عودة نتنياهو وإشكاليات الحكم في إسرائيل

مقدمة:

جاءت انتخابات الكنيست نوفمبر ۲۰۲۲ في دولة الاحتلال الإسرائيلي على خلفية فشل حكومة نفتالي بينيت رئيس حزب يمينا ويائير لابيد رئيس حزب هناك مستقبل، والتي قامت على أساس اتفاق لتشكيل الحكومة بعد انتخابات مارس ۲۰۲۱. وهو الاتفاق الذي نص على تناوبهما على رئاسة الحكومة في منتصف ولايتهما ومدتها أربع سنوات، واستبدال لابيد ببينيت إذا حل البرلمان. وقد نجحا حينها في طي صفحة حكم نتنياهو المتهم في قضايا الفساد، إذ كان يُحاكم بتهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. وضم الائتلاف المتنوع لأول مرة حزبًا عربيًا، هو القائمة العربية الموحدة “راعم” برئاسة منصور عباس. كما شمل الائتلاف ثمانية أحزاب سياسية من طيف أيديولوجي غير متجانس: على سبيل المثال من اليمين، حزب إسرائيل بيتنا، واليسار مثل ميرتس، والعرب، ورئيس وزراء ينتمي إلى حزب يمينا الفائز بسبعة مقاعد فقط. أما الذي جمع تلك المكونات المختلفة فهو الرغبة في إسقاط نتنياهو، وهو ما جعل الائتلاف هشًا وضعيفًا وانتهى به الأمر إلى التفكك والدعوة لانتخاباتٍ مبكرة.

وفي هذا الإطار يتناول التقرير الوضع السياسي الإسرائيلي في خضم الأزمة الحالية التي تشهدها دولة الاحتلال، وذلك من خلال ثلاثة مشاهد رئيسة: الأول: هو المشهد السياسي قبل انتخابات نوفمبر 2022، والذي دعا إلى إقامتها بالأساس. والمشهد الثاني: هو المشهد الانتخابي ذاته، والذي حمل نتنياهو إلى رئاسة الوزراء مرةً أخرى. والمشهد الأخير: يتمثل في التداعيات والآثار التي ترتبت على عودة نتنياهو، وألقت بظلالها على السياسة الداخلية الإسرائيلية من ناحية والشأن الفلسطيني من ناحيةٍ أخرى.

أولا- انتخابات الكنيست 2022: سياق معقد، ونتائج مأزومة:

1- المشهد السياسي الإسرائيلي قبل انتخابات 2022:

منذ أن تشكلت حكومة نفتالي بينيت- يائير لابيد في يونيو 2021، عقب الانتخابات المبكرة الرابعة خلال عامين تقريبًا*، بدا أن هناك أزمة واضحة في تلك الحكومة تُنبئ بصعوبة استمرارها وإكمال مدتها المقررة. فقد استندت تلك الحكومة على ثماني كتل برلمانية وحزبية غير متجانسة، جمع بينها الرغبة في إزاحة نتنياهو، وهي: القائمة العربية الموحدة (4 مقاعد) ولا تتمثل بحقائب وزارية وإنما وظائف برلمانية، وثلاث كُتل من اليمين الاستيطاني المتشدد هي: يمينا برئاسة بينيت- وإسرائيل بيتنا بزعامة أفيجدور ليبرمان- وأمل جديد بزعامة جدعون ساعر، بالإضافة إلى كتلتين من اليمين الوسط هما: يوجد مستقبل بزعامة ليبيد وأزرق أبيض برئاسة بيني غانتس، وأخيرًا كتلة العمل وميرتس التي تمثل اليسار الإسرائيلي[1].

استمرت هذه الحكومة في العمل نحو عام تجمعها الرغبة في إزاحة نتنياهو، وتجنب القضايا الخلافية وعدم إثارتها، وكذلك اتفاق الكتل المُشكلة لهذه الحكومة على الإبقاء على العلاقة بين الدين والدولة كما هي أو عدم المساس “بالوضع الراهن” الموروث عن بن جوروين بشأن العلاقة بين الدين والدولة. ثم ما كان إلا أن أخذت حكومة بينيت في التفكك وفقدان الأغلبية التي كانت تساندها؛ بدأ ذلك بانسحاب عيديت سليمان النائبة اليمينية من الائتلاف على إثر خلاف مع وزير الصحة آنذاك نيتسان هوروفيتس، الذي وافق على السماح للمستشفيات بالتزود بمنتجات الخبز المخمر خلال عطلة عيد الفصح اليهودي، وهو ما اعتبرته عيديت مخالفًا لهوية إسرائيل اليهودية[2].

وبانسحاب عيديت سليمان أصبحت الحكومة ترتكز على قاعدة ضيقة من 60 عضوًا مقابل 60 عضوًا للمعارضة بزعامة نتنياهو. وإزاء هذا الوضع لم يكن بمقدور حكومة الائتلاف الهش الاستمرار، وقد زاد من تأزم وضع الحكومة إقدام القائمة العربية الموحدة على تجميد دعمها للحكومة، على إثر المواجهات التي اشتعلت آنذاك بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية في محيط المسجد الأقصى، وكذلك اتهام القائمة العربية للحكومة بانتهاج سياسات عنصرية واستيطانية في مواجهة الشعب الفلسطيني. ثم كان المسمار الأخير في نعش الحكومة هو انسحاب نير أورباخن عضو حزب يمينا، ليصبح ما يملكه ائتلاف بينيت أقل من الأغلبية بفارق مقعدين، إذ أمسى يمتلك 59 مقعدًا في الكنيست المؤلف من 120 مقعدًا[3]. وبناءً على هذا اتفق بينيت ولابيد على التقدم بمشروع قانون لحل الكنيست وإجراء انتخابات خامسة مبكرة، على أن يتولى لابيد رئاسة الحكومة حتى تشكيل حكومة جديدة.

2- المشهد الانتخابي وفوز التحالف الصهيوني المتطرف:

توجه الناخب الإسرائيلي للمرة الخامسة خلال أربعة أعوام في الأول من نوفمبر 2022، إلى صناديق الاقتراع لانتخابات كنيست جديدة هي الخامسة والعشرون منذ تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي. وفي كل دورة انتخابية للكنيست، تشهد الساحة الحزبية في إسرائيل تغيرات كبيرة سواء في تركيبتها القيادية أو التنظيمية، وهكذا تظهر قوائم جديدة ومختلفة وتكتلات متباينة في محاولة للحصول على نسبة الحسم أو معامل التمثيل في الكنيست والذي ارتفع من 2٪ من أصوا الناخبين إلى 3.25٪ في 2013. وتعود هذه الظاهرة التي ترتبط بانتخابات الكنيست (وتتلخص في اندماج القوائم قبل الانتخابات أو تفككها فيما بعد)، إلى عاملين أساسيين: الأول: طبيعة تشكل المجتمع الإسرائيلي من فئات مختلفة من المهاجرين اليهود ذوي الأصول العرقية والثقافية والدينية والاجتماعية المتباينة، والثاني: النظام الانتخابي الذي يعتبر إسرائيل دائرة واحدة ويستند على التمثيل النسبي[4].

وهكذا تؤدي هذه العوامل إلى شرذمة الخريطة الحزبية الإسرائيلية، وتفاقم حالة عدم استقرار الائتلافات والتحالفات والحكومات. وفي هذا الإطار، جاءت خارطة الأحزاب والكُتل السياسية المتنافسة في هذه الانتخابات لتعكس تركز التنافس بين 13 قائمة انتخابية فقط من إجمالي 40 قائمة متنافسة، ولعل أبرز القوائم التي لفتت الانتباه في هذه الانتخابات هي[5]:

أ- الصهيونية الدينية: وهو ائتلاف مكون من “الصهيونية الدينية” برئاسة بتسلئيل سموتريتش، و”القوة اليهودية” بزعامة إيتمار بن غفير، و”نوعام”، حيث قررت هذه الأحزاب خوض الانتخابات معًا بقائمة واحدة بعد جولة طويلة من المشاحنات والمفاوضات، وذلك بضغط من نتنياهو لمنع تشتيت الأصوات وليضمن شريكًا أساسيًا معه في تكوين الائتلاف الحكومي. وكذلك ليستفيد نتنياهو من أصوات المتطرفين الصهيونيين الدينيين المدافعين عن الاستيطان وتهجير الفلسطينيين لحساب توسيع الأراضي الإسرائيلية.

ب- قائمة يهودوت هتوراه: وهي ائتلاف من حزبي “ديغل هاتوراه” و”أغودات إسرائيل”، حيث اتفقا على حل خلافاتهما وترشحا في قائمة واحدة، وذلك بعد أن وعد نتنياهو الحزبين المتدينين برفع ميزانية مؤسساتهما التعليمية.

ج- قائمة تحالف المعسكر الوطني: وهو برئاسة وزير الدفاع بيني غانتس، ويضم حزبي “أزرق أبيض” و”أمل جديد”، ورئيس أركان الجيش السابق جادي إيزنكوت.

د- القوائم العربية: بالرغم من أن فلسطينيي الداخل أصبحوا قوة انتخابية مؤثرة لا يُستهان بها في المشهد، حيث يُشكلون نحو 21٪ من الأصوات، إلا أنهم لم يُنسقوا قائمة موحدة تمثل كافة العرب في إسرائيل. فانقسمت القوائم العربية إلى ثلاث قوائم منفصلة هي: قائمة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة مع الحركة العربية للتغيير برئاسة أيمن عودة، وقائمة حزب التجمع برئاسة سامي أبو شحادة، والقائمة العربية الموحدة “راعم” برئاسة منصور عباس.

هـ- مجموعة من الأحزاب أبرزها: حزب الليكود وهو حزب نتنياهو، وحزب شاس وهو حزب المتدينين من اليهود الشرقيين، وحزب إسرائيل بيتنا ويوجد مستقبل.

جاءت نتيجة الانتخابات معلنة عن فوز كبير لمعسكر نتنياهو الذي يتكون من أحزاب: الليكود، والصهيونية الدينية، وشاس، ويهدوت هتوراه. فقد حصل معسكر نتنياهو على 64 مقعدًا في هذه الانتخابات من مجموع مقاعد الكنيست البالغ 120 مقعدًا، مقارنةً بـ 52 مقعدًا في الانتخابات السابقة. وبالتفصيل، نال حزب الليكود 32 مقعدًا في هذه الانتخابات مقارنةً بـ 30 مقعدًا في الانتخابات السابقة، وأحرزت قائمة حزب الصهيونية الدينية الفاشية بقيادة بتسلئيل سموتريتش، وحزب القوة اليهودية الفاشي بقيادة إيتمار بن غفير 14 مقعدًا، مقارنةً بـ 6 مقاعد حصلت عليها القائمة في الانتخابات السابقة. وحصل حزب شاس بقيادة أرييه درعي على 11 مقعدًا في هذه الانتخابات مقارنةً بـ 9 مقاعد في الانتخابات السابقة. واحتفظ حزب يهدوت هتوراه بعدد مقاعده نفسه 7 مقاعد.

وعلى الجانب الآخر حصل المعسكر المناوئ لنتنياهو الذي يشمل جميع مكونات حكومة لبيد، بما في ذلك “الحركة الإسلامية الجنوبية” أو القائمة العربية الموحدة التي يتزعمها منصور عباس، على 51 مقعدًا في الكنيست. وبالتفصيل، أحرز حزب يوجد مستقبل 24 مقعدًا في هذه الانتخابات، مقارنة بـ 17 مقعدًا في الانتخابات السابقة. في حين حصلت قائمة المعسكر الوطني بقيادة بيني غانتس على 12 مقعدًا مقارنةً بـ 14 مقعدًا حصل عليها حزبَا أزرق أبيض وأمل جديد في الانتخابات السابقة، حيث حصل الأول على 8 مقاعد بينما حصل الثاني على 6 مقاعد. وحصل حزب إسرائيل بيتنا الذي يقوده أفيغدور ليبرمان على 6 مقاعد مقارنةً بـ 7 مقاعد حصل عليها سابقًا. وحصلت القائمة العربية الموحدة على 5 مقاعد مقارنة بـ 4 مقاعد في الانتخابات السابقة. وأحرز حزب العمل بقيادة ميراف ميخائيلي 4 مقاعد مقارنةً بـ 7 مقاعد في انتخابات الكنيست السابقة. هذا بينما حصل تحالف الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، الذي يضم الحزب الشيوعي الإسرائيلي بقيادة أيمن عودة، والحركة العربية للتغيير بقيادة أحمد الطيبي، على 5 مقاعد في الكنيست[6].

وقد أرجع العديد من المحللين فوز معسكر نتنياهو إلى التنافس بين أحزاب كتلة التغيير المناوئة له، فهي لا تمثل كتلة متجانسة، إنما تجمع بين اليمين واليسار والعرب. وعلى صعيدٍ آخر، أظهرت نتائج الانتخابات ازدياد قوة اليمين الفاشي الإسرائيلي على نحوٍ غير مسبوق؛ فقد حصلت قائمة اليمين الفاشي المُشكلة من تحالف حزب الصهيونية الدينية وحزب القوة اليهودية، على أكثر من 516 ألف صوت، معظمهم من الشباب. ومن المثير للاهتمام أن هذه القائمة حصلت على 20٪ من أصوات الجنود في معسكرات الجيش الإسرائيلي[7].

ثانيًا- عودة نتنياهو وتشكيل حكومة ائتلافية متطرفة:

دارت في إسرائيل معركة سياسية داخلية طويلة من أجل تشكيل الحكومة الإسرائيلية السابعة والثلاثين، وذلك بعد أن قام الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بتكليف بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود، بتشكيل الحكومة في 13 نوفمبر2022 إثر حصوله على توصية الأغلبية من الأحزاب اليمينية بواقع 64 مقعد (الليكود 32 مقعد، الصهيونية الدينية 14 مقعد، شاس 11 مقعد، يهودوت هتوراه 7 مقاعد) لتشكيل الحكومة الجديدة. وقد تمكن الأخير بعد مفاوضات طويلة من تشكيل حكومته الائتلافية السادسة، التي حازت ثقة الكنيست في 29 ديسمبر 2022.

وكان من الأسباب التي ساهمت في إطالة فترة تشكيل الحكومة، اشتراط ثلاثة أحزاب سنّ قوانين في الكنيست قبل تشكيل الائتلاف الحكومي على نحوٍ يُشكل موازين القوى بداخل الائتلاف. وهو ما حدث فعلًا؛ إذ سنّ الكنيست ثلاثة قوانين: الأول: “قانون درعي” الذي يُمكن المواطن المدان بقضايا جنائية لا تصل عقوبتها إلى السجن الفعلي من إشغال منصب وزير، كما هي حالة رئيس حزب شاس، أرييه درعي، الذي أُدين بقضية جنائية في بداية عام 2022؛ و”قانون سموتريتش” الذي يُمكن من تعيين وزير إضافي في وزارة الدفاع مع صلاحيات خاصة. وكذلك جرى تعديل قانون الشرطة وفقًا لطلب رئيس حزب القوة اليهودية، إيتمار بن غفير، الذي يمنح وزير الشرطة صلاحيات التدخل في بلورة سياسات الشرطة وفي التحقيقات التي تُجريها[8].

وتعد حكومة نتنياهو هذه -وفق ما ذكره العديد من المحللين- أشد الحكومات تطرفًا في تاريخ إسرائيل؛ إذ تضم أحزاب اليمين الفاشي والمتطرف بشقيه، العلماني والديني، وهي: حزب الليكود الذي ازداد تطرفًا وعنصرية في السنوات الأخيرة، والحزبان الدينيان الحريديان المتطرفان شاس ويهدوت هتوراه، وثلاثة أحزاب يمينية فاشية خاضت انتخابات الكنيست في قائمة انتخابية مشتركة، والتي حملت اسم قائمة الصهيونية الدينية، وشملت الأحزاب: الصهيونية الدينية والقوة اليهودية ونوعام، ثم فككت هذه الأحزاب الثلاثة قائمتها المشتركة بعد الانتخابات، كما كان متفقًا عليه سلفًا.

اتجه نتنياهو إلى توزيع الوزارات الكبيرة؛ كالمالية، والداخلية، والصحة، والأمن القومي، والإسكان، والاستيطان، على الشركاء في الائتلاف الحكومي من الأحزاب الحريدية واليمين الديني المتطرف والصهيونية الدينية، إلى جانب منحهم صلاحيات واسعة مأخوذة من وزارات أخرى ستكون بيد أعضاء الليكود -حزب نتنياهو- رغبةً منه في ضمان تشكيل الحكومة، وعدم التوجه مجددًا لانتخابات مبكرة. وفي هذا الإطار بذل سموتريتش رئيس حزب الصهيونية الدينية جهدًا كبيرًا، في أثناء المفاوضات لتشكيل الحكومة الائتلافية، للحصول على وزارة الدفاع لأسبابٍ عديدة؛ منها أن الإجراءات الخاصة بالاستيطان اليهودي في المناطق المحتلة تُتخذ في “الإدارة المدنية” الإسرائيلية التابعة لوزارة الدفاع. ولم يتمكن سموتريتش في مفاوضات تشكيل الحكومة من أن يصبح وزيرًا للدفاع، بيد أنه نجح في الحصول على منصب وزير في وزارة الدفاع*، علاوة على كونه وزيرًا للمالية. وقد جرى، وفق اتفاق الائتلاف الحكومي، نقل المسؤولية عن كلٍ من الإدارة المدنية الإسرائيلية ومنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة من مسؤولية المؤسسة العسكرية إلى مسؤولية سموتريتش مباشرة[9]. وقد أثار هذا التوزيع إشكالًا داخليًا حول تقاسم الصلاحيات مع وزير الدفاع غالانت، مما دفع وزير الدفاع المنتهية ولايته بيني غانتس لوصف الأخير بأنه “وزير من الدرجة ب”.

ووفقًا لاتفاق الائتلاف الحكومي أيضًا، جرى تغيير اسم وزارة “الأمن الداخلي” إلى “وزارة الأمن القومي”. وقد تولى المتطرف بن غفير رئيس حزب القوة اليهودية الفاشي هذه الوزارة، بعد أن سن الكنيست قانونًا منحه صلاحياتٍ واسعة، تمكنه من التدخل في بلورة سياسة الشرطة وفي تنفيذ عملياتها وفي التحقيقات التي تجريها. وكذلك تم توسيع صلاحيات وزارة الأمن القومي بشكلٍ غير مسبوق؛ إذ تقرر نقل مؤسساتٍ عديدة مختصة بملاحقة العرب الفلسطينيين في داخل الخط الأخضر وقمعهم من وزارات أخرى إليها، وتقرر وضعها تحت إمرة بن غفير مباشرةً. وكذلك سلطة “تطبيق القانون على الأرض” المختصة في منع البناء غير المرخص التي كانت تابعة لوزارة المالية، و”الشرطة الخضراء” المختصة في تطبيق القانون فيما يتعلق بالاعتداءات على البيئة، و”الدورية الخضراء” المختصة في تطبيق القانون في المناطق المفتوحة والحدائق العامة، كما جرى الاتفاق على إقامة “الحرس الوطني” كقوة أمنية كبيرة تكون تابعة لوزارة الأمن القومي وتحت إمرة بن غفير مباشرة[10].

ويعنينا في هذا المقام تبين التداعيات السياسية التي تحملها هذه الحكومة على الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل من ناحيةٍ، وعلى الشأن الفلسطيني من ناحيةٍ أخرى:

1- الوضع السياسي في إسرائيل في ظل الحكومة الجديدة:

لعل أبرز ما أكدته هذه الانتخابات من نتائج، هو اندثار اليسار الصهيوني التاريخي الذي أسس إسرائيل، والذي أوشك أن يختفي كليًا عن الخريطة الحزبية الإسرائيلية؛ فقد اجتاز حزب العمل عتبة الحسم بشق الأنفس وحصل على 4 مقاعد فحسب، في حين فشل حزب ميرتس في اجتياز عتبة الحسم. وفي المقابل، مثلت الانتخابات صعودًا عنيفًا للتيارات اليمينية والدينية المتشددة والمتطرفة، وهو ما أحدث ردود فعل غير مسبوقة في المجتمع الصهيوني؛ لدرجة أن قادة صهاينة سياسيين وعسكريين كبار دعوا إلى أشكالٍ مختلفة من الاحتجاج لإسقاط الحكومة، كالمظاهرات والانتفاضة المدنية والتمرد على أوامر الحكومة، بمن في ذلك إيهود باراك، وموشيه يعلون، ودان حالوتس، وعاموس جلعاد، ويائير جولان، ويوفال ديسكين، وأفيجدور ليبرمان.. وغيرهم[11].

كما يبدو أن حكومة نتنياهو نفسها ليست متجانسة ولا موحدة الصف، بل تحمل في داخلها تناقضات قد تؤدي لانهيارها أيضًا كالحكومة التي سبقتها، وهو ما يعني مزيدًا من التأزم في الوضع السياسي الداخلي في دولة الاحتلال، ولعل أبرز هذه التناقضات[12]:

أ- اضطرار نتنياهو للاستجابة لمطالب شركائه جعله يمنحهم وزارات مفصلية، ومنها المالية بالتناوب بين زعيم الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش وزعيم شاس آرييه درعي، كما حصل الأول على منصب وزير بوزارة الدفاع –على نحو ما أُشير-  فيما حظي زعيم القوة اليهودية إيتمار بن غفير بوزارة الأمن القومي الموسعة، أما الليكود فحصل على الجزء المتبقي من وزارة الدفاع وكانت من نصيب الجنرال يوآف جالانت، ووزارة الخارجية حظي بها بالتناوب إيلي كوهين ويسرائيل كاتس. وقد أثارت هذه التقسيمة غضب الليكوديين على زعيمهم الذي اتهموه بالتفريط بحقوقهم الوزارية المهمة، والنتيجة أننا لسنا أمام حكومة ليكود صرفة، سواء بسبب غياب رموزه الحزبية، وذهاب الحقائب السيادية لشركائه، أو انحراف برنامج الحكومة عن مبادئه الخاصة بالمجتمع الإسرائيلي من الداخل.

ب- التناقض الثاني يرتبط بالبرنامج الخاص بالحكومة الجديدة، فعلى الرغم من توافقها في الخطوط العامة في الموضوع السياسي، وخاصةً المتعلق بالفلسطينيين، إلا أن البنود المتعلقة بالمواقف والسياسات الجديدة تجاه المجتمع الإسرائيلي مختلفة كثيرًا عن حكومات نتنياهو السابقة، فهو وحزبه يُصنفان بأنهما من اليمين الليبرالي العلماني، ولا يتفقان مع معظم ما يدعو إليه شركاؤهم المتدينون فيما يتعلق بهوية الدولة الدينية، وتسهيل التهرب من الخدمة العسكرية، وزيادة الجرعة التوراتية في سلوكيات الإسرائيليين، لا سيما تعطيل الرياضة وإنتاج الكهرباء في أيام السبت، ومحاربة الشذوذ، وغيرها من القضايا التي تعزز مخاوف العلمانيين بشأن الدولة المحكومة بمنطق التوراة والتلمود.

ج- ظهر الخلاف أيضًا حينما اضطر نتنياهو لأن يُعلن على منصة الكنيست أن إسرائيل لن تتحول إلى دولة شريعة، وستحافظ على طريق اليمين الليبرالي، وهذا عقب تسريب مطالب المتدينين في المفاوضات الائتلافية. وذلك في مواجهة تحذيرات المعارضة من سيطرتهم على مفاصل الدولة والوزارات الحيوية، وخاصةً التعليم الذين يسعون لجعله تلموديًا صرفًا، فقد تم تفصيل منصب خاص في وزارة التعليم لعضو الائتلاف الحاخام آفي ماعوز لتعميق الهوية اليهودية لدى الأجيال الناشئة، واتخاذ مواقف ضد اليهود العلمانيين، ومعارضة خدمة النساء في الجيش، ورفض جلب الوثنيين إلى الدولة من يهود الاتحاد السوفييتي السابق.

كما أن الحكومة الجديدة عملت على سن مجموعة من القوانين التي تحد من صلاحيات الجهاز القضائي الإسرائيلي؛ بزعم أنه (لا سيما المحكمة العليا)* يحد من قدرة السلطتين، التنفيذية والتشريعية، على تنفيذ سياساتهما. فمنذ أكثر من عقد، يسود توجه في صفوف اليمين المتطرف الإسرائيلي، بشقيه العلماني والديني، وفي صفوف اليمين الفاشي، يدعو إلى إعادة صياغة حدود الديمقراطية الإسرائيلية، من خلال إزالة الكوابح والتوازنات القائمة في النظام السياسي ومنظومة القوانين الإسرائيلية، ولا سيما الليبرالية منها المتعلقة بقضايا الدين والدولة وحقوق الإنسان، وسن قوانين جديدة تتلاءم مع قيم اليمينين، المتطرف والفاشي الإسرائيليين ورؤيتيهما[13].

وفي ظل الوضع المبين، وُوجهت حكومة نتنياهو بمظاهرات شعبية واحتجاجات واسعة، معترضة على خطة الإصلاح القضائي التي تقدمت بها الحكومة في المقام الأول، والتي يرى المعارضون أنها ستقوض نظام الضوابط والتوازنات في ديمقراطية إسرائيل، وأنها ترمي إلى تقويض السلطة القضائية لصالح السلطة السياسية، فوفقًا للتعديلات المقترحة، سيكون من الممكن في المستقبل للبرلمان إلغاء قرارات المحكمة العليا بأغلبية بسيطة، كما سيحصل السياسيون على نفوذ أكبر في تعيين القضاة[14]. وفي الوقت ذاته، قالت هيئة البث الإسرائيلية إن جنودًا في قوات الاحتياط الإسرائيلية بعثوا رسائل إلى قادتهم مفادها أنهم سيعصون الأوامر العسكرية لاستدعائهم للخدمة في حال نفذت الحكومة الإسرائيلية مساعيها لتشريع القوانين الرامية إلى إحداث تغييرات في الجهاز القضائي، وتقليص صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية، وأوضحت الهيئة الحكومية أن الجنود ينتمون إلى وحدات قتالية مختارة ووحدات السايبر والاستخبارات، إضافة إلى مجندين في جهازي المخابرات: الداخلي (شاباك)، والموساد[15].

وقد حدا هذا الوضع بالرئيس الإسرائيلي هرتسوغ للقول في كلمة له خلال لقاء طارئ عقده مع 100 رئيس سلطة محلية في إسرائيل: “نحن في أزمة تاريخية تهدد بتدميرنا من الداخل، نحن في واحدة من أصعب اللحظات التي مرت بها دولة إسرائيل… نعلم جميعًا في أعماقنا أن هذا خطر وطني كبير”، وأضاف: “الجيش الإسرائيلي هو جيشنا جميعًا، إنه يحمينا، إنه حيوي بالنسبة لنا، إنه مهم لنا… ونأمل بشدة أن يبقى الجيش خارج النقاش”[16].

يتضج جليًا مما سبق أن المشكلة الإسرائيلية الداخلية تتركز بالأساس في صعود قوى من أقصى اليمين الديني والقومي، وتحديدًا الصهيونية الدينية؛ وهي قوى صهيونية حركية غير معنية فقط بالشراكة الحكومية؛ وإنما بحسم هوية الكيان الإسرائيلي ومساراته الكبرى، خصوصًا في قضايا حساسة كان يتم عادةً تجاوزها أو القفز عنها من خلال بعض الصفقات والتوافقات؛ وهي قضايا مرتبطة بالعلاقة بين الدين والدولة وتنزيل تطبيق التوراة على الحياة اليومية للمجتمع، وبالتشدد في تعريف اليهودي بحيث يخرج مئات الآلاف من الإسرائيليين من الاعتراف بكونهم يهودًا، وفيما يتعلق بشأن حسم الصراع مع الفلسطينيين والسيطرة على الأقصى والقدس والضفة الغربية، وحتى عدم المبالاة بسقوط السلطة الفلسطينية وانهيار ما تبقى من أوهام وشكليات بشأن مسار التسوية وحل الدولتين[17].

وعلى صعيدٍ آخر يبدو أن الحكومة الجديدة غير عابئة بالمظاهرات والاضطرابات الداخلية، حيث استمرت اجتماعات اللجنة التشريعية في الكنيست في مناقشة القوانين والتشريعات المقترحة ضمن خطة “الإصلاح القضائي”، بما في ذلك مشروع قانون يمنع عزل رئيس الحكومة إلا عبر الكنيست وليس بفتوى من المحكمة العليا. يدرك نتنياهو أن اللعبة السياسية مع خصومه تكاد تكون صفرية، فالمعارضة تريد دفعه لتقديم تنازلات، وهو ما لن توافق عليه بعض أحزاب الائتلاف الحاكم، والتي قد يؤدي انسحاب أي منها من الائتلاف إلى سقوط الحكومة، لذلك من المستبعد أن تكون هناك أي تسوية سياسية حقيقية إلا لو تم التوافق بين نتنياهو وحلفائه على تقديم تنازلات محددة للمعارضة، ولأن التنازلات المحتملة ستكون في الغالب رمزية ولا تتضمن مطالب المعارضة الأساسية، فالصراع الحالي مرشح للاستمرار بينما المشكلات الحقيقية تزداد تأزمًا[18].

2- الشأن الفلسطيني تحت مطرقة التطرف:

لا شك أن هذه الحكومة بالإضافة إلى ما تمثله من جانب ظلامي على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، فإنها تعد الأكثر دمويةً وتطرفًا وفاشيةً تجاه الفلسطينيين، حتى أن عددًا من اتفاقاتها الائتلافية تضمنت بالتفصيل جملة من الإجراءات والسياسات العدوانية تجاه الأراضي المحتلة. فكان أول ما فعله وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، بعد مرور عشرة أيام على تسلمه منصبه الجديد، أن وقع مرسومًا يقضي بحجب 40 مليون دولارًا من العائدات الضريبية المستحقة للسلطة الفلسطينية، معلنًا أنه: “طالما أن السلطة الفلسطينية تشجّع الإرهاب وطالما أنها عدو، فليست لدي مصلحة في أن تستمر بالوجود”. وفي خطوة استفزازية، قام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بجولة في الحرم القدسي الشريف عقب تسلمه منصبه، بحماية من قوات الشرطة الإسرائيلية التي يتولى الإشراف عليها. كما أصدر بن غفير أمرًا بفرض قيود جديدة على السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، مستهدفًا بذلك مجموعة تحظى بدعمٍ واسع في المجتمع الفلسطيني. وتعهد سموتريتش وبن غفير باتخاذ مزيد من الخطوات لتوسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والتصدي للتطلعات الوطنية الفلسطينية[19].

وقد جرى وفق اتفاق الائتلاف الحكومي، نقل المسؤولية عن كل من الإدارة المدنية الإسرائيلية ومنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة من مسؤولية المؤسسة العسكرية إلى مسؤولية سموتريتش مباشرةً. حيث تتمتع الإدارة المدنية بصلاحيات واسعة جدًا في كل ما يتعلق بالمنطقة التي يُطلق عليها منطقة (ج) وفق اتفاقية أوسلو، والتي تشكل نحو ثلثي مساحة الضفة الغربية المحتلة، ويستوطن فيها نحو 400 ألف مستوطنًا ويعيش فيها نحو 300 ألف فلسطيني. ويمتلك “مجلس التخطيط الأعلى” التابع للإدارة المدنية جميع الصلاحيات المتعلقة بالبنى التحتية والأراضي والتخطيط والبناء والكهرباء والطاقة والمياه والمواصلات وشق الطرق، والإعلان عن مناطق بأنها أراضي دولة والإعلان عن مناطق بأنها مناطق مغلقة[20].

ويأتي ضمن صلاحيات الإدارة المدنية وضع الخطط لتوسيع المستوطنات، وتوسيع مناطق نفوذها، ووضع الخطط لإقامة مستوطنات جديدة، ومنح وضع قانوني للبؤر الاستيطانية غير القانونية وفق القانون الإسرائيلي، والحكم في مسألة ملكية الأراضي واتخاذ القرارات بشأن ما إذا كان استيلاء المستوطنين اليهود على الأرض الفلسطينية جرى وفق القانون الإسرائيلي، وكذلك تلك الإدارة هي التي تقرر تنفيذ القانون بشأن هدم البناء غير المرخص. وتعود صلاحية القرارات في غالبية هذه القضايا إلى الحكومة الإسرائيلية، ولكن الإدارة المدنية والأقسام الخاصة بالاستيطان في وزارة الإسكان تؤدي دورًا خطيرًا في إعداد الاقتراحات وتنفيذها، ولديها صلاحيات كثيرة في قضايا لا تحتاج إلى قرار مجلس الوزراء.

ويُسهم كون سموتريتش وزيرًا للمالية كثيرًا في تسهيل تخصيص الميزانيات؛ ما يجعله يسيطر على العملية بأكملها. كما يُحدث وضعًا جديدًا وخطيرًا من الناحيتين الرسمية والفعلية، فهذا النقل لا يعني فقط ضم هذه المنطقة فعليًا إلى إسرائيل، وإنما أيضًا يفتح الباب على مصراعيه أمام تكثيف الاستيطان الإسرائيلي في الضفة المحتلة على نحوٍ غير مسبوق. فسموتريتش هو من غلاة الدعاة إلى تكثيف الاستيطان في المنطقة (ج)، ولديه برنامج مفصل يدعو فيه إلى ضم هذه المنطقة إلى إسرائيل، وتكثيف الاستيطان اليهودي فيها وتوسيع المستوطنات القائمة وإقامة مستوطنات جديدة، ومنح وضع قانوني لعشرات البؤر الاستيطانية غير القانونية وفق القانون الإسرائيلي نفسه[21].

ومن ناحيةٍ أخرى، تشهد الضفة الغربية الآن الصراع الأشد مع الاحتلال، وقد زادت حدته باندلاع موجة عمليات المقاومة منذ مارس 2022، المرشحة للتصاعد مع تنصيب الحكومة الجديدة المتطرفة، والتي لم تتوانَ بدورها في إصدار التهديد والوعيد للفلسطينيين، واتفاق أقطابها على سن قانون الإعدام لمنفذي العمليات، واعتباره شرطًا لتمرير موازنة 2023. كما احتل ملف الداخل المحتل أولوية متقدمة لدى الائتلاف الحكومي الجديد، بزعم أن فلسطينيي 48 يمثلون تهديدًا لـيهودية الدولة، خصوصًا بعد انخراطهم في أحداث هبة الكرامة في مايو 2021، واحتجاجاتهم التي عمت مختلف المدن المحتلة، لا سيما اللد والرملة ويافا وعكا، وتصاعد التحريض ضدهم من قبل عتاة اليمين وأجهزة الأمن، مما دفع إيتمار بن غفير لمنح جهاز الأمن العام مسؤولية متابعة أوضاعهم الداخلية، بزعم محاربة الجريمة[22].

ينذر ما سبق بتفجر الأوضاع الميدانية في الضفة الغربية، فتعيين سموتريتش وزيرًا بوزارة الدفاع، وإشرافه على الإدارة المدنية بالضفة الغربية، وتسيير شؤون الاستيطان، نذير شؤم بتوسيعه في المستوطنات القائمة، وإنشاء أخرى جديدة، وشرعنة البؤر غير القانونية، وإمدادها بمشاريع البنى التحتية، لا سيما في المنطقة (ج)، التي تشكل 60٪ من مساحة الضفة الغربية، وتخضع لسيطرة الاحتلال المدنية والأمنية معًا. وتتمثل الخطورة الأكبر على الفلسطينيين أنه سيجعل ضباط الجيش وجنوده ذي ولاءات أيديولوجية حزبية أكثر من خضوعهم لاعتبارات مهنية عسكرية بحتة، أي أنهم سيطلقون العنان لدمويتهم باستهداف الفلسطينيين، وهم على ثقة أن هناك في المستوى السياسي من سيدعمهم، ويمنحهم الغطاء اللازم[23]. وقد بدت أثار هذه الدموية جلية في عدوان الجيش الإسرائيلي على نابلس وجنين، وفي المقابل رفع حدة العمليات النوعية التي تُنفذ داخل إسرائيل.

خاتمة:

تعتبر حكومة نتنياهو هذه الحكومة الأشد تطرفًا في تاريخ إسرائيل. فمن ناحية، سوف تسعى هذه الحكومة إلى تكثيف الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة، بما في ذلك مواصلة الاستفزازات المدروسة الرامية إلى تطبيع وجود يهودي في الحرم الشريف، وزيادة منسوب سياسات القوة والبطش ضد الفلسطينيين في المناطق المحتلة في سنة 1967 وفي داخل الخط الأخضر. ومن ناحيةٍ أخرى، ستمضي في سن القوانين التي تعيد صياغة حدود الديمقراطية الإسرائيلية بما يتلاءم مع قيم اليمين المتطرف واليمين الفاشي الإسرائيلي، وذلك بمحاربة البعد الليبرالي المتعلق بالحقوق والحريات. وهكذا يمثل تشكيل هذه الحكومة تحديات خطيرة على الصعد الفلسطيني والعربي والإسرائيلي والدولي كافة، وتعكس استمرار انزياح المجتمع الإسرائيلي بنخبه المختلفة نحو اليمين واليمين المتطرف والفاشي.

ومن غير الواضح حتى الآن إلى أى مدى سيمضي نتنياهو في إعادة صياغة حدود الديمقراطية الإسرائيلية وفي سن القوانين التي تُخضع عمليًا السلطة القضائية للحكومة؛ تلك السلطة القضائية التي كانت دومًا منحازة إلى المشروع الصهيوني وقيمه بالطبع، غير أنها في نظر اليمين المتطرف والفاشي باتت منذ سنوات عائقًا ليبراليًا أمام فرض قيمه ورؤيته وبرامجه، سواء تلك المتعلقة بالمجتمع الإسرائيلي أو بالفلسطينيين.

______________________

الهوامش

*  حيث أجريت انتخابات في أبريل 2019، سبتمبر 2019، مارس 2020، مارس 2021 (المحرر).

[1] عبد العليم محمد، انتخابات الكنيست المبكرة: الانقلاب الثاني في السياسة الإسرائيلية، مركز الأهرام للدراسات السياسة والاستراتيجية، ملف خاص بعنوان: انتخابات الكنيست الخامسة والعشرون، نوفمبر 2022، ص9، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/3wA3h

[2]  إسرائيل: الحكومة الائتلافية بقيادة نفتالي بينيت تخسر أغلبيتها في الكنيست بعد انسحاب نائبة يمينية، فرانس24، 6أبريل 2022، تاريخ الاطلاع: 1فبراير 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/zMEpZ

[3]  حكومة إسرائيل على شفا الانهيار بعد انسحاب عضو بالكنيست منها، الجزيرة، 13 يونيه 2022، تاريخ الاطلاع: 1فبراير 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/lT4Lk

[4] عبد العليم محمد، انتخابات الكنيست المبكرة: الانقلاب الثاني في السياسة الإسرائيلية، مصدر سابق، ص11.

[5]  حنان أبو سكين، تداعيات تشكيل حكومة ائتلافية يمينية على السياسة الخارجية الإسرائيلية، مجلة السياسة الدولية، المجلد58، العدد 231، يناير2023، ص212-213. وانظر: عبدالعليم محمد، انتخابات الكنيست المبكرة: الانقلاب الثاني في السياسة الإسرائيلية، مصدر سابق، ص11.

[6] انتخابات الكنيست الإسرائيلي: عودة نتنياهو وصعود الصهيونية الدينية، تقدير موقف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 7 نوفمبر 2022، ص1، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/cBqOz

[7]  المصدر السابق، ص3.

[8]  تداعيات تشكيل الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، تقدير موقف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 9يناير 2023، ص1، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/PcHd7

*  اتفق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، يوم الخميس 23 فبراير من العام الجاري على وثيقة تفاهمات بشأن نقل صلاحيات تتعلق بالوحدتين العسكريتين: “الإدارة المدنية” و”منسق أعمال الحكومة في المناطق” المحتلة، إلى سموتريتش الذي عُين وزيرًا في وزارة الدفاع وفق القانون الذي تم سنّه خصيصًا له.

[9] محمد وتد، حكومة نتنياهو السادسة.. أزمات داخلية وتحديات خارجية، الجزيرة، 23 ديسمبر 2022، تاريخ الاطلاع: 15 فبراير 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/AY6ia

  • وانظر: تقدير موقف، تداعيات تشكيل الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، مصدر سابق، ص3-4.

[10]  المرجع السابق، ص4-5.

[11]  انظر ما يلي:

– سعيد عكاشة، انهيار اليسار وصعود اليمين الديني، مركز الأهرام للدراسات السياسة والاستراتيجية، ملف خاص بعنوان: انتخابات الكنيست الخامسة والعشرون، مرجع سابق

– محسن محمد صالح، هل يتفجر الوضع الداخلي في الكيان الإسرائيلي؟، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 20 يناير 2023، تاريخ الاطلاع 20فبراير 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/QqR62

[12] عدنان أبو عامر، تقدير موقف: قراءة في سياسات ومآلات حكومة نتنياهو السادسة، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 9يناير 2023، ص ص 3-5، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Yz9Qm

*  يذكر أن المحكمة العليا الإسرائيلية أصدرت قرارًا ينص على ضرورة قيام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بإقالة زعيم حزب شاس ووزير الصحة والداخلية أرييه درعي من مناصبه الوزارية، وبالفعل أعلن نتنياهو في 22 يناير الماضي، استجابته للقرار، مع وعد لدرعي بأن يحصل على مكانة مؤثرة في الائتلاف بعيدًا عن المناصب الوزارية.

[13] تقدير موقف، تداعيات تشكيل الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، مصدر سابق، ص2.

 [14]  للأسبوع التاسع.. عشرات الآلاف يتظاهرون في تل أبيب ضد حكومة نتنياهو، الجزيرة، 5مارس 2023، تاريخ الاطلاع: 7 مارس 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/JTaeE

[15]  أزمة بجيش الاحتلال.. جنود يهددون بالعصيان إذا نفذت حكومة نتنياهو خطتها لإصلاح القضاء، الجزيرة، 3مارس 2023، تاريخ الاطلاع: 7 مارس 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Kp0U3

[16]  الرئيس الإسرائيلي: نمر بأزمة تاريخية تهدد بتدميرنا من الداخل، الجزيرة، 6مارس 2023، تاريخ الاطلاع 7 مارس 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/aPBMo

[17]  محسن محمد صالح، هل يتفجر الوضع الداخلي في الكيان الإسرائيلي؟، مصدر سابق.

[18]  سعيد عكاشة، احتجاجات إسرائيل: هل يمكن إسقاط نتنياهو عبر المظاهرات؟، مركز الأهرام للدراسات السياسة والاستراتيجية، 14 مارس 2023، تاريخ الاطلاع: 17 مارس 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/nnLxY

[19]  جايك والاس، على مشارف نقطة الغليان؟، مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط، 23 يناير 2023، تاريخ الاطلاع: 1 مارس 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/DE0CU

[20] تقدير موقف، تداعيات تشكيل الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، مصدر سابق، ص4.

[21]  المصدر السابق، ص4.

وانظر: عدنان أبو عامر، تقدير موقف: قراءة في سياسات ومآلات حكومة نتنياهو السادسة، مصدر سابق، ص10.

[22] عدنان أبو عامر، تقدير موقف: قراءة في سياسات ومآلات حكومة نتنياهو السادسة، مصدر سابق، ص10.

[23]  المصدر السابق، ص 11.

 

فصلية قضايا ونظرات – العدد التاسع والعشرون – أبريل 2023

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى