الحراك السياسي في الجزائر وأزمة السلطة ما بعد بوتفليقة

مقدمة:

كشف الحراك السياسي في الجزائر مدى قدرة وعبقرية الشعب الجزائري على تغيير الأوضاع لصالحه مهما كانت التحديات، كما أكد ذات الحراك أن يوم 22 فبراير 2019 ليس كما قبله، وتَكشَّف به ضعف النظام السياسي للرئيس بوتفليقة رغم أنه حكم عقدين من الزمن، خلال تلك الأسابيع من الحراك سقط النظام البوتفليقي وحاشيته التي كوَّنها من شبكات المصالح ورجال الأعمال، وسقطت معها مناعة الجزائر ضدَّ الربيع العربي، إنه الحراك الذي بيَّن مدى تشوُّه النظام الذي بناه الرئيس بوتفليقة طيلة تلك السنوات.

لم يهدف الحراك إلى إسقاط الرئيس وثنْيه عن الترشُّح وفقط، بل كان الهدف هو القضاء على منظومة حكمه بالكامل، ولكن فات الجزائريين تحديد شكل الانتقال بعد سقوط رأس النظام، فما هي إلا أسابيع ووقع الحراك السياسي في أزمة اقتراح الحلول للخروج من الأزمة، لأن إنجازات الحراك عجَّلت بظهور صراعات حول السلطة، فمن كانت عينه على الحراك، كانت عينه الأخرى على الحكم.

والسؤال هو: كيف أثَّر الحراك السياسي على الصراع السياسي حول السلطة بعد استقالة الرئيس بوتفليقة في الجزائر؟ ويرتكز هذا التقرير على تحليل وتفسير النقاط التالية: أولًا- انطلاق الحراك السياسي في الجزائر: السياقات، الأسباب، التطور، ثانيًا- أزمة السلطة ما بعد بوتفليقة في الجزائر: بين خيار الحل الدستوري، وخيار المرحلة الانتقالية، الانتخابات الرئاسية.

أولًا- انطلاق الحراك السياسي في الجزائر: السياقات، الأسباب، التطور

1) السياقات والإرهاصات المولِّدة للحراك السياسي في الجزائر

لم يكن دستور 1996 يسمح لرئيس الجمهورية بالانتخاب لأكثر من عهدة قابلة للتجديد مرة واحدة[1]، لكن تعديلات سنة 2008 وضعت حدًّا للنقاش الذي كان دائرًا في الساحة السياسية حول تمكين رئيس الجمهورية من الترشُّح لأكثر من عهدة؛ وذلك بإدخال تعديل على الفقرة الثانية من المادة 74 من الدستور التي لم تكن تسمح بتجديد انتخاب رئيس الجمهورية لأكثر من مرة واحدة، وعلى إثر هذا التعديل تمَّ تأسيس مبدأ مفاده قابلية انتخاب رئيس الجمهورية دون تحديد لعدد الفترات[2]، ومن ثم يتمكَّن الشعب من “ممارسة حقِّه المشروع في اختيار من يقود مصيره، وأن يجدِّد الثقة فيه بكل سيادة”[3].

كرَّست السلطة السياسية القائمة والممثَّلة في رأس السلطة التنفيذية -وهو رئيس الجمهورية- الاستهانة بالدستور في أوقات الحاجة والأزمات التي تتعرَّض لها، وذلك بإدخال التعديلات التي تراها مناسبة لاستمرار حياة السلطة القائمة، دون مراعاة أن تعديل الدستور يخضع لتطورات هامة يمرُّ بها المجتمع،كما يخضع لعامل الزمن بحسب التحديات والاستحقاقات الجديدة التي يتعرَّض لها المجتمع والدولة.

لم يكمل الرئيس بوتفليقة عهدته الثالثة حتى أدرك أنه وجيله لم تعدْ لديهم القدرة على الحكم بعد الآن، فجاء خطابه في ولاية سطيف من عام 2012 متأثِّرًا بالأوضاع التي تحيط بالجزائر خاصة الأحداث الجارية في تونس ومصر، حيث جاء من ضمن خطابه: “… لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، عاش من عرف قدر نفسه، فجيلي طاب جنانو”[4] هكذا وصف الرئيس الحالة آنذاك بعبارة شهيرة لدى الجزائريين، بدا الرئيس في حالة صحية صعبة في خطاب وصف بخطاب الوداع.

أكمل الرئيس عهدته الثالثة، ثم فاز بعهدة رابعة- تنظمها السلطة نفسها- والرئيس غائب من نهاية العهدة الثالثة وبالضبط من سنة 2013 إلى نهاية العهدة الرابعة 2019، ولم يقم فيها الرئيس حتى بحملته الانتخابية، “عرف وعاش الجزائريون فيها أزمات عديدة، في ظلِّ مرض الرئيس وغيابه عن المشهد السياسي للبلاد، عهدة بدأها بخطاب قصير وسريع وبكلمات متقطِّعة ومتلعثمة ومن على كرسي متحرك، وظهر الرئيس في غاية العجز عن قراءة أسطر القسم، فغاب الرئيس وحضرت صورته بديلًا عنه في المناسبات الوطنية، وناب عن الرئيس خطاباته وبرقياته المكتوبة بديلًا حتى عن الخطاب المسجَّل المسموع”[5].

رغم عودة تعديلات دستور 2016 على وقع أزمات غياب الرئيس وتأزُّم الأوضاع الاقتصادية، مع هبوط أسعار النفط، وفي رسالة طمأنة للداخل وبقضاء السلطة مآربها، لجأت السلطة إلى تعديل المادة الخاصة بعدد العهدات الرئاسية وأرجعتها إلى سابق عهدها في دستور 1996، ونصَّ الدستور الجديد لسنة 2016 في مادته الثامنة والثمانين على أن العهدات الرئاسية هي واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة[6].

مع اقتراب نهاية العهدة الرابعة بدأت السلطة السياسية في الجزائر للحشد والتعبئة للعهدة الخامسة، بدأت ملامح التحضير لها قبل استدعاء الهيئة الناخبة فظهرت مؤشِّرات ترتيب بيت السلطة واضحة للعهدة الخامسة، فهيكلة مؤسسة البرلمان وأزمة رئيسها، وأزمة قيادة حزب جبهة التحرير، أوكلت للحزب مهمة أساسية وهي التحضير لمناشدة فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للترشُّح لعهدة رئاسية خامسة وهو ما توَّجه لقاء القاعة البيضاوية بالجزائر العاصمة في لقاء وطني جامع لقيادات الحزب وحضره العديد من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وأعلن حزب الرئيس “دعوته بصفة رسمية للرئيس المجاهد عبد العزيز بوتفليقة بالترشُّح للعهدة الخامسة كممثِّل للحزب”[7].

انطلقت دعوات للمقاطعة ورفض العهدة الخامسة للرئيس المريض والعاجز عن أداء واجبه في تسيير الدولة، وتوالت الاستقالات في البرلمان، ولعب الشباب دورًا مهمًّا في التخطيط لحراك الــ 22 من فبراير 2019، وقد تمَّ بالفعل تدشين هذا اليوم كميلاد لما سُمِّيَ بالحراك السلمي الجزائري ضدَّ السلطة القائمة وليس ضدَّ العهدة الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة فحسب، وذلك يوم الجمعة 22 فبراير 2019 بعد كل صلاة جمعة، كما بدأ الطلبة بتنفيذ مسيرات أسبوعية وذلك كل يوم ثلاثاء، رفعت خلالها شعارات بحسب تطوُّر الأحداث الجارية، واستمرَّ الحراك ووصل عدد المظاهرات إلى ثلاث وأربعين مظاهرة أسبوعية إلى الجمعة 13 ديسمبر 2019.

لأول مرة وعلى غير العادة، نشرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية على الساعة الثامنة وسبع دقائق من مساء اليوم الجمعة 22 فبراير 2019، برقية من 350 كلمة، تحدَّثت فيها عن “تجمُّع مئات المواطنين، أغلبهم من الشباب، اليوم، بعد صلاة الجمعة في الجزائر العاصمة وفي مناطق أخرى من البلاد، تعبيرًا عن مطالب ذات طابع سياسي، حسب ما لوحظ بعين المكان، وسط حضور أمني مكثَّف، تنقَّل المتظاهرون مباشرة بعد صلاة الجمعة حاملين أعلامًا وطنية ولافتات كتب عليها “نعم للعدالة” و”مسيرة سلمية” و”تغيير وإصلاحات”، مطالبين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالعدول عن الترشُّح لعهدة جديدة”[8].

هكذا وصفت السلطة ذلك اليوم المهم في مسيرة الجزائر المستقلة، حتى وإن كان بمصطلحات السلطة “فإن اللافت في الخطاب أن السلطة استسلمت للمنع من المسيرات في العاصمة، وأن البرقية هي تطوُّر نوعي انتقلت من توصيفات -التخوين والأيادي الأجنبية- إلى خطاب قريب من لغة الشارع”، وهي خطابات تستعملها عادة الأنظمة الفاقدة للشرعية في سبيل إيجاد طوق نجاة لها، ليس في سبيل الله والشعب، بل حتى تكسب ودَّ الشعب ولا تثيره بخطابات قد تزيد الشارع احتقانًا إلى احتقانه، كما أن السلطة تدرك مدى شرعية وحقيقة المطالب، فإن مخاوف السلطة السياسية في الجزائر تزادد بسبب عدالة وشرعية قضية المتظاهرين.

في المقابل، فإن الشارع لم يكن يراوده شكٌّ في مسيرات يوم الجمعة 22 فبراير 2019، فإنه يعلم أن ذلك اليوم ليس كقبله، فهو اليوم الذي كسر فيه الشعب حاجز الخوف وأعلن تدشين انطلاق الحراك العظيم للشعب الجزائري “وأن اللعبة الآن صارت صفرية مع النظام القائم” لقد نجح الحراك الجزائري في الرفع من سقف مطالبه من أسبوع إلى أسبوع.

2) أسباب ودوافع الحراك السياسي في الجزائر:

انطلق الحراك السياسي الجزائري بالأساس مناهضًا لحكم الرئيس بوتفليقة الغائب عن الحكم بسبب جلطة دماغية أواخر العام 2013، “وباتت شبكات المصالح التي تربط السياسيِّين والجنرالات -الفاسدين- ورجال الأعمال هي التي تحكم”[9]، في نفس الوقت فإن سدنة الرئيس يطالبون بلسانه بعهدة رئاسية خامسة، وقد استدعى الرئيس الهيئة الناخبة فعلًا يوم 18 فبراير 2019، بذلك أكَّدت السلطة عن نيِّتها في عدم تأجيل الانتخابات الرئاسية المقرَّرة يوم 18 أبريل 2019، وهذا احترامًا للدستور الذي ينص على وجوب استدعاء الهيئة الناخبة قبل 90 يومًا من الانتخابات.

فهل الحراك جاء ضدَّ العهدة الخامسة أم ضدَّ نظام بوتفليقة والقواعد السياسية الجديدة التي كرَّسها نظامه طيلة عقدين من الحكم؟ وما هي الأسباب الحقيقية لحراك مفاجئ وسلمي لم تستطع السلطة القائمة أن تستوعبه أو تقضي عليه؟

هنالك جملة من الأسباب المباشرة وغير المباشرة للحراك السياسي الجزائري:

– “برغم المخاوف الحقيقية من انزلاق الأوضاع في الجزائر وفقدان قيمة الاستقرار السياسي التي حافظ عليها الجزائريون طيلة عقدين من الزمن، لكن استفزاز السلطة بلقاءات دعم العهدة الخامسة حرَّك مشاعر الملايين للخروج إلى التظاهر”[10]، فتكَوَّن السخط الشعبي من السياسات المنتهجة من طرف السلطة والذي شكَّل في النهاية مفهوم المواطنة النشطة المتمثِّلة في شباب الفضاء الافتراضي وحتى بعض النخب المتعلِّمة وشرائح واسعة ومتنوعة من المجتمع شكَّلَ معارضة موازية للموالاة والسلطة القائمة، والأهم في هذا أن هذه الظاهرة السوسيوافتراضية لم تتوقَّف على شبكات التواصل الاجتماعي، بل انتقلت إلى الفضاءات العامة، والتقى الجميع في ميادين الجزائر العاصمة الرئيسية وكل الولايات الــ 48 للجزائر في يوم 22 فبراير 2019 في مظاهرات ضدَّ السلطة والوضع القائم الذي خلَّفته، ومطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية، فالجزائريون كوَّنوا المناعة الذاتية والآليَّة لكلِّ التحديات التي قد تعصف بحراكهم، وشهد الحراك سلمية وحضارية لا مثيل ولا نظير لها.

– غياب الرئيس: بسبب مرضه وعجزه؛ ممَّا أثَّر على أداء مهامِّه الدستورية في تسيير شؤون الدولة.

– إبداء السلطة والموالاة نيتهم ترشيح الرئيس لعهدة خامسة: وقد ترشَّح بشكلٍ رسميٍّ  في ظلِّ انطلاق واستمرار الحراك، الذي أصرَّ على عدول الرئيس عن الترشُّح.

– غموض عملية صنع القرار داخل النظام السياسي: لأنه لا الحكومة ولا أحزاب الموالاة كان بيدها القرار السياسي فلم يُستثنَ من موجات الغضب للسلطة السياسية أقرب المقربين منها، إذًا من يصنع القرار داخل النظام السياسي أعمق من ذلك، وهو ما سيكشفه الحراك السياسي فيما بعد،من تخبُّط النظام وعدم قدرته مقاومة جناح الجنرال” توفيق” والدولة العميقة[11].

– الخطاب الاستفزازي الشعبوي واللامسؤول المستخف بالإرادة الشعبية للمقرَّبين من محيط الرئيس: شكَّلتْ وقودًا لسخط اجتماعي، واتَّسعت الهُوَّة ودائرة الرفض خلال سنوات، ممَّا رسَّخ أن السلطة القائمة تتكوَّن من قوى غير دستورية مغتصبة للحكم بتعديل الدستور وقت الحاجة.

– العجز الاقتصادي: فمع انهيار أسعار النفط في 2014 عاد الجزائريون إلى نقطة البداية، وظهر أن سنوات شراء السلم الاجتماعي قد ولَّت، ولم يستطع نظام بوتفليقة من بناء وتنويع نظام اقتصادي بعيدًا عن الرِّيع النفطي، فلجأت الدولة لطبع النقود “التمويل غير التقليدي”، وقبلها لجأت الحكومة إلى سياسات ترشيد النفقات “التقشُّف”، الذي مَسَّ بعض القطاعات الهامة والحسَّاسة “الصحة والتربية والتضامن الوطني” والتي أثَّرت مباشرة على المواطن، كما توقَّفت مشاريع حيوية في بدايتها، وأوقفت الحكومة حركة التوظيف العمومي في القطاع العام.

– الفساد، لم تشفع 1500 مليار دولار والأريحية المالية وتوفُّر السيولة للحكومات المتعاقبة للرئيس بوتفليقة من تحسين الاقتصاد الجزائري، لقد ارتبط مجد الرئيس في سنواته الأولى للحكم إلى الطفرات التي عرفها ارتفاع أسعار النفط وليس إلى برنامج الرئيس، وتحوَّلت هذه الأموال إلى أداةٍ بيد أقلية أفسدت السياسة والاقتصاد ووصلت إلى حد الإفساد الاجتماعي بخلق ثقافة اتكالية وربطها بسياسة الربح السريع  والهروب من دفع القروض المستحقة ومسح الديون وغيرها من السياسات الخاطئة، التي لم تُبْنَ على تقييم علمي للأوضاع والحقائق القائمة، إنما على الولاءات التي تبارك سياسات الرئيس وتدعم حكمه إلى الأبد ممَّا خلق تفاوتًا طبقيًّا، وهو ما قضى على الإبداع والابتكار وخلق القيمة المضافة اجتماعيًّا لأجل بناء الدولة الوطنية القائمة على الاستحقاق والكفاءة، لأنه من غير الطبيعي ولا المعقول أن يعيش بلد يحظى بالإمكانيات التي تتوفر عليها الجزائر، مثل ظروفه الحالية[12].

– التأثُّر بالبيئة المحيطة، ما تشهد المجتمعات العربية من حالات تبدُّل كبيرة، خاصة النماذج الناجحة كحالة تونس، وأن النظام السياسي الجزائري صار حالة فريدة من نوعها في العالم العربي رغم حفاظه على الطابع العام للاستقرار السياسي الداخلي.

3) تطور الأحداث المصاحبة للحراك السياسي في الجزائر:

لقد كان حجم الحراك الذي بدأ في 22 فبراير 2019 المناهض لحكم الرئيس بوتفليقة غير مسبوق في تاريخ الجزائر، فقد عمَّ كافَّة المدن الجزائرية، وبلغت أعداده أرقامًا هائلة رغم تحجيم السلطات له في البداية، وتجاوز تقسيمات مناطقية واجتماعية، ووحَّد جميع الفئات العمرية[13]، واستخدم أدوات غير مسبوقة في التعبئة والحشد -خاصة وسائل التواصل الاجتماعي- والمبهر والمميز فيه هي تلك السلمية والحضارية التي عرفها الحراك، بمرافقة القوات الأمنية والجيش الذي حمى المتظاهرين من تسلُّل الفوضى إليه، واستقطب الحراك حتى موالاة “بوتفليقة”، وممَّا ميَّزه كذلك شعاراته المتجدِّدة بحسب الظروف والأحداث الجارية، كما أنه حراك بدون قيادة، وفيما يلي تطور الأحداث:

  • 10 فبراير: الرئيس بوتفليقة يعلن ترشُّحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، تلبية “لمناشدات أنصاره” متعهدًا بإجراء إصلاحات عميقة، وعقد ندوة للتوافق الوطني.
  • 22 فبراير 2019: انطلاق الحراك عبر كلِّ الولايات الجزائرية الـ 48، خاصة المظاهرات في العاصمة التي كسرت حاجز الخوف والتضييق من قبل قوات الأمن. رغم رسالة الرئيس بوتفليقة بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية.
  • أعضاء من جبهة التحرير يستقيلون، والقضاة يرفضون مراقبة الانتخابات.
  • منظمة المجاهدين تعلن تأييدها لحراك الشعب وشخصيات من السلطة تنضمُّ له.
  • 5 مارس: الجيش يدخل على خط الأزمة محذرًا من الفوضى وأنه سيبقى الضامن لسلمية الحراك وسيحمي المتظاهرين حتى لا تعود الجزائر إلى سنوات الألم.
  • 10مارس: تنفيذ عصيان مدني شامل شلَّ الحياة العامة في الجزائر.
  • الإثنين 11 مارس: الرئيس بوتفليقة يؤجل الانتخابات الرئاسية، ويمدِّد ولايتَه الرابعة، ويوجِّه رسالة إلى الأمة أعلن فيها عن تأجيل تنظيم الانتخابات الرئاسية المقرَّرة ليوم 18 أبريل 2019 وعدم ترشُّحه لعهدة رئاسية خامسة. كما أعلن رئيس الجمهورية في هذه الرسالة عن إجراء “تعديلات جمَّة” على تشكيلة الحكومة وتنظيم الاستحقاق الرئاسي عقب الندوة الوطنية المستقلَّة تحت إشراف حصري للجنة انتخابية وطنية مستقلَّة[14].
  • 13مارس: المجلس الدستوري يصدر بيانًا عقب اجتماعه، قرَّرَ فيه أن الفصل في صحة الترشيحات لانتخاب رئيس الجمهورية الذي كان مقررًا في 18 أبريل المقبل” أصبح بدون موضوع”[15].
  • 31 مارس: سقوط حكومة أحمد أويحيى، وتشكيل حكومة بقيادة وزير الداخلية نور الدين بدوي، لم يشمل التغيير ستة وزراء، بما فيهم وزير الدفاع أحمد قايد صالح.
  • 2 أبريل: بوتفليقة يعلن عن استقالته من رئاسة الجمهورية.
  • 1 يونيو: رفض الملفين الوحيدين لرئاسيات 4 يوليو من طرف المجلس الدستوري، وبالتالي استحالة إجراء الانتخابات الرئاسية، وإعادة تكليف رئيس الدولة لإكمال مهامِّه إلى غاية انتخاب رئيس جديد.
  • 25 يوليو: إنشاء هيئة الوساطة والحوار الوطني، المكونة من ستة شخصيات وطنية بقيادة ” كريم يونس”[16]، وفي 17 أغسطس 2019 شَكَّلَتْ لجنة الحوار هيئةً استشاريةً وطنيةً مكونةً من 41 شخصية وطنية قادت حوارًا وطنيًّا موسَّعًا.
  • 8 سبتمبر: لجنة الحوار تسلِّم تقريرها النهائي لرئيس الدولة -بعد مشاورات مع أكثر من عشرين حزبًا، وأكثر من ستة آلاف جمعية وشخصية وطنية- ومن أهمِّ مقترحاتها: تشكيل سلطة وطنية مستقلَّة للانتخابات، وتعديل قانون الانتخابات الخاص بالرئاسيات.
  • 14 سبتمبر: استدعاء الهيئة الناخبة من طرف رئيس الدولة عبد القادر بن صالح للانتخابات الرئاسية التي حددت يوم 12 ديسمبر 2019.
  • 14 سبتمبر: تأسيس السلطة الوطنية المستقلَّة للانتخابات التي حلَّت محل وزارة الداخلية في تنظيم الانتخابات، متكوِّنة من خمسين عضوًا وتزكية السيد محمد شرفي رئيسًا لها.
  • 16 سبتمبر: صدور القانونين المتعلِّقين بالسلطة الوطنية للانتخابات، وبنظام الانتخابات في الجريدة الرسمية للدولة.

انقسم الحراك على نفسه بعد ثلاث وأربعين أسبوعًا -يرى جزء كبير من الحراك ضرورة الذهاب للانتخابات ولكن في إطار حوار شامل وتوافق وطني، بينما يرى جزء آخر ضرورة المرور إلى مرحلة انتقالية يصاحبها تطهير كلي لعناصر النظام القديم- وهو ما ظهر جليًّا في الشعارات المتناقضة التي باتت تُرفع في المظاهرة الواحدة، حتى أصبح الحراك نفسه متَّهمًا في الكثير من المرات بالحشد من جهات مشبوهة تهندس شعاراته التحريضية ضدَّ توجُّهات الشرعية الدستورية، كما أن بعض المحرِّضين وهم جزء صغير من الحراك أصبحوا يلعبون مباراة صفرية من السلطة القائمة، ويذهبون إلى خيار رحيل جميع رموز النظام القديم، مع أنهم فشلوا في تقديم حلول عملية للخروج من الأزمة، والخروج بقيادة موحَّدة للحراك؛ لهذا يبدو أن الشارع المستمرَّ في الخروج فقدَ التأثير والقدرة على التحكُّم في الأحداث الجارية وكذا المآلات المستقبلية، فلم يستطع أن يخرج من مرحلة الشارع إلى مرحلة الحلِّ السياسي، ليختصر الأزمة ويضع المؤسَّسات في حالة انتقال ديمقراطي.

ثانيًا- أزمة السلطة ما بعد بوتفليقة في الجزائر: بين خيار الشرعية الدستورية وخيار المرحلة الانتقالية، تنظيم الانتخابات الرئاسية

أحكم الرئيس بوتفليقة سيطرتَه على الحكم بتعيين صديقه الجنرال “أحمد قايد صالح” قائدًا للأركان في 2004، وقد أقال  الجنرال “محمد مدين” المدعو توفيق في عام 2013 وهو قائد المخابرات والرجل القوي ومهندس الرئاسات، وعيَّن أحد المناوئين للجنرال توفيق “الجنرال المتقاعد بشير طرطاق”، لكن هذا الود لم يدم طويلًا، حيث ظهر أن المؤسسة العسكرية لم تكن راضية عن أداء السلطة المدنية للحكم، رغم معارضتها لفكرة التدخُّل في الحياة السياسية، فرغم الدعوات التي أطلقت من المعارضة بالتدخل في الحياة السياسية ومرافقة المدنيين لتحقيق انتقال ديمقراطي، لكن مؤسسة الجيش ومن خلال كلِّ تدخُّلات وتصريحات قيادتها فإنها أكَّدت في أكثر من مرة رفض تدخُّل الجيش في الحياة السياسية احترامًا للدستور[17]“، وأن المؤسسة العسكرية لها مهامها الموكلة لها دستوريًّا[18]“.

بحلول منتصف 2017 كانت وتيرة الحرب الناعمة قد انخفضت في الجزائر، مقتصرة على التنقيب الصامت عن الجنرالات من بقايا منظومة المتقاعد “مدين توفيق”، قبل أن يدخل رئيس الوزراء “عبد المجيد تبون” إلى رقعة الشطرنج الكبيرة، وينخرط في صراع مع مراكز القوى بدون تعمُّد على الأرجح، وذلك عندما حاول تقليص الاعتماد على الشركات الأجنبية بشكلٍ أساسي، وبلغ الصراع ذروته في يوليو من العام نفسه، عندما تلقَّى عدد من الشركات الأجنبية والمحلية الكبرى إشعارات بإنهاء عقودها، بينها شركة تتبع لـ”علي حداد” أحد المقرَّبين من “سعيد” مهندس العلاقات الرئاسية، ليصدر قرار رئاسي بإقالة “حكومة تبون” وتعيين “أحمد أويحيى” مدير المكتب الرئاسي بدلًا منه، فيما بدا أنها حملة تنسب لـ”سعيد” الطامح في الرئاسة، تهدف لتثبيت نفوذ معسكر الرئاسة داخل الحكومة بعد إتمام “صالح” السيطرة شبه الكاملة على جهاز المخابرات، من البداية للنهاية[19]، وبوقت قياسي.

كان ولا يزال صراع الأجنحة في الجزائر متحركًا  كالرمال، يتحرَّك بحسب مكاسب وخسائر كل فريق، فرغم القرارات التاريخية التي اتَّخذها الرئيس بوتفليقة خلال العهدة الرابعة-أو من كان يحكم باسم الرئيس- بداية سيطرة “الرئيس” النهائية على النظام السياسي برمَّته -الجيش خاصَّة[20]– ففي الصراع على السلطة في الجزائر، وصل الصراع إلى أربعة أجنحة، ووصل إلى ثلاثة أجنحة، وعبَّر عن نفسه في حالات طبيعية له بجناحين، مثل الصراع بين جماعة السعيد بوتفليقة أخو الرئيس ومستشاره، وجناح القايد صالح “الجيش” الذي لم يكن راضيًا عن جماعة الرئيس، لأن الفريق أحمد صالح لا يثق إلا في شخص الرئيس، خاصة مسألة خلافة الرئيس أو الترشَّح لعهدة خامسة[21].

تسارعت وتيرة الأحداث الداخلية في الجزائر، ففي سنة 2018 تفجَّر صراع ثلاثي الأجنحة بين جماعة الرئيس -المتمثِّلة في الرئاسة وشبكات المصالح ورجال الأعمال- الذي كان يسعى لترشيح أحد المقرَّبين من النظام “من جماعة الرئيس” أو تمرير العهدة الخامسة إن أمكن، وجناح الفريق أحمد قايد صالح “الجيش” الذي لم يكن يثق إلا في الرئيس وله عداوة تاريخية مع الفريق مدين بحجة التآمر على المصالح العليا للوطن، ولا يثق في جماعة الرئيس والتي وصفها فيما بعد بالعصابة، وجناح الفريق محمد مدين “توفيق” أو “الدولة العميقة” العائد الجريح إلى رقعة الشطرنج السياسية في الجزائر، المستغل للأحداث والأزمة التي تعرفها الجزائر[22].

بعد استقالة الرئيس بوتفليقة بدأ التنافس والصراع بين الحلفاء السابقين وصارت اللعبة مقسَّمة إلى فريقين، الفريق الداعم للانتخابات الرئاسية في إطار الشرعية الدستورية القائمة “فريق الرئاسة والمؤسسة العسكرية بالأساس”، وفريق يدعو إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية ولا تكون إلا في إطار مرحلة انتقالية تأسيسية طويلة الأمد -تأتي بمجلس تأسيسي- ثم تعديل الدستور إلى غاية الوصول إلى الانتخابات الرئاسية كآخر محطة.

ظهر تحالف جديد بعد مرحلة سقوط بوتفليقة جمع المتناقضات فيه -فريق “مدين توفيق” من جهة، وجناح جماعة الرئيس بقيادة “السعيد بوتفليقة” وشبكات المصالح ورجال الأعمال “القوى المتضرِّرة” من جهة ثانية- وهم الأعداء التقليديون، لكن في ظلِّ الوضع الراهن تحالف الجناحان ضدَّ خيار الشرعية الدستورية من أجل كسب الوقت للخروج بأقلِّ الأضرار من الأزمة السياسية الجزائرية والتي غيَّرت قواعد اللعبة السياسية لغير صالحهما. لأن هذا الجناح الفسيفسائي الجديد يدرك أنه كلَّما قصر عمر الأزمة السياسية في الجزائر تزداد خسائرهم السياسية بل وقد تقضي على مستقبلهم السياسي.

وسوف نفصِّل في رؤية كل التيارات البارزة  للأزمة السياسية التي تعرفها الجزائر ومحاور الحل، فكيف ارتسمتْ مرحلة ما بعد بوتفليقة بين خيار الشرعية الدستورية وخيار المرحلة الانتقالية، في ظلِّ صراع الأجنحة على السلطة في الجزائر؟ وهل تمثِّل الانتخابات الرئاسية حدثًا مفصليًّا للخروج من حالة الأزمة وبناء شرعية جديدة أم أنها آلية من طرف السلطة لاحتواء الحراك الشعبي في الجزائر؟

1) خيار الحل الدستوري” الشرعية الدستورية”:

يقف إلى جانب الخيار أو المسار الدستوري مؤسسة الرئاسة والجيش، وجزء كبير من  الأحزاب السياسية، وبعضها لم يسعه مقاومة خيار الجيش -أحزاب السلطة سابقًا- المستقل، وأغلبية مطلقة من الشعب، ويحاجج أصحاب هذا التوجُّه، بالحجج التالية:

– أن الشعب هو مصدر الوحيد للسلطة، وأن مسألة تفعيل المادة 7 و8 من الدستور ليس معناه نزول الشعب للميادين ليحكم بنفسه من خلال المظاهرات، إنما بخيار الذهاب إلى انتخابات حرة ونزيهة، يختار الشعب فيها بكل حرية وديمقراطية رئيسًا “بالأغلبية”.

– القطيعة مع خيار المرحلة الانتقالية التي تُبنى على مقاس جهات علمانية ولائكية وأقلية مرتبطة بالخارج، والقطيعة مع مستنقع التعيين والولاء والجهوية، والمحاصصة العرقية، إلى خيار الدستور والقانون.

– العودة إلى أزمة صيف 1962، وهو ما يعني بالمجمل: إعادة كتابة الدستور من جديد الذي سيُعيدنا إلى نقطة الصفر  والدخول في متاهات وصدامات الهُوية من جديد[23].

– خيار الحلِّ الدستوري يجنِّب الفراغ المؤسَّساتي ويحقِّق الانتقال السياسي والمؤسَّساتي ويضمن بذلك ديمومة عمل المؤسَّسات السياسية، “فالعصابة التي خلقت الأزمة تحاول أن تخلق فراغًا دستوريًّا، وهم من يحاولون اختراق المسيرات ويشوِّهون خيار الحل الدستوري والقصد منه تشويه قيادة الجيش[24]“، فالانتقال من نظام قديم إلى نظام سياسي جديد يمرُّ حتمًا عبر تحديد الخيارات للخروج من الأزمة “تنظيم الانتخابات، التنافس النزيه حولها، والقبول بنتائجها” وحتى لا تتكرَّر تجربة الجزائر في التسعينيات من القرن العشرين.

– قطع الطريق على النظام القديم بتحريك ملفات الفساد التي تتَّخذها العدالة وبمرافقة الجيش، ضدَّ الفساد ونهب المال العام وخير دليل على هذا الإجراءات الهامة التي اتُّخذت من طرف العدالة ضدَّ النظام القديم[25].

– تنظيم الانتخابات وفق الدستور هو الطريق الأسهل والأسرع لخروج الجزائر من أزمتها[26]، ويساهم في الحفاظ على الوحدة الترابية وممتلكات الشعب، وتجنُّب الفراغ والفوضى، في ظلِّ بيئة خارجية تسهِّل التدخُّل الخارجي وتدعم خيارات الانقسام والفوضى في الجزائر.

– التصدِّي لمحاولة فرض أجندات وشخصيات مرتبطة بجهات ودول ومنظمات خارجية ودفعها لواجهة الحراك كممثلين عنه، وقيادة مرحلة انتقالية[27]، رغم أن الفريق المتقاعد توفيق أقرَّ بالاجتماع المشبوه ببيته الذي دعا إليه مجموعة من الشخصيات “الرئيس الأسبق اليمن زروال، لويزة حنون، الجنرال بشير طرطاق، والسعيد بوتفليقة”، وقيل إنه حضرته شخصيات أجنبية من سفارات دول أجنبية، وقد تمَّ عرض رئاسة المرحلة الانتقالية على الرئيس الأسبق اليمين زروال، الذي رفض وانسحب من الاجتماع بعد أن تفطَّن لسيناريو انقلابي من الجنرال المتقاعد “توفيق” وكتب بيانًا يتبرَّأ فيه من الاجتماع الذي لم يكن يعرف أهدافه الحقيقية، كما أن قيادة الجيش حذَّرت لاحقًا من الاجتماع المشبوه وأكَّدت أنها تراقب تصرُّفات أشخاص مشبوهين وينتمون إلى قوى غير دستورية تحاول العبث بالأمن العام، وقد تمَّ إحالة “توفيق، وحنون، والسعيد، وطرطاق” إلى القضاء العسكري بتهمة التآمر وإضعاف معنويات الجيش، إلا أن الفريق المتقاعد أنكر التُّهم الموجَّهة إليه[28].

– إجراء الانتخابات الرئاسية بعد أن أُجِّلت في 4 يوليو لتعذُّر إجرائها، وبعد توفير شروط إجرائها من فتح ورشات للحوار السياسي والمجتمعي، وتعيين سلطة مستقلَّة للإشراف ومراقبة الانتخابات، وإعادة تعديل قانون الانتخابات وتطهير القوائم الانتخابية، والتي كلها شروط تخدم “إقامة الانتخابات الرئاسية كضرورة قصوى لا خيار عنها، وفي الآجال المعقولة والمقبولة زمنيًّا، والمتاحة دستوريًّا[29]، وقد أكَّدت المؤسسة العسكرية أن موعد 12 ديسمبر طريق لا رجعة فيه، وستجرى فيه الانتخابات الرئاسية في ظروف مختلفة لم تشدها الجمهورية منذ الاستقلال[30].

– رفض البعض للانتخابات “دعاة المرحلة الانتقالية” لأنهم متيقِّنون أنها لن تكون في صالحهم، ويفضِّلون خيار التعيين على خيار الصندوق لضمان وجودهم في الحكم[31].

يُعتبر تيار “الشرعية الدستورية” هو المسيطر على صراع السلطة في الجزائر، وهو من يمسك بالمؤسَّسات وبخيوط اللعبة السياسية فيها، وقد شرع هذا التوجُّه في رسم خارطة الطريق لما بعد بوتفليقة بمجموعة من الخطوات العملية، التي ستُنهي ولا ريب –حسبهم- حالة الأزمة السياسية لأجل بناء شرعية جديدة قائمة على انتخابات رئاسية في 12 ديسمبر 2012.

إن تدخُّل الجيش في الحياة السياسية من نواقض الديمقراطية، وإلا لماذا أوجدت الأحزاب السياسية؟ أوليس لمأسسة الخلافات الاجتماعية والتعبير عنها سياسيًّا في الاستحقاقات الوطنية على شاكلة الانتخابات، وإن الطبقة والنخب السياسية من صنْعتها اقتراح الحلول وخلق القيمة المضافة سياسيًّا خاصَّة في أوقات الأزمات السياسية، لكن من يرفضون تدخُّل الجيش اليوم في الحياة السياسية هم من باركوا تدخُّل ذات الجيش في أحداث الجزائر 1990، والسبب أن الجيش تدخَّل في صالحهم في تلك الفترة، أما أزمة 2019 فقد تدخَّل ضدَّ إرادتهم وتوجُّهاتهم بعدما خضع الجيش لعملية تطهير كبيرة.

ترى المؤسسة العسكرية أنها ليست لها طموحات سياسية، وأن تدخُّلها من باب الدستور الذي يضمن له حقَّ المرافقة للجميع، خاصَّة لمؤسسات الدولة “وبالأخص جهاز العدالة” وتقديم كافة الضمانات لها حتى تتمكَّن من أداء مهامِّها على أكمل وجه، خاصَّة ما تعلَّق بالملفَّات الثقيلة، والجرائم المقترفة من طرف النظام السابق وعصابته[32] لتحقيق الانتقال الديمقراطي، مثلما حدث في العديد من دول أوروبا الغربية[33].

قبل بدأ الحراك الشعبي السلمي يوم 22 فبراير 2019 لم يتصوَّر أحد أن نهاية حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة “الرئيس الكامل الصلاحيات” ستكون بعد ستة جُمعات متتالية، وبالضبط في يوم الثلاثاء 2 أبريل 2019، وبضغط من الشارع وقائد الجيش أعلن الرئيس استقالته من رئاسة الجمهورية قبل انتهاء العهدة الرئاسية بأسابيع معدودة[34]، ليجتمع المجلس الدستوري ويثبت شغور منصب رئيس الجمهورية بحسب الفقرة الثالثة من المادة 102 من دستور 2016، وبُلِّغَتْ شهادة التصريح بالشغور النهائي فورًا إلى البرلمان الذي اجتمع وجوبًا، وتولَّى رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح مهام رئيس الدولة لمدة 90 يومًا، حتى تنظَّم انتخابات رئاسية خلالها، أُقِرَّتْ في 4 يوليو 2019، ولكنها أُجِّلَتْ إلى أجلٍ غير مسمَّى، في ظلِّ عدم قبول أيِّ ملف للترشيحات الخاصَّة برئاسة الجمهورية[35]، وعدم وجود ضمانات كافية لإجراء الانتخابات، خاصة وجود هيئة مستقلَّة لمراقبة الانتخابات، ولم تفتح فيها ورشات للحوار، فيما أعلن رئيس الدولة في 15 سبتمبر أن موعد الانتخابات الرئاسية سيكون 12 ديسمبر 2019.

إن المتتبِّع لخطابات قائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح يلحظ أن قيادة الجيش ترافق وتقترح خارطة طريق للسلطة المدنية الممثَّلة في الرئاسة والحكومة وجهاز العدالة، وهو بذلك كانت يقوي صف الشرعية الدستورية، فقلد أعطى الضوء الأخضر باستدعاء الهيئة الناخبة واقترح يوم 15 سبتمبر وأكَّد على الحوار في أكثر من مرة، بل ودعا إلى تشكيل هيئة وساطة وحوار مستقلَّة، كما ألحَّ في كلِّ خطاباته واجتماعاته على ضرورة الإسراع في تنصيب الهيئة المستقلَّة لتحضير وتنظيم ومراقبة الانتخابات التي ستُوكل لها ضرورة مراجعة قانون الانتخابات، حتى يستجيب للتحديات الجديدة[36].

كانت تلك مطالب المؤسسة العسكرية وهي مشتركة مع الطبقة السياسية، لكن يظهر أن السلطة المدنية كانت أضعف من أن تقدِّم حلولًا وتنفذها، لأنها كانت تتعرَّض لضغوطات شعبية وسياسية كبيرة – كالمطالبات بالاستقالة من طرف الشارع وعلى أنها امتداد للنظام القديم- أما رأي المؤسسة العسكرية وإن كان يعرف ويقرُّ بهذه الحقيقة فإنه يرى من وجهة نظر أخرى أن للمرحلة أحكامها وأنه لا يمكن المطالبة بالرحيل الجماعي لكافة إطاراتها، أو أن نُخوِّن كل إطارات الدولة ونُفرِّغ المؤسسات من كوادرها، فهذه الإطارات لها الفضل في خدمة البلاد وأن العدالة وحدها المخوَّلة بتوجيه التُّهم والمطالبة برحيل أيٍّ كان[37]، وحتى لا تقع الجزائر في فخِّ الفراغ الدستوري ومتاهات المرحلة الانتقالية على شاكلة النموذج المصري والسوداني، وربما التجربة التونسية مهمة لأنها لم تقع في فخِّ الفراغ السياسي والدستوري ولم تحدث فيها قطيعة سياسية للمؤسسات، فإن التجربة الجزائرية وكما تؤكد السلطة القائمة هي تجربة فريدة وخاصة، ولا تريد المخاطرة بالبلاد في ظلِّ أوضاع داخلية وخارجية غير مشجِّعة لهذا الانتقال.

شرعت السلطة حينها في تنظيم جلسات الحوار واختير لها القيادي في جبهة التحرير سابقًا ورئيس البرلمان المستقيل في العهدة الأولى لحكم الرئيس بوتفليقة “كريم يونس” ليقود الحوار، وبعد جلسات حوار استُدعيت لها كافة الشرائح والفئات الوطنية وتمَّت عبر العديد من الولايات، تمَّ تعيين السيد محمد شرفي وزير العدل الأسبق رئيسًا للسلطة المستقلَّة لمراقبة الانتخابات وبمعية خمسين عضوًا، أُعطيت لهم كامل الصلاحيات لاختيار المندوبيات الولائية عبر كامل ولايات الجمهورية، وصدر قانون “مرسوم” منظمٌّ لعمل السلطة التي سوف تنظِّم وتُشرف وتُراقب كافَّة العلميات المرتبطة بالاستحقاق الانتخابي الرئاسي في 12 من ديسمبر إلى غاية الإعلان النهائي عن النتائج، وقد تحقَّقت جُلُّ مطالب الطبقة السياسية من خلال إحداث وتنصيب السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات بعد حوار مجتمعي وسياسي طويل، مع إصدار قانون خاص بالسلطة ينظم عملها وصلاحيتها، وعُدِّلَ القانون العضوي المتعلِّق بالنظام الانتخابي.

2) خيار المرحلة  الانتقالية أو التأسيسية “الفراغ الدستوري”

منذ الإطاحة بالرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، في الثاني من أبريل 2019، بدأ الحراك الجزائري ينقسم شيئًا فشيئًا على نفسه، حول الطريقة المُثلى لإحداث الانتقال الديمقراطي للسلطة، وخاصة حول موضوع “المرحلة الانتقالية”، التي يطالب بها جزء من الحراك، بينما رفضها الجزء الآخر الداعم لـ “الحل الدستوري” الذي تتبنَّاه مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية، إلى أن وصلنا اليوم إلى انقسام حاد في الشارع، وإلى استقطاب شديد تتحكَّم فيه الأيديولوجيات قبل القانون، بل ووصل الأمر إلى رفع الشعارات المتناقضة داخل المظاهرة الواحدة.

يرى أصحاب هذا الخيار أن الانتقال يمرُّ بانتخاب هيئة جماعية لشخصيات، ثم حكومة إنقاذ وطنية من شخصيات غير متحزِّبة، تقوم بتعيين هيئة مستقلَّة من خبراء لتحضير دستور جديد للدولة قبل عرضه للاستفتاء، بعد توافر هذه المعطيات يمكن تنظيم انتخابات رئاسية وهذا في فترة لا تقل عن ستة أشهر[38].

طرْح “المسار التأسيسي” يختلف تمامًا عن فكرة “العهدة الانتقالية” المطروحة، سواء من هيئة الحوار أو من شخصيات وأحزاب شاركت في ندوة عين البنيان، لأن “العهدة الانتقالية”، تعني الذهاب للرئاسيات بالدستور الحالي وتسليم كل شيء للرئيس المقبل دون أيِّ ضمانات بأنه سيقوم بالتعديلات اللازمة على الدستور، ما يعني خطر البقاء في نفس النظام، في حين أن الجزائريين يطالبون بالتغيير الجذري[39].

وبرغم رفض خيار المجلس التأسيسي هو الآخر، ومع ذلك عادت أحزاب البديل الديمقراطي توضح أن المرحلة الانتقالية لن تتبنَّى طرح المجلس التأسيسي، فعوَّضته بفكرة المسار التأسيسي الذي يعني الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية لكن ليس بالدستور الحالي الذي يعطي صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، والاتفاق على وثيقة “ما قبل دستورية”، تتضمَّن المبادئ العامة في الحريات واستقلالية العدالة وتوازن السلطات والفصل فيما بينها ثم الذهاب إلى انتخابات رئاسية، بحيث يكون الرئيس المقبل مقيَّدًا بها في صياغة الدستور المقبل[40].

يعتقد جزء من الحراك ومن معه من أحزاب تكتل البديل الديمقراطي وبعض النخب الفرانكفونية أن الانتخابات هي خيار وليس ضرورة، وأن الأزمة التي تعرفها الجزائر تقتضي بناء التوافقات، وإحلال سلطة التعيين وفق درجة الاستحقاق الوطني لترجمة حركة الشارع إلى حلول تستجيب إلى مطالبه، ويصرُّ أصحاب هذا التوجُّه إلى الذهاب إلى خيار المرحلة الانتقالية وفق تصوراتها للأسباب التالية:

– رحيل جميع رموز النظام البوتفليقي عن آخرهم “خاصة الباءات الأربعة” بما فيهم رئيس الدولة “بن صالح”، ورئيس الحكومة “بدوي”، كما رحل رئيس البرلمان “بوشارب” ورئيس المجلس الدستوري “بلعيز”، وكل رموز النظام البوتفليقي.

– الذهاب إلى مجلس تأسيسي معيَّن، وصياغة دستور جديد بالكامل يؤسِّس للجمهورية الجديدة ويُعيدها للاستقلال لتصحيح المغالطات التاريخية بحقِّ الدولة والشعب “ويمثِّل هذا الاتجاه تيار البديل الديمقراطي”، في إعادة لصراع الهوية من جديد، ورفض مبادئ نوفمبر والهوية الإسلامية العربية، ومن ثمَّ إعادة صياغتها على الهوية العلمانية وعلى مرجعية مؤتمر الصومام.

– المرحلة والأزمة تقتضي بناء التوافق بدل الحديث عن المكاسب “الصندوق”، وأن مسألة التعين ليست سيئة في ظلِّ الضمانات التي يقدِّمها الحراك أسبوعيًّا بقبول الشخصيات التي تحقِّق التوافق.

– رفض عسكرة الدولة، وأن دور الجيش حسب الدستور واضح بحسب المادة 102، ووهو ما يعني عدم التدخل في الحياة السياسية المدنية.

كما يوجد تيار ثالث يسعى للحلِّ في إطار الشرعية الدستورية، ولا يعارض إقامة الانتخابات الرئاسية، ولكن بشروط منها: بناء التوافق السياسي، وتوسيع الحوار، وإطلاق معتقلي الرأي ويستثني منهم المتورطين في قضايا الفساد والقضايا التي تمس بالوحدة الوطنية، ومن بين الداعمين لهذا التوجُّه حركة مجتمع السلم وجبهة العدالة والتنمية ومجموعة العشرين “طالب الإبراهيمي وعلي بن محمد وغيرهم..” ، وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي دعمت خيار المرحلة الانتقالية لكن لمدة قصيرة تقودها شخصية وطنية مشهود لها، واقترحت في هذا الشأن السيد طالب الإبراهيمي، ويرفض خيار المجلس التأسيسي المطروح من قبل أحزاب البديل الديمقراطي ومن يقف وراءهم.

يظلُّ خيار الحل الدستوري أكثر واقعية رغم أنه ليس مثاليًّا، ويحظى بالمساندة المطلقة من فئات وشرائح اجتماعية واسعة، لأن هذا الخيار هو الأقل تكلفة والطريق الأسرع للخروج من الأزمة السياسية التي تعرفها البلاد، خاصة في ظلِّ المحيط غير المستقرِّ بالجزائر “الساحل، وليبيا” بالخصوص، أما خيار تيار المرحلة الانتقالية فهو خيار “مثالي غير واقعي” يركِّز على مدخل الأقلية المرتبطة بالخارج، ويرفض تدخُّل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية ولكنه بارك في الأزمة الجزائرية 1990 تدخُّل ذات المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية -يرفض الديمقراطية التي تأتي بالإسلاميين- وهو تيار ضعيف التأثير شعبيًا، بينما التيار الثالث “مجموعة العشرين” وغيرهم فهو تيار يحاول أن يمسك العصا من الوسط، فله مدٌّ شعبيٌّ كبير- ربما سيظهر تأثيره في الأوراق الملغاة في الانتخابات- ينتخب ولكنه يرفض الوجوه المترشِّحة للانتخابات الرئاسية وطريقة إجرائها، ليس له الغلبة السياسية ولا يملك قواعد اللعبة، وهو تيار فكري أكثر منه تيار عملي.

3) الانتخابات الرئاسية” الخروج الآمن من الأزمة”

بعد أن أُجِّلت الانتخابات الرئاسية لمرتين” 18 أبريل و4 يوليو 2019″، عالجت السلطة السياسية في الجزائر أسباب ومعوِّقات التأجيل واستجابة لانشغالات الطبقة السياسية لاسيما تعديل قانون الانتخابات[41] وتأسيس السلطة الوطنية المستقلَّة للانتخابات[42]، وأعلن رئيس الدولة المؤقَّت عبد القادر بن صالح يوم 15 سبتمبر 2019 عن استدعاء الهيئة الناخبة للانتخابات الرئاسية التي حُدِّدَ موعدُها الثالث -الجديد- يوم 12 ديسمبر 2019.

قُدِّمَ ثلاثة وعشرون ملفًّ للراغبين في الترشُّح لرئاسة الجمهورية، للسلطة المستقلة للانتخابات من أصل أكثر من 180 شخصًا سحبوا استمارات الترشُّح، وبعد دراسة ملفات المترشِّحين من طرف السلطة المستقلة للانتخابات تمَّ قبول خمسة ملفات كاملة احترمت شروط الترشُّح المنصوص عليها في قانون الانتخابات[43]، وبعد تقديم الطعون من طرف بعض المترشحين تمَّ رفض تسعة ملفات لعدم استيفاء الشروط القانونية، ثبت المجلس الدستوري قائمة المترشِّحين النهائية والتي ضمَّت خمسة مترشحين يوم: 9 نوفمبر 2019[44]، كما وضعت السلطة المستقلة ميثاق أخلاقيات الممارسات للحملة الانتخابية وتمَّ التوقيع عليه يوم 11 نوفمبر 2019[45]، وانطلقت الحملة الانتخابية لمدة 25 يومًا واختُتمت بمناظرة بين المترشِّحين الخمسة قبل ثلاثة أيام من الانتخابات الرئاسية، أعقبها صمت انتخابي لمدَّة ثلاث أيام[46]، هذا وقد بدأت الانتخابات يوم 9 ديسمبر في الخارج والمناطق النائية والبعيدة داخل الوطن-المكاتب المتنقلة-، وفي يوم 12 ديسمبر 2019 تمَّ الاقتراع العام في الداخل الجزائري عبر 48 ولاية.

فما هو المسار الذي نُظمت فيه انتخابات 12 ديسمبر 2019؟ وهل تمثِّل هذه الانتخابات فرصة للخروج من حالة الأزمة السياسية وبناء شرعية جديدة أم هي مجرد التفاف على الحراك واستمرار حالة المغالبة والصراع لأجل السلطة؟

مسار الانتخابات:

يري تيار كبير -تيار الأغلبية- من الجزائريين ومؤسسات الدولة القائمة في الجزائر “مؤسسة الرئاسة، المؤسسة العسكرية، الأحزاب السياسية وجل مؤسسات المجتمع المدني والقوى المجتمعية”، وهم أنصار الخيار الدستوري” الشرعية” أن الانتخابات هي الحل العملي والواقعي للأزمة السياسية التي تعرفها الجزائر، وهي أقصر وأضمن طريق للخروج من حالة الانسداد السياسي إلى الحالة الطبيعية للمؤسسات السياسية القائمة على الشرعية الشعبية.

في مقابل هذا يرى الرافضون للانتخابات أن الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر هي محطة من المحطات التي يجب على الحراك أن يجتازها شأنها شأن التحديات السابقة، وحتى بعد انجاز السلطة للانتخابات فقد رأى معارضوها أنها محاولة لإعطاء مظهر تنافسي لهذه الانتخابات والتقارب مع أرقام في بعض ديمقراطيات الجوار، وفي الخلف عدم رغبة مخابر السلطة في حصول خليفة بوتفليقة على أغلبية ساحقة في عملية رسم لقواعد اللعبة والحيلولة دون ظهور رجل إجماع جديد، فقد وظَّف الرئيس السابق بوتفليقة الأغلبية التي مُنحت له لتحييد حلفائه السابقين والتخلِّي عن التزاماته معهم[47].

مع هذه المغالبة الشديدة، والتدافع السياسي الكبير الذي كان حضاريًّا، لكنه لم يكن متوازنًا -كان لصالح كفة الشرعية الدستورية- بدأت التحضيرات للحملة الانتخابية عقب فشل تنظيمها مرتين، وحدد تاريخها 12 ديسمبر 2019، وقد عبَّرت عن نفسها في أكثر من مظهر ومسار عبر النقاط التالية:

– غياب أي مرشح عسكري “سابق أو حالي”، أو مجاهد، وبالتالي الرئيس الثامن للجزائر الذي ستفرزه الانتخابات الرئاسية سيكون أول رئيس مدني يحكم الجزائر، وسيكون رئيسًا خارج الشرعية الثورية.

– تنظيم الانتخابات من طرف السلطة المستقلة للانتخابات، وعليه لأول مرة في تاريخ الجزائر لم تنظِّم السلطة السياسية الانتخابات التي تعوَّدت أن تُرشِّح لها -مرشَّح السلطة- وتنظِّمها في نفس الوقت.

– تعديل الإطار القانوني للانتخابات المعجز للمعارضة، خاصة ما تعلَّق بشروط الترشُّح، بعدما كان يخدم مرشح السلطة فحسب.

– غياب مرشَّح واضح للسلطة القائمة وللمؤسسة العسكرية، وهو ما صعَّب التكهُّنات حول الرئيس المحتمل، ولم يعرف الجزائريون الرئيس الثامن إلا بعد علميات الفرز النهائي وإعلان النتائج من طرف السلطة المستقلة للانتخابات.

– الدعم الواضح من بقايا النظام القديم للمترشِّح عز الدين ميهوبي -حزب التجمع الوطني الديمقراطي أحد قطبي التحالف الرئاسي سابقًا- والذي حظي بدعم قيادة جبهة التحرير الجديدة، كما حظي بدعم واسع من رجال الأعمال، والدولة العميقة.

– غياب مرشح واضح للإسلاميين الذين انقسموا بين مقاطع ومشارك رغم أن حزب المترشح عبد القادر بن قرينة مرشح حزب البناء الوطني حزب إسلامي، لكنه رفض أن يكون مرشحًا للإسلاميِّين.

– ترشَّح اثنان من رؤساء الحكومات السابقين “علي بن فليس وعبد المجيد تبون” وكذا وزيران سابقان “عبد القادر بن قرينة وعز الدين ميهوبي” ومترشِّح واحد لم يسبق أن كان ضمن وزراء الحكومات السابقة للرئيس بوتفليقة وهو المترشِّح “عبد العزيز بلعيد” مناضل سابق بجبهة التحرير ثم انشقَّ وأسَّس جبهة المستقبل.

– دعم المؤسسة العسكرية للخيار الانتخابي وبالتحديد الانتخابات الرئاسية التي جرتْ في 12 ديسمبر 2019، واعتبار الخيار الانتخابي بالمصيري والاستراتيجي للخروج من حالة الأزمة، مع الاحتفاظ بالحيادية في دعم جهة أو حزب أو شخصية معينة.

– غياب المجتمع المدني عن المشهد الانتخابي، خاصة الاتحاد العام للعمال الجزائريِّين ونقابة أرباب العمل، والأكاديمية الوطنية للمجتمع المدني؛ وهي الصورة السيئة التي صاحبت الانتخابات السابقة.

– غياب مرشح لجبهة التحرير لأول مرة في الانتخابات الرئاسية منذ الاستقلال -رغم أن القيادة دعمت مرشح التجمع الوطني الديمقراطي- نظرًا للأزمة التي يعرفها الحزب وذلك لنضاله الطويل في دعم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وهو ما يعتبره الكثير من الجزائريِّين أن الحزب سبب الأزمة السياسية الجزائرية، وأنه حان الوقت ليرجع الحزب إلى المتحف كرمز من رموز النضال الوطني، وهو ما دعتْ إليه المنظمة الوطنية للمجاهدين خاصة، وأن التكلم باسمه الحزب متاجرة وخطيئة سياسية.

– تنظيم الانتخابات في ظلِّ انقسام سياسي ومجتمعي واضح بين “أنصار الشرعية”، و”الحل الدستوري” (الأغلبية)، والحل السياسي “المرحلة التأسيسية” (الأقلية)؛ انعكس على نسبة المشاركة التي لم تتعدَّ الواحد في المائة في منطقة القبائل “بجاية وتيزي وزو”.

– القيام بحملة انتخابية نظيفة “ميثاق أخلاقيات الممارسة الانتخابية”[48]، بعيدًا عن التخوين والإساءة للآخر، فلأول مرة تمت مناقشة برامج المترشِّحين في حملة انتخابية احترمت الميثاق، وتُوِّجَتْ بمناظرة انتخابية تمَّ بثُّها على الهواء مباشرة.

دفعت مجموعة من العناصر والمؤشِّرات إلى دعم خيار الانتخابات، من بينها: الموقف المعادي -خاصة الأوروبي والفرنسي- من الأزمة الجزائرية، الدعم الذي حظي به مرشَّح الدولة العميقة -عز الدين ميهوبي- من أحزاب السلطة القديمة، ساهمت فيما بعد لانتخاب واختيار مترشِّح حر، عجز الحراك عن تقديم بديل للأزمة القائمة وعجزه في ترشيح حتى شخصيات تمثله أدخل هذا الشكَّ لدى فئة واسعة من الشعب بطول مدة الأزمة القائمة في ظلِّ تأجيل الانتخابات لمرتين متتاليتين، وعليه اختار جزء كبير من الجزائريِّين عدم المخاطرة والمغامرة نظرًا للشكوك حول مآلات الوضع الراهن الذي قد يتحوَّل إلى حالة عدم استقرار؛ داخليًّا حدث تصويت عقابي أثناء الانتخابات خاصة مع حالات العرقلة المتعمَّدة لرافضي الانتخابات -في الخارج وفي منطقة القبائل- وهو سلوك غير ديمقراطي؛ أدَّى إلى نتائج عكسية على رافضي الانتخابات، فخارجيًّا الوضع المتأزِّم لدول الجوار والأزمات المتصاعدة في دول الساحل الأفريقي؛ أقنع قطاعات واسعة من أن ما يمكن تحقيقه في ظلِّ وجود رئيس محكوم بمجموعة من التعهُّدات والالتزامات قد تفوق مخاطر وغموض الاستمرار في الحراك بدون رئيس، كما أن اختيار رئيس ليس معناه بالضرورة التوقُّف عن الحراك، كما شعر الجزائريون بالانعكاسات الإيجابية لأداء حكومة نور الدين بدوي ورئاسة الرئيس المؤقَّت عبد القادر بن صالح، فقد أنجزت الحكومة والرئيس المؤقَّت ما لم يتحقَّق في عُهدتين سابقتين للرئيس بوتفليقة، خاصَّة في مجال مكافحة الفساد والمجال الاقتصادي.

النتائج:

إن مخرجات العملية الانتخابية التي جرتْ في 12 ديسمبر 2019 كرَّست الحلَّ الدستوري، وأنْهت خيار المرحلة الانتقالية ووضعت أصحابه أمام الأمر الواقع لخيار الأغلبية، فلا يمكن الاستمرار في حركة الشارع إلى أجل غير مسمًّى ومجهول التبعات، وقد بدأت هذه الأحزاب في إصدار بيانات للاستجابة الأولية للحوار الذي وعد به الرئيس، مع تحفُّظ البعض وطرحه بعض الشروط من بينها إطلاق سراح المعتقلين، وقد وعد الرئيس الجديد بالاستجابة لهذه المطالب شرط ألا يمس الأشخاص المتورطين في الفساد “لا عفو رئاسي عن الفساد”.

– إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية من طرف السلطة المستقلَّة للانتخابات، حيث غابت السلطة ومؤسَّساتها عن تنظيم الانتخابات لأول مرة في الجزائر “لم تعد السلطة طرفًا”، وقد عرفت بعض المكاتب نقلًا مباشرًا للفرز، وفتح باب الحضور الشعبي لعمليات الفرز من طرف السلطة المستقلَّة، وقد أفرج المجلس الدستوري عن النتائج النهائية في يوم 14 ديسمبر 2019 عبر بيان رسمي، وقد جاءت النتائج كالتالي:

– انتخاب المرشح الحر “عبد المجيد تبون” رئيسًا للجمهورية بحسب النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية التي أعلنت عنها السلطة المستقلَّة للانتخابات يوم الجمعة 13 ديسمبر 2019، وأكَّدها المجلس الدستوري في بيان رسمي يوم 16 ديسمبر 2019، بنسبة تقدَّر بــ 58.13 بالمائة، وعليه تحسم الانتخابات لصالحه من الدور الأول[49]، رغم أنه لم يكن خيار الدولة العميقة، وهي نسبة قريبة للتي تقدِّمها دول الجوار وحتى الدول الديمقراطية، ورفض المترشِّحون الخاسرون للانتخابات الطعن على نتائجها لدى المجلس الدستوري، وهو ما يؤشِّر على نزاهة العملية الانتخابية، واعتراف من طرف المترشِّحين بقبول النتائج[50].

– تسجيل أضعف نسبة مشاركة في الانتخابات الرئاسية التي عرفتها الجزائر بـــ 39 بالمائة باحتساب المغتربين، لكنها نسب مشاركة مقبولة مقارنة بما تقدِّمه ديمقراطيات دول الجوار، ومع ملاحظة ارتياح كبير لدى الأوساط الشعبية في مصداقية الأرقام المقدَّمة من طرف سلطة الانتخابات، وخير دليل على هذا مع النسب التي تكاد تكون منعدمة لم تتجاوز الواحد بالمائة في ولايتي تيزي وزو وبجاية -منطقة القبائل- التي تعرَّضت فيها مكاتب الاقتراع لحوادث جسيمة “التكسير والغلق” تحت طائلة التهديد من طرف أشخاص محسوبين على تيارات ترفض الانتخابات وتريد مرحلة تأسيسية، لأن الانتخابات لا تخدم منطقها، ورغم ضعف هذه النِّسب إلا أن السلطة الوطنية للانتخابات لم تتحرَّج وأعلنت النِّسب كما هي.

– انتخاب عبد المجيد تبون كأول رئيس مدني يحكم الجمهورية منذ الاستقلال، ينهي حالة الشغور التي لازمت منصب الرئيس الغائب منذ 2013، بالإضافة إلى كونه من خارج الأسرة الثورية “ليس مجاهدًا”، رغم أن الرئيس ليس من مواليد الاستقلال، وهو ما يحتِّم على الرئيس الجديد إيجاد بديل للشرعية الثورية بشرعية الإنجاز وتحقيق الآمال الكبرى التي تهم الجزائريِّين، ومن جانب آخر، هزَم الرئيس الحالي أربعة أحزاب سياسية -حركة البناء الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، جبهة المستقبل، وحزب طلائع الحريات- وهو مؤشِّر على ضعف الأحزاب السياسية الجزائرية الموجودة في الساحة السياسية الجزائرية “موالاة ومعارضة”.

– لقد حقَّقت الجزائر انتقالًا آمنًا ومن داخل السلطة نفسها -شخص مغضوب عليه من النظام القديم- لكن بشخصية سياسية كاريزمية ذات إطار مدني وتعليم عال “المدرسة الوطنية للإدارة”، حيث تدرَّج تبون في سلك الإدارة الجزائرية “أمينًا عامًّا، واليًا، ثم وزيرًا ثم وزيرًا ، ثم رئيس جمهورية”، ينتمي إلى الجنوب الغربي للجزائر، وهو عضو سابق بالهيئة المركزية الوطنية لجبهة التحرير، لكن قيادة الحزب الجديدة رفضت ترشيحه، ودعمت غريمها السياسي حزب التجمع الوطني الديمقراطي ومرشَّحه عز الدين ميهوبي، كما أن الرئيس الجديد لم يطلب دعمًا من الحزب وترشَّح حرًّا وفاز في الانتخابات بنسبة تشابهت مع النِّسب التي تقدِّمها الديمقراطيات الراسخة، واختفت النتائج التسعينية التي تعوَّدت السلطة تقديمها لمرشَّحها الفائز.

– الاهتمام الدولي الكبير بالانتخابات الرئاسية، وردَّات الفعل الإيجابية عدا الموقف الفرنسي المعادي والذي جاء في إطار عدم الرضا عن أداء المؤسَّسات السياسية في الجزائر، المتوجِّس من نتائج الانتخابات الرئاسية، لكنه رضخ للواقع وتدارك الموقف بتهنئة الرئيس الجديد على فوزه بالرئاسة.

 

 

المآلات:

– بعد يوم من انتخاب الرئيس الجديد وبالضبط في الجمعة 13 ديسمبر 2019 خرج بعض الجماهير الرافضة لنتائج الانتخابات الرئاسية ليعبروا عن رفضهم للرئيس الجديد، ومعايرته بابنه المتَّهم في قضية الكوكايين الشهيرة مع المدعو كمال البوشي ومدير الأمن الوطني السابق “عبد الغني الهامل”، لكن الرئيس الجديد سبق وأن أكَّد أن العدالة هي التي تعالج جميع القضايا دون استثناء حتى لو كان ابنه. ومع مرور الأيام تُظهر حركة الشارع تراجعًا نظرًا للرسائل الإيجابية التي تلقَّاها من الوافد الجديد على الرئاسة، وأن الرئيس أصبح أمرًا واقعًا وشرعيًّا، وعليه هنالك دعوات لعدم تفويت الفرصة من طرف ممثِّلي الحراك لتحقيق مكاسب يطالب بها الحراك، وحتى الحراك شعر أنه فوَّت فرصة تقديم البديل طيلة عشرة أشهر، كما فشل في تقديم ممثلين عنه للحوار مع السلطة القائمة، فظلَّت مطالبه متفرِّقة، ولم تكن لديه قناة واحدة للحوار، بل هي شعارات رُفعت هنا وهناك وعبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وصلت إلى حدِّ التضارب، وعليه فإن الحراك مدعو ألَّا يفوِّت الفرصة على نفسه كما فوَّتها في تقديم مرشَّح له أو حتى دعم مرشَّح يراه مناسبًا، فلم يتمكَّن بعض من كانوا يظنون أنهم لسان الحراك من جمع خمسين ألف استمارة كشرط للترشُّح، إن الحراك وبعد أكثر من أربعة وأربعين أسبوعًا من انطلاقه يشعر أنه ذاهب إلى صدام الشعب مع الشعب “تسعة ملاين صوَّتوا في الانتخابات الأخيرة من أربع وعشرين مليون ناخب”، وهي قوة لا يستهان بها لإعطاء الشرعية للرئيس الحالي، ذلك مع احتساب الكتلة الصامتة التي لا تخرج للانتخابات حتى في أكبر الدول ديمقراطية.

– سوف تفرز الانتخابات الجزائرية خارطة سياسية جديدة، فقد تختفي أو يقل الوهج السياسي لأحزاب السلطة القديمة “جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي، وحزب تجمع أمل الجزائر، والحركة الشعبية الجزائرية، والتحالف الوطني الجمهوري” من الساحة السياسية، كما أن موقف أحزاب قوى تحالف البديل الديمقراطي -جبهة القوى الاشتراكية، حزب العمال، حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الاتحاد من أجل التغيير والرقي، الحركة الديمقراطية والاجتماعية، والحزب من أجل اللائكية والديمقراطية- من الأزمة الجزائرية ورؤيتهم للانتخابات سوف يفقدهم الوعاء الشعبي إلا فيما يتعلق ببعض المناطق الجغرافية، حيث تبني بعض الأحزاب السياسية في الجزائر شرعية وجودها على أساس مناطقي جغرافي أو قطاعي أو أيديولوجي مرفوض شعبيًّا، كما أن بعض الأحزاب السياسية الكبرى قد تدفع ثمن موقفها الرافض للحل السياسي المتمثِّل في الانتخابات خاصة حركة مجتمع السلم وحزب العدالة والتنمية الإسلاميين لصالح حزب البناء الوطني الذي حقَّق مكاسب هامة بدخوله للرئاسيات عن طريق مرشَّحه عبد القادر بن قرينة واحتلاله المرتبة الثانية قد يستغلها في المحطات الانتخابية القادمة، وستفرز الساحة السياسية الجزائرية أحزابًا سياسية جديدة سواء في الموالاة أو المعارضة وهو ما بدأت ملامحه تظهر، وسوف تؤكِّد الانتخابات التشريعية والمحلية القادمة -بعد أن يحلَّ رئيس الجمهورية الجديدة المجالس الموجودة- حقيقة هذا الطرح استجابة للوضع الجديد.

تواجه الرئيس المقبل تحديات اقتصادية وسياسية واجتماعية كبيرة، يجب عليه تفكيكها والتعامل معها وقد وعد بهذا، منها: إيجاد بدائل اقتصادية لأزمة هبوط أسعار البترول وتأثيراتها على الاقتصادي الريعي للجزائر، وتراجع احتياطي الصرف إلى أقل من 51 مليار دولار في 12 شهرًا من الاستيراد، مع عجز سنوي للموازنة العامة يقدر ب 2430 مليار دينار[51]، وتحدِّي تشكيل حكومة تكنوقراط يرضى عنها أنصار الرئيس والحراك على سواء لمعالجة الملفات الكبرى التي تهم الجزائريين، وحل المجالس المنتخبة “التشريعية والمحلية”، لإحداث القطيعة مع النظام القديم، وتعديل الدستور ليستجيب للجمهورية الجديدة التي وعد بها في برنامجه الانتخابي، ومكافحة الفساد السياسي ومن ذلك فصل المال عن السياسة لخلق بيئة اقتصادية نظيفة، وفتح قنوات للحوار مع ممثِّلي الحراك للاستجابة إلى مطالب الحراك وعلى رأسها إطلاق سراح معتقلي الرأي غير المتورطين في قضايا فساد.

– لخَّص الرئيس المنتخب في أول مؤتمر صحفي له بتاريخ 13 ديسمبر 2019 محاور التزاماته فيما يلي: لم الشمل بلا إقصاء ولا تهميش، طي صفحة الماضي وبناء الجمهورية الجديدة بمنهجية وعقلية جديد، الانحياز للشباب وإدماجهم سياسيًّا، فتح باب الحوار مع الحراك لتحقيق مطالبه لأن الحراك هو الذي أخرج الجزائر من المغامرات والمؤامرات إلى سكة الشرعية الشعبية، من أجل بناء دولة وطنية نوفمبرية مطهَّرة من الفساد والمفسدين ومحاربة العصابة “النظام القديم”، وفصل المال عن السياسة تشجيع رجال الأعمال النزهاء، الالتزام بحماية المرأة، إعادة مكانة الجامعة وجعلها في خدمة المجتمع، وتحقيق العيش الكريم للجميع خاصة الفئات المحرومة، العمل على استعادة دور الجالية الجزائرية في الخارج وتشجيع أفرادها على المساهمة في خدمة الوطن الأم[52].

– قد يستمر الحراك لأسابيع أخرى وربما لأشهر، لكن قبول المعارضة بالحوار الذي دعا إليه الرئيس الجديد بشروط من بينها: إطلاق سراح معتقلي الرأي وفقدان مسوغات وجود الحراك من أساسه يفقد المتظاهرين شرعية وجودها في الشارع، لأن التظاهر حركة خاطفة وسريعة تحمل مطالب محدَّدة ومضبوطة بزمن محدد، وإلا تتحوَّل الثورة إلى حالة عدم استقرار سياسي قد يدفع ثمنه الجميع، كلها أسباب تقلِّل الداعمين لحركة الشارع أسبوعًا بعد أسبوع لصالح خيار عودة الحياة الطبيعية للمؤسسات وللحياة السياسية والمجتمعية في الجزائر بعد نجاح خيار الانتخابات الرئاسية.

خاتمة:

عبَّر الحراك السياسي الجزائري عن العبقرية التي تمتلكها الشعوب في التخلُّص من الاستبداد والأنظمة التسلطية، وأن الرضا تحت القمع لن يدوم طويلًا لأن التسلُّطية تحمل بذور فنائها، كان يبدو أن الجزائر تمثِّل حالة واعدة وجادَّة في التحوُّل من النظام الأوتوقراطي إلى النظام الديمقراطي، لكن مرحلة إسقاط النظام القديم ليست كافية لأجل الانتقال الديمقراطي، فهنالك مراحل أخرى تتبع سقوط النظام وهي: سيطرة النظام الجديد، ثم رسوخ تلك الديمقراطية، وهو ما لم يتحقَّق بعد.

أضاعت الأطراف السياسية في الجزائر حتى الآن فرصة تاريخية للتحوُّل الديمقراطي، وارتكبت أخطاء أساسية في عملية الانتقال والتحوُّل من نظام استبدادي إلى نظام ديمقراطي، ولعلَّ أحد الأسباب الجوهرية هو عدم تمكُّن الحراك نفسه من الوصول إلى الحكم ووضع مطالبه موضع التنفيذ والتي هي: تفكيك مؤسَّسات الاستبداد، تطهير المؤسسات، إعادة هيكلة الدولة، العدالة الانتقالية كمنظومة متكاملة تبدأ بالحقيقة والمصارحة وتنتهي بالانتقال الديمقراطي، فقد افتقد الحراك الجزائري لمشروع سياسي محدَّد المعالم، كما حال دون ذلك سيطرة المؤسسة العسكرية على عملية الانتقال الديمقراطي المتوجِّسة من بعض الأطراف المشبوهة التي ركبت موجة الحراك، وكان لعدم اتفاق الفاعلين السياسيِّين على خارطة للأزمة السياسية أثره في وقوع الاستقطاب وتصدير الخلافات السياسية بين القوى المختلفة إلى الشارع، مما استدعى إحياء الخلاف والصراع الأيديولوجي على حساب الانتقال الديمقراطي.

إلا أن المعطيات الراهنة التي تشهدها الجزائر لا ترجِّح احتمال تأسيس نظام ديمقراطي حقيقي ومستقر خلال الأجلين القصير والمتوسط على الأقل، وأن أفضل ما يمكن أن يتحقَّق في هذا السياق، بافتراض استمرار الأحداث الجارية، هو تأسيس نظام سياسي هجين تقع ضمن ما تصفه أدبيات التحوُّل الديمقراطي بالمنطقة السياسية الرمادية “لا تكون ديمقراطية مستقرة وراسخة، ولا تسلطية مغلقة بالكامل”، ولكنه الانتقال الأقل سوءًا نتيجة للخيار الذي تطرحه المعارضة أصحاب خيار المرحلة الانتقالية “التأسيسية”.

إننا ننظر إلى عملية التحول الديمقراطي كعملية مرحلية وكمسار لا يمضي بالضرورة في خط مستقيم وباتجاه محدَّد من البداية، وإنما قد يعْتريه عدم اليقين والانتكاسات، الأمر الذي يؤكِّد على أهمية التعامل مع التحديات التي قد تواجه عملية التحول والتي قد تؤدِّي إلى انتكاسة تصيبها بالتراجع أو الانكسار.

مثَّلت الانتخابات الرئاسية في الجزائر حدثًا مفصليًّا في تاريخ التعدُّدية السياسية الجزائر، ليس بكونها ديمقراطية من عدمه، بل لأنها نجحت بها السلطة القائمة في جعلها الحل العملي والواقعي للأزمة السياسية التي تعرفها الجزائر، وعليه كانت بحق أقصر وأضمن طريق للخروج من حالة الانسداد السياسي إلى الحالة الطبيعية للمؤسَّسات السياسية القائمة على الشرعية الشعبية، كما مثَّلت مخرجًا وقطيعة مع النظام القديم الذي عَمَّرَ لعقدين من الزمن، في انتظار أن تنضج التجربة أكثر لأجل بناء أنساق النظام السياسي الجديد الذي قد يؤسِّس لتجربة سياسية جديدة، سوف يضع نصب عينيه تجربة العشرية السوداء وتجربة النظام البوتفليقي الذي أنهاه حراك 22 فبراير 2019، ومن ثمَّ فالنظام السياسي الجديد بصدد تأسيس لحالة جديدة، ومن مؤشِّراتها الإيجابية أنها لا شرعية ثورية ولا هي عسكرية. وسوف تكشف العهدة الأولى للرئيس عبد المجيد تبون عن النظام الجديد من خلال الدستور الجديد والتقاليد التي سيُرْسيها الرئيس الجديد من خلال ممارسة وأداء الرئيس ومؤسَّسات الدولة، التي وعد بأنها ستكون جمهورية جديدة بعقلية وبمنهجية جديدة.

*****

 

 

(*) أستاذ العلوم السياسية، جامعة محمد بوضياف – المسيلة، الجزائر.

[1] الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، دستور 1996، الفقرة الثانية من المادة 74 من دستور 1996.

[2] دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، الجريدة الرسمية رقم 76 المؤرخة في 08 ديسمبر  1996، المعدل بــ: القانون رقم 08- 19 المؤرخة في 15 نوفمبر 2008، الجريدة الرسمية رقم 63، المؤرخة في 16 نوفمبر 2008.

[3] عمار عباس، قراءة في التعديل الدستوري الجزائري لسنة 2008، مدونة الأستاذ عمار عباس، جامعة معسكر، الجزائر، 9  أبريل 2012، تاريخ الاطلاع 10 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:https://cutt.us/o4Evw

[4] خطاب الرئيس بوتفليقة كاملًا بمدينة سطيف بمناسبة إحياء مظاهرات 8 مايو1945، بتاريخ: 10 مايو 2012، تاريخ الاطلاع 10 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/nKyqx

[5] إسلام المراعي، لأنه لا أحد يحكم إلى الأبد: هل حان الوقت لتوديع بوتفليقة، موقع إضاءات، بتاريخ: 30 نوفمبر 2018، تاريخ الاطلاع 12 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/2oH0B

[6] الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، دستور معدل بموجب القانون رقم 16-1 المؤرخ 26 جمادى الأولى عام 1437، الموافق 6 مارس سنة 2016 المتضمن التعديل الدستوري، المادة 88.

[7] شاهدوا .. لحظة ترشيح الرئيس بوتفليقة رسميا للرئاسيات من طرف الأفلان، موقع البلاد نت، بتاريخ  9 فبراير 2019، تاريخ الاطلاع: 15 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:https://cutt.us/VsoVU

[8] وكالة الأنباء الجزائرية تنشر برقية عن المسيرات، موقع أخبار الوطن، 22 فبراير 2019، تاريخ الاطلاع 15 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/byIoB

[9] الحراك الجزائري، القصة الكاملة لسقوط حكم بوتفليقة، قناة تي آر تي عربي، 23 أبريل 2019، تاريخ الاطلاع 18 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/vJf0V

[10] إسلام عطية، مقابلة على قناة الجزيرة الإخبارية، في “للقصة بقية: الحراك الجزائري: الحكاية لم تبدأ من العهدة الخامسة”، الجزيرة نت، 15 أبريل 2019، تاريخ الاطلاع 17 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/sumRh

[11] زعطوط محمد الصديق، كرونولوجيا الأحداث قبل وأثناء الحراك للشعب الجزائري، الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية، 11 مارس 2019، تاريخ الاطلاع 23 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:https://cutt.us/7pV9T

[12] كريم حجوج، العهدة الخامسة هل سيتكرر سيناريو 2014؟، “أصوات مغاربية”، 30 ديسمبر 2017، تاريخ الاطلاع 18 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/VxGQz

[13] تقدير موقف “الحراك الشعبي بالجزائر: الدوافع والمآلات”، مركز الجزيرة للدراسات، 14 مارس 2014، ص ص 2-3، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/QvMaN

[14] وكالة الأنباء الجزائرية، الرئيس بوتفليقة يوجه رسالة إلى الأمة يعلن فيها عن تأجيل الانتخابات الرئاسية، 11 مارس 2011، تاريخ الاطلاع 18 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/4h3ld

[15] الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، المجلس الدستوري، قرار رقم 07/ق.م د/19 مؤرخ في 6رجب عام 1440 الموافق 13 مارس سنة 2019، تاريخ الاطلاع 20 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:https://cutt.us/JOdpk

[16] هذه الشخصيات الوطنية التي ستقود الحوار الوطني الشامل، الشروق أونلاين، 25 يوليو 2019، تاريخ الاطلاع 23 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/72oA3

[17] افتتاحية الجيش، “للجزائر جيش يحميها”، مجلة الجيش، العدد 667، فبراير 2019، ص 3.

[18] الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، دستور معدل بموجب القانون رقم 16-01 المؤرخ في جمادى الأولى عام 1437 الموافق 6 مارس 2016 المتضمن التعديل الدستوري، المادة 28.

[19] على مدار الشهور التالية وحتى سبتمبر 2019 توسَّعت حملة الإقالات وطالت حزمة جديدة من جنرالات القوى البرية والجوية هذه المرة، بينهم “أحسن طافر” و”عبد القادر لوناس”، الذين استُبدلوا لصالح جنرالات مقرَّبين من صالح، في الوقت نفسه الذي جرى فيه منع آخرين من السفر مثل اللواء “مناد نوبة” القائد السابق لجهاز الدرك الوطني العام، إضافة إلى ثلاثي القوة الشهير المؤلف من “سعيد باي” و”عبد الرزاق شريف” و”لحبيب شنتوف”، القادة السابقين للنواحي العسكرية الثلاث، إقالات مَثَّلت اللمسات الأخيرة لسيناريو إعادة تشكيل الجيش الجزائري تحسبًا للانتخابات الرئاسية، انظر الآتي:

– محمد جمال الدين، صراع العروش الجزائري.. من يقطف الثمرة؟، موقع ميدان،  13 نوفمبر 2018، تارييخ الاطلاع 14 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/yjDVA

[20] حيث طهَّر الرئيس بوتفليقة الجيش والمخابرات من معارضيه: الجنرال محمد مدين “توفيق” قائد المخابرات، والجنرال عبد القادر آيت عرابي “المدعو حسان” مدير جهاز مكافحة الإرهاب، والجنرال علي لغديري رئيس مصلحة المستخدمين بوزارة الدفاع، وعيَّن رجالاته والمعارضين للرجل القوي محمد مدين، ويحسب على هؤلاء أنهم الجناح الأقوى المعارض للرئيس ويُتَّهمون أنهم “فرنكوفونيو اللسان، علمانيو الثقافة، استئصاليو العقيدة السياسية”.

[21] زعطوط محمد الصديق، كرونولوجيا الأحداث قبل وأثناء الحراك للشعب الجزائري، مرجع سابق.

[22] المرجع السابق.

[23] إسماعيل جنادي، منتدى الجيش: دور الجيش الوطني في الحفاظ على أمن واستقرار بلادنا، مجلة الجيش، العدد 676، نوفمبر 2019، ص 25.

[24] افتتاحية الجيش، مجلة الجيش، العدد 670، مايو 2019، ص 3.

[25] إسماعيل جنادي، منتدى الجيش: دور الجيش الوطني في الحفاظ على أمن واستقرار بلادنا، مرجع سابق، ص 25.

[26] نورالدين بوكراع، أحداث الشهر، مجلة الجيش، العدد 671، جوان 2019، ص 6.

[27] لحظة لقاء الجنرال توفيق والرئيس السابق اليامين زروال، قناة النهار، 1 أبريل 2019، تاريخ الاطلاع 15نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/izfyV

[28] باشوش نوارة، الجنرال توفيق نعم.. عرضت الرئاسة على زروال!، جريدة الشروق، 24 سبتمبر 2019، ص 3.

[29] نسيم ب، تفويت الفرصة على المتربصين والمشككين، مجلة الجيش، العدد 675، أكتوبر 2019، ص 6.

[30] مراح حميد، لا تلاعب بالمصلحة العليا للوطن، مجلة الجيش، العدد 675، أكتوبر 2019، ص 14.

[31] نسيم لكحل، الجزائر.. جدل المرحلة الانتقالية يقسم الحراك، عربي 21، 19 يوليو 2019، تاريخ الاطلاع 15نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/AfGWY

[32] المرجع نفسه، ص 8.

[33] إسماعيل جنادي، مرجع سابق، ص ص 26-27.

[34] شريفة عابد، نهاية استثنائية للرئيس بوتفليقة بعد 20 سنة من الحكم، جريدة المساء، 4 أبريل 2019.

[35] الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، المجلس الدستوري بيان: المجلس الدستوري أيام 21، 24، و27 رمضان 1440 للتداول حول ملفات الترشح الانتخابات رئيس الجمهورية، المقرر إجراؤه يوم 4 جويلية 2019، وفصل برفض ملفي الترشح لديه، بقرارين فرديين تحت رقم 18/ ق. م. د/ 19 المؤرخ في 1 يونيو 2019، ورقم 19/ ق. م. د/19 المؤرخ في 1 يونيو 2019.

وبناء على قرار المجلس الدستوري رقم 20/ ق. م. د/19 المؤرخ يوم 1 يونيو والذي صرَّح بموجبه استحالة انتخاب رئيس الجمهورية يوم 4 يوليو 2019، وإعادة تنظيمه من جديد.

[36] مراح حميد، لا ولاء لنا إلا لله وللوطن، مجلة الجيش، العدد 674، سبتمبر 2019، ص 15.

[37] نورالدين بوكراع، على نهج الشرعية الدستورية، مجلة الجيش، العدد 671، يونيو 2019، ص 6.

[38] عاطف قدادرة، لماذا يرفض الجيش مرحلة انتقالية في الجزائر؟، إندبندنت عربي، 19 يوليو 2019، تاريخ الاطلاع 18 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/jSvRI

[39] محمد سيدمو، البديل الديمقراطي يسقط طرح المجلس التأسيسي، جريدة الخبر، 25 أغسطس 2019، تاريخ الاطلاع 18 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/vFAI5

[40] المرجع نفسه.

[41] الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية/ العدد 55، 15 سبتمبر 2019، قانون عضوي رقم 19-08 مؤرخ في 14 سبتمبر 2019، يعدل ويتمم القانون العضوي رقم 16- 10 المؤرخ في 25 أغسطس سنة 2016 والمتعلق بنظام الانتخابات، ص 12.

[42] الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية/ العدد 55، 15 سبتمبر 2019، قانون عضوي رقم 19-07 مؤرخ في 14 سبتمبر 2019، يتعلق بالسلطة المستقلة للانتخابات، ص5.

[43] الملفات الخمس المقبولة للتنافس حول الانتخابات الرئاسية 12 ديسمبر 2019: عبد القادر بن قرينة “مرشح حزب البناء الوطني ذو توجه إسلامي إخواني”، عبد المجيد تبون “مرشح حر” عضو باللجنة المركزية لجبهة التحرير، ذو توجه وطني، علي بن فليس “مرشح حزب طلائع الحريات، ذو توجه وطني”، عبد العزيز بلعيد “حزب المستقبل، ذو توجه وطني”، عز الدين ميهوبي “مرشح حزب التجمع الوطني الديمقراطي استئصالي علماني”.

[44] الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، المجلس الدستوري، بيان المجلس الدستوري المتعلق بالموافقة على القائمة النهائية للمترشِّحين المقبولين لانتخابات رئيس الجمهورية المقررة يوم 12 ديسمبر 2019، تاريخ الاطلاع 12ديسمبر 2019 متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/gdetp

[45] شاهدوا… التوقيع على ميثاق أخلاقيات الممارسات الانتخابية: تصريحات المترشحين الخمس، وكالة الأنباء الجزائرية، 16 نوفمبر 2019، تاريخ الاطلاع 16 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/sUSFc

[46] الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية/ العدد 55، 15 محرم 1441، الموافق 15 سبتمبر 2019، قانون عضوي رقم 19-08 مؤرخ في 14 سبتمبر 2019، يعدل ويتمم القانون العضوي رقم 16- 10 المؤرخ في 25 أغسطس سنة 2016 والمتعلق بنظام الانتخابات، المادة 137، ص 20.

[47] ج. فنينش، السلطة أعادت إنتاج رئاسيات 1995، جريدة الخبر، بتاريخ 14 ديسمبر 2019، تاريخ الاطلاع 14 ديسمبر 2019 متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/2YBdC

[48] الوكالة الوطنية للإشهار، مضمون ميثاق الممارسات الأخلاقية، 16 نوفمبر 2019، تاريخ الاطلاع 16 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/OGWO3

[49] الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، المجلس الدستوري، إعلان رقم 03/ إ. م د/ 19 ربيع الثاني عام 1441، الموافق 16 ديسمبر 2019، يتضمن النتائج النهائية لانتخاب رئيس الجمهورية، تاريخ الاطلاع 16 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/zkZ21

[50] المرجع السابق.

[51] سميرة بلعمري، هذه خطة تبون لتفكيك القنابل الاقتصادية، 14 ديسمبر 2019، تاريخ الاطلاع 16 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/U2t76

[52] قناة النهار، ندوة صحفية للرئيس الجديد عبد المجيد تبون، 13 ديسمبر 2019، تاريخ الاطلاع 16 ديسمبر 2019،  متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/oqwqy

 

فصلية قضايا ونظرات- العدد السادس عشر – يناير 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى