الأمن في العالم وإشكالياته بين القومي والإنساني: مشاهد في ظل كورونا

مقدمة:

يعيش العالم منذ بداية العام الجاري أزمة واسعة النطاق بسبب فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض “COVID-19″، والذي أصاب أكثر من 26 مليون شخص، وأسفر عن أكثر من 864 ألف حالة وفاة حول العالم)[1](،كما أدَّى انتشار الفيروس إلى تعطُّل الخدمات الصحية في 90% من بلدان العالم. حيث تركَّزت الصعوبات الأكبر في البلدان المنخفضة الدخل وتلك المتوسطة الدخل. وأفادت معظم البلدان بتعليق العديد من الخدمات الروتينية والاختيارية، فيما تعطلت على نحو شديد الخطورة خدمات الرعاية الحرجة -مثل فحوص الكشف عن السرطان وعلاجه وعلاج فيروس العوز المناعي البشري– في البلدان المنخفضة الدخل([2])، ما يجعل تأثير الفيروس على الحياة المباشرة للأفراد أضخم مما يمكن أن تقف عليه الإحصائيات بدقة، ومع هذا الكم الهائل من الضحايا، دخل الاقتصاد العالمي في مرحلة شديدة من الركود، مع سعي حكومات البلدان إلى محاولة السيطرة على انتشار المرض. فتمتلئ المطارات والموانئ الدولية في غالبية البلدان بالسفن والطائرات الساكنة، وتكافح الشركات العالمية للبقاء واقفة على قدميها على صعيد الإنتاج والتوزيع، حتى الجيوش، المكلفة بالدفاع عن الأمن القومي، تعلق تدريباتها العسكرية، بالإضافة إلى آثاره السياسية كما تم تجربتها من خلال فرض حالات الطوارئ، وإضفاء الطابع الأمني على الفضاء العام، والعزلة الذاتية، ما يشكل تحديًا لقواعد السياسة الديمقراطية والحياة اليومية.

بهذا تكشف جائحة فيروس كورونا عن جوانب أزمة أمنية تواجه البشرية، حيث يعجز البشر عن مواجهة فيروس شديد العدوى مع ارتفاع عدد الحالات الإيجابية وعدد الوفيات على مستوى العالم، وفي الوقت الذي لا تمتلك فيه البشرية علاجًا لمرض COVID-19 ، فإنها تشعر بالذعر، وبعد أن اعتُبر الأمن التقليدي، مثل الحروب والنزاعات المسلحة، أكبر تهديد للبشرية، يمر العالم الآن عمليًّا بأزمة تهدِّد الأمن في العالم، متجاوزة الإشكاليات النظرية التي اعتلت دراسات العلاقات الدولية حول مفهوم الأمن، بين الأمن التقليدي والقومي والأمن الإنساني (البشري)، منذ فترة الحرب الباردة وحتى نهايات القرن الماضي، وقد أظهرت الجائحة الحالية المعنى الحقيقي المعاصر للأمن البشري العالمي، فلا حدود ولا قوة عسكرية ولا قدرة اقتصادية قادرة على كبح انتشارها في جميع أنحاء العالم([3]).

ويحاول هذا التقرير النظر إلى أزمة جائحة كورونا وتأثيراتها على الأمن في العالم، بعد أن تجاوزت هذه الأزمة إشكاليات البحث في مفهوم الأمن عبر نظريات العلاقات الدولية المعنية بالدراسات الأمنية -النظرية الواقعية والنظرية الليبرالية ومدرسة كوبنهاجن والنظرية النقدية- فقد امتدت تأثيرات كورونا على موضوع الأمن عبر مختلف تعريفاته وأبعاده؛ الأمن القومي والأمن الإنساني.

أولًا- مفهوم الأمن

ظهر النقاش حول تعريف مفهوم الأمن مع ثمانينيات القرن العشرين، وتشكل في إطار مراجعة إشكالية الدراسات الاستراتيجية التي تحصر مفهوم الأمن في الجانب العسكري، ومع نهاية الحرب الباردة وتسارع وتيرة العولمة وظهور موجة تهديدات جديدة، ظهرت الحاجة إلى توسيع مفهوم الأمن وقطاعاته، لتشمل الفقر وانعدام العدالة الاقتصادية وانتهاكات حقوق الإنسان وتلوث البيئة والأمراض. لترتبط جميعها بمفهوم أمن الإنسان كنقطة تحول من خلال الانتقال من أمن الدولة والحدود والأرض إلى أمن الأفراد([4] ومن أكثر التعريفات تداولًا لمفهوم الأمن، تعريف باري بوزان Barry Buzan بأنه حالة يغيب فيها الخطر والتهديد([5]).

مع نهاية القرن الثامن عشر، أُسند الأمن للدولة كمؤسسة إنسانية تستلزم استعمال الوسائل العسكرية والدبلوماسية، وساهمت الثورة الفرنسية (1789- 1799) في التأكيد على أن أمن الأفراد مُتضمَّن ومُحتوى في إطار الأمن القومي/الوطني، وأصبح الأمن شرطًا للدولة بمقتضى التقاليد الليبرالية، حيث لا يمكن للأفراد أن يكونوا آمنين إلا إذا كانت الدولة آمنة([6]).

وقد تمَّ تعريف الأمن القومي لأول مرة من قبل أرنولد وولفرز Arnold Wolfers في مقال له بعنوان “الأمن القومي كرمز غامض National Security as an ambiguous symbol”. حيث يرى وولفرز الأمن بأنه مقياس لغياب التهديدات ضد القيم المركزية، إما بمعنى ذاتي، فهو يشير إلى غياب الخوف من أن تكون هذه القيم محل هجوم”، ويعرف هانس مرغانثو Hans Morgenthau الأمن القومي، بأنه “ما يساهم في حماية وحدة الإقليم الوطني ومؤسساته”، ويرى كل من فرانك تراجر Frank Trager وفرانك سيموني Frank Simonie أن “الأمن القومي هو ذلك الجزء من السياسة الحكومية التي هدفها المركزي هو إتاحة الظروف الوطنية والدولية المناسبة لحماية وانتشار القيم الوطنية الحيوية ضد الخصوم الموجودين أو المحتملين”([7])، أما ميكائيل ديلون Micheil Diloun فينظر إلى الأمن باعتباره مفهومًا مزدوجًا؛ فلا يعني وسيلة للتحرر من الخطر فحسب بل يعني أيضًا وسيلة لإرغامه وجعله محدودًا، وبما أن الأمن قد أوجده الخوف فإنه يقتضي ضرورة القيام بإجراءات مضادة للتحكم والاحتواء، أي أن الأمن يحوي في الوقت نفسه الأمن واللاأمن([8]).

وتعد النظرية الواقعية من أبرز مقاربات العلاقات الدولية التي تناولت موضوع الأمن، واحتلَّت المشهد في فترة الحرب الباردة، حيث تركِّز على الدولة ذات السيادة كوحدة مرجعية للنظام الدولي، ويعني الأمن وفقها قدرة الدولة على الحفاظ على بقائها وسيادتها، في مواجهة أي تهديد خارجي، وضمان استقلالها السياسي، ضمن نظام دولي يتَّسم بالفوضى وبغياب حكومة مركزية، وبالاعتماد على القوة لتحقيق مصالح أطرافه، خاصة القوة العسكرية([9])، وتعلي المدرسة الواقعية من منظور الأمن القومي مع تقديم البعد العسكري للأمن على ما عداه، كما يظهر في فكر روادها الأشهر؛ هاليت كار E. H. Carr وهانس مورغانثو([10]).

ومع نهاية الحرب الباردة، علت أصوات داخل المدرسة الواقعية تنادي بتوسيع مفهوم الأمن ليصبح قادرًا على التعاطي مع المسائل المستحدثة التي عرفتها بيئة النظام الدولي([11])، وفي إطار ما يعرف بالواقعية الجديدة، أكدت جيسيكا توشمان أنه لا بد من توسيع مفهوم الأمن ليشمل مجالات أخرى غير المجال العسكري؛ كالتأثيرات التكنولوجية على البيئة، ودعى دافيد بالدوين إلى التركيز على الأزمات الاقتصادية والتضخُّم بدلًا من التركيز على الأمن الدولاتي كمرجع لمفهوم الأمن([12]).

ثم قامت النظرية الليبرالية في إثر الانتقادات التي وجهت إلى المدرسة الواقعية، وقدمت الليبرالية البنيوية فكرة أن التمثيل الديمقراطي والالتزام الأيديولوجي بحقوق الإنسان، والترابط العابر للحدود الوطنية هي العناصر الأساسية للميل نحو السلام، ويهتز الأمن عندما تغيب الصفات والقيم الديمقراطية([13])، ومع عقد معاهدة الاتحاد الأوروبي عام 1992، وانهيار الكتلة الشرقية، وتنامي ظاهرة العولمة وتراجع فعالية الدول، ظهرت الليبرالية المؤسساتية، وطور جوزيف ناي نظرية الاعتماد المتبادل، التي ترمي إلى أن الأمن يتحقق بالنسبة للدول نتيجة عقد الاتفاقات التجارية والاقتصادية والترابط الشديد فيما بينها، ما يخلق نوعًا من العمل المشترك ضد أي قوة متمرِّدة على دولة لها علاقة مصلحية مع دولة أخرى فتقل أو تنعدم احتمالات اللجوء إلى الحرب([14]).

ثم تناولت مدرسة كوبنهاجن ما يعرف بالقطاعات الجديدة في دراسة الأمن، وهي أيضًا أحد نتائج انتقاد المدرسة الواقعية، ويعتبر باري بوزان أحد أشهر من كانوا ضمن التيار الواقعي ثم طوَّر مع مدرسة كوبنهاجن دراساته حول الأمن، وقدم بوزان في هذا الإطار مفهوم “الأمن المجتمعي” بأنه “الاستمرارية ضمن الشروط المقبولة لتطور الأنماط التقليدية للغة والثقافة والهوية الدينية والقومية والعادات” أي استمرار المجتمع في طابعه، فيصبح المجتمع أو العادات الاجتماعية هي الطرف المعرض للتهديد([15]).

وقدَّمت مدرسة كوبنهاغن أيضًا مفهوم الأمننة Securitization، بواسطة أولي ويفر، وهو يجادل بشكل أساسي بأن الأمن فعل كلام: حيث تصبح القضية تهديدًا عندما يعلن أحد الفاعلين أنها مسألة تتعلق بالأمن القومي، وهي خطوة لها عواقب سياسية مميزة. فالقضايا الأمنية -وفقًا لهذه المدرسة- لا توجد ببساطة “هناك” كحقائق موضوعية، بل يجب تحديدها وتوضيحها على أنها تهديدات من قبل الفاعلين السياسيِّين، إن تأثير هذه العملية، التي حدَّدتها مدرسة كوبنهاغن على أنها أمننة، هو أنه من خلال وضع علامة على شيء ما على أنه “أمن”، يتم تصوير القضية باعتبارها قضية ذات أولوية عليا، كما يجادل بوزان، ويفر، ودي وايلد، فإن “الطبيعة الخاصة للتهديدات الأمنية تبرر استخدام تدابير استثنائية للتعامل معها”، وتعليق “السياسة العادية” في التعامل مع هذه القضية، بما يتجاوز مستوى السياسة اليومية، والذي يبرر استخدام تدابير الطوارئ للتعامل معها([16]).

وتزايد الاهتمام بالفرد والجماعة والهوية كمرتكزات للأمن في تسعينيات القرن الماضي، ضمن الدراسات النقدية وفي إثر أعمال يورغن هابرماس وغيره، وينظر النقديون إلى النظام الدولي على أنه مبني اجتماعيًّا وليس مادِّيًّا، مبنى عبر ممارسات لغوية خطابية، وهي مسألة ملازمة للخطاب حول التهديدات، كما يرون أنه ينبغي توسيع مفهوم الأمن لأن التهديدات الجديدة للأمم والشعوب لم يعد لها علاقة بالقوة العسكرية للدول المجاورة، بل بالركود الاقتصادي والمواجهات الإثنية وتلوث البيئة والإرهاب والجريمة والأمراض، فيصبح الأمن متعدِّد الأوجه وأكثر تعقيدًا، وذهب النقديون إلى اعتبار الإنسان الفرد موضوع مرجعي أساسي للأمن؛ حيث أن العمل على حماية الإنسان أو الجماعة البشرية بصورة أشمل تجعل الهدف الأساسي هو البحث عن وسائل واستراتيجيات لضمان الأمن العالمي الشامل والأمن الإنساني([17]).

ويشمل مفهوم الأمن العالمي كل التهديدات التي من شأنها كبح حرية الإنسان على المستوى العالمي، ويصبح من الضروري أمننة كل ما يوفِّر الانعتاق والتحرُّر للفرد؛ ويعرف كين بوث الانعتاق بأنه “تحرير الشعوب من القيود التي تعيق مسعاها للمضيِّ قُدُمًا في اتجاه تجسيد خياراتها، ومن هذه القيود: الحرب، الفقر، الاضطهاد، الجور السياسي، نقص التعليم وغيرها كثير”([18]).

أما مفهوم الأمن الإنساني فيتم تناوله من عدة زوايا مختلفة: فيمكن النظر إليه من خلال علاقته بمفهوم الأمن القومي، كما قدمه بول هينبكير في تصور تكاملي، بأن: “الأمن الإنساني يركز على الأفراد والمجتمعات بدلًا من الدول، كما أنه يقوم على فكرة أن أمن الدول ضروري لكنه ليس كافيًا لتحقيق بقاء البشر، والأمن الإنساني يركِّز على مصادر التهديد العسكرية وغير العسكرية، إذ يُعد أمن وبقاء الأفراد جزءًا مكمِّلًا لتحقيق الأمن العالمي، كما أنه يكمل ولا يحل محل مفهوم الأمن القومي، يضاف لذلك أن تحقيق الأمن الإنساني يعتمد على أدوات جديدة منها دور المنظمات غير الحكومية”([19])، أما أمارتيا سن فينظر إلى العلاقة بين المفهومين على أنها متعارضة، حيث يعرف مفهوم الأمن الإنساني بأنه يعني “الحد من أوجه انعدام الأمن التي تبتلى بها حياة البشر، والتخلُّص منها إن أمكن، وهو ما يتعارض مع فكرة أمن الدولة التي ترتكز أساسًا على صون سلامة الدولة وقوتها، ومن ثم فأمن الأفراد يرتبط ارتباطًا غير مباشر بأمن البشر الذين يعيشون في الدولة”([20]).

وقدَّم لورا ريد ومجيد تهارينين تعريفًا واسعًا للأمن الإنساني، بأنه “يتطلَّب إعادة النظر إلى الاعتبارات الأمنية من خلال التركيز على بقاء الأفراد بدلًا من الأمن المادي للدولة.. وهو يتكوَّن من عشرة أبعاد هي الأمن المادي، والأمن النفسي، وأمن النوع، والأمن الاجتماعي، والأمن الاقتصادي، والأمن الثقافي، والأمن الإعلامي، والأمن البيئي، والأمن القومي، والأمن العالمي”([21]).

وترى الجمعية العامة للأمم المتحدة أن أي فهم لمفهوم الأمن البشري أو الأمن الإنساني يجب أن ينطوي على حق الشعوب في العيش في حرية وكرامة، بمنأى عـن الفقـر واليـأس، ولا ينطـوي هذا المفهوم علـى اسـتعمال القـوة أو التـدابير القـسرية أو التهديد باستعمالها، ولا يحل الأمن البشري محل أمن الدول، وأنه على الحكومــات العمل بالدرجــة الأولى علــى أن تكفــل لمواطنيهــا البقــاء وســبل كسب الرزق والكرامة([22]). وقد جمعت جائحة كورونا العديد من الأبعاد التي تناولتها هذه النظريات والتعريفات المختلفة.

ثانيًا- الأمن وأزمة كورونا

مع سقوط آلاف الضحايا أمواتًا حول العالم بسبب فيروس كورونا، أصبح هذا الفيروس تهديدًا حقيقيًّا للأمن في مختلف الدول، وقد نظر البعض إلى كورونا باعتباره مهدِّدًا للأمن بمعناه التقليدي؛ أي ما يتعلَّق بالقوة العسكرية للدول، ومع محاولات حكومات البلدان التصدِّي لهذا الفيروس ظهرت إشكاليات أمنية أكثر تعقيدًا، فبعض الحكام خرجوا على شعوبهم مرتدين زي الحرب، مستدعين عناصر الأمن التقليدي في مواجهة هذا التهديد المُستجَد، بعد أن أعلنوا أمننة أزمة كورونا. كما استخدم آخرون تقنيات المراقبة والتحكُّم للسيطرة على انتشار المرض بين الأفراد، ليصبح هؤلاء بين شقي الرحى؛ الفيروس الذي قد يودِي بحياتهم من ناحية، وزيادة الميل السلطوي لدى حكوماتهم من ناحية أخرى. هذا بالإضافة إلى الركود الاقتصادي الهائل الذي سبَّبته الجائحة والسياسات الساعية لمكافحتها، ما يجعل كورونا مُهدِّدِة للأمن الإنساني بمعناه الواسع بأنه كل ما يهدِّد الأفراد ويجعلهم في حالة من الخطر والحاجة واليأس، إلى جانب عدد من التأثيرات على الأمن بمفهومه التقليدي القومي.

– تهديد كورونا من منظور الأمن التقليدي

في مارس الماضي، أبلغ النقيب بريت كروزير، قائد حاملة الطائرات يو إس إس تيودور روزفلت، أن أكثر من 100 بحار أصيبوا بفيروس كورونا، فبسبب القيود المادية على متن السفينة، كان التباعد الاجتماعي مستحيلًا، وكتب كروزر أن “انتشار المرض مستمر ومتسارع” بين طاقم يضم 4000 فرد على متن السفينة([23])، وفي وقت لاحق، تم الإبلاغ عن إصابة 840 من أفراد الطاقم؛ وبعد أسابيع قليلة، عانت حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول من نفس المصير عندما أصيب حوالي 60٪ من طاقمها. وبغض النظر عن التداعيات السياسية اللاحقة، توضح الحالات كيف تجعل الأمراض الوبائية منصات القتال الحديثة عرضة للخطر -هذا، بالطبع، ليس بالأمر الجديد- لطالما كان المرض تحديًا كبيرًا في ساحات القتال بسبب الظروف القاسية في الحرب، إلا أنه أقل شيوعًا في وقت السلم، ومع ذلك، فإن المساحة المحصورة على السفن والثكنات تجعل البحارة والجنود عرضة للخطر بطرق مختلفة عن بقية المجتمع. وعلى المدى القصير، كان على القوات المسلحة في جميع أنحاء العالم إلغاء التدريبات والأنشطة الأخرى المخطط لها بسبب الوباء، كما أنهم يتَّخذون تدابير جديدة ليكونوا أكثر استعدادًا، وهو جهد شمل كل شيء من الحصول على أقنعة الوجه إلى ابتكار إجراءات جديدة في القواعد([24]).

ومع ذلك، فإن التحديات على المدى المتوسط للأمن والدفاع عديدة، الأول هو أن هناك خطرًا يتمثل في تقليص ميزانيات الدفاع، أو على الأقل عدم زيادتها، في ضوء الانهيار الاقتصادي، نظرًا لأن معظم الحكومات الغربية تقترض الأموال لتجاوز الأزمة، فلا بد من اتخاذ خيارات صعبة، ومن المرجح أن يعطي السياسيون الأولوية لإجراءات استعادة الاقتصاد، وتأمين الرفاهية الاجتماعية، وتعزيز الرعاية الصحية وما إلى ذلك. بعبارة أخرى، من الممكن أن تكون الأولوية للرفاهية على الحرب حتى بعد انتهاء الوباء، حيث من الممكن أن تكون الأولوية للرفاهية على الحرب حتى بعد انتهاء الوباء، وبالفعل قد ظهر ذلك في تصريحات عدد من الدول؛ فقد أعلنت كوريا الجنوبية أنها سوف تخفض ميزانية الدفاع للعام المقبل بنسبة ٢٪ (٧٣٨ مليون دولار)، وكذلك تايلاند بنسبة ٨٪ (٥٥٧ مليون دولار)، لتذهب الأموال عوضًا عن هذا إلى صندوق الإغاثة في حالات الكوارث، ومن المتوقع أن يتبعها آخرون، وبالنسبة للولايات المتحدة، يقول فرانك هوفمان من جامعة الدفاع الوطني بواشنطن إن الأولويات الوطنية “ستتجه أولاً وقبل كل شيء نحو تحسين الدخل والأمن الصحي، وتحسين المرونة والبنية التحتية”، ويقول إنه في أسوأ السيناريوهات، قد ينخفض الإنفاق الدفاعي إلى حوالي 610 مليار دولار، “وهو مستوى قد يتطلب تخفيضات في القوة، وتقليص القواعد الأمريكية والتدريبات في الخارج”([25])، وقد يأمل المرء أن يكون السياسيون قد تعلَّموا أن أيَّ أزمة قد تحدث بشكل غير متوقع، وأن استعداد المجتمع والدولة العام مطلوب للتعامل معها([26])، ما يدفع بملفات الصحة والرعاية الاجتماعية إلى صدارة المشهد السياسي على حساب ملفات التدخلات العسكرية الخارجية، بعد أن استفاقت شعوب الدول الديمقراطية المتقدمة على كارثة وضع نظامها الصحي في مواجهة وباء أودى بحياة الآلاف.

– أمننة فيروس كورونا

ظهرت الحاجة العالمية للاستجابة لانتشار فيروس COVID-19 بطرق مميزة في المنطقة العربية، بالإضافة إلى تنفيذ تدابير الصحة العامة مثل الحجر الصحي والاختبارات وعمليات الإغلاق، وقد اختارت بعض الدول في المنطقة أيضًا تأطير فيروس كورونا باعتباره تهديدًا أمنيًّا وليس مجرد مشكلة تتعلق بالصحة العامة، هنا يصبح من الأفضل فهم التعامل مع  جائحة كورونا من خلال مفهوم الأمننة. ويبدو الخيار الاستراتيجي لتأطير الاستجابة الوبائية من الناحية الأمنية واضحًا وسط الجهود الوطنية (والقومية) لوقف الوباء، خاصة في الأنظمة العربية التي تركز بالفعل بشكل كبير على الأمن، لكن الاستجابات غير الأمنية للجائحة في العديد من البلدان -بما في ذلك بلدان عربية- تُظهر أن الأمننة هي خيار سياسي من قبل صانعي السياسة وليس حالة “طبيعية”، كما جادل علماء مدرسة كوبنهاغن([27]).

فقد نشرت سلطنة عمان على سبيل المثال، قوات السلطان المسلحة (SAF) لفحص ومراقبة نقاط ضد حركة المواطنين والمقيمين في جميع محافظات السلطنة، ونشر المتحدث باسم الرئاسة المصرية مقطع فيديو أظهر استعدادات القوات المسلحة المصرية للتصدِّي لفيروس كورونا المستجد، تظهر جنودًا يرتدون بدلات حرب كيميائية ووحدات عسكرية تعرض أدوات التطهير([28]).

وفي منتصف شهر مايو، قدَّم الأردن بعضًا من أصعب تدابير مكافحة فيروس كورونا في العالم، وشملت هذه الإجراءات حظر التجول لأجل غير مسمى، وحكمًا بالسجن لمدة عام على من ينتهكه بالخروج، وإغلاق جميع الأعمال التجارية في المملكة، وبالإضافة إلى هذه الإجراءات القاسية، قام الأردن أيضًا بأمننة أزمة فيروس كورونا، ووصفها بأنها حالة شبيهة بالحرب، ومن جانبه  وضح الملك عبد الله الثاني ذلك في خطاب نُشر على فيسبوك، حيث خاطب الملك في الخطاب الأردنيين بلهجة أبوية “أبناء وبنات شعبي العزيز”، وحذرهم من الخطر العالمي الذي يشكِّله وباء فيروس كورونا، وفي معرض الحديث عن الخطر الذي يشكِّله الفيروس، استخدم عبد الله استعارة الحرب باستدعاء معركة الكرامة، ودعا الملك عبد الله الأردنيِّين إلى إظهار روح الشجاعة والشرف والتضحية كما فعل الجنود الأردنيون قبل خمسين عامًا، وقال جلالة الملك إن كل أردني “هو جندي” اليوم في حملة الأردن ضد الوباء، والأهم من ذلك أن الملك ألقى الخطاب بالزي العسكري، وقد استخدم الملك هذا العرض في الماضي في أوقات الأزمات، مثل مقتل طيار سلاح الجو الأردني معاذ الكساسبة على يد تنظيم الدولة الإسلامية في فبراير 2015، حيث سعت رسائل الملك -من حيث المضمون والشكل- إلى أن ينقل للأردنيين الشعور بالأزمة والخطر، ويحول الجمهور إلى حالة ذهنية تشبه الحرب، ولم يتم أمننة فيروس كورونا في الأردن من قبل الملك عبد الله فحسب، بل قام به أيضًا وزير الصحة الأردني سعد جابر، الذي أصبح المسؤول الحكومي الأكثر شهرة في الأردن لمخاطبة الجمهور بشأن أزمة فيروس كورونا، وكثيرًا ما قال في تصريحاته ومقابلاته الإعلامية إن “الأردن اليوم يقاوم فيروس كورونا وينتصر بإذن الله”، كما روج جابر لحملة وسم (هاشتاغ) في ملفه الشخصي على تويتر بعنوان “#الأردن_يقاوم”. وفي الخطاب السياسي في الشرق الأوسط، ترتبط كلمة “يقاوم” ارتباطًا وثيقًا بحملات حماس وحزب الله للمقاومة العنيفة (المقاومة) ضد إسرائيل، أي حملات النضال الشعبي العنيفة ضد عدو خارجي، لذلك كانت هذه محاولة أخرى -هذه المرة، من قبل مسؤول الصحة الأردني الكبير- لوضع عقلية شبيهة بالحرب لجهود الأردن لاحتواء فيروس كورونا([29]).

– تهديد كورونا للاقتصاد العالمي

مع إعلان منظمة الصحة العالمية أن تفشي فيروس كورونا حالة طوارئ عالمية في 30 يناير 2020. فرضت الحكومات إغلاقًا للحدود وقيودًا على السفر وحجرًا صحيًّا في البلدان التي تشكِّل أكبر اقتصادات العالم، ثم لحقها عدد من البلدان النامية، مما أثار مخاوف من أزمة اقتصادية وشيكة وركود([30]).

وفي مايو الماضي، أعلنت إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة (DESA) أنه اعتبارًا من منتصف عام 2020 سيهبط الناتج المحلي الإجمالي في البلدان المتقدمة إلى -5.0% في حين سيتقلص ناتج البلدان النامية بنسبة 0.7%. وقال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للتنمية الاقتصادية، إليوت هاريس، أن فيروس كورونا قد أطلق العنان لأزمة صحية واقتصادية لم يسبق لها مثيل من حيث النطاق والحجم، مع الحظر وإغلاق الحدود وهو ما شلَّ النشاط الاقتصادي وبسبب ذلك، تم الاستغناء عن ملايين العمَّال على الصعيد العالمي، وأضاف هاريس: “مع القيود واسعة النطاق المفروضة على الأنشطة الاقتصادية ومع تزايد عدم اليقين، وصل الاقتصاد العالمي إلى طريق مسدود تقريبًا في الربع الثاني من عام 2020″، وأضاف أن العالم الآن يواجه واقعًا كئيبًا يتمثَّل في ركود حادٍّ لم يسبق له مثيل منذ الكساد الكبير، هذا بالإضافة إلى أن قطاعي التجارة والسياحة أُصيبا بالشلل، في حين أن العجز الكبير وارتفاع مستويات الدَّين العام يشكِّلان تحديات كبيرة في البلدان النامية والدول الجزرية الصغيرة([31]).

كما يرى صندوق النقد الدولي، في نسخة تقريره “آفاق الاقتصاد العالمي”، الصادرة في أبريل الماضي، أن هناك “عدم يقين شديد يحيط بتنبؤات النمو العالمي، فالتداعيات الاقتصادية تعتمد على عوامل تتفاعل بطرق يصعب التنبؤ بها، بما في ذلك مسار الجائحة، وكثافة جهود الاحتواء ودرجة فعاليتها، ومدى الاضطرابات المتعلقة بالعرض، وتداعيات التشديد الحادِّ لأوضاع الأسواق المالية العالمية، والتحولات في أنماط الإنفاق، والتغيرات السلوكية (كأن يتجنَّب الناس مراكز التسوق والمواصلات العامة)، والآثار على الثقة، وأسعار السلع الأولية المتقلِّبة، ويواجه كثير من البلدان أزمة متعدِّدة الأبعاد تتألَّف من صدمة صحية، واضطرابات اقتصادية محلية، وهبوط حاد في الطلب الخارجي، وتحولات في وجهة تدفقات رؤوس الأموال، وانهيار في أسعار السلع الأولية، وتهيمن على الأجواء مخاطر احتمال أن أيلولة الأمور إلى عاقبة أسوأ”([32]).

وربما يتأثَّر الاقتصاد القومي في البلدان المتقدِّمة كما أوضحت التقارير الدولية، إلا أن قدرتها على التعافي بحلول العام المقبل أمر متوقَّع، أما على مستوى الأفراد، فأغلب هذه الدول تمكَّنت بالفعل من مساندة من تضرَّروا جراء حالة الإغلاق التي أعلنت بصور مختلفة من الإعانات؛ كإعانة البطالة والتخفيف من سداد المدفوعات الدورية. إلا أن الحال يختلف كثيرًا في البلدان النامية، والتي يعتمد عدد هائل من سكانها على قطاع الخدمات، فالعديد قد فقدوا مصدر دخلهم اليومي والشهري، مع ثبات المدفوعات المستحقة عليهم، ولم تقدِّم لهم حكوماتهم أكثر من إعانات ضعيفة في كثير من الأحيان، فعلى سبيل المثال، تكتظ هذه البلدان بما يعرف بالاقتصاد غير الرسمي، ومع إجراءات التباعد الاجتماعي وغلق الأسواق وحظر التجوال، يصبح هؤلاء المحتاجون إلى الخروج اليومي لإطعام أنفسهم وأسرهم في أزمة حقيقية، تقول أوكسانا أبودا مديرة مؤسسة “ستريت نيت” الدولية، وهي منظمة تمثل الباعة المتجولين في جميع أنحاء العالم، حول ما يقوله الأشخاص الذين تمثِّلهم المنظمة عن وضعهم: “علينا أن نختار بين خيارين، لكن كليهما مُريع، إما أن نعرض أنفسنا للخطر (جراء تفشي العدوى) ونواصل عملنا غير الرسمي، أو أن نعرض عائلاتنا لخطر التضوُّر جوعًا، وهذا هو الواقع بالنسبة لمليارات البشر في جميع أنحاء العالم، فالعمل غير الرسمي أمر طبيعي في البلدان النامية”([33])، ما يدفع مجدَّدًا بجائحة كورونا إلى تهديد الأمن الإنساني لهؤلاء الأفراد، بسبب ما ألجأتهم إليه من مزيد من الفقر والحاجة.

– كورونا وزيادة الميل إلى السلطوية

ينظر البعض إلى أزمة كورونا على أنها فرصة لإثبات مرونة الاستبداد وفشل القيادة الديمقراطية التي يمكن أن تأخذ دبلوماسية القوة الناعمة الاستبدادية إلى آفاق جديدة، فعندما يجتاح العالم وباء لا يعلم أحد على وجه الدقة ماهيته ولا كيفية التصدِّي له بشكل رادع، ربما يُنظَر إلى النظم الديمقراطية على أنها بطيئة ومتردِّدة في اتخاذ القرارات التي من شأنها حماية مواطنيها، حتى وإن عنى ذلك إجبارهم على أخذ الحيطة والحذر لحماية أنفسهم، في مقابل النظم الاستبدادية التي تتَّسم بالحسم السريع في اتخاذ القرارات وفي فرضها وإجبار مواطنيها على الانصياع.

والأنظمة الاستبدادية مثل الحزب الشيوعي الصيني لا تعزز قبضتها المحلية على السلطة فحسب، بل تروِّج أيضًا لأنظمتها السياسية كنموذج يحتذي به الآخرون، وفي ظل كون جائحة فيروس كورونا مشكلة خطيرة، وأنه لا يزال هناك عدم يقين بشأن رد فعل صانعي السياسات، حيث أشاد محلِّلو الصحة العامة بالمحاولات التي قامت بها بعض الأنظمة الاستبدادية مثل استجابة سنغافورة والصين للأزمة، ووصفت منظمة الصحة العالمية ما حدث في الصين، بقولها: “ربما يكون احتواء المرض الأكثر إبداعًا وكفاءة وفعالية في التاريخ”، وهو ما سارعت السلطات الصينية إلى استغلاله لصالح رئيسها، الرئيس شي جين بينغ، وصرَّحت بأنه: “لا يمكن اتخاذ خطوات حاسمة إلا في الصين، وتحت قيادة الرئيس شي، للسيطرة على هذا المرض الذي لا يمكن التنبؤ به”([34]).

وهناك العديد من الحكومات الأخرى التي بالغت في الاستجابة للوباء للاستفادة منه، كما حدث في الفلبين، فقد حصل الرئيس رودريغو دوتيرتي، على صلاحيات أكبر بكثير لمكافحة العدوى، بما في ذلك إمكانية السجن لنشر تقارير كاذبة بشأن فيروس كورونا، وهي خطوة قد تُستخدم لإسكات المعارضة السياسية، كما أقرت الفلبين عقوبة السجن أو الغرامة لمن يرفض الخضوع لاختبار كورونا([35]).

وفي عدد من الدول، لم تحترم الحكومات الحق في حرية التعبير، واتخذت تدابير ضدَّ الصحفيِّين والعاملين في الرعاية الصحية، فعلى سبيل المثال، احتجزت السلطات الصينية أشخاصًا بسبب نشر تقارير عن الوباء على وسائل التواصل الاجتماعي، ومستخدمي الإنترنت بسبب “ترويج الإشاعات”، وفرضت رقابة على النقاشات المتعلقة بالوباء على الإنترنت، وكبحت تغطية وسائل الإعلام، كما حدث في مطلع يناير الماضي، مع  لي وينليانغ الطبيب المعالج في مستشفى ووهان، بعد أن حذَّر من الفيروس الجديد في غرفة دردشة على الإنترنت. وفي تايلند، تعرَّض أشخاص من قطاع الصحة العامة وصحفيِّين تحدَّثوا على الإنترنت، إلى ملاحقات قضائية انتقامية من السلطات، بعد أن انتقدوا استجابة الحكومة لتفشِّي الوباء، وأثاروا مخاوف من احتمال وجود تستُّر، ونشروا تقارير عن فساد مزعوم يتعلَّق بتكديس الأقنعة الجراحية ولوازم أخرى والتربُّح من ذلك([36]).

ويعد واحد من جوانب الأزمة هو التقدم العلمي للنظام الحاكم، الذي قد يكون استبداديًّا في الوقت نفسه، مثل الصين، حيث تتمتَّع المجتمعات المحكومة والمراقبة جيدًا بقدرة الحصول على المعلومات بدقة متى أرادت، وقد لا نعرف أبدًا مدى خطورة الوباء بسبب المراقبة غير الكافية في الدول الأقل حكمًا، وقد لا نحصل أبدًا على إجابة مباشرة، وفي حين يمكن اعتبار تقنيات المراقبة آلية فعالة للوقوف على الحجم الحقيقي لكارثة مثل هذا الوباء، ومن ثم رفع كفاءة التصدِّي لها، إلا أنه لا يمكن إغفال تخوف أن تصبح هذه التقنيات أكثر انتشارًا وأكثر جرأة بعد الأزمة، ما يضعف الميول الديمقراطية بشكل عام.

خاتمة

يبدو أنه من العسير، أن يُختلف على أزمة أودت بحياة مئات الآلاف وتهدِّد حياة وسبل عيش ملايين غيرهم، بأنها أزمة تهدِّد أمن البشرية، أيًّا كان تعريف هذا الأمن، غير أنه يمكن اعتبار أزمة كورونا مثال للحوادث التي تدفع بأوساط الباحثين والسَّاسة على حدٍّ سواء، إلى مراجعة تعريفاتهم ومعاييرهم فيما يخص موضوع الأمن، لتجاوز إشكاليات القومية والإنسانية. فما يهدد حياة الفرد العادي قد يمتد إلى أفراد القوات المسلحة التي تمثل درع الدول لحماية ما يعرف بأمنها القومي، وما يعرِّض الاقتصاد في دولة ما إلى الركود، يؤثِّر بالضرورة في قدرتها على التحرُّك في مساحات الأمن التقليدي، فضلًا عن امتداد تأثير هذا الركود وما على شاكلته إلى غيرها من الدول. فقد تعرَّض العالم بأسره هذا العام إلى مشاهد لم يعهدها في تاريخه القريب، رأى دولًا عظمى في إمكاناتها الاقتصادية والعلمية والعسكرية تقف عاجزة أمام وفاة وإصابة الآلاف من مواطنيها. كما وقفت شعوب الدول الديمقراطية حائرة ومذعورة ما بين تردُّد وعجز ساستها عن الرعاية الصحية الكافية لهم من جهة وعلى اتخاذ قرارات فعالة بما يكفي لرأب صدع الاقتصاد مع حالات الإغلاق وارتفاع معدلات فقدان الوظائف، في مقابل دول استبدادية تواترت سياساتها على القمع وازدراء حقوق الإنسان تنجح في احتواء الأزمة بسياسات متزنة وفعَّالة إلى حدٍّ كبير. وربما يدفع ذلك بالكثير من الملفات إلى صدارة المشهد السياسي عندما تمر أزمة كورونا؛ كملف أولوية الرعاية الصحية في مختلف الدول أيًّا كان مستواها الاقتصادي والعلمي، وملف تدابير الإعانات الاجتماعية. كما قد تؤدِّي الأزمة إلى تجدُّد النقاش حول ثنائية الاستبداد والديمقراطية، ومدى الفاعلية السياسية للنظم الواقعة بين قطبي هذه الثنائية.

 

*****

الهوامش

([1]) Worldometers, COVID-19 Coronavirus Pandemic, accessed on: 2 September 2020, available at: https://cutt.us/ex3v6

([2]) منظمة الصحة العالمية، دراسة استقصائية عالمية للمنظمة تبيِّن أن 90 في المئة من البلدان تعطلت الخدمات الصحية الأساسية فيها منذ اندلاع ‏جائحة كوفيد-19، 31 أغسطس 2020، تم الاطلاع عليه في: 2 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/BMSw6

([3]) Carlos Milani, RS. COVID-19 between Global Human Security and Ramping Authoritarian Nationalisms, Geopolitica (s) 11 (2020), p. 143.

([4]) جويدة حمزاوي، المقاربات النظرية للأمن: من الأمن القومي إلى الأمن الإنساني، مجلة الدراسات الاستراتيجية والعسكرية، المركز الديمقراطي العربي- برلين، المجلد الثاني، العدد السادس، مارس 2020، ص ص 8-9.

([5]) المرجع السابق، ص 10.

([6]) المرجع السابق.

([7]) المرجع السابق.

([8]) هشام صاغور، الأمن: دراسة مفاهيمية في ضوء الاتجاهات النظرية، مجلة القانون، المركز الجامعي أحمد زبانة بغليزان، العدد السابع، 2016، ص 234.

([9]) جويدة حمزاوي، المقاربات النظرية للأمن: من الأمن القومي إلى الأمن الإنساني، مرجع سابق، ص 12.

([10]) سليمان عبد الله الحربي، مفهوم الأمن.. مستوياته وصيغه وتهديداته: دراسة نظرية في المفاهيم والأطر، المجلة العربية للعلوم السياسية، الجمعية العربية للعلوم السياسية، العدد 19، 2008، ص ص 15- 16.

([11]) سليم قسوم، الاتجاهات الجديدة في الدراسات الأمنية: دراسة في تطور مفهوم الأمن في العلاقات الدولية، (الإمارات: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2018)، ص 50.

([12]) هشام صاغور، الأمن: دراسة مفاهيمية في ضوء الاتجاهات النظرية، مرجع سابق، ص 238.

([13]) المرجع السابق، ص 240.

(([14] المرجع السابق، ص ص 241-242.

([15]) المرجع السابق، ص 244.

([16]) Adam Hoffman, The Securitization of the Coronavirus Crisis in the Middle East, The COVID-19 Pandemic in the Middle East and North Africa, 2020, p. 10.

(([17] جويدة حمزاوي، المقاربات النظرية للأمن: من الأمن القومي إلى الأمن الإنساني، مرجع سابق، ص 17.

(([18] المرجع السابق، ص 17.

([19]) خديجة عرفة محمد أمين، الأمن الإنساني: المفهوم والتطبيق في الواقع العربي والدولي، (الرياض: جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، 2009)، ص 33.

(([20] المرجع السابق، ص ص 33-34.

(([21] المرجع السابق، ص 37.

(([22] الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرار اتخذته الجمعية العامة في ١٠ سبتمبر ٢٠١2، متابعة الفقرة ١٤٣ المتعلقة بمفهوم الأمن البشري مـن الوثيقة الختامية لمؤتمر القمة العالمي لعام ٢٠٠٥، تم الاطلاع عليه في: 2 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Uf4oe

([23]) Matthias Gafni and Joe Garofoli, Exclusive: Captain of aircraft carrier with growing coronavirus outbreak pleads for help from Navy, San Francisco Chronicle, March 31, 2020, accessed on: 2 September 2020, available at: https://cutt.us/Mct4R

([24]) Karsten Friis, Biowar next? Security implications of the coronavirus, LSE Ideas Strategic Update, 2020, p. 5.

([25]) Global arms spending is rising, but covid-19 will trim budgets, The Economist, 26 April 2020. accessed on: 24 September 2020, Available at: https://cutt.ly/4fVwMIh

([26]) Ibid.

([27]) Adam Hoffman, The Securitization of the Coronavirus Crisis in the Middle East, Op. cit., p. 10.

([28]) Ibid.

([29]) Ibid, p. 12.

([30]) Maria Nicola, Zaid Alsafi, Catrin Sohrabi, Ahmed Kerwan, Ahmed Al-Jabir, Christos Iosifidis, Maliha Agha, and Riaz Agha, The socio-economic implications of the coronavirus and COVID-19 pandemic: a review, International Journal of Surgery, 2020, accessed on: 2 September 2020, available at: https://cutt.us/KqRv2

(([31] كورونا تنذر “بواقع مرير”: توقعات بانكماش الاقتصاد العالمي وخسائر بأكثر من 8 تريليون دولار عام 2020، أخبار الأمم المتحدة، 13 مايو 2020، تم الاطلاع عليه في: 2 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي:https://cutt.us/eRmVV

(([32] صندوق النقد الدولي، تقرير آفاق الاقتصاد العالمي: الإغلاق العام الكبير أبريل 2020، تم الاطلاع عليه في: 2 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي:https://cutt.us/ljY3h

(([33] فيروس كورونا: اقتصادات الدول النامية تتضرر بشدة جراء أزمة الوباء، بي بي سي عربي، 24 أبريل 2020، تاريخ الاطلاع: 3 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/zwFBY

([34]) Lily Kuo, How did China get to grips with its coronavirus outbreak?, The Guardian, 9 March 2020, accessed  on: 5 September 2020, available at: https://cutt.us/uhRpt

([35]) الفلبين تفرض السجن أو دفع غرامة عقوبة على من يرفض إجراء اختبار كورونا، بوابة الأهرام، 24 أغسطس 2020، تاريخ الاطلاع: 5 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/VJZIe

([36]) الأبعاد الحقوقية في الاستجابة لفيروس “كورونا” المستجد، هيومن رايتس ووتش، 19 مارس 2020،  تاريخ الاطلاع: 5 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/cWusp

فصلية قضايا ونظرات – العدد التاسع عشر – أكتوبر 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى