ماذا بعد العدوان الإسرائيلي وسيف القدس؟ مسارات الداخل والخارج في فلسطين

مقدمة:

تعيش القضية الفلسطينية حالة من الترقب بين أملٍ حذر وتشاؤم مرتبك، فقد دخلت القضية مرحلة جديدة بفضل صمود أبنائها في حي الشيخ جراح والداخل المحتل وقطاع غزة، أمام اعتداءات الاحتلال في القدس وعدوانهم في غزة.

فقد حدثت مجموعة من التحولات الاستراتيجية في المشهد الفلسطيني على كلٍ من المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، أبرزها تحقيق المقاومة لعددٍ من المكاسب بعد معركة سيف القدس، واستمرار تدهور العلاقة بين السلطة الفلسطينية والمواطن. كما شهد الوضع الإقليمي عددًا من التغيرات: على جانب ما يتصل بمسار التطبيع بعدما تحسنت العلاقات بين الأردن وإسرائيل فضلا عن مآلات العلاقة بين المغرب العربي وإسرائيل عقب دخول دولة المغرب في قطار التطبيع مع الكيان الصهيوني، وعلى الجانب المقابل تقارب مصر وقطر وزيادة التفاهم بينهما حول غزة.

تلك متغيرات سيبحثها التقرير، فضلا عن التحولات على صعيد المشهد الدولي، وتبادل الأدوار الذي حدث بعد رحيل ترامب في مقابل زيادة قوة التيار المحافظ اليميني في بريطانيا، ذلك حيث التساؤل: كيف تُسهم هذه الأوضاع في مستقبل الأحداث الجارية في القضية الفلسطينية، بعد تراجع واشنطن خطوات للخلف، عقب نجاح جو بايدن، في مقابل التصعيد الذي قامت به لندن ضد فلسطين بعد تصنيف لندن لحماس ووضعها على قوائم الإرهاب، وكيف يؤثر ذلك على الوجود الفلسطيني في بريطانيا؟ وسنبحث في الأخير تقديم مسارات مستقبلية مقترحة على المستوى الاستراتيجي لصالح القضية الفلسطينية.

أولًا- قراءة في الحالة الفلسطينية الداخلية:

اندلعت معركة سيف القدس الأخيرة في وقتٍ شعر فيه الجميع بأن الأمور قد استقرت تمامًا لإسرائيل، جاءت لتعيد الحديث حول حلم التحرير الكامل لفلسطين، وليس الحل المرحلي الذي فرضه مسار التسوية. لقد جاء التغيير في أفغانستان والانسحاب الأمريكي، ليؤكد بأن استمرار المعطيات الحالية ليس حتميًا، وأن الوضع قد يتغير بتغير سياقاته. هذا شريطة وجود استراتيجية متكاملة، ترتكز على أهداف واضحة، وأدوات محددة متكاملة تقوم على تكتيكات واقعية وقابلة للقياس والتقييم والتقويم. بالإضافة إلى الجمع بين صلابة المبدأ والهدف النهائي، وبين التكتيكات المتحولة، وتوظيف التكتيك بما يخدم الاستراتيجية. ولكن كان واضحًا برصد التجربة الفلسطينية سرعة تحولها عن هدف التحرير إلى الحل المرحليّ، بناءً على الأطروحة والمبادرة السياسية، لا بناءً على دفع الاحتلال لتقديم مبادرته، فما بين الانطلاقة الرسمية لحركة “فتح” وبرنامج الحل المرحلي أقل من عشرة سنوات، في بيئةٍ تاريخيةٍ ربما كانت أفضل من البيئة التي عملت فيها “طالبان”[1].

لقد أنتجت اتفاقية أوسلو حاجزًا أمام فاعلية الحراك الفلسطيني وقدرته على الإبداع، من خلال تأسيس السلطة الفلسطينية، التي نقلت مستوى الصراع من الجماهير الفلسطينية ضد الاحتلال، إلى مستوى نخبوي سلطوي، حيث تنوب السلطة الحديث باسم الجماهير الفلسطينية، بل وتحجم كافة أنواع الأصوات الناشزة عن توجهاتها ومسئوليها، إلى أن جاءت احتجاجات حي الشيخ جراح، ثم معركة سيف القدس، لتعيد الفاعلية للجهود الجماهيرية وما يمثلها من فصائل المقاومة، التي تحركت بصورة مستقلة عن حراك السلطة.

ونقوم في هذا الجزء بقراءة مختصرة لأبعاد وتداعيات معركة سيف القدس، ثم الطريقة التي استجابت بها السلطة الفلسطينية لتلك الأحداث، وتكتيكاتها في التعامل معها.

1- سيف القدس تعيد البوصلة:

لم تكن اتفاقية أوسلو سوى أداة من ضمن أدوات عديدة استخدمتها إسرائيل في حصار وعزل المجموعات الفلسطينية، وتحديدًا عزل المقدسيين عن القدس، وحدث ذلك من خلال استثناء حل أزمة المقدسيين من الموضوعات التي سيناقشها المفاوضون في أوسلو، فتم ترحيل قضية المقدسيين، لتكون ضمن ملفات الحل الدائم النهائي الذي سينتج عن المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

لم تدرك حركة الفتح بأن الاحتلال الاستيطاني سيتلاعب بها في ظل هذا الوضع بإتاحة الظروف والوقت أمامه للمضي قدمًا في تنفيذ مؤامراته، فكان الفخ أن أصبح المقدسيين مساحة عارية ومستباحة لانتهاكات الاحتلال، لذلك لم يكن غريبًا أن تقرأ خبر اعتقال محافظ القدس عدنان غيث من منزله، دون أي سبب أو حتى مسوغ قانوني يسمح لسلطات الاحتلال باعتقال ممثل للسلطة الفلسطينية للمرة السابعة عشرة[2]. فتلك المنطقة وما تحويه من أشخاص ومؤسسات وكيانات رهن للقمع الإسرائيلي، دون حسيب أو رقيب.

خلق هذا الوضع شعورًا لدى المقدسيين بأنهم معزولون وأن عليهم مهمة حماية القدس بمفردهم، بحيث أضحت قضية الرباط داخله قضية مصير، لن تساعدهم بها سلطة أو منظمة أو حتى فصيل مقاوم، لاسيما مع اعتياد ممارسات الاحتلال الممنهجة في مساعدة المستوطنين والحاخامات الصهاينة على اقتحام القدس من جهة، وفرض الاحتلال لخطط ومؤامرات لتصفية الوجود الفلسطيني في القدس، ومحو الهوية الفلسطينية بتحويل القدس لعاصمة للكيان الصهيوني من جهةٍ أخرى.

مرت سنوات صعبة على المقدسيين منذ عام 1967، وماتزال محاولات الاحتلال في كسب ولائهم مستمرة، إلا أن قضية تهجير أهالي حي الشيخ جراح، أعادت للأذهان الشعور بالخطر الوجودي على مستقبل القدس، في حال تمكن الاحتلال من تهجير أهالي الحي، ثم جاءت قضية اقتحام الأقصى، لتزيد من حدة الغضب، حيث تجاهل الاحتلال تحذيرات المقدسيين، وضرب بها عرض الحائط، منتشيًا بمكاسب التطبيع الأخيرة مع عدد من الدول العربية، غافلًا أنه من المعتاد تاريخيًا، أن تواجه موجات التطبيع بردات فعل عكسية لدى الشعوب العربية، خاصةً لدى المقدسيين الذين هم في صدارة المشهد، ولذلك كانت حماية القدس من الاقتحام في تلك المرة مختلفةً عما سبق، فكانت ردة فعلهم تشي بكثيرٍ من الغضب من الجميع من احتلال وسلطة وحتى فصائل المقاومة، وتجاهل الجميع تلك الرسائل، فيما عدا المقاومة، التي أدركت الأمر جيدًا، وبالفعل وجهت حماس عدد من التحذيرات للاحتلال وطالبته بالتوقف عن ممارساته القمعية وانتهاكاته غير الإنسانية بحق المقدسيين.

لقد أدركت حماس وفصائل المقاومة بحسها الاستراتيجي أن الفرصة سانحة لإعادة البوصلة للقدس من جديد، وإعادة المرجعية للقضية الأم، وهي القدس، فكانت معركة سيف القدس، التي لم تكن مجرد تصعيد عسكري اندلع بين الاحتلال والمقاومة، بل أنه كان إعادة صياغة كاملة للمشهد الفلسطيني وما يعبر عن صوت الجماهير بصفةٍ عامة، ودعم صمود المقدسيين باعتبارهم رأس الحربة الحقيقية في المعركة ضد الاحتلال بصفةٍ خاصة.

ثم كان اتساع دائرة الاحتجاجات أحد أبرز العوامل التي شجعت المقاومة على التصعيد العسكري، وليس هناك أدل من مدينة اللد التي لم تشهد احتجاجات فعالة منذ عام 1966، ومع ذلك حوّل شبابها ورجالها المدينة لحرب شوارع طاحنة مع قوات الاحتلال، للدرجة التي خرجت معها المدينة عن سيطرة الاحتلال، حيث هاجم المتظاهرون مراكز الشرطة الإسرائيلية بالحجارة وصولًا إلى استهدافها بالرصاص في بعض البلدات والمدن، مثل رهط وبئر السبع. كما أحرق كل من متظاهري مدن وبلدات عكا وكفر قاسم والطيرة وأم الفحم والرينة وكفرمندا وغيرها نقاط ومراكز الشرطة فيها، فضلًا عن مهاجمة مركباتها على الطرقات في سائر نقاط الاحتجاج. فعلى الرغم من أن تلك المراكز تأسست لقمع الفلسطينيين اجتماعيًا وسياسيًا بتعريتهم أمام سلطة الاحتلال، إلا أن وجودها بهذه الكثافة كان أحد عوامل تغذية الشعور بالغضب، والشعور بأنها نقاط سهلة الاستهداف[3].

