الأزمة السياسية الداخلية-الخارجية في إيران وأزمة كورونا

مقدمة:

أعلنت طهران عن أول حالة إصابة بكورونا في محافظة قُم في 19 فبراير 2020، وسرعان ما أصبحت إيران بؤرة رئيسية للمرض في منطقة الشرق الأوسط. لكن الإشكالية الأساسية في هذا الإطار أن الوباء قد ضرب إيران في وقتٍ مأزوم على الصعيدين الداخلي والخارجي. فداخليَا، كان ما عُرف بحركة احتجاجات البنزين التي انطلقت في نوفمبر 2019 فضلا عن التزامن مع الانتخابات البرلمانية المثيرة للجدل من أوجه عدة في فبراير 2020، والتي شهدت ضعفا في الإقبال. أما خارجيَا، فكانت إشكاليات الجدل بشأن إسقاط الطائرة الأوكرانية في يناير 2020 والذي عمق بدوره التأزم الداخلي؛ في ظل استمرار احتدام مواجهات سياسية وعسكرية محدودة مع الولايات المتحدة خاصة في العراق والخليج. ولا يمكن إغفال كون هذا كله قد تفاعل مع وضع اقتصادي متدهور.

ذلك الوضع المشتبك والمرتبك انعكس بشكلٍ واضح في أداء النظام الإيراني بإدارة أزمة كورونا، وليس ذلك بحكمٍ مسبق قبل الغوص في تفاصيل السياسات، فليس أدل عليه بدايةً من الإنكار والاستهتار والمماطلة في اتخاذ الإجراءات الوقائية، في سياق من تغليب الأبعاد الأيديولوجية، حيث تم اعتبار الفيروس “مؤامرة” من أعداء إيران ثم التذرع بالعقوبات لتبرير التقصير (وإن كنا لا ننكر أثرها كليةً)… كما كانت المخاوف الاقتصادية لها الدور الأكبر في التأخر في اتخاذ التدابير اللازمة، لاسيما إجراءات فرض الحظر، دون اعتبار واضح لصحة وأرواح المواطنين.

فما تفاصيل ذلك السياق المعقد داخليًا وحارجيًا؟ وما أهم ملامح السياسات الإيرانية في مواجهة أزمة كورونا؟ وما تداعيات الأزمة وسياسات إدارتها؟ تلك التساؤلات يجيب عنها التقرير في نقاط ثلاث: سياق أزمة كورونا، وحقيقة الأوضاع الصحية، الملامح العامة للسياسات الإيرانية في مواجهة الأزمة، ثم التداعيات: تعقيدات الداخل والخارج.

أولا- سياق أزمة كورونا، وحقيقة الأوضاع الصحية:

1- سياق الأزمة داخليًا وخارجيًا:

تمثلت أبرز عناصر السياق المأزوم داخليًا وخارجيًا بشكل أكثر تفصيلا فيما يلي:

  • السياق الداخلي:
  • الاحتجاجات: حيث اندلعت الاحتجاجات في نوفمبر 2019 على خلفية ارتفاع أسعار الوقود (وهي حلقة في سلسلة ممتدة من الاحتجاجات خلال الأعوام الأخيرة)، واستخدام الحرس الثوري العنف الشديد ضدها، ورفض النظام الاعتراف بعدد المحتجين الذين قتلهم (أكثر من 1500 وفقًا لوكالة “رويترز”)[1]. وقد هتف المتظاهرون في تلك الاحتجاجات ضد المرشد الأعلى علي خامنئي، في إشارة إلى رفض ثوابت هذا النظام ضيقة الأفق، وكأن الشعب الإيراني قد استشعر خطورة الجمود الفكري المسيطر على نظامه، والذي سنتناول كيف انعكس جليًا في التصريحات والتفاعلات بشأن كورونا.
  • الانتخابات البرلمانية: يمكن القول إن الانتخابات البرلمانية في 21 فبراير 2020 تراجعت بشكلٍ كبير؛ إذ أعلنت وزارة الداخلية أن نسبة الإقبال على التصويت كانت 42.57 في المائة، وهي المرة الأولى التي تقل فيها نسبة المشاركة عن 50 في المائة منذ “الثورة الإسلامية” عام 1979[2]. وتتعدد الأسباب بين فقدان الثقة في النظام (خاصة بعد الاستياء من رفض مجلس صيانة الدستور نحو سبعة آلاف مرشح أغلبهم من الإصلاحيين، ولم ينج المجلس من انتقاد الرئيس روحاني نفسه له حتى إنه وصف الانتخابات بأنها انتصابات)، والشائعات التي انتشرت بشأن وجود الفيروس في الأدوات الانتخابية، وزاد الطين بلة لامبالاة النظام حيال هذا الإقبال المنخفض والإصرار على تكميل الانتخابات دون أي اكتراث بالوباء[3].
  • أوضاع اقتصادية سيئة: كان الإيرانيّون يرزحون تحت وطأة الضغوط الاقتصادية منذ فترة طويلة، فرغم ازدهار الطبقة الوسطى الإيرانيّة خلال طفرة النفط بداية القرن الحالي، حتى صارت هذه الطبقة تُشكِّل 60% من مجموع السكّان عام 2012، لكن في مايو 2018، مع فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب عقوبات على إيران فقد ألقت بظلالها الثقيلة على اقتصاد البلاد واستنزفت احتياطيّ البلاد من العملات الأجنبيّة، وقد تقلّصت القوة الشرائية للفرد بنحو 20% منذ هذا الحين. وعامة فقد تقلّصت الطبقة الوسطى عام 2018 لتُشكِّل 53% من السكّان. كما هبط الدخل السنوي لقرابة مليونين إلى ثلاثة ملايين عائلة من الطبقة الوسطى بنحو 15% هذا العام، ومن المُرجَّح أن تهبط الدخول بنسبة مماثلة في عام 2021[4].

أيضًا من أبرز المؤشرات الدالة على وضع الاقتصاد الإيراني أنه في عام 2011، كانت الحوالات المالية تُشكِّل نسبة 26% من متوسط دخل الأسرة، أما الآن، ورغم مضاعفة النقد، فإنها تُشكِّل نحو 8% فحسب. رغم ذلك فإنها بالنسبة للإيرانيين الأكثر فقرًا الذين يُشكِّلون نسبة 20% من السكّان لا تزال تُشكِّل 24% من إجمالي دخل الأسرة الواحدة[5].

ولا شك أن أزمة فيروس كورونا من شأنها أن تزيد تلك الأوضاع سوءًا، خاصة في تضافرها مع استمرار العقوبات وارتفاع فواتير السياسة الخارجية الإيرانية (ذلك ما سنراه في جزئيات لاحقة).

  • السياق الخارجي:
  • حادث الطائرة الأوكرانية: وهي أزمة أثارت اضطرابات داخلية وخارجية لإيران، حيث تضاربت الروايات الرسمية بشأن حادثة إسقاط الطائرة في يناير 2020 وما أدت إليه من توترات على الصعيد الخارجي مع عدة دول؛ وبما أفضى إلى زعزعة الثقة بين الحكومة والشعب؛ إذ في بداية الأمر نفت طهران مسؤوليتها عن إسقاط الطائرة، قبل إعلانها أن الطائرة المنكوبة سقطت بدفاعات الجو الإيراني “لظنها أنها صاروخ سكود”[6]، ذلك إلى جانب الإشكالات القانونية المترتبة ومعاملة النظام الإيراني عائلات الضحايا بشكلٍ سيء[7].
  • احتدام المواجهات مع الولايات المتحدة: ففي إطار الملفات التقليدية للصراع كالملف النووي والتنافس في الشرق الأوسط، برزت بعض الأحداث متزامنةً مع وباء كورونا منها على سبيل المثال الهجوم الصاروخي في يناير 2020 الذي استهدف قاعدتين عراقيتين فيهما قوات أمريكية ردًا على مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بهجوم صاروخي لطائرات مسيّرة أمريكية[8]. هذا فضلا عن التصادمات بين إيران من جانب والولايات المتحدة ودول الخليج من جانب آخر.

تلك التطورات أدت إلى أزمة ثقة بين النظام وقطاعات عريضة من المجتمع الإيراني، بما أثر في مدى فاعلية إدارة الأزمة، خاصة أن النظام كان بوسعه اعتبار كورونا فرصة للتصالح مع مواطنيه، إلا أنه استمر في انتهاج سياسات قوامها القمع والتعتيم والنظرة الأيديولوجية الضيقة.

2- حال القطاع الصحي الإيراني ومؤشرات الإصابات:

  • حال القطاع الصحي في إيران:

يتضمن القطاع الصحي في إيران نحو 140859 سريرًا موزعة على 982 مستشفى في مختلف المدن الإيرانية، وتشكل مستشفيات القطاع الحكومي نحو 64 بالمائة من مجموع المستشفيات، بينما تشكل مستشفيات القطاع الخاص 18 بالمائة، ومستشفيات منظمة التأمين الاجتماعي 8 بالمائة، والمستشفيات العسكرية 6 بالمائة والمستشفيات الخيرية 4 بالمائة. والنظام الصحي في إيران يوفر سريرًا واحدًا بإزاء كل 590 شخصًا، كما يوفر سريرًا واحدًا للعناية المركزة، بإزاء كل 14260 شخصًا[9].

تتراوح مؤشرات الوضع الصحي في إيران بين السلبي والإيجابي؛ فعلى سبيل المثال الإيجابي بذلت الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها جهودًا ملحوظة لتحسين الصحة العامة للإيرانيين في المناطق الريفية والحضرية، كما تم توفير خدمات الرعاية الصحية في جميع أنحاء البلاد؛ حيث إنه في عام 1984 أنشأت الجمهورية الإسلامية لأول مرة شبكة شاملة للرعاية الصحية، توسعت في عام 2005 لتشمل أطباء الأسرة[10].

كما أُحرِز تقدم على صعيد الكوادر العلمية في هذا السياق، فقد تمكن المهنيّون الصحيّون في إيران فيما مضى من تقليص وفيات الرُّضّع والأمّهات في المناطق الريفيّة. وقد أدّى نجاح تلك الجهود إلى رفع مستويات متوسط الأعمار في البلاد بحيث تساوى مع ذلك الذي تتمتّع به الدّول الأكثر تطوّرا[11]. فقد تضاعف متوسط العمر المتوقع للإيرانيين (76.7 سنة في عام 2018، مقابل 64 سنة في عام 1990)، وعدد الأطباء لكل 1000 شخص (1.1 في عام 2015، مقابل 0.318 في عام 1993)[12].

لكن على الجانب الآخر، بقي النظام الصحي في إيران، بالرغم من هذه التحسينات، يعاني ثغراتٍ مهمةً تمثَّل أبرزها في أن التركيز على الرعاية الأولية أدى إلى إهمال التغيرات التدرجية في أنماط العديد من الأمراض، وفي احتياجات المجتمع، والبنى الوبائية التي تتطلب إدخال تعديلات على نظام الصحة العامة. ورغم أنه في عام 2014، أطلقت الدولة برنامجًا إضافيًا لتحسين الرعاية الصحية في البلاد، فإن التركيز لا يزال منصبًّا على العلاج وليس على الصحة الوقائية والنظافة الصحية، ما أضعف القدرة الإيرانية في مواجهة وباء بحجم كورونا[13].

والأخطر أن التسييس وغياب الشفافية يفسد الكثير، فمثلا وفقاً لتقرير “منظمة العفو الدولية” لعام 2011، سُجن الطبيبان الإيرانيان كاميار علائي وشقيقه آراش علائي في الفترة بين 2008 و2011 بتهم “التعاون مع حكومة معادية”، على ضوء تأسيس منظمة غير حكومية للوقاية ومعالجة مرض نقص المناعة البشرية “الإيدز”. وفي الأسبوع الأول من مارس 2020، كتب الشقيقان مقالة افتتاحية في صحيفة “نيويورك تايمز” بعنوان “كيف أفسدت إيران بشكل كامل ونهائي ردها على فيروس «كورونا»”؟ وبدأ المقال بجملة: “كنا أطباء في النظام الصحي الإيراني لسنوات. هذا ما يحدث عندما تجعل السياسات الصحية خاضعة للسياسة”[14].

أيضًا لاشك أن الأوضاع الاقتصادية في ظل العقوبات قد أثرت على أوضاع القطاع الصحي في إيران، خاصة ما يتصل بالقدرة على توفير المعدات الطبية والمواد اللازمة لتصنيع العقاقير، كل تلك أمور جعلت النظام الصحي الإيراني في المحصلة يفتقر إلى سرعة الحركة والقدرة على التكيف[15].

  • مؤشرات على وضع كورونا:

من المعروف فداحة الوضع في إيران فيما يتصل بأعداد الإصابات والوفيات الخاصة بفيروس كورونا، ومع حديث بيانات وزارة الصحة الإيرانية عن أن كورونا انتشر في البلاد بسبب أشخاص دخلوها بطريقة غير قانونية؛ من باكستان وأفغانستان أو بشكل غير مباشر من الصين[16]، إلا أن ذلك به الكثير من التسطيح؛ حيث يعود الأمر لعدة أسباب يتحمل النظام الإيراني وزرها وأهمها: إنكار الوضع في البداية ومن ثم التأخر في اتخاذ الإجراءات اللازمة، استمرار المزارات الدينية وما تضم من أعداد ضخمة، اعتماد إيران على التجارة مع الصين جرّاء العقوبات الأميركية، ومن ثم لم تعلق إيران الطيران من وإلى الصين عندما ظهر الوباء حيث واصلت تصدير الأقنعة الواقية المصنّعة لديها حتى نهاية فبراير 2020[17]. كل ذلك تسبب بانتشار الفيروس بسرعة في أنحاء البلاد والدول المجاورة[18].

وفي هذا السياق نتناول المؤشرات على أكثر من مستوى:

على مستوى إحصاءات أعداد الإصابات والوفيات بشكلٍ عام، نجد على سبيل المثال بحسب البيانات الرسمية أنه حتى 13 أبريل 2020 كان قد أُصيب قرابة 70 ألف شخصٍ وتوفي قرابة 4500 شخصٍ[19]. ووفقًا للإحصاءات الرسمية أيضا منذ 19 يوليو وحتى 23 يوليو 2020، تخطت يوميًا 200 حالة وفاة؛ وهو أمر ليس بالغريب، فقد حذر المسؤولون الحكوميون بإيران من اندلاع موجة تفشٍّ ثانية للمرض في البلاد، ولكنهم في الوقت نفسه رفضوا فرض قيود جديدة للحد من تفشي الفيروس، وذلك بسبب مخاوفهم من تدهور الأوضاع الاقتصادية (وسنفصل في هذا الشأن في الجزء المتعلق بالسياسات)[20].

ثم أعلنت المتحدثة باسم وزارة الصحة الإيرانية، سيما سادات لاري، في 24 يوليو 2020 أنه تم خلال الساعات الـ24 السابقة على الإعلان تسجيل 221 حالة وفاة بفيروس كورونا، ليرتفع إجمالي المتوفين في البلاد إلى 15074 شخصًا، والأهم إشارتها إلى أن 3667 شخصًا من المصابين بفيروس كورونا يمرون بحالة حرجة. كما صرحت سادلات لاري أن إجمالي المرضى المصابين بفيروس كورونا في إيران حتى هذا الحين وصل إلى 284034 مصابًا.

وفي 28 يوليو 2020، أُعلن أنه تم تسجيل 235 وفاة بسبب فيروس كورونا خلال الـ24 ساعة السابقة على الإعلان إلى جانب تسجيل 2667 إصابة جديدة ليرتفع إجمالي الإصابات إلى 296273 إصابة[21].

على المستوى الجغرافي، ذكر نائب وزير الصحة علي رضا ريسي في يونيو 2020 بمؤتمر نُظم عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، أن “15 بالمئة من سكان طهران أصيبوا بعدوى كورونا”، دون أن يعطي رقما محددًا، مما يعني بالتقريب أن هناك نحو مليون ونصف المليون مصاب في العاصمة وحدها، التي يسكنها أكثر من 10 ملايين نسمة. في حين أن الأرقام الرسمية في هذا التوقيت كانت تتحدث عن وجود 212 ألف إصابة بالفيروس، فضلا عن 10 آلاف حالة وفاة[22]، لكن بغضِّ النظر عن مدى دقة تلك التقديرات، فإنها بمثابة مؤشر على سوء الأوضاع بالعاصمة.

أيضًا يوم 25 يونيو2020 وفقاً لمتحدث باسم وزارة الصحة، فإن عدد حالات الإدخال إلى المستشفيات في محافظتي طهران وفارس كان آخذًا في الارتفاع، وكان أكبر عدد من الداخلين إلى المستشفيات في محافظات خوزستان وكردستان وهرمزكان وبوشهر وكرمانشاه[23].

كذلك صرح محمد رضا رضائي بنا، نائب رئيس جامعة أردبيل للعلوم الطبية، في اجتماع للجنة مكافحة کورونا بمحافظة أردبيل في 28 يونيو 2020 أن جميع أسرَّة أقسام کورونا في أردبيل مليئة بالمرضى[24]. كما حذَّر نائب وزير الصحة الإيراني، إيرج حريرجي، المواطنين من السفر إلى محافظة مازندران (شمالي البلاد)، بسبب ارتفاع احتمال الإصابة بكورونا هناك[25].

وبناء على ما أعلنته وزارة الصحة الإيرانية، فإن كلًا من محافظات مازندران، وفارس، وأذربيجان الشرقية والغربية، وخراسان الرضوية، وألبرز، وخوزستان، ولرستان، وكلستان، وكرمان، وزنجان، وإيلام، مرت بوضعية حمراء من المرض (أي خطرة)[26].

وكان هناك خصوصية للعديد من المدن، من حيث ارتفاع عدد الحالات جراء السياسات الخاطئة (كما سنرى). فعلى سبيل المثال، فإن مكانة قم بصفتها العاصمة الإيديولوجية للثورة الإسلامية قد أسهمت في جعلها مركز انتقال العدوى إلى سائر المناطق الإيرانية ودول أخرى، نتيجة ضخامة أعداد الوافدين إليها، حيث أعلنت السلطات العراقية في مدينة النجف جنوبي بغداد، عن أول إصابة بفيروس كورونا المستجد، في فبراير 2020، لمواطن إيراني دخل إلى البلاد، قبل قرار منع دخول الإيرانيين[27]. وقد اتهم أحمد أميريبادي فرحاني، النائب من مدينة قم الإيرانية، السلطات بالتأخر في إعلان الإصابات، واصفًا الوضع في قم بـ”السيء”، لاسيما أن بعض المتخصصين في الرعاية الصحية غادروا المدينة[28].

أيضَا تدهورت الأحوال بمدينة مشهد التي يتواجد فيها ضريح الإمام علي بن موسى الرضا ثامن الأئمة الإثنا عشرية، ويعتبر الضريح جزءًا أساسيًا من المعتقدات الشيعية المحافظة التي تنظر له على أنه “بيت للشفاء”. كذلك فقد انتشر تصريح لخادم ضريح “حضرة السيدة معصومة” آية الله محمد سعيدي عندما بدأت أخبار تتناقل عن إغلاق الضريح، يقول فيها إن زيارة المرقد تساعد “الناس على الشفاء من العلل”؛ ومن ثم استمر التوافد على هذه المزارات بما عزز فرص العدوى[29].

كما دفع سكّان جيلان ثمنًا باهظًا لمكانة الإقليم كمزار سياحي، حيث انتهز آلاف الإيرانيين فرصة إغلاق المدارس للذهاب إلى جيلان، جالبين معهم الفيروس؛ ذلك حتى إن حاكم الإقليم والممثّلين عنه في البرلمان الإيراني ناشدوا الناس عبر التلفزيون الوطني بالتوقف عن المجيء إلى الإقليم، مطالبين الحكومة بفرض حظر تجوّل لاحتواء الخطر، لكن كل شيء قد تأخر[30].

وحتى منتصف يوليو كان تصنيف المحافظات الإيرانية كالآتي: 25 محافظة كانت في حالة حمراء وتحذيرية، وهناك 187 مدينة حمراء و91 مدينة برتقالية و110 مدن صفراء و59 مدينة بيضاء، ومدينة واحدة خضراء[31].

على المستوى النوعي (الخاص ببعض الفئات التي أثارت جدلا بشأن أوضاعها الصحية)، فالنسبة إلى الأطفال، يُصر مسؤولو وزارة الصحة الإيرانية على رفض الإعلان عن إحصاءات الأطفال المصابين بكورونا في البلاد علمًا أنه توفي عدد من الأطفال في إيران جراء إصابتهم بالفيروس. وحتى حين أعلن المساعد العلاجي في وزارة الصحة، قاسم جان بابائي، في يوليو 2020 أنه بسبب إهمال الأسر وانخفاض حساسيتهم إزاء الفيروس ارتفعت نسبة الإصابة بين الأطفال مقارنة بشهر مارس 2020، رفض بابائي الإعلان عن أعداد الأطفال المصابين بفيروس كورونا[32].

رغم ذلك أعلنت العلاقات العامة التابعة لجامعة بابل للعلوم الطبية، في 23 يوليو 2020 أن 136 طفلًا يرقدون في مستشفى “أمير كلا” منذ فبراير حتى يوليو 2020، ظهرت عليهم أعراض كورونا[33]. في ذلك التوقيت أيضَا أعلن رئيس جامعة ”جندي شابور“ للعلوم الطبية بمدينة الأهواز أنه قد أصيب ما يقارب 100 طفل في خوزستان بفيروس كورونا[34].

وكانت أوضاع السجناء محل اهتمام في الداخل والخارج، ويشار إلى أنه بعد اختبار كورونا على السجناء في جناح في سجن أصفهان بسجن دستكرد، كانت نتيجة 60 من كل 100 سجين إيجابية[35]. وقد قام النظام بالإفراج عن 85 ألف سجينٍ بصورةٍ مؤقتة خشية انتشار «كورونا»، حيث كان المقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في إيران قد صرح في 10 مارس 2020 أنه طلب من طهران الإفراج مؤقتًا عن جميع السجناء السياسيّين[36].

ومما تجدر الإشارة إليه أن الفيروس قد أصاب وراح ضحيته بعضٌ من النُّخب في مؤسَّسات الدولة وهياكل السلطة المختلفة؛ بما أعطى مؤشرًا على حجم الانتشار الواسع للوباء؛ ومن ثم أثرُ ذلك على سير العمل داخل أجهزة الدولة ومؤسَّساتها؛ إذ أدى تفشِّي كورونا إلى تعليق جلسات البرلمان من 25 فبراير 2020 حتى 7 أبريل 2020، وذلك بعد أنْ أُصيب العديد من أعضائه وعلى رأسهم رئيس البرلمان علي لاريجاني الذي لم يحضر أول جلسةٍ بعد العودة للانعقاد؛ بسبب إصابته، وكذلك أُصيب عددٌ من قيادات الحرس الثوري، وأعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس صيانة الدستور، ووصل الفيروس إلى بيت المرشد نفسه[37]. كما أُعلن عن دخول المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، المستشفى بسبب إصابته بفيروس كورونا[38].

وما كان لافتًا للانتباه أنه جرى نقل بعض المسؤولين إلى لبنان لتتم معالجتهم كمؤشر على الضغط الذي تعاني منه المستشفيات الإيرانية[39].

وبشأن التوقعات المستقبلية من قبل المسئولين الإيرانيين، أعلن مساعد وزیر الصحة الإیراني، إیرج حریرجي: لدينا 380 ألف حالة وفاة في السنة، 20 في المائة منها ستكون بسبب اﻹصابة بفيروس کورونا، أي نحو 36 ألف حالة وفاة، وهو أكثر من حصيلة زلزال عام 2003. ذلك خاصة أن مساعد وزير الصحة الإيراني لا يتوقع الحصول على لقاح حتى العام المقبل”[40].

ثانيًا- ملامح السياسات الإيرانية لإدارة الأزمة:

بالنظر لتجارب الحكومة الإيرانية السابقة في مكافحتها للفيروسات العالمية، يلاحظ عدم كفاية الإجراءات والاكتفاء بخطوات بسيطة لوضع استراتيجات الوقاية والرعاية، وهو ما حدث على سبيل المثال في مكافحة الحكومة لانتشار فيروس الإيدز بين المواطنين في أوائل العقد الأول للقرن الجاري[41].

لم يختلف الأمر كثيرًا في حالة كورونا، ففي بداية ظهور الوباء في البلاد، كان اتباع سياسة تعتيم، بدلا من مكاشفة الشعب بحقيقة الأرقام ومناطق الانتشار، ليأخذ حذره في إطار الإجراءات المرجوة[42]. وبدا التسطيح والاستهتار والتسييس في الآن ذاته من أبرز معالم سياسات إدارة الأزمة في إيران، ما اتضح من العديد من البيانات والتصريحات، وانعكس كذلك في بطء وعدم كفاية الإجراءات.

ويمكن رصد أهم ملامح السياسات الإيرانية  في مواجهة كورونا فيما يلي:

التعتيم وغياب الشفافية: افتقار إيران للشفافية فيما يتعلق بكورونا ليس بسلوك جديد من قبلها على الإطلاق بشأن القضايا الصحية. على سبيل المثال، عندما أصدرت السلطات إعلانات متناقضة في العام الماضي حول ارتفاع معدل الإصابة بالإيدز بشكل غير عادي في محافظة تشهار محال ڤبختياري، ثم الاحتجاجات التي اندلعت عندما رفض النظام تحمل مسؤولية ممارسة تجري في مركز طبي محلي تقضي باستخدام حقن ملوثة بفيروس الإيدز، وبدلا من ذلك ألقى النظام اللوم على الإعلام الأجنبي والمعارضين السياسيين المحليين، وفي 19 أكتوبر 2019، أصرّ وزير الصحة سعيد نمكي على أن الأمر مصنف “سريًّا”[43].

النهج نفسه ظهر في ظل أزمة كورونا، حيث نجد أنه في بداية الأمر اعتقلت الشرطة الإيرانية 24 شخصًا متهمين بنشر شائعات حول فيروس كورونا على الإنترنت. وقال قائد شرطة الإنترنت الإيرانية، وحيد ماجد إن 118 شخصا آخرين من مستخدمي الإنترنت “خضعوا للتحقيق ثم أطلق سراحهم”[44].

كما أن هناك شكوكا أثيرت حول شفافية الإحصاءات التي تقدمها وزارة الصحة الإيرانية فبما يتعلق بأوضاع كورونا في البلاد. فقد صرح مدير طوارئ الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية أن التقديرات العلمية تبين أن أهم نقاط الضعف في البرنامج الإيراني لمكافحة فيروس كورونا تتمثل في ضعف المعلومات عن المصابين مبينًا أن الأرقام الواقعية للمصابين يمكن أن تبلغ خمسة أضعاف ما تنشره المصادر الحكومية[45]، بينما أعلن مركز أبحاث البرلمان الإيراني أن كورونا حصد أرواح ضعفي الإحصاءات الرسمية على الأقل[46]. كما أشار نائب رئيس البرلمان الإيراني ووزير الصحة في حكومة خاتمي، مسعود بزشكيان، أن أرقام الحكومة عن المصابين لا يمكن أن تكون واقعية، وأن المستشفيات ممتلئة بالمصابين، أيضًا أشار ممثل مدينة قُم في البرلمان أن عدد الضحايا في مدينة قم نفسها يبلغ خمسة أضعاف العدد الذي تعلن عنه الحكومة[47].

ومن مؤشرات عدم الشفافية كذلك ما يتصل بأسباب الوفاة، خاصة بعدما تبيَّن أنَّ الحرس الثوري يلعب دورًا في إصدار شهادات الوفاة، وظهر أنَّ بعض هذه الشهادات لا يُدوّن بها أنَّ سبب الوفاة هو الإصابة بـ«كورونا»، ولكنْ تُسجل على أنّها وفاةٌ نتيجة اختناقٍ في الجهاز التنفسيّ، فيما يبدو أنه محاولة لإخفاء حجم الكارثة[48]. علمًا أن البرلمان الإيراني استجوب مرارا مسؤولين في الحكومة بشأن هذا الأمر، وقالوا إن أعداد الوفيات والإصابات بفيروس كورونا أعلى بكثير مما هو معلن[49].

الاستهتار والتأخر في اتخاذ الإجراءات: بداية الأمر نصحت السلطات المواطنين بتجنب التجمعات غير الضرورية[50]. غير أنه لم يتم إصدار أي تشريع قانوني يلزم السكان بتطبيق نصائح السلامة الصحية؛ لعدم وجود وضع مستقر سياسيًا واقتصاديًا ترى الحكومة أنه يسمح لها بإدخال البلاد في حالة حظر شامل، كما سبقت الإشارة[51].

وانتظرت السّلطات حتى انتهاء الانتخابات (رغم وجود حالات وفاة) لتُعلن في 22 فبراير 2020 عن أول إجراءاتها؛ وهي إغلاق المدارس والجامعات بصورةٍ مؤقّتة لمدة أسبوع، وقد منعت الشرطة في طهران مقاهي “الشيشة” في جميع أنحاء المدينة كإجراء احترازي. وأُلغيت المباريات الرياضية والمعارض وعروض دور السينما، ثُم انتظرت خمسة أيام أخرى لتعليق صلاة الجمعة في 28 فبراير 2020[52].

ذلك التهاون الذي دفع بدول الجوار إلى إجراءات حازمة تمثلت بإغلاق الحدود مع إيران ووقف الرحلات الجوية منها وإليها. وأعلنت أفغانستان وباكستان وكردستان وتركيا وأرمينيا والعراق والكويت والإمارات والسعودية وعمان، غلق المعابر الحدودية مع إيران، لمنع تسلل الفيروس الخطير إلى أراضيها[53].

من ثم لم يكن ما سبق الإشارة إليه من تعتيم وتأخر أمر غير مقصود، وإنما هو إهمال ممنهج (لصالح فئات معينة ودوافع قاصرة) يتضح في مستوى آخر من السمات والملامح:

التسييس (لأهداف داخلية وخارجية): يلجأ المرشد الأعلى علي خامنئي ودائرته المقربة بشكل متكرر إلى الاستغلال الإيديولوجي لمختلف الأزمات التي تعصف بإيران. وكان الرد الأولي لخامنئي في 23 فبراير 2020 هو وصف “هذا المرض الجديد” بأنه “ذريعة”  العدو لثني الإيرانيين عن التصويت في الانتخابات البرلمانية؛ الأمر الذي منحه عذراً جاهزاً عندما تحققت في الواقع مخاوفه إزاء انخفاض الإقبال على التصويت. وأعقب هذا الادعاء تحذيرٌ من الرئيس حسن روحاني من أن الفيروس أصبح “سلاح العدو” لإغلاق البلاد على نحو ما أُشير[54]. وفي خطبته يوم 22 مارس 2020 بمناسبة “عيد النوروز”، وهو عيد استقبال اليوم الأول من العام الفارسي الجديد، تحدث خامنئي عن “تعاون أعداء من الإنس والجن ضد بلاده”، وهي التصريحات التي أثارت جدلا شديداً في إيران[55].

فيما قال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشة، إن تفشي فيروس كورونا في الصين وإيران ناتج عن هجوم بيولوجي إرهابي[56]. كما اعتبر قائد الحرس الثّوري حسين سلامي، أن هذا الهجوم المزعوم شنته الولايات المتحدة، وعلى نحو يعكس فداحة التسييس في قضايا لا تحتمل، نجد أنَّ وزير الصحة أفاد أنه نبّه إلى وجود الفيروس في إيران قبل الإعلان عنه بشهرين؛ وهو الأمر الذي يعني عدم وجود تنسيقٍ بين مؤسَّسات الدولة في التعاطي مع الأزمة، أو لنقل ضيع النظام الإيراني المسئولية متعمدًا[57].

سيطرة رجال الدين: فبدلا من أن يقوم رجال الدين الإيرانيون بدورٍ توعوي توجيهي يمتثل لمقاصد الشريعة الإسلامية وعلى رأسها حفظ النفس، نجد الأمر هنا على النقيض تمامًا، حيث آثروا مصالحهم المادية ومكانتهم الروحانية. فقد عارض كل من المرشد الأعلى علي خامنئي والمؤسسة الدينية التي يديرها التوصيات الطبية التي قدمتها وزارة الصحة، بما فيها دعوات لإقامة محاجر صحية في قم. وكان تبرير ذلك بالإشادة بالمناعة الإلهية للمدينة، وقد وصل الأمر إلى حدّ تشجيع الناس على زيارة حرم فاطمة المعصومة المحلي والصلاة لشفاء المرضى بأعجوبة- كما سلف الذكر. وعندما أصرّ مسؤولو الصحة على فرض حجر صحي على الحرم نفسه، انضم محمد سعيدي -متولي عتبة السيدة فاطمة وأبرز ممثل ديني لخامنئي في قم- إلى السلطات الدينية الأخرى في رفض القرار، ما أدى إلى تأخير كبير في تطبيق التدابير الوقائية الضرورية للغاية.

جاءت تلك الدعاوى غير المسئولة في عباءة دينية سياسية، فكما ذكر سعيدي في خطاب ألقاه في 22 فبراير، “لا أحد يسمح للعدو بتصوير قم على أنها مدينة غير آمنة؛ هزيمة قم هي حلم ترامب الخائن ومرتزقته المحليين… ترامب يريد أن يجعل من فيروس كورونا ذريعة لضرب مكانة قم الثقافية”[58]. كما رفض حسين طائب، رئيس استخبارات الحرس الثوري الإيراني، الحجر الصحي في قم كمركز لتفشي كورونا إلى إيران، رغم ما يعنيه ذلك من التضحية بعدد كبير من الناس[59].

ولا شك في وجود أصوات عارضت هذه التوجهات المميتة للشعب الإيراني، فكما ذكر فقد اتهم أحمد أميريبادي فرحاني، نائب مدينة قم الإيرانية، السلطات بالتأخر في إعلان الإصابات. علمًا أن وزير الصحة الإيراني دعا سكان مدينة قم إلى عدم مغادرتها، وسكان باقي المناطق الإيرانية إلى عدم زيارة المدينة[60].

حاولت الحكومة تدارك أخطائها في التعامل مع الأزمة، فقررت لجنة إدارة الأزمة اتّخاذ عددٍ من القرارات والإجراءات؛ ومنها إغلاق المراكز الدينيَّة في 15 مارس 2020 رغم ضغوط رجال الدين، وحظر السفر بين المدن في 26 مارس 2020 وغيرها من الإجراءات الاحترازيَّة[61].

ومن بين المزارات التي أُغلقت ضريح الإمام الرضا في مدينة مشهد شمال شرق البلاد وضريح فاطمة بنت موسى في مدينة قم بجنوب طهران، للسيطرة على انتشار كورونا. لكن مع الأسف، لم يتفق بعض من الإيرانيين مع هذا القرار، حيث تجمع حشد من المحتجين الغاضبين أمام الضريحين محاولين كسر الأبواب للدخول. إلا أن هذه التصرفات ممن اعتبرهم البعض “متشددين” لاقت رفضاً واسعاً سواء على المستويين الرسمي والشعبي. ووصف عضو البرلمان ورجل الدين الإيراني “أحمد مازني“ الذي يحسب في صفوف المعتدلين، هذه الأفعال بـ”الجهل المقدس”[62].

رغم ذلك، ورعم تدهور الأوضاع خلال أشهر مضت، وعقب رسالة من محمد رضا ظفرقندي، المدير العام لمنظمة النظام الطبي الإيرانية، قد حذر  في رسالة إلى روحاني، من إعادة فتح الأماكن “غير الضرورية والتي لا يمكن السيطرة عليها” مثل المواقع الدينية والتعليمية[63]، لا يجد روحاني حرجًا أنه في الوقت الذي يصرح إنَّ سبب تفشي الموجة الثانية في البلاد “ليس النشاطات الاقتصادية والاجتماعية؛ بل سبب ذلك إقامة التجمعات والزيارات الأسرية ومراسم الزفاف والعزاء، يؤكد روحاني أن إقامة مراسم عزاء شهر محرم الحرام هي “حاجة معنوية لا يمكن إنكارها، وضرورة مؤكدة وقطعية[64].

ولا مانع مرة أخرى من التسييس على حساب أرواح الشعب الإيراني؛ إذ يبرر روحاني رؤيته قائلا إن مقاومة إيران للولايات المتحدة والعقوبات، ترجع إلى “ثقافة عاشوراء”[65]!

تمكين الحرس الثوري بدورٍ جديد: كالعادة لابد أن يحضر الحرس الثوري في مختلف المشاهد الإيرانية، فبعدما تفاقم الوضع كان إدخال الحرس الثوري الإيراني كفاعل أساسي في إجراءات مواجهة الأزمة، في محاولة لتبرير القول بأن ما تتعرض له إيران هجوم بيولوجي من الأعداء، (وإن كان حضور المؤسسات العسكرية لمواجهة الجائحة لم يكن حالة إيرانية فريدة بين دول العالم، مع اختلاف السياقات والدوافع).

وقد تشكلت لجنةٌ لإدارة الأزمة بقيادة رئيس القيادة العامّة للقوات المسلحة الإيرانية محمد باقري، ولتأكيد دوره قام الحرس الثوريّ ببناء مستشفياتٍ مجهزةٍ وميدانيَّة، كما قامت قوات تعبئة المستضعفين «الباسيج» بدورٍ مُماثل، من خلال مشاركة أكثر من 600 ألفٍ من عناصره في جميع أنحاء البلاد لدعم الأجهزة المختلفة، وتقديم الدّعم للجهات الفاعلة في الأزمة وفي توفير وتوزيع آلافٍ من حزم المساعدات إلى المناطق المحرومة بمساعدة المتبرعين، ويبدو أنَّ الحرس الثوريّ قد تقبل دور الباسيج؛ خشية التعرض لهجومٍ وانتقاداتٍ هو في غنى عنها[66].

ويشار إلى أنه قد حدثت بعض الخلافات بين الحرس الثوري والحكومة، تكشف غياب التنسيق والتسييس وتدني الشعور بالمسئولية لدى الجانبين من حين لآخر. فمثلًا بينما أعلن باقري في 13 مارس 2020 عن خُطته التي تقوم على إخلاء الشوارع والأسواق والمراكز التجاريَّة في المدن خلال الـ 24 ساعة التالية لمواجهة انتشار كورونا، أعلن روحاني في 16 مارس 2020 أنه «لن يتمّ تطبيق أيّ حجرٍ صحِّي لا اليوم ولا في أيام أعياد النوروز؛ وبالتالي لم يتمّ تفعيل ما قاله باقري؛ ومن ثم لم تكن هناك أية تدابير جديَّة على الأرض لمكافحة الفيروس، رغم أنَّ الأوضاع كانت تُنذر بأن الأزمة شديدة الخطورة[67].

في المقابل عندما تدافعت الحشود حول نعش قائد الحرس الثوري الإيراني حسين أسد اللهي، الذي توفي في 21 مارس 2020، وجّهت وزارة الصحة انتقادًا مبطنًا عبر تويتر لمنظمي الجنازة؛ أي الحرس الثوري الإيراني الذي رفض ذلك بشدة[68].

ويمكن القول إن الحرس الثوري استغل أزمة كورونا لتقديم نفسه، باعتباره الطرف الأكثر فعّالية في مواجهة الوباء، ولرفع رصيده بين المواطنين، لا سيما أنه منذ بداية العام ضعفت صورته داخليًا وخارجيًا على خلفية أزمة إسقاط الطائرة الأوكرانية، ومن قبلها قتل واعتقال المتظاهرين في التظاهرات. والأهم أن مواجهة أزمة كورونا بالاعتماد على الحرس الثوري والباسيج تصبّ في صالح الحرس الثوري ذي العلاقة الوثيقة بالتيار المتشدد ومن ثم تسهم في خفض رصيد حسن روحاني[69].

تغليب المخاوف الاقتصادية: حيث كانت الأوضاع الاقتصادية السيئة (على النحو السابق الإشارة إليه) سببًا في محاولة المسئولين الإيرانيين التخفيف من حقيقة الوضع الصحي المتدهور في بداية الأمر، حيث في فبراير 2020 يقول روحاني إنه ليس هناك خطط لفرض حجر صحي على مدن وبلدات بأكملها، أيضًا دعا إلى ضرورة عدم تحول الفيروس إلى “سلاح في يد العدو”، يمنع العمل والإنتاج في إيران[70].

ثم مع فرض الإجراءات كان الاقتصاد أيضًا دافعًا إلى التسرع في تخفيفها عقب ذلك[71]. ففي أبريل 2020، أعلن الرئيس الإيراني استئنافا “تدريجيا” للأنشطة الاقتصادية لدى “الشركات التي لا تمثل خطورة كبرى لتفشي الفيروس”، مع التقيّد بتعليمات الحكومة على الصعيد الصحي.. حيث تقرر إعادة الفتح اعتبارًا من 18 أبريل، و«أُعيد فتح العديد من المكاتب الحكوميَّة بثلث موظفيها»[72].

لكن -وعلى الرغم من استثناء العاصمة الإيرانية من القرار- شهدت طرق طهران وشوارعها زيادة ملحوظة في حركة السير[73]. ومن ثم عاد الإيرانيون إلى المتاجر والأسواق والحدائق خلال الأسبوع الأخير من أبريل[74]. وفي هذا الإطار أعطى روحاني توجيهاته لوزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي “باتخاذ كافة التدابير حول تنفيذ كامل البروتوكولات الصحية والوقائية ضد فيروس كورونا على صعيد النقل العامل داخل المدن”[75].

أيضًا صرح المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي في هذا الشأن: “علينا تحقيق قفزة في توليد الرصيد الاجتماعي. ففي حال تعزيز الثقة بين المواطنين والدولة، وإيجاد التوازن بين الصحة والاقتصاد، سيكون بامكان إيران ان تقدم نموذجا جيدا للعالم”[76].

لكن الواقع أن المجتمعات الفقيرة تفتقد لميزة الاختيار كما أنها بعيدة عن تلك التصورات النظرية، ويوضح ذلك مقارنة سريعة للتوزيع السكاني بطهران، حيث ظهور المناطق الشمالية الأكثر ثراء في العاصمة كأنها “مدينة أشباح” لعدم خروج السكان من منازلهم، بينما لا يزال الباعة الجائلون والعمال يجوبون الشوارع في المناطق الجنوبية الأكثر فقرًا للبحث عن لقمة العيش[77]. ووفقًا لجامعة الأهواز للعلوم الطبية، فإن حوالي 30 بالمائة من المصابين بفيروس كورونا قد كسروا الحجر الصحي المنزلي ما أدى إلى الضرر الذي لحق بالآخرين. كما صرح رئيس جامعة ”جندي شابور“ للعلوم الطبية بمدينة الأهواز أيضًا أنه وفقًا لإحصاءات حالات الإصابة بفيروس كورونا، من بين كل 400 حالة ممن كسروا الحجر الصحي المنزلي، قال حوالي (9 في المائة) إنهم أجبروا على الخروج من الحجر الصحي لأسباب مختلفة، بما في ذلك الحاجة لكسب العيش والعمل القسري والسكن[78].

ونتاج ما آلت به تلك الأوضاع من استمرار التفشي، نجد أنه في 8 يوليو 2020 دعا علي رضا زالي، رئيس لجنة مكافحة کورونا في طهران، إلى تشديد القيود وتعليق جميع الامتحانات ومنع جميع التجمعات في العاصمة، قائلا إنه إذا لم تؤد هذه القيود إلى احتواء كورونا في العاصمة، فإن اقتراحنا سيكون الحجر الصحي الكامل على طهران، إلا أن وزير الصحة سعيد نمكي، ردًا على هذا الطلب، صرح: “نحن في وضع لا يمكن فيه إبقاء الناس في المنزل من خلال الشعارات، ولا يمكن إجبار رجال الأعمال على الإغلاق .. نحتاج للبحث عن حل جديد وبطريقة أكثر فنية، نريد إقناع الناس باتباع بعض الأطر”[79].

ولا يمكن إغفال أنه -رغم الأوضاع الاقتصادية السيئة- أقرت الحكومة حزمةً من القرارات والإجراءات لمعالجة تدهور الأوضاع ولتقديم المساعدات العاجلة للمتضررين (وإن كانت بمثابة إسعافات أولية لها بدورها تداعياتها على الاقتصاد الإيراني كما سنتناول لاحقًا):

– فقد أعلن معاون وزير الاقتصاد ورئيس منظمة الاستثمار والمساعدات الاقتصاديَّة والفنيَّة الإيراني عن الاستعداد لتقبّل مساعدات بنوك التنمية. كما قدم محافظ البنك المركزي الإيراني، عبد الناصر همتي، طلبًا رسميًا إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة (5) مليارات دولار لـ”تمويل الطوارئ للمساعدة في مكافحة فيروس كورونا”[80]. وقد أكد روحاني أنه اعتبارًا من أن بلده عضو بالصندوق، فإنه من المفترض عدم التمييز بينها وبين الدول الأخرى. لكن الصندوق قد وافق على مساعدة الدول الأخرى دون إيران، إثر ذلك اتهمت طهران الولايات المتحدة أنها كانت وراء عرقلة الموافقة، واتهمتها بممارسة “الإرهاب الطبي” على هذا النحو[81].

  • خصصت الحكومة الإيرانية نحو 20% من موازنة العام الجاري والبالغة نحو 36.6 مليار دولار لمواجهة تبعات الفيروس[82].
  • كما طلب روحاني من المرشد سحب مليار دولارٍ من الصندوق الوطنيّ للتنمية؛ وذلك لتوفير الاحتياجات الضروريَّة للبلاد؛ وهو الطلب الذي وافق عليه خامنئي بعد انتقاداتٍ تعرّض لها؛ سواءً في الداخل أو مِن قِبَل الخارجيَّة الأمريكية، وإن كان الأمر قد تأخر بعض الشيء[83].
  • كذلك أعلن عن إطلاق صندوق جديد لجمع التبرعات لمساعدة المتضررين من فيروس كورونا في البلاد. ويتضمن الموقع المخصص للتبرعات خانة تحت اسم “الصناديق الدينية”؛ وهي خانة مخصصة للأشخاص الذين يريدون “التكفير عن ذنوبهم”[84].
  • قررت الحكومة منح قرضٍ ائتمانيٍّ للشراء يبلغ مليون تومان لـ 23 مليون عائلةٍ من مستحقيّ الدعم وبفائدةٍ تبلغ 12% يتم تقسيط سدادها على 24 شهرًا وبمهلة أربعة أشهر، بالإضافة إلى إجراءاتٍ بتأخير سداد القروض البنكيَّة، ومنح مهلةٍ للعقوبات البنكيَّة لأصحاب الورش ومساعدة الأُسر والشرائح المتضررة.
  • قامت الحكومة بتوفير قروضٍ ميسّرة لمساعدة الشركات على عدم وقف أنشطتها، بما يضر بمصالح العمال والموظفين بها؛ حيث أعلن البنك المركزيّ عن تقديم 75 ألف مليار تومان؛ لتوفير تسهيلاتٍ للشركات بشرط أنْ تحتفظ هذه الشركات بعمالها[85].
  • أعلن روحاني في 22 يوليو 2020 إن المستأجرين في طهران يمكنهم الحصول على قرض ودیعة الإیجار (الرهن العقاري) بقيمة 50 مليون تومان. ويعتبر روحاني أن القرض بمثابة مساعدة جيدة للأشخاص الذين يتعرضون لضغوط في ظروف كورونا[86].

*** لا شك أن نتاج ما سبق تناوله من عدم كفاية التدابير جراء غلبة اعتبارات سياسية وأيديولوجية وأزمات اقتصادية، إنما أفرز إشكاليات مع القطاع الصحي، على نحو جعل من غياب التنسيق أخطر ملامح سياسات إدارة هذه الأزمة الصحية: هناك مشاهد عدة تعكس غياب التنسيق الكافي مع القطاع الطبي من قبل رءوس النظام الإيراني، أو بمعنى أدق وضع الاعتبارات الصحية أدنى سلم الأولويات.. على سبيل المثال، في يوليو 2020 أدلى روحاني، بتصريحات حول إصابة 25 مليون مواطن بفيروس كورونا المستجد، وما دار بشأن لجوء إيران المحتمل إلى انتهاج سياسة “مناعة القطيع”؛ وردًا على هذه التصريحات، رفض مساعد وزير الصحة والعلاج والتعليم الطبي الايراني، علي رضا رئيسي، هذه التصريحات قائلا إنها غير صحيحة علميًا، مؤكدا أن “الدول التي تبنت هذه السياسة في بداية تفشي المرض، ندمت”. وشدد على أن “المناعة لا تتحقق إلا باللقاح، وعلى هذا الأساس فإن الطريق الوحيد هو مراعاة البروتوكولات الصحية حتى توفير اللقاح للجميع”[87].

أيضًا فإن الكثير من العاملين في القطاع الطبي رفضوا علناً أمر روحاني، باستئناف الأنشطة “منخفضة المخاطر”؛ حيث بعث عدد من الأطباء الإيرانيين رسالة إلى وزير الصحة، سعيد نمكي، طالبوه فيها باتباع نهج “شفاف” تجاه أزمة كورونا، ومواجهة الخرافات، والإصرار على تنفيذ آراء “الخبراء”، ووضع نظام رعاية صحية متكامل على جدول أعماله[88]. وجاء في هذه الرسالة: “إذا كان من الضروري عزل مدينة ما، أو تمديد خطة التباعد الاجتماعي، لفترة أخرى، أو إنفاق موارد البلاد من أجل الحفاظ على صحة المواطنين من ذوي الدخل المنخفض، أو تخصيص موارد البلاد لإبقاء الفئات قليلة الدخل في المنازل؛ فإننا نحثك على عدم التراجع، والدفاع عن رأيك الموضوعي، ضد مصالح الأقلية القوية صاحبة السلطة”.

كما دعا كاتبو الرسالة إلى “شفافية” وزارة الصحة والمركز الوطني لمكافحة كورونا، قائلين: “إنّ عرض الإحصائيات والبيانات في جلسة مغلقة للبرلمان لن تكون له أي جدوى”. ومن بين المطالب الأخرى في الرسالة: “تأمين الأطباء الشباب، وطرد شركات المقاولات من المستشفيات، وتوقيع عقد مباشر بين وزارة الصحة والطواقم الطبية”.

أيضًا دعت الرسالة نمكي إلى “مواجهة الاحتكار والغلاء والفساد وتزوير الأدوية والتقليل من جودتها على الصعيد الوطني، وتأميم التجارة الداخلية والخارجية للأدوية والمستلزمات الطبية”. ومن مظاهر الفساد في قطاع الصحة التي كانت محل انتقاد: استيراد أدوات الكشف عن كورونا من كوريا الجنوبية، والاستعانة بشركات تطوير الخدمات المصرفية، التي لا علاقة لها بتوريد المعدات الطبية، والمقربة من مسؤولين في وزارة الصحة والحرس الثوري ومؤسستين أُخريين تحت إشراف المرشد الإيراني علي خامنئي[89].

ذلك في الوقت الذي ظل الإيرانيون يصطفون أمام الصيدليات لشراء الأقنعة الطبية وكذلك المواد المعقمة. ورغم نفي الولايات المتحدة أن عقوباتها تقيد قدرة إيران على استيراد اللوازم الطبية، موضحة أن البضائع الإنسانية معفية من العقوبات. لكن إيران تقول إن الشركات تجد صعوبة في تحويل المبالغ المالية عن طريق البنوك التي لا ترغب في المخاطرة بانتهاك القواعد الأمريكية وفرض عقوبات عليها.

وبشكل عام فقد ارتفعت أسعار هذه المنتجات إلى عشرة أضعاف في الأماكن المتوفرة فيها؛ وهو ما تم إرجاعه إلى التبرع بها للصين؛ حيث أُعلن عن تبرع إيران بثلاثة ملايين قناع للوجه للصين حليفتها. كما أن الشركات الصينية قد اشترت كميات ضخمة من الأقنعة من إيران ما تسبب في نقص في السوق المحلية. وقد استمرت الانتقادات حتى أعلنت الحكومة الإيرانية أنها حظرت تصدير أقنعة الوجه لمدة ثلاثة أشهر وأمرت المصانع بزيادة الإنتاج[90].

فهل إيران ما قبل كورونا ستكون هي ذاتها إيران ما بعد كورونا؟! في الجزء التالي سنتطرق إلى التداعيات الكائنة والمحتملة.

ثالثًا- تداعيات الأزمة:

كشف فيروس كورونا الكثير من مواطن الضعف الحكومية في إيران، والسياسات غير الرشيدة التي تمارسها منذ أعوام طويلة بحق الشعب الإيراني، ما انعكس في التصريحات المتضاربة حول جاهزية الدولة الطبية، وقدرتها على مكافحة الجائحة، وإحصائيات المصابين والوفيات التي تتناقض مع ما يذهب اليه خبراء ومختصون ومسؤولون في وزارة الصحة، وتوظيف الأزمة أيديولوجيًا داخليًا وخارجيًا[91].

من ثم إن تداعيات وباء كورونا في إيران ربما تكون بعيدة المدى، حتى مابعد انتهاء الفيروس، وذلك سواء على المستويات الداخلية أو الخارجية، سياسيًا أو اقتصاديًا:

أ) التداعيات الداخلية:

  • التداعيات السياسيَة:

فقد زادت أزمة كورونا من حالة الارتباك الداخليّ بين الجهات المعنية، وظهر تخبُّطٌ في التعامل مع الأزمة منذ بدايتها على نحو ما سبق تناوله، وتبادل المسؤولون الاتهامات بمحاولة توظيفها[92]. على سبيل المثال كتب النائب عن طهران محمود صادقي على تويتر “أظهر فحص الكورونا الذي أجريته نتيجة إيجابية… أملي بمواصلة العيش في هذا العالم ليس كبيرًا”. ثمّ ناشد رئيس السلطة القضائية الإيرانية إطلاق سراح المعتقلين المتّهمين بارتكاب جرائم سياسيّة لتفادي فرص التقاطهم العدوى والسماح لهم بالعودة إلى حضن عائلاتهم في هذه المدة المقلقة للغاية [93].

كما استمرت الخلافات بين الحكومة ومؤسسات أخرى في قضية المساعدات الدولية؛ ففي حين قامت مؤسسات ثورية بطرد الفريق الطبّيّ التابع لمنظمة الصحة العالمية، ورفض المرشد الأعلى للثورة المساعدات الغربية من منطلق احتمال كونها خطوة ضمن مؤامرة دولية، فإن الرئيس الإيراني أعلن أن سياسة الحكومة الإيرانية تتبنّى قبول المساعدات من كل الجهات التي تريد مساعدة إيران[94]؛ ذلك بما يعني تخطّي الوباء عتبة الأزمة الصحية الخطيرة ليتحوّل إلى أزمة سياسية تمس شرعية النظام وبنيته.

على جانب آخر فإن “الحرس الثوري” الذي يشرف على أغلب جبهات مواجهة فيروس كورونا وبناء المنشآت الصحية في البلاد، سيزداد قوة على قوة، ما يزيد المخاوف من أن تتحول إيران رويدًا من دولة دينية في ثوب جمهوري إلى ديكتاتورية عسكرية شاملة.

على الجانب الآخر، سيكون المهنيون موضع اهتمام، أو من المفترض كذلك، فهم اليوم في الجبهات الأمامية لاحتواء فيروس كورونا. ومع أنَّ الأمر لم ينتهِ بعدُ، فقد كان أداء الأجيال الأصغر سِنًّا من المهنيين في القطاع الصحّي محل إعجاب في علاج الناس في المستشفيات كافّة وتحت ظروف بالغة الصّعوبة؛ وبالتالي ما إن تنتهي هذه الأزمة، سيكون النظام الإيراني أمام خيارين؛ إما إدراك ذاتي لأهمية هذه الفئة والالتفات إلى مطالبها ومنحها مجالاً أكبر المشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبلاد، أو التعرض لتحديات أخرى مستقبلية.

وفي الحالة الأولى سيكون على تيار المحافظين الذي يُهيمن على البرلمان الإيراني الجديد، والذي يسعى للفوز بالانتخابات الرئاسية 2021، التعامل مع هذا الأمر، خاصة أنه على مدار السنوات، وفي انتخابات عدّة، كانت طبقة المهنيين التي تُشكِّل نواة الطبقة الوسطى في البلاد تُصوِّت لرؤية مختلفة. أما في حال غاب هذا الإدراك، فربما يكون المزيد من هؤلاء درجة جديدة في سلم المعارضة للنظام الإيراني، وهذا ما تنبئ به الرسالة السابق تناولها [95]. أما شكل هذا الاهتمام المرجوّ خاصة بمهنيي القطاع الصحي، فيتراوح بين المكانة المعنوية، والمشاركة في صنع القرار.

وبشأن مكانة المؤسسات الدينية، فبلا شك ستتسبب الأزمة الحالية في إعادة طرح سؤال العلاقة بين الدين والسياسة في إيران؛ ذلك ليس لأسباب تتعلق في المقام الأول بقيم الحرية والديمقراطية ورفض الثيوقراطية، وإنما الأمر يرجع في المقام الأول لما تسبّب فيه قسمٌ غير قليل من رجال الدين في فقدان العديد من المواطنين لحياتهم، جراء تكبُّر سياسي وحسابات ضيقة أخرت من الإجراءات اللازمة لمواجهة فيروس كورونا، فمن المؤكد أن تؤدي هذه التطورات إلى توسيع الفجوة الثقافية بين المؤسسة الدينية ومثقفي الطبقة الوسطى، خاصة أن هناك من الطبقات الأقل ثقافة من لا يلتفت إلى خطورة الوضع، بل كما سلفت الإشارة هناك من عامة الشعب أيضًا عارض إغلاق المزارات الدينية[96].

كما من المتوقع على خلفية كل ما سبق أن ترتفع مرة أخرى وتيرة الاحتجاجات، لاسيما أنه قد زادت السلطات الإيرانية خلال الآونة الأخيرة من استدعاء واعتقال معارضين لسياسات النظام. على سبيل المثال، فالنظام الإيراني لم يكتف بما ألمَّ بشعبه من جائحة، بل يلاحظ تسارع روتين عمل المحاكم الإيرانية فيما يتعلق بالقضايا السياسية وأحكام الإعدام، بعد فترة من التوقف منذ نهاية مارس2020. وتركزت دائرة الاتهامات التي وجهت إلى السجناء السياسيين في إيران خلال 70 يوما عقب تفشي كورونا بالبلاد، على “التواطؤ ضد الأمن القومي، والضلوع في التخريب والتحريض ضد النظام، وتشويش الرأي العام، وإهانة المرشد”[97].

 

  • التداعيات الاقتصادية:

كان التخوف من التداعيات الاقتصادية موجهًا أساسيًا لسياسات التعامل الإيراني مع الفيروس، فقد قال وزير الصحة الإيراني في مايو 2020 في إفادة أمام البرلمان إن عودة الحياة إلى طبيعتها أمر لابد منه لإنقاذ اقتصاد البلاد الذي يقف بالفعل على حافة الهاوية[98]. لقد تسببت جائحة فيروس كورونا بتفاقم وضع اقتصاد إيران الهش بالفعل على نحو ما أشير سلفًا[99].

فقد زاد من تعثر عجلة الاقتصاد الإيراني؛ الانخفاض العالمي الكبير في استيراد واستهلاك البترول جرّاء حالة الإغلاق العالميّ واسع النطاق بعد انتشار كورونا؛ وبالتالي انخفاض أسعاره في فترة وجيزة بنسبة 60 بالمائة من أسعار ما قبل الوباء، كما أن إيران نتيجة العقوبات كان قد انخفض إنتاجها من ثلاثة ونصف مليون برميل يوميًا في مايو 2018 إلى أقل من 2.2 مليون برميل يوميًا، ومن ثم زاد الوضع سوءًا، ليأتي قانون قيصر ويحكم الحلقة[100].

أيضًا فقدان الميزانية أهمّ مواردها سواءً من الضرائب أو قطاع الخدمات؛ فنتيجةَ هذه الأوضاع الاستثنائيَّة المرتبطة بالأزمة، أعلن روحاني خلوّ خزينة البلاد من الموارد [101]. كما تكبّد القطاع السياحي خلال الأشهر الماضية أضرارًا بالغة، وعلى الرغم من الإعلان عن بدء عمل الفنادق ومراكز الإقامة، لا تزال أضرار كورونا التي لحقت بهذا الجزء من صناعة السياحة مستمرة، كما أن الأوضاع الصحية لم تستقر بعد[102].

في هذا السياق برزت العديد من التساؤلات والمخاوف الاقتصادية: كيف تُخطِّط الحكومة الإيرانية لدفع تلك القروض والحوالات الجديدة المرتبطة بالأزمة؟ فمع عجز الميزانية، ومع العقوبات الجديدة، والأزمة الصحيّة الطارئة، وأسعار النفط المتدنية، تقف الحكومة الإيرانيّة في مواجهة أكبر عجز موازنة في تاريخها. وتقترح الميزانيّة التي أرسلها البرلمان معالجة العجز جزئيا عبر زيادة بيع السندات الحكوميّة، بنحو 150% عن ميزانيّة العام الجاري.

لكن هل هذا الحل واقعي، وهل كان من السهل أن يتفاعل معه الشعب الإيراني الذي اعتاد في الأحوال الميسورة، تخزين ثروته بالذّهب والعملات الأجنبيّة والأسهم، عوض السندات، وبالتالي من المستبعد أن تجد الحكومة الكثير من المشترين[103].

والأمر الأخطر -والذي ربما أسهم ويسهم في المزيد من انتشار الوباء بإيران- أن انتشار فيروس كورونا عمّق من بؤس الفقراء في أنحاء البلاد بسبب فقدان الكثيرين لدخلهم اليومي بسبب الركود؛ ومن ثم عدم استطاعتهم تحمّل حتى الأسعار المرتفعة لمواد التنظيف التي تقاوم الفيروس، ما قد يجعل أماكنهم مركزًا لانتشار الوباء[104].

ذلك فضلا عن الآثار الاقنصادية على القطاع الصحي ذاته، فقد حذَّر مسؤولون بالقطاع الصحي من إفلاس المستشفيات الإيرانية، حيث أعلن مساعد وزير الصحة الإيراني، إيرج حريرجي في 16 يوليو 2020، عن حذف 25% من إيرادات قطاع السلامة، مشيرًا إلى انخفاض جزء كبير من عائدات المستشفيات. يأتي ذلك بالتزامن مع تصريحات رئيس مستشفى طالقاني في طهران حول احتمال إفلاس عدد من المستشفيات، نتيجة تراجع إيراداتها بسبب عدم قبول المرضى غير المصابين بكورونا. ولفت إلى أن إيرادات المستشفيات انخفضت بنسبة 70%. ذلك علما أن نحو 8.5% من الاقتصاد الوطني، ومليون وظيفة من أصل 24 مليونًا، تتعلق بشكل مباشر بهذا القطاع [105].

ب) التداعيات الخارجية:

وهنا نتناول التداعيات على المستويات التالية:

  • العلاقات الإيرانية-الأمريكية: في بداية الأزمة كان السؤال الأكثر إلحاحا: هل يمكن أن توفر الأزمة الإنسانية أرضية للتقارب بين الولايات المتحدة وإيران[106]؟ إلا أنه سرعان ما جاءت التطورات بإجابة تغاير المأمول، بداية من التصريحات المتبادلة، وحتى السياسات التصعيدية بين الجانبين. وقد تبلور مسار التصعيد حول أكثر من قضية:

البرنامج النووي الإيراني: أعلنت الحكومة الإيرانية في 8 أبريل 2020 مواصلة تطوير برنامجها النووي، رغم تفشي جائحة كورونا. وأوصت لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان بخفض التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأوضح علي أكبر صالحي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية إنه سيتم تشغيل جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي في منشأة نطنز. وحاول صالحي تبرير قرار تطوير البرنامج بأنه خلال تفشي فيروس كورونا قد تم استخدام البرنامج النووي للمساعدة في تصنيع إمدادات طبية[107].

أيضًا في إصرار على تصعيد المواجهة في إطار غير ملائم أعلن روحاني أن البرنامج النووي الإيراني أصبح الآن “أكثر تقدما” مما كان عليه قبل الاتفاق النووي الذي كان تم التوصل إليه عام 2015 مع القوى العالمية، وخاصة فيما يتعلق بقدرة إيران على تخصيب اليورانيوم. وإن كان في الوقت ذاته أكد روحاني أن الانسحاب الكامل من الاتفاق ليس مطروحُا على جدول الأعمال في الوقت الراهن؛ وذلك رغم إعلان إيران تقليص جزء كبير من تعهداتها المنصوص عليها في الاتفاق[108].

أما الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد بحثت في مارس 2020 مع منظمات أخرى كيفية مواصلة عملية تفتيش المواقع النووية الإيرانية في ظل كورونا، وأعلنت أن إيران تمنع المفتشين من التحقق من أنشطة نووية سرية[109].

هذا التوجه الإيراني دفع بالولايات المتحدة إلى التمسك بالعقوات وتشديدها، رغم الأزمة الصحية بإيران، ما ينقلنا إلى النقطة التالية.

العقوبات والمسئولية عن تفاقم الأزمة الصحية بإيران: في ظل مطالبات إيران برفع العقوبات عنها، وحضّها حكومات شتى على تجاهل العقوبات الأمريكية المفروضة عليها لأجل مواجهة الجائحة، في هذا الإطار كان الرفض الأمريكي محملا النظام الإيراني مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، إلى جانب التأكيد على كون المعاملات الاقتصادية ذات الطبيعة الإنسانية غير خاضعة للعقوبات.

على سبيل المثال، كان وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف كتب في حسابه بتويتر، إننا “على مر التاريخ لم نشهد مثل هذا الأسلوب السيئ جدًا الذي يستخدمه الرئيس الأمريكي الحالي وفريقه، عبر استغلال كارثة بشرية للانتقام ونشر الكراهية وتوظفيها من أجل الانتخابات”.. “النظام الصحي والمواطنين والحكومة الإيرانية، يخوضون المواجهة مع كورونا كما هو الحال في أوروبا والولايات المتحدة، لكن ما يضاعف معاناة الإيرانيين وما يقيد الخيارات في إدارة الأزمات، هو مزيج من العقوبات (الأمريكية) وكورونا”[110].

في المقابل، قالت مُتحدثة الخارجية الأمريكية، مورغان أورتاغوش، مُخاطبة ظريف عبر تويتر: “كُف عن الكذب. توقف عن السرقة.. إذا كان النظام الإيراني بحاجة إلى أموال للتعامل مع فيروس كورونا، فيمكنه الوصول إلى مليارات الدولارات من صندوق علي خامنئي مرشد الثورة الإيرانية، المعفي من الضرائب” [111].

أيضًا صرح وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو أن القادة الإيرانيين “كذبوا بشأن فيروس ووهان لمدة أسابيع، وحاولوا التنصل من مسؤوليتهم وعدم كفاءتهم”، ولكن بومبيو ذهب أبعد من ذلك مع إيران، فقال إن “فيروس ووهان هو القاتل والنظام الإيراني شريكه”[112].

ليؤكد وزير الخارجية الأمريكي أن “القنوات الإنسانية مفتوحة من جانبنا وإن كانت سياسة أقصى درجات الضغط التي نتبناها لا تسمح بمنح أموال لإرهابيين”. كما أعلنت الولايات المتحدة أنها قد اتصلت بإيران في فبراير 2020 عن طريق الحكومة السويسرية لتقول إنها “مستعدة لمساعدة الشعب الإيراني في مواجهة فيروس كورونا”[113]. وقد ردت الخارجية الإيرانية، بالسخرية وقالت: «إن ادعاءات مايك بومبيو حركة دعائية كاذبة تخدم أهدافًا سياسية وخداعًا للرأي العام العالمي»[114].

غير أنَّ النظام الإيراني قد حقَّق من خلال تسييسهِ بعض المكاسب الرمزيَّة والمؤقتة، فقد تولّد نزاع سياسي داخلي في الولايات المتحدة بشأن طلب إيران قرضًا من صندوق النقد. فقد دعا بعض أعضاء الكونجرس، من الديمقراطيين خاصة، إدارة ترامب إلى دعم منح صندوق النقد الدولي قرضًا لإيران وتخفيف العقوبات الأمريكية الأخرى مؤقتا مع المراقبة المناسبة على الأموال المقدمة لإيران لمكافحة وباء فيروس كورونا[115].

أيضًا طالبت بعض الدول والمنظمات الدوليَّة والشخصيَّات بتعليق العقوبات الأمريكية على إيران لأسبابٍ إنسانيَّة، وكذلك تفعيل آلية التبادل المالي الأوربية المعروفة بـ «إنستكس»، التي أقرتها الترويكا الأوروبية في يناير 2019، وذلك بعد أنْ ظلت متوقفةً منذ أكثر من عامٍ نتيجةَ الضغوط الأمريكية[116].

الوضع في العراق والهجمات على القوات الأمريكية: بكل تأكيد العراق أصبح ساحة المواجهة الأولى بين أمريكا وإيران؛ لاعتبارات عدة؛ بدايةً من الرسالة التي وجهها علي خامنئي في الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية إلى عادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي في فبراير 2019؛ إذ جاء فيها: ابدأ من الآن في العمل على إخراج القوات الأمريكية من العراق؛ لأن وجودها أصبح يمثل خطرًا على الأمن الإقليمي من وجهة النظر الإيرانية. ومن ثم فقد تم تدشين مرحلة جديدة من المواجهة بين طهران وواشنطن على الأراضي العراقية[117].

وكان من أبرز التطورات في ظل كورونا وقع هجوم بصواريخ كاتيوشا على قاعدة التاجي العسكرية قرب بغداد التي تضم جنودا تابعين لقوات التحالف الدولي، ما أدى إلى مقتل جنديين، أمريكي وبريطاني، وقد وجهت الولايات المتحدة الاتهام إلى إيران[118]. وردا على ذلك نفذت الولايات المتحدة  اليوم التالي ضربات انتقامية في العراق ضد ميليشيات تدعمها إيران. وقد صرح الجنرال فرانك ماكينزي، المسؤول عن القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ أن انتشار فيروس كورونا سيجعل إيران الضعيفة “أكثر خطورة”[119].

في المقابل، اعتبر روحاني أنه بمثل هذه التطورات ردت إيران على مقتل قائد الحرس الثوري، قاسم سليماني، ولكنه أوضح أن الرد سيتواصل. وقال: “لقد اغتال الأمريكيون قائدنا العظيم، ورددنا على هذا العمل الإرهابي، وسنرد عليه”[120].

وفي أبريل 2020 صرح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي، أن “التحركات العسكرية الأمريكية في العراق، تأتي خلافًا للمطالب الرسمية المعلنة للحكومة العراقية كما تتعارض مع موقف البرلمان والشعب العراقي”. وأضاف: “في الوقت الذي يؤكد فيه الأمين العام للأمم المتحدة والمجتمع الدولي على توقف الإجراءات المستفزة والمثيرة للحروب في ظل انتشار فيروس كورونا، تأتي التحركات الأمريكية، الأمر الذي يثير التوتر ويقود المنطقة لحالة من عدم الاستقرار”[121].

كما تصاعدت حدة التحذيرات والتهديدات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران تزامنا مع الزيارة التي قام بها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد. يأتي هذا التصعيد رغم إعلان واشنطن تسليم عدد من القواعد العسكرية التي كانت تتواجد بها إلى القوات العراقية وتجميد مهامها في التحالف الدولي للحرب على تنظيم “داعش”، وتركيز تواجدها في عدد من القواعد الحدودية، بجانب نشرها نهاية مارس بطاريات صواريخ باتريوت على الحدود وإرسال الفرقة 101 ذات الطابع الخاص إلى العراق، وبررت الولايات المتحدة تلك الإجراءات خوفا من وباء كورونا، علاوة على أن تنظيم داعش لم يعد يشكل خطراً[122].

البعد الحقوقي: إذ صرح مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي في بيان له ”الولايات المتحدة ستحمل النظام الإيراني المسؤولية المباشرة عن وفاة أي أمريكي“، وأشار بومبيو إلى تقارير ”مقلقة للغاية“ عن انتشار فيروس كورونا بين السجناء وقال إن أية دولة تقدم المساعدة لإيران يجب أن تطلب بوادر إنسانية في المقابل تشمل إطلاق سراح السجناء. وردا على ذلك قالت وزارة الخارجية الإيرانية إن طهران لديها مخاوف مماثلة بشأن عشرات الإيرانيين المحتجزين في السجون الأمريكية أغلبهم في اتهامات تتعلق بانتهاك العقوبات، وقال المتحدث عباس موسوي: ”حالة السجون الأمريكية ووضعها الصحي مثير للقلق.. نحن مستعدون لإعادة الإيرانيين المسجونين في أمريكا لإيران“.

ولكن هذا المستوى من الخلاف بين الجانبين ليس بالجديد؛ إذ تطالب واشنطن منذ فترة طويلة بإطلاق سراح مواطنين أمريكيين منهم باقر وسياماك نمازي وهما أب وابنه ومايكل وايت الجندي السابق بالبحرية وروبرت ليفينسون الذي كان يعمل في مكتب التحقيقات الاتحادي، علما بأن طهران تنفي احتجاز أحد على أساس سياسي واتهمت السجناء الأجانب بالتجسس[123].

  • الميليشيات الشيعية في الخارج: رغم الجائحة استمر الدعم الإيراني للجماعات المسلحة التابعة لطهران؛ حيث صعّدت الميليشيَّات المحسوبة على إيران في العراق هجماتها ضدّ الولايات المتحدة على نحو ما ذُكر، كما استمر دعم الحوثيين، والغريب أن ذلك ظنته إيران يصلح أن يأتي بالتوازي مع جهود جلب التعاطف الخارجيّ معها على أرضية الوضع الإنساني جرّاء تداعيات تفشِّي كورونا كوسيلة للضغط [124].

لكن ذلك لا يعني أن الدعم المالي والعسكري كان على المستوى نفسه لما قبل الجائحة، على سبيل المثال صرح قادة للميليشيات الشيعية العراقية أن الدعم الذي تقدمه طهران تراجع بعد انتشار فيروس كورونا، وقتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، وزيادة العقوبات الأميركية ضد النظام الإيراني. حيث انخفض من 4.5 أو 5 ملايين دولار، إلى 2.5 أو 3 ملايين دولار في الأشهر الأخيرة. هذا بالإضافة إلى تراجع الدعم الإيراني الآخر، المتمثل في تقديم التدريب العسكري وتوفير الأسلحة للميليشيات العراقية التي تُقاتل في سوريا[125].

وبشأن الوضع في سوريا، فإيران باتت جهة “مصدّرة” للفيروس إلى سوريا. حتى أنه يعزى انتشار الفيروس في جانب منه إلى انتشار المقاتلين الإيرانيين في منطقة دير الزور شمال شرق البلاد[126].

لكن تلك التطورات هي بمثابة عقبات مؤقتة، ربما تؤثر في المدى القصير، لكنها بأي حال لن تبدل استراتيجية قوة إقليمية تحقق لها نفوذ على المدى الطويل[127]. وإلا فماذا عن الاتفاق العسكري، الخاص بتطوير منظومة الدفاع الجوي السورية، المبرم بين إيران والنظام السوري في 8 يوليو 2020، والذي أثار العديد من التساؤلات، في التوقيت الراهن المأزوم بالنسبة لإيران، حيث كورونا، وتعرض العديد من منشآتها لانفجارات وهجمات، فضلا عن خلافاتها مع حليفها الروسي بشأن الوضع في سوريا، فيبدو الاتفاق أـيا كان مدى جدواه محاولة إيرانية لاستعادة التوازن الاستراتيجي بالإقليم[128].

  • العلاقات مع دول الخليج: مرت العلاقات بين إيران ومعظم دول مجلس التعاون الخليجي، خاصةً السعودية، ببعض التوترات الخطيرة، في ظل تعقُّد الملفات الإقليمية المختلفة، وطبيعة المنافسة الإقليمية الحادة بين الجانبين. لكن في خضم الأزمة المرتبطة بفيروس كورونا وانشغال العالم بها خرجت إيران أكثر من مرة معلنةً استعدادها للحوار “دون شروط” مع دول الخليج، وخصوصاً السعودية؛ لحل الخلافات في فترة ما بعد جائحة كورونا. على سبيل المثال في 22 يونيو 2020، قال مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون العسكرية، يحيى صفوي، إن علاقة بلاده مع الإمارات تحسنت، وإن طهران مستعدة للحوار مع السعودية دون شروط إذا وافقت على ذلك، مطالباً الرياض بالاعتراف بـ”فشل” حربها في اليمن، واتباع سياسة جديدة،. الغريب أن ذلك التصريح الذي جاء متزامنًا مع ضغط عسكري من مليشيا الحوثي المدعومة من إيران في اليمن؛ حيث شنت عدة هجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية على المملكة[129].

أيضًا أجرى الرئيس الإيراني، حسن روحاني، اتصالاً هاتفياً مع أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وقد أكد روحاني أنه “لا يوجد سبيل سوى التعاون والمودة بين الدول الإقليمية لحماية أمن المنطقة، في ظل الظروف العصيبة الراهنة في العالم بسبب كورونا”، كما أعلنت إيران ترحيب أمير الكويت بمبادرة هرمز[130]؛ تلك المبادرة التي طرحتها طهران من قِبل روحاني، خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، العام الماضي، وتهدف للحوار مع دول الخليج وتأسيس علاقات ودية وتأمين إمدادات الطاقة وحرية الملاحة. لكن حينها قال رئيس وزراء الكويت، صباح الخالد الصباح، في 1 ديسمبر 2019: إن “مبادرة هرمز الإيرانية أساسها مسؤولية المنطقة”، مضيفاً: “لكي يكون هناك قبول بالمبادرة الإيرانية يجب أن تكون علاقة طهران بالدول طبيعية، ونجاح المبادرة الإيرانية يحتاج توافر الظروف الملائمة”[131].

تلك المبادرات الإيرانية التي يمكن تفسيرها باعتبارها ذات هدف مزدوج، فعلى جانبٍ تحاول كسب تعاطف العالم معها في ظل الفيروس، وعلى جانب آخر ترسل رسالة بأنها رغم ذلك مازالت إيران القوية التي تمد يدها بالسلام، ولا ينفصل هذا كله عن رغبتها في خطب ود شعبها في الداخل.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد: ما إمكانية تحقق تقارب إيراني خليجي على أرض الواقع؟ في نهاية المطاف سيبقى الملف اليمني رمانة الميزان، خاصة ما يتصل بالعلاقات الإيرانية-السعودية”. فإيران مستمرة في دعم الحوثيين وإمدادهم بالسلاح، رغم حالة الاحتقان، وتفشي الأوبئة باليمن…إن تحسين علاقات إيرانية–خلجية إيجابية يتطلب اتخاذ خطوات جدية من إيران، لاسيما ما يتعلق بالهجمات التي تتعرض لها السعودية بشكل دائم من قبل جماعة الحوثيين باليمن الموالية لإيران[132].

وفيما يتعلق بالمساعدات، أعلنت الدوحة، في منتصف مارس 2020، إرسالها مساعدات طبية عاجلة على دفعتين إلى إيران، دعمًا لها في مكافحة فيروس كورونا. وفي 17 مارس، أعلنت الخارجية الإيرانية أن وزير الخارجية الكويتي، أحمد ناصر الجابر الصباح، أكد خلال اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني جواد ظريف، أن الكويت ستمنح إيران 10 ملايين دولار “كمساعدات إنسانية” لمواجهة “كورونا”. أما الإمارات فقد أرسلت في مارس أيضًا، ثلاث طائرات مساعدات تحمل إمدادات طبية ومعدات إغاثة إلى إيران؛ لدعمها في مواجهة الفيروس، تشمل 39.5 طناً من الإمدادات، من ضمنها صناديق من القفازات والأقنعة الجراحية ومعدات الوقاية”[133].

  • أما العلاقات مع الصين، فقد زادتها الأزمة وثوقًا، فقد أمدت الصين إيران خلال أبريل 2020 بحوالي 28 شحنة من الإمدادات الطبية لمواجهة الفيروس، كما أرسلت إيران للصين بعض المستلزمات الطبية، أيضًا أيدت الصين إيران بمطالبها برفع العقوبات الأمريكية[134].

خاتمة:

مثلت أزمة كورونا حلقة عصية من حلقات أزمات النظام الإيراني المتتالية والمتشابكة، إذ جاءت في سياق ولحظة يواجه بها النظام الإيراني عمليات معقدة سياسيًا واقتصاديًا، داخليًا وخارجيًا. حيث زامنتها سلسلة من الاحتجاجات الداخلية المتتالية بدوافع سياسية واقتصادية، وانتخابات شهدت تراجعًا غير مسبوق في نسبة المشاركة (أسهمت كورونا في ذلك جزئيًا)؛ ذلك فضلا عن التوترات الناجمة عن الجدل بشأن الطائرة الأوكرانية، والخلافات المتأججة دومًا مع الولايات المتحدة. هذا كله تمخض عنه إدارة غير رشيدة لأزمة كورونا. فقد عكست الأزمة وسياسات إدارتها تعثر النظام الإيراني على مسارات السياسة والاقتصاد والمجتمع:

فعلى المستوى السياسي، برزت عدة مؤشرات على الوضع المرتبك للنظام الإيراني، الذي يجعله في أزمة فعلية للشرعية. لمَ ونحن بصدد أزمة عالمية أصابت الجميع؟! إن الأمر لا يتعلق بوجود الوباء ذاته، بقدر ما يتعلق بسمات التعامل الإيراني معه. فقد آثر النظام الإنكار لوقت غير قليل (مقارنةً بفداحة الأزمة)، على نحو أدى إلى تفاقم الأوضاع لتصبح إيران واحدة من أبرز بؤر الوباء على مستوى العالم. ثم كان عدم الشفافية في المعلومات والتبصير بحقيقة الأوضاع.

يظهر وراء ذلك تغليب الأبعاد الأيديولوجية وسيطرة رجال الدين على مقاليد الأمور، وتصوير الفيروس على أنه هجوم بيولوجي أو مؤامرة من الأعداء؛ إذ أسهم ذلك في تفاقم الأزمة من خلال معارضة إغلاق الأضرحة في مدينة قُم، ورفض فرض حجرٍ صحيّ على المدينة التي تفشى بها الفيروس وانتقل منها إلى معظم المدن الإيرانية. ولا ننسى كذلك ما يتصل بجعل المؤسسات العسكرية في صدارة المشهد، في ظل عدم الاكتراث برأي الكيانات الصحية.

وعلى المستوى الاقتصادي، رغم اتخاذ عدة إجراءات لتخفيف حدة الأزمة على الشعب الإيراني، لا يمكن تجاهل أن الوضع الاقتصادي المتدهور كان وراء الإسراع بتخفيف إجراءات الحظر والسلامة الصحية، تحت دعاوى الموازنة بين الصحة والاقتصاد؛ الأمر الذي أدى بدوره إلى نفشي موجة جديدة من الوباء.

مثل تلك السياسات من شأنها ترتيب عدة تداعيات، سواء سياسيًا عن طريق احتمالات تصاعد الاحتجاجات ضد النظام ورفض مزيد من سيطرة رجال الدين والعسكريين في ظل ما آلت إليه الأوضاع، أو اقتصاديًا، فقد تحرك الاقتصاد الإيراني من سيء إلى أسوأ، نتيجة تراجع أسعار النفط العالمية، وارتفاع تكلفة أزمة كورونا، سواء من حيث الإعانات أو المستلزمات الطبية.

أما على المستوى الخارجي، فلم تهدأ مواجهات إيران، بداية من أزمة الطائرة الأوكرانية قبيل كورونا، والصدامات مع الولايات المتحدة، وإن تأثر الدعم الخارجي للميليشيات بعض الشيء، دون أن يعني ذلك تغيرًا جذريًا في الاستراتيجية الإيرانية على المدى الطويل. وإن كانت إيران قد نجحت في كسب بعض التعاطف الدولي والمطالبة بتخفيف العقوبات فإنها خسرت الكثير من مصداقيتها، فماذا عن دولة لا تعبأ بأرواح مواطنيها؟

السؤال المتنبقي: ماذا عن المجتمع الإيراني؟ هل يتغير وعي النظام الإيراني به؟ هل يعيد ترتيب أولوياته بحيث تصبح حياة المواطن الإيراني هي القيمة العليا؟ هل يصبح الشعب الإيراني أكثر وعيًا ويمحو ما يطلق عليه “الجهل المقدس”؟ هل يصير المجتمع الدولي وقواه الكبرى (خاصة الولايات المتحدة) أكثر إنسانية، بحيث لا يدفع الشعب الإيراني فاتورة صراعات نظامه؟ من المقترحات في هذا السياق: تحديد الأولويات والبدء في وضع الأساس لحل واقعي طويل الأجل للملف النووي الإيراني، بالفصل بين ما يُسمى “الخطوط الحمراء”؛ وهي الأنشطة الإيرانية التي تشكل أهمية حقيقية وتتطلب ردود فعل جدية، وتلك الإجراءات الإيرانية الاستفزازية التي لها تأثير ضئيل على قدرة طهران الفعلية على إنتاج أسلحة نووية[135].

*****

هوامش

[1] مهدي خلجي، فيروس كورونا في إيران (الجزء الأول): عوامل متعلقة برجال الدين، معهد واشنطن، 9 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي:               https://cutt.us/XEjfO

[2] كيف أصبحت إيران “بؤرة كورونا” مخيفة في الشرق الأوسط؟، سكاي نيوز العربية، 24 فبراير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/O0wX8

[3] سياسة “اللاسياسة”.. الحكومة الإيرانية تتحضر للأسوأ في مكافحة كورونا، الترا صوت،30 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/N7wv8

[4] فرح عصام، فيروس كورونا.. هل سنشهد تغييرًا في السياسة الإيرانية؟، الجزيرة، 31 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/dzDK7

[5] المرجع السابق.

[6] سياسة “اللاسياسة”.. الحكومة الإيرانية تتحضر للأسوأ في مكافحة كورونا، مرجع سابق.

[7] انظر الآتي:

  • مهدي خلجي، فيروس كورونا في إيران (الجزء الأول): عوامل متعلقة برجال الدين، مرجع سابق.
  • إسقاط الطائرة الأوكرانية.. ما الخيارات القانونية أمام طهران؟، الجزيرة، 12 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/arpsg

[8] انظر الآتي:

  • الغارديان: الهجوم الصاروخي الإيراني لن يشبع رغبة طهران في الانتقام، بي بي سي عربي، 9 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/d38M9
  • سياسة “اللاسياسة”.. الحكومة الإيرانية تتحضر للأسوأ في مكافحة كورونا، مرجع سابق.

[9] كورونا والقطاع الصحي الإيراني، مركز الإمارات السياسات، 7 أبريل 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/eAAAS

[10] مهران كامرافا، وباء كورونا المستجد في إيران: واقع القطاع الصحي واستجابة الحكومة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 12 أبريل 2020، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/ZwuLG

[11] فرح عصام، فيروس كورونا.. هل سنشهد تغييرًا في السياسة الإيرانية؟، مرجع سابق.

[12] مهران كامرافا، وباء كورونا المستجد في إيران: واقع القطاع الصحي واستجابة الحكومة، مرجع سابق.

[13] المرجع السابق.

[14] مهدي خلجي، فيروس كورونا في إيران (الجزء الثاني): مسؤولية النظام وقدرته على المواجهة، معهد واشنطن، 12 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/rU20c

[15] مهران كامرافا، وباء كورونا المستجد في إيران: واقع القطاع الصحي واستجابة الحكومة، مرجع سابق.

[16] كيف فشلت إيران في مواجهة كورونا؟، الوطن، 10 مايو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/T2PTW

[17] وباء كورونا المستجد: الوجه الجديد للصراع الإيراني الأمريكي، شبكة النبأ، 16 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/Npbfa

[18] سياسة “اللاسياسة”.. الحكومة الإيرانية تتحضر للأسوأ في مكافحة كورونا، مرجع سابق.

[19] محمود حمدي أبو القاسم، إيران وإدارة أزمة «كورونا»: النتائج والمآلات، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 16 أبريل 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/qexS3

[20] رسميًا.. وفيات كورونا بإيران تتخطى 15 ألف وفاة.. وروحاني يؤكد إقامة مراسم عزاء محرم، إيران اينترنشنال، 23 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/OqGim

[21] مرة أخرى.. كورونا يحطم الرقم القياسي في إيران: 235 وفاة خلال 24 ساعة، إيران انترنشنال، 28 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/cY9br

[22] كورونا في إيران.. اعتراف رقمي يُكذّب كل ما سبق، سكاي نيوز عربية، 25 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/xxfYB

[23] كورونا في إيران – استراتيجية الخسائر الإنسانية لمنع خطر الانتفاضة والإطاحة بالنظام، موقع منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، 26 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/ea4LC

[24] مسؤول طبي بمحافظة أردبيل شمال غربي إيران: أقسام کورونا بالمستشفيات مليئة بالمرضى، إيران اينترنشنال، 29 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/z5Vf4

[25] إيران .. نصف السجناء في سجن دستكرد في أصفهان مصابون بكورونا، موقع منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، 23 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Y55ji

[26] رسميًا.. وفيات كورونا بإيران تتخطى 15 ألف وفاة.. وروحاني يؤكد إقامة مراسم عزاء محرم، مرجع سابق.

[27] كيف فشلت إيران في مواجهة كورونا؟، مرجع سابق.

[28] كيف أصبحت إيران “بؤرة كورونا” مخيفة في الشرق الأوسط؟، سكاي نيوز العربية، 24 فبراير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/Yc7ET

[29] سياسة “اللاسياسة”.. الحكومة الإيرانية تتحضر للأسوأ في مكافحة كورونا، مرجع سابق.

[30] فرح عصام، فيروس كورونا.. هل سنشهد تغييرا في السياسة الإيرانية؟، مرجع سابق.

[31] مساعد وزير الصحة الإيراني يتوقع وصول ضحايا كورونا إلى 36 ألف وفاة نهاية العام، إيران اينترنشنال، 15 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/tFF1C

[32] ارتفاع ضحايا كورونا 10 أضعاف مارس الماضي.. وزيادة وفيات الأطفال في إيران، إيران انترنشنال، 20 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/SsBZ5

[33] رسميًا.. وفيات كورونا بإيران تتخطى 15 ألف وفاة، مرجع سابق.

[34] كورونا في إيران – استراتيجية الخسائر الإنسانية لمنع خطر الانتفاضة والإطاحة بالنظام، مرجع سابق.

[35] إيران .. نصف السجناء في سجن دستكرد في أصفهان مصابون بكورونا، مرجع سابق.

[36] محمود حمدي أبو القاسم، إيران وإدارة أزمة «كورونا»: النتائج والمآلات، مرجع سابق.

[37] المرجع السابق.

[38] المتحدث باسم الحكومة الإيرانية يصاب بكورونا.. ونحو 16 ألف وفاة بالفيروس، إيران انترنشنال، 27 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/1oXGL

[39] وباء كورونا المستجد: الوجه الجديد للصراع الإيراني الأمريكي، مرجع سابق.

[40] مساعد وزير الصحة الإيراني يتوقع وصول ضحايا كورونا إلى 36 ألف وفاة نهاية العام، مرجع سابق.

[41] سياسة “اللاسياسة”.. الحكومة الإيرانية تتحضر للأسوأ في مكافحة كورونا، مرجع سابق.

[42] خطط إيران لمواجهة فيروس “كورونا”: إخفاء الحقيقة واتهام “الأعداء”، نون بوست، 28 فبراير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/RYmiA

[43] مهدي خلجي، فيروس كورونا في إيران (الجزء الثاني)، مرجع سابق.

[44] فيروس كورونا: كيف تتعامل إيران مع تفشي الفيروس؟، بي بي سي العربية، 28 فبراير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/gn5Lx

[45] كورونا والقطاع الصحي الإيراني، مركز الإمارات السياسات، مرجع سابق.

[46] مرة أخرى.. كورونا يحطم الرقم القياسي في إيران، مرجع سابق.

[47] كورونا والقطاع الصحي الإيراني، مرجع سابق.

[48] محمود حمدي أبو القاسم، إيران وإدارة أزمة «كورونا»: النتائج والمآلات، مرجع سابق.

[49] كورونا في إيران.. اعتراف رقمي يُكذّب كل ما سبق، مرجع سابق.

[50] فيروس كورونا: كيف تتعامل إيران مع تفشي الفيروس؟، مرجع سابق.

[51] سياسة “اللاسياسة”.. الحكومة الإيرانية تتحضر للأسوأ في مكافحة كورونا، مرجع سابق.

[52] فيروس كورونا: كيف تتعامل إيران مع تفشي الفيروس؟، مرجع سابق.

[53] كيف فشلت إيران في مواجهة كورونا؟، مرجع سابق.

[54] مهدي خلجي، فيروس كورونا في إيران (الجزء الثاني): مسؤولية النظام وقدرته على المواجهة، معهد واشنطن، مرجع سابق.

[55] بين العلم و”الجهل المقدس” ـ كورونا يضع إيران أمام مأزق عقائدي!، دويتشه فيليه، 20 أبريل 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/DE83T

[56] كيف فشلت إيران في مواجهة كورونا؟، مرجع سابق.

[57] محمود حمدي أبو القاسم، إيران وإدارة أزمة «كورونا»: النتائج والمآلات، مرجع سابق.

[58] مهدي خلجي، فيروس كورونا في إيران (الجزء الأول): عوامل متعلقة برجال الدين، مرجع سابق.

[59] كاوة شيرزاد، “درع إنسانية”.. استراتيجية إيران لمواجهة فيروإيرانس كورونا، إيران اينترناشونال، 1 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/s1L3z

[60] كيف فشلت إيران في مواجهة كورونا؟، مرجع سابق.

[61] محمود حمدي أبو القاسم، إيران وإدارة أزمة «كورونا»: النتائج والمآلات، مرجع سابق.

[62] بين العلم و”الجهل المقدس” ـ كورونا يضع إيران أمام مأزق عقائدي!، مرجع سابق.

[63] الرئيس الإيراني يدعو لإقامة “احتفالات محرم” حتى في مناطق كورونا الخطرة، إيران انترنشنال، 25 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/0eK9b

[64] رسميًا.. وفيات كورونا بإيران تتخطى 15 ألف وفاة، مرجع سابق.

[65] الرئيس الإيراني يدعو لإقامة “احتفالات محرم” حتى في مناطق كورونا الخطرة، مرجع سابق.

[66] المرجع السابق.

[67] محمود حمدي أبو القاسم، إيران وإدارة أزمة «كورونا»: النتائج والمآلات، مرجع سابق.

[68] مهران كامرافا، وباء كورونا المستجد في إيران: واقع القطاع الصحي واستجابة الحكومة، مرجع سابق.

[69] استغل الحرس الثوري الأزمة لتقديم نفسه باعتباره الطرف الأكثر فعّالية في مجابهة الوباء، هدى رؤوف، اندبندنت العربية، 8 مايو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/NNOWP

[70] خطط إيران لمواجهة فيروس “كورونا”: إخفاء الحقيقة واتهام “الأعداء”، نون بوست، 28 فبراير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/q616t

[71] فيروس كورونا: كيف تتعامل إيران مع تفشي الفيروس؟، مرجع سابق.

[72] محمود حمدي أبو القاسم، إيران وإدارة أزمة «كورونا»: النتائج والمآلات، مرجع سابق.

[73] كيف لايران أن تحمي شعبها من تداعيات كورونا باقتصاد منهار!، ميدل إيست أون لاين، 13 أبريل 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/UGN8D

[74] كيف فشلت إيران في مواجهة كورونا؟، مرجع سابق.

[75] كيف لايران أن تحمي شعبها من تداعيات كورونا باقتصاد منهار!، مرجع سابق.

[76] المرجع السابق.

[77] المرجع السابق.

[78] كورونا في إيران – استراتيجية الخسائر الإنسانية، مرجع سابق.

[79] رئيس لجنة مكافحة كورونا في طهران يقترح إغلاق العاصمة والحجر الصحي الكامل، إيران اينترنشنال، 9 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/m6sSb

)[80] إيران تستخدم وباء كورونا لمواجهة سياسة العقوبات الأمريكية، روسيا اليوم، 16 أبريل 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/RUIef

[81] رخا أحمد حسن، تأثيرات انتشار وباء كورونا في إيران على سياستها الخارجية وعلاقاتها الدولية، شؤون عربية، العدد 182، ص102. مرجع سابق، ص 104.

[82] المواطن ضحية.. هكذا تتعامل إيران لمواجهة كورونا، العربية نت، 20 مايو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://ara.tv/b84r5

[83] إيران تستخدم وباء كورونا لمواجهة سياسة العقوبات الأمريكية، مرجع سابق.

[84] نوران بديع، هذا ما كشفه فيروس كورونا في إيران، حفريات، 19 أبريل 2020، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/Vsooh

[85] محمود حمدي أبو القاسم، إيران وإدارة أزمة «كورونا»: النتائج والمآلات، مرجع سابق.

[86] الحكومة الإيرانية تمنح المستأجرين قروضًا عقارية بفائدة 13 %، إيران انترنشنال، 22 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/58LAx

[87] الصحة” الإيرانية ترفض تصريحات روحاني: “مناعة القطيع” يعقبها الندم، إيران اينترنشنال، 21 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/ZEzOP

[88] نوران بديع، هذا ما كشفه فيروس كورونا في إيران، مرجع سابق.

[89] المرجع السابق.

[90] فيروس كورونا: كيف تتعامل إيران مع تفشي الفيروس؟، مرجع سابق.

[91] نوران بديع، هذا ما كشفه فيروس كورونا في إيران، مرجع سابق.

[92] محمود حمدي أبو القاسم، إيران وإدارة أزمة «كورونا»: النتائج والمآلات، مرجع سابق.

[93] “كورونا” وتداعياته السياسية على الشعب الإيراني، الإندبندنت العربية، 1 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/8LjCL

[94] كورونا والقطاع الصحي الإيراني، مركز الإمارات السياسات، مرجع سابق.

[95] فرح عصام، فيروس كورونا.. هل سنشهد تغييرا في السياسة الإيرانية؟، مرجع سابق.

[96] مهدي خلجي، فيروس كورونا في إيران (الجزء الأول): عوامل متعلقة برجال الدين، مرجع سابق.

[97] إيران تستغل كورونا لمعاقبة عشرات السجناء السياسيين، العين،30 أبريل 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/xSvV1

[98] المواطن ضحية.. هكذا تتعامل إيران لمواجهة كورونا، مرجع سابق.

[99] حنين غدار، سيناريوهات إيران المظلمة بعد جائحة «كورونا، المجلة، 10 أبريل 2020، متاح عبر الرابط التالي:   https://cutt.us/6nkWO

[100] رخا أحمد حسن، تأثيرات انتشار وباء كورونا في إيران على سياستها الخارجية وعلاقاتها الدولية، مرجع سابق، ص102.

[101] محمود حمدي أبو القاسم، إيران وإدارة أزمة «كورونا»: النتائج والمآلات، مرجع سابق.

[102] كورونا في إيران – استراتيجية الخسائر الإنسانية، مرجع سابق.

[103] فرح عصام، فيروس كورونا.. هل سنشهد تغييرا في السياسة الإيرانية؟، مرجع سابق.

[104] كيف لايران أن تحمي شعبها من تداعيات كورونا باقتصاد منهار!، مرجع سابق.

[105] تحذيرات من إفلاس المستشفيات بعد تراجع 25% من إيرادات القطاع الصحي ، إيران انترنشنال، 16 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/x6wE9

[106] جوناثان ماركوس، فيروس كورونا: هل يصلح الوباء بين الولايات المتحدة وإيران؟، بي بي سي العربية، 19 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/hOXyY

[107] رخا أحمد حسن، مرجع سابق، ص 105.

[108] كورونا لم يكبح دعم إيران للجماعات المتطرفة، ميدل إيست أون لاين، 11 أبريل 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/KSFZx

[109] رخا أحمد حسن، مرجع سابق، ص 105.

[110] أمريكا لظريف بعد انتقاده تأثير العقوبات على إيران بأزمة كورونا: خذوا من أموال الملياردير خامنئي، سي إن إن العربية، 31 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/ES2x6

[111] المرجع السابق.

[112] جوناثان ماركوس، فيروس كورونا: هل يصلح الوباء بين الولايات المتحدة وإيران؟، مرجع سابق.

[113] المرجع السابق.

[114] أكرم القصاص، السياسة تلقى بظلها.. كورونا يحيى نظريات المؤامرة من الصين لأمريكا وإيران!، اليوم السابع، 6 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/E7MTv

[115] إيران تستخدم وباء كورونا لمواجهة سياسة العقوبات الأمريكية، مرجع سابق.

[116] محمود حمدي أبو القاسم، إيران وإدارة أزمة «كورونا»: النتائج والمآلات، مرجع سابق.

[117] التصعيد الأمريكي الإيراني… مواجهة قريبة أم مناورات سياسية، أرابيك سبوتنيك، 8 أبريل 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/k0DUD

[118] العراق: قصف على قاعدة التاجي العسكرية يسفر عن مقتل أمريكيين وبريطاني، فرنسا 24، 11 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/x3g3t

[119] جوناثان ماركوس، فيروس كورونا: هل يصلح الوباء بين الولايات المتحدة وإيران؟، مرجع سابق.

[120] المرجع السابق.

[121] التصعيد الأمريكي الإيراني… مواجهة قريبة أم مناورات سياسية، مرجع سابق.

[122] المرجع السابق.

[123] وباء كورونا المستجد: الوجه الجديد للصراع الإيراني الأمريكي، مرجع سابق.

[124] محمود حمدي أبو القاسم، إيران وإدارة أزمة «كورونا»: النتائج والمآلات، مرجع سابق.

[125] تراجع حاد في دعم إيران للميليشيات العراقية بسبب العقوبات وكورونا، إيران انترنشنال، 3 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/heIzu

[126] في زمن كورونا.. إيران تتحول إلى خطر يهدد الأسد، دويتشه فيليه، 5 أبريل 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/LtUDm

[127] رخا محمد حسن، مرجع سابق، ص 107.

[128] الاتفاق العسكري السوري-الإيراني: الدلالات والتداعيات، مركز الإمارات للسياسات، 5 أغسطس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/3aSMt

[129] هل تكون أزمة كورونا مفتاحاً للصلح بين إيران ودول خليجية؟، الخليج أون لاين، 23 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/DnQoA

[130] المرجع السابق.

[131] المرجع السابق.

[132] رخا محمد حسن، مرجع سابق، ص107.

[133] هل تكون أزمة كورونا مفتاحاً للصلح بين إيران ودول خليجية؟، مرجع سابق.

[134] رخا أحمد حسن، مرجع سابق، ص104.

[135] عرض: صباح عبدالصبور الضغط الفعال: رؤية أمريكية لتطوير سياسة ذكية تجاه النفوذ الإيراني (مجموعة مؤلفين)، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 20 مارس 2019، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/4GBbn

 

  • نشر التقرير في فصلية قضايا ونظرات – العدد الثامن عشر – يوليو 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى