المقاومة والبناء في فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي

مقدمة:

الصراع العربي الإسرائيلي هو صراع حضاري في قلب الأمة العربية والإسلامية، وهو صراع تحاول فيه إسرائيل بكلِّ الوسائل شرعنة وجودها في المنطقة، بينما يقاوم الشعب الفلسطيني والمجتمعات العربية والإسلامية منذ اللحظة الأولى الوجود الصهيوني في المنطقة. في قلب ذلك الصراع الدائر، تمثِّل الجغرافيا والمساحة محورًا خطيرًا ومهمًّا، حيث كانت وما زالت الأرض جزءًا رئيسيًّا في الصراع منذ بدء التخطيط لإنشاء دولة إسرائيل على أراضي فلسطين، فمنذ البداية كان هناك تشجيع كبير لزيادة الكثافة السكانية للمستوطنين، وهو ما لن يحصل إلا من خلال السيطرة على أراضي الفلسطينيِّين وبناء مستوطنات جديدة. وهكذا، صمد الفلسطينيُّون أمام سياسات التهجير القسْري وهدم المنازل والقيود على البناء التي حرمتْهم من حقِّهم في السكن والاستقرار.

من أجل تسليط الضوء على هذا الأمر؛ يناقش هذا التقريرُ سياسات إسرائيل للسيطرة على الأراضي في فلسطين، والتي تظهر بوجْهين: الأول هو فرض قيود على بناء الفلسطينيين في أراضيهم، والآخر: هدم المنشآت التي بناها الفلسطينيُّون بالفعل، حيث يتم عرض تفاصيل تلك السياسات التي يُعاني منها الفلسطينيون، خاصةً في الضفة الغربية والقدس الشرقية وآثارها عليهم، ثم استكشاف الوسائل المختلفة التي يقاوم من خلالها الفلسطينيون سياسات الهدم والتضييق مؤكِّدين أحقِّيتهم في أراضيهم ورفضهم  لكلِّ محاولات التهويد والاستيلاء على الأراضي.

أولًا- نظرة عامة على سياسات البناء والإسكان في الأراضي المحتلة

لم تتوقف السلطة الإسرائيلية عن محاولات التطهير العرقي للفلسطينيين من خلال العديد من السياسيات، والتي من ضمنها السياسات السكانية والتي تتضمَّن: سياسة التضييق وفرض القيود لإعاقة عملية التطوير والبناء لدى الفلسطينيِّين، وعدم توسيع مساحة خريطتهم الهيكلية، وفي نفس الوقت عدم منح التصاريح اللازمة للبناء؛ مما يؤدِّي إلى زيادة كثافة البناء في نفس المساحة الضيقة وتراكُم الأبنية فوق بعضها، أو الاضطرار إلى بناء المنازل دون تصاريح ممَّا يعرِّضها إلى أوامر الهدم والغرامات من قبل القضاء الإسرائيلي. وبسبب ذلك، تضطرُّ بعض العائلات إلى الانتقال لمنازل أخرى في مدن مثل حيفا وعكا ويافا ذات تكلفة المعيشة الباهظة. إلى جانب هذا التضييق، تدعم السلطة الإسرائيلية مشاريع الاستيطان، من خلال الاستيلاء على الأراضي التابعة للفلسطينيين وتخصيصها لبناء المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عامة، وفي القدس على وجه الخصوص.

كل هذا يعكس منطق “القوة” في تشكيل وتوزيع المساحات والأراضي، فالتخطيط العمراني وسياسات الإسكان يُنظر إليها على أنها تحقِّق العدالة الأجتماعية وتساعد في تحسين ظروف المعيشة، لكنها في هذه الحالة تُعبر عن نظام من القهْر والسيطرة من قبل السلطات الإسرائيلية التي تخطِّط وتوزِّع المناطق والأراضي على نحو عنصري.

ففي القدس، يستطيع الفلسطينيون البناء بشكل قانوني على نحو 13٪ فقط من أراضي القدس الشرقية، ومع ذلك، فإن الكثير من هذه الأراضي مبنيٌّ بالفعل، والبناء المسموح به محدود، وعملية تقديم طلبات البناء معقَّدة ومكلِّفة. ومنذ أن ضَمَّتْ إسرائيلُ القدسَ الشرقيةَ بشكل غير قانوني، لم تَعُدْ للسلطة الفلسطينية ولاية قضائية أو وجود في المنطقة، مما يترك العائلات عُرْضَةً بشكلٍ خاصٍّ للنقل القسْري والتهجير. ويلوح التهديد بالهدم بشكل كبير بالنسبة لكثير من الفلسطينيين في القدس الشرقية، حيث يفتقر ثلث المنازل الفلسطينية تقريبًا إلى تصاريح البناء الإسرائيلية الرسمية، مما قد يعرِّض ما يصل إلى مئة ألف شخص لخطر الترحيل القسري[1].

وفي الضفة الغربية، لا يمكن للفلسطينيِّين البناء بشكل قانوني إلا في أقل من 1٪ من  مساحة المنطقة (ج)*، وحتى ضمن هذه النسبة، ترفض السلطات الإسرائيلية معظم تصاريح البناء. فبين عامي 2000 و2020، رفضت إسرائيل أكثر من 96٪ من طلبات الحصول على تراخيص بناء فلسطينية. ومن بين جميع الأراضي العامة في الضفة الغربية المخصَّصة لأيِّ نوعٍ من الاستخدام، ذهب ما يقْرب من 0.24٪ منها إلى الفلسطينيِّين، بينما ذهب 99.76٪ منها إلى المستوطنات والبني التحتية الإسرائيلية.

وهذا التخطيط المعمول به يتعارض مع القانون والالتزامات الدولية، لأنه لا يحترم القوانين والأخلاق والعادات المحلية للسكَّان الفلسطينيِّين. بالإضافة إلى ذلك، تفشل عملية التخطيط في ضمان الاحتياجات الأساسية والنظام العام والسلامة والحياة المدنية للسكَّان الفلسطينيِّين.

ومن الأدوات المستخدمة أيضًا لترحيل الفلسطينيِّين قسريًّا في الداخل وسلْب أراضيهم لإعطائها للمستوطنين، بالرغم من كونهم يحملون الهوية الإسرائيليَّة، تلك المشاريع التي تُعلن عنها الحكومات الإسرائيلية بأنها مشاريع تطوير، والمقصود بفكرة “التطوير”؛ السعي إلى مصادرة مساحات من أراضي الفلسطينيين وضمها إلى مستوطنات يهودية بغرض تحسين ظروفها الاقتصاديّة والحياتيّة، ومن ثم تتحول مشاريع التطوير إلى مشاريع تهويد للمكان والتضييق على سكانه الأصليين[2].

ثانيًا- نظرة عامة على سياسات الهدم في أراضي فلسطين المحتلة

تُعَدُّ سياسات الهدم إحدى الأدوات السياسية الإسرائيلية للسيطرة على أراضي الفلسطينيِّين، وهي جزء من رؤية كلية تلتزم بالتطهير العرقي للشعب الفلسطيني من خلال تضييق الخناق عليهم، فتهدف سياسات الهدم لطرد الفلسطينيِّين بالقوة من أماكن سَكنهم عبر وسائل مختلفة، منها: مصادرة الأراضي بحجج واهية، وهدم البيوت دون سابق إنذار، وتدمير البنية التحتية، وفي نفس الوقت يتمُّ تعزيز المستوطنات وبناء المزيد من الوحدات الاستيطانية، وتتنوَّع أنواع الهدم التي تطبِّقها السلطات الإسرائيلية، ومنها:

1- الهدم العقابي؛ حيث يتمُّ هدم المنازل كعقاب على أفعال الأشخاص المرتبطين بتلك المنازل، فسُلطة الاحتلال “تُعاقب” عائلة المُناضل بأكملها، بل والجيران أيضًا، من أجل ردع مناضلين محتملين، في محاولة للقضاء على المقاومة الفلسطينية. ورغم أن هذا الهدم لا يشكل أداة ردع بل يشجع على زيادة العمليات النضالية، فإن المحكمة العليا توافق على الغالبية العظمى من أوامر الهدم. ورغم تعليق عمليات الهدم العقابية في 2005، إلا أنها استُأنفت مرة أخرى منذ 2014 كنوع من الانتقام والعقاب الكيدي ضد أُسر المقاومين، في مخالفة واضحة للقانون الدولي، ويشكِّل هذا النوعُ من الهدم انتهاكًا خطيرًا لاتفاقية جنيف الرابعة، وجريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه ما زال مستمرًّا بل وتتم شرعنته، فقد جاءت نصوص صفقة القرن لتُورد أن إسرائيل غير مُجبرة على وقف “عمليات الهدم العقابية التي تعقب أعمال الإرهاب”[3]. ويتم هدم منازل المقاومين باستخدام أساليب مختلفة، من بينها التفجير، كما حدث مع منزل محمد الجعبري، منفذ عملية مستوطنة “كريات 4”[4]، في نهاية عام 2022، بعد محاصرة منزله لساعات[5]. وغالبًا ما تكون عمليات الهدم العقابية مصحوبةً بمداهمات عسكرية عنيفة تهدف إلى نشر الرعب في المنطقة بأكملها ويمكن أن تلحق أضرارًا جسيمة بالمنازل المجاورة[6].

2- الهدم الإداري، حيث يتم هدم المنازل لعدم الحصول على رخصة بناء، ويهدف قرار الهدم الإداري إلى التعامل مع المبنى غير المرخَّص بشكلٍ فوريٍّ ومنعِه من أن يصبح حقيقة نهائية، حيث يمكن لرئيس اللجنة المحلية أن يصدر أمر هدم دون التوجُّه إلى المحكمة، ويتم تنفيذ قرار الهدم الإداري خلال 24 ساعة فقط من موعد إلصاقه على المبنى في حالة بنائه دون رخصة، أو خلال 72 ساعة في الحالات الأخرى، في ذلك الوقت الضيق يصْعب على الفلسطينيِّين المتضرِّرين التوجُّه إلى المحكمة التي لا تبطل أمر هدم إداري إلا إذا تبين لها أن المبنى لديه رخصة بناء. يحدث هذا النوع من الهدم بشكل أوسع في المنطقة (ج)[7] من الضفة الغربية وفي القدس الشرقية، والتي تقع تحت السلطة الإسرائيلية الحصرية، إلا أن المنطقتين (أ) و(ب) -وهما تحت سيطرة السلطة الفلسطينية- معرَّضتان أيضًا لعمليات الهدم، ذلك أنه إذا كان المنزل على مقْربةٍ من قاعدة عسكرية أو جدار الفصل العنصري[8] أو طريق يستخدمه الجيش أو المستوطنون، فقد يتعرَّض أيضًا للهدم الإداري. وفي جميع الحالات تقريبًا، ليس أمام الفلسطينيِّين خيار سوى البناء “بشكل غير قانوني” حيث لا يتمُّ منْح التصاريح رغم كلِّ المحاولات الممكنة.

3- الهدم العسكري أو ما يُعرف بـ”عمليات تطهير الأراضي”؛ حيث يتم هدم المنازل من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي أثناء العمليات العسكرية بغرض تطهير قطعة أرض لأيِّ سبب كان، أو لقتل أشخاص مطلوبين، تحت ذريعة حماية الجنود والمستوطنين، ويمثل هذا جزءًا من سياسة إسرائيل في التهجير. وقد ألحقت عمليات الهدم العسكرية دمارًا هائلًا للمجتمعات الفلسطينية في كافة أنحاء الضفة الغربية وخاصةً في قرية سلوان، وتمثِّل هذه العمليات في الأراضي المحتلة حوالي 66٪ من عمليات الهدم التي تم تنفيذها منذ عام 1967[9]. وبالأرقام ربما تتضح الصورة بشكل أكبر، ففي العام الماضي وحده، تمَّ هدم 953 مبنى في جميع أنحاء الضفة الغربية أو الاستيلاء عليها، بما في ذلك القدس الشرقية، ويعتبر هذا أعلى رقم مسجَّل منذ عام 2016. وقد كان أكثر من 80٪ من المباني المهدَّمة يقع في المنطقة (ج)؛ فتمَّ تهجير ساكنيها وتضرَّر حوالي 28446 شخص منها نتيجة لعمليات الهدم.

وفي القدس الشرقية، ارتفع عددُ المباني التي هُدِّمَتْ على يَدِ أصحابها قَسْرًا بشكلٍ ملحوظ، من 34٪ في عام 2021 إلى 51٪ في عام 2022. ويتمُّ هدم المباني والمنازل بيد أصحابها لأنه يتمُّ تغريمُهم آلاف الشواكل ثمنًا للهدم والغرامات إذا قامت البلدية الإسرائيلية بالهدم بنفسها، فيضطر أصحاب المباني استباق البلدية وهدم مبانيهم بعد ثبوت قرار الهدم تجنُّبًا لدفع تلك الأموال الطائلة! كما كانت أوامر الهدم في مجتمعات مسافر يطا وقرية الولجة مصدر قلق كبير.

وفي ظلِّ الحكومة اليمينيَّة المتطرِّفة، سجَّل عام 2023 حتى الآن رقمًا قياسيًّا غيرَ مسبوقٍ في بناء المستوطنات في الضفَّة الغربية وفي محاولات إضْفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية. كما أن المستوطنين في القرى والأحياء هناك أصبحوا أكثر جرأة مع وجود تلك الحكومة اليمينة في السلطة، فقد ارتفعت اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيِّين وممتلكاتهم إلى مستوى قياسي[10]، حيث تم تسجيل 849 حادثة استيطانية في عام 2022، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 58٪ مقارنة بعام 2021 وزيادة بنسبة 123٪ مقارنة بعام 2020. هذا التصعيد في هدم منازل الفلسطينيين وبناء المستوطنات يرتبط بشكل واضح بمشروع القدس الكبرى -المعروف بـ”إي 1″- الذي تعتزم حكومة نتنياهو تنفيذه، والذي يهدف إلى تخفيض عدد سكَّان القدس العرب من نحو 42٪ حاليًّا إلى أقل من 20٪ وتغيير التركيبة الديمغرافية للمدينة، وذلك عن طريق عمليات التهجير والطرد وهدْم البيوت والإنذارات ومصادرة الأراضي والعقارات والتغلغُل داخل الأحياء العربية.

وفي نفس الوقت، يقضي المشروع السابق الذكر ببناء قرابة أربعة آلاف وحدة استيطانية لتستوعب أكثر من 14 ألفًا وخمسمئة مستوطن على أراضٍ فلسطينية في القدس الشرقية، وبموجبه سيتم إنشاء تلك المستوطنات لربْط ما يُسَمَّى مستوطنة “معاليه أدوميم” مع القدس المحتلة، ومنع التواصل بين جنوب الضفة وشمالها، وتعزيز ضم كتلة معاليه أدوميم إلى إسرائيل، وهذا سيؤدِّي إلى عزل القدس من ناحيتها الشرقية وربطها بالمستوطنات الإسرائيلية وفصل جنوب الضفة الغربية عن وسطها[11].

ويوجد 13 مجمعًا بدويًّا في القدس يقع ضمن نطاق منطقة “إي 1” تسْعى السلطات الإسرائيلية إلى الاستيلاء عليها، من ضمنها الخان الأحمر والذي زادت المطالبات من وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير بهدمه منذ بداية هذا العام بعد تأجيل المحاكم قرارَ الهدم لأكثر من مرة بسبب الضغط الدولي الكبير[12].

ثالثًا- مقاومة سياسات الهدم والتضييق في أراضي فلسطين المحتلة

في ظلِّ محاولات إسرائيل المستمرَّة لسلْب أراضي الفلسطينيِّين بمنعهم من البناء تارةً وبهدم منازلهم تارةً أخرى بهدف خلق بيئة تدْفعهم للخروج من أراضيهم، وفي ظلِّ ضعف السلطة الفلسطينية وسلبية المجتمع الدولي والعربي، يقوم الشعب الفلسطيني -أفرادًا وجماعات- بحماية أرضه بنفسه مستخدمًا كلَّ وسيلةٍ متاحة، ومن ضمن تلك الوسائل نجد الآتي:

1- مقاومة الهدم بالبناء

معظم الفلسطينيين الذين يبنون منازل على أراضيهم في الضفة يتم رفض طلبهم للحصول على تصريح بناء أو لا يتلقُّون إجابة بخصوص طلباتهم. من هنا، بدأ التفكير في أساليب البقاء ومواصلة إعادة بناء المنازل والمجتمعات، من ذلك: التوقف عن التقدُّم بطلبات الحصول على تصاريح البناء، والتحايل على نظام المراقبة الصارم، وبناء المنازل بشكل فردي.

فلم يعد الفلسطينيون ينتظرون تصاريح البناء، بل لم يعودوا يستجدونها حتى من سلطات الاحتلال، واستمرُّوا في بناء منازلهم دون ترخيص، رغم التهديد بالهدم، وبدلًا من ذلك يصدرون التصاريح من خلال مجلس قريتهم رغم عدم اعتراف السلطات الإسرائيلية به؛ لأنهم يعلمون أن تحدِّي النظام القمعي هو السبيل الوحيد للبقاء في أراضيهم. وبالتالي، ومن خلال التعلُّم بالممارسة، طوَّر الفلسطينيُّون تكتيكاتهم الخاصة لتلبية احتياجاتهم والبقاء على قيد الحياة في ظلِّ النظام الاستعماري الظالم المفروض عليهم. من هذه التكتيكات قيام بعض الأهالي ببناء منازل غير مكتملة بشكل كامل لتجنُّب الهدم، لأنهم يعلمون جيدًا أنه إذا كان المبنى قيد الإنشاء، فإن الإدارة المدنية الإسرائيلية لن تهدمَه، بل تعطي أمرًا بوقف البناء فقط دون الهدم؛ لكن الإدارة المدنية الإسرائيلية لاحظت أن البناء بدون تراخيص بناء أصبح ظاهرة متنامية، لذلك طبَّقت نظام مراقبة صارم لمنع نشاط البناء. ويتم تطبيق نظام المراقبة بالتعاون مع المستوطنين الإسرائيليِّين الذين يعيشون في مستعمرات غير قانونية في الضفَّة الغربية وغيرها، كما يتم القيام بزيارات ميدانية منتظمة من قبل مفتشي المباني التابعين لهذه الإدارة.

إلا أن وعي الأهالي الفلسطينيِّين بنظام المراقبة جعلهم قادرين على تطوير بعض الأساليب للتغلُّب عليه أيضًا؛ من ذلك إدخال المعدَّات والأدوات ومواد البناء بالليل والعمل طوال الليل بعيدًا عن أعين المستوطنين والمفتِّشين، وأيضًا العمل في أيام السبت والعطلات الإسرائيلية الأخرى عندما لا ينشط المستوطنون. وعادةً ما يراقب النظام الإسرائيليُّ المجتمعات الفلسطينية عن طريق إطلاق طائرات استطلاع بدون طيار لمراقبة الإجراءات على الأرض، لكن الأهالي يعرفون جيِّدًا متى تكون هذه الطائرات بدون طيار في السماء، ويعرفون كيفية مناورتها[13].

2- المقاومة بالتظاهرات والحملات الشعبية

يقوم الفلسطينيون في القدس الشرقية والضفة الغربية بمقاومة سياسات الهدم بكلِّ وسيلة ممكنة، ومن الوسائل التي يتبعها الأهالي هناك هي الإضرابات والاحتجاجات. ففي يناير 2023، نفَّذ سكان حي جبل المكبر بالقدس الشرقية المحتلة إضرابًا عامًّا احتجاجًا على موجة هدم المنازل التي نفَّذتها بلدية الاحتلال الإسرائيلي في ذلك الوقت بحجَّة البناء دون ترخيص. وقد أغلق السكانُ الطرق بالإطارات المحروقة والحجارة وسكبوا الزيت في الشوارع لمنع جرافات البلدية من دخول الحي لتنفيذ المزيد من عمليات الهدم[14]. ويقوم الفلسطينيُّون أيضًا بحملات شعبية تهدف لإعادة إعمار منازل هدمها الجيش الإسرائيلي، وذلك عن طريق جمع الأموال والمساعدات وتقديمها للعوائل المتضرِّرة لبناء منزل جديد[15].

تأتي الاحتجاجات والإضرابات جنبًا إلى حنب مع السير في المسار القانوني، حيث يقوم العديد من الأهالي بتقديم التماس إلى المحكمة العليا الإسرائيلية ضدَّ الإدارة المدنية التي أصدرتْ أمرَ الهدم، وتعْرض هذه الالتماساتُ عادةً ادِّعاءات المالك الواقعية والقانونية، ويتم المطالبة فيها بإلغاء أمر الهدْم أو تجميد عملية الهدم. وهذه الالتماسات مهمَّة في تأخير تنفيذ عملية الهدم حتى تبتَّ المحكمة في القضية[16].

3- المقاومة الرقمية

يستخدم النشطاء الفلسطينيون الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل متزايد لمشاركة قصصهم حول القمع اليومي الذي يواجهونه على يد السلطات الإسرائيلية. فهم يحاولون استخدام كل الوسائل الممكنة لإخبار العالم بواقع حياتهم، بما في ذلك تجاربهم مع الإخلاء القسري من منازلهم والقيود المفروضة على حريتهم في التنقُّل. إلا أن استخدام الإنترنت ونشر مقاطع الفيديو حول الظلم اليومي الذي يواجهونه يساعد في تأكيد المعاناة التي يئن الشعب الفلسطيني تحت وطأتها منذ سنوات، كما يجعل تجاهل الأدلة على الانتهاكات أكثر صعوبة. وقد اكتسبت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تايمز أوف غزة وعين على فلسطين، المخصَّصة لنشر الأخبار الفلسطينية، ملايين المتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل إنستجرام وتويتر وتيك توك.

وقد ظهر تأثير هذا النشاط الرقمي في مايو 2021، حيث تمَّ الاعتداء على الفلسطينيِّين خلال شهر رمضان في مجمع الأقصى، ممَّا أثار احتجاجات تحوَّلت بعدها إلى مظاهرات أكبر، واشتعلت إثر قرارات المحكمة العليا الإسرائيلية بإخلاء حي الشيخ جراح[17]. ورغم أن الانتفاضة الأولى انطلقتْ من القدس حيث يوجد حي الشيخ جراح، إلا أنها انتشرت سريعًا إلى مدن فلسطينية أخرى، وفي نهاية المطاف إلى غزة، حيث أطلقت حماس صواريخ باتجاه إسرائيل، بهدف إظهار أن غزة تحت الحصار تقف متَّحدة مع بقيَّة الأرض الفلسطينية المحتلَّة.

في ذلك الوقت، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا محوريًّا من جهتين: أولا، كآلية للاحتجاج والدفاع عن الحقوق الفلسطينية، وثانيًا، كوسيلة لتوثيق جرائم الحرب المحتملة. وقد كان للنشطاء الرقميِّين دورًا مهمًا في الأحداث، حيث استغلوا وسائل التواصل الاجتماعي لنشر وتوثيق الانتهاكات ومحاولات الهدم لبيوتهم في حي الشيخ جراح؛ فقد أطلقوا وسم / هاشتاج “#أنقذوا_حي_الشيخ_جراح”، ضمن حملة عبر منصات التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على قضية تهجير الأهالي في الحي، ومحاولات المستوطنين المستمرَّة للاستيلاء على منازل أهالي الحي[18].

في نفس الأحداث، انتشر وسم / هاشتاج “#FreePalestine”، مع 12.3 مليون وسم / هاشتاج في الساعة، حيث شارك الناس من مختلف الدول مقاطع فيديو للتفجيرات. وتُرجم النشاط عبر الإنترنت إلى حضور في الشوارع؛ حيث نُظِّمَتْ مسيرات تضامنيَّة مؤيِّدة لفلسطين في جميع أنحاء العالم. ولأول مرة، أدْلى مسؤولون أمريكيُّون بارزون بتعليقات تُدين تصرُّفات السلطة الإسرائيلية، بل إن بعضهم دعا الحكومة الأمريكية إلى وقف تمويل الجيش الإسرائيلي، وبالرغم من أن التعليقات صدرت عن أقلية صغيرة، فإن هذه الدعوات كانت جديدة تمامًا، كما أن وسائل الإعلام الغربية أوْلت القضيةَ اهتمامًا بارزًا وقدَّمت تغطية متعاطفة على نحو غير عادي للقضية الفلسطينية.

وهذا النشاط المتزايد للنشطاء الفلسطينيِّين عبر الإنترنت يقابله ردُّ فعل عنيف من قبل السلطات الإسرائيلية التي تعمل على نشر المعلومات المضلِّلة والتلاعب بالخطاب ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، وقد نجحت إسرائيل في الضغط على بعض الشركات لفرض رقابةٍ على الفلسطينيِّين. وغالبًا ما تقوم الخوارزميات ومديرو المحتوى في مواقع التواصل الاجتماعي بقمع وإزالة المحتوى الخاص بالفلسطينيين ومؤيديهم، وقد اعترف فيسبوك بقيامه بذلك خلال الاعتداء على غزة في مايو 2021، لكنه لم يوضِّح أبدًا سبب ذلك[19]، لكن التحدِّي الأكبر هو أن منشورًا على منصة من منصَّات التواصل الاجتماعي قد يكلِّف صاحبَه الاعتقال بحجَّة التحريض.

إلا أن النشطاء الفلسطينيِّين لم يقفوا أمام تلك العقبات، بل إن هناك محاولات متعدِّدة للتصدِّي للتحيُّزات والضغوطات في العالم الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي تقوم بها بعض المؤسسات والمنصَّات، ومن ذلك ما يقوم به مركز “حملة” الذي يُعتبر مؤسسةً أهليةً غير ربحية تعمل على مناصرة الحقوق الرقمية الفلسطينية من خلال إصدار الدراسات والتقارير والأبحاث التي تركِّز على مواضيع النشاط الرقمي والأمان الرقمي، ومن تلك الإصدارات “الدليل الإجرائي لحماية البيانات الشخصية الفلسطينية في الفضاء الرقمي”، وتقرير “تحليل الخطاب الإسرائيلي التحريضي ضد بلدة حوَّارة على منصة تويتر”. ولا يقف الأمر عند هذا الحدِّ، بل يعمل المركز على إدارة حملات التوعية الرقمية المحلية والدولية، بالإضافة لبناء التحالفات المحلية والإقليمية والدولية لضمان مناصرة الحقوق الرقمية الفلسطينية[20]. مع ذلك، من الضروري إيجاد بدائل للمقاومة الرقمية تكون بنفس الفاعليَّة والتأثير، خاصةً في خارج المنطقة العربية، ذلك أنه ثبت تواطؤ تلك الشركات ضد الفلسطينيِّين، كما أنه من الممكن أن يتمَّ قطع الاتصال من قِبل السلطات الإسرائيلية في أي وقت، بالإضافة إلى تكلفة النشر التي قد تؤدِّي إلى الاعتقال. ومن الضروري للمجتمعات العربية أن تلعب دورًا في إيجاد قنوات اتصال وتضامن مع أهالي فلسطين ونشر قضاياهم بشكل مستمرٍّ وممنهج لزيادة الوعي بما يحصل حول العالم.

خاتمة:

مع الأرقام المرعبة للمباني المهدَّمة لأهالي الضفة والقدس، ومع مشروع القدس الكبرى الاستيطاني والذي يتم تمريره بخبث لزيادة أعداد المستوطنين وفصل القدس عن الضفة، يقاوم الفلسطينيون بكل قوتهم ويسطرون ملحمةً جديدة في المقاومة والثبات، ويستخدمون كل وسيلة من أجل الالتفاف على سياسات المحتل والحفاظ على أرضهم.

ورغم أن الدراسات تشير إلى التأثير النفسي والاجتماعي السلبي لسلب المنازل والأراضي من إحباط وحزن، فإن الفلسطينيِّين صامدون في وجه تلك السياسات الصهيونية، متمسِّكون بأراضيهم ومبانيهم حتى وإن تمَّ تهديدهم بهدمها، ويواجهون كل تلك السياسات بتحدٍّ ونَفَسٍ طويلٍ دون مللٍ أو يأسٍ. وهكذا، تصبح المقاومة والصمود ممارسة يومية تبدأ من بناء منزل دون ترخيص -دون خوف من الهدم- ورفع الملفات والمطالبة بحقوق البناء والسكن في المحاكم على المستوى الفردي، حتى الاحتجاجات والإضرابات والحملات على المستوى الجماعي، انتهاءً بنشر كلِّ ما يُثبت الحق في الأرض على وسائل التواصل الاجتماعي لنقل القضية إلى المستوى الدولي والعالمي.

وليست سياسات الإسكان وهدم المساكن هي السياسات الوحيدة للاحتلال لتهويد فلسطين وجعلها وطنًا للمغتصبين، بل إن الاحتلال يزيد من وتيرة سياساته العدوانية من اعتقالات إدارية واغتيالات وإغلاق المنشآت وفرض الغرامات والإقامة الجبرية وغيرها، إلا أن هذا لا يتم مقابلته إلا بالصمود من الفلسطينيِّين الذين ما زالوا يسطرون صفحات متجدِّدة من القدرة على مواجهة المحتل الصهيوني واستخدام كل وسيلة للتغلُّب على سياساته والحفاظ على أرضهم وحقِّهم.

 

الهوامش

[1] Hope under the Rubble, Report, Save the Children, 2021, Accessed: 10 September 2023, available at: https://cutt.us/dtLIS

* منطقة (ج) أو (C):  هي إحدى مناطق الضفة الغربية المنصوص عليها في اتفاقية أوسلو الثانية. حيث تشكِّل المنطقة (ج) حوالي 61٪ من أراضي الضفة الغربية، وتعتبر السلطة الفلسطينية مسؤولة عن تقديم الخدمات الطبية والتعليمية للفلسطينيين في المنطقة (ج)، بينما تسيطر إسرائيل على الجوانب الأمنية والإدارية والقانونية.

[2] جولي منصور، سياسات الاقتلاع الإسرائيلي بين الماضي والحاضر، العربي الجديد، 28 مايو 2023، تاريخ الاطلاع: 15 سبتمبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3RRhekM

[3] دانا فراج، هدم منازل المناضلين الفلسطينيين: جريمة إسرائيلية بتشريعات بريطانية وشرعنة أميركية، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 21 مايو 2020، تاريخ الاطلاع: 5 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/LY6QO

[4] استهدف محمد الجعبري عددًا من المستوطنين، حيث استطاع قتل بعضهم وإصابة بعضهم، منهم المستوطن عوفر الذي عُرف عنه أنه يحرض الجنود الإسرائيليين على قتل الفلسطينيين لأوهن الأسباب، إلا أن أحد المستوطنين باغته فاستشهد.

[5] سياسة هدم المنازل.. إسرائيل تستخدم العقاب الجماعي بحق الفلسطينيين، العربي، 17 فبراير 2023، تاريخ الاطلاع: 8 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/45o3Esg

[6] إسرائيل/الأراضي الفلسطينية المحتلة: المحكمة العليا توافق على هدم عقابي لمنزل طفل محتجز، 28 أغسطس 2023، تاريخ الاطلاع: 6 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/7Rgoe

[7] منح اتفاق أوسلو السلطة الفلسطينية صلاحيات للعمل في منطقتي (أ) و(ب)، مع سيطرة إسرائيلية كاملة على المنطقة المصنفة (ج). وبحلول عام 2021، بلغ مجموع المساحات المصادَرة لصالح المستوطنات نحو 40٪ من مساحة الضفة الغربية، وبلغ عدد “البؤر” الاستيطانية أكثر من 300 بؤرة.

[8] جدار الفصل العنصري جدار عازل في الضفة الغربية قرب الخط الأخضر، بَنَتْهُ إسرائيل لضمِّ أراضٍ من الضفة الغربية إلى إسرائيل، ويمرُّ هذا الجدار عبر أراض مأهولة وزراعية في الضفة، ويحول دون وصول الفلسطينيين إلى بعض الشوارع المحلية وبعض الحقول، كما أن مساره في المنطقة الشمالية يعزل أكثر من 5 آلاف فلسطيني في مناطق مغلقة بين الخط الأخضر والجدار.

[9] Statistics on House / Structure Demolitions – November 1947 – May 2023, ICAHD, 26 April 2021, Accessed: 10 September 2023, availaable at: https://cutt.us/QQ2eh

[10] يولاند نيل، الضفة الغربية: تصاعد مقلق في أعمال العنف من قبل مستوطنين إسرائيليين ضد الفلسطينيين، BBC، 28 أغسطس 2023، تاريخ الاطلاع: 15 سبتمبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/bB1e0

[11] لمزيد من التفاصيل، انظر:

– خليل التفكجي، “القدس الكبرى” كما تراها إسرائيل، جدلية، 23 يناير 2019، تاريخ الاطلاع: 18 سبتمبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/hdinm

– 22 ألف منزل فلسطيني مهدد بالهدم.. إسرائيل تبحث مخططا استيطانيا يعزل القدس ويقسم الضفة، الجزيرة.نت، 7 يونيو 2023، تاريخ الاطلاع: 15 سبتمبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3LV0fdu

[12] ما هو “الخان الأحمر” الذي يريد الوزير المتطرف بن غفير هدمه وطرد أكثر من 200 فلسطيني من البدو، يورونيوز، 23 يناير 2023، تاريخ الإطلاع: 13 سبتمبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/uO4h0

[13] Nuha Dwaikat-Shaer, “Challenging Spatial Oppression in a context of Housing Rights Denial: A Case Study in so-called Area C, West Bank, Palestine”, PhD thesis, McGill University: Quebec, November 2021.

[14] In protest against Israel’s home demolitions, Palestinians in Jerusalem’s Jabal al-Mukabber go on strike, Wafa News Agency, 31 January 2023, Accessed: 10 September 2023, available at: https://cutt.us/UWTEP

[15] رغدة عتمة، مبادرة شعبية فلسطينية لإعادة بناء بيوت منفذي العمليات، إندبندنت عربية، 17 أغسطس 2023، تاريخ الإطلاع: 13 سبتمبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/48RrO19

[16] Nuha Dwaikat-Shaer, Challenging Spatial Oppression, Op. cit., pp. 254.

[17] حي الشيخ جراح له أهمية كبيرة حيث يمثِّل منطقة حدودية استراتيجية بين القدس الغربية (التي تسيطر عليها إسرائيل)، والقدس الشرقية (فلسطين) البلدة القديمة في القدس، وإلى الشمال من الضفة الغربية ومدينتها ذات الأهمية السياسية رام الله. كما يقع الطرف الغربي للشيخ جراح على طريق نابلس الذي يربط الحي مباشرة بباب العامود، أحد مداخل البلدة القديمة. والانتصار على الشيخ جراح يعني بطريقة أو بأخرى الفوز بالسيادة على باب العامود، وبالتالي عزل الحي، والذي يعني عزل المزيد من الأحياء الشمالية عن القدس والأقصى.

[18] Look at:

– Mahsa Alimardani and Mona Elswah, Digital Orientalism: #SaveSheikhJarrah and Arabic Content Moderation, Project on Middle East Political Science, Accessed: 9 September 2023, available at: https://cutt.us/iKAk2

– Sophia Maria Kelsch, Digital Resistance: #SaveSheikhJarrah and the role of Palestinian Activism on Social Media, Masters thesis, iscte, November 2022, available at: https://cutt.us/dz1Rf

[19] Palestine: Activism Gone Digital, Civicus Lens, 16 June 2022, Accessed: 8 September 2023, available at: https://cutt.us/JWVRD

[20] حملة – المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، متاح عبر الرابط التالي: https://7amleh.org

 

  • نُشرت في فصلية قضايا ونظرات- العدد الحادي والثلاثون- أكتوبر 2023

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى