فوز مودي للمرة الثالثة… ما الجديد لمسلمي الهند؟
مقدمة:
في السادس من يونيو 2024 للمرة الثالثة، فاز الراهب الغاضب الهندوسي القومي “ناريندرا مودي” برئاسة حكومة بلاده، بعد فوز حزبه «بهاراتيا جاناتا» القومي الهندوسي الحاكم، فوز يمكن وصفه بالمُرِّ إذا ما قُورنت نتائج هذه الانتخابات بسابقتها، حيث خسر حزب مودي أكثر من 60 مقعدًا. ورغم مرارة الفوز الذي عنى صعودًا واضحًا للمعارضة، فهو انتصار في نهاية المطاف[1]، ومنذ انتخابه في عام 2014، تصدَّر ناريندرا مودي وحزبه «بهاراتيا جاناتا» (BJP) الساحة السياسية في الهند ببرنامج قومي هندي قائم على ما يُعرف بـ”الهندوتفا”، وهي الأيديولوجية التي تسعى إلى إعادة تشكيل الهوية الهندية بناءً على القيم والمعتقدات الهندوسية. بالنسبة للكثيرين من أنصاره، لا يُعد مودي مجرد زعيم سياسي، بل يُنظر إليه كرمز مقدَّس، حتى إنه وصف نفسه بأنه “رسول إله الهندوس” والذي تنفذ الآلهة إرادتها من خلاله وذلك ضمن حملته في الانتخابات التي فاز بها حزبه[2]، ما يعزِّز من النفوذ الديني الذي يحمله منصبه السياسي كما يرسِّخ صورته كزعيم هندوسي وأنه أكبر من مجرد رئيس حزب فاز ائتلافه بالانتخابات.
تأثير هذا النفوذ الديني على السياسة الهندية، خصوصًا فيما يتعلق بالعلاقة بين الهندوس والمسلمين، كان واضحًا خلال فترتي رئاسته السابقتين، حيث شهد المسلمون في الهند تصاعدًا في العنف الطائفي، وازداد القلق من السياسات التي تستهدف تهميشهم سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، ومع فوز مودي للمرة الثالثة في الانتخابات، يبقى السؤال الأهم: هل ستستمر هذه السياسات على نفس النهج، أم أنها ستتراجع على وقع ضعف نتائج حزبه في ولايته الجديدة أم سيكون هناك تحوُّل جديد نحو مزيد من التمييز والاضطهاد؟
أولًا – حصاد ولايتي ناريندرا مودي السابقتين على أوضاع المسلمين في الهند
بدأ ناريندرا مودي مشواره السياسي في صفوف منظمة “راشتريا سوايامسيفاك سانغ” (RSS)، وهي حركة قومية هندوسية تأسست عام 1925، تهدف إلى نشر وتعزيز القومية الهندوسية وتعزيز مصالح الأغلبية الهندوسية على حساب الأقليات الدينية في الهند، وخاصة المسلمين. من خلال هذه الخلفية، تمكَّن مودي من الارتقاء في المناصب السياسية حتى أصبح رئيس وزراء ولاية غوجارات في عام 2001، أثناء توليه هذا المنصب، تعرض لانتقادات شديدة بسبب التعامل مع أعمال الشغب الطائفية في غوجارات عام 2002، والتي راح ضحيتها مئات المسلمين.
هذه الأحداث شكَّلت نقطة تحول في مسيرته السياسية، حيث أصبحت القومية الهندوسية محورًا أساسيًّا في استراتيجياته السياسية، في دولة صاغ مؤسسوها دستورا لجمهورية متنوعة وعلمانية، إلا أن مودي يعيد تشكيل البلاد كأمة هندوسية بشكل صريح. وفي هذا الصدد، حوَّل جامو وكشمير، وهي الولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في البلاد، إلى إقليم اتحادي تحت حراسة مشددة. كما بنى معبدًا هندوسيًّا ضخمًا في موقع متنازع عليه، حيث دمَّرت حشودُه مسجد بابري التاريخي[3]، وتُظهر سياسته تلك ما هو متوقع في ولايته الجديد والتي تُعَّدُّ امتدادًا لولايتيه السابقتين والتي يمكن تقييم حصادهما تجاه المسلمين في الآتي:
1- ولاية مودي الأولى (2014-2019)
صعوده إلى السلطة والدور الذي لعبته القومية الهندوسية: عندما فاز ناريندرا مودي برئاسة الوزراء في عام 2014، كانت حملته الانتخابية موجَّهة نحو التنمية الاقتصادية وإصلاحات السوق[4]. ومع ذلك، فإن الكثير من التحليلات أشارت إلى أن صعوده إلى السلطة كان مدفوعًا أيضًا بدعم واسع من القاعدة القومية الهندوسية التي رأت في مودي فرصة لتعزيز الهوية الهندوسية في مواجهة تنامي التأثيرات الإسلامية. هذا الدعم مكَّن مودي من تنفيذ سياسات تمسُّ الهوية الدينية للمسلمين، وبدأت القومية الهندوسية تتغلغل في مؤسسات الدولة[5].
العنف الطائفي وتصاعد الإسلاموفوبيا: خلال هذه الفترة، شهدت الهند تزايدًا ملحوظًا في حالات العنف الطائفي، حيث ارتفعت الحوادث التي تستهدف المسلمين بشكل خاص. واحدة من أشهر هذه الحوادث كانت جرائم القتل الجماعي المتعلقة بحماية الأبقار، حيث تعرض المسلمون للهجوم والقتل تحت مزاعم قيامهم بتهريب أو ذبح الأبقار، التي تعتبر مقدسة لدى الهندوس، كما تزايدت مشاعر الإسلاموفوبيا في وسائل الإعلام والسياسة، وشهد المسلمون تهميشًا متزايدًا في العديد من المجالات الاجتماعية والاقتصادية، وصنَّف تقرير صدر عن لجنة خبراء دوليين مستقلة في يوليو 2022، المسلمين، كـ “أقلية مضطهدة” في الهند، بعد مراجعة سلسلة انتهاكات وصفت بـ “الجديَّة” لحقوق الإنسان، سُجِّلت بدءًا من عام 2019[6].
القوانين والسياسات المناهضة للمسلمين: في حين وعد مودي بتنمية اقتصادية شاملة، إلا أن واقع الحال أظهر أن المسلمين ظلوا يعانون من الفقر والإقصاء، وجاءت سياسات مثل قانون المواطنة (CAA) كضربة قاسية للمسلمين[7]؛ حيث تم استبعادهم من التمتع بحقوق المواطنة المتساوية، وأصبحت السياسات الحكومية تُستخدم لتهميشهم بشكل أكبر. أيضًا، سياسات أخرى مثل السجل الوطني للمواطنين (NRC) أضافت إلى مخاوف المسلمين فقدان جنسياتهم وحقوقهم المدنية والذي جرد قرابة 2 مليون مسلم من الهند من جنسيتهم[8].
2- ولاية مودي الثانية (2019-2024)
تعميق القومية الهندوسية: خلال ولايته الثانية، شهدت سياسات ناريندرا مودي تحولًا أكبر نحو القومية الهندوسية، فقد استمرَّت حكومته في تعزيز الفجوة بين الهندوس والمسلمين، مع تمرير قوانين تهدف إلى تعزيز الهوية الهندوسية كهوية للدولة[9]، وأُلغي الوضع الخاص لإقليم جامو وكشمير ذي الأغلبية المسلمة، وهو قرار أثار غضبًا واسعًا بين المسلمين داخل وخارج الهند في الجوار الباكستاني[10]، وهذه الخطوات جاءت في إطار رؤية مودي لتوحيد الهند تحت راية القومية الهندوسية.
العنف ضد المسلمين وتزايد الإسلاموفوبيا: في هذه الفترة، ارتفعت وتيرة الهجمات ضد المسلمين، ليس فقط من قبل جماعات متطرفة ولكن أيضًا بتواطؤ من السلطات. تقارير حقوق الإنسان تشير إلى تصاعد في جرائم الكراهية ضد المسلمين، وتوثق حالات من الاعتداءات الجماعية والعنف الموجَّه ضد المجتمعات المسلمة. بالإضافة إلى ذلك، ازدادت القيود على الحريات الدينية للمسلمين، مثل حظر ذبح الأبقار والتشدُّد في قوانين تحويل الديانات[11].
التهميش الاقتصادي والاجتماعي: من الناحية الاقتصادية، استمرَّ تهميش المسلمين، حيث أظهرت الدراسات أن السياسات الاقتصادية لمودي لم تأتِ بفوائد تذكر للمجتمعات المسلمة، ومع تزايد البطالة والفقر بين المسلمين، شهدت الهند تفاوتًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا كبيرًا بين الهندوس والمسلمين[12].
ثانيًا- ملابسات وأبعاد ولاية مودي الثالثة التاريخية
خلال حملته الانتخابية هذا العام، وصف مودي المسلمين الذين يمثلون 14٪ من إجمالي السكان، بأنهم “متسللون”. ويقول مسلمو الهند إنهم أصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية، لم يقف الأمر عند مهاجمة المسلمين والحط من قدرهم بل أحاط نفسه بهالة من القداسة كمبعوث الإرادة الإلهية وتجسيدًا لحلول إرادتها فيه، لينقذ أمة الهندوس من الدخلاء عليها ويطهر أرض الهند من دنس علمانية الآباء المؤسِّسين، وهو ما يعبِّر بأكثر العبارات فجاجة وأوضح الإشارات عن حالة شعبوية مشبعة بأيديولوجيا دينية متطرفة، وأن مشروعه السياسي ليس لمجرد نمو اقتصادي أو تمثيل طبقاتٍ دنيا مهمَّشة لطالما تغنَّى مودي أنه أحد أبنائها، بل أيضًا من أجل مشروع تطهيري ممَّن دنس أرض “الهندوفا” من أصحاب الديانات الأخرى خاصة المسلمين!
إلا أن فوز حزب مودي التاريخي الذي جعل منه قرين أول رئيس وزراء للهند، جواهر لال نهرو، من حيث فوزه برئاسة الوزراء ثالث مرَّة، أحاطت به عدَّة مررات ومنغِّصات ومحفِّزات تلبَّست بذلك الفوز ستجعل من ولاية مودي الثالثة اختبارًا: هل تحقق مشروع القومية الهندوسية أم أن هناك المزيد ممَّا يمكن فعله لفرض هيمنة دين واحد على الهند وتطهير البلاد من المكونات الأخرى؟
1- تراجع نتائج حزب بهاراتيا جاناتا (BJP)
مع بداية ولاية مودي الثالثة، بدا واضحًا تراجع دعم حزبه في بعض الولايات، حيث حصل حزبه على 240 مقعدًا، بينما حصد مع حلفائه 293 مقعدًا من أصل 543، ولأول مرة منذ عقد، سيفشل حزب «بهاراتيا جاناتا» في ضمان أغلبية إجمالية وحده، وفق الأرقام الصادرة عن مفوضية الانتخابات، ما يعني أنه سيضطر للاعتماد على شركائه، وقد اعتبرت المعارضة تلك النتائج هزيمة معنوية للحزب وتحالفه، وتراجعت الأسهم في الوحدة الرئيسية المدرجة في البورصة من «أداني انتربرايزس» المملوكة لغواتام أداني، حليف مودي الرئيسي، بنسبة 25٪[13]، في المقابل، حصل حزب المؤتمر، أكبر أحزاب المعارضة، على 99 مقعدًا، ما يوازي ضعف نتيجته في 2019 (52 مقعدًا)، مخالفًا بذلك التوقعات، ليرشِّح حزب المؤتمر راهول غاندي المنافس الرئيسي لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قائدًا للمعارضة في البرلمان بعد تحقيق الحزب الذي يتزعمه نتيجة أفضل من المتوقع في الانتخابات وهو المنصب الذي ظل شاغرًا منذ 2014[14].
ومع هذا التقارب في نتائج الانتخابات؛ اضطر مودي إلى التفاوض لتشكيل ائتلاف مع حلفائه في «التحالف الوطني الديمقراطي»، المؤلّف من 15 طرفًا، ومن المتوقع أن تكون ولاية مودي الجديدة أصعب لأن على رئيس الحكومة الآن أن يتفق مع شركائه قبل اتخاذ القرارات، وهو ما قد يثبِّط أجندتَه القومية الهندوسية. كما أن هذا الفوز الضعيف في الانتخابات قد يدفع مودي لمحاولة إقناع شعبه بأنه يواجه تهديدات خارجية كبيرة، خصوصًا من باكستان، لمحاولة استمالتهم تجاه سياسته[15].
ويمكن تفسير هذه الانتكاسة لحزب مودي بعدَّة عوامل:
– تراجُع شعبية مودي في بعض معاقله الرئيسية: إحدى إشكاليات رئيس الوزراء، مودي، أنه حوَّل بنفسه هذه الانتخابات لتكون بمثابة اختبار لشعبيته، فهو من ذكر أن حزبه سيحصل على أكبر عدد من المقاعد في تاريخ الهند، وأنه شخصيًّا تقع على عاتقه كل سياسات الهند في الداخل والخارج، وهو ما ظهر كأنه غرور سياسي أو امتلاك زائد للقوة، ولذلك ربما جاءت حملة مودي الدعائية بنتائج عكسية، أكَّدت أنه لا يحظى بتلك الشعبية المتصورة في المجمل؛ بل إن نسب التصويت له شخصيًّا تراجعت في قلب دائرته الانتخابية في مدينة فاراناسي، التي فاز فيها بفارق 152 ألف صوت فقط عن أقرب منافسيه، مقارنةً بفارق بلغ نصف مليون صوت في انتخابات 2019. كما تأثَّرت شعبية مودي في ولايات تُعَدُّ معقلًا رئيسيًّا له ولحزبه، فعلى سبيل المثال، خَسِرَ نصف عدد مقاعده في أوتار براديش (أكثر ولايات الهند اكتظاظًا بالسكان) التي كانت أحد مفاتيح سيطرة الحزب على السياسة الهندية منذ عام 2014؛ وذلك بعد حصوله على 33 مقعدًا من أصل 80 مقعدًا، مقارنة بـ 71 و62 مقعدًا في انتخابات 2014 و2019 على التوالي. كما تراجع عدد مقاعد الحزب في ولاية البنغال الغربية مع حصول الحزب على 12 مقعدًا في مقابل 18 مقعدًا في انتخابات 2019. ومن المفارقات التي لم تكن واردة خسارة الحزب مقعده الانتخابي في “فايز آباد” وهي الدائرة الانتخابية التي تضم معبد رام، الذي بدأ مودي حملته الانتخابية ضمنيًّا مع افتتاحه في شهر يناير 2024[16].
– تحديات تلبية المتطلبات المعيشية: تغلَّبت القضايا المعيشية على السردية القومية بالنسبة للناخب الهندي، ففي الوقت الذي اعتمدت فيه حملة التحالف الحاكم الانتخابية على الاستمرار في تصعيد الخطاب القومي، نجح تحالف المعارضة في توجيه خطاب يركز على القضايا التي تمسُ المواطن، خاصة ما يتعلَّق بمعالجة قضية البطالة التي تصل إلى 44.49٪ بين الشباب من 20 إلى 24 سنة، والسياسات الزراعية، والحاجة لتطوير البينة التحتية، علاوة على قضية التوزيع غير العادل أو المتساوي للفوائد الاقتصادية بين المناطق الريفية والحضرية. ومن المتوقع أن يدفع ذلك حكومة مودي الجديدة للتركيز على الاهتمام أكثر بالقضايا المعيشية والاقتصادية، خاصةً ما يتعلق بتوفير فرص العمل؛ إذ تحتاج الهند إلى توفير 115 مليون وظيفة بحلول عام 2030، ويُرجَّح أن يتجه مودي للإعلان عن خطة جديدة للرعاية الاجتماعية وغيرها من الإجراءات والسياسات الموجهة للفئات الأكثر عوزًا. ولكن ربما يضع ذلك قيودًا على الخطة الإصلاحية التي كان يتطلع إليها مودي، خاصة في مجال العمل واستخدام الأراضي الزراعية التي يُعتقَد أن الهند بحاجة إليها لتصبح قوة تصنيعية تجذب مزيدًا من الاستثمارات بعيدًا عن الصين[17].
2- التواطؤ الغربي مع سياسات حكومة مودي
هناك دلائل عدَّة تشير إلى وجود تواطؤ غربي وأمريكي في الصمت عن انتهاكات حكومة ناريندرا مودي ضد المسلمين والأقليات في الهند، وذلك لتحقيق أهداف استراتيجية واقتصادية طويلة الأمد تتعلق بالتصدِّي لنفوذ الصين في آسيا والعالم، وهذا التواطؤ يضعف وضع الأقليات الإسلامية أمام حملة حزب بهاراتيا جناتا ومشروعه التطهيري ويمنح مزيدًا من الزخم والتأييد من خلال المحفزات الاقتصادية التي قد تضاعف من شعبيته ومن ثم مشروعه، وفيما يلي توضيح لكيفية تداخل هذه العوامل:
الاعتبارات الجيوسياسية ضد الصين: الهند تحت حكم مودي تمثِّل حجر زاوية مهم في الاستراتيجية الغربية، وخاصة الأمريكية، في احتواء صعود الصين. بالنظر إلى تزايد النفوذ الصيني في آسيا والمحيط الهادئ، وتسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون إلى تعزيز الهند كقوة إقليمية توازن قوة الصين. لهذا السبب، يُنظر إلى الهند ليس فقط كشريك اقتصادي مهم ولكن أيضًا كقاعدة استراتيجية ضد التوسُّع الصيني في المنطقة. وتُعَدُّ الهند جزءًا من التحالفات الأمنية مثل “الرباعية” (Quad)، التي تضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا، والتي تهدف إلى مواجهة النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لذا من المرجح أن تتجنَّب الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، انتقاد الحكومة الهندية بشدَّة على سياساتها الداخلية المتعلِّقة بانتهاكات حقوق الإنسان ضد المسلمين، في محاولة للحفاظ على العلاقات الوثيقة والتعاون الأمني معها[18].
الدوافع الاقتصادية والتكنولوجية: تسعي الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة إلى تعزيز التعاون مع الهند في مجالات التكنولوجيا، والصناعة، والدفاع، بهدف تقليص الاعتماد على الصين في سلاسل التوريد العالمية. كما أن الشركات الأمريكية مثل Apple وGoogle بدأت بالفعل في نقل جزء من إنتاجها إلى الهند كجزء من هذه الاستراتيجية. لذلك، قد تكون الدول الغربية على استعداد لتجاوز القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان مقابل الاستفادة من العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية المتزايدة مع الهند، وتعمل الهند أيضًا على تطوير صناعاتها الدفاعية والتكنولوجية، وتحاول أن تصبح قاعدة جديدة للإنتاج العالمي والتكنولوجيا. هذا يجعلها شريكًا أكثر أهمية في عيون الولايات المتحدة والغرب، ممَّا يعزِّز الصمت عن الانتهاكات الداخلية[19].
العلاقة مع إسرائيل كجزء من الاستراتيجية الأمريكية: إلى جانب العلاقة الوثيقة بين الهند والولايات المتحدة، نجد أن العلاقات بين الهند وإسرائيل تتنامى بشكل ملحوظ. كما أن التعاون العسكري والاستخباراتي بين الهند وإسرائيل يشير إلى دعم أمريكي ضمني لهذا المحور، الذي يمكن أن يُستخدم في مواجهة الصين وتوسيع النفوذ الغربي في جنوب آسيا والشرق الأوسط. تزايد هذا التعاون يجعل الصمت الغربي عن الانتهاكات الهندية ضد الأقليات أكثر احتمالية، حيث تُعتبر الهند شريكًا استراتيجيًّا مهمًّا، كما أن حكومة مودي سَعَتْ إلى استنساخ سياسات الاحتلال الإسرائيلي في تعامله مع الفلسطينيِّين[20].
وبشكل عام؛ فإنه على مدار فترة حكم ناريندرا مودي، تم توثيق انتهاكات واسعة النطاق ضد المسلمين والأقليات في الهند، بما في ذلك أعمال العنف الطائفي، والتمييز المؤسسي، والتضييق على الحريات الدينية. رغم أن هذه الانتهاكات تمَّ انتقادها من قبل بعض منظمات حقوق الإنسان، فإن الحكومات الغربية -وعلى رأسها الولايات المتحدة- لم تتَّخذ مواقف صارمة أو فرضت عقوبات ضد الهند بسبب هذه الانتهاكات. هذا الصمت يمكن تفسيره على أنه نتيجة للمصالح الجيوسياسية والاقتصادية المذكورة سابقًا، فالصمت الغربي والأمريكي على انتهاكات حكومة مودي ضد المسلمين والأقليات في الهند ليس مجرد غفلة، بل هو جزء من سياسة استراتيجية أوسع تسعى إلى تعزيز الهند كقوة إقليمية لمواجهة الصين. على الرغم من الانتقادات التي قد تأتي من بعض المؤسسات أو المنظمات الحقوقية، فإن الحكومات الغربية تجد أن مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية مع الهند تتفوَّق على المخاوف المتعلِّقة بحقوق الإنسان. في ظل هذا السياق، من غير المتوقَّع أن يكون هناك تغيير جذري في هذا الموقف ما دامت الهند تظل شريكًا أساسيًّا في هذه الاستراتيجية.
3- تداعيات طوفان الأقصى على طريق الازدهار من الهند إلى أوروبا
في ظل التحولات الجيوسياسية الأخيرة على إثر معركة طوفان الأقصى وتداعياتها على الاستقرار في المنطقة العربية، كانت الهند تسعى إلى تعزيز دورها الاقتصادي على الساحة العالمية من خلال مشروع الخط التجاري الذي يربطها بأوروبا عبر دول الخليج وإسرائيل. هذا المشروع كان يُعتبر محاولة استراتيجية لتقليص الاعتماد على قناة السويس المصرية، وتوفير مسار تجاري أسرع وأكثر كفاءة يربط الهند بأوروبا. دعم المشروع جاء بتأييد أمريكي وإسرائيلي واضح، وكان مودي يعوِّل عليه كجزء من استراتيجيته لجعل الهند قوة اقتصادية عالمية. إلا أن هذا المشروع واجه تحديات كبيرة بعد معركة “طوفان الأقصى” التي أشعلت التوتُّرات في المنطقة، وأدَّت إلى زعزعة الاستقرار في دول الخليج وإسرائيل. وأدَّى تفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية في هذه المنطقة غلى التأثير سلبًا على الخط التجاري المأمول، ممَّا أدَّى إلى تأجيل أو حتى إلغاء بعض المشاريع المرتبطة به. هذا الفشل الجيوسياسي انعكس بشكل مباشر على حكومة مودي، حيث عجزت عن تحقيق أهدافها الاقتصادية الخارجية، ما دفعه إلى تحويل التركيز إلى السياسة الداخلية لتعزيز قاعدته الشعبية.
مع فشل المشروع التجاري، يبدو أن مودي قد لجأ إلى سياسة الاستقطاب الطائفي لتعويض الإخفاقات في الساحة الدولية. بدلًا من التركيز على النجاحات الاقتصادية التي كانت متوقعة من المشروع التجاري، قد يستغل مودي هذا الفشل لتعميق الهوية القومية الهندوسية، مما يجعل المسلمين هدفًا أساسيًّا لسياساته لتعزيز قاعدته الشعبية، وهذه الاستراتيجية تتماشى مع توجُّهات سابقة اعتمدها مودي خلال فترتي حكمه الأولى والثانية، حيث لجأ إلى تعبئة الجماهير الهندوسية ضد المسلمين في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وقد ظهر ذلك بوضوح إبان حملته بالانتخابات الأخيرة. في البداية، كان الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا بمثابة موطئ قدم للهند في الشرق الأوسط ورمز لطموحاتها المتنامية كقوة عالمية وسيطة. وقد حظي بدعم كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب إمكاناته في مواجهة الصين. ومع ذلك، فإن الديناميكيات المتغيِّرة في الشرق الأوسط تهدِّد بتقْويض المشروع. ومن الممكن أنه حتى لو استمرَّ المشروع، فسوف يتأخَّر أو يتم تقليصه[21].
وخلاصة الأمر أن الفشل الجيوسياسي -المؤقت حاليًّا- لمشروع الخط التجاري الهندي – الخليجي – الإسرائيلي بعد معركة “طوفان الأقصى” جاء ليضيف مزيدًا من التحديات لحكومة ناريندرا مودي، التي قد تعوِّض فشل آمالها في حوافز اقتصادية كانت منتظرة من هذا المشروع بتعزيز سياساتها القومية الهندوسية واستهداف المسلمين بشكل أكثر وضوحًا. في ظلِّ هذه التحوُّلات.
ثالثًا- مستقبل مسلمي الهند في ولاية مودي الثالثة
في ولاية ناريندرا مودي الثالثة، تتزايد المخاوف حول وضع الأقليات المسلمة في الهند. وقد كشفت تجربة مودي السابقة عن توجُّهات متزايدة نحو القومية الهندوسية التي يروِّج لها حزبه «بهاراتيا جاناتا»، وهو ما تسبَّب في تضييق المساحة العامة أمام الأقليات، وخاصة المسلمين، الذين يمثِّلون حوالي 14٪ من سكان الهند. وذلك ما بدا واضحًا من ركيزة حملته كما سبق وأن ذكرنا.
أمَّا عن تأثير نتائج الانتخابات الأخيرة فإنها تحمل دلالات عدَّة لواقع المسلمين في الهند:
أظهرت الانتخابات الأخيرة تراجعًا لحزب «بهاراتيا جاناتا» في بعض الولايات الرئيسية مثل كارناتاكا، ممَّا يعكس تململًا بين فئات من المجتمع حول السياسات الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية.
صعوبات أمام المعارضة: تشير نتائج الانتخابات إلى أن المعارضة، رغم تحالفاتها، ما زالت تواجه صعوبة في تقديم بديل قوي لحكم مودي. تحالف “INDIA” الذي يضم أحزابًا متعدِّدة فشل في تعبئة الجماهير بشكل كافٍ لمواجهة الحزب الحاكم، وهو ما منح مودي الفوز في الانتخابات، وإن كان ذلك بتحديات أكبر إلا أنه نجح في تقويض فوز مودي وتحجيمه خلافًا لولايتيه السابقتين.
اتحاد الأقلية المسلمة ضد مودي: أظهرت النتائج توحيد أصوات المسلمين لصالح ائتلاف المعارضة؛ ما أدَّى إلى خسارة حزب «بهاراتيا جاناتا» لمقاعد في عدد من معاقله السياسية الشمالية الناطقة باللغة الهندية خاصة في براديش؛ إذ تحظى ولاية أوتار براديش، الأكثر اكتظاظًا بالسكان في الهند، بنفوذ كبير في الانتخابات الهندية بامتلاكها وحدها نحو 80 مقعدًا برلمانيًّا، حصل منها الحزب الحاكم في هذه الانتخابات على 33 مقعدًا فقط، بينما حصل الحزب في ذات الولاية في انتخابات عامي 2014 و2019، على 71 و62 مقعدًا على التوالي، كما خسر الحزب في دائرة فايز آباد في الولاية؛ إذ افتتح مودي معبد “رام”، والذي يُنظر إليه على أنه كان محور حملة حزب “بهاراتيا جاناتا” الانتخابية[22].
الاعتماد على السياسات والنعرات القومية: أدى اعتماد حزب مودي على النعرات القومية والطائفية إلى تزايد القلق لدى الناخبين من توجُّهات الحزب مستقبلًا؛ إذ اعتمد الحزب على السياسات القومية والعنصرية لجذب الناخبين الهندوس في أغلب المناطق أملًا في تحقيق انتصار ساحق، إلا أن هذه السياسات لم تؤمِّن للحزب الهندوسي إلا فوزًا رمزيًّا في ولاية كيرالا الجنوبية، والتي كانت منذ فترة طويلة تُعد معقلًا لليسار؛ مما يعكس عناصر معادية للإسلام بين المجتمعات المسيحية في ولاية كيرالا؛ إذ يشكِّل الهندوس 55٪ من سكان الولاية، بينما يشكِّل المسلمون والمسيحيون 27٪ و18٪ على التوالي. كما خسر الحزب الانتخابات في معقله في ولاية أوتار براديش؛ إذ افتتح مودي معبدًا هندوسيًّا في مدينة أيوديا قبل أشهر فقط، وهي خطوة جاءت في إطار وعوده بتعزيز التراث القومي الهندوسي، رغم ذلك، فقد احتفظ بمعقله في ولاية كارناتاكا؛ إذ حصل على 19 مقعدًا مقارنة بتسعة مقاعد للمعارضة[23].
تقويض محدود للأجندة القومية الهندوسية: يُمكِن القول إن الناخبين صوتوا في المجمل ضد استمرار سيطرة حزب سياسي واحد على الحكم، وهو الحزب الذي يُعلي في خطاباته وأفعاله القومية الهندوسية على حساب القوميات والديانات الأخرى، ومع أنه لا يمكن القول إن هذه الأجندة هي السبب المباشر في تراجُع عدد مقاعد الحزب؛ لكن ثمة قيود سوف تُوضَع على مساعي مودي لاستمرار سياسة تعزيز التفوق الهندوسي بنفس القدر الذي عرفته السنوات العشر الأخيرة. ويشير معارضو مودي إلى أن ذلك ربما يمنعه من إجراء تعديلات على الدستور تجعل الهند جمهورية هندوسية، في ظل المتغيرات الجديدة وطبيعة تشكيل الحكومة وعدم تأييد شركائه في التحالف مثل هذه السياسات. كما ثبت من جانب آخر أن زيارات مودي للولايات الجنوبية أثمرت نتائج إيجابية في الانتخابات، فمثلًا، حصل الحزب على مقعد واحد في ولاية كيرالا، للمرة الأولى في تاريخه؛ ومن ثم فربما يقلِّل بنفسه من حدَّة استخدام الخطاب القومي[24].
التوقعات والتحديات
تظل التوقعات المستقبلية لوضع الأقليات المسلمة في ولاية مودي الثالثة مقلقة، إذ من المرجح أن تتواصل السياسات التمييزية وربما تتصاعد، خاصة مع السعي الحثيث الذي أظهره الحزب لحشد التأييد الشعبي قبل الانتخابات العامة بالترويج لنفس السياسات. رغم ذلك، هناك احتمال ضئيل بأن تؤدي الضغوط الاقتصادية والاجتماعية إلى تخفيف بعض تلك السياسات، ولكن ليس بشكل مؤثر على المدى القريب. ولكن لا يبدو أن هذا سيشمل تخفيف حدة السياسات القومية تجاه المسلمين. على العكس، فحزب «بهاراتيا جاناتا» يعتمد بشكل كبير على خطاب قومي يعزِّز الهوية الهندوسية كأداة للتعبئة الشعبية، خصوصًا مع تراجع تأييد الحزب في بعض الولايات المهمة خلال الانتخابات الأخيرة.
ربما تدفع تلك النتائج المخيبة في تلك الانتخابات مودي وحزبه إلى تكثيف الخطاب القومي لتعبئة الناخبين الهندوس وتقديم الصلابة الأيدولوجية على المناورة السياسية للحفظ على السلطة، وربما يصنع وضعًا يخرج به عن المألوف ويعيد المجتمع الهندي إلى حظيرة الاستقطاب الشديد كما سبق وأن فعل عندما كان واليًا لغوجرات أثناء أحداث العنف في 2002 والتي وُجِّهَتْ أصابع الاتهام فيها له من أنه حرَّض وسمح بحدوثها[25].
وفي حال مواصلة مودي وحزبه التمسُّك بأيديولوجيته المتطرفة والمضي قُدُمًا على نفس النهج فإنه من المتوقع أن تستمر سياساته المتمثلة في الآتي:
– تعميق القومية الهندوسية عبر السياسات الثقافية والدينية: في إطار تعزيز الهوية الهندوسية؛ من المتوقع أن يستمر مودي في توظيف السياسات الثقافية والدينية لترسيخ تفوق الهندوس في المجتمع. وقد نشهد مزيدًا من الإجراءات التي تستهدف المسلمين بشكل مباشر، مثل الترويج لفرض قيود على الممارسات الإسلامية (كالأذان في المساجد أو بناء المساجد الجديدة). أيضًا، قد تستمر الجهود الحكومية لتغيير المناهج الدراسية لتغليب السرديات الهندوسية التاريخية وإقصاء الإسهامات الإسلامية في تاريخ الهند، ممَّا يعمِّق من شعور المسلمين بالتهميش الثقافي.
– الإصلاحات التشريعية والقضائية المحتملة: بالنظر إلى تركيز مودي على تعزيز الطابع الهندوسي للهند، فإن هناك توقعات بأن تكون ولايته الثالثة مليئة بإصلاحات قانونية تستهدف الأقليات المسلمة، مثل جهود لتعديل قوانين الأسرة الإسلامية بشكل يتماشى مع القوانين المدنية الهندية.
– التضييق على الحريات الدينية: من المتوقع أن تستمر الضغوط على الحريات الدينية للمسلمين، حيث قد نشهد تزايدًا في القوانين والأنظمة التي تستهدف تقليل الوجود العلني للإسلام. وتقييد الاحتفالات الدينية الإسلامية، مثل: منع الأضاحي، وتطبيق قوانين حماية الأبقار.
– المراقبة الأمنية والملاحقات القضائية: مع تصاعد القومية الهندوسية، قد تعمد الحكومة إلى تعزيز مراقبة المجتمعات الإسلامية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب والتطرف. وقد توسع الحكومة الهندية برامج المراقبة وتتبُّع أنشطة المسلمين، خصوصًا في المناطق التي تشهد اضطرابات، مثل كشمير، وهو ما سيزيد من مشاعر الغضب والاغتراب بين المسلمين.
– الإقصاء الاقتصادي: يبدو أن المسلمين سيظلُّون على هامش التنمية الاقتصادية في ظلِّ سياسات مودي. رغم الوعود بالتنمية الشاملة، فإن السياسات الاقتصادية للحكومة لم تأت بفوائد ملموسة للمسلمين، حيث يعانون من نسب بطالة أعلى ومعدَّلات فقر أكبر مقارنة بالمجتمع الهندوسي. هذا الإقصاء الاقتصادي قد يزداد سوءًا في ولاية مودي الثالثة، مع تصاعد السياسات التمييزية التي تعيق وصول المسلمين إلى الوظائف الحكومية والتعليم والخدمات الصحية.
– العنصرية والعنف المجتمعي: من المتوقع أن تستمر الهجمات على المسلمين في المجتمع، سواء من حيث العنف الطائفي أو التمييز اليومي في المعاملات الاقتصادية والاجتماعية. هذا العنف قد يشمل جرائم الكراهية ضد المسلمين، تدمير ممتلكاتهم، وفرض قيود على حرياتهم الدينية. أيضًا، قد يعاني المسلمون من عدم المساواة في فرص التعليم والعمل، مما يؤدي إلى تدهور أوضاعهم الاجتماعية بشكل أكبر.
– تعزيز السياسات الأمنية والرقابية: من المتوقع أن تستمر حكومة مودي في تعزيز الرقابة الأمنية على المسلمين، خاصة في المناطق التي تشهد اضطرابات أو توتُّرات، مثل كشمير.
– استبعاد المسلمين من المشاريع الاقتصادية الكبرى: قد تشهد الهند مزيدًا من التمييز الاقتصادي ضد المسلمين، وقد تسعى حكومة مودي إلى تعزيز سياسات اقتصادية تركز على المجتمعات الهندوسية في المناطق الريفية والحضرية، مع استبعاد المسلمين من فرص التنمية والمشاريع الكبرى. هذا الاتجاه يتماشى مع سياسات سابقة خلال فترات حكم مودي السابقة، حيث تزايدت معدلات الفقر والبطالة بين المسلمين مقارنة بالهندوس، وأصبحت الفجوة الاقتصادية أكثر وضوحًا.
أما الفرص التي قد تكون متاحة أمام المسلمين في الهند مع ضعف نتائج حزب مودي في ولايته الجديدة تتمثل في أن هذا الضعف قد يُتيح للأقليات الإسلامية الاستفادة من هذا التراجع من خلال زيادة التمثيل السياسي في المجالس التشريعية. الأحزاب المعارضة لحزب مودي قد تجد فرصة في توسيع قاعدة دعمها بين الأقليات، وهذا قد يؤدي إلى تحسين التمثيل السياسي للمسلمين في البرلمان والحكومات المحلية؛ مما يتيح لهم الدفاع عن حقوقهم بشكل أكثر فعالية. كما يمكن للأقليات الإسلامية أن تستفيد من تحالفات مع الأحزاب العلمانية أو المعارضة مثل الكونجرس أو الأحزاب الإقليمية الكبرى. هذه التحالفات قد تساعد في التصدِّي لمشاريع القوانين التي تستهدف الأقليات، وزيادة الضغط السياسي على حكومة مودي لتخفيف حدة سياساتها التمييزية. كما أن احتياج حزب مودي للائتلاف الحاكم بشكل أساسي لتكوين أغلبية يمكن أن يقوِّض قدرته على تنفيذ سياساته ويضعفها.
ويظل هناك تساؤلًا حول مستقبل «بهاراتيا جاناتا» بعد مودي، فهناك عاملان يقودان للحديث عن مستقبل مودي السياسي، أو ما يشار إليه في الهند بـ “حقبة ما بعد مودي”، أولهما نتائج انتخابات 2024، وثانيهما تقدمه في العُمر، وهما عاملان قد يحُولان دون تولِّيه فترة رابعة في عام 2029، بل يُثار كذلك تساؤلٌ موازٍ حول مستقبل حزب «بهاراتيا جاناتا» بعد مودي؛ فقد ارتبطت شعبية الحزب بشخصية مودي الكاريزمية، وربما لا يوجد شخص قادر على شغل مكانته السياسية، ولا سيما مع تراجُع الحزب في ولاية أوتار براديش؛ وهو الأمر الذي يُقوض مكانة رئيس وزراء الولاية، يوغي أديتياناث، الذي يُنظَر إليه باعتباره خليفة مُحتَمَلًا لـمودي[26]، وهو ما قد ينعكس سلبًا على الحزب وأيديولوجيته وبالتبعيَّة على واقع المسلمين من جهة إضعاف السياسات المتطرفة التي تستهدف المسلمين بدرجة ما.
وفي النهاية؛ ستظل العلاقة المتوتِّرة بين حكومة مودي والأقليات المسلمة جزءًا مهمًّا من المشهد السياسي في الهند، وستحدِّد هذه العلاقة بدرجة كبيرة مصير الاستقرار الاجتماعي والتماسك الوطني في البلاد خلال السنوات القادمة.
____________
هوامش
[1] عبد الرحمن عياش، ناريندرا مودي.. الراهب الغاضب من الجغرافيا والتاريخ، الجزيرة نت، 6 يونيو 2024، تاريخ الاطلاع: 15 سبتمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/4eGOrI1
[2] طمعا في الفوز بالانتخابات.. مودي يدعي أنه رسول من الله للهندوس، الجزيرة نت، 7 يونيو 2024، تاريخ الاطلاع: 15 سبتمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/406924b
[3] نيويورك تايمز: خيارات مودي بعد فوزه بولاية ثالثة للهند، الجزيرة نت، 8 يونيو 2024، تاريخ الاطلاع: 29 سبتمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/403QjpP
[4] الهند: فوز كاسح للقومي الهندوسي مودي، دويتش فيلا، 16 مايو 2014، تاريخ الاطلاع: 18 سبتمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3NnBt5Z
[5] مني مصطفي، هيمنة القوميين: كيف تمكّن حزب “بهاراتيا جاناتا” من حسم الانتخابات الهندية؟، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 27 مايو 2019، تاريخ الاطلاع: 29 سبتمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://linksshortcut.com/RsQiY
[6] سناء الخوري، المسلمون في الهند: لماذا تصاعد خطاب الكراهية ضدهم؟، بي بي سي عربي، 17 أغسطس 2022، تاريخ الاطلاع: 29 سبتمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bbc.in/4hiftrh
[7] كاثرين أرمسترونغ، الهند تستبعد المسلمين من قانون الجنسية الجديد، بي بي سي عربي، 12 مارس 2024، تاريخ الاطلاع: 29 سبتمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bbc.in/402nH0o
[8] ما مصير 1.9 مليون مسلم بعد تجريدهم من جنسيتهم الهندية؟، بي بي سي عربي، 31 أغسطس 2019، تاريخ الاطلاع: 29 سبتمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bbc.in/3NmntJQ
[9] الهند تتجه لتطبيق قانون مواطنة يرفضه المسلمون، الجزيرة نت، 11 مارس 2024، تاريخ الاطلاع: 18 سبتمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/4flaJ2j
[10] المحكمة العليا في الهند تلغي الوضع الخاص لولاية جامو وكشمير، سكاي نيوز عربية، 12 ديسمبر 2023، تاريخ الاطلاع: 18 سبتمبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/4eGZnpk
[11] Look:
– India’s Muslims fear for their future under Narendra Modi, BBC, 16 May 2019, accessed: 28 September 2024, available at: https://2u.pw/pgmU8jaL
– “Shoot the Traitors” Discrimination Against Muslims under India’s New Citizenship Policy, HRW, 9 April 2020, accessed: 28 September 2024, available at: https://2u.pw/Pue5puhW
– Violent Cow Protection in India, HRW, 18 February 2019, accessed: 28 September 2024, available at: https://2u.pw/kiO9CEtn
[12] Lindsay Maizland, India’s Muslims: An Increasingly Marginalized Population, CFR, 18 March 2024, accessed: 28 September 2024, available at: https://2u.pw/5mFZdgTe
[13] الهند: مودي يعلن فوزه بولاية ثالثة، الشرق الأوسط، 4 يونيو 2024، تاريخ الاطلاع: 2 أكتوبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/JdLT44cd
[14] حزب المؤتمر يرشح راهول غاندي ليتزعَّم المعارضة الهندية، الشرق الأوسط، 8 يونيو 2024، تاريخ الاطلاع: 2 أكتوبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/bYfwu
[15] كيف سيؤثر فوز مودي بولاية ثالثة للهند على العالم؟، الشرق الأوسط، 9 يونيو 2024، تاريخ الاطلاع: 2 أكتوبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/BLTwu
[16] محمود قاسم، انعكاسات نتائج انتخابات “لوك سابها 18” على الداخل الهندي، المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة، 12 يونيو 2024، تاريخ الاطلاع: 11 أكتوبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/U6j9B
[17] المرجع السابق.
[18] نوران عوضين، الثابت والمتغير في سياسة الهند الخارجية بعد انتخابات 2024، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 11 يونيو 2024، تاريخ الاطلاع: 10 أكتوبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/EQd3c
[19] مستغلة التوتر الأميركي الصيني.. الصناعة الهندية تستقطب شركات عالمية، الجزيرة نت، 10 سبتمبر 2023، تاريخ الاطلاع: 10 أكتوبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/zSNO1
[20] نور خيري، الهند وفلسطين.. رحلة تخلِّي دلهي عن المقاومة إلى دعم إسرائيل، الجزيرة نت، 18 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 10 أكتوبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/PvGJC
[21] Mohammed Sinan Siyech, Will the Gaza War Derail the India-Middle East-Europe Economic Corridor?, The Arab Gulf States Institute, 26 March 2024, accessed: 12 October 2024, available at: https://2u.pw/523Owf7O
[22] ما هي أسباب تراجع حزب رئيس الوزراء الهندي في الانتخابات الأخيرة؟، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 7 يونيو 2024، تاريخ الاطلاع: 13 أكتوبر 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/E1Vkt
[23] المرجع السابق.
[24] محمود قاسم، انعكاسات نتائج انتخابات “لوك سابها 18” على الداخل الهندي، مرجع سابق.
[25] عبد الرحمن عياش، ناريندرا مودي.. الراهب الغاضب من الجغرافيا والتاريخ، مرجع سابق.
[26] المرجع السابق.
- فصلية قضايا ونظرات – العدد الخامس والثلاثون – أكتوبر 2024