كما أجبرت فصائل المقاومة في غزة الأهالي في الضفة الغربية على الانضمام للاحتجاجات، بعدما ألهبت مشاعرهم للدخول في الهبة الشعبية للدفاع عن القدس.

الجدير بالذكر، أنه إذا كانت الهبّة في قرى وبلدات الـ1948 الداخلية قد اتخذت شكل المواجهة مع شرطة الاحتلال، فإن شكلها في مدن الساحل والمركز المستعمرة (المدن المختلطة)، مثل عكّا وحيفا، وتحديدًا يافا واللد، قد اتخذّ منحى المواجهة مع المستوطنين أيضًا، الذين اعتدت جماعاتهم المنظمة على الفلسطينيين في أحيائهم، وليست العناصر الأمنية فقط. لم يكن تعبير “المستوطن” في قاموس فلسطينيي الـ48 يُحيل إلا إلى أولئك اليهود الذين استوطنوا مناطق الضفة بما فيها القدس. غير أن هذه التطورات قد أعادت الوعي لدى فلسطينيّي الـ48 بفكرة الاستيطان والمستوطن، إذ لم يعد اليهودي المستوطن فقط ذلك المقيم في مستوطنة “كريات أربع” في الخليل، أو في سلوان من أحياء القدس، إنما هو أيضًا ذلك المقيم في اللّد والرملة ويافا وحيفا وعكّا كذلك. كما هبّ شمالًا، ولأول مرةٍ أبناء قرى مثل عرب الشبلي وبير المكسور وطوبا الزنغرية، وهي قرى بدوية، أي من تلك الفئة الاجتماعيّة التي عملت أجهزة الاحتلال على سلخها عن هويتها العربيّة الفلسطينيّة وتحويلها إلى “أقلية” ذات مميزات خاصة. هكذا، غسلت المواجهة في تلك المدن كلّ ندوب الأسرلة ولغة التعايش والجوار، وكشفت عن حقيقة وجود اليهود كمستوطنين، والصراع معهم على الأرض والحيّز والفضاء. وهكذا أصبح كل يهودي هو مستوطن، وكل مدينة أو بلدة هو فيها هي مستوطنة، وعلى هذا يجب تكثيف الوعي[4].

المحصلة أن التصعيد العسكري الذي قادته غزة، بجانب الاحتجاجات التي اشتعلت في كل مكان، قد حوّلا القضية إلى قضية رأي عام عالمي، وأعاد التفاعل العربي والإسلامي معها، كما أحرج الدعاية الانهزامية التي يقودها المطبعون لجعلها في مرتبة دنيا، بعدما ارتفعت المعنويات إلى السماء، بوصول القوة العسكرية للمقاومة لمناطق غير مسبوقة في تاريخ الصراع، وهو ما أعاد الثقة بإمكانية تحقق التحرير بالفعل، إذ إن الحصار الشامل على غزة، لم يمنعها من تطوير صناعة عسكرية محلية اخترقت أنظمة دفاع تكنولوجية على أحدث طراز، فكيف لو حصلت على قليل من الدعم.

ومن هنا أعاد سيف القدس الأهمية لفكرة المقاومة المسلحة، وضرورة استكمال جهود القوة المادية، واستمرار التدافع لإشعال الروح الكفاحية لدى الفلسطينيين بعدم السكون والانهزام للاحتلال، رغم كل ما يُنفق على استراتيجيات التدجين وإعادة الهندسة الاجتماعية.

2- السلطة الفلسطينية ومسلسل القمع المتزايد:

يبدو أن ارتفاع الحالة المعنوية للفلسطينيين، وعودة المطالبة بحلم تحرير كامل فلسطين، لم يلق قناعة من جانب السلطة الفلسطينية وحركة فتح، اللذان شعرا أنه للمرة الأولى منذ انتفاضة الأقصى، تمكنت فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة من السيطرة على الشارع الفلسطيني من القطاع إلى الضفة وحتى أراضي 48، وبدلا من العمل على تصحيح مسار التسوية السياسية، والعودة للاستماع لمطالب الشارع الفلسطيني، قررت السلطة الاستمرار على تحقيق أهداف اتفاقية أوسلو في ردع كافة الأصوات الفلسطينية المعارضة، وجاء الدور هذه المرة على نزار بنات، وهو ناشط وسياسي فلسطيني معارض لسياسات السلطة واستراتيجيات حركة فتح، حيث يحاول استغلال كافة الطرق السلمية في الضغط على السياسيين الفلسطينيين المنادين بمسار التسوية، وهو ما عرّضه للاعتقال والتعذيب أكثر من مره على أيدي السلطة، إلى أن استيقظ الشارع الفلسطيني على خبر صادم، تمثّل فيما اُعتُبر اغتيال لبنات على أيدي عناصر الأمن الوقائي التابعة للسلطة، عقب ساعات قليلة من اعتقاله، حيث إن ما تم أقرب للاغتيال والإعداد المسبق للتنفيذ وليس مجرد حادث خطأ، هذا وفقًا لعائلة بنات التي أكدت على وجود آثار تعذيب شديدة في مناطق عديدة بجسمه، وهي ما أدت إلى وفاته، لذلك أعلنت عائلته عن تدويل قضية اغتياله أمام المحاكم الأوربية، وقدمت طلب رسمي إلى الشرطة البريطانية بفتح تحقيق في حيثيات اغتيال بنات[5].

لقد أظهرت الطريقة التي تم بها التعامل مع بنات العنف الذي وصلت إليه السلطة الفلسطينية، التي تعاني من أزمات بنيوية حادة، أبرزها أن السلطة جاءت باعتبارها ممثل للفلسطينيين، والطرف الذي سيخاطبه الاحتلال في حال تعرّض لهجمات من جانب الفلسطينيين، أي أن الوظيفة الأساسية للسلطة تضمنت حماية الاحتلال من أي هجمات عشوائية غير منظمة، وعلى هذا الأساس جاءت اتفاقيات التنسيق الأمني والتعاون الاستخباراتي، مقابل دعم اقتصادي سيقدمه الاحتلال للسلطة، للقيام بهذا الدور، فكانت النتيجة أن تشكلت نخبة سياسية رأسمالية، تدافع وتقمع للحفاظ على مكاسبها الاقتصادية. شعرت السلطة بالخوف من فقدان مكاسبها بعدما عجزت عن القيام بدورها كسلطة تحول بين الجماهير والاحتلال، فأضحت قد تمارس أي قمع في مقابل الحفاظ على وضعها الاقتصادي ومنافع التنسيق الأمني مع الاحتلال[6].

ما زاد المشكلة، أن السلطة تعاملت بعنفٍ مفرط وربما غير مسبوق تجاه الاحتجاجات التي خرجت ضد الطريقة التي مات بها بنات، حيث تحاول السلطة التأكيد على أن الكلمة الأولى والأخيرة في السيطرة على الأوضاع تقع في يدها وحدها، وأن ما حدث من نزول الاحتجاجات لمناطق الاشتباك مع الاحتلال لن يمر مرور الكرام، ويبدو أن السلطة تعرضت لمضايقات شديدة من جانب الاحتلال لفشلها في مساعدته على قمع الاحتجاجات، لذلك سعى أبو مازن على التأكيد على أن يده مازالت طويلة، وقادرة على ترهيب الفلسطينيين.

في الواقع، لعل كثافة القمع وبعض أساليبه كانت غير مسبوقة، لكن فعل القمع بحد ذاته أسلوب وظفته السلطة الفلسطينية منذ أيامها الأولى، واستهدفت به شرائح مختلفة بذرائع وأدواتٍ متفاوتة، وبنظرةٍ بانورامية على حوادث القمع عبر أكثر من 25 عامًا من عمر السلطة الفلسطينية، يمكن فهم الكثير حول “الخطوط الحمراء” للسلطة، وكيف تزداد هشاشة بنيتها مع الوقت وفي المقابل تتسع شريحة الفئات المستهدفة بقمعها[7].

لقد فقدت السلطة الفلسطينية وحركة فتح -ولاتزال تفقد- الثقة في تعويل الفلسطينيين على تحقيق أي نجاحات باستمرار المسار السياسي الذي تروج له سلطة أوسلو. ذلك حاصةً أنه على الرغم من الانتقادات الشديدة التي وجهها الشارع الفلسطيني للسلطة، بعد عدم مشاركتها في احتجاجات القدس، وعدم ضغطها على الاحتلال للتوقف عن ضرب المنشآت المدنية في غزة، إلا أن السلطة قررت العودة للمشهد من بوابة الدور المنوط لها من اتفاقية أوسلو، وهو قمع الفلسطينيين لتكرّس بذلك أزمتها البنيوية في كونها ليست سلطة تحرير، بل كيان وظيفي يتلاقى مع رغبة الاحتلال في فرض الهدوء والاستقرار، فضلا عن أن أنصار السلطة يعتقدون أن ما تفعله فصائل المقاومة هو ما سيُضيع فلسطين. ولكنها تتجاهل الحقيقة التاريخية، بأن هذا العالم لا يعترف سوى بالقوي، ولا يسمع إلا صوت المقاوم، ولذلك حملت الخارجية الأمريكية إسرائيل المسئولية عن التصعيد، نتيجة ممارساتها تجاه حي الشيخ جراح، وهذا بفضل نتائج سيف القدس، رغم أن هناك قطاع ثانٍ تقوده حركة فتح وما يواليها من فصائل ترى أن المقاومة الشعبية السلمية وحدها، هي ما يمكنها تحقيق الاستقلال، وفي ذلك تغافل للنتائج النهائية التي توصلت إليها اتفاقية أوسلو ذروة ميراث هذا الاتجاه، فقد تمكن الاحتلال بفضل المقاومة الناعمة من إطباق الحصار على القدس وضمه لمعظمها، وإعادة هندسة الضفة الغربية وضم أجزاء واسعة منها، وخلق واقع اجتماعي واقتصادي وسياسي في تلك المناطق، عجز عن فعل القليل منه في غزة بفضل وجود مقاومة مسلحة.

نعي أن هناك فرق بين الواقعين، ولكن المشكلة عندما يحمّل أصحاب توجه التسوية السياسية، وما آلت إليه الأوضاع، نتائج مسارهم على عاتق الفصائل المقاومة، بدلًا من الشجاعة التاريخية والقول بأن مسار التسوية على النحو الذي جاء عليه شهد العديد من الأخطاء البالغة، ذلك بما مثل الأرضية التي أُسست لقمع الفلسطينيين واستباحة حقوقهم.

ناهيك عن ضرورة دعم صمود تلك الفصائل، ومحاولات إعادة إنتاجها في مناطقهم، إلا أن هذا التيار (المتمسك بمسار التسوية فقط) يعتقد أن المقاومة المسلحة توفر ذرائع البطش الهائل للاحتلال الإسرائيلي. بغض النظر عن دراسة تاريخ هذا الاحتلال وطبائعه وسماته، ونزعات الإبادة الكامنة في أيديولوجيته، فإن بطشه المتفاقم من انتفاضة الأقصى فصاعدًا، مرتبط بوجود سلطة فلسطينية، لا بالمقاومة المسلحة، بمعنى أنه يفسر أي عملٍ مقاومٍ قادمٍ إليه من أراضي السلطة، سواء كان شعبيًّا أم مسلحًا بأنه قادم من أرض معادية محكومة بسلطة منفصلة. ولا نحتاج لإثبات ذلك، سوى التذكير بأعداد الشهداء العزل الذين كان يقتلهم الاحتلال يوميًا على الحواجز في مطلع الانتفاضة الثانية. هذا المشهد، بالإضافة إلى صعوبة الاستمرار في الزحف للحواجز للموت بالرصاص الإسرائيلي، كان من أهم أسباب تحول تلك الانتفاضة إلى مسلحة، فقد قُتل في أول عشرة أيام فقط منها أكثر من تسعين شهيدًا، واستشهد في عام واحد فقط في مسيرات العودة في غزة -وهي شعبية بالكامل- 281 شهيدًا، فضلًا عمّا يقارب العشرين ألف إصابة، واستشهد في يوم التحاق الضفّة بالهبّة الأخيرة أحد عشر شهيدًا في يومٍ واحد. لذلك، فإنّ التصوّر بأنّ المقاومة السلمية قادرة على امتصاص البطش الإسرائيلي تدحضه الوقائع الصلبة، مهما تفاوتت نسبةُ البطش بين الاحتجاجات المسلحة والسلمية، بحكم طبائع الأشياء”[8].

في الحقيقة، هناك حالة تخبط كبيرة تعيشها حركة فتح، وهو ما دفع السلطة لتأجيل الانتخابات البرلمانية التي كان مقرر لها الانعقاد في 2021 إذ شعرت أنها في أضعف حالاتها، وأنها ستخسر تلك الانتخابات، في ظل الشعبية الكبيرة التي حصلت عليها المقاومة والقوى السياسية التي دعمت الاحتجاجات ضد الاحتلال.

إلا أن ما لا تدركه السلطة، أن ممارساتها تدفع بقوة نحو اندلاع اقتتال أهلي حاد بين مؤيدينها ومعارضيها، لذلك فالواجب التاريخي يحتم عليها التوقف عن التوسع في ممارسة العنف، وإعادة صوت العقل، وعدم تحولها لسوط في يد الاحتلال لكتم الأصوات الفلسطينية الحرة[9].

ثانيًا- إقليم يتشكل واستمرارية محورية القضية الفلسطينية:

شهد عام 2021 حالة من الهرولة من جانب عدد من الدول العربية نحو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بصورة علنية، متخلية بذلك عن الخطاب التقليدي العربي المناوئ لإسرائيل.

وسنقتصر هنا على الإشارة إلى أبرز التطورات التي حدثت وتؤثر بصورة مباشرة على مسار القضية الفلسطينية، وتحديدًا العلاقات الأردنية الإسرائيلية، ثم دخول أحد أطراف الاتحاد المغاربي –الذي يضم المغرب والجزائر وتونس وليبيا- إلى قطار التطبيع ونقصد هنا المغرب، وعلى جانب آخر سنشير إلى الموقف المصري الأخير من الأحداث في فلسطين، وقطاع غزة بصفةٍ خاصة، وملامح محور هناك من يرى أنه يتشكل بهدوء يتكون من مصر وقطر وتركيا، وكيف دعّم التفاهم المصري القطري غزة مؤخرًا.

1- الطاقة مقابل المياه: ومصير العلاقات الأردنية الصهيونية:

دخلت العلاقات الأردنية الصهيونية مرحلة جديدة بعد توقيع ما يعرف باتفاقية “الكهرباء مقابل المياه” في نوفمبر الماضي، وهو مشروع تم برعاية أمريكية وتمويل إماراتي لصالح إسرائيل. وتأتي أهمية الاتفاقية من طبيعة الموضوع الذي تم التعاون بصدده، حيث قامت الإمارات بتمويل برنامج يُعرف بالإزدهار الأخضر، ويتضمن تطوير محطات طاقة شمسية كهروضوئية في عمّان بقدرة إنتاجية تصل إلى600 ميجاواط، ولكن يتم تصدير إنتاجها بالكامل لإنارة إسرائيل، في مقابل استفادة الأردن من تكنولوجيا تحلية المياه الصهيونية، في دعم برنامج الازدهار الأزرق، الذي سيوفر للأردن 200 مليون متر مكعب سنويًا.

هذا يعني أن ثمة تعاون استراتيجي يتم بناؤه على قدمٍ وساق برعاية أمريكية -إماراتية، لإذابة الخلافات التي حدثت بين رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو والملك عبد الله الثاني حاكم الأردن، وهو تعاون من شأنه أن يحل عدد كبير من القضايا العالقة، وكلها عوامل تصب بصورة سلبية في مصير القضية الفلسطينية[10]. الغريب في الأمر أن شركة أبو ظبي لطاقة المستقبل “مصدر”، هي من ستقوم بتحمل نفقات محطات الطاقة التي ستحصل عليها إسرائيل[11].

من جانبه، اشتعل الشارع الأردني غضبًا ضد السلطات لرفض هذه الاتفاقية، رغم إعلان المسئولين أنها لم تصل لمستوى اتفاقية، وأنها مجرد مذكرة تفاهم وإعلان نيات، وأن المشاورات حولها مستمرة، إلا أن ذلك زاد حدة التظاهرات. هناك اتجاه كبير في الأردن يُقيم الوضع بأن هذه الخطوة الجديدة ومعها مسلسل التطبيع المتسارع، والذي دخل مرحلة التحالف؛ تمثّل تمهيدًا لما هو أسوأ من “صفقة القرن”، ولا نعني حيثياتها، بل مجمل القضية؛ لجهة الخطورة وإمكانية التمرير. نقول ذلك، لأن “صفقة القرن” كانت طاعنة في الظلم (إذ تعني توقيعًا على حل بلا قدس ولا سيادة، وبمساحة عيش بائسة ومقطعة الأوصال لا تتجاوز نصف الضفة الغربية)؛ ولم يكن أحد ليجرؤ على تمريرها، بل كان المؤمل أن تفجّر الانتفاضة رغم أنف عباس؛ تمامًا كما حدث بعد قمة كامب ديفيد، صيف العام 2000، والتي جاءت “انتفاضة الأقصى” بعدها مباشرةً، حين تبين للجميع أن ما يعرضه المحتل على القيادة الفلسطينية، لا يمكن أن يقبل به أي طرف مهما كان توجهه.

المسار الذي يمثّل الاتفاق الثلاثي أحد أهم تجلّياته، بجانب اتفاقات أخرى تتسارع، هو مسار “الحل الإقليمي”، ويسمّيه نتنياهو وآخرون “السلام الاقتصادي”. إنه يتلخّص في فتح أبواب التطبيع العربي على مصاريعها، مع تحسين وضع السلطة في الضفة (اقتصاديًا على وجه التحديد)، من دون حلّ سياسي، بل من دون تفاوض. “الحل الإقليمي” أو “السلام الاقتصادي”، لا يحتاج إلى توقيع لن يتجرّأ عليه أحد، بل يعني تصفيةً ناعمة للقضية، عبر تحويل المؤقت إلى دائم. حين يحدث ذلك، ويتحوّل المؤقت إلى دائم، فإن “التوطين” ربما يصبح حقيقة في الأردن، لكن الأسوأ أن عملية تهجير متدرج ستتم لسكان الضفة في سياق الحدود المفتوحة والعلاقات الثنائية، وليكون الطرح القادم على شاكلة ما كتبه رجل الأعمال (حسن اسميك) في “فورين بوليسي”؛ أي ربط الديمغرافيا الفلسطينية بالأردن، دون سيادة على الأرض، بمسمى “فيدرالية” أو “كونفدرالية”، وهذا هو مشروع “الوطن البديل”[12].

ووصلت الاتهامات إلى الحد الذي دفع الملك الأردني عبد الله الثاني للغضب والرد على المشككين في التزام الأردن بموقفه التاريخي من دعم حقوق الشعب الفلسطيني، مؤكدًا أن مواقف بلاده لازالت ثابتة، ولم تتغير كما يقول البعض، إلا أنه أكد أن مشكلة المياه وجودية ولا بد لها من حل، وقد أعاد الحديث حول مشروع الناقل الوطني لتحلية المياه من خليج العقبة، إلا أن الجميع يعلم أن هذا المشروع شبه مستحيل حاليًا لأنه يحتاج أكثر من 2.5 مليار دولار، لإعداد البنية التحتية التي يحتاجها، ناهيك أن الأردن لا تملك رفاهية في الوقت، حيث تعد واحدة من أكثر بلدان المنطقة جفافًا[13]؛ لذلك يدرك الجميع أن الاتفاقية ستنفذ لا محالة.

ومع ذلك، فالأمر في الأردن مازال مشتعلًا ولم ينته، والشارع في حالة رفض خشية تحول الأردن إلى نموذج جديد للإمارات.

2- المغرب العربي ومخاوف من استمرار مسار التطبيع:

تطورت العلاقات المغربية الصهيونية في الفترة الأخيرة بقوة، إلى الحد الذي سمح للرباط باستضافة وزير الحرب الصهيوني بيني غانتس في نوفمبر الماضي، وهي سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ البلاد، أن تستضيف شخصية متورطة بشكلٍ مباشر في التخطيط والتنفيذ لقتل الفلسطينيين، بل وتأكيده على أن زيارته جاءت لأهداف أمنية مستقبلية، وبذلك تحولت الاتصالات السرية السابقة بين البلدين، إلى شراكة علنية، وهي نقطة قد تسهم في حلحلة موقف الدول المغاربية عامةً في علاقاتها مع إسرائيل.

وفي هذا الإطار، ينبغي على الفصائل المقاومة والمقدسيين العمل على توعية الرأي العام المغاربي بضرورة عدم الانسياق وراء قطار التطبيع، وعدم تخلي بلادهم عن الموقف الداعم لحقوق الفلسطينيين، وعدم استغلال التطبيع مع إسرائيل في حل الأزمات الداخلية والإقليمية، حيث كانت تهدف المغرب من تلك الزيارة تحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية في صراعها مع الجزائر، بعدما حققت المغرب انتصارًا تاريخيًا من التطبيع العلني الذي رعته واشنطن بين تل أبيب والرباط، واعترفت بعده واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الكبرى، وهو ما دفع الجزائر لقطع علاقاتها مع المغرب.

قد تتجه الجزائر غدًا للتعاون مع إسرائيل لكسب الدعم الأمريكي في الصراع حول الصحراء الكبرى، وهذا ما تتمناه إسرائيل، لأنها ستكون قد امتلكت الجزء الأكبر من أوراق بلاد المغرب العربي.

3- تفاهم مصري قطري يعزز المكاسب:

يُسهم التفاهم المصري القطري في إفساد إحدى استراتيجيات إسرائيل الأساسية، كيف؟ تتبنى إسرائيل استراتيجية وضعها الجنرال الأمريكي جون ووردن خلال سبعينيات القرن الماضي، في طريقة التعامل مع البؤر المتمردة عن السيادة الأمريكية، فقد قسم مكونات تلك البؤر/ المجتمعات إلى خمسة أقسام: الأولى هي القيادة المحركة للجماهير، والثانية؛ هي الاحتياجات العضوية الأساسية لاستمرار الحياة، والثالثة؛ هي البنى التحتية وبالتحديد مناطق توليد الطاقة والمياه والطرقات بصفةٍ عامة، والرابعة؛ هي الجماهير أو المدنيين، وأخيرًا؛ الجسم العسكري ومقاتلي تلك البؤر، وهم الحلقة الأضعف نظرًا لبدائية الأسلحة التي يستخدمونها. وتنطلق تلك النظرية من فرضية أن إجهاد المنظومة المجتمعية والحياتية للبؤر المتمردة؛ هي البوابة الرئيسية لتصفيتها، ويحدث هذا عندما تركز آلة الحرب على القسم الثالث وهو الخاص بالبنية التحتية، وذلك تطبيقًا لمبدأ اقصفه الآن، ليموت غدًا، لذلك تركز إسرائيل دومًا في ضرب معظم منشآت البنية التحتية، ويظهر ذلك بجلاء عند توجيه الاحتلال ضرباته نحو منشآت القطاع الصحي بصفةٍ خاصة، ومنشآت إمداد المجتمع بالحياة والطاقة بصفةٍ عامة، وبالتالي تظل أعداد الموتى في صعود حتى بعد توقف الحرب، لتجعل الحياة في غزة كابوس يحلم أصحابه بالزوال، لكي لا يكون أمامهم سوى الموت البطيء، أو الرضوخ للمحتل الغازي[14].

ومن نتائج هذه الاستراتيجية، أنها تؤدي إلى انشغال قيادة المقاومة بمحاولة إعادة بناء البنية التحتية، بجانب الاحتياجات العضوية الأساسية، ما يزيد من أعباء المقاومة على الفصائل ذاتها، ويضعها في مأزق حقيقي أمام جماهيرها ومدى قدرتها على الصمود في تلك الأوضاع، لأن الجماهير تحمّلها مسئولية توفير تلك الحاجات العضوية، وهو ما يحرف تركيزها عن القضية الأساسية كأداة مقاومة للاستقلال، إلى سلطة تنفيذية تهتم باحتياجات الناس اليومية.

في عام 2018 وتحديدًا شهر أكتوبر، نتج عن تفاهمات تمت بين حماس والاحتلال برعاية الحكومة المصرية، أن تقوم قطر بتقديم منحة مالية شهرية تقدر بقيمة 30 مليون دولار، لتخفيف حدة الحصار عن مواطني غزة، مقابل توقف مسيرات العودة التي قادتها حماس، وأحدثت خسائر اقتصادية وعسكرية وسياسية للكيان الصهيوني، حيث تخصص 10 مليون دولار لدفع رواتب موظفي حكومة غزة، و10 مليون أخرى لتشغيل محطة الكهرباء، و10 مليون أخيرة لدعم الأسر الفقيرة، بواقع 100 دولار شهريًا لكل أسرة. هذا إضافةً إلى مشاريع أخرى تصرف عليها قطر مثل قروض الزواج، ودعم الأندية الرياضيّة، وسدّ ديون الطلاب الجامعيين للجامعات وأعمال أخرى[15].

خلال عامين من صرفها، صارت المنحة تشكّل رافدًا مهمًا من روافد العجلة التجاريّة في القطاع، إذ يستفيد منها حوالي 37% من أسر قطاع غزّة، وتُقدّر مساهمتها بحوالي 20% من الاستهلاك السلعيّ في غزّة الذي يبلغ مجموعه تقريبًا 50 مليون دولار شهريّا. وبالنظر لمستوى الأجور الشهريّ في غزّة والذي يقترب من 200 دولار، فإنّ المنحة توفر 50% منه، ولذلك بقيت ضمن دائرة اهتمام الناس طوال الفترة الماضية. يُذكر أنّ 65% من سكان القطاع يعانون الفقر، ويعتمد 80% منهم على المساعدات الدوليّة[16].

من ثم تساهم المنحة القطرية التي توصلت إليها التفاهمات، في تهدئة حالة الاحتقان الناتج عن الحصار الإسرائيلي ضد حماس، وبالتالي فتل أبيب مستفيدة أيضًا من تلك الحالة، التي يمكن أن تتحول إلى قنبلة تنفجر في وجهها.

لم يكن من السهل الوصول إلي هذا الأمر، دون دعم ضمني من الحكومة المصرية الراعية لتلك التفاهمات، ولذا فإن القراءات الأيديولوجية والسياسية للموقف المصري الداعم لفلسطين وقطاع غزة في الفترة الأخيرة، والذي وصل لذروته في قضية حي الشيخ جراح ومعركة سيف القدس بعده، والتي تقول بأنه مجرد نكاية من النظام المصري للصهاينة الداعمين للنظام الأثيوبي، تلك القراءات لن تخدمنا هنا في تحليل السياق الاستراتيجي للقضية الفلسطينية. حيث إن التقليل من شأن موقف الخارجية المصرية من تحميل الاحتلال مسئولية التصعيد الذي حدث في الأقصى، ثم غزة، لن يخدم فلسطين[17]. ناهيك عن المبادرة المقدّرة بنصف مليار دولار والتي قدمها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لدعم إعادة الإعمار[18].

وبناءً على ما سبق، تظهر أهمية الدور الذي يمكن أن تقدمه مصر لمستقبل القضية الفلسطينية، في حال حققت خطوات إيجابية في ملف إعمار غزة، الذي سيعيد الروح المعنوية للفلسطينيين، لأن ذلك يضرب صميم الاستراتيجية الإسرائيلية في تصفية القضية، إذ إن إعادة الإعمار ستعزز صمود المستضعفين في غزة، وبالتالي سيمنح فصائل المقاومة هدنة من التركيز على تلك القضايا والتفرغ أكثر لتطوير الترسانة العسكرية.

علاوة على ذلك، فالقضية الفلسطينية اليوم قد تصبح بابًا لتطوير وتحسين العلاقات القطرية المصرية إلى مستوى لم يحدث خلال السنوات الماضية، من منطلق وجود أرضية مشتركة بين البلدين حول تناول الأوضاع في القدس وغزة، وهو الأمر الذي قد يسهم في تحول تلك العلاقة إلى محور داعم لفلسطين، لاسيما في ظل تحسن الأوضاع بين مصر وتركيا، وهو أمر من شأنه إحداث تغييرات جذرية في المشهد الإقليمي عامةً، والفلسطيني خاصةً.

ثالثًا- خلاصة المشهد الدولي: تغيير في الأدوار

شهد الوضع الدولي حدوث عدد من التحولات في الدور الذي يقوم به كل طرف، نتيجة تغيير في الأحداث، حيث مثّل نجاح الرئيس الأمريكي جو بايدن عودة لنبرة التفاؤل مجددًا بمسار التسوية السياسية، بعدما أعاد الحديث حول ملف حل الدولتين. وفي المقابل شهدت القضية الفلسطينية صعود متزايد للدور البريطاني لكن في اتجاه تعاونه مع إسرائيل وعدائه لبعض الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حماس، يبحث هذا الجزء من التقرير تقييم للدور الأمريكي المتوقع وكذا البريطاني.

1- جو بايدن وعودة العلاقات مع السلطة الفلسطينية:

“إذا لم تكن هناك إسرائيل، ربما كنا سنضطر لاختراعها لحماية المصالح الأمريكية”، ينسب هذا التصريح لجو بايدن عندما كان نائبًا للرئيس الأسبق باراك أوباما[19]، وكان من الضروري البدء به لتهدئة سقف التوقعات الذي هللّ له داعمو مسار التسوية السياسية. فقد صرح بايدن أثناء الحملة الانتخابية بأن مساعدة بلاده لإسرائيل مستمرة من منطلق واجبها التاريخي الأخلاقي، الذي سيجبرها دومًا على الحفاظ على التفوق النوعي الإسرائيلي على بلدان المنطقة.

لقد نجح جو بايدن في إعادة ثقة الفلسطينيين في أهمية الدور الأمريكي كوسيط لعملية السلام، عندما أكد أنه سيبذل جهودًا كبيرة لعودة مسار حل الدولتين، وإعلان إدارته أنه سيتم مد الفلسطينيين بـ 15 مليون دولار مساعدات إنسانية لمكافحة السلالة الجديدة من فيروس كورونا، وقرارها في السابع من أبريل الماضي إرسال مساعدات تقدر بـ 75 مليون دولار من أجل تنمية قطاع غزة والضفة الغربية و150 مليون دولار أخرى من أجل برامج الأونروا، كل ذلك يمكن اعتباره خطوات على طريق تطبيع العلاقات الثنائية. وعن تصريح وزارة الخارجية الأمريكية بأن احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة ومرتفعات الجولان هو حقيقة تاريخية الذي ورد في تقريرها لعام 2020، فيمكن تقييمه على أنه جزء من عملية التطبيع[20].

وذلك بهدف إعادة الاتصالات مع السلطة الفلسطينية، بعدما تعرض دور الوساطة للانهيار بعد قرارات الرئيس السابق ترامب المعادية للفلسطينيين والعرب، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة أبدية لليهود في عام 2017، ثم قطع كامل المساعدات الأمريكية المقدمة للحكومة الفلسطينية ثم قطع المساعدات المقدمة لمنظمة الأونروا، ووقف دعم مستشفيات القدس، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن في عام 2018، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وشرعنة الاستيطان بعدما أعلن وزير خارجيته بأن بلاده لا تعتبر المستوطنات مخالفة للقانون الدولي في عام 2019، وأخيرًا بالإعلان عن مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية، المعروفة إعلاميًا باسم صفقة القرن ثم تأييد خطة الضم الإسرائيلية في عام 2020[21].

إن نجاح جو بايدن سيحمل وضعًا أفضل للفلسطينيين، ولكن لن يعيد الوضع كما كان قبل ترامب، الذي اتخذ خطوات غير مسبوقة من قبل، فوزير خارجية بايدن أكد أن بلاده ستواصل الاعتراف بالقدس كعاصمة أبدية لليهود، كما أعلن اعتراض بلاده على نتائج المحكمة الجنائية الدولية فيما يخص الجرائم الصهيونية المرتكبة ضد المدنيين في غزة والقدس والضفة.

لذلك فمازال هناك ضرورة لفرض ضغوط كبيرة على إدارة بايدن للتراجع عن كثير من قرارات سلفه ترامب، وبالتالي مازال لم يحدث تقدم حقيقي يسمح بهذا الاحتفاء المقدم لبايدن.

2- بريطانيا بلفور تعود من جديد:

عادت بريطانيا للظهور مجددًا في القضية الفلسطينية بقوة، مستعيدة روح وعد بلفور الذي ظلم الفلسطينيين في الماضي. في حقيقة الأمر، منذ قررت بريطانيا الخروج عن الاتحاد الأوربي، ودخول اتفاق بريكست حيز التنفيذ، وهناك مجموعة من التحولات الاستراتيجية والجيوسياسية التي تقوم بها لندن بصورة جذرية، وتعد أبرز تلك التحولات هي التقارب الاستراتيجي الكامل الذي يحدث على قدمٍ وساق كل يوم مع الولايات المتحدة الأمريكية، والذي أخذ منحنى تصاعدي واضح إبان فترة حكم الرئيس العنصري السابق دونالد ترامب، الذي توافقت رؤيته مع رئيس الوزراء البريطاني جونسون.

لم يكن الخروج سهلًا؛ بعد الهزة العنيفة التي أحدثتها لندن في عواصم اليورو، وفي اقتصادها نفسه، ولذلك بحثت عن بديل قوي؛ ليعوّضها عن الخسائر التي ستتعرض لها من الخروج. كما أن واشنطن بحاجة ماسة لحليف بحجم بريطانيا يساعدها في مواجهة الصعود الصيني المستمر، وتهديده للهيمنة الأمريكية. وبعيدًا عن الدخول في تفاصيل هذا الملف، سنركز هنا على إبراز الشواهد على انعكاس تلك التحولات السابقة بالتأثير على القضية الفلسطينية، وبالتحديد على طبيعة العلاقة بين تل أبيب ولندن في الأونة الأخيرة. فقد وقعت لندن وتل أبيب مذكرة تعاون استراتيجي، تمهد الطريق لاتفاقية تجارة حرة كاملة بين البلدين في نوفمبر الماضي.

جاءت هذه الاتفاقية كنتاج للتقارب المتزايد الذي حدث في الشهور الماضية، والذي وصل ذروته عندما أقر البرلمان البريطاني بوضع حركة حماس ككل على قوائم الإرهاب، بعدما كانت تفرق بين جناحها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام وبين الجناح السياسي. بررت وزيرة الداخلية التي قدمت القانون للبرلمان أن التصنيف الجديد لحماس يأتي في إطار ما أسمته؛ جهود مكافحة معاداة السامية، وضمان أمن المجتمع المحلي البريطاني[22].

وفي حقيقة الأمر، لا يوجد نشاط فعلي لحركة حماس على الأراضي البريطانية، ولكن هناك أهداف أخرى جراء هذا القرار الذي من أهم تداعياته ما يلي: على الصعيد الإنساني هناك الأمر المتعلق بالمساعدات التي تقدمها المملكة المتحدة لقطاع غزة والتي لا يمكن إيصالها دون التنسيق مع حماس التي تسيطر على القطاع، بالإضافة إلى القيود التي قد يضعها القرار على الجالية الفلسطينية في بريطانيا، خاصةً وأن الحركة تتمتع بتأييدٍ كبيرٍ في قطاع غزة الذي ينحدر منه جزء كبير من أبناء الجالية في بريطانيا[23].

ولكن الأمر الذي دفع بقوة نحو اتخاذ القرار، يمكن إعادته بالتحديد إلى أحداث وقعت أثناء معركة سيف القدس، فقد خرجت مظاهرات بعشرات الآلاف في شوارع وضواحي لندن تندد بالإرهاب الصهيوني، ضد المدنيين في قطاع غزة، وهو الأمر الذي أربك حسابات الساسة في تل ابيب، التي شعرت بالتهديد الحقيقي من تحول الرأي العام العالمي ضد إسرائيل، وذلك بعدما فقدت قضية الهولوكوست بريقها، خاصةٍ في ظل ما يُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي من مذابح صهيونية ضد الأطفال والنساء والشيوخ. كما ساهمت الحملات الفلسطينية المنظمة بتغيير الرأي العام حول فلسطين، إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته “خدمة بي بي سي العالمية” عام 2014، أن 72 في المئة من البريطانيين لديهم آراء “سلبية في الغالب” تجاه إسرائيل[24]. لكن عقب القرار البريطاني فإن هذه الأنشطة (تظاهرات داعمة للقضية الفلسطينية، أو استطلاعات رأي) ستكون محل تدقيق ورقابة، وأي مظهر يرتبط بحركة حماس، حتى لو اقتصر على رفع رايتها الخضراء، سيعرض أصحابه لعقوبات كبيرة ربما تصل للسجن مدة قد تصل لعشرة أعوام[25].

هناك بعد آخر يجب الإشارة إليه، حيث إن تصنيف بريطانيا لحركة حماس منظمة إرهابية قد جاء استكمالًا لعملية إعادة بناء المنطقة في سياق توحيد المنظورات الإمبريالية؛ ببناء سردية موحدة منسجمة حول الإرهاب بدمج الأبعاد السياسية والعسكرية[26] من خلال وضع تنظيمات الإسلام السياسي جنبًا إلى جنب مع جماعات السلفية الجهادية، بحيث يتم التعامل معهم جميعًا من منطلق استراتيجي وتنفيذي موحد، لإقصائهم معًا، إذ يعيش النظام الاقليمي العربي مرحلة إعادة تأسيس ترتكز على مجموعة من الأهداف الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، أبرزها دعم الجهود الاقتصادية التنموية على حساب القضايا السياسية. وتقود الإمارات هذا المشروع، تحت حلم تحولها لقوة إقليمية تأتي خلف الوجود الصهيوني في المنطقة، وتكمل جوانب النقص لديه، حيث تقدم نفسها للمجتمع الدولي، باعتبارها دولة يمكن الوثوق بها والتعامل معها ودعمها كما يتم التعامل مع إسرائيل، وعلى هذا الأمر، يمكننا فهم أسباب الهرولة والاحتفاء الذي تقوم به الإمارات في تأكيد علاقتها بإسرائيل، التي تحاول استنساخ تجربتها كحارس جديد للنفوذ الغربي في المنطقة[27].

في نهاية الأمر، ليس من المتوقع أن يؤثر القرار كثيرًا على حركة “حماس” التي لا تملك حضورًا (سياسيًا) في بريطانيا. لكن بكل تأكيد سيؤثر القرار على قدرة بريطانيا في الانخراط في مساراتٍ سياسيةٍ مع الحركة، مثل اتفاقات التهدئة أو مفاوضات تبادل الأسرى، بالإضافة للانخراط في مساراتٍ مدنية إنسانية في قطاع غزة الذي تحكمه حماس فعليًا، كما سيؤثر القرار على طبيعة الاحتجاجات التي ستخرج في الشارع البريطاني في حالة اندلاع حرب، بالإضافة إلى أن القانون قد يُستخدم كعقبة في وجه الاستبيانات التي تُجرى لقياس موقف الناس من الفصائل المقاومة في فلسطين، لأن اليهود بارعون في توسيع دائرة القوانين الخاصة بهم، فمثلما فعلوا مع قانون معاداة السامية الذي جعلوه سوطًا مسلطًا على أي شخص ينتقدهم، قد يكون تصنيف حماس كتنظيم إرهابي بداية لأمور أوسع تأثيرًا[28].

رابعًا- مسارات استراتيجية مستقبلية:

في هذا الجزء سنلقي نظرة على التطور النوعي العسكري الذي حدث في الترسانة العسكرية لفصائل المقاومة، وتأثير هذا الأمر على التطور الذي ستشهده العلاقة بين الاحتلال والمقاومة. كما سنشير إلى أداة المقاطعة، باعتبارها أحد المسارات الممكنة في المرحلة الجديدة من عمر القضية، وكيف تؤثر تلك الأداة على مجريات الأحداث، في حال أُخذت بالاهتمام الكافي.

 

 

1- مُسيّرات حماس ومستقبل التطور النوعي العسكري:

شهدت معركة سيف القدس تطورًا نوعيًا على الصعيد العسكري من جانب فصائل المقاومة، وتحديدًا في قدرتها على الوصول إلى أهداف محددة في عمق الأراضي المحتلة، ففي الليلة الأولى للحرب، تمكنت حماس من قصف صهريج نفط إسرائيلي جنوب عسقلان (أربعة كيلومترات شمال شرقي السياج الأمني مع قطاع غزة) بالقرب من الساحل، ورغم سخرية الاحتلال وأذنابه من كون ما حدث مجرد صدفة عابرة، إذ إن الصواريخ التي تطلقها حماس غير مزودة بأجهزة تحديد المواقع، حيث تُطلق بهدف الدخول في عمق الأراضي المحتلة، دون تحديد أهداف معينة، إلا أن ما حدث في تلك الليلة مثل تغييرًا محوريًا في قواعد الاشتباك وقوانين الحرب بين المقاومة والاحتلال، إذا طورت حماس طائرات مسيرة تعرف باسم “شهاب”، وهي طائرات دون طيار محلية الصنع، مزودة بأجهزة تحديد مواقع وتقدر على حمل رأس حربي يزن 30 كيلوجرام.

ساعدت طائرات حماس في الوصول لاستراتيجيات جديدة في توجيه ضرباتها، لتعميق تأثيرها على المحتل، بالصورة التي دفعت الصحفي الصهيوني سفي هندلر للقول بأن: “حماس ألحقت بنا الهزيمة الأكبر في تاريخ المواجهة معها، لم تنجم الهزيمة عن عدد صواريخ حماس، بل بنجاحها في رهبة الوعي الإسرائيلي، لقد جعلت حماس إسرائيل في نظر قاطنيها مكانًا غير آمن، عنيفًا، متفككًا، وهذه ضربة قوية للأمة الإسرائيلية”. وكذلك ما قاله الباحث الإسرائيلي أوري غولدبرغ: “عندما يزداد عدد الصواريخ التي تطلقها حماس في كل جولة قتال عن الجولة التي سبقتها، فهذا يدل على أننا فشلنا في ردعها، مع أننا في كل مرة نقتل ونجرح أكثر… نحن نقتل الآلاف، لكن هذا لا ينجح”[29].

لقد عملت فصائل المقاومة منذ اندلاع الانتفاضة الأولى على تراكم الخبرة العسكرية حتى وصلت قدرتها على إرسال عشرات بل ومئات الصواريخ دون توقف، بعدما كان الصاروخ لا يتجاوز الـ500 متر قبل سقوطه، في حين نجد أن الاحتلال قد غير خططه العسكرية ورؤيته الاستراتيجية خلال السنوات العشرين الماضية فقط، أكثر من خمس مرات، بداية من خطة “كيلع” (2003-2006) التي ركزت على سلاح الجو وأهملت سلاح المشاة، ثم منيت بهزيمة من حزب الله في لبنان. ثم جاءت الخطة الثانية “تيفين” (2008-2012)؛ التي أعادت التركيز على تطوير سلاح المشاة كمًا وكيفًا، بجانب تطوير أنظمة التجسس وسلاح الجو، إلا أن صواريخ المقاومة قصيرة المدى، أظهرت أن ثمة خللًا في مواجهتها. ثم ظهرت الخطة الثالثة وهي خطة “عوز” (2012-2014)، التي يمكن اعتبارها استعادة للخطة الأولى، فقد عمدت تقليل فرق البر، لصالح تطوير سلاح الجو وسلاح البحر، والتركيز على تطوير الأسلحة المتعلقة بالحرب السيبرانية، ونتيجة هذه الخطة أنها أهدرت كافة الجهود التي بُذلت في السنوات التي سبقتها، لاسيما بعد محاولة إسرائيل اجتياح غزة، وتعرض عناصرها لمقاومة غير مسبوقة، جعلتهم أهدافًا سهلة في يد عناصر المقاومة، قبل أن يتراجع الاحتلال سريعًا ويُلغي عملية الاجتياح البري. في حين حاولت الخطة الرابعة “جدعون” (2015-2019) تجاوز مساوئ الخطط السابقة، فقررت توحيد ذراع العمليات البرية والسيبرانية والجوية، عبر تشكيل مركز للتنسيق بينهم. وأخيرًا؛ خطة “تينوفا” (2020-2025)، التي حاولت أن تركز على البعد النوعي أكثر من الكمي، فركزت على أدوات الحرب السيبرانية والتكنولوجية، بجانب تطوير عناصر الجيش الصهيوني نوعيًا وبصورةٍ أكثر احترافية، مع التركيز على ضرورة تقوية دفاعاتهم، بعدما كان يدعي ساسة إسرائيل أن سياساتهم ضد خصومهم دائمًا استباقية وهجومية، فقد أجبرتهم فصائل المقاومة على الدفاع [30].

إن أبرز ما في الرؤية الاستخباراتية الإسرائيلية الراهنة هو عدم قدرة الاستخبارات العسكرية على ادعاء الوضوح في استشراف مجريات الأمور، والسبب في ذلك التغييرات المتسارعة في خريطة التهديدات في المنطقة التي من شأنها أن تؤدي إلى أخطاء في التقديرات الاستخباراتية، فلا رؤية بعيدة المدى والحسابات رهن التطورات. وبالتالي فكل محاولات إسرائيل إدعاء انتصارها النهائي على فلسطين، هو محض وهم، يتداعى مع كل خسارة تحدث لها أمام المقاومة.

وليس هناك أدل من احتفال بيني غانتس ببناء جدار العزل الذكي بين الأراضي المحتلة وقطاع غزة بطول يتجاوز 65 كم، ويمتد العائق أو “الجدار الذكي” الذي شارك في بنائه نحو 1200 عامل تحت الأرض لمسافة 10 أقدام من الخرسانة مع أجهزة استشعار متطورة تكشف أيضًا عن أي عمليات حفر قريبة. وتم استقدام معظم العمال في المشروع من الخارج، وخاصةً من الدول الأوربية، وذلك بسبب المهارة الفريدة في تشغيل وسائل الحفر الهندسية في باطن الأرض. وقد استخدمت الأطقم أكثر من 1.2 مليون متر مكعب من الخرسانة و140 ألف طن من الحديد والصلب في إقامة العائق. وتشير وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى أن كمية الخرسانة المستثمرة في المشروع كافية “لشق طريق من إسرائيل إلى بلغاريا”، في حين أن كمية الحديد والصلب تعادل طول مقطع فولاذي من إسرائيل إلى أستراليا[31]. ولذلك وصلت تكلفته لما يزيد عن 3.5 مليار شيكل، وكل ذلك لحماية الأمن القومي الصهيوني من أنفاق المقاومة التي أصبحت تمثل ذعرًا للجميع في إسرائيل، وباتوا يشعرون أنها قد تصل قريبًا إلى تل أبيب.

وإجمالا: لماذا يُعد التطور الأخير في أسلحة المقاومة (الطائرات المسيرة) بمثابة تغيير لقواعد الاشتباك وتطور نوعي استراتيجي سيكون له تبعات عدة؟ والاجابة؛ أولًا: لأن امتلاك المقاومة لسلاح قادر على تحديد المواقع، سيعني قدرة أعلى على استهداف المناطق الرخوة، وبالتالي خسائر أكبر، وتهديد أعلى للاحتلال، ومزيد من الانهيار لأسطورة الجيش الذي لا يُقهر. ثانيًا: لن تكون إسرائيل مكانًا أمنًا للمحتلين وكل مستوطن يستحل حق غيره، ويراه فرصة لفردوس متوهَّم استمراره.

ثالثًا: لقد تمكنت المقاومة من تطوير ترسانة عسكرية في ظل ظروف حصار غير مسبوقة من قبل، وبالتالي فخبرتها في تطوير الأسلحة رغم التضييق ستمكنها من تطوير طائراتها الجديدة، بالقدرة التي ستجعلها في المستقبل قادرة على حمل رأس حربي يزن 100 و200 كيلوجرام، وحينها ستكون غلّة الأهداف أكبر وأوسع وأقدر على التأثير.

2- المقاطعة كسلاح متعدد الأهداف:

إن سلاح المقاطعة يمكنه أن يكون مسار استراتيجي مستقبلي مُكمل لجهود الشعب الفلسطيني، فعلى الرغم من حالة الرواج التي شهدتها دعوات المقاطعة في المرحلة التي واكبت وتلت معركة سيف القدس، وانتشار فيديوهات تشجع على مقاطعة المنتج الصهيوني على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه مازال سلاح مقاطعة المنتج الإسرائيلي واحدًا من أبرز المساحات المهملة في قضية الصراع مع الكيان الصهيوني، بحجة أن المنتج سعره أرخص من المنتج المحلي، وأن الاقتصاد الإسرائيلي لن يتأثر بنتائج المقاطعة، وغيرها من التبريرات، رغم أن هذه الأداة يجب أن تحصل على الاهتمام الكافي، كالذي توجهه فصائل المقاومة لعملية تسليحها، وذلك لأنه يحقق عددًا من الأهداف وهي:

أ- الضغط على الاقتصاد الإسرائيلي:

يسهم سلاح المقاطعة في وضع الاقتصاد الإسرائيلي في وضع خانق، يؤدي لخلق أزمات متعددة لدى حكومة الكيان الصهيوني والشركات الاستيطانية التي تنمو وتزدهر على حساب أموال الفلسطينيين، “ففي عام 2014، ووفقًا لتقريرٍ صادر عن الأمم المتحدة، تسببت حركة المقاطعة في انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 46%. وفي حال استمرار حركة المقاطعة، فإنّ مؤسسة راند الأمريكية تتوقع إلحاق خسارةٍ بإجمالي الناتج المحلي الإسرائيلي تتراوح بين 1 و2%، أي ما بين 28 و56 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة”[32].

ب- تعزيز صمود التجار المقدسيين:

في حروب الأجيال المتعاقبة أو ما تسمى حروب المدى الطويل، تظل لكل مساحة قيمة مهما صغرت، ويبقى لكل انتصار قيمة ولو كان معنويًا. إلا أن سلاح المقاطعة ليس معنويًا فقط، بل أنه جزء رئيسي في معركة تعزيز صمود المقدسيين بصفةٍ خاصة والفلسطينيين بصفةٍ عامة، في الدفاع عن هوية القضية الفلسطينية حية في نفوس الجميع.

ولذلك فإذا كانت المقاطعة تؤثر سلبًا على الإسرائيليين، فإن تأثيرها على الفلسطينيين مصيري ووجودي، وبالتالي يجب أن يكون هناك توعية مستمرة، بضرورة دعم المنتج الفلسطيني، حتى لو كانت جودته أقل وسعره أعلى. كي لا يكون هناك تأثيرات حادة على عائلات التجار الفلسطينيين، تجبرهم على الهجرة وترك بلادهم للمحتل.

ج- حماية الفلسطينيين من الأمراض:

بالإضافة إلى الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمقاطعة، فهناك بعدًا آخر، يتمثل في عدم اهتمام الشركات الصهيونية، بالمعايير الصحية العالمية في صناعة المنتج الذي يقدم للمستهلك الفلسطيني، وهو ما يؤكده كثير من الفلسطينيين الذين استخدموا نفس المنتج عند مقارنة النسخة التي تباع في الأسواق الفلسطينية، بالنسخة التي تقدم في الأراضي المحتلة للمستوطن الصهيوني[33].

من ثم فعوامل عدة تدفع نحو دعم مشروع المقاطعة، وتحويله لأحد المسارات الاستراتيجية في معركة استعادة فلسطين، كل فلسطين.

د- إعادة الزخم للشارع العربي:

لا بد أن تقوم الكيانات الداعمة لفلسطين بنشر ثقافة المقاطعة ضد كافة الشركات الداعمة لإسرائيل، حيث يحقق هذا الأمر عددًا من المكاسب، أهمها؛ حدوث زخم حول القضايا التي تمس الشأن الفلسطيني، وبالتالي تشكل رأي عام عربي ضاغط على سياسات الحكومات المتحالفة مع إسرائيل، وعدم الركون لحالة الخرس فيما يخص القضية الفلسطينية، وبالتالي تصعيد حالة الاحتجاج ضد الاتفاقيات الضارة بالقضية الفلسطينية، كما أن اتساع قاعدة المقاطعة واستمرارها سيجبر الشركات العالمية المتحالفة مع إسرائيل على مطالبتها بتهدئة الأوضاع، وهذا سيضغط أكثر على الحكومة الإسرائيلية لتخفيف انتهاكاتها القمعية، وهو أمر سيسهم بالطبع في دعم صمود الشعب الفلسطيني.

خاتمة- القضية الفلسطينية بعد مكاسب سيف القدس:

يمكننا اختصار مكاسب معركة سيف القدس في أنها مهدت الطريق لفرض واقع جديد يتسم بعدد من السمات وهي:

أولًا: أن فصائل المقاومة لم تعد مسئولة عن حماية قطاع غزة فقط، بل أن لها صوت ويد للتأثير على الأحداث التي ستشتعل في المسجد الأقصى، وهذا انتصار استراتيجي سيكون له تداعيات كبرى في مسارات المستقبل.

ثانيًا: لم تعد إسرائيل وحدها القادرة على ضرب كافة مناطق فلسطين، فقد وصلت الصواريخ والطائرات الفلسطينية لأهداف لم يسبق حدوثها من قبل، بحيث أصبح الآن هناك توازن رعب جديد بين المقاومة والاحتلال، ولم يعد بإمكان الأخير التمادي في أدواته الحربية كما كان يفعل في السابق عندما استخدم قنابله الفوسفورية، لأن الرد سيكون حاضرًا.

ثالثًا: لقد غضبت فلسطين وتحركت كلها، ونظمت نفسها في مسارات احتجاجية وتصعيدية غير مسبوقة، مع إزاحة شاملة لأي وجود للسلطة الفلسطينية، ولامبالاة كاملة لاتفاقاتها وتنسيقاتها الأمنية مع الاحتلال، وهذا يعني أن الفلسطينيين أدركوا أن حلم التحرير قائم وممكن الحدوث حتي مع استمرار وجود وقمع السلطة الفلسطينية، وبالتالي لم تعد مقولة “استحالة توحيد الموقف الفلسطيني” صحيحة، بل على العكس، فقد توحدوا (على مستوى الشعب) بسهولة ودون جهد، وأصبحت الخلافات السياسية بين الفصائل الفلسطينية، مجرد صراع نخبوي لا يعبر عن السواد الأعظم من الشعب[34].

رابعًا: بث الرعب في نفوس المستوطنين وشعورهم بعدم الأمان، وتحول حركة حماس لأيقونة الخوف بمدينتها تحت الأنفاق، حتى أخذ المستوطنون يشعرون بأن الأنفاق قد تكون أسفل منازلهم، وهي أمور تضع سلطة الاحتلال في أزمات اجتماعية وسياسية، وحتى اقتصادية، لأن الشركات التي ستشعر بقدرة صواريخ المقاومة على الوصول لأهداف بعيدة المدى، لن تجد فائدة من البقاء في إسرائيل، وستشعر بأن تكلفة بقائها أكبر بكثير من الفوائد العائدة عليها.

خامسًا: انهيار المقولات الكبرى التي روج لها الاحتلال لسنوات، وهي تماسك جبهته الداخلية، وامتلاكه وحده القدرة على الردع وقرار الحرب الاستباقية الهجومية، وأسطورة التنبؤ والسيطرة الكلية على كل ما فوق أرض وتحت سماء فلسطين. ففصائل المقاومة هي من بدأت بالهجوم هذه المرة.

سادسًا: لم يتحقق حلم إسرائيل في تدجين الأجيال الجديدة التي وُلدت في الأراضي المحتلة، وكذلك في الضفة الغربية والقدس، فكل محاولات التصهين باءت بنتائج كارثية، رغم التقديرات التي كانت تؤكدها تقارير الأجهزة الأمنية، والخطط الاستخباراتية، لأن من يقوم بطعن الجنود وقذفهم بالحجارة والطوب هم أولئك الذين أنفق الاحتلال على تدجينهم الملايين والملايين، فقد أنفقوها وكانت حسرةً عليهم.

سابعًا: إن دعم المجتمعات العربية والإسلامية لفلسطين أمر غير قابل للمساس، وأن مراهنة الاحتلال على تغيير الوعي، أمر يتنافى مع الواقع والتاريخ.

ثامنًا: لقد أهانت معركة سيف القدس الصورة التي صدرتها تل أبيب عن نفسها في السياق الإقليمي والدولي، رغم الكم الهائل من المنافع التي حصلت عليها من فترة الرئيس اليميني ترامب، ولكنها في النهاية، ظهرت في موقف العاجز عن المبادرة، الفاقد للرؤية وتقدير الموقف[35].

تاسعًا: رهان الأنظمة التطبيعية على بقاء الكيان الصهيوني باعتباره أمر مُسلّم، ومحاولاتها تأسيس نظام إقليمي يرتكز على محورية وجود هذا الكيان، سيظل أمر رهين للفشل والسقوط المدوي، مع تكرار خسائر الاحتلال وتطور ترسانة المقاومة، واستمرار الوعي الجمعي العربي بماهية الاحتلال، واعتقاد جزء كبير منه أن سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، يعود لأسباب بقاء الكيان الصهيوني في المنطقة، وأن أحلام التحرير تبدأ من القدس.

عاشرًا: إن الرسائل التي تأتينا كل يوم عن مرض وضعف سردية المظلومية التي زرعتها إسرائيل في الوعي الغربي خاصةً والعالمي عامةً، توضح أهمية استكمال الدور الذي يقوم به الفلسطينيون في الشتات، ويزيد من أعباء الضريبة التي تدفعها الأحزاب السياسية وجماعات الضغط الداعمة لإسرائيل، ولذلك فخروج المظاهرات والاحتجاجات المستمرة ضد ممارسات إسرائيل، ستؤدي يومًا إلى تحولها لكيان منبوذ.

 

فصلية قضايا ونظرات – العدد الرابع والعشرون – يناير 2022

=========================

الهوامش

[1] ساري عرابي، هل في تجربة “طالبان” ما يُستفاد منه للمقاومة الفلسطينية؟، متراس، 17/8/2021، تاريخ الاطلاع 20/11/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/NZCB7

[2] داود كتاب، القدس وسؤال المرجعية، العربي الجديد، 29/11/2021، تاريخ الاطلاع 1/12/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/1Xngq

[3] [3]  على حبيب الله،  الهبّة في أراضي الـ48… ملامحُ من الالتحاق والالتحام، متراس، 20/5/2021، تاريخ الاطلاع 15/11/2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/IoKCf

[4]  المرجع السابق.

[5]  عائلة معارض السلطة الفلسطينية نزار بنات تدوّل “اغتياله”، موقع DW، 26/8/2021، تاريخ الاطلاع 27/12/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/V2dD1

[6] وفاة نزار بنات “أظهرت وحشية” السلطة الفلسطينية – الغارديان، بي بي سي عربي، 1/9/2021، تاريخ الاطلاع 24/11/2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/yA0TJ

[7] جمانة غانم، السّلطة في مواجهة النَّاس: موجزُ سيرة القمع، متراس، 2/9/2021، تاريخ الاطلاع 24/11/2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/vRJ4f

[8] ساري عرابي، من القدس إلى غزّة.. أصالة المقاومة وراهنية الدور، متراس، 18/5/2021، تاريخ الاطلاع 25/11/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/vxvGY

[9] وسام أبو شمالة، دوافع مقتل نزار بنات وتداعياته، الميادين، 25/6/2021، تاريخ الاطلاع 25/11/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/zxi31

[10] اتفاق بين الأردن وإسرائيل للتعاون في الطاقة والمياه، الشرق الأوسط، 23/11/2021، تاريخ الاطلاع 27/11/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/lB4a0

[11] إسرائيل والإمارات والأردن.. توقيع صفقة “الكهرباء مقابل الماء، الحرة، 22/11/2021، تاريخ الاطلاع 30/11/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Muoln

[12] ياسر الزعاترة، عن اتفاق “الطاقة مقابل الماء” ودلالاته ومخاطره، عربي 21، 28/11/2021، تاريخ الاطلاع 30/11/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/j0TEu

[13] طارق ديلواني،  ملك الأردن يرفض التشكيك بمواقف بلاده حيال اتفاقية “الطاقة مقابل المياه، اندبندنت عربية، 8/12/2021، تاريخ الاطلاع 11/12/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/NAT0V

[14] آمنة الأشقر، قصفُ الاحتلال لغزة: “أقصف الآن، ليموتَ لاحقًا”، متراس، 23/6/2021، تاريخ الاطلاع 27/11/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/TLjll

[15] خالد ابو عامر، المنْحَة القَطَريّة.. “السيرُ” على حبلٍ دقيق، متراس، 25/8/2021، تاريخ الاطلاع 26/11/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/reTr8

[16] المرجع السابق

[17] رفض وتنديد وغضب.. هكذا تفاعل العالم مع أحداث القدس، الجزيرة، 10/5/2021، تاريخ الاطلاع 15/11/2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/eJhOb

[18] بعد قرار السيسي.. تحرك مصري فوري لإعمار غزة، سكاي نيوز عربية، 20/5/2021، تاريخ الاطلاع 17/11/2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/BExsz

[19] محمود الرنتيسي، ما الذي ينتظر القضية الفلسطينية في عهد بايدن؟، رؤية تركية، 26/4/2021، تاريخ الاطلاع 27/11/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/OKpVV

[20] المرجع السابق

[21] في 14 نقطة.. هذه تركة ترامب الثقيلة على القضية الفلسطينية، الجزيرة، 9/11/2021، تاريخ الاطلاع 19/11/2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/7aXu2

[22] إسرائيل ترحّب والحركة تندد.. وزيرة الداخلية البريطانية: اتخذت إجراءات لحظر حماس، الجزيرة، 19/11/2021، تاريخ الاطلاع 23/11/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/dobz9

[23] فراس كيلاني،  حماس: عزلة الحركة في تزايد بعد القرار البريطاني بحظرها، بي بي سي عربي، 28/11/2021، تاريخ الاطلاع 10/12/2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/gllDZ

[24] حسن أبو هنية، بؤس التصنيف البريطاني لحركة “حماس” منظمة إرهابية، عربي 21، 28/11/2021، تاريخ الاطلاع 7/12/2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/YAmxO

[25] فراس كيلاني، مرجع سابق

[26] حسن أبو هنية، مرجع سابق.

[27] ساري عرابي، لماذا تستمر الحماسة التطبيعية؟ نظرة في الرؤية الإماراتية، عربي 21، 23/11/2021، تاريخ الاطلاع 26/11/2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/HCfkT

[28] حسن أبو هنية، مرجع سابق.

[29] شروق مستور،  هل تعتبر معركة سيف القدس نقطة تحول في مسار المقاومة الفلسطينية؟، عربي بوست، 19/5/2021، تاريخ الاطلاع 20/11/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/wwVlg

[30] رامي أبو زبيدة،  كيف أجبرت المقاومة الفلسطينية الجيش الإسرائيلي على تغيير خططه الحربية؟، عربي بوست، 29/11/2021، تاريخ الاطلاع 9/12/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/q0Uhq

[31] إسرائيل تنهي بناء “الجدار الذكي” مع غزة…غانتس يوجه رسالة لـ”حماس”… صور، سبوتنك عربي، 7/12/2021، تاريخ الاطلاع 15/12/2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/i11dN

[32] أمل نزار، هل المُقاطعة ناجعة؟ 5 ردودٍ على المُشكّكين، متراس، 8/6/2021، تاريخ الاطلاع 10/12/2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/rIwEf

[33] المرجع السابق

[34] محمد عايش، هذه نتائج معركة “سيف القدس”، عربي 21، 21/5/2021، تاريخ الاطلاع 10/11/2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/l7eit

[35] عبدالله العقرباوي، إنجازات غير مسبوقة لـ”سيف القدس”.. ما هي وكيف يستثمرها الفلسطينيون؟، الجزيرة، 23/5/2021، تاريخ الاطلاع 13/11/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Tdbyd

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى