التطوير، المرجع السابق، ص 90.

[32] عبد الرحمن فهيم، الموقف التركي خلال عام ثان من العدوان: تجدد أم تراجع ؟، المرجع السابق، ص175.

[33] يارا عبد الجواد، إدارة ترامب الثانية وجديد السياسة الأمريكية تجاه الطوفان والعدوان، المرجع السابق، ص193.

[34]  علياء وجدي، الموقف الأوروبي من إبادة غزة: بين التباينات القومية والتجمد الجماعي وأثر الرأي العام الداخلي، المرجع السابق، ص225.

[35]  آية عنان، تغيرات الرأي العام العالمي والدعاية الصهيونية المضادة خلال عام ثان من الحرب في غزة خريطة النماذج: والدلالات والفاعلية، المرجع السابق، ص 144.

[36]  مدحت ماهر، مع إكمال عامين على الطوفان: سلام ترامب.. استكمال لمشروع صهيوني تحت تهديد الإبادة والمجاعة، المرجع السابق، ص242.

[37]  المرجع السابق، ص 253.

[38] فؤاد أبو سيف، البُنية الاستعمارية للتجويع الإسرائيلي في قطاع غزة،  المرجع السابق، ص 19.

[39]  انطوان شلحت، الإجراءات الإسرائيلية في الضفة : نحو واقع الدولة الواحدة، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 144، خريف 2025، ص118.

[40]  مجدي المالكي وأحمد عز الدين أسعد، العنف الاستيطاني وتفكيك المكان :التمهيد لضمّ الضفة الغربية، المرجع السابق، ص 127.

[41] أمير داود، التحولات في المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية بعد 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، المرجع السابق ص 148.

[42] إيمان العصا، الضفة الغربية وتنازع المفاهيم: قراءة في الحقل ما بعد الكولونيالي، المرجع السابق، ص 156.

[43]  أحمد حنيطي، عنف المستوطنين في الضفة : محاولات المحو والإلغاء، المرجع السابق، ص 166.

[44] عبد القادر بدوي، دور المنظمات الاستيطانية غير الحكومية في سياسة الاستيطان والضم، المرجع السابق، ص 177.

[45]  أشرف أبو عرام، بلمح البصر: البُنية التحتية وآليات الإغلاق السريع للضفة الغربية، المرجع السابق، ص 189.

[46]  باسل ريّان، محافظة سلفيت ما بين تصاعد الهجمة الاستيطانية ومحدودية المقاومة الفردية، المرجع السابق، ص 199.

[47]  عطوة جبر، بين الضم والتهجير: قراءة تاريخية لواقع الأغوار الفلسطينية المحتلة، المرجع السابق، ص 212.

[48]  عبد الرحمن التميمي، المياه في فلسطين: نموذج لآلية الاستعمار الاستيطاني، المرجع السابق، ص221.

[49]  خليل تفكجي، القدس: إعادة تشكيل / حرب تشرين، المرجع السابق،  ص 229.

[50]  أيهم السهلي، مخيمات شمال الضفة.. “غزة صامتة”، المرجع السابق، ص 238.

[51] حنين زعبي، لحظة غزة: مقاربة في فهم الداخل الفلسطيني، المرجع السابق، 248.

[52]  عرين هوّاري، الفلسطينيون في مناطق 48 ولحظة الإبادة، المرجع السابق، 257.

[53]  أنس إبراهيم، الجريمة المنظمة في ظل دولة الإبادة، المرجع السابق، ص 267.

[54]  خالد عنبتاوي، الجريمة المنظمة ووجوهها الثلاثة لدى فلسطينيي، المرجع السابق، ص 277.

[55]  لميس فرّاج، جدلية العمال الفلسطينيين في الداخل المحتل، المرجع السابق، ص 285.

[56]  علي هاشم ، حدود المبادرة الإيرانية بعد 7 تشرين الأول / أكتوبر، المرجع السابق، ص 56.

[57]  محمود البازي، احتمالات اليوم التالي بين إسرائيل وإيران وحسابات ما بعد حرب حزيران / يونيو 2025، المرجع السابق، ص 65.

[58]  بشار اللقيس بعنوان “أنصار الله ومزاولة المستحيل!، المرجع السابق، ص 84.

[59]  فيصل علوش، سورية تطلب الودّ وإسرائيل تتمنّع : من المواجهة إلى النادي الأبراهيمي، المرجع السابق، ص 75.

[60] أيهم السهلي بعنوان “جدل السلاح: لبنان إلى أين؟”، المرجع السابق، ص 406.

[61]  نادية مصطفى، عامان من طوفان الأقصى والعدوان عليه: تهديدات واستجابات ودلالات حرب موصولة بذاكرة تاريخية حية، قضايا ونظرات، العدد 39، أكتوبر 2025، ص 6.

[62] أحمد عبد الرحمن خليفة،  مرجع سابق، ص 54.

[63]  آية عنان، مرجع سابق، ص 133.

[64] ورقة أحمد مصطفى، مرجع سابق، ص 213.

مروة يوسف

باحثة بمركز الحضارة للدراسات والبحوث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى