تدافع الثقافي والسياسي: ماذا يحكم فلسطين؟

مقدمة:

الواقع الثقافي الفلسطيني جزء من الواقع الثقافي العربي مثلما أن الواقع السياسي الفلسطيني جزء من الواقع السياسي العربي، وقد شهد كلاهما فلسطينيًا وعربيًا تراجعات جعلت الشعب الفلسطيني والشعوب العربية تعاني من إحباط كبير في قضايا الثقافة والفكر والممارسة السياسية. فالمشهد الثقافي اليوم يعكس حالة من الضعف تعرضت فيه الأمة لغزو ثقافي أوجد جيلا يَحمل قيمًا فكرية دخيلة. الأمر الذي جعل مجتمعاتنا بحاجة ماسة إلى إعادة منظومة القيم والأخلاق وتربية الأجيال على حب العلم والفكر القويم وحمل هموم الأمة ورسالتها السامية[1]. إن أي تغيير في العالم لتحقيق التحولات الاجتماعية وانعكاساتها الحضارية تكون بدايته على المستويين الثقافي والفكري كمقدمة للتغيير السياسي[2]، لأن الإنتاج الثقافي والفكري يسبق عادة الإنتاج السياسي ولا ينساق للممارسات السياسية، ولأن المثقف دائمًا هو المعبر الحقيقي عن الإنسان والحياة الإنسانية[3]. المشكلة الثقافية جزء هام من مشكلات الواقع، إحدى تجلياتها تفرق المثقفين وانقسامهم إلى تيارات واتجاهات سياسية ومعرفية تصل إلى حد غياب الحوار ومحاولة الإلغاء ومحاربة كل طرف للآخر، وهذا يؤدي إلى تفتيت المشهد الثقافي[4].‏ إن تغير المشهد الثقافي تغيرًا عميقا وواسعًا يستدعي مراجعة شاملة وإحداث تحولات داخلية كبري. الدولة العربية التي تتخلى شيئا فشيئًا عن مسؤولياتها تواجه اليوم محنًا ثقافية يأتي في طليعتها الأخطار المحيطة بوعاء الثقافة وأداة البيان وهي اللغة العربية[5]. ما من شك أن حالة التدهور السياسي والثقافي التي يعاني منها العالم العربي لها تداعياتها على الواقع الثقافي الفلسطيني، وخاصة على مستوى طبيعة العلاقة بين الثقافة والسياسة، باعتبار أن القضية الفلسطينية هي قضية مركزية في العالمين العربي والإسلامي.
من هذا المنطلق، ستحاول هذه الورقة تحديد دور كل من العامليْن الثقافي والسياسي في تقرير الاتجاهات والسياسات على الساحة الفلسطينية، بحيث تتضح أبعاد دور الثقافي على المستوى الفلسطيني. وتتركز هذه الأبعاد في ثلاثة جوانب: مواجهة المحتل، حالة الشقاق الداخلي، والتعامل مع القوى المحيطة. ولكن إلى أي مدى يقوم الثقافي بدور في هذا الصدد. هناك فرق بين الثقافة الحرة وثقافة السلطة، كما أن هناك فرق بين الثقافة الوطنية والثقافة الفئوية. ثقافة السلطة والثقافة الفئوية هما السائدتان في الواقع الفلسطيني منذ نشوء السلطة الوطنية، وقد استفحلتا بشكل أكبر في ظل حالة الشقاق بين حركتي فتح وحماس وبعد سيطرة الأخيرة على قطاع غزة. ومن المفترض أنه كلما اشتدت حدة الصراع السياسي بين الطرفين في ظل غلبة أحدهما، كتغلب حكومة حماس في قطاع غزة وتغلب حكومة فتح في الضفة الغربية، كلما ضعفت الثقافة وتعمقت تبعيتها للسلطة الحاكمة. الافتراض في الحالة الفلسطينية هو تسييس الثقافة لصالح السياسة والخلافات الفئوية للقوى السياسية، وذلك يؤدي إلى حدوث التدافع والمواجهة بين السياسي والثقافي، استنادًا إلى غلبة السياسي وتبعية الثقافي له، وهو أمر سلبي بطبيعة الحال. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه على المستوى الفلسطيني: متى تكون العلاقة صحية؟ ومتى تكون العلاقة مختلة بين السياسة والثقافة؟
بوجه عام توجد حالتان للعلاقة بين الثقافة والسياسة: حالة تهيمن فيها السياسة على الثقافة، وحالة يحدث فيها توازن بينهما. الحالة الأولى تعبر عن الشكل السلبي للعلاقة، بينما الحالة الثانية تمثل الشكل الإيجابي الأمثل. يترتب على ذلك وجود نمطين للعلاقة بين السياسي والثقافي: علاقة تكافئية متوازنة تتاح فيها لكل طرف الحرية الكاملة والنزاهة في التعبير عما لديه دون ممارسة أي ضغط من السياسي على الثقافي بحيث يتصرف الثقافي من تلقاء نفسه، وعلاقة تدافع يتغلب فيه السياسي على الثقافي ويهيمن عليه ويجعله تابعًا له. وهكذا فالعلاقة بين السياسة والثقافة إما علاقة رأسية مختلة تتفوق فيها السياسة وتكون الثقافة تابعة لها وأداة من أدواتها، وإما علاقة أفقية صحية تقوم على أساس متكافئ ومتوازن بين العاملين السياسي والثقافي.
ولكن معيار مدى صلاحية العلاقة بين الثقافة والسياسة لا تحكمه فقط مدى تبعية طرف لآخر أو استقلاليته عنه، وإنما الأهم من ذلك هو تقييم طبيعة كل طرف. فعن أي ثقافة وعن أي سياسة نتحدث، السياسة العادلة تجعل الثقافة حرة مع أن بذرة الثقافة المأجورة تظل موجودة، بينما السياسة المستبدة تجعل الثقافة تابعة ومأجورة وبذرة الثقافة الحرة أيضًا تبقى موجودة. وهنا ينبغي التساؤل عن نوع الثقافة ونوع السياسة المقصودتان هنا. الثقافة نوعان: ثقافة حرة موضوعية، وثقافة مأجورة. والسياسة نوعان أيضًا: سياسة عادلة تقوم عليها سلطة ينظر إليها على أنها جزء من المشروع الوطني المقاوم للاحتلال، وسياسة ظالمة تقوم عليها سلطة جائرة مستبدة تسعى جاهدة لتحويل المثقفين لأدوات أو أبواق تبرر وتجمل سياستها[6]. الثقافة الحرة تنمو وتترعرع في ظل مناخ سياسي عادل مفعم بالحرية، فيؤدي ذلك إلى التوازن والتكافؤ بين الثقافي والسياسي، أما الثقافة المأجورة فإنها تظهر في أجواء المناخ السياسي القمعي المستبد. وهذا ما يؤدي إلى التدافع. وخلاصة القول، فالتدافع بين الثقافي والسياسي حالة سلبية في جوهرها تقوم على المواجهة وسيطرة السياسي على الثقافي، بينما التوازن بين الثقافي والسياسي حالة إيجابية تقوم على التكافؤ بحيث تجعل الثقافي يقوم بدوره الاجتماعي والسياسي على أكمل وجه. فالثقافة والإبداع هما أساس التعبير عن أي نهضة في المجتمع، وليس مطلوب من الكاتب أن يؤتمر بأمر الرجل السياسي وينفذ رغباته[7].
وهنا ينبغي التعرف على ماهية الفعل الثقافي المقصود هنا. إنه فعل كفاحي يحفظ الهوية ويرسخ روح الانتماء للوطن باعتبارهما العمود الفقري للثقافة الوطنية والتمسك بها وتعزيزها، يسهم في توحيد الشعب الفلسطيني فيربط فلسطينيي الداخل مع فلسطينيي غزة والضفة مع فلسطينيي الشتات. والعمل الثقافي المبدع هو خير من يصلح من أخطاء السياسة وخير من يعبر عن عدالة القضية الفلسطينية وتحسين صورة الفلسطيني في العالم. المجال الثقافي رديف الحرية لأن الثقافة لا تنمو إلا حيث تكون الحرية[8].
وقد انبثقت بعد الاحتلال حركة ثقافية شاركت في العملية الكفاحية وقامت بتعبئة الشعب وتحريضه على المقاومة والصمود والدفاع عن هويته الوطنية ومقاومة البطش والظلم والقهر والكبت والقمع الصهيوني. وشهدت هذه الحركة نهوضًا صادقًا وتمكنت من إخراج الأدب من دائرة الخطاب الذهني العاطفي إلى التعبير بوضوح عن الشخصية الفلسطينية عبر أدب كفاحي ملتزم امتاز بطابعه المتفاعل مع الهم الفلسطيني الجماعي والمعبر عن الحّس الشعبي العميق. وقد تصاعد الدور الكفاحي للحركة الثقافية وشكل ركيزة أساسية من ركائز المقاومة والصمود اليومي ضد الاحتلال وجرائمه. وقطعت هذه الحركة شوطًا كبيرًا في مجال إذكاء وتنمية الوعي الوطني، وتجديد علاقة الثقافة والأدب بالواقع اليومي المعاش، وكشفت جوهرية الالتزام في بناء وتشكيل الصرح الثقافي الفلسطيني.
وقامت النخب الفلسطينية المثقفة بدور بارز في نمو هذه الحركة، المبدع الفلسطيني يكتب من خلال المعايشة اليومية للواقع الفلسطيني، وهو يكتب عن القيم الحضارية، وعن المرحلة والحصار والدم المراق، وما يعمق صورة الإنسان الفلسطيني وواقعه المأساوي ويدفعه إلى الأعلى نحو ترسيخ هويته وتكريس حقه في الوجود والحياة والمستقبل في وطنه. المبدع الفلسطيني يغمس وجدانه في قضايا الناس وهمومهم ويتفاعل مع الأحداث، ويرفض منطق الهزيمة والاستلاب والتشرد. الحركة الثقافية الفلسطينية استطاعت أن تغرس جذورها وتعمق الارتباط بالأرض والوطن والالتحام بالقضية العادلة رغم سياسة البطش والقمع والقهر وغياب الحرية[9]. لذلك ينبغي إعادة صياغة العلاقة بين السلطة الوطنية والمشتغلين بالمجال الثقافي بالشكل الذي يكفل مواجهة التهديد الذي تتعرض له الثقافة الوطنية[10].
وتحاول هذه الورقة تحليل العلاقة بين الثقافي والسياسي على المستوى الفلسطيني من خلال تناول خمسة موضوعات رئيسية هي: التفاعل بين الثقافي والسياسي في فلسطين: لمحة تاريخية، الثقافي والسياسي في عهد السلطة الوطنية، الثقافي والسياسي في عهد الحكومتين، المشهد الثقافي في غزة، وتشخيص الواقع الثقافي الراهن في فلسطين وكيفية النهوض به.

أولا- التفاعل بين الثقافي والسياسي في فلسطين: لمحة تاريخية

واجه المشروع الثقافي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطين المحتلة عام 1948 تحديات كبيرة مع بروز المشروع الثقافي الصهيوني[11]، كمشروع استعماري استيطاني إحلالي ارتكز فيه الكيان الإسرائيلي على القوة الرخوة ممثلة في الأسلحة الثقافية والدعائية تساندها القوة الصلدة ممثلة في القوة العسكرية. ففي سياق تناول مسيرة الحركة الثقافية في فلسطين وتأثيرها على الحالة الوطنية منذ نكبة 1948 إلى يومنا هذا، لوحظ حدوث فراغ في المشهد الثقافي في الداخل بعد النكبة لتمكن الصهاينة من إجهاض الدور الثقافي والوطني للمدن الفلسطينية الكبرى. وعلى العكس من ذلك فإن نكسة 1967 أثرت إيجابيا على الحالة الثقافية ووحدت فلسطين التاريخية تحت الاحتلال، إذ باتت الكتب الوطنية أكثر انتشارًا في مكتبات فلسطين، وأصبح للشعراء دور بارز في الحركة الثقافية.
أما بالنسبة لفلسطين المحتلة عام 1948، حيث اهتمت الحالة الثقافية بقضية الهوية والصراع مع الكيان الإسرائيلي، فإنها تعرضت لمحاولات إلغاء ثقافي وسياسي، فلوحظ عدم وجود دور نشر أو وسائل إعلام تهتم بالمشهد الثقافي أو نقاد أدب حقيقيين من شأنه أن يحد من تطور الحالة الثقافية بهذا الشكل المهدد للهوية. من هنا فإن التواصل الثقافي بين الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم في داخل فلسطين وخارجها يعد أمرًا ضروريًا لا غنى عنه[12]. وهكذا فإن واقع الحال الثقافي للفلسطينيين عبر مجموعة التحولات التي مرت بالقضية الفلسطينية منذ نمو وتطور المشروع الصهيوني يعكس تواصلا مستمرًا للعلاقة بين الثقافة والشخصية الوطنية[13].
وقد غلب على الحركة الثقافية الفلسطينية بعد نشوء المنظمة الطابع السياسي والدعائي؛ حيث تم الاحتفاء بعدد كبير من الأدباء والكتاب والشعراء المعتمدون بشكل مباشر على القضية والخطاب السياسي والتراث بفنية متواضعة جدًا. وحول دور المثقف في الحياة السياسية يلاحظ أن التخبط السياسي الذي شهدته الساحة الفلسطينية منذ عام 1936 يعود أحد مسبباته الرئيسية إلى الجانب الثقافي والمعرفي المهمش. فليس للمثقفين أي دور حاسم في الحياة العامة، ولا في اتخاذ القرار السياسي ولا التربوي ولا التعليمي ولا في مختلف مناحي الحياة. إن الحياة الثقافية في فلسطين انعكاس للحياة السياسية، قائمة على جماعات وشلل وليس على تيارات لها منظومة فكرية تخوض جدالا وصراعًا حقيقيًا. القائمون على الحياة الثقافية هم مسيسون أكثر منهم مثقفين. مفهوم السلطة أفسدهم وفتح شهوتهم وشهياتهم، لهذا يتعاملون مع المنبر الثقافي كوسيلة للحضور الاجتماعي وللحضور السياسي[14].
ورغم أن السياسة والثقافة في فلسطين لا ينفصلان، وحيثما وُجد الفلسطيني تكون الثقافة على رأس المجتمع والسياسة، إلا أن هذا الأمر بقي كذلك حتى عام 1982[15]. فبعد خروج منظمة التحرير من لبنان وافتقاد القيادة الفلسطينية للسلطة التي كانت تمارسها، ضعفت سيطرتها المعنوية على الشعب الفلسطيني وكانت بداية الانكسار السياسي. في هذه المرحلة دخلت منظمة التحرير في مرحلة إنقاذ نفسها من مأزق فقدان السلطة بمسلسل طويل من التنازلات والضعف. وخلال تلك المرحلة أودى بحياة عدد من المثقفين ودفع عددًا غير قليل منهم إلى اعتزال العمل القيادي الثقافي. وبعد أن كان أعضاء اتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين من كبار مفكري ومخططي وموجهي المشروع الثوري الفلسطيني، من أمثال منير شفيق وغيره، دخلت الحالة الثقافية في الخمول والغيبوبة، وابتعد المثقفون عن المشروع الثقافي الفلسطيني[16].
وكان الجدل الدائر في دائرة الثقافة بمنظمة التحرير وفيما يتعلق بإنتاج المنظمة للثقافة الفلسطينية، يتركز في أن الثقافي يتبع السياسي وأن المثقف موظف عند الرجل السياسي. والواقع أنه لا يعيب الكاتب أو المثقف أن تربطه علاقة بالسياسي ولكن ما يعيبه هو أن يكون تابعًا للرجل السياسي وأن يكون إنتاجه الفكري خاضعًا لهيمنة القرار السياسي. الرجل السياسي ورجل الثقافة منشغلان في فلسطين بهم واحد هو الهم الوطني، وهذا يعكس وجود تداخل في الاهتمام المشترك بينهما. هناك إنتاج ثقافي فلسطيني ذو طابع فصائلي، وهناك شعر مقاوم وهو ممدوح وهناك شعر شعارات وهو بدرجة أقل من الجودة، وبالتالي لا يمكن القول أن السياسي الفلسطيني كان مهيمنًا على المشهد الثقافي، ولا يمكن اتهام المثقف الفلسطيني أنه كان مأجورًا عند السياسي الفلسطيني، ولكن يمكن القول أن طبيعة الهم كانت تفترض نوعًا من العلاقة لأن هناك رسالة للثقافة والأدب، فلا يمكن منع إنسان فلسطيني من الحديث عن قريته التي شرد وهجر منها، ولكن يجب أن يقدم المثقف أو الأديب أو الكاتب حلولا إبداعية للواقع[17].
ومع تفجير الانتفاضة الكبرى، شهد المشروع الثقافي الفلسطيني انطلاقة جديدة ومحاولات تقويم اندفع خلالها المثقفون الفلسطينيون إلى إحياء مشروعهم الوطني والنهوض به من جديد[18]. إلا أن ذلك لم يدم كثيرًا بعد تشتت قوات منظمة التحرير في سبعة دول عربية واحتلال صدام للكويت ثم عقد مؤتمر مدريد والتوصل إلى اتفاقات أوسلو المجحفة بالحق الفلسطيني، فقد أسهمت هذه التطورات في عدم توفير الفرصة للمثقفين كي يتعاملوا جيدًا مع الظاهرة الانتفاضية الفلسطينية، وأضحت الفعاليات الثقافية لا تتعد الاعتصام والمناشدة وتوقيع العرائض. إن سلوكًا كهذا لا يمكن أن يصنع مشروعًا ثقافيًا. قد يُفهم عجز وصمت السياسيين وتناقضاتهم وألاعيبهم، لكن لا يفهم تقاعس المثقفين أو تواطؤ بعضهم. وكان يجب أن يحثوا على الرفض والمقاومة والتصدي للفساد والتآمر[19].
وقد اتخذت القيادة الفلسطينية من الظروف الصعبة التي لحقت بالشعب الفلسطيني ذريعة لاختزال الحالة الثورية الفلسطينية وروح المقاومة التي بثتها الانتفاضة في الشعب في الداخل والخارج، فكانت عملية التسوية والتفاوض في هذه المرحلة اختزالا للواقعية السياسية للقضيةَ الفلسطينية وتحييدًا لقادة المشروع الثقافي ومصادرة للفكر والرأي. وهكذا كانت التسوية نقيضًا لاتجاهات المثقفين الفلسطينيين فاصطدمت بهم وحدث الانفصام وازدواج الرؤية في الشخصية الثقافية الفلسطينية[20].
وهكذا، تأثر واقع الحال الثقافي بمجموعة التحولات التي مَرَّت بالقضية الفلسطينية منذ عام 1881 وحتى وقتنا هذا. يأتي في طليعة هذه التحولات: المقاومة المبكرة والانتفاضات المستمرة في مواجهة بدايات عمليات الاستيطان الصهيوني ثم الانتداب البريطاني ثم نكبة 1948، مرورًا بتشكيل منظمة التحرير الفلسطينية وولادة فصائل المقاومة الفلسطينية، وانتهاءً باللحظة الراهنة التي أعقبت اتفاقيات أوسلو وظهور سلطة وطنية، ثم ظهور سلطتين وحكومتين متناقضتين في غزة ورام الله عقب قتل ياسر عرفات مسمومًا ثم سيطرة حركة حماس على قطاع غزة. تمثل هذه التحولات تفعيلا مستمرًا للعلاقة الوثيقة بين الثقافة والشخصية الوطنية رغم وجود صعوبات تكتنف الحديث عن الثقافة الوطنية والسياسة الثقافية[21].
ويمكن القول، تأسيسًا على ذلك، بأن هناك سبع مراحل أساسية للتفاعل بين الثقافة والسياسة في فلسطين، هي: مرحلة بزوغ الظاهرة الانتفاضية الفلسطينية تزامنًا مع عمليات الاستيطان الصهيوني المبكر (1881-1917) وفترة الانتداب البريطاني (1917-1948)، مرحلة النكبة والتهجير 1948-1964، مرحلة ظهور منظمة التحرير 1964-1982، مرحلة خروج المنظمة من لبنان وتشتيت فصائل المقاومة على سبع دول عربية (1982-1987)، مرحلة الانتفاضة الكبرى (1987- 1993)، مرحلة نشوء السلطة الوطنية (1993-2007)، ومرحلة السلطتان والحكومتان في غزة ورام الله بعد سيطرة حماس على قطاع غزة (2007-2011). وستكتفي الورقة فيما يلي ببحث العلاقة بين الثقافي والسياسي على صعيد المرحلتين الأخيرتين.

ثانيًا- الثقافي والسياسي في عهد السلطة الوطنية:

بعد مرور عشر سنوات على قيام سلطة الحكم الذاتي، تعمّق مأزق الثقافة الفلسطينية في الداخل والخارج، ودق معظم المثقفين ناقوس الخطر ضد الخمول الثقافي الإبداعي. مشكلة الثقافة مع السلطة الفلسطينية هي مشكلة توجيه وتعليب سياسي قادته رموز السلطة والدوائر الإدارية والوظيفية، فباتت الثقافة سلعة وأداة ووظيفة بعد أن كانت تميزًا وإبداعًا[22]. السلطة الفلسطينية امتداد لمنظمة التحرير وأجهزتها وارتباطها بظاهرة الكفاح المسلح والاهتمام بفاعلية الأجهزة الأمنية التي أصبح مسئولوها الكبار يقبضون فعليًا على مفاصل الحياة السياسية والإدارية في وزارات السلطة الفلسطينية، ويشكّلون غطاء لحالات لا تحصى من الفساد الإداري والمالي وحماية لمرتكبي المخالفات. فكيف يمكن لقادة الرأي من المثقفين والكتاب أن يواجهوا ذلك وأن يقولوا كلمتهم. لقد باتت الحالة الثقافية الراهنة فاقدة الوزن والتأثير، ولعلّ أبرز مظاهر السلبية في تجلياتها الثقافية هي غياب أي درجة من درجات التضامن بين المثقفين أنفسهم وعزلة كل واحد منهم، إنها حالة غير مسبوقة عنوانها الأبرز تراجع حضور الثقافة وغياب دور الفكر في تصويب المسار في كل الميادين مما يؤدي إلى استمرار التدهور ووصوله إلى درجة تهدد القضية الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني ومؤسساته بالخطر الشامل[23].
مطلوب مواجهة الأزمات الذاتية ومواجهة المشروع الاستعماري الثقافي والتصدي للمشروع الصهيوني الثقافي. فالإستراتيجية الثقافية غير موجودة في فلسطين في ظل غياب المثقف عن المشاركة في اتخاذ القرار الثقافي، القرار الثقافي ليس بيد المثقف والمبدع الحقيقي، بل هو في يد موظفين رسميين يتماشون في طرحهم مع الخطاب السياسي الرسمي الذي هو خطاب متعثر.‏ العلاقات الفئوية هي التي تحكم المشهد الثقافي الفلسطيني وهي لن تقدر على خلق مشروع ثقافي فلسطيني. وفي ظل تشرذم الكتاب لا توجد أية فرصة لنجاح مشروع ثقافي فلسطيني. والمطبعون والمتفاوضون المعترفون بالكيان الإسرائيلي لا يشكلون حيزًا مهمًا في المشهد الثقافي[24].
خلاصة القول، لم تستفد الثقافة الفلسطينية من التنوع الحاصل في المشهد الثقافي بعد نشوء السلطة الوطنية[25]، لأن السلطة قربت المثقف المطيع لتيار التسوية والتفاوض، واستبعدت المثقف الحر الملتزم بالثوابت الوطنية وخيار المقاومة[26].‏ ولم تكن الأغلبية الساحقة من المثقفين راضية عن هذه التسوية إزاء هذا الانفصام والتباعد بين السلطة والمثقفين، ووجدت السلطة نفسها أمام تحدي نشوء تيار رافض من المثقفين. غير أن القيادة الفلسطينية استطاعت استمالة عدد منهم بمناصب إدارية.
وقد كانت نظرة المثقفين الفلسطينيين في الداخل والخارج لوزارة الثقافة وإداراتها في ظل السلطة بأنها مضرب المثل في الفساد. وبات يمثل المثقفون موظفين وإداريين، وأُخرج المبدعون من دائرة الثقافة الرسمية. وهكذا ابتعد المثقف الفلسطيني عن المشروع الثقافي الوطني ولم تعد النخبة الثقافية تتصدر عملية المراجعة الواجبة. وبسبب اتفاقات أوسلو ارتبكت الثقافة الوطنية، مما أدى إلى فتح الباب أمام ظهور ثقافة سلطوية تبريرية كرّست تبعية الثقافي للإداري المسئول وحوّلت المثقف من مبدع إلى موظف يفتقر إلى روح المقاومة والنقد السياسي والمجتمعي. وهكذا ابتعد المبدعون عن قيادة المشروع الثقافي وتراخت السلطة السياسية في تلبية المطالب الثقافية[27].
لذا فالقلق حول الحالة الثقافية الفلسطينية قلق عام مؤسساتي قبل أن يكون فنيًا، واللوم يوجه إلى المؤسسة الفلسطينية الرسمية. فوزارة الثقافة الفلسطينية موجودة كديكور فقط، والسلطة مقصرة في رفد المشهد الثقافي. هذا إلى جانب تدخل المنظمات غير الحكومية في الحياة الثقافية بشكل مفرط مما أدى إلى انحدار النتاج الأدبي ليهوى في حفرة التجارية. وكذلك خضوع الجمعيات الثقافية للسيطرة الأمنية، وتهميش اتحاد الكتاب بشكل متعمَّد. فالمؤسسة السياسية تتعامل مع المثقفين كأنهم موظفين لدعاية سياسية. بعد اتفاق أوسلو قيل أن غزة ستتطور وتزدهر وهذا سينعكس على الحالة الثقافية، بيد أن الأمر كان غير ذلك، الشعراء الفلسطينيون لم يغنوا لأوسلو، لأنهم ليسوا موظفين عند السياسي[28].
وقد ناقش المثقفون في غزة حالة الثقافة الفلسطينية في الماضي والحاضر وما يمكن فعله لتطويرها إثر سعي السلطة لخنق الثقافة الفلسطينية الحرة الرافضة للتفاوض والتسوية والداعية إلى المقاومة والعمل الانتفاضي، وتناولوا أربعة محاور هي: الحالة الثقافية قبل قيام السلطة الوطنية وبعدها، الثقافة الفلسطينية في الداخل والخارج، التشريعات القانونية المتصلة بالثقافة وصندوق التنمية الثقافية، والمهمات والتحديات الراهنة أمام الثقافة الوطنية. بينما قام “مؤتمر المشروع الثقافي الفلسطيني: إستراتيجيته المستقبلية”، الذي عقد في القاهرة وشارك فيه عدد من المثقفين الفلسطينيين في الداخل والخارج، بانتقاد محاولات تطويع المشروع الثقافي الفلسطيني بما يتناسب مع المهمة التي جاءت من أجلها حكومة أبو مازن الأولى التي حظيت بدعم أمريكي لتنفيذ إصلاحات سياسية وتعليمية. إذ تحسس المثقفون الفلسطينيون خطورة غياب المشروع الثقافي الفلسطيني وطرحوا هذه الإشكاليات الخطيرة[29]. وفي مقارنة بين واقع الثقافة تحت الاحتلال وواقعها في ظل السلطة، فإن مساحة الحرية التي أتيحت للثقافة والمثقفين تحت الاحتلال تفوق نظيرتها في ظل السلطة. ولا يتوقف التقصير على المظاهر الثقافية، بل تعمق بالتوازي مع ظاهرة الفساد في السلطة والتي انعكست في أقسام وزارة الثقافة[30].
ولقد تسببت السلطة الوطنية، وهي التي قامت على خيار التسوية والتفاوض، في تراجع الحالة الثقافية بإلغائها لأهم ميزات الأدب الفلسطيني وهي ميزة المقاومة، حتى باتت الإشادة بالمقاومة تضع الكاتب في دائرة الشك. إزاء هذا الواقع فترت همة الكتاب والمبدعين وتحول بعضهم إلى موظفين حكوميين. وهذه السلطة التي ركزت اهتمامها في تعزيز قوتها وسطوتها وتمكين أجهزتها الأمنية وضعت المثقف الحر في صدارة المتهمين بالتآمر على مشروعها[31]. وبإلغاء السلطة لروح المقاومة في الأدب الفلسطيني والثقافة الفلسطينية، بات الأدب التافه هو عنوان مرحلة السلطة الفلسطينية، وبات الأدباء اللامعين هم أولئك الذين يمدحون ويبجلون والذين ألغوا النقد الفكري والسياسي من قاموسهم لصالح مديح تجربة السلطة.
وبالإضافة إلى أن السلطة لم تعمل على تطوير برنامج ثقافي يوحد الشعب الفلسطيني، فإنها بتوجهاتها وسياساتها ثبتت ثقافة الشقاق بين الثقافة الفلسطينية ومحيطها العربي[32]. وكرّست السلطة التعصب والقبلية وطورت أجهزة أمنها مهماتها وابتدعت رقابة على الكتب والصحف والمجلات والإذاعات وخطب الجمعة وحتى الشعر. وتعرض عدد من مكاتب الفضائيات للإغلاق وبعض المراسلين للضرب وبات شائعًا أن يسجن شاعر في فلسطين بسبب قصيدة أو نص[33].

أمام كل هذه التغييرات لن يتمكن المثقف الفلسطيني من القيام بدوره الحقيقي ما لم يبتعد عن السلطة، وبقدر اتساع الفجوة بين السلطة والمجتمع الفلسطيني اتسعت الفجوة بين مثقفي السلطة وهذا المجتمع، الأمر الذي يحبس المثقف في هامش ضيق لا يستطيع الخروج منه ما لم تسمح له السلطة بذلك، بما يضمن لهذه السلطة عدم قيادة المثقفين لمشروع جدي. على المثقفين أن يوسعوا المسافة بينهم وبين السلطة حتى يستحقوا قيادة المشروع الثقافي الفلسطيني، وأن يستعيدوا زمام القيم الأخلاقية والإنسانية وعلى رأسها ثقافة المقاومة، وبغير هذا لن يتمكن المثقف من تولي القيادة الحقيقية[34].
في هذا السياق قام الاتحاد العام للمراكز الثقافية في فلسطين بدعوة الجهات الرسمية المختصة بدعم المراكز الثقافية للنهوض بدورها في تعزيز الثقافة الوطنية بعيدًا عن قضايا الانتقام والثأر، فالثقافة الفلسطينية وحدها القادرة على إقامة تجمع وطني سياسي وتحقيق سبل النهوض بهذا الدور بما يعزز الجانب الإيجابي في المجتمع ويقضي على السلبيات. فيقوم الاتحاد بالضغط على صانعي القرار فيما يتعلق بقضايا الثقافة حتى يمكن تشكيل رؤية ثقافية موحدة للعمل الثقافي، ولتجميع المراكز الثقافية وتوحيدها بما يحقق مصالح الشعب الفلسطيني في كافة القضايا الثقافية. وقد طرح الاتحاد فكرة إعداد خطة وطنية للثقافة الفلسطينية بالتنسيق مع الحكومة والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، إلا إنه لم يتم الاتفاق عليها من قبل وزارة الثقافة. إن عدم اهتمام السلطة بالجانب الثقافي أثر على عمل المراكز الثقافية وأعاق حركتها حتى إن بعضها لم يستطع إلى الآن إقامة مقار دائمة لها بسبب النقص في التمويل وقلة الموارد. ولأن الحكومات تقدم دعمًا للمراكز الثقافية، فإنه ينبغي على السلطة أيضًا تقديم دعم غير مشروط يساهم في أن تحدد المراكز الثقافية قراراتها ومواقفها باستقلالية كاملة وبدون الالتزام برؤية من يقدم لها الدعم. فالمراكز الثقافية توجد ثقافة فلسطينية واحدة لا تتعدد[35].
ومما لا شك فيه أن الاحتلال والتحديات الاقتصادية والسياسية الناجمة عنه جعلت الانشغال بالأمور الأمنية والسياسية على رأس سلم اهتمامات أصحاب القرار في السلطة الفلسطينية، أما الثقافة فقد تراجعت إلى درجة متدنية من الاهتمام، إلا أن سببا آخر كان وراء تراجع موقع الثقافة في سلم اهتمامات السلطة وهو غياب الرؤية وعدم وضوح أهمية الثقافة في مؤسسة السلطة، ذلك أن اعتقادًا ساد ومازال بأن النشاط الثقافي ما هو إلا شعارات وخطابات ترفعها وتقول بها أحزاب وقوى سياسية أو مثقفون في قاعات مغلقة، وبالتالي يتداخل مفهوم الثقافة الوطنية مع الدعاية الحزبية، أو أن الثقافة هي مجرد فِرَق فنية من رقص وغناء وموسيقى.
تأسس على هذا التصور اعتقاد بأن وجود وزارة ثقافة هو نوع من الترف الوظيفي الذي يمكن الاستغناء عنه وإن وجدت فلتكن مفرغة المضمون. هذا التصور للشأن الثقافي عكس نفسه في الموازنة المخصصة لوزارة الثقافة حيث لا تتعدي 0.002 من الموازنة العامة. ترتب على هذا الضعف في الاهتمام الرسمي بالمجال الثقافي أن ضعفت العلاقة بين المثقفين، سواء داخل الوطن أو في الشتات، وبين المؤسسة الرسمية وخصوصًا وزارة الثقافة أو أصبحت علاقة شخصية تأخذ طابع التبعية لهذا المسئول أو ذاك. أيضا تزايد عدد المراكز والمؤسسات الثقافية التي تعمل تحت العنوان الثقافي ولكن دون إستراتيجية وطنية ثقافية[36].
ونظرًا لعدم قدرة الوزارة على دعم هذه المؤسسات أو توفير المتطلبات الضرورية لعملها، لجأت هذه المؤسسات للجهات الدولية المانحة، والتي تجاوبت معها ولكن ضمن شروط لا تنسجم مع متطلبات الثقافة الوطنية. وقد بانت خطورة الارتباط بالجهات المانحة عندما تم تسييس كثير من المؤسسات والمراكز الثقافية لصالح جهات خارجية لا تخفي معارضتها للمشروع الوطني وسياساته. ومن غير المقبول ترك المجال الثقافي يقاد بعقلية القطاع الخاص أو شروط الجهات المانحة. والفعل الثقافي لا يمكن ولا يجوز أن يُحصر في إطار العمل الرسمي، فالثقافة هي عالم الحرية اللامتناهي، وخاصة في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي وفي ظل الأفكار المسبقة السلبية حول السلطة الوطنية ومؤسساتها، ووزارة الثقافة جزء من السلطة، ولكن في الحالة الوطنية وعندما تصبح الثقافة والهوية محل تهديد وجودي، فإن الأمر يحتاج لتفعيل المجال الثقافي بشكل لا يحد من الحرية بل ينظمها ويرشدها ويحدد أولويات العمل الثقافي، وهي عملية لا تعود للوزارة وحدها بل تشارك فيها كل المؤسسات الثقافية الوطنية رسمية وغير رسمية. وعليه، مطلوب من السلطة أن تعيد النظر في رؤيتها لأهمية الثقافة والفعل الثقافي[37].
وبالنسبة لقطاع النشر في عهد السلطة، فهناك قيود مفروضة على صناعة الكتاب في فلسطين، كما أن المشروع الثقافي الفلسطيني، وهو جزء من المشروع الثقافي العربي وتطوير علاقاته الثقافية مع العالم العربي أمر ضروري، إلا إنه لم يقدم إلا القليل على صعيد حركة النشر المحلي داخل فلسطين خلال أعوام السلطة الفلسطينية، وعلى صعيد التعاون مع دور النشر العربية. لكن الكتَّاب والمثقفون الفلسطينيون قاموا بدور فاعل في مواجهة الثقافة الإسرائيلية المزورة[38]. وقد وقعت حركة النشر في فلسطين أسيرة للوضعين الأمني والسياسي فحد ذلك من مساهمتها في إثراء الحركة الثقافية. وتقف عدة عوامل حجر عثرة أمام قيام دور النشر بمهامها في نشر الإنتاج الثقافي المحلي أهمها: صعوبة توزيع الكتاب وضعف الإقبال على القراءة وعدم وجود تسهيلات حكومية لدور النشر مثل منحها إعفاءات ضريبية. ومرت حالة النشر بحالات مد وجزر تبعًا للظروف السياسية التي كان يعيشها الشعب الفلسطيني. فإسرائيل كانت قبل إنشاء السلطة الوطنية تمنع عملية النشر، كما كانت تمنع عملية إدخال أي كتاب من الخارج إلى فلسطين أو طباعة أي كتاب يتم تسريبه من الخارج. فالكتاب شكل تاريخيًا عنوان مجابهة مع إسرائيل كونه سلاحًا معرفيًا للحفاظ على الهوية الفلسطينية[39].
ولم تطبع المؤسسة الثقافية الرسمية أي كتاب لأي مثقف فلسطيني يعيش في الشتات منذ قيام السلطة الفلسطينية سوى بضعة كتب. والطباعة في فلسطين ليست قائمة على قوة النص بل قائمة على قوة العلاقة بين المسئول والكاتب. وهناك مثقفون فلسطينيون في الشتات لا يعرف عنهم شيء حتى من المثقفين أنفسهم في الداخل. فالإقصاء موجود وكل من يخالف أي مسئول ثقافي يحرم من النشر[40]. لقد تعززت صناعة النشر بعد قيام السلطة الوطنية حيث شهدت فلسطين إقبالا على تأسيس دور نشر وشهدت هذه الفترة حراكًا مهمًا إلى حين اندلاع انتفاضة الأقصى في العام 2000؛ حيث تراجعت حركة النشر بسبب تردي الأوضاع السياسية والأمنية وفرض إسرائيل الحظر مجددًا على استيراد الكتب. واستمر التدهور في حركة النشر حتى العام 2005؛ حيث نظمت وزارة الثقافة بالتعاون مع اليونسكو معرض فلسطين الدولي السادس للكتاب ورافق ذلك إدخال أحدث الإصدارات مما شكل كسرًا لحالة الحصار المفروضة[41].
وتوجد صعوبات كبيرة تعترض مهمة دور النشر في إثراء الحركة الثقافية الفلسطينية أبرزها ضعف الدعم الحكومي؛ فالسلطة الوطنية لا تدعم الثقافة من خلال تقديم تسهيلات ضريبية لدور النشر كما يحدث في الدول العربية بل على العكس تفرض غرامات كبيرة على استيراد الكتاب، فدور النشر فلا تتلقى أي شكل من أشكال الدعم الحكومي. يوجد بند في اتفاقية أوسلو يستند إلى قانون إسرائيلي يفرض على أصحاب دور النشر دفع غرامة مالية عن كتب أدب الأطفال المستوردة من الخارج والتي تكون مكتوبة بأحرف غير عبرية، أموال هذه الغرامة والتي تقدر بحوالي 12% من قيمة فاتورة الاستيراد تصب في نهاية المطاف في خزينة السلطة الوطنية، والعمل بهذا البند لا يخدم المساعي لنشر الثقافة لاسيما بين الأطفال. العائق الآخر الذي يحد من عمل دور النشر هو الحصار الذي يعمل على تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية[42].
ويحتاج نشر الكتاب لحدود مفتوحة لاسيما في الاستيراد والتصدير، وإسرائيل تسعى إلى عرقلة هذه العملية من خلال وضع معوقات جمة من بينها عدم السماح باستيراد الكتاب من الدول العربية التي لا تقيم علاقات معها. كما أن دور النشر العربية لا تشتري من نظيرتها الفلسطينية سوى جزء يسير من الإنتاج الثقافي الفلسطيني. ومعظم إنتاج دور النشر الفلسطينية يعود لمثقفين ومبدعين مغمورين. والمثقفون الفلسطينيون من ذوي الصف الأول غالبًا ما ينتجون كتاباتهم وإبداعاتهم في دور نشر عربية وأجنبية الأمر الذي يحد من الدور التسويقي لدور النشر الفلسطينية، حتى الكتب السياسية تنشر في الخارج.
ومن الواجب على وزارة الثقافة -في هذا الصدد- أن تتبنى مطالب الناشرين الفلسطينيين من خلال إيجاد آليات عمل تدعم صناعة النشر في فلسطين. كإعفاء الناشرين من كل ما يترتب عليهم من ضرائب وجمارك لتخفيف الأعباء عليهم ولإيصال الكتاب إلى القارئ بأقل الأسعار، حتى يتحقق الهدف المنشود وهو تعميم ثقافة القراءة والمعرفة في فلسطين. فما حدث في الواقع هو تردي الحالة الثقافية ومعاناة دور النشر من الكساد وعدم استقرار الوضعين الأمني والسياسي، نتيجة احتياج دور النشر لحدود مفتوحة تمكنها من توزيع الكتاب ونشره واستيراده وتوريده، وهذا غير متوفر في الأراضي الفلسطينية.
ومن الملاحظ عدم وجود بند واضح في موازنة السلطة الوطنية لدعم الثقافة الفلسطينية ودور النشر، رغم أن الارتقاء بأداء دور النشر يؤدي إلى تقدم الحركة الثقافية بشكل عام. وضعف الإقبال على القراءة مرده انشغال العامة بتوفير قوت يومها، كما أن انعدام الدعم الحكومي لمختلف المؤسسات الثقافية أدى إلى تراجع الحركة الثقافية، وهو ما انعكس سلبًا على إنتاج دور النشر المحلية. وقد قُدِّر حجم الإنتاج الثقافي لدور النشر المحلية بما لا يتجاوز نسبة 5% من حجم إنتاج أي دولة عربية أخرى رغم وجود ما يقارب من 300 دار نشر في الضفة وقطاع غزة؛ حيث لا تتعدى دور النشر الفاعلة العشر، معظمها مجرد مطابع تحت مسمى دار نشر، ومعظم المؤسسات التي تحمل مسمى دار نشر لم تؤدِ رسالتها الثقافية، أما دور النشر الحقيقية لا تتعدى أصابع اليدين في أحسن الأحوال[43].
وفيما يتعلق بمراقبة أداء دور النشر بعد حصولها على الترخيص فإنه ليس من اختصاص وزارة الثقافة وإنما اختصاص اتحاد الناشرين، وعليه أن يحدد شروط العضوية وكم الكتب المطلوب من كل دار نشرها سنويًا ونوعيتها كي تحافظ الدار على عضويتها في الاتحاد. أما بخصوص الرقابة على مضامين الكتب التي تنتجها دور النشر فالمواطن هو الحكم على الكتاب سلبا أم إيجابًا.
والمحصلة أن دور النشر منقسمة على نفسها كحال الوطن المنقسم على نفسه؛ فاتحاد الناشرين الفلسطينيين هو الممثل الرسمي لدور النشر باعتباره ممثلا في اتحاد الناشرين العرب وهو يسعى دائمًا إلى تقديم التسهيلات لدور النشر المحلية عند مشاركتها في المعارض الخارجية مثل توفير جناح مجاني، في حين توقفت وزارة الثقافة عن الارتقاء بوضع دور النشر وحالة الاتحاد العام للناشرين[44].

ثالثًا- الثقافي والسياسي في عهد الحكومتين:

هناك علاقة بين حالة الضعف الثقافي والتصدع الخطير الذي أصاب المشروع الوطني منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، فهناك وجه آخر من أوجه التراجع في المجال الثقافي، وهو إغلاق أو تقليص نشاط كثير من دور النشر الفلسطينية[45]. ورغم توافر الرغبة في التغيير وخلق ثقافة وطنية، توجد حالة إحباط تسيطر على المثقفين نتيجة للأوضاع السياسية القائمة.
إن قراءة أولية للمشهد الثقافي الفلسطيني الحالي تؤكد تأثره الكبير بالوضع السياسي القائم وبكل مرحلة سياسية تمر بها القضية الفلسطينية[46]. ففي ظل التشرذم السياسي والانقسام القائم في فلسطين اليوم، بينما الشعب محبط ومشغول بتحصيل قوته اليومي، انكفأ بعض المثقفين على أنفسهم وتراجع حضورهم في المشهد الثقافي الفلسطيني معتبرين أن الكلمة أصبحت فتنة أو فعلا عبثيًا، وأن السلطة القائمة، ممثلة في حكومة فتح في رام الله وحكومة حماس في غزة، لا تعبر عن تطلعاتهم الوطنية ولا تجسد رؤيتهم لمشروعهم الوطني، وبدءوا يبحثون عن موضوعات غير وطنية لإبداعاتهم. ومن الملاحظ أنه عندما يفشل السياسي يصبح دور المثقف الحر في الحفاظ على الهوية وحماية الثقافة الوطنية ورفع الروح المعنوية للشعب أكثر إلحاحًا وصعوبة وأهمية من أي وقت[47].
وهنا فإن الخلافات السياسية لها دورها في تعميق التدافع السلبي بين الثقافة والسياسة في فترة وجود حكومتي حماس وفتح المتناقضتين، وهو ما يعكس حالة من الإحباط العام، بينما على العكس توجد حالة من التفاؤل العام عندما تتصاعد مواجهة الاحتلال رغم شدة وطأتها.
إن التداعيات السلبية للتدافع بين الثقافي والسياسي بسبب الشقاق بين فتح وحماس أو بسبب التحيز مع أو ضد فتح أو حماس كثيرة، منها: ضعف القدرة على مواجهة العدو، وزيادة التمزق والتفرق السياسي والاجتماعي، والازدواجية الثقافية على المستوى الوطني، والصراع السياسي الداخلي، والتحكم في تقرير الاتجاهات والسياسات بشكل ازدواجي أيضًا. وهنا فالإنسان الفلسطيني أصبح حائرًا في ظل هذا الانقسام والغالبية العظمى أصيبت باللامبالاة والشعور بالاغتراب. ومن التداعيات السلبية أيضًا: انعدام الأمن وغياب حرية الرأي والتفكير، حتى أصبح المتنفس الوحيد للناس هو المنتديات على الشبكة العنكبوتية، إلا إنهم يعلنون عن أنفسهم بأسماء مستعارة خشية القمع وهذا بمثابة تفريغ كبت، حماس تسب على فتح وفتح تسب على حماس، مما أدى إلى انعدام الفكر الموضوعي والمنطقي، وذلك نتيجة للتفكير الفئوي المتعصب.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن الحصار المفروض على غزة في ظل سيطرة حماس، له تداعياته على الحالة الثقافية من زاوية نقصان المواد اللازمة لسير العملية الثقافية على أكمل وجه، مثال ذلك عدم توفير الورق ومستلزمات القرطاسية، وقطع الكهرباء أكثر من ثلثي اليوم، وهو ما ينعكس بالسلب على الحالة الثقافية ويؤثر على الإنتاج الثقافي وحركة التأليف والأنشطة الثقافية. كما أن إشكالية الرواتب تقوم بدور سلبي للغاية في هذا التدافع بين الطرفين المتناحرين، ففتح تعطي رواتب في غزة مقابل عدم المشاركة في الحياة الثقافية، والمثال هنا قطاع التعليم، مقابل عدم توظيف أو إنهاء خدمات المنتمين لحماس في الضفة الغربية، بهدف سعي فتح لإفشال حماس والتصدي لسيطرتها على غزة، وهذا يؤدي إلى صدام حماس مع المثقفين. وهكذا يصبح المثقفون بين مطرقة حكومة حماس في غزة وسندان حكومة فتح في رام الله.
وبالنسبة للمؤسسات الأهلية في غزة، فبعد أن كانت تقدم خدمات ثقافية أصبحت ملاحقة وتسعى حماس للسيطرة عليها أو قمعها، وفي المقابل تسعى فتح للسيطرة عليها أو قمعها في رام الله وفي مدن الضفة الغربية التي تخضع لسلطتها، وخاصة إذا عرف عن أفرادها الميول الحمساوية.
أما بالنسبة لدور النشر فمازالت تتلمس طريقها نحو المشاركة؛ فوزارة الثقافة حاولت خلال السنوات الماضية مد يد العون لدور النشر من خلال تفعيل حضورها في المعارض المحلية والدولية، وتم توفير جناح مجاني لفلسطين في المعارض العربية تتيح للناشرين الفلسطينيين المشاركة فيها ما يخفف الأعباء التي يتحملونها دون غيرهم من الناشرين في الدول الأخرى[48].
وعلى مستوى الإعلام، الصادر عن كلا الطرفين، فقد سيطرت عليه ثقافة “الردح”، كما هو الحال في تليفزيون الأقصى التابع لحماس الذي يمثل فضح ممارسات فتح وفسادها وتشويه صورة قياداتها شغله الشاغل، وتليفزيون فلسطين التابع لفتح الذي يمثل تشويه صورة حماس وحكومتها وفضح ممارساتها السلبية بحق العائلات أو أبنائها الذين لا ينتمون إلى حماس شغله الشاغل.
كما أن المواقع الإلكترونية لفتح ولحماس أصبحت تتبنى ثقافة الردح مع أو ضد. حتى صحافة الجدران فإنها لم تسلم من الشقاق بين فتح وحماس، فهي مقصورة على حماس في غزة، ومقصورة على فتح في رام الله والضفة.
أما بالنسبة لقطاع التعليم، فقد تعرضت المؤسسات التربوية والثقافية في فلسطين إلى أعمال تخريب دائم وحصار جائر من قِبل العدو الصهيوني استهدفت تشويه مناهج التعليم وتمزيق مكونات الهوية الثقافية[49]. إن المتابع للسياسة الإسرائيلية في حربها ضد الشعب الفلسطيني، يلمس أن هذه السياسة تعمل على جبهتين: جبهة عسكرية لاحتلال الأرض، وجبهة سياسية ثقافية لهدم ذاكرة الإنسان الفلسطيني وتشويه تاريخ القضية[50].
كما لوحظ حدوث التجاذبات على مستوى الجامعات، فحماس في غزة تسيطر على جامعة الأقصى والجامعة الإسلامية، وفتح تسيطر على جامعات الضفة. وهناك تحكم في اتحادات الطلبة، وحتى المنتديات الثقافية خضعت للانقسام الثقافي ولم تسلم منه، فضلا عن انعدام الحرية وزيادة الكبت. وهذا ليس هو الجو الأكاديمي المطلوب، فهو جو مسيَّس مليء بالإضرابات والاضطرابات.
وقد تأثر طلبة المدارس بالانقسام الثقافي، فنسبة التعليم في غزة بعد سيطرة حماس في انحدار، حيث أدت ازدواجية السلطة الوطنية إلى حدوث التسيب الدراسي وانتشار الأمية رغم الجهود الكبيرة جدًا لوكالة الغوث في إصلاح الخلل الثقافي الناجم عن الانتفاضة والناجم عن الخلاف بين فتح وحماس، حيث أن 60% من المدارس تابعة للوكالة والمدارس المتبقية تابعة للحكومة. وقد خضع التلاميذ الفلسطينيون إلى مناهج تربوية متعددة، بدءًا من المنهج الصهيوني الذي يستبدل ذاكرة بأخرى، وصولا إلى مناهج انتقائية متعددة، تذكر فلسطين أو تنساها وفقًا لأحوال السياق. هناك صعوبات تواجه الحديث عن الثقافة الوطنية والسياسة الثقافية والمثقفون الفلسطينيون، مما يشكل تهديدًا للهوية الفلسطينية[51].
من جهة أخرى، فإن ما تقدمه الثقافة العربية وما يقدمه المثقف العربي من إسهامات في الشبكة العنكبوتية صار بإمكان من شاء أن ينشر ما شاء ويقدمه باعتباره موصلا إياه مباشرة إلى المتلقي دون المرور بأي وسيط أو رقيب، وذلك على قدم المساواة مع أي أديب أو مثقف آخر. ويبقى التساؤل عن مصداقية المعلومة، وهي تمثل نقطة سلبية وإيجابية في آن: سلبية نظرًا للتلوث الذي تحدثه في الويب، وإيجابية لما تضمنه من مساواة وديمقراطية بين منتجي الفكر والثقافة المعنيين بنشره في سائر أرجاء المعمورة؛ فالعديد من النصوص التي تقصى ظلمًا من التداول الورقي -إما لمنع الرقيب أو لبيروقراطية جهاز النشر أو لسوء تقدير هيئة النشر- تجد فضاءً رحبًا للتداول، وبالتالي ثمة من ينجح في تكريس نفسه كاتبًا انطلاقًا من الشبكة، فتجد أعماله طريقها للنشر الورقي، كما ثمة من يكون قد كرس نفسه كاتبًا في عالم الورق، ولا يجد له موطئ قدم في القارة الافتراضية. خط فاصل بين ثقافتين ومثقفين: ثقافة ومثقف رقميين عصريين، وثقافة ومثقف ورقيين تقليديين[52].
ففي العالم العربي قليلة هي النماذج التي أدركت عمق التحولات التي تعرفها الثقافة البشرية في ظل الثورة الرقمية التي نعيش بداياتها، وبالتالي انتقلت من عالم الورق إلى عالم الرقم أو زاوجت بين الاثنين. وهنا يكمن عمق الثورة الرقمية في كونها ستؤدي إلى تحول كبير ليس في ميدان الدراسات الأدبية فحسب، بل وكذلك في أشكال التواصل وحقول المعارف البشرية بكاملها، سواء على مستوى الإنتاج والنقل والإيصال أو على مستوى التلقي والتداول. فما الكتاب، والقراءة، والمؤلف، والإبداع الأدبي سوى قضايا جزئية في سياق تحول جذري يهم الحضارة البشرية بكاملها. هذه النماذج التي تزاوج بين النشر الورقي والنشر الإلكتروني تحضر في ثلاث واجهات: صحف ومجلات، مواقع ثقافية، ومواقع شخصية. واعتماد مثل هذه الأشكال كمعيار لتقويم حضور المثقف العربي في الشبكة العنكبوتية يكشف عن نتيجة محزنة مفادها أن عدد المواقع الثقافية والفكرية العربية لا يتناسب وعدد المبدعين والمفكرين ونقاد الأدب في العالم نفسه، وبالتالي فالثقافة العربية لا زالت في شطرها الأعظم ثقافة ورقية كلاسيكية تقليدية، في عصر يتسم أساسا بإعداد مراسيم وداع زمن جوتنبرغ وتحول الكتاب الورقي إلى مجرد قوسين في تاريخ البشرية، مثلما كان الحجر والألواح الطينية وورق البردي مجرد محطات في تاريخ الكتابة أفضت إلى الكوديكس الحالي الذي لن يكون بالتأكيد المحطة النهائية لتجسيد الإنسان لذاكرته وفكره[53].
فالوضع العام للثقافة العربية وضع تخلف رهيب على مستوى بناء مشهد ثقافي عربي في الشبكة العنكبوتية. وفي سياق السعي لبناء مشهد ثقافي عربي عام بالشبكة، لم يتم حتى الآن عقد ندوة عربية واحدة في الشبكة العنكبوتية، لم يتم حتى الآن ولوج الأشكال الجديدة للكتابة، لم يتعامل مبدع عربي واحد مع الوسائط المتعددة، لا يوجد موقع عربي واحد خاص بإنتاج شخصية فكرية أو إبداعية عربية مشهود بثقل إسهامها في الثقافة العربية، بالإضافة إلى غياب منتديات متخصصة في الشؤون الثقافية يجتمع فيها المثقفون والمبدعون والنقاد ذوو الاهتمامات المشتركة لتبادل الخبرات والتجارب وطلب المساعدة أو تقديمها[54].
من هنا يأتي دور إقامة مؤتمر الثقافة الفلسطينية الالكتروني لدعم ونشر الحركة الثقافية في فلسطين ولتطوير الإبداعات الأدبية والفنية التي تعزز دور الثقافة والمثقف والفنان في المجتمع الفلسطيني. ويهدف المؤتمر إلى إعادة الاهتمام بالأدب الفلسطيني، وتفعيل الجهد النقدي الذي بات محدودًا، وتنشيط الواقع الثقافي الفلسطيني وإعادة الاعتبار للثقافة الوطنية، فضلا عن تقديم الإبداع الثقافي الفلسطيني للقارئ العربي بأقلام عربية، والتأكيد على صلة الأدب الفلسطيني بعمقه الثقافي العربي، وتكثيف المادة الثقافية الإلكترونية المتداولة بين الكُتَّاب والمبدعين العرب، وتحقيق سبق ثقافي إعلامي من خلال عقد المؤتمرات الثقافية عبر الانترنت، وكذلك استفادة الثقافة الفلسطينية من ذلك لتحقيق التفاعل الجماعي بين الكتاب والمبدعين الفلسطينيين ومع المحيط العربي الثقافي، وقد عقد المؤتمر بشكل دوري سنويًا، وسيكون هناك مجموعة من الخبراء العرب في المحاور الثقافية والفنية المطروحة سيقدمون دراساتهم النقدية بعين النقد البنَّاء والهادف لتعزيز الحالة الثقافية الفلسطينية.[55]

رابعًا- المشهد الثقافي في غزة:

فرضت قيود على المشهد الثقافي الفلسطيني في غزة بعد سيطرة حكومة حماس على قطاع غزة، ترتب عليها أن ابتعد المثقفون عن نشاطات وزارة الثقافة في حكومة حماس واتجهوا إلى بدائل كالمركز الثقافي الفرنسي ومركز القطان ومؤسسة الثقافة والفكر الحر لعرض أعمالهم. فقد حدث شرخ آخر بين وزارة ثقافة حكومة حماس في غزة ووزارة ثقافة حكومة فتح في رام الله بسبب قطع كل طرف رواتب الموظفين لديه ممن ينتمون لطرف الحكومة الأخرى، الأمر الذي لم يجعل المثقف حرًا في اختيار مواقفه.
ووصل هذا الشقاق حدودًا مثيرة للسخرية في طريقة ملاحقة كل طرف للآخر ومنافسته، إلى درجة أن ذلك أثار أقاويل بعض الجهات الرسمية في الدول العربية المحيطة حين تم إعلان القدس عاصمة للثقافة العربية عام 2009 حيث لم يتم تقديم أي اقتراح لفعاليات عمل وطني مشترك. هناك العديد ممن يريدون التعاون مع وزارة الثقافة في حكومة حماس، لكنهم يخافون من انقطاع رواتبهم، فمن يمارس نشاطه الثقافي في غزة يتهموه في رام الله بأنه اعترف بالانقلابيين ويتعاون معهم[56].
ففي سياق فعاليات القدس عاصمة ثقافية دعت حماس المثقفين لاجتماعات أسبوعية لتقديم مهرجان وفعاليات وطنية ثقافية، لكن العديد من المثقفين والكتاب لم يشاركوا، في حين أن من حق المشهد الثقافي عليهم أن يقدموا شيئًا مجديًا وموحدًا للعالم للتعبير عن الهوية الثقافية الفلسطينية.
ومن المفترض أن يقود ذلك المثقفين إلى التعاون ووضع خلافاتهم جانبا وتقديم مشهد متنوع والتحاور للوصول إلى مشروع مشترك، دون أن يكون الثقافي ملحقًا بشروط السياسي. إلا أن التحضير للقدس كعاصمة ثقافية يحدث خارج إطار مرجعيات العمل الثقافي، وتحول إلى عمل مسيس يتسم بنوع من العلاقات الضيقة والبعيدة عن هياكل وفعاليات الحراك الثقافي، وكذلك وزارتا الثقافة في رام الله وغزة، بالإضافة إلى قصور المرجعيات الثقافية الأخرى بسبب قلة تأثيرها وضعف حضورها، وكذا مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في الحقل الثقافي واتحاد الكتاب تحديدًا إلى جانب رأس المال الوطني الذي لا يرى في الثقافة قيمة ذات جدوى يمكن الاستثمار فيها.
فمشاركة غزة في العملية الثقافية بعد الانقسام أصبحت ضعيفة للغاية، إن لم تكن غائبة، نتيجة لضعف اهتمام الحكومة الفلسطينية ووزارة الثقافة والمرجعيات الثقافية الرسمية بالحراك والنشاط الثقافي في غزة، علاوة على أن حصة الثقافة من التمويل الحكومي محدودة جدًا[57].
وهكذا للنهوض بواقع المشهد الثقافي الفلسطيني يجب على المثقف والسلطة الحاكمة ومؤسسات المجتمع المدني ورأس المال الوطني القيام بالدور المطلوب. رأس المال لا يستثمر في الثقافة الفلسطينية والمؤسسات الثقافية مدعومة خارجيًا، ولأنه لا يمكن رهن القرار السياسي فلا يمكن رهن الثقافة الفلسطينية بيد الدول المانحة. ينبغي تدخل رأس المال الفلسطيني لإنقاذ الثقافة الفلسطينية ودعمها، فالنقابات والاتحادات (مثل اتحاد الكتاب ونقابة الفنانين) معطلة ويجب إحيائها وتفعيلها وتنشيط دورها في الحركة الثقافية، ويجب على السلطة الوطنية أن تتدخل لحماية الثقافة ودعمها وتنشيطها[58].
وخلاصة القول فإن الانقسام بين فتح وحماس، بين حكومة غزة وحكومة رام الله لم يكن انقلابًا سياسيًا فقط، بل إنه انقلاب على الهوية الثقافية أيضًا. إذ لا يمكن التعامل مع موظف وزارة الثقافة المعين سياسيًا، كثير من المثقفين في غزة موظفون في السلطة ولهم موقف سياسي مما حصل من الانقلاب ومن القائمين عليه. ولا يستطيع المثقف تحت دعاوى التوازن والتسامح أن ينزع عن نفسه صفة الوطنية.
وحول الدعوة إلى المشاركة في النشاطات الثقافية يثور التساؤل عن مدى السماح للتعبير عن وجهة النظر بصراحة وشفافية في الندوات التي تقيمها حماس في غزة والتي قد تتعارض في كثير منها مع وجهة نظر سلطة حكومة حماس في غزة، وأن ذلك لن يؤدي إلى الاعتقال. فلا يعيب المثقف أن تكون له وجهة نظر في القضايا السياسية كما لا يعيبه أن تكون له وجهة نظر في القضايا الاقتصادية وكذلك كل أوجه الحياة. فالمثقف مواطن يهتم بأمر بلده واهتمامه بالسياسة جزء من اهتمامه بحياته الخاصة. من حق المثقف أن يتبني وجهة النظر السياسية التي تناسبه، ولكن لا ينبغي أن يكون المثقف مأمورًا بقرار سياسي، بل مطلوب منه أن يساهم بجدية في إنتاج وصناعة الأفكار التي تقدم المادة الخام للمواقف السياسية[59].
وهكذا وبالنظر إلى حالة فتح وحماس فإن مثل هذا الاختلاف اختلاف ثقافي، وإن كانت له مسببات وتبعات سياسية. فوحدة المشهد الثقافي مصدرها وحدة الشعب الفلسطيني، ولا ينبغي للمثقف أن يعزل نفسه في برج عاجي عما يحدث، فالمشهد الثقافي رديء منذ بدايته ويهمش الشباب وفعالياتهم كما كان يهمش المثقفين المحسوبين على اتجاهات إسلامية سواء من قِبل الوزارة أو اتحاد الكتاب، الأحادية الثقافية موجودة منذ زمن بعيد.
ووزارة الثقافة طوال الأعوام الماضية قبل سيطرة حماس على غزة لم تقدم شيئًا للمواطن العادي، وكذا اتحاد الكتاب. على الرغم من أنه من الممكن توظيف الحالة الثقافية لتصبح وسيلة لمقاومة الاحتلال والحصار. وتحاول وزارة حماس أن تكون على مستوى التحديات وتعيد للثقافة أوْجها في الحياة اليومية لكنها لم تستطع لكثير من العقبات التي تواجهها.
ولا يمكن إقامة شراكة وقواسم مشتركة بين فتح وحماس ومجموعة الأفكار والمسلكيات التي يعكسها واقع الانقسام في قطاع غزة، وهو واقع سلبي لا يترك أية نافذة للحوار مع أي رأي مختلف في المشهد الثقافي أو السياسي أو الاجتماعي. وادعاء البعض أن الطرف الآخر الوطني لا يتعاطى معه باتجاه إنجاز عمل ثقافي موحد بخصوص اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية خلال العام 2009 فهو غير صحيح، فالرئاسة الفلسطينية أدرجت أسماء من مثقفي حركة حماس ليكونوا ضمن اللجنة التي تضطلع بهذا الأمر، لكنهم لم يتعاطوا بإيجابية مع هذا المقترح. وفي هذا السياق تمنع حكومة حماس في غزة أية فعالية ثقافية لا تتواءم ومنظومتها الفكرية، مثلما تمنع حكومة فتح في رام الله أية فعاليات لا تتواءم ومنظومتها الفكرية. لا بد للثقافي ألا يكون تابعًا للسياسي، لكن الواقع غير ذلك فالثقافي تابع للسياسي، وعليه فإن عملية الفصل بين الثقافي والسياسي ذات طابع صوري، فالسياسي الذي يدعو مثقفًا لا بد أن يكون متوائمًا أو متقاطعًا إلى حد معين مع فكره الثقافي[60].
فقد شكَّل انقسام فتح وحماس تمزيقًا غير مسبوق للنسيج الوطني الفلسطيني انعكس على أداء المثقفين كونهم جزءًا من الحالة الوطنية العامة، وأصبح العمل عملا تناحريًا بهدف انتصار لرؤى سياسية فئوية لا تخدم المشهد الثقافي الوطني. الأمر الذي يستدعي وجود وعي وطني لدى المثقفين دون الانتماء إلى السياسات الفصائلية المتناحرة. فمن يقرر الصواب والخطأ هو حس المجتمع وليس لأحد مصادرة حق الآخر في المعرفة واختيار السبل المؤدية لها، ولا يجوز لحكومة حماس قمع المشهد الثقافي الفلسطيني.
إن ما هو قائم لا يعدو كونه صراعًا على السلطة وليس على الفكرة، لا يوجد لدى حماس هيكل ثقافي متكامل وواقعي رغم امتلاكها الجمهور وقدرتها الكبيرة على التعبئة واستخدامها للدين. لم تحدث معركة ثقافية واحدة بشكل يليق بالمثقفين كي يكون هناك حراك ثقافي أو إغناء للحوار. المشهد الثقافي بشكل عام ملتبس من حيث إن الحركة فيه تتفاوت من موضع لآخر، وهو أمر طبيعي بحكم الشتات الفلسطيني[61].
ولا يزال المشهد الثقافي في قطاع غزة يراوح مكانه بعد أن تعطلت الكثير من الأنشطة والمراكز الثقافية وتراجع دور المؤسسة الرسمية في دعم وإحياء الثقافة؛ اتحاد كتاب لا حول له ولا قوة، ونقابات مغيبة وغير فاعلة، وأنشطة أدبية خجولة، وكتاب لا يحركون ساكنًا في زمن ساده الانقسام والفرقة وتراجع فيه مستوى الحريات. فالمثقف الفلسطيني فقد دوره في معالجة الواقع، وأدت حالة الانقسام إلى تراجع المشهد الثقافي الفلسطيني بسبب هيمنة السياسي على الثقافي[62].
وتعتبر الصالونات الأدبية والثقافية من أهم جسور التواصل بين المثقفين وبعضهم البعض والجمهور لما لها من تأثير عميق وسرعة في توصيل الرسالة الثقافية والأدبية. في غزة اليوم حال هذا الجسر لا يسر كثيرًا؛ حيث بات قصيرًا للغاية, ليس لفقدانه أهميته وإنما لفقدانه الاهتمام به. صالونات الأدب والثقافة بمفهومها المتعارف عليه كانت تقتصر فقط على الأدباء والمثقفين الذين كانوا يدعون بعضهم البعض إلى بيوتهم لمناقشة بعض الأمور الخاصة بهم كمثقفين وأدباء من أدب وشعر ونقد بعيدا عن الإنسان العادي والبسيط. وسرعان ما تغيرت هذه الطبيعة بحيث أصبحت تشمل فئات أخرى وتهتم بقضايا المجتمع.
وعند الحديث عن أي فعالية ثقافية أو أدبية أو تعليمية يجب التحدث عن مقومات خاصة يجب أن يتحلى بها القائمون عليها، من أهم تلك مقومات: حبّ العمل الثقافي والإخلاص فيه، عزيمة قوية وإصرار على النجاح دون انتظار أي مردود مادي، والانعقاد الدوري[63].
الحالة الثقافية في قطاع غزة حالة مهترئة وضعيفة والموضوع الثقافي همٌ ثقيل، فأمور الحياة العامة الحياتية والمعيشية تلهي المواطن الفلسطيني البسيط عن أي شيء ثقافي, وقد يسخر هذا المواطن ممن يدعوه إلى ندوة ثقافية أو إلى أي شيء ثقافي. الحالة الثقافية يرثى لها, كم الصالونات في قطاع غزة قليل جدا، وعدد من يحضرها أقل.
ورغم حداثة تجربة الصالونات الأدبية والثقافية في قطاع إلا أنها أثبتت أن المثقف الغزي متعطش لمثل هذه التجارب التي أثبتت بدورها نجاحها والتي تعتبر هي المنشط للحالة الثقافية في القطاع لاحتكاك المثقفين مع بعضهم البعض. فقلة العدد لم تلغِ جمال المضمون الذي يطرح فيها وجاذبيته من شعر ونثر ونقد لهذه التجارب.
ويبقى التفاعل الشخصي عبر الصالونات الأقوى لأن كل من يحضر الصالون يكون بشخصه وصفته, على خلاف المنتديات الإلكترونية فالكل يختفي وراء أسماء مستعارة ويحكي ما يشاء. تجربة الصالونات الأدبية والثقافية في قطاع غزة متواضعة وتستحق مزيدا من التقدير والدعم بسبب مضمونها الممتاز وحجم الانجازات المتمثلة في إعادة الحياة إلى الثقافة الفلسطينية الغزية ومحاولة إشراك المواطن الغزي في الجلسات والنقاشات التي خرجت عن طابع الصالونات التقليدي من مناقشة أمور الأدب والثقافة إلى مناقشة مستجدات الوطن والمواطن, فهي جلسات توعية بالدرجة الأولى، وفي كل هذا يحق للمثقف القائم على هذا الصالون أن يكون لديه مطالب كي يستمر في عطائه. المطلوب من أصحاب القرار والمسئولين والمؤسسات أن يكون تشجيعهم للأدب حبّا فيه وليس لأنه تابع لفصيل معين. هناك مطالبة صريحة لوزارة الثقافة لدعم الصالونات وكل المبادرات الشبابية التي تدعو إلى الثقافة والتي تكون بعيدة عن اللغط السياسي, فالثقافة تعيش في خطر ويجب أن تعاد مكانتها في الصدارة[64].
ولم تكن المرأة الفلسطينية غائبة عن المشهد الثقافي والعلمي، فلقد تبوأت الكثير من المناصب العلمية وتربعت على عرش الثقافة ونالت حصة مهمة في التعليم. وقد فرض النظام السياسي الفلسطيني قانونًا يلزم القوائم المتنافسة في الانتخابات التشريعية بضرورة تمثيل المرأة بنسبة 20%، واحتلت المرأة مناصب ومراكز قيادية مهمة في الأحزاب والقوى السياسية. إن المجتمع الفلسطيني بنظامه السياسي وتركيبته الاجتماعية يمثل حالة خاصة عن باقي المجتمعات العربية أتت من التجربة الثورية الفلسطينية[65].
من ناحية أخرى تكاد تنعدم في غزة المشاريع الثقافية ومعارض الكتب، في حين تبدو الحالة الثقافية أفضل في رام الله مقارنة بغزة. حيث تخلو غزة من معارض الكتب ومعارض الفنون والندوات والمحاضرات وأية فعاليات ثقافية. وقد تطورت الحالة الثقافية بشكل سلبي أدى إلى بروز مؤسسات ثقافية ذات هدف فئوي وليس هدف ثقافي، فالقنوات التليفزيونية ومحطات الإذاعة والصحف كلها مخربة، واتحاد الكتاب واتحاد الصحافيين مغيبان.
لقد أصبح هناك حالة من الازدواجية في الحالة الثقافية؛ فصحف حماس تمنع من دخول الضفة، وصحف فتح تمنع من دخول غزة، وهناك وزارتي ثقافة، واتحادي كتاب، واتحادي صحافة، وهكذا. وأدى ذلك إلى إضعاف التواصل الثقافي مع العالم الخارجي من قِبل غزة وحكومة حماس، بسبب سوء علاقة حماس بالخارج. وضعف التواصل الثقافي بين الفلسطينيين على مستويي الداخل والخارج، بينما التواصل أفضل حالا في رام الله. ولكن في مقارنة بين تداعيات الانقسام السياسي الفلسطيني على الحالة الثقافية الفلسطينية في الداخل والخارج، نجد أنه في الداخل أكثر حدة.
فولاء المثقف الفلسطيني أصبح يرتبط بانتمائه السياسي لفتح أو حماس، في حين أن دور المثقف الفلسطيني النزيه والمحايد مطلوب في مواجهة حالة الشقاق والتغلب عليها.
وهكذا ومن منظور مدى الحرية الثقافية، يلاحظ ندرة معارض الكتب ومعارض الفنون والمحاضرات والندوات والمؤتمرات والملتقيات والصالونات الثقافية والفنية والمعاهد واتحادات الطلبة والمدارس والجامعات. كما يلاحظ التخبط الفكري في تقييم الخلاف بين فتح وحماس بسبب الكتاب المأجورين أو الموالين لكلا الفريقين. وأيضًا، الافتقار إلى الكاتب الموضوعي النزيه بشكل كامل، الكاتب الموضوعي أصبح لا مجال له لا في الداخل ولا في الخارج، وأصبح التأثير للكاتب المأجور، ومن ثم قل تأثير الكاتب الموضوعي في الحياة الثقافية الفلسطينية.
وفيما يتعلق بالانقسام الثقافي في الواقع الفلسطيني، يمكن رصد المراحل التي مرت بها الحالة الثقافية في غزة قبل وبعد حماس؛ حيث يتبين أولا تأثير الاحتلال والحصار على الثقافة بفرض قيود على تصدير الثقافة إلى الخارج، ثم دور المثقفين في إيجاد حل لحالة الشقاق الفلسطيني بين فتح وحماس. وهنا يثور التساؤل عن سبب حرمان المثقفين الفلسطينيين في غزة من المشاركة الثقافية خارج فلسطين بسبب الحصار في ظل حكم حماس، ونسبة الاستشهاد أو القتل أو التصفية أو السجن أو تحديد الإقامة بين المثقفين. الأمر الذي يطرح التساؤل بخصوص مستقبل المثقف إذا لم يكن منتميًا لحركة سياسية في ظل وضع الشقاق الحالي بين فتح وحماس على المستوى السياسي؛ فالمثقف غير المنتمي سياسيًا ليس له مكان ولا مستقبل.

خامسًا- تشخيص الواقع الثقافي الراهن في فلسطين وكيفية النهوض به:

يبدو المشهد الثقافي الراهن في فلسطين مضطربًا ومشتتًا بسبب خضوعه للسلطة، فالثقافة الفلسطينية لم تخضع للسياسة مثلما تخضع لها في هذه المرحلة. ولكن لأن الأحوال السياسية تشهد حالا من الضعف والتأزم والحصار فإنه يجب على المثقف أن يكون له دور في مواجهة القضايا المطروحة ولا بد للثقافة أن تواجه هذا الواقع السياسي المأزوم بحيث تحدث تحولا سياسيًا واجتماعيًا ما في المشهد العربي الراهن، يجب على المثقفين اختراق هذه الأزمات. صحيح أن النشاطات الثقافية لا تتوقف لكن هذه النشاطات لا تكفي وحدها لتصنع حالة ثقافية شاملة.
مطلوب من الثقافة العربية، وخاصة على المستوى الفلسطيني، ترسيخ هويتها وقضاياها عن طريق العديد من الفعاليات والأنشطة الثقافية والأدبية. فقد تبدو الثقافة العربية مزدهرة لكن المشكلات التي تعانيها تحول دون ترسيخ هذا الازدهار؛ وفي طليعة هذه المشكلات علاقة الثقافة بالسلطة رسمية كانت أم غير رسمية، فضلا عن الترهيب غير المعلن الذي تمارسه جهات نصبت نفسها في موقع المسؤولية. إلا أنه من غير الجائز أن يغلب الطابع التشاؤمي على التفاؤل، فالثقافة مهما عانت فهي قادرة دائمًا على النهوض بنفسها[66].
إن دور الثقافة والمثقفين في فلسطين هو حماية الثقافة الوطنية المهددة من عدو صهيوني يؤسس وجوده على نفي وجود الآخر، وجدوى حرية المثقف أن توظف لوضع حد لفتنة تهدد وحدة الأمة وتاريخها وثقافتها. ولكن عندما يصبح الشعب مهددًا بالفتنة الداخلية ويصبح السياسيون ضعفاء وتائهين وتتحكم فيهم قوى خارجية، وعندما تصاب الأمة باليأس آنذاك يصبح للثقافة دور مختلف ويبرز دور المثقفين القيادي لحماية الهوية والثقافة الوطنية ورفع الروح المعنوية للشعب.
وتاريخيا كان الشعب الفلسطيني يتميز بالثقافة وبمثقفيه وحضورهم المتميز في المؤسسات العلمية والأكاديمية والثقافية وفي الأحزاب والحركات السياسية العربية وفي الندوات الفكرية عبر العالم، ولم يكن حضورهم لكثرة عددهم في المشهد الثقافي بل لقوة قضيتهم الوطنية وعدالتها. ويرى كثيرون أن الحالة الثقافية والفكرية في فلسطين قبل تأسيس السلطة وحتى قبل ظهور السلطتين والحكومتين كانت أكثر فاعلية وتأثيرًا في المجتمع ومتوحدة حول مشروع وطني واحد[67].
اليوم وفي ظل الأزمة الشاملة للنظام السياسي الفلسطيني، والظروف الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية بسبب ضعف القيادة السياسية فلسطينيًا وعربيًا، تأتي مسؤولية المثقفين حول الدور الذي يجب أن يقوموا به في هذه المرحلة. وقد لوحظ حدوث تراجع كبير في حضور المثقفين في المشهد الفلسطيني وفي تأثيرهم على مجريات الأحداث لأسباب عدة منها: واقع الشتات وما يفرضه من قيود على حرية المثقف في التعبير عن هويته الوطنية وممارسة دوره الوطني، وشعور المثقف أن السلطة والأحزاب القائمة لم تعد تعبر عن تطلعاته الوطنية أو تجسد المشروع الوطني، واستقطاب السلطة للكثير من هؤلاء المثقفين الذين تحولوا لأبواق تجمِّل صورة السلطة ونهجها، فضلا عن إيثار العديد من المثقفين الابتعاد عن الحياة العامة معتبرين أن المرحلة مرحة فتنة[68].
وقد أدت اللامبالاة التي سيطرت على المثقفين الفلسطينيين إلى جعل الحياة الثقافية في حالة استلاب كامل؛ حيث خضعت حياة الكتاب والمبدعين لآليات حياة الموظف والقابضين على النفوذ المالي والاجتماعي[69]. وأكثر ما أصاب المثقفين وأثر سلبيًا على دورهم هو انقسام النظام السياسي بسبب حالة الشقاق بين فتح وحماس؛ فالنخب السياسية منشغلة بالصراع على السلطة.
وفي ظل هذه الأوضاع فإن الذين قاموا بملء الفراغ الثقافي إما مثقفين محسوبين على إحدى الفئتين فتح أو حماس وإما مثقفين مأجورين يدورون في فلك السلطة بشقيها ممثلة بحكومة رام الله وحكومة غزة. فالمراقب للمشهد الثقافي الفلسطيني اليوم سيجد أن الفضاء الثقافي تملأه ثقافة عولمة، أما الثقافة الوطنية فمحاصرة ومحل إهمال رسمي من الحكومتين. ورغم ذلك فهناك جهود منفردة لمثقفين وطنيين داخل فلسطين وخارجها مازالوا يرفضون هذا الشقاق المرير[70]، الذي نجم عنه واقع ثقافي مرير يقوم على سياسة التهميش والإقصاء تجاه المثقف الحر[71].
ومن ثم، مطلوب من المثقفين أن يعيدوا النظر في تصوراتهم للعمل الثقافي، فلا شك أن كثيرًا منهم أثبت حضوره في المشهد الثقافي محليًا ودوليًا كمثقف مبدع، إلا أن كل مثقف بمفرده لا يشكل حالة ثقافية تخدم الثقافة الوطنية؛ فقد لوحظ وجود علاقة طردية بين انكفاء المثقفين على ذاتهم واكتفائهم بالإنجاز الفردي وبين ضعف المشهد الثقافي الفلسطيني. تجلى هذا الخلل في تغلغل الخلافات السياسية في المجال الثقافي وحدوث حالة استقطاب بين المثقفين ليس على أساس مدارس ومذاهب ثقافية تتنافس وتتصارع على كيفية تطوير وتنمية الثقافة الوطنية أو الإبداع الثقافي، بل تتصارع لجر الثقافة الوطنية وتطويعها لخدمة هذا الحزب أو ذاك. ومن الملاحظ هنا ضآلة الإنتاج الثقافي الفلسطيني المبدع؛ حيث لا يوجد مثقفون يحملون مشاريع ثقافية، فهناك فرق بين وجود مثقفين ينتجون أعمالا ثقافية وبين وجود من يمتلك مشروعًا ثقافيًا متكاملا، أساسه توريث الثقافة والهوية الوطنية المتماسكة، وضياعهما أخطر من احتلال الأرض[72].
ويمكن للثقافة والأدب التعبير عما بداخل الإنسان الفلسطيني، والمجتمع الفلسطيني بكل أزماته المعاصرة هو مجتمع تناقضات متداخلة وصراعات مجتمعية ومع قوى خارجية. فواقع الثقافة الفلسطينية يعكس عدم اهتمام المؤسسة العاملة بالثقافة والفن وعدم اهتمام المجتمع المدني بالثقافة، مما أدى إلى حدوث تراخٍ في الحالة الثقافية الفلسطينية. فنشاطات اتحاد الكتاب والمؤسسات المختلفة معطلة، والكتاب مدانون في جزء من ذلك ولكن المؤسسة مدانة أكثر والمجتمع أيضًا مدان.
ولا يمكن محاكمة الأدب بمعزل عن النشاط العام في المجتمع لأن الأدب أساس التعبير عن أي نهضة في المجتمع، فالنهضة الأوروبية –على سبيل المثال- سبقت بنهضة ثقافية وأدبية، فالمثقف يجب أن يكون أول من ينهض.
وقد أدى الانقسام إلى تراجع الواقع الثقافي في قطاع غزة؛ الحالة الثقافية في غزة تكاسلت كثيرًا بعد الانقسام، فهناك نوع من الإحباط الداخلي وتراجع في مستوى الحريات، كذلك عدم وصول الصحف والملاحق الأدبية إلى غزة وعدم وجود مجلات أدبية ساهم في هذا التراجع.
لقد وقفت حالة الانقسام حجر عثر أمام المثقف الفلسطيني في تناوله لقضايا الواقع الراهن، كما أدى تراجع مستوى الحريات إلى تراجع مستوى التفكير في الحرية عند الكاتب، وفرضت حالة الانقسام على الكاتب أن يؤتمر بأمر الرجل السياسي وينفذ رغباته لا أن ينفذ رغبات الروح الإنسانية بداخله فهو في طليعة من يعبر عن الحق[73].

الخاتمة:

وهكذا يعود تراجع الحالة الثقافية الفلسطينية إلى تغلب السياسي على الثقافي؛ فالواقع الفلسطيني فرض ارتباط الشعب الفلسطيني بأكمله بالحالة السياسية بشكل مباشر. ورغم أن المثقفين هم السد المنيع أمام السياسي وهم الذين يحملون قضايا وهموم شعبهم ولا يمكن أن يقدموا تنازلات مثل السياسيين بل إنهم سند للسياسي، إلا أن طغيان الحالة السياسية في المجتمع الفلسطيني أدى إلى إيجاد واقع تراجع فيه المثقفون إلى الوراء ولم يكن لهم دور واضح بسبب تغلب الحياة السياسية على العمل الوطني بشكل عام[74].
لقد بات واضحا بعد السيطرة العسكرية لحماس على قطاع غزة ونشوء سلطتين وحكومتين في رام الله وغزة، وتداعيات ذلك على القضية الفلسطينية، أن الحاجة لاستراتيجية ثقافية لا تقل عن الحاجة لاستراتيجية أمنية أو سياسية، لأن ما جرى ليس نتاج خلل أمني أو سياسي بل هو اختراق للثقافة الوطنية، ومن ثم فالحلول الأمنية لن تقضي على حالة الانقسام، بينما الفعل الثقافي بكل أشكاله يمكن أن يساعد بشكل كبير على ذلك. فلو كانت الثقافة والهوية الوطنية محصنة جيدا لما جرى ما جرى أو على أقل تقدير لجرى بشكل أقل حدة ومأساوية[75].
يجب استنهاض عقلية الفلسطيني من خلال تنمية ثقافية تراعي جذورها وامتداداتها في بلورة نسق ثقافي، وتضمن ثقافة تحرر وطني وفق نهج مقاوم للتطبيع والتفاوض ومتصد لثقافة العولمة. فالمثقف الفلسطيني مكلف بمهمة إعادة تنشيط المشهد الثقافي ليقوم بدور فاعل ورائد في المجتمع الفلسطيني.
إن المشروع الثقافي يهدف إلى تثبيت الهوية الوطنية الثقافية، وفتح الآفاق لتطور هذه الثقافة.‏ وبذلك تتحول الذاكرة إلى سند ثقافي منيع في وجه ثقافة التغريب والاستلاب العولمي المترافق مع الغزو الثقافي الإسرائيلي. على المثقفين الفلسطينيين والعرب مواجهة ثقافة التزوير والتزييف التي تتطلب متابعة وقراءة كل ما ينتج عن المجتمع الإسرائيلي من إنتاج ثقافي يكشف عن الطبيعة العنصرية للكيان الإسرائيلي.‏ الفلسطينيون يواجهون عدوًا يمتلك كافة المقومات التي تؤهله للانقضاض على ما تبقى من أنقاض المشروع الثقافي العربي والفلسطيني، مقابل عدم تطور البناء الثقافي وتعمق أمراض الثقافة الفلسطينية، ومنها أن المبدع الفلسطيني الموظف في دائرة حكومية لا يمكن أن يساهم في إنتاج مشروع ثقافي جاد وجديد، ولا يمكنه بناء مشروع ثقافي حقيقي يستنهض الروح الحضارية ويشكل جبهة دفاعية ضد محاولات استلاب الهوية[76].
يتطلب ذلك بناء مشروع ثقافي فلسطيني على أساسين مهمين هما:‏ تأسيس تجمع حقيقي للكُتَّاب والمثقفين يقوم بأرشفة الثقافة الفلسطينية وتجميعها منذ ما قبل التاريخ ضمن أسلوب علمي مدروس، ووجود اهتمام إعلامي في احترام المثقف نفسه لتعميم إنتاجه لأنه يجب ألا تبقى الثقافة الفلسطينية في دائرة محدودة ومغلقة من خلال تقييمها عربيًا وعالميًا. ثمة مشكلة تتمثل في عدم الاعتراف بالثقافة المحلية في ظل غياب حركة نقدية جادة.‏
وحول مواجهة المشروع الثقافي الصهيوني يجب الاتفاق على مصطلح ثقافي فلسطيني واحد وحقيقي من قِبل كافة المثقفين؛ فالعملية الثقافية لا تقتصر على الكتاب والمبدعين والشعراء وإنما تمتد لتطال كافة قطاعات المجتمع.
إن المشروع الثقافي يتأتى من خلال الارتقاء بالوعي بالقضية الوطنية، وهكذا من المهم تأسيس أركان المشروع الثقافي الفلسطيني على أساس توثيق الذاكرة[77].‏
يمكننا كمثقفين وشعراء ومفكرين وباحثين وكتاب وصحفيين بناء مشروع ثقافي فلسطيني يتسنى له مواجهة المشروع الثقافي الغربي والصهيوني الغازي، ورغم أن كلتا المؤسستين الرسمية والأهلية لم توضع إستراتيجية قادرة على النهوض بالمشهد الثقافي في فلسطين، إلا أنه يمكن بناء جدار ثقافي قوي لا يخضع للتقسيم السياسي الجغرافي للمناطق الثقافية الفلسطينية بل يؤكد على وحدة الثقافة الوطنية الفلسطينية، وبمقدوره مواجهة التطبيع بكل أشكاله ومنع هرولة بعض المؤسسات والأفراد لهدم الجدار الثقافي الباقي، فضلا عن دوره في تهيئة البنية التحتية والآليات الكافية لخلق أجواء مواتية للإنتاج الثقافي من قِبل المثقفين والمؤسسات الأهلية، وتعميم النص الثقافي بعد تحقيقه ونشره من خلال كل التقنيات والمناهج والمنابر في الداخل والخارج.‏ هذه الأسس كافية لبلورة ملامح الاستراتيجية المطلوبة لمواجهة استراتيجية الاحتلال[78].‏
على المثقفين طرح قضايا وهموم الناس أكثر من غيرهم، لأنهم مرتبطون بالناس وبالحالة الاجتماعية والثقافية للمجتمع بشكل مباشر، عليهم الحرص على الانخراط في أوساط المجتمع وتقديم رؤى تحاول أن تستنهض الواقع الفلسطيني، لا أن يسكنوا في أبراج عاجية مثل السياسيين.
التشاور بين المثقفين والسياسيين أمر مطلوب لتحقيق النهوض بالواقع الثقافي الفلسطيني، والسلطة الوطنية مطلوب منها القيام بدور فاعل في تقديم الدعم المادي للعمل الثقافي وإنشاء المؤسسات الثقافية المختلفة ومناقشة القضايا المختلفة التي تهم المثقفين. كما ينبغي إعطاء المراكز الثقافية وقت أكثر للعمل الثقافي والأهلي حتى يكونوا قادرين على تحقيق رؤية ثقافية بما يحقق مصلحة الشعب الفلسطيني[79].
*****

الهوامش:

(*) أستاذ مساعد بمعهد دراسات العالم الإسلامي، جامعة زايد، أبو ظبي

[1] غسان مصطفى الشامي، المشهد الثقافي العربي فقير، 21/07/2009،http://www.palestinefree.org/news_view_6735.html
[2] محمد حسين، المشهد الثقافي العربي في مواجهة الإحباط والإلغاء، جريدة الثورة، 21/7/2006، http://thawra.alwehda.gov.sy/_kuttab_a.asp?FileName=87180383620060720220323
[3] محمد المدهون، حوار مع الروائي عاطف أبو سيف: يطالب رأس المال الفلسطيني بالتدخل لإنقاذ الثقافة الفلسطينية ودعمها، أكد رفضه تلقي المؤسسات الثقافية تمويلاً خارجيًا، البيادر السياسي، ع 963، 10/1/2009، http://vb.arabseyes.com/blogs/b2613.html.
[4] محمد حسين، المشهد الثقافي العربي في مواجهة الإحباط والإلغاء، مصدر سابق.
[5] د. علي محمد فخرو، المشهد الثقافي العربي ومراجعة تخطيطه، الراية، 4/9/2008، http://www.raya.com/site/topics/arti..4&parent_id=23
[6] إبراهيم أبراش، استنهاض الحالة الثقافية في فلسطين بين شح الإمكانيات وغياب الرؤية، الحوار المتمدن، ع 2103، 18/11/2007، http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=115697
[7] محمد المدهون، حوار مع الروائي عاطف أبو سيف، مصدر سابق.
[8] إبراهيم أبراش، استنهاض الحالة الثقافية في فلسطين بين شح الإمكانيات وغياب الرؤية، مصدر سابق.
[9] شاكر فريد حسن، عن الحالة الثقافية في غزة، عروق، http://www.orook.com/modules/AMS/article.php?storyid=5378
[10] إبراهيم أبراش، استنهاض الحالة الثقافية في فلسطين بين شح الإمكانيات وغياب الرؤية، مصدر سابق.
[11] عايد عمر، المشهد الثقافي داخل فلسطين في الألفية الثالثة كيف سيبني الفلسطينيون مشروعهم الثقافي في مواجهة التطبيع ورواية الآخر، وكالة معًا الإخبارية، 29/9/2007، www.maannews.net/arb/ViewDetails.aspx?ID=78579
[12] علي عبيدات، فنجان قهوة بنكهة سياسية في حضرة أنطوان شلحت، وكالة الأنباء الفلسطينية وفا، رام الله، 18/10/2010، www.naas.co.il/online/print.asp?aid=6856
[13] د. فيصل دراج، الهوية، الثقافة، السياسة: قراءة في الحالة الفلسطينية، القدس العربي، 13/4/2010، http://ru-ru.facebook.com/note.php?note_id=113116015375977
[14] سامي أبو سالم، الشاعر أحمد يعقوب يتمتع بتشظية اللغة وتصدمه الحالة الثقافية في فلسطين المشهد الشعري يتسم بسطوة الخطاب السياسي وهو وسيلة حضور اجتماعي، دنيا الوطن، غزة، 4/11/2004، http://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/12246.html
[15] بعد عشر سنوات على قيام سلطة أوسلو كيف تراجع المشهد الثقافي الفلسطيني؟، صوت فلسطين، http://www.palvoice.com/forums/showthread.php?t=44340
[16] المصدر السابق.
[17] محمد المدهون، حوار مع الروائي عاطف أبو سيف، مصدر سابق.
[18] بعد عشر سنوات على قيام سلطة أوسلو كيف تراجع المشهد الثقافي الفلسطيني؟، مصدر سابق.
[19] عايد عمر، المشهد الثقافي داخل فلسطين في الألفية الثالثة كيف سيبني الفلسطينيون مشروعهم الثقافي في مواجهة التطبيع ورواية الآخر، مصدر سابق.
[20] بعد عشر سنوات على قيام سلطة أوسلو كيف تراجع المشهد الثقافي الفلسطيني؟، مصدر سابق.
[21] دراج يقرأ الحالة الثقافية الفلسطينية وتحولاتها، الدستور، عمان، الأردن، 7/4/2010، http://www.addustour.com/ViewTopic.aspx?ac=%5CArtsAndCulture%5C2010%5C04%5CArtsAndCulture_issue909_day07_id226531.htm
[22] بعد عشر سنوات على قيام سلطة أوسلو كيف تراجع المشهد الثقافي الفلسطيني؟، مصدر سابق.
[23] راسم المدهون، لماذا يغيب دور قادة الرأي عن فساد الحالة الفلسطينية، الحياة، 22/6/2010، http://www.daralhayat.com/portalarticlendah/155095
[24] عايد عمر، المشهد الثقافي داخل فلسطين في الألفية الثالثة كيف سيبني الفلسطينيون مشروعهم الثقافي في مواجهة التطبيع ورواية الآخر، مصدر سابق.
[25] المصدر السابق نفسه.
[26] السابق نفسه.
[27] بعد عشر سنوات على قيام سلطة أوسلو كيف تراجع المشهد الثقافي الفلسطيني؟، مصدر سابق.
[28] سامي أبو سالم، الشاعر أحمد يعقوب يتمتع بتشظية اللغة وتصدمه الحالة الثقافية في فلسطين المشهد الشعري يتسم بسطوة الخطاب السياسي وهو وسيلة حضور اجتماعي، دنيا الوطن، غزة، 4/11/2004، http://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/12246.html
[29] بعد عشر سنوات على قيام سلطة أوسلو كيف تراجع المشهد الثقافي الفلسطيني؟، مصدر سابق.
[30] المصدر السابق نفسه.
[31] السابق نفسه.
[32] نفسه.
[33] نفسه.
[34] نفسه.
[35] محمد المدهون، رئيس الاتحاد العام للمراكز الثقافية يؤكد للبيادر السياسي على ضرورة تعزيز مفهوم الثقافة الوطنية، البيادر السياسي، ع898، 18/3/2006، http://mohammed-74.maktoobblog.com/date/2006/03/
[36] إبراهيم أبراش، استنهاض الحالة الثقافية في فلسطين بين شح الإمكانيات وغياب الرؤية، مصدر سابق.
[37] المصدر السابق نفسه.
[38] عايد عمر، المشهد الثقافي داخل فلسطين في الألفية الثالثة كيف سيبني الفلسطينيون مشروعهم الثقافي في مواجهة التطبيع ورواية الآخر، مصدر سابق.
[39] حركة النشر في فلسطين دور ضعيف في إثراء الحالة الثقافية، القدس العربي، 3/3/2008.
[40] عايد عمر، المشهد الثقافي داخل فلسطين في الألفية الثالثة كيف سيبني الفلسطينيون مشروعهم الثقافي في مواجهة التطبيع ورواية الآخر، مصدر سابق.
[41] حركة النشر في فلسطين دور ضعيف في إثراء الحالة الثقافية، مصدر سابق.
[42] المصدر السابق نفسه.
[43] السابق نفسه.
[44] نفسه.
[45] إبراهيم أبراش، استنهاض الحالة الثقافية في فلسطين بين شح الإمكانيات وغياب الرؤية، مصدر سابق.
[46] خميس لطفي، ثقافة العودة: مقابلة ثقافية، مجلة العودة، ع38، س3، 11/2010، http://www.alawda-mag.com/Default.asp?ContentID=1363&menuID=19
[47] المصدر السابق نفسه.
[48] حركة النشر في فلسطين دور ضعيف في إثراء الحالة الثقافية، مصدر سابق.
[49] في إجتماع المجلس التنفيذي لليونسكو بباريس سورية تدعو إلى توصيف الحالة الثقافية في الأراضي العربية المحتلة، اكتشف سوريا، 13/11/2010، http://www.discover-syria.com/news/9128
[50] إبراهيم أبراش، استنهاض الحالة الثقافية في فلسطين بين شح الإمكانيات وغياب الرؤية، مصدر سابق.
[51] انظر: د. فيصل دراج، الهوية، الثقافة، السياسة: قراءة في الحالة الفلسطينية، مصدر سابق.
[52] محمد أسليم، المشهد الثقافي العربي في الإنترنت قراءة أولية، ميدوزا، http://midouza.net/vb/showthread.php?t=110&highlight=%D1%DE%E3%ED%C9
[53] المصدر السابق نفسه.
[54] السابق نفسه.
[55] مؤتمر الثقافة الفلسطينية الإلكتروني الأول لعام 2008م من أجل المساهمة في تفعيل و نشر المشهد الثقافي الفلسطيني ودور المبدعين الفلسطينيين، www.ynbu3.com/vb/showthread.php?t=1346
[56] أسماء الغول، جدل ساخن وعميق في المشهد الثقافي الفلسطيني، الأيام، روزنامة: خريطة النشاطات الثقافية، http://roznamah.net/?page=det_page&category_id=7&id=253&lang=ar
[57] المصدر السابق نفسه.
[58] محمد المدهون، حوار مع الروائي عاطف أبو سيف، مصدر سابق.
[59] أسماء الغول، جدل ساخن وعميق في المشهد الثقافي الفلسطيني، مصدر سابق.
[60] المصدر السابق نفسه.
[61] السابق نفسه.
[62] محمد المدهون، حوار مع الروائي عاطف أبو سيف، مصدر سابق.
[63] محمد عثمان، صالونات الأدب والثقافة في قطاع غزة جسر قصير للتواصل والتأثير، أقلامنا، 21/12/2009، http://www.aklaamuna.com/vb/showthread.php?t=1537
[64] المصدر السابق نفسه.
[65] صفوت بلاصي، المرأة في المشهد الفلسطيني، 26/7/2008،
http://www.c-we.org/ar/show.art.asp?aid=142003
[66] نتاجات إبداعية: المشهد الثقافي العربي الراهن، الحياة، مرافئ، http://www.marafea.org/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=12962
[67] د. إبراهيم أبراش، المشهد الثقافي الفلسطيني بين الأمس واليوم الحالة الثقافية الفلسطينية قبل السلطة ثم السلطتين والحكومتين وقبل ظهور الحركات الإسلامية كانت أكثر خصبا، شبكة النبأ المعلوماتية، http://www.annabaa.org/nbanews/2010/02/146.htm
[68] المصدر السابق نفسه.
[69] راسم المدهون، لماذا يغيب دور قادة الرأي عن فساد الحالة الفلسطينية، مصدر سابق.
[70] د. إبراهيم أبراش، المشهد الثقافي الفلسطيني بين الأمس واليوم الحالة الثقافية الفلسطينية قبل السلطة ثم السلطتين والحكومتين وقبل ظهور الحركات الإسلامية كانت أكثر خصبا، مصدر سابق.
[71] أمجد التميمي، الشاعر احمد الأشقر يشخص المشهد الثقافي الفلسطيني بقصائد جريئة في أمسية برام الله، وكالة أنباء الشعر، فلسطين، www.alapn.com/index.php?mod=article&cat=OMSEYAT&article=12465
[72] إبراهيم أبراش، استنهاض الحالة الثقافية في فلسطين بين شح الإمكانيات وغياب الرؤية”، مصدر سابق.
[73] محمد المدهون، حوار مع الروائي عاطف أبو سيف، مصدر سابق، 10/1/2009.
[74] محمد المدهون، رئيس الاتحاد العام للمراكز الثقافية يؤكد للبيادر السياسي على ضرورة تعزيز مفهوم الثقافة الوطنية، البيادر السياسي، مصدر سابق.
[75] إبراهيم أبراش، استنهاض الحالة الثقافية في فلسطين بين شح الإمكانيات وغياب الرؤية، مصدر سابق.
[76] عايد عمر، المشهد الثقافي داخل فلسطين في الألفية الثالثة كيف سيبني الفلسطينيون مشروعهم الثقافي في مواجهة التطبيع ورواية الآخر، مصدر سابق.
[77] المصدر السابق نفسه.
[78] السابق نفسه.
[79] محمد المدهون، رئيس الاتحاد العام للمراكز الثقافية يؤكد للبيادر السياسي على ضرورة تعزيز مفهوم الثقافة الوطنية، مصدر سابق.

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2011

للتحميل اضغط هنا 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى