المؤتمر العلمي الأول (نحو مدرسة حضارية في حقل العلاقات الدولية)

(27 ، 28 فبراير- 6 ، 7 مارس) 2021

أولا- فكرة وفلسفة المؤتمر:

في إطار التطورات والتحولات التي يشهدها العالم اليوم على كافة الأصعدة تقع أمتنا العربية والإسلامية في معادلات متغيرة كل حين، لكنها تضع أمامنا الكثير من التحديات متعددة الأبعاد والمستويات، والتي تتطلب استجابات ومواجهات مكافئة ومتنوعة ومتكافلة، ولعل أهم شروطها التي يفرضها العصر وتعقيداته أن تكون هذه الاستجابات علمية ومستندة إلى تكافل العلم والعمل. وفي هذا الإطار تتزايد المهام التي تناط بالعلوم الاجتماعية والإنسانية؛ سواء في ملاحقة هذه التطورات تحليلا وتفسيرا أو في مواجهتها بالتقييم والترشيد؛ وفي قلب هذه المهمة يقع دور علم ونظرية العلاقات الدولية على نحو ما يناط به من دور في الأمم المتقدمة، ومن باب أولى الساعية للنهوض والاستقلال. 

وفي هذا الصدد لم يعد مقبولا (كما يتضح من حالة مراجعة العلم في الدوائر العالمية عبر ربع القرن الماضي) استمرار الأحادية المعرفية والنظرية لعلم العلاقات الدولية المبنية على مركزية حضارية غربية غير عالمية، وفي ظل نقد متعدد الأبعاد لوضعية وعلمانية العلم. ومن ثم، لم يعد مقبولا أكثر أن يقف الشرق والجنوب -بما فيه العالم العربي والإسلامي- موقف المتلقي والمستهلك للنظريات والمنظورات في حين يتشارك العالمُ كله التهديدات والمخاطر ذاتها بل إن نصيبنا منها كبير، وأيضا نحن لا نعدم الإمكانيات بما فيها الإمكانيات المعرفية والفكرية. ولقد تواترت الدعوات في الغرب والشرق من أجل مشاركة حقيقية في جهود التنظير الدولي من دوائر حضارية غير غربية إلى جانب الغرب.

وفي هذا الإطار قطعت الأكاديميا العربية والإسلامية أشواطا مهمة في استيعاب التنظير الغربي ونقله إلى عالمنا بما فيه من مزايا وما فيه من إشكاليات، وقامت بعض الجهود على مراجعة ونقد المنظورات الغربية في السياسة الدولية بما فتح الباب لتقديم أطروحات مقابلة ومقارنة، وبما يمهِّد الطريق نحو مشاركة من دائرتنا الحضارية في نظرية وعلم العلاقات الدولية. إنَّ بحثًا أوليًّا عن الإنتاج العربي والإسلامي في هذا الصدد يشير من قريب إلى تواتر كتابات مهمِّة في المغرب العربيّ -خاصة في الجزائر والمغرب- وفي العراق والخليج والأردن والسودان وفلسطين، وفي مصر.

وفي مصر على وجه الخصوص، تبلورت مدرسة المنظور الحضاري في العلاقات الدولية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية (جامعة القاهرة) امتدادًا لمدرسة التأصيل الإسلامي للعلوم السياسية التي دشَّنها حامد ربيع ثم منى أبو الفضل في كلية الاقتصاد-جامعة القاهرة. ولقد بدأت مشروعُها البحثيُّ (العلاقات الدولية في الإسلام 1986-1996، وصدر في 12 جزءا) لشقّ طريق في هذا المسار برعاية المعهد العالمي للفكر الإسلامي. فقد توالت جهود الباحثين من رسائل علمية لمرحلتيْ الدكتوراه والماجستير، والدراسات والبحوث التي تُقدم ضِمن مشروعات بحثية أو سيمنارات أو مؤتمرات علمية، وقامت مؤسساتٌ علميةٌ وبرامجُ تدريسية، لتكوين مدرسة ذات منظور خاص في علم العلاقات الدولية، ومن ثمَّ تراكمت عبر عقدين عدة من الخبرات والأطروحات المعرفية والمنهجية والمضمونية ما هو جدير بالاطّلاع والتداول بين جماعة أكاديمية في الأقطار العربية والإسلامية المختلفة. ولقد كشفت حالة التقييم الذاتي من داخل المدرسة الحاجة الماسّة، في هذه المرحلة من تطور العلم ومن منظور المدرسة، إلى بناء جسور مع المدارس المناظرة العربية والإسلامية.

قام مركز الحضارة للدراسات والبحوث بالقاهرة بعمل استطلاع أساسي واسع للكتابة الأكاديمية العربية والإسلامية (باللغتين العربية والإنجليزية) في نظرية العلاقات الدولية وتطبيقاتها، وكانت النتيجة اللافتة للنظر حضور عدد مبشر من الكتابات المهمة من رسائل علمية ودراسات وبحوث ومن الكاتبين الجادِّين المتنوعين والمتوزعين عبر أقطارنا في هذا المجال، ولكن يغلب على هذه الحالة التناثر والتباعد وصعوبة التوصُّل أو التوصيل. ولقد راعنا أن هذه الجهود سواءٌ في مصر أو غيرها لا تصل إلى أكثر هؤلاء الباحثين الجادين، فكأننا -نحن باحثي هذه الدائرة الحضارية- نمشي في نفس الطريق متجاورين بغير التقاء.

ولا يخفى أننا في أكاديميا الدراسات الدولية العربية والإسلامية نعاني ضعف ثقافة العناية بالعلم النظري، وكذا محدودية إمكانيات مادية وبشرية، وضعف القيم الأكاديمية التي تحث على الإنتاج العلمي والنظري، من قيود على الحرية الأكاديمية، أو ضعف النشر العلمي،.. لكن أبرز ما يعتور جهودنا من إشكاليات يتعلق بالتواصل والتوصيل ومن ثم بالحوار العلمي والتراكم المعرفي ضمن ثقافة العمل الجماعي؛ الأمر الذي تمتاز به الدائرة الغربية ويسهم في نموها وتقدمها. إن الباحثين والدارسين والمشتغلين بالعلوم لا يمكنهم أن يطوروا رؤاهم ومنتوجاتهم العلمية إلا من خلال النشر والاطلاع؛ ومن ثم المناقشة والنقد والمراجعة والتصحيح والتطوير؛ الأمر الذي توفّره الملتقيات العلمية من حلقات وندوات ومؤتمرات؛ ومن هنا تأتي فكرة مشروع هذا المؤتمر العلمي الأول لالتقاء علماء وباحثي العلاقات الدولية في دائرتنا الحضارية، ذوي الاهتمام بتطوير رؤى تأصيلية حضارية في نظرية العلاقات الدولية مقارنة بالرؤى الحضارية من دوائر أخرى.

 

ثانيا- أهداف المؤتمر:

يهدف هذا المؤتمر إلى: 

  1. التعرف والتعارف بين الأساتذة والباحثين العرب والمسلمين الناطقين بالعربية أو الإنجليزية بالأساس، وغيرهم –إن أمكن- من المشتغلين في علم العلاقات الدولية من منظورات مقارنة، خاصة من لديه الرغبة والاستعداد من هؤلاء الباحثين للتلاقي والتباحث بخصوص الجديد الذي يمكن أن نقدمه في تطوير حقل نظرية العلاقات الدولية من منظور حضاري مقارن، وكيف تتساند جهودنا في هذا الصدد.
  2. تقديم خبرة مدرسة مصرية متخصصة بتطوير منظور حضاري مقارن في نظرية العلاقات الدولية يقوم على استيعاب المنتج العلمي للعلم ونقده والعمل على تطوير رؤية ومداخل منهجية مقابلة من مصادر معرفية أخرى. وبيان الطابع الخاص بهذه المدرسة في رافدها المصري تحديدًا؛ حيث انطلقت من هدف رسالي منذ “مشروع العلاقات الدولية في الإسلام”، وعبر ما يقرب من ربع قرن منذ تدشين أعمال المشروع 1996 برعاية كريمة من المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
  3. تجميع ووصل الدراسات والأبحاث والرسائل العلمية التي قدمها الباحثون العرب والمسلمون في هذا الصدد، ومطالعتها مطالعة مشتركة أو متقاطعة؛ وتقديم الملاحظات والنقد العلمي بصددها بغية إحداث التراكم العلمي اللازم للتطوير والتجديد في الأكاديميا الدولية على مستوى المفاهيم ومستوى العمليات الدولية، ومستوى أجندة القضايا وعلى مستوى المناهج وأدوات البحث سواء من مرجعية معرفية نقدية بصفة عامة أو إسلامية بصفة خاصة.
  4. التأسيس لتشبيك وتواصل بينيّ بين الباحثين وأعمالهم العلمية؛ وصولاً لتكوين رافد علمي أساسي في العلوم السياسية وحقل العلاقات الدولية تحديدًا، ومدرسة حضارية علمية في العلاقات الدولية. ومن ثم بلورة عمل جمعي يعكس وجود مدرسة علمية تشكل صدى في الدوائر الأكاديمية العالمية.
  5. تشجيع الباحثين النابغين (خاصة من الشباب والاجيال الصاعدة) على مواصلة البحث العلمي والإبداع وتقديم اجتهادات نقدية وبنائية ضمن مظلة علمية جماعية، تقدر الجهود وتنشرها وتمكن من التداول والتبادل المعرفي، وتوصلها إلى الدوائر الفعالة في الغرب وفي الشرق بلغات مختلفة.
  6. توفير آليات لتفعيل الجهود العلمية والتنظيرية والتواصل بها مع الواقع نشرا واتصالا بصانع القرار في عالمنا ودائرتنا الحضارية لا سيما فيما يتعلق بالسياسات الخارجية التي تتعرض لضغوط وعوامل تأثير متعاظمة في ظل التحولات الإقليمية والعالمية الراهنة.
  7. الإعداد المشترك في مرحلة لاحقة للمؤتمر لسلسلة تالية من هذا المؤتمر الدولي بهدف الالتحام المباشر مع دوائر أكاديمية غربية وشرقية ومن الجنوب، ذات اهتمام مناظر سواء بالاتجاهات النقدية للعلم بصفة عامة أو منظورات غير غربية للعلاقات الدولية أو برؤية إسلامية للعلوم الاجتماعية والعلاقات الدولية بصفة خاصة.

 

ثالثًا- بنية المؤتمر ومحاوره:

تتناول بنية هذا المؤتمر ثلاثة محاور: أولها- عن اتجاهات إسهام عربي وإسلامي في نظرية العلاقات الدولية، ثانيها– يتناول خبرة مدرسة مصرية من منظور حضاري في العلاقات الدولية، وثالثها- حلقات نقاش حول ما تم من جهود وما نفتقده وما يمكن أن نعززه عبر التشبيك والأعمال العلمية المشتركة.

المحور الأول:

اتجاهات إسهام عربي وإسلامي في نظرية العلاقات الدولية

يتم خلاله استعراض إسهامات وتصنيفات ما قدمه باحثون عرب ومسلمون وأجانب في هذا الصدد للوقوف على خريطة عامة مفصلة باتجاهات وأبعاد هذا الإسهام موضوعيًا (معرفي، ومنهاجي، وشرعي، ومداخل نقد ومراجعة للغربي والسائد، وتطبيقي في قضايا وموضوعات تفعيل).

وذلك بهدف استكشاف واستعراض تلك الخريطة للخبرة في كل محور وخبرة كل باحث في محور/ بُعد معين، وعرض هذه الخبرات.

فهذا المحور هدفه:

(1) التعرف عن ماذا قدم الأساتذة والباحثون عرب ومسلمين معنيين بالرؤية الإسلامية للعلاقات الدولية في الأبعاد والمستويات المختلفة للتأصيل من منظور حضاري.

 (2) تقييم حجم وطبيعة الاشتباك والإسهام مع الغربي ومن أي زاوية. 

 

 وبالتالي، يشتمل المحور على أربعة جلسات تغطي مساحات بحثية مهمة في نظرية العلاقات الدولية:

  1. الاشتباك على المستوى المعرفي والمرجعي مع نظرية العلاقات الدولية المعاصرة: مقارنة ونقد.
  2. الإسهام والاشتباك على المستوى الشرعي والتراثي.
  3. إسهامات في أبعاد نظرية للعلاقات الدولية: نماذج ونقد.

المحور الثاني: 

خبرة مدرسة مصرية من منظور حضاري للعلاقات الدولية

يضم هذا المحور ثلاث جلسات:

  1. عرض لأهم مقولات ومضامين المنظور الحضاري في العلاقات الدولية كما تقدمه المدرسة المصرية واستعراض جهدها وتطوره.
  2. عرض لأهم المقتربات والمداخل المنهجية التي أفرزها هذا المنظور 
  3.  استعراض منهجيات تفعيل المنظور خلال المشروعات البحثية وأعداد حولية “أمتي في العالم”؛ لبيان كيف تمت خبرة إنزال مداخل ومقولات المنظور على موضوعات تطبيقية وعملية حول الأمة والعالم.

 

المحور الثالث: 

مقومات مدرسة حضارية علمية “عربية–إسلامية” في العلاقات الدولية

يشتمل هذا المحور على عدة مستويات يتم تناولها على شكل حلقات نقاش: 

الأولى–  التناقش حول “استراتيجية لتطوير التنظير الدولي من منظور حضاري” وذلك بمحاولة تعيين القسمات المشتركة بين الروافد المختلفة من رؤية إسلامية في العلاقات الدولية التي كشفت عنها أوراق المؤتمر وحواراته، ووجوه التمايز بين الإسهامات المختلفة، وأجندة القضايا التي تشغل الباحثين والمعنيين، مع تبادل الرؤى البيني. وذلك في الجلسة الأولى من هذا المحور في شكل حلقة نقاش. وذلك للعمل على الوصول لاستراتيجية عمل مستقبلية على المستويات الأربعة: المعرفية، والتنظيرية، والمنهجية، والمضمونية(القضايا)، عبر طرح الأسئلة واستعراض الإشكاليات الجديرة بالاهتمام والمعالجة.

الثانية– مناقشة آليات التطوير والتشبيك والتواصل والتوصيل: كيف نعمل سويًا؟ وكيف نطور الجهود القائمة ونراكم عليها؟ ثم كيف نوصلها للجماعة العلمية لعلم العلاقات الدولية عبر العالم؟ وذلك على مستوى المضمون والمحتوى العلمي المقدم، وعلى مستوى الأدوات والوسائل الخاصة بسبل التواصل والتوصيل.

تهدف حلقتا النقاش –وفعاليات المؤتمر- إلى الخروج بأهم مقومات المدرسة القائمة عبر الحدود، والمناطق البحثية الغائبة، والأخرى ذات الحاجة للتدعيم. وعليه، فإذا كان مؤتمرنا الدولي هذا ينطلق من هدف رئيس وهو التعارف والتشبيك والتواصل مع روافد المدرسة، وتدشينها كمدرسة دولية جامعة لجهود تطوير منظور حضاري إسلامي للعلاقات الدولية، فيُنتظر تفعيل التواصل والتشبيك على مختلف المسارات معرفيًا ومرجعيًا بحيث يعضد كل رافد إسهامه بإسهامات غيره، وعلى مستوى التطبيق في قضايا الأمة والعالم، وعلى مستوى قنوات العمل الأكاديمي، فمن المهم وجود آليات لهذا التوصيل والتواصل والتشبيك.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى