الانتخابات الأمريكية: الفعاليات، النتائج والتغيرات المتوقعة (الصورة “الأمريكية” بين الترميم والسقوط)


مقدمة:
تمثل الانتخابات الأمريكية حدثًا هامًّا على الساحة الدولية فضلا عن الداخل الأمريكي نظرًا لما تؤول إليه من تغيير إدارة وإحلال أخرى، وما قد يترتب على ذلك من تغيُّرات في بعض السياسات التي تتبنَّاها الولايات المتحدة سواء على صعيدها الداخلي أو سياساتها الخارجية، والتي بدورها تمس الكثير من القضايا الدولية بل وتمس الكثير من الفاعلين الدوليين وغير الدوليين على عدَّة مستويات، وذلك لما للولايات المتحدة من نفوذ عالمي سياسي واقتصادي وهيمنة ثقافية، ولذلك فإن مثل هذا الحدث تسلَّط عليه الأضواء لما يحظى به من أهمية عالمية وليس فقط أمريكية.
وتعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام فريدة من نوعها، وهذا يبدو من عدَّة جهات تتمثَّل أولا في كونها تُعقد في ظل أزمة عالمية غير مسبوقة وهي جائحة فيروس كورونا، كما أن المشهد الانتخابي ذاته والذي ابتدأ في الثالث من نوفمبر 2020 كان نقطة فاصلة في تاريخ الديمقراطية والسياسة الأمريكية حيث شهد العالم صراعًا حول نتائج التصويت بين مرشح فائز ورئيس يتَّهم بالتزوير منذ الأيام الأولى للتصويت مما أعطى هذه الانتخابات أهمية مختلفة عن سابقاتها حيث أصبحت بمثابة اختبار تمرُّ به الولايات المتحدة يمتحن مكانتها العالمية وديمقراطيتها، هذا مع ما يشهده العالم من تغيرات كبيرة تتمثل في صعود اليمين في عدة دول مع عودة للقومية ورفع شعاراتها.
ومن هنا تأتي أهمية الوقوف عند فعاليات هذا المشهد منذ بداية الحملة الانتخابية للمرشحين، وهما جو بايدن مرشح الحزب الديمقراطي والذي تولى منصب نائب الرئيس في ظل إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، ودونالد ترامب الرئيس الحالي ومرشَّح الحزب الجمهوري لفترة رئاسية ثانية، ومن ثم تأتي هذه الورقة البحثية لتقف على المشهد الانتخابي بأبعاده المختلفة وسياقاته ومآلاته ودلالاته الهامة لنستقي منها رؤية مستقبلية قد تؤثِّر في رسم شكل جديد للنظام الدولي، وللديمقراطية الأمريكية الشهيرة.
أولًا- الحملة الانتخابية والقضايا الانتخابية المركزية في خطاب المرشحين:
منذ بداية الحملة الانتخابية في أغسطس 2020 والعالم يراقب هذا المشهد الانتخابي التنافسي بين المرشح الديمقراطي جو بايدن والرئيس دونالد ترامب المنتمي للحزب الجمهوري، حيث شهدت الساحة الانتخابية سجالات ومناظرات واتهامات في محاولة لكلِّ طرف لأن ينال الدعم الكافي ليفوز بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تضمَّنت هذه المناظرات والسجالات قضايا مركزية تفاوتت من حيث الأهمية والأولوية وتسليط الضوء على أجندة المرشَّحين نظرًا لاختلاف انتمائيهما الحزبي وتوجُّهاتهما السياسية وكذلك الأساليب الخطابية، فالرئيس دونالد ترامب يتبع في حملته أسلوبًا خطابيًّا شعبويًّا بالدرجة الأولى، وهذا ظهر بجلاء في حملته الانتخابية عام 2016، وكذلك أثناء حكمه حتى إن البعض كانوا يصفون خطاباته أثناء رئاسته بأنها أشبه بخطابات الحملات الانتخابية وكأنه في حملة انتخابية لا تنتهي.
وهذا الخطاب الشعبوي عامة يناسب سياسة ترامب في الحكم حيث شعار ” أمريكا أولًا” و اتباع نهج للسياسة الخارجية يقتضي خلق الأعداء وبث شعور عام بأن هناك كارثة خارجية تهدِّد أمن الولايات المتحدة بالإضافة إلى خلق حالة من الفوضى مصحوبة بتغييرات سريعة في المؤسسات بتعيينٍ أو عزلٍ، وهذه الحالة يعزِّزها استخدام الرئيس الدائم لموقع “تويتر” كمنصة إعلامية يبث من خلالها قراراته وتوجُّهاته وكذلك اتهاماته، حيث إن تصميمها وبنيتها التحتية تناسب هذه الأجواء المرتبطة بسياسة الفوضى التي يتبعها، سواء على الصعيد الخارجي[1] أو الداخلي، فهو لا يكتفي بخلق تهديد خارجي، بل يمارس نوعًا من التجزئة داخل المجتمع الأمريكي وذلك عن طريق التأكيد بأن هناك تهديدًا أمريكيًّا داخليًّا يتمثَّل في اليسار بفروعه المختلفة، وكذلك الأقليات وكل من عدا الأمريكي الأبيض اليميني -تقريبًا- وذلك في سياق “نحن وهم”، وهذا بدا بوضوح في حملته الانتخابية السابقة في 2016 عندما وصف المكسيكيين بأنهم مغتصبين ومحرِّضين على العنف، وكذلك في حملته الانتخابية الحالية حيث يحرص على ربط الديمقراطيين اللليبراليين بالشمولية “Totalitarianism” واعتبارهم لا يمثلون قيم وثقافة الولايات المتحدة الأمريكية بل هم خطر على مستقبلها، ومن هنا تأتي الهوية التي يريد الرئيس ترامب أن يطبع بها حكمه ويرضي بها داعميه، وهي بناء أمريكا العظمى وخلق إحساس بالفخر والبطولة لديهم، فأكثر الكلمات المكرَّرة في خطاباته تتمثَّل في “العظمة، القوة، النهوض، القانون، الفوز” وهذا الأسلوب الخطابي يعد جزءًا هامًّا من استراتيجية ترامب ومصدرًا هامًّا لقوَّته السياسية بالنسبة لداعميه[2].
على الصعيد الآخر يتبنَّى جو بايدن استراتيجية خطابية تتمثَّل في شيطنة “ترامب” وإدارته، ورفع شعار الوحدة في مقابل التجزئة التي يتهم ترامب بخلقها، وقد عنونت جريدة “واشنطن بوست” لإحدى المقالات واصفة خطاب بايدن بأنه خطاب فارغ “empty rhetoric” حيث إن خطابه قائم بشكل أساسي على فكرة إصلاح ما أفسدته إدارة ترامب[3]، فخطابه يتمحور بشكل رئيسي حول مسألة “الاستعادة” أي استعادة الولايات المتحدة من جديد في محاولة لاسترجاع الولايات المتحدة إلى ما قبل ترامب، حيث مفترق الطرق الذي ذهب بالولايات المتحدة إلى الهاوية من وجهة نظره، ومن ثم فهو يتوعَّد بإعادة الكثير مما ألغاه ترامب أو قام بتعديله مما كانت عليه الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما والذي عمل جو بايدن كنائب له، وهذه النبرة الخطابية الماضوية تعدُّ جديدة على الديمقراطيِّين خاصة التقدميِّين منهم، فهم دائمًا ما يتحدَّثون عن التقدُّم وليس عن التاريخ، ولكن جو بايدن يعتبر إدارة ترامب قد انحرفت عن الطريق ومن ثم يجب إعادة الولايات المتحدة إلى الطريق أولا، وهو في هذا يتشابه مع نظيره ترامب الذي يريد أيضًا استعادة أمريكا العظمى من جديد وإن كمن الاختلاف بينهما في حقيقة هذه الاستعادة وتجلياتها الواقعية[4].
وفي هذا السياق سوف نشير إلى بعض القضايا المركزية التي أخذت حيزًا من خطاب كلٍّ من المرشَّحين وكذلك النقاشات والسجالات الدائرة بينهم، والتي بدورها تهم المجتمع الأمريكي، وتهم العالم الخارجي كذلك، وذلك للوقوف على مكان هذه القضايا في أجندة كلٍّ منهما وكذلك موقف كل منهما تجاهها.
1) أزمة كورونا
عُقدت الانتخابات الأمريكية 2020 في ظل أزمة غير مسبوقة تتمثَّل في وباء فيروس كورونا المستجد، وأزمة الوباء تعد إحدى القضايا المركزية التي دار حولها الجدل والسجال بين المرشحين، وبدا ذلك واضحا في تصريحات كل من الرئيس ترامب وجو بايدن وكذلك في المناظرات التي عقدت بينهما، حيث إنها تعتبر القضية الأهم التي يستخدمها المرشَّح جو بايدن لصالحه ويضعها على أجندة أولوياته في كسب الدعم، على الصعيد الآخر كان تعامل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع هذه الأزمة محل انتقاد دائم حيث بدا حرصه منذ بداية الأزمة على التقليل من شأنها حتى آل الأمر إلى أن أصبحت الولايات المتحدة أكثر الدول تضرُّرًا، ولا تزال إلى الآن ضمن قائمة الدول العشر الأكثر تضرُّرًا من جرَّاء هذه الأزمة، نظرًا لارتفاع معدَّل الإصابات والوفيات فيها، وفي هذا السياق كان يؤكِّد الرئيس ترامب بشكل دائم على كون الفيروس صناعة صينية ويسمِّيه في خطاباته “بالفيروس الصينى” ويعتبره أحد مسارات العداء مع الصين[5].
ومن ناحية أخرى فإن سياسات ترامب في التعامل مع الأزمة اتَّسمت بالتخبُّط الشديد وعدم وضوح الرؤية، حيث إن إجراءات الحجر الصحي والإغلاق التي اتخذتها إدارته جاءت متأخِّرة؛ ممَّا أدَّى إلى نتائج وخيمة تمثَّلت في ارتفاع عدد المصابين وكذلك معدَّل الوفيات، ويرجع هذا بشكل رئيسي إلى سعي ترامب إلى تقليل الإنفاق على كثير من القطاعات ومن ضمنها قطاع الصحة[6]، هذا بالإضافة إلى انسحابه من منظمة الصحة العالمية في يوليو 2020 مما أثار جدلًا واسعًا، حيث إن الولايات المتحدة تعد أكبر مساهم منفرد في منظمة الصحة العالمية[7]، ويأتي هذا في إطار أولوية الاقتصاد التي تحظى بها أجندة ترامب بغض النظر عن التداعيات الصحية لهذه السياسات حسب ما أشار لذلك الكاتب الأمريكي أوجين رونسن[8].
ومن هنا حظيت مسألة الرعاية الصحية بأهمية كبيرة في خضم السباق الانتخابي بين المرشحين حيث أصبحت إحدى النقاط الفاصلة وأحد المعايير الهامة للاختيار من قبل المجتمع الأمريكي، حيث باتت مصدرًا للقلق بالنسبة له، وفي هذا السياق يقدِّم ترامب رؤية تقوم على إجراء تخفيضات كبيرة في الإنفاق على الرعاية الصحية على مدى العقد المقبل، لا سيما برنامج “ميديكيد” بتكلفة 900 مليار دولار مع تخفيض أسعار الدواء، ولكن لم تتحقق نتائج واضحة لهذا الأمر، بالإضافة إلى هذا يسعى ترامب إلى تقويض برنامج الرعاية (ACA) المعروف باسم (أوباما كير). على الصعيد الآخر يؤكد جو بايدن على كونه متعهدًا بحماية هذا البرنامج وتقويته وتوسيعه وأنه كان حاضرًا عند توقيع هذا البرنامج كنائب للرئيس أوباما، كما أعلنت حملته أن خطته ستوفِّر التأمين الصحي لأكثر من 97% من الأمريكيِّين[9].
2) قضية العنصرية
تعتبر قضية العنصرية من القضايا الشائكة في المجتمع والتاريخ الأمريكي، وازداد الأمر سوءًا جرَّاء ما قامت به إدارة ترامب على مدار فترة رئاسته من محاولات إقصاء مختلفة تمثَّلت أولا في إقصاء المكسيكيين ووصفهم بالمجرمين والمغتصبين، وكذلك منع الكثير من المسلمين من دخول الولايات المتحدة، وعلى جانب ثالث العنصرية المنتشرة ضد المواطنين من أصول أفريقية والتي من تجلياتها مقتل الأفروأمريكان دون محاكمات قوية على يد الشرطة، والذي صعد من أزمة العنصرية في الولايات المتحدة وصولًا لاحتجاجات عارمة هو مقتل جورج فلويد على يد الشرطة دون سبب داعٍ لذلك، بالإضافة إلى صعود الجماعات التي تنادي بالتفوق الأبيض في ظل حكم ترامب[10].
وتعد هذه القضية من القضايا البارزة في الجدل والمنافسة بين الرئيس ترامب ونظيره المرشح الرئاسي جو بايدن الذي اتهمه في المناظرة الثانية التي دارت بينهما والتي عقدت في الثاني والعشرين من أكتوبر 2020 بأنه واحد من أكثر الرؤساء عنصرية في التاريخ، وأشار إلى أن هناك عنصرية مؤسَّسية في الولايات المتحدة[11]، وبالتالي تعدُّ هذه القضية التي تمسُّ فصائل المجتمع الأمريكي بشكل مباشر وكذلك علاقته مع “الآخر” تسهم بدور كبير في توجُّهات الناخبين، خاصة من المسلمين والسود و الكاثوليك من أصول لاتينية الذين يتوجَّهون إلى دعم جو بايدن[12].
3) مسألة الهجرة واللجوء
مسألة الهجرة والمهاجرين واللاجئين تعد من القضايا التي برزت أيضًا في الحملة الانتخابية للمرشحين الجمهوري والديمقراطي، ومن المعلوم أن قضية الهجرة تعد من أخص خصائص المجتمع الأمريكي وجزءًا لا يتجزَّأ من تكوينه وتاريخه. ولقد أخذت قضية الهجرة منحى نزاعيًّا بين المرشحين، وقد تجلَّى ذلك في ما جرى بينهما من مناظرات، وتبين أيضًا في سياسة الرئيس ترامب وتصريحات نظيره بايدن، فالرئيس ترامب وحسب خلفيته اليمينية وبروز القومية الأمريكية في سياسته قام باتخاذ مجموعة من القرارات للحد من الهجرة وأعرب عن كونها هدفًا أساسيًّا يسعى لتحقيقه[13]، كما أنها كانت أحد القضايا الرئيسية في حملته الانتخابية الماضية عام 2016، حيث توعَّد حينها ببناء حائط بين الولايات المتحدة وبين المكسيك، وبالفعل أنجز منه أكثر من نصفه، والبناء ما زال مستمرًّا، مع إصدار عدَّة قرارات قيَّد بها دخول الأجانب من ثماني دول يعتبرها راعية للإرهاب وهي (إيران، العراق، ليبيا، سوريا، كوريا الشمالية، فنزويلا، اليمن، تشاد؛ ولكنها أزيلت مؤخَّرًا من القائمة ).
ومن جانب آخر، إلغاء برنامج (DACA) أو ما يعرف ب (Deferred Action for Childhood Arrivals) الخاص بالأطفال المهاجرين[14]، وفى المناظرة الأخيرة التي عقدت بين المرشحين اتهم بايدن الرئيس ترامب استنادًا إلى تقارير تدينه بوجود خمسمئة وخمسة وأربعين طفلًا مهاجرًا مفصولًا عن عائلته بسبب الإجراءات التي اتخذتها إدارته للحد من الهجرة، وفي المقابل فإن بايدن يعلي من شأن هذه المسألة ويعلن في خطته أنه سوف يقوم بالعديد من التغييرات بشأن ما قامت به إدارة ترامب فيما يتعلَّق بقضية الهجرة وأنه سوف يعيد العمل ببرنامج (DACA) والذي كان يعمل به في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما[15]، كما أن خطابه كان خطابًا توحيديًّا يحتوي كافة الأقليات وتجلَّى ذلك في رسائله المطمئنة للأقلية المسلمة حيث أعرب أنه سوف يقوم بإلغاء الحظر على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة في أول يوم من رئاسته واستشهد بحديث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في حديثه متعهِّدًا بإشراك المسلمين في إدارته ودعم حقوق الأقليات المسلمة حول العالم[16].
4) الاقتصاد
تكمن نجاحات ترامب على الصعيد الداخلي بشكل أساسي في الملف الاقتصادي؛ حيث تشير المؤشرات إلى تراجع معدل البطالة عند مستوى 3,7% كأقل مستوى له منذ السبعينيات مع خلق فرص عمل جديدة، مع تبنِّي سياسة لتحفيز الإنتاج الداخلي بعد تعرُّض السوق الداخلية الأمريكية لمنافسة قوية مع المنتجات الصينية[17]، وتقوم رؤية ترامب الاقتصادية على شعار “أمريكا أولا” وهذا الشعار كان أساسًا له في جميع التعاملات مع الدول الأخرى خاصة الصين التي كانت محورًا لسياسته التجارية وتجلَّت أولوية الاقتصاد لدى ترامب في رفع قيود الإغلاق على الكثير من الأنشطة الاقتصادية بالرغم من انتشار فيروس كورونا وارتفاع معدلات العدوى، في المقابل يرفع بايدن شعار التحالف مع الشركاء واستعادة مكانة الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي وذلك من خلال دعم الطبقة الوسطى وأن مواجهة الصين لن تكون بشنِّ حرب جمركية كما فعل ترامب بل من خلال التحالف مع الشركاء، مع تركيزه الدائم على كون الرعاية الصحية هي الأولوية[18].
5) تغيُّر المناخ
أخذت قضية تغيُّر المناخ والقضايا البيئية الأخرى ترتيبًا متأخِّرًا نسبيًّا من حيث المركزية على سلم اهتمام المجتمع الأمريكي في هذه الانتخابات تحديدًا، وذلك بسبب وباء كورونا والأزمات الاقتصادية التي برزت على السطح واستولت على اهتمام الرأي العام، بالرغم من أنها كانت إحدى القضايا المركزية التي يهتم بها الأمريكيون خاصة اليساريِّين ويعتبرونها أحد فواصل الاختيار لديهم.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن الرئيس ترامب لم تتغيَّر رؤيته لهذه القضية منذ 2016 وحتى الآن فهو يعتبرها خدعة لا وجود لها من الأساس وأنها تمثِّل تهديدًا على الاقتصاد ومن ثم قام بتخفيف القيود المفروضة على انبعاثات الغاز من السيارات والشاحنات وكذلك صناعة النفط والغاز، ويتهم ترامب أجندة بايدن الاقتصادية بأنها حرب على الطاقة الأمريكية، في المقابل يقدِّم بايدن رؤية أكثر طموحًا للحدِّ من انبعاثات الغاز ويعتبرها قضية رئيسية ذات أهمية ويتعهَّد بأنه سيُعيد انضمام الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ (Paris climate agreement) والتي انسحب منها ترامب في يوليو 2017، وأنه سيستثمر ما يقرب من 2 تريليون دولار لبناء محطة للطاقة المتجدِّدة كاسبًا بذلك دعم الشباب والنشطاء المهتمِّين بهذه القضية، مع توعُّده بإلغاء كل ما اتخذته إدارة ترامب من سياسات وقرارات من شأنها أن تسبِّب تراجعًا بيئيًّا[19].
6) السياسة الخارجية
تعرَّضت إدارة ترامب للسياسة الخارجية إلى انتقادات واسعة، حيث ذكر الكثير من المحلِّلين أن سياسته الخارجية عملت على تقويض مكانة الولايات المتحدة العالمية كقوة ليبرالية، وقد ظهر هذا في انتهاج ترامب طريقًا مغايرًا لطبيعة السياسة الخارجية الأمريكية، حيث عمد إلى الخروج من المنظمات الدولية وكذلك مهاجمة حلفاء الولايات المتحدة ودعم الحكام الشعبويين وتعزيز النزاعات والصراعات الدولية خاصة في منطقة الشرق الأوسط حيث العداء مع إيران، هذا ضمن سياق استراتيجية العزلة التي تبنَّاها ترامب والتي تقوم على مبدأ “أمريكا أولًا”. لقد اعتمد ترامب الانكفاء وعدم انخراط الولايات المتحدة في الشؤون الدولية، حيث يرى أن الآخرين لا يتحمَّلون أعباء توفير الأمن في النظام الدولي وأنهم إذا أرادوا التمتُّع بحماية الولايات المتحدة فعليهم أن يدفعوا ثمن ذلك، هذه السياسة الانعزالية التي اتَّبعها ترامب أثَّرت بشكل كبير على دور الولايات المتحدة في الخارج وكذلك على صورتها الذاتية كما أدَّى إلى تراجع مكانتها الدولية من المركز الأول في جدول القوة الناعمة 2016 إلى المركز الخامس في عام 2019 والحال أن هذا التراجع ما زال مستمرًّا إلى الآن، وهذا مما له أثر كبير على سرعة التحولات في النظام الدولي.
في المقابل تبدو رؤية جو بايدن للسياسة الخارجية شبيهة بما كانت عليه إدارة أوباما، حيث يعرب بايدن عن كونه سيدعم المنظمات الدولية وسيدعم كذلك علاقات الصداقة مع دول العالم مع اتخاذ موقف حذر من الخصوم واتباع سياسة تعيد الولايات المتحدة إلى مكانتها وتعيد إليها نفوذها العالمي، وبالرغم من الاختلاف الواقع بين ترامب وبايدن في ما يتعلَّق بالدور الأمريكي العالمي إلَّا أن هناك شبه إجماع داخل الولايات المتحدة بأن دور الحامي أو الشرطي الذي كانت تلعبه الولايات المتحدة قد انتهى[20]، وأن القيادة الأمريكية سوف يتم تعزيزها عن طريق التحالفات وذلك في ظلِّ صعود الصين كقوة عالمية، بالإضافة إلى الاستقطاب الداخلي الذي يشهده المجتمع الأمريكي والذي بات يؤثِّر على سياستها الخارجية[21]، ويضاف إلى هذا معاناة الطبقة الوسطى في المجتمع من أعباء هذا الدور، ويعد فوز ترامب عام 2016 خير شاهد على هذا التوجُّه داخل المجتمع الذي ينبع من الأعباء الاقتصادية بشكل أساسي[22]، ومن خلال الوقوف على أهم الملفات الخارجية بالنسبة للولايات المتحدة يبرز الاختلاف بين المرشحين:
أ) العلاقة مع الصين
تعد العلاقات الأمريكية-الصينية من أهم العلاقات الدولية وأكثرها تعقيدًا لما تحمله من أهمية وأثر على توازنات القوة وشكل النظام الدولي، فهي علاقة بين أكبر اقتصاد في العالم (الولايات المتحدة) وثاني أكبر اقتصاد (الصين) كما أن كلا القوتين تتشابكان معًا في الكثير من القضايا الإقليمية، وبالرغم من أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة بدءًا من نيكسون وحتى باراك أوباما اتَّبعت سياسة توفيقية مع الصين إلَّا أن ترامب اتَّخذ نهجًا يقوم على المواجهة المباشرة معتبرًا فشل السياسات السابقة في الحدِّ من نفوذ الصين حيث شنَّ حربًا جمركية على الصين بما يبلغ 50 مليار دولار أمريكي على السلع الصينية، وفي المقابل ردَّت الصين بالمثل في سياق حرب تجارية معلنة، بالإضافة إلى التوتُّرات في بحر الصين، وتعزَّزت هذه الحرب باتهام ترامب للصين بأنها المتسبِّبة في انتشار فيروس كورونا وأن منظمة الصحة العالمية “دمية في يدها”، ومن هنا نستطيع القول بأن انعكاس هذه التوتُّرات يتعدَّى العلاقات الثنائية بين البلدين حيث يتَّسع مدى تأثيره إلى الأمن العالمي.
على الصعيد الآخر يتَّفق الحزب الديمقراطي ومرشحه بايدن مع الحزب الجمهوري بشكل أساسي على أولوية وأهمية العلاقة بالصين، ولكن يكمن الاختلاف في طريقة التعاطي مع هذا الملف، فقد يعمد بايدن إلى التخفيف من حدَّة التوتُّر المحيطة بالحرب التجارية مع الصين، كما يمكن أن يعمل على إزالة بعض العقوبات ضدَّها متبعًا نهج أوباما في إعادة التوازن على محور آسيا، وإن كانت سياسة دمج الصين والتعاون معها التي كانت سائدة في ظلِّ إدارة أوباما قد تغيَّر الاعتقاد بشأنها اليوم بالنسبة للولايات المتحدة مما يشير إلى أن المواجهة قد يكون لها انعكاسًا على سياسة بايدن[23]، والتي قد تجعله يواصل سياسة ترامب في مواجهة الممارسات الاقتصادية الضارة التي تقوم بها الصين، ولكن ستكون هذه المواجهة بالاشتراك مع الحلفاء على عكس الاتفاقيات الأحادية التي تبنَّاها ترامب وذلك في سياق “إحياء القيادة الأمريكية” التي يرنو إليها بايدن على حدِّ قوله[24].
ب) قضايا الشرق الأوسط
من الملاحظ أن قضايا الشرق الأوسط لم تحظَ بأهمية كبيرة، ولم تكن ذات ظهور جلي على أجندة المرشحين في هذه الحملة، هذا فيما عدا السياسة تجاه إسرائيل الذي يستغلها ترامب لكسب دعم الإنجيليين وكذلك السياسة تجاه إيران والنزاع القائم بينها وبين الولايات المتحدة على اعتبار أنها مصدر للتهديد وداعمة للإرهاب بالإضافة إلى تطويرها لبرنامجها النووي الذي يعد مصدرًا هامًّا لقلق الولايات المتحدة، أمَّا ما سوى ذلك فلم يكن ذا بروز في الحملة الانتخابية للمرشحين، وهذا الغموض المهيمن على مكانة الشرق الأوسط يثير المخاوف بشأن التغيُّرات التي قد تشهدها المنطقة في الفترة المقبلة[25].
وسوف يعتمد بايدن سياسة أكثر دبلوماسية وانخراطًا مع العودة لخطاب حقوق الإنسان، ولكن هذا لن يمنع التعاون مع مصر والعمل على مجالات المصالح المشتركة، كما تشهد منطقة الخليج قلقًا من فوز بايدن خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات وذلك من غياب استراتيجية واضحة تبيِّن كيف سيتعامل بايدن مع الملفات الهامة لدى الخليج مما يهزُّ ثقة الخليج في دور الولايات المتحدة لحفظ الأمن في المنطقة ودعم حكامها، أما على مستوى الشعوب فإنه يمكننا القول بأن الولايات المتحدة فقدت مكانتها الأخلاقية في الشرق الأوسط جراء تركيزها الكبير على الأمن الإسرائيلي والذي يعتبر أحد الخطوط الحمراء لدى شعوب المنطقة[26].
- إسرائيل والقضية الفلسطينية:
إن القضية الفلسطينية من القضايا المحورية التي تلعب فيها الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا متمثلًا في الدعم الدائم لإسرائيل، وهى قضية ذات أهمية عالمية وإسلامية وعربية أيضًا، وتزداد أهميتها في هذه الانتخابات تحديدا لما سبقها من خطوات كثيرة وسريعة ومباشرة اتخذتها الولايات المتحدة لدعم إسرائيل، وإن كان كلا من المرشحين يتبنى أسلوبًا مختلفًا للتعامل مع القضية إلا أن هناك هدفًا يسعون له ويتَّفقون عليه وهو الحفاظ على أمن إسرائيل وقوتها الفاعلة في الشرق الأوسط، ويبدو بوضوح حرصهم على توظيف القضية في حملاتهم الانتخابية واستغلالها لكسب دعم اللوبي اليهودي والإنجيليِّين، وهذا يتَّضح في حملة ترامب بشكل أكثر صرامة، أما بايدن فيبدو أكثر حذرًا، ويرجع حذر بايدن في هذا المضمار إلى الخوف من اليساريِّين الليبراليِّين الداعمين لحقوق الفلسطينيِّين.
وإذا أردنا الوقوف على الفارق الكامن بين تعاطي ترامب مع القضية ونظيره بايدن سنجد أن ترامب يعد من أكثر الرؤساء تنفيذًا لوعوده في دعم إسرائيل، وأن إسرائيل حظيت في ظل رئاسته بدعم غير مسبوق، وتجلَّى ذلك في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان ثم إعلانه الأخير عن خطته التي ستدعم إسرائيل لضم كل مستوطنات الضفة الغربية وغور الأردن[27]، هذا فضلًا عن توسط الولايات المتحدة في سلسة من عمليات التطبيع التي جرت بين إسرائيل والعديد من الدول العربية والإسلامية وعلى رأسها الإمارات والبحرين[28].
أما جو بايدن فرؤيته للقضية تبدو متناقضة إلى حد كبير، فقد أعلن أنه ملتزم بأمن إسرائيل وببقاء السفارة الأمريكية في القدس مع دعمه لخطة حل الدولتين كحل للقضية[29]، ويعتبر بايدن مؤيدًا وداعمًا لإسرائيل على مدار حياته السياسية، كما اعترف بأنه صهيوني وبالرغم من هذا، فهو يقول إن على إسرائيل أن توقف النشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة وأن تقدِّم المزيد من المساعدة لغزة، وعلى الصعيد الآخر يدعو الدول العربية إلى التطبيع مع إسرائيل ويرحب بذلك وينتقد المبادرات العالمية التي تسعى إلى ممارسة ضغوط اقتصادية على إسرائيل مثل حركة المقاطعة لإسرائيل، والتي يقول “بايدن” عنها إنها “تنحرف إلى معاداة السامية”[30]، ويبدو أن هذا التخبط عائد لرغبته في كسب الجميع بمن فيهم الأقلية المسلمة ومن يدعمون حقوق الفلسطينيين من اليساريين.
- الملف النووي الإيراني:
إن الاتفاق الذي تمَّ التوصُّل له بين إيران والمجتمع الدولي كان دائمًا محل سعي من إسرائيل ورموز الحزب الجمهوري بالإضافة إلى الإمارات والسعودية لتقويضه وإبطاله. وقد تعهَّد ترامب -الذي يتَّخذ موقفًا عدائيًّا متشدِّدًا ضد إيران التي يعتبرها مصدر تهديد للأمن الإقليمي والدولي- بالخروج من هذا الاتفاق خلال حملته الانتخابية السابقة 2016 مما ضمن له الحصول على تأييد الأوساط السياسية المؤيِّدة لإسرائيل في الولايات المتحدة مثل “إيباك”، وكان من أكبر المتبرعين لحملته شيلدون أدلسون المقرَّب من نتنياهو وصاحب صحيفة “إسرائيل اليوم” اليومية التي تعتبر الناطقة باسم نتنياهو، وبالفعل أنجز ترامب ما تعهَّد به وأعاد فرض العقوبات الأمريكية بتوسُّع على إيران، أما بالنسبة لبايدن فإنه قد صرَّح بأنه سوف يسير في إثر الرئيس الأسبق باراك أوباما، واعتبر أن الاتفاق النووي الإيراني من أهم إنجازات أوباما على الصعيد الدولي، كما أكَّد على أنه إذا التزمت إيران بتعهُّداتها المنصوص عليها في الاتفاق، فإن الولايات المتحدة ستعود للعمل بالاتفاق إلى جانب الأطراف الدولية الأخرى[31]، ولكنه في الغالب سيواجه تحديًا يتمثَّل في فقدان الثقة بين طهران وواشنطن على إثر ما قام به ترامب من ضغوط وعقوبات على إيران والتي فاقمتها جائحة كورونا، مما قد يصعب فكرة العودة إلى الاتفاق مرة أخرى وتمهيد الطريق بين البلدين والذي لن تقبله إيران إلَّا بتعويضات عن خسائرها الوخيمة كما جاء على لسان المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي بأن “الإدارة الأمريكية القادمة لا بدَّ أن تعوِّض طهران عن الخسائر التي ترتَّبت على الانسحاب من الاتفاق وأن تقدِّم ضمانات تقضي بأن هذه الانتهاكات لن تتكرَّر”[32].
ثانيًا- المجتمع الأمريكي والمشهد الانتخابي: الرؤية والأولويات
1) القضايا الأساسية ورؤية الناخبين
بالنظر إلى الساحة الانتخابية وتوجُّهات الناخبين نجد -وذلك حسب نتائج مركز بيو Pew الأمريكي لدراسة أجراها قبل موعد الانتخابات[33]– أن 53% من الناخبين يدعمون جو بايدن في مقابل 45% يدعمون ترامب، ولكن تشير الدراسة إلى أن داعمي ترامب يدعمونه بقوة ويجزمون بفوزه، أما داعمي بايدن وإن كانوا أكثر عددًا فإن دعمهم له يتَّسم بالفتور، وهذا مما يشير إلى أجندة بايدن الغائبة -كما سمَّاها البعض- أو المستعارة التي تجعل مؤيديه يرغبون به هروبًا من فوز ترامب وهو ما أشارت له التحليلات بأن فوز بايدن مبني على فشل ترامب، كما أشارت الدراسة إلى أن مؤيِّدي ترامب يعبِّرون عن مشاعرهم بقوة وأنهم سينتابهم الغضب عند خسارته وهو ما أثبته الواقع نسبيًّا، منذ إجراء الانتخابات وظهور النتائج على التوالي، حيث بدتْ حالة من الغضب والإنكار لدى مؤيدي ترامب مما جعل البعض يتوقَّع حدوث حرب أهلية.
كما أن هناك تفاوتًا واضحًا بين الناخبين الديمقراطيِّين والجمهوريِّين حول مدى الرضا عن مرشح الحزب فنسبة الرضا بين الجمهوريين تصل إلى 59% في مقابل 42% بين الديمقراطيِّين وهذه من أعلى نسب التفاوت مقارنةً بنظيراتها من الانتخابات الرئاسية السابقة، خاصة عندما يتعلَّق الأمر بمرشَّح يُنتخب لفترة رئاسية ثانية، كما أن أكثر مؤيِّدي بايدن أفصحوا عن أن دعمهم لبايدن مبني على كونه “ليس ترامب” أما مؤيدو ترامب فالسبب الأول لديهم في دعمه هو انتماؤهم الحزبي.
وتشير الدراسة كذلك إلى أن النسبة الأكبر من الناخبين لم يكونوا راضين عن الحملة الانتخابية لهذا العام، ورأوا أنها لم تناقش القضايا الهامة بالنسبة لهم، وأشارت النتائج إلى أن القضايا الداخلية تحظى باهتمام الأمريكيِّين أكثر من القضايا الخارجية. وهو ما لم ينتبه له ترامب الذي حاول أن يتجاوز إخفاقه في عدة ملفات داخلية بما حقَّقه على صعيد السياسة الخارجية خاصَّة تجاه إسرائيل وذلك لكسب أصوات المحافظين والإنجيليِّين واليهود الأرثوذكس، بالإضافة إلى دعم اللوبي اليهودي، ويأتي الاقتصاد في المرتبة الأولى بالنسبة للناخبين، تليه الرعاية الصحية، وتأتي السياسة الخارجية في مرتبة متأخِّرة نسبيًّا هي المرتبة السادسة[34].
وتختلف الأهمية أيضًا بين الديمقراطيِّين والجمهوريِّين، فالجمهوريون يجعلون الاقتصاد أولا ثم تليه جرائم العنف، أما الديمقراطيون فالرعاية الصحية لديهم في المقدمة ثم الوباء وقضية العنصرية والمناخ، وهذا ما انعكس في خطابات مرشحيهم نسبيًّا.
2) توجهات الأقليات والجماعات العرقية
من خلال قراءة المشهد الانتخابي في الداخل الأمريكي يتبين تباين التوجُّهات على مستوى القوى السياسية وكذلك على مستوى الولايات المختلفة وعلى مستوى الأقليات والأعراق، وهذا الاستقراء لا يمكن أن ينفصل عن سياق الأحداث التي يمرُّ بها المجتمع الأمريكي خاصة في الآونة الأخيرة، كما أنه لا ينظر إليه بمعزل عن تاريخ الانتماء السياسي لكلٍّ من القوى السياسية أو حتى على مستوى الأفراد من عامة الشعب، فمن المعلوم أن المنافسة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية تقع بشكل رئيسي بين الحزب الديمقراطي الذي يمثِّل اليسار، والذي يعبِّر عن الأغلبية الليبرالية، وإن كان يحوي بداخله اختلافات أيديولوجية تتحرَّك بشكل نسبي بين الأكثر محافظة والأكثر تقدُّمية، وبين الحزب الجمهوري ذي التوجُّه اليميني والذي أيضًا يتضمَّن اختلافات أيديولوجية نسبية بين أعضائه وداعميه، وإن كان إجمالًا يعتبر حزب المحافظين[35].
فعند الحديث عن الجماعات العرقية يتبيَّن أنه ليس من الضروري أن نجد جماعةً عرقية ما تدعم نفس الحزب على الدوام، وإن كان هناك ميلًا عامًّا تجاه حزب من الحزبين، فحسب الدراسة التي أجراها مركز “بيو” الأمريكي للأبحاث والدراسات فإن الحزب الديمقراطي لا يزال يتمتَّع بأفضلية واضحة فيما يتعلَّق بدعم الإثنيَّات الأمريكية من أصول أفريقية أو آسيوية أو لاتينية، بينما يحافظ الحزب الجمهوري على أفضلية بسيطة عند الحديث عن الكتلة التصويتية البيضاء[36].
وفي هذا السياق لا بدَّ من الإشارة إلى أن الحوادث العنصرية التي شهدها المجتمع الأمريكي في السنوات الماضية والتي توقَّدت هذا العام بمقتل جورج فلويد -الأمريكي من أصل أفريقي- زادتْ من أهمية تأثير هذه الجماعات العرقيَّة على نتائج الانتخابات كما أدَّتْ إلى زيادة نشاطهم سواء كناخبين أو فاعلين سياسيِّين، وبدا ذلك بجلاء في المظاهرات التي شنُّوها ضدَّ الشرطة وكذلك إنشاؤهم لحركة “حياة السود مهمة Black Lives Matter”، مما جعل قضية العنصرية أحد أهم القضايا المساهمة في حسم هذه الانتخابات، ولذلك حاول كلٌّ من المرشَّحين كسب دعمهم، حيث قام بايدن بختيار كامالا هاريس لتكون نائبة له، وهي امرأة من أصول هندية آسيوية، ذات بشرة سمراء، ولها اسمها المعروف في أوساط المرأة والأقليات، ومن ثم شكَّل اختيارها فارقًا بالنسبة لحملة بايدن الانتخابية، حيث يرى الخبراء أنه تمكَّن من استمالة الأقليات بهذه الخطوة، كما أن هذه القضية كانت مادة ثرية استغلَّها بايدن لانتقاد ترامب واتهامه بالعنصرية كما حدث في إحدى المناظرات.
على الصعيد الآخر، حاول ترامب كسب دعمهم عن طريق التقائه بعددٍ من قادة منظمات المجتمع المدني، وقادة جهاز الشرطة، وعدد من مؤسسي حركة “حياة السود مهمة Black Lives Matter” ومجموعة من ضحايا عنف الشرطة وقيامه بدعم مشروع قانون خاص بالنظام القضائي لإقامة إصلاحات في جهاز الشرطة بولاية كارولاينا الشمالية التي يشكِّل فيها الأفارقة الأمريكيُّون النسبة الأكبر ممن يحق لهم التصويت، وبالتزامن مع جائحة كورونا والتي تسبَّبت بأضرار للأقليَّات أكثر من غيرهم على الصعيد الاقتصادي وكذلك الصحي، فوفقًا لدراسة نشرتها الرابطة الحضارية الوطنية في 13 أغسطس الماضي فإن واحدًا من كلِّ 1450 أمريكي أفريقي يصاب بكورونا بينما يصاب بها واحدٌ من كل 3000 لاتيني بينما يصاب بها واحدٌ من كل 3350 أمريكي أبيض، وأشارت الدراسة أيضًا إلى وجود تفرقة وعدم مساواة بين الأقليات المختلفة في الحصول على الرعاية الصحية وبالأخص الأمريكيين من أصول أفريقية مما كان له انعكاسٌ واضحٌ على خطط المرشحين الخاصة بالرعاية الصحية[37].
وبالنظر إلى الأقلية المسلمة نجد أنها تمثل 1,1 في المئة من سكَّان الولايات المتحدة، وهي نسبة ضئيلة ولكن تركزهم السكَّاني في ولايات معيَّنة يقوِّي من تأثيرهم على عملية التصويت، كما أن مركز “بيو” الأمريكي للدراسات والبحوث يشير إلى أن الكتلة المسلمة ستتجاوز من حيث العدد الكتلة اليهودية لتصبح بحلول عام 2040 ثاني أكبر كتلة دينية بعد المسيحيِّين، ولا نستطيع القول بأن الأقلية المسلمة كانت تدعم أحد الحزبين على الدوام، ولكن الأمر أخذ منحنيات متعدِّدة حسب السياقات المختلفة والأجندات كذلك، وذلك لما للمسلمين من منظومة قيمية تختلف عن توجُّهات كلٍّ من الحزبين، فهم يرفضون تقويض الديمقراطيِّين للأخلاق العامة في القضايا الاجتماعية، وكذلك فإنهم يرفضون التوجُّهات اليمينية المتطرِّفة للجمهوريِّين التي تتَّخذ موقفًا معاديًا منهم، ومن ثم فهم بين النظر إلى الجمهوريِّين على أنهم معادون لهم على أسس عرقية، بينما يرون الديمقراطيِّين معادين للأخلاق والقيم الإسلامية.
وحسب ما تشير إليه التقارير، فإن الأقلية المسلمة في هذه الانتخابات تدعم جو بايدن بالرغم من أنه ليس المرشَّح الأمثل بالنسبة لهم، ولكن التفسير المباشر لهذا التوجُّه يتمثَّل في خطاب العنصرية والكراهية الذي تبنَّاه الرئيس ترامب ضد المسلمين في حملته الانتخابية السابقة بعد تصريحه في مارس 2016، والذي قال فيه “أعتقد أن المسلمين يكرهوننا، لدينا مشاكل مع المسلمين، ولدينا مشاكل مع المسلمين القادمين إلى البلاد”، كما تعهَّد بفرض “إغلاق كامل” لهجرة المسلمين، بالإضافة إلى قيامه بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس[38]، ولكنه حاول استمالتهم من جديد، حيث قامت حملته الانتخابية بإنشاء منظمة باسم “أصوات المسلمين لترمب” والتي حاولت بنشاط حشدَ المسلمين الأمريكيِّين، وخاصة الشباب، للتصويت لصالح ترمب[39].
على الصعيد الآخر، تمثِّل الأقلية اليهودية حوالى 2,2% من إجمالى عدد السكَّان في الولايات المتحدة الأمريكية، وإن كانت أصواتهم تتأرجح بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري على مدار تاريخ الولايات المتحدة ولكنها تميل في الغالب نحو الديمقراطيِّين[40]، إلا أن النُّفوذ الحقيقي لليهود يكمن في الإسهامات المالية والنفوذ السياسي للوبي اليهودي الذي يدعم الرئيس الجمهوري دونالد ترامب كما أعرب المندوب الصهيوني السابق لدى الأمم المتحدة داني دانون حيث أشار إلى الدعم المالى الضخم الذي حصلت عليه حملة ترامب من رجال الأعمال والمنظمات اليهودية وكذلك من قبل اليهود الأرثوذكس والإسرائيليِّين المقيمين في الولايات المتحدة[41].
وقد شهد العالم سلسلةً من الخطوات التي اتخذتها إدارة ترامب لصالح إسرائيل، والتي مثَّلت أولوية على أجندة السياسة الخارجية الأمريكية في ظلِّ إدارته والتي شملت نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وكذلك قيام الولايات المتحدة بدور الوساطة في عدد من اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وعدَّة دول عربية على رأسها الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، والتي يعتبرها ترامب جزءًا أساسيًّا من حملته الانتخابية رغبة في الحصول على دعم اللوبي اليهودي واليهود الأرثوذكس والإنجيليِّين الأمريكيِّين[42].
وتعدُّ جماعات الضغط اليهودية أو ما يُعرف باللوبي اليهودي المؤيِّد لإسرائيل في الولايات المتحدة إحدى -إن لم تكن- أقوى جماعات الضغط في العالم، وهذا يعود إلى القوة السياسية التي تملكها، وكذلك قوَّتها الاقتصادية الفائقة. إن ما حقَّقته إدارة ترامب من مكاسب لإسرائيل خير شاهد على مدى قوة هذه الجماعات وسعة نفوذها في السياسة الأمريكية[43]، ولكن ممَّا يُشار إليه في هذا السياق أن الأمريكيِّين اليهود بشكل عام رغم دعمهم لإسرائيل إلَّا أن بعضهم لا يضعها أولوية أولى عندما يتعلَّق الأمر بانتخاب رئيس جديد ومن ثم يميلون للحزب الديمقراطي لأسباب بعضها اقتصادي والآخر يتعلَّق برفض رقابة الدولة على الحياة الاجتماعية، خاصة ما يتعلق بحرية الإجهاض وحقوق الشذوذ وغيرها، وإن كانت هناك بعض المؤشرات تقول إن نسبة التصويت للجمهوريِّين في صعود نسبي بين الشباب اليهود جرَّاء تنفيذ ترامب لوعوده تجاه إسرائيل[44]، ولكن شهدت هذه الانتخابات ميل كفة تصويت اليهود من غير الأرثوذكس إلى المرشَّح الديمقراطي جو بايدن، وقد يعود هذا إلى إخفاق ترامب في عدَّة ملفات داخلية رغم ما حقَّقه على الصعيد الخارجي تجاه إسرائيل.
ثالثًا- المشهد الانتخابي ونتائجه: الدلالات والمآلات
1) إنكار ترامب والجمهوريين للهزيمة
مع بداية توجُّه الناخبين إلى صناديق الاقتراع في الثالث من نوفمبر 2020، وحتى إعلان فوز بايدن الأوَّلي في السابع من نوفمبر2020، شهدت الانتخابات الأمريكية أعلى نسبة إقبال للناخبين منذ أكثر من قرن، كما أن عدد المصوِّتين عبر البريد تضاعف مقارنة بانتخابات 2016 وهذا نظرًا لاستثنائية هذه الانتخابات والتي تُعقد في ظل انتشار كبير لفيروس كورونا[45]، ويلي ذلك توالي إعلان نتائج الولايات والتصديق على فوز بايدن حتى السابع من ديسمبر حيث تأكَّد فوز بايدن بفارق كبير، ولقد كان لإعلان نتائج التصويت الشعبي بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في 7 نوفمبر 2020 رد فعل غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة حيث قام الرئيس الحالي والمرشح الجمهوري دونالد ترامب مع بداية ظهور النتائج الأولية للانتخابات بإطلاق تصريحات معلنًا فيها بأنه لا سبيل له إلَّا الفوز ومطالبًا المحكمة العليا بوقف العد وملقيًا باتهامات صريحة بوقوع تزوير في نتائج التصويت، كما صرَّح عند إعلان فوز بايدن بأن هذه الانتخابات لم تنتهِ بعد[46].
في المقابل لم يقدِّم بايدن تصريحات مشابهة حتى خرج بخطاب فوزه في الثامن من نوفمبر مركِّزًا في حديثه على الوحدة وعلى استعادة ما سمَّاه “روح أمريكا” وأنه سيُعيد لها الاحترام بين العالم متوجِّهًا بخطابه نحو الأقليات والطبقة الوسطى، بالإضافة إلى الإشادة بنائبته كمالا هاريس كأول أمرأة سمراء تتولَّى هذا المنصب والتي ذكرت في خطابها أن هذه الانتخابات كانت بمثابة اختبار للديمقراطية الأمريكية، حيث قالت “كانت ديمقراطيتنا ذاتها على ورقة الاقتراع في هذه الانتخابات”[47].
ويعتبر هذا المشهد الذي تراقبه وسائل الإعلام ويتابعه العالم مشهدًا في غاية الأهمية من حيث الدلالة والصورة، فهو مشهد تتعرَّض فيه ديمقراطية الولايات المتحدة إلى اختبار وتتعرَّض فيه صورة الولايات المتحدة سواء داخليًّا أو خارجيًّا إلى اختبار أيضًا، من حيث التصوُّر والإدراك لدى شعبها وكذلك شعوب العالم، ومن هنا تأتي أهمية الوقوف عند هذا المشهد وما يؤول إليه.
تشير التحليلات إلى أن الصورة العالمية للولايات المتحدة أو بالأحرى “سمعتها” تواجه خطرًا، وقد بدأ هذا الخطر يدقُّ أجراسه مع سوء إدارة ترامب لجائحة كورونا ثم مقتل الأمريكي من أصول أفريقية (جورج فلويد) ثم تُوِّجَتْ هذه الأحداث بانتخابات يلقي فيها الرئيس اتهامات بالتزوير مزعزعًا بذلك مصداقية العملية الانتخابية ومثيرًا شكوكًا بشأن مدى متانة الديمقراطية الأمريكية[48]، هذا مع وجود فريق من المتظاهرين المنتمين لليمين المتطرِّف الداعمين لترامب يحملون السلاح ويرفضون قبول فوز جو بايدن، في مقابل فريق آخر من داعمي بايدن يهدِّدون بمظاهرات مضادة في حالة لم يتم الاعتراف بفوز بايدن، وفي هذا السياق يحذِّر الخبراء من أن هذين الفريقين الذين يضمَّان جماعات متطرِّفة من كلا الجانبين قد يتحوَّل الصراع بينهما إلى عنف صريح إذا تواجها[49].
وفي هذا السياق يؤمن 80% من الناخبين الجمهوريِّين -حسب استطلاعات الرأي- بما يدَّعيه ترامب من وقوع التزوير ويقول البعض منهم إنهم يستعدُّون إذا ما وقعت حرب أهلية بينهم وبين اليسار الأمريكي. إن حالة الإنكار العام لنتائج الانتخابات المنتشر بين غالبية الناخبين الجمهوريِّين تعكس صورة خطيرة في دينامية السياسة الأمريكية حيث التطبيع مع مثل هذه الادِّعاءات ممَّا يضعف مصداقية النظام السياسي الأمريكي كنظام ديمقراطي دستوري، وكذلك تفسح المجال لنظرية المؤامرة لتأخذ حيِّزًا كبيرًا من تصوُّرات الناخبين من الفريقين وهذا ممَّا يؤثِّر على المدى الطويل على دور المؤسَّسات الأمريكية السياسية والمدنية، كما أشار لذلك عالم السياسة الأمريكي في جامعة نيويورك بول لايت “بأن أمريكا قد تتمزَّق”[50].
على الصعيد الآخر يظهر أن هناك انقسامًا آخر أيضًا بين أعضاء الحزب الجمهوري في الكونجرس حول ادِّعاءات ترامب، فبينما تهدف اللجنة القومية للجمهوريِّين إلى أن تدعم ترامب بما يزيد عن 50 مليون دولار في معركته القانونية لإثبات ادِّعائه، يرفض البعض الآخر هذه المعركة من الأساس[51].
وبالتوازي مع هذه الأحداث قام ترامب بإقالة عدد من المسؤولين في عدَّة مؤسَّسات، حيث أقال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر من خلال تغريدة على موقع تويتر عازلًا إيَّاه من منصبه ومعينًا آخر، مما جعل البعض يصف هذا التصرُّف بالطفولي المتهوِّر وأن الولاء لدى ترامب هو المعيار الأول حتى لو على حساب الكفاءة، والتي تزيد أهميتها بطبيعة الحال في المراحل الانتقالية، وتشير التحليلات إلى أن أسباب عزل وزير الدفاع تعود إلى خلاف بين إسبر وترامب فيما يتعلَّق باستخدام القوة، حيث عارض إسبر ترامب في استخدام الجيش لمواجهة الاحتجاجات التي شهدها الشارع الأمريكي ضدَّ العنصرية[52].
ولم يكن مارك إسبر الوحيد الذي تمَّت إقالته في هذه الفترة، فلقد أقال ترامب ولأسباب مشابهة مسؤول الأمن الإلكتروني (السيبراني) كريس كربيس الذي دافع عن نتائج التصويت ودافع كذلك عن التصويت عبر البريد رافضًا ادعاءات ترامب بوقوع التزوير أو حدوث اختراق إلكتروني[53]، بالإضافة إلى هذا تم إقالة عدد من المسؤولين الآخرين في وزارة الدفاع وإحلال آخرين أكثر ولاءً للرئيس ترامب مما يجعل هناك حالة من التأهُّب والفوضى داخل البنتاجون، وهذا يأتي متوازيًا مع تصريحات عدد من المسؤولين في وزارة الدفاع ينبئون فيها عن قلقهم من هذه القرارات وعلى رأسهم رئيس أركان الجيش الأمريكي مارك مللي الذي قال “نحن لا نحلف اليمين لملك أو ملكة أو طاغية أو دكتاتور، لا نؤدِّي اليمين لأي فرد، ولكن للدستور”، وقد جاء هذا التصريح على إثر إقالة وزير الدفاع مارك إسبر وكذلك تعيين 3 من الموالين لترامب في البنتاجون، ويعد هذا التصريح الذي أتى في ظل حالة من الفوضى والقلق تشهدها الولايات المتحدة نتيجة لعدم اعتراف الرئيس ترامب بفوز نظيره جو بايدن وكذلك حالة من توتُّر تشهدها العلاقة بينه وبين البنتاجون تنبئ بأن الحيادية السياسية للجيش الأمريكي قد تتغيَّر وأنه قد يصبح له دور في حلِّ هذا الإشكال السياسي المتمثِّل في عرقلة التداول السلمي للسلطة[54].
على صعيد آخر، استمرَّ ترامب في سياسته القائمة على مبدأ “أمريكا أولًا” واتَّخذ قرارات سريعة بسحب القوات الأمريكية من عدَّة دول على رأسها أفغانستان والعراق مما قد يؤدِّي إلى زعزعة استقرار العلاقة بين الولايات المتحدة وطالبان بالنسبة لإدارة بايدن[55]، هذا بالإضافة إلى تفاقم التوتُّر بين الولايات المتحدة وإيران بعد اغتيال العالم النووى الإيراني “فخرى زاده” حيث تشير التحليلات إلى أن هذا الاغتيال جاء ليؤجِّج التوتُّر في المنطقة، ومن ثم عرقلة عودة بايدن إلى الاتفاق النووى الإيرانى[56].
ويأتي ذلك في سياق عرقلة ترامب لإجراءات نقل السلطة والتي تضمَّنت معارك قانونية مع عدم وجود أي تعاون من شأنه تمهيد الطريق للإدارة الجديدة وتمكينها من الوصول للمعلومات والأموال المطلوبة[57]، إلى أن آل الأمر بترامب للموافقة على بدء انتقال السلطة في الرابع والعشرين من نوفمبر وذلك عقب اعتماد فوز بايدن رسميًّا في ولاية ميتشيجان التي مثلت ضربة كبيرة لترامب[58]، في مقابل هذه الأحداث المتتالية قام بايدن -بسرعة موازية- بتعيين أعضاء الجهاز الإداري والتنفيذي الذي سيعمل معه استعدادًا لبدء العمل، مصرِّحًا بعدم اكتراثه بما يقوم به ترامب وما يثيره من معوِّقات[59].
هذا المشهد المعقد يقوِّض من محورية الولايات المتحدة في العالم ويرسم لها صورة جديدة في الأذهان سواء محليًّا أو عالميًّا معتمدًا على فشل داخلي في عدم توفير الأمن والاستقرار بالإضافة إلى عرقلة التداول السلمي للسلطة، مع سياسة خارجية تعتمد استراتيجية انعزالية، ولكن بالرغم من كلِّ هذا فإن ترامب لم يحصل على نسبة قليلة من الأصوات وإنما حصل على حوالي 47% من أصوات الناخبين، كما أن الجمهوريِّين يملكون عددًا كبيرًا من مقاعد الكونجرس ولديهم أغلبية في مجلس الشيوخ مما يشير إلى أن ترامب وأسلوب إدارته قد يظلُّ حاضرًا كقوة فاعلة في السياسة الأمريكية وإن لم يكن رئيسًا[60].
2) أسباب فوز بايدن
إذا أردنا الوقوف عند أسباب فوز بايدن سنجد أنها تعود لأمرين أساسيَّين: الأمر الأول- يتعلق بشكل رئيسي بإخفاقات إدارة ترامب وأسلوب إدارته، حتى إن بعضًا ممَّن صوَّتوا لبايدن يرون أنه ليس هو الرئيس الأمثل ولكنه رئيس تقليدي قد يُعيد الاستقرار والوحدة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعدما أساءت إدارة ترامب للقيم الأمريكية ولمكانتها العالمية، وإن كان هناك من يرى أنه لولا سوء إدارة ترامب لأزمة كورونا، لكان من المحتمل أن يفوز بفترة رئاسية ثانية وهذا يعود لما حقَّقه على الصعيد الاقتصادي -الذي تبين أنه يحظى بأهمية كبيرة لدى الناخبين- قبل ظهور الوباء حيث قلَّت نسبة البطالة وارتفعت الأجور بين العاملين الفقراء بنسبة 4,7% في العام، كما أن قراراته تجاه مسألة الهجرة والقيود التي فرضها للحدِّ منها، كانت مرضية بالنسبة لداعميه -وهم لا يمثِّلون نسبة قليلة من المجتمع الأمريكي- حيث كانت بمثابة تحقيق لوعود قد تعهَّد بها عند تولِّيه، كما أن دوره في تطبيع عدد من الدول العربية والإسلامية مع إسرائيل لقي صدًى عند داعميه خاصة الإنجيليِّين واليهود الأرثوذكس، ولكن إذا غضضنا الطرف عن هذه السياسات التي قد تواجه بالنقد أو القبول داخل المجتمع الأمريكي ذاته سنجد أن الأزمة الحقيقية تتمثَّل بشكل عام في تشوُّه قد جرى لصورة القيم والمبادئ التي تروِّج لها الولايات المتحدة والذي تسبَّبت به إدارة ترامب، بالإضافة إلى النقلة النوعية التي أحدثها في أسلوب الخطاب الأمريكي وكذلك أسلوب الإدارة الأمريكي الذي اعتاد عليه العالم وطبع في الأذهان، ابتداءً بالثقافة الديمقراطية الأمريكية التي أصبحت على حافة الهاوية حيث عمد ترامب في إدارته إلى إقصاء كل من لا يدعمه محدثًا بذلك تمزُّقًا وانشقاقًا في المجتمع وذلك عن طريق الاستمرار في التأكيد على أن هناك تهديدًا داخليًّا يتمثَّل في نصف الشعب أو أكثر، والذين يعتبرهم ترامب لا يمثِّلون قيم الولايات المتحدة. هذه الحزبية المفرطة والخطابات المسيئة والفوضوية والقرارات السياسية التي كان يتَّخذها عبر تغريدات على موقع تويتر أسهمت في تقويض الأعراف الأمريكية وكذلك قوة المؤسسات، كما أن سياسة العزلة والتنصُّل من الحلفاء التي اتَّبعها، تعدُّ مما يخالف تقليد السياسة الخارجية الأمريكية[61].
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى الأسباب القريبة المباشرة -التي أسهمت في إخفاق ترامب وظهوره بهذه الصورة المشوَّهة مما ساعد على فوز بايدن- متمثلة بشكل رئيسي في سوء إدارته لأزمة كورونا، بالإضافة إلى مقتل الأمريكي من أصول أفريقية (جورج فلويد) حيث كان تعامل ترامب مع هذه المسألة أحد المحاور الهامة في قضية العنصرية التي تشكل أزمة في المجتمع الأمريكي بشكل عام، وفي هذه الانتخابات بشكل خاص، حيث أعرب عن كونه لا يرى بأسًا في استخدام العنف ضد المحتجِّين السلميِّين مما أدَّى إلى انتقاده بشدَّة[62]، واعتبرت هذه القضية -فضلًا عن أزمة كورونا- أحد المسارات الهامَّة للنزاع القائم بين ترامب وبين الإعلام ومادة أساسية استخدمها الإعلام الأمريكي في حملته المضادَّة لترامب والتي لعبت دورًا كبيرًا في رسم صورة المشهد الانتخابي.
على صعيد آخر، فإن العامل الثاني الذي يكمن وراء فوز بايدن يتمثَّل في استراتيجية الحزب الديمقراطي المتبنَّاة في إدارة الحملة الانتخابية، والتي تضمَّنت التزام الوسطية في الخطاب وتسليط الضوء على أزمة كورونا ومقتل فلويد والبُعد عن الضجيج والاتسام بالهدوء والعمل الدائب المستمر رغم ما يثيره ترامب، هذا بالإضافة إلى سلاح المال الذي استخدمه بايدن بشكل جيد ومن خلاله تمكَّن من مواصلة الحملة حتى النهاية[63]، ومن ثم تمكَّنت حملة بايدن من الحفاظ على الولايات الموالية للديمقراطيِّين، كسب ولايات متأرجحة بين الديمقراطيِّين والجمهوريِّين واقتحام ولايات جمهورية مثل جورجيا وأريزونا، بالإضافة إلى تعبئة كبيرة جدًّا للناخبين المتردِّدين وتحفيز الناخبين الديمقراطيِّين للتصويت سواء مباشرة أو عن طريق البريد.
ومن هنا يكون جو بايدن بمثابة رئيس قد يسهم في وضع الولايات المتحدة مرة أخرى على طريقها التقليدي، فهو لم يُظهر توجُّهًا يساريًّا متطرِّفًا ولا يمينيًّا متطرِّفًا، بل تبنَّى خطابًا يقف على نقطة واحدة من الجميع، ومن ثم استطاع أن ينال أصوات جميع من لم يريدوا ترامب من التقدميِّين والأقليَّات العرقية من ذوي الأصول اللاتينية والأفريقية وإن لم يكن هو الأفضل بالنسبة لهم، ولكن هذا المظهر التقليدي المحايد الذي أبداه بايدن كان أحد الأسباب الرئيسية في فوزه[64].
خاتمة
مما سبقت الإشارة له، تتبين استثنائية هذه الانتخابات من جهات عديدة، ولعلَّ أبرزها يتمثَّل في المنعطف الذي تمر به ديمقراطية الولايات الأمريكية وصورتها العالمية، وبالرغم من أن الفائز في هذه الانتخابات هو جو بايدن إلا أن دونالد ترامب كان هو المحور الذي تدور حوله الأحداث. ونحن لا نستطيع أن نجزم بما يمكن أن يحدث في الشهور المقبلة ولكن ما شهدته الولايات المتحدة من تغيُّرات على مدار 4 سنوات قد يظل ذا صدى، خاصة مع كون الجمهوريِّين يتمتَّعون بأغلبيه في مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى الانقسام الشعبي الكبير، كما أن العالم الآن ليس كما كان قبل 4 سنوات، فإنه يشهد تغيُّرات واسعة في ظل انتشار عدد من الحكومات الشعبوية اليمينية القومية في عدَّة دول كبرى، مما قد يكون له انعكاس على مسار الولايات المتحدة في الفترة المقبلة، كما أن اهتزاز مكانة الولايات المتحدة العالمية ليس بالأمر اليسير الذي يمكن تلافيه بسرعة، ومن هنا قد يشهد العالم تغيُّرات كبيرة في توازنات القوة، ليس فقط عسكريًّا بل سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا أيضًا في ظل صعود قوى جديدة تتمثَّل في الصين وفي ظل شرق أوسط يعاني أزمات وصراعات ويبرز فيه نجم إسرائيل وفي ظل أزمات عميقة تعانيها أوروبا، هذا مع آثار جائحة كورونا التي أحدثت ارتباكًا اقتصاديًّا وكان لآثارها أبعاد أخرى، ففي سياق كلِّ هذه الأحداث الكبيرة ينتظر العالم شيئًا جديدًا قد يغيِّر من ملامح اعتاد عليها.
*****
الهوامش
[1] Amy Skonieczny, Trump talk: Rethinking elections, rhetoric, and American foreign policy, Political studies Association, 28 July 2020, available at: https://cutt.us/IYzh1
[2] Jerome Viala, Donald Trump’s heroic fantasy, The Conversation, 3 September 2020, available at: https://cutt.us/8e6WL
[3] Wesley Pruden, Joe Biden’s rumble in the jungle of empty rhetoric, Washington Post, 20 May 2019, available at: https://cutt.us/vEGwF
[4] David A. Graham, One Big Difference Between Biden and Every Other Recent Democratic Nominee, The Atlantic, 1 May 2019, available at: https://cutt.us/BjrcG
[5] فيروس كورونا: ترامب يُشدد على أن أصل الفيروس من مختبر صيني مناقضا أجهزة مخابراته، بي بي سي، 1 مايو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/UNc7U
[6] فطيمة الزهراء رمون، انعكاسات سياسات ترامب الداخلية والخارجية على مستقبله السياسي، المركز العربي للبحوث والدراسات، 16 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/dSR8L
[7] فيروس كورونا: ترامب يتخذ إجراءات لخروج الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، بي بي سي، 8 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/nFj8H
[8] انتقادات لتعامل واشنطن مع أزمة كورونا: إدارة “مثيرة للشفقة”، سكاي نيوز، 15 مايو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/gljvD
[9] مروة عبد الحليم، أين يقف مرشحو الرئاسة من قضايا الداخل، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 9 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/eJwXs
[10] German Lopez, Donald Trump’s long history of racism, from the 1970s to 2020, VOX, 13 August 2020, available at: https://cutt.us/oi6Y3
[11] الانتخابات الأمريكية 2020: ترامب وبايدن يتبادلان الاتهامات في آخر مناظرة قبل التصويت، بي بي سي، 22 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/7858R
[12] الانتخابات الأمريكية 2020: الفئات الدينية والعرقية منقسمة بين ترامب وبايدن، بي بي سي، 15 أكتوبر 2020،
متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/tL1oa
[13] خطة ترامب للهجرة: المحكمة العليا توافق على فرض قيود للحد من المهاجرين، بي بي سي، 12 سبمتبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/TfGhL
[14] Lora Ries, President Trump and Joe Biden: Comparing Immigration Policies, The Heritage Foundation, No. 3574, 21 October 2020.
[15] Daisy Conant and James Pollard, Trump and Biden dig into COVID-19, immigration in final debate, The Daily Northwestern, 23 October 2020, available at: https://cutt.us/PySo2
[16] في قمة انتخابية افتراضية جو بايدن يداعب أصوات مليون ناخب أمريكي مسلم بحديث للنبي محمد، سي إن إن، 21 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/WHufG
[17] فطيمة الزهراء رمون، انعكاسات سياسات ترامب الداخلية والخارجية على مستقبله السياسي، مرجع سابق.
[18] مروة عبد الحليم، أين يقف مرشحو الرئاسة من قضايا الداخل، مرجع سابق.
[19] Anna M. Phillips, Climate crisis or ‘hoax’: Where Biden and Trump stand on environmental policy, Los Anglos Times, 17 August 2020, available at: https://2u.pw/zRI0u
[20] خالد هاشم، الانتخابات الرئاسية الأمريكية وأجندة السياسة الخارجية بين دونالد ترامب وجو بايدن، مركز دراسات الوحدة العربية، 15 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/PALpn
[21] Judy Dempsey, Can the US regain its global leadership, Carnegie Europe, 15 October 2020, available at: https://2u.pw/cMLTr
[22] Tom Wyler, Ashley Tellis, Sustaining America’s Role in the World Demands Renewal at Home, Carnegie Endowment For International Peace, 21 October 2020, available at: https://2u.pw/yB0uc
[23] خالد هاشم، الانتخابات الرئاسية الأمريكية وأجندة السياسة الخارجية بين دونالد ترامب وجو بايدن، مرجع سابق.
[24] باربرا بليت، كيف سيغير جو بايدن السياسة الخارجية لأمريكا؟، بي بي سي، 19 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/D89b6
[25] انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020: كيف يمكن أن تغير النتيجة منطقة الخليج والشرق الأوسط؟، بي بي سي، 15 أكتوبر، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/BybZt
[26] كيف سترسم الانتخابات الرئاسية للعام 2020 معالم السياسة الأمريكية إزاء الشرق الأوسط؟، بروكينجز، 2 نوفمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/fL2R9
[27] أشرف العيسوي، قضايا الشرق الأوسط في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020 والتحولات المحتملة في السياسة الأمريكية، تريندز، 28 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/KFDbW
[28] التطبيع مع إسرائيل: دونالد ترامب يحتفل بـ”فجر شرق أوسط جديد”، بي بي سي، 15 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/293RT
[29] أشرف العيسوى، قضايا الشرق الأوسط في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020، مرجع سابق.
[30] عزت إبراهيم، الأجندة الغائبة: كيف ينظر بايدن إلى الشرق الأوسط؟، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 9 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/ZwYvX
[31] الانتخابات الأمريكية 2020: ما موقف جو بايدن من أزمات وقضايا الشرق الأوسط؟، بي بي سي، 14 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/CbKal
[32] Parisa Hafezi, Arshad Mohammed, Analysis: Biden would face uncertain path to detente with wary Iran, Reuters, 28 October 2020, available at: https://cutt.us/se2bQ
[33] Election 2020: Voters Are Highly Engaged, but Nearly Half Expect To Have Difficulties Voting, Pew Research Center, 13 August 2020, available at: https://cutt.us/z5bPI
[34] Ibid.
[35] Democratic Party, political party, United States, Britannica, 6 November 2012, available at: https://cutt.us/WoxFD
[36] Election 2020: Voters Are Highly Engaged, but Nearly Half Expect To Have Difficulties Voting, Pew Research Center, Op. cit.
[37] محمد هيكل، الأقليات والانتخابات الأمريكية مشاركة مؤثرة أسباب ودلالات، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 15 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/BDF4e
[38] Mehmet Ozalp, Who will Muslim Americans vote for in the US elections?, The Conversation, 27 October 2020, available at: https://cutt.us/oBjRJ
[39] ألطاف موتى، المسلمون الأمريكيون في انتخابات 2020 وما بعدها، الجزيرة، 27 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/ciA4W
[40] Lara Friedman, The American Jewish Community and the 2020 US Presidential Election, Arab Center Washington DC, 31 January 2020, available at: https://cutt.us/iCkmB
[41] عبد السلام سكية، هذا هو وزن “الصوت اليهودي” في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، الشروق أونلاين، 2 نوفمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/WhmSV
[42] Trump Extends Arab Push to Normalize Ties With Israel, Foreign Policy, 11 September 2020, available at: https://cutt.us/6waqX
[43] Pro-Israel, Center for responsive politics, February 2019, available at: https://cutt.us/zBwb9
[44] Maya Jaradat, How and why the Jewish American voter might be changing, Desert News, 30 August 2020, available at: https://cutt.us/iMEKM
[45] Hanna Miao, 2020 election sees record high turnout with at least 159.8 million votes projected, CNBC, 6 November 2020, available at: https://cutt.us/wxLbH
[46] Danielle Medina, ‘Far from over’: See Trump’s statement after Biden was declared president-elect, Tennessean, 7 November 2020, available at: https://cutt.us/pGtc1
[47] Maeve Reston and Stephen Collinson, President-elect Joe Biden seeks to unite nation with victory speech, CNN, 8 November 2020, available at: https://cutt.us/BrX9x
[48] Inderjeet Parmar, This bitter election is damaging US global standing – and the international liberal order, The Conversation, 6 November 2020, available at: https://cutt.us/VvGeB
[49] Kristina Cooke, Ned Parker, and Ted Hesson, As Trump refuses to concede defeat, far-right groups plan show of support in Washington, Reuters, 13 November 2020, available at: https://cutt.us/CagxD
[50] Brad Brooks, Nathan Layne, and Tim Reid, Why Republican voters say there’s ‘no way in hell’ Trump lost, Reuters, 20 November 2020, available at: https://cutt.us/TQEBR
[51] Richard Cowan, U.S. Republicans divided over Trump’s election-fraud claims, Reuters, 7 November 2020, available at: https://cutt.us/2HpaH
[52] Helene Cooper, Eric Schmitt and Maggie Haberman, Trump Fires Mark Esper, Defense Secretary Who Opposed Use of Troops on U.S. Streets, New york Times, 9 November 2020, available at: https://cutt.us/EQLh3
[53] Joseph Menn, Christopher Bing, Trump fires top U.S. election cyber security official who defended vote, Reuters, 18 November 2020, available at: https://cutt.us/89XAp
[54] Lolita Baldor, Military wary that shakeup could upend its apolitical, AP News, 13 November 2020, available at: https://cutt.us/bo4tc
[55] Julian Borger, Trump reportedly plans to withdraw nearly half of US troops in Afghanistan, The Guardian, 17 November 2020, available at: https://cutt.us/goWeD
[56] معصومة طرقة، محسن فخري زاده: ما الدوافع التي تقف وراء اغتيال العالم الإيراني؟، بي بي سي، 30 نوفمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/y6yvL
[57] Kevin Liptak, Trump blocks transition as he refuses to accept loss, CNN, 10 November 2020, available at: https://cutt.us/J0214
[58] الانتخابات الأمريكية 2020: ترامب يوافق على بدء انتقال السلطة إلى بايدن، بي بي سي، 24 نوفمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/RqQfg
[59] Linda So, Raphael Satter, and Simon Lewis, Biden identifies more administration officials, Trump vows continued election fight, Reuters, 30 November 2020, available at: https://cutt.us/aFJi3
[60] Inderjeet Parmar, This bitter election is damaging US global standing – and the international liberal order, OP. cit.
[61] Why it has to be Biden, The Economist, 29 October, available at: https://cutt.us/mI1st
[62] مقتل جورج فلويد يكشف “شروخ الأسطورة الأمريكية”، بي بي سي، 5 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/jjXMW
[63] أنتوني زوركر، نتائج الانتخابات الأمريكية: خمسة أسباب وراء فوز بايدن، بي بي سي، 8 نوفمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/jk3BZ
[64] Edward, Isaac Dovere, Why Biden Won, The Atlantic, 7 November 2020, available at: https://cutt.us/qDKAr
فصلية قضايا ونظرات – العدد العشرون – يناير 2021