عرض مقال: الاقتصاد السياسي الدولي في عصر العولمة

يبحث الكاتب ناجير وودز وهو أستاذ في جامعة أوكسفورد في هذه الدراسة عن طرح اقترابات جديدة لفهم تطورات الاقتصاد السياسي الدولي في سياق العولمة، بشرح رؤية الاقترابات التقليدية التي تناولت تفسير الاقتصاد السياسي الدولي مع بدء تطوره، في مجال العلاقات الدولية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وصولا إلى الاتجاهات الجديدة في فهم هذا الحقل في سياق جدالات العولمة والحاجة إلى مؤسسات دولية.

مقدمة:

يقول الكاتب إن الاقتصاد السياسي الدولي هو حقل مشترك يجمع بين الاقتصاد والسياسة في الشؤون الدولية، وإن السؤال الجوهري المطروح على هذا الحقل من المعرفة هو ما الذي يقود ويفسر الأحداث في الاقتصاد السياسي الدولي؟ وذلك في وقت يرى فيه البعض أن هذا الأمر يخضع بالأساس لصراع “الدول والأسواق”.
ومن أجل فهم ذلك، يحاول الكاتب عرض دراسته من خلال مجموعة أساسية من المحاور وذلك للإجابة على تساؤله الرئيسي وهو هل محت العولمة أو أزالت دور الدولة في الاقتصاد الدولي؟ وذلك في سياق التحديات الكبرى التي طرحتها هذه الظاهرة على كافة دول العالم. ومن ثم فنحن أمام سؤال آخر يفرض علينا البحث عن إجابة له وهو ما هو الدور المتوقع أن تلعبه المؤسسات الدولية لإدارة العولمة وإدارة التطورات المتلاحقة والأحداث المتسارعة في الاقتصاد السياسي الدولي؟
ومن ثم فقد قسم الكاتب دراسته إلى مجموعة رئيسية من الموضوعات، والتي بدأها بدراسة تاريخ ظهور الاقتصاد السياسي الدولي في مرحلة ما بعد الحرب معتبرًا في ذلك أن هذا السياق التاريخي من شأنه المساعدة في فهم لماذا وكيف بات الاقتصاد السياسي الدولي في بؤرة تركيز دراسة العلاقات الدولية. ثم ينتقل الكاتب بعد ذلك للحديث عن رؤية الاتجاهات التقليدية الممثلة في الليبرالية والماركسية والماركنتيلية في قراءات تطورات الاقتصاد السياسي الدولي والتي عرضت بدورها كل مدرسة من تلك المدارس رؤيتها في فهم هذه التطورات من خلال تحديد الفاعلين الرئيسيين للأحداث وكذلك مستويات التحليل الخاصة بها. ثم ينتقل بعد ذلك الكاتب في بحث سياق العولمة وتأثيراته على الاقتصاد السياسي الدولي ومن ثم على الإقتصاد العالمي.

أولًا- الاقتصاد الدولي في مرحلة ما بعد الحرب:

بإيجاز يقول الكاتب إن مؤسسات وأطر الاقتصاد الدولي تمتد جذورها مع التخطيط لنظام اقتصادي دولي جديد ما بعد الحرب العالمية الثانية وبالتحديد في الولايات المتحدة الأمريكية في برتين وودز عام 1944، حيث اجتمع صانعو السياسيات في الولايات المتحدة لحل مشكلتين رئيسيتين هما؛ الحاجة لتفادي تكرار الكساد العظيم الذي حدث في العام 1930، والتأكد من عدم تكراره مجددا، أو بمعنى آخر محاولة إيجاد طرق لخلق نظام نقدي عالمي مستقر وتعزيز مجال التجارة الحرة الدولية، وثانيا الحاجة إلى إعادة بناء الاقتصاديات الأوروبية المدمرة من الحرب. ومن ثم فقد تم الاتفاق على إنشاء 3 مؤسسات دولية كبري بناء على اتفاقية بريتين وودز وهما صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للتنمية والتعمير، وثالثا اتفاقية الجات (GATT)، ولكل من تلك المؤسسات دور ووظيفة في سياق نظام اقتصادي دولي جديد ما بعد الحرب.

ثانيًا- صعود الاقتصاد السياسي الدولي في دراسة العلاقات الدولية

يقول الكاتب أنه حتى العام 1970 كان حقل الاقتصاد السياسي الدولي مهملًا، وذلك بالرغم من النقاشات التي كانت دائرة في هذه الفترة عن أسباب ضعف التنمية وعدم المساواة بين الأمم، والتي كان يركز عليها بقوة الماركسيون التقلديون، إلا أنه لم يتمكن الاقتصاد السياسي الدولي من تبوأ مركز هام في اهتمامات العلاقات الدولية. ويضيف الكاتب أن عام 1970 جاء فاصلا حيث بدأت العلاقات الدولية تدفع صناع القرار والباحثين مع تطور الأحداث على الصعيدين الدولي والمحلي لإلقاء مزيد من الاهتمام للأمور الاقتصادية. حيث جاءت حرب فيتنام كاشفة لقوة التحالف بين الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الغربيين. ومن ثم بدأ يظهر مفهوم الاعتماد المتبادل.
وعلى مدار العقود التالية لبداية عقد السبعينيات واصل الاقتصاد السياسي الدولي تقدمه في بؤرة الاهتمام في دراسة العلاقات الدولية، وذلك مع سياق العولمة وأسبابها وتأثيراتها على الدول والتعاون الدولي والمؤسسات لتكون محددًا هامًا في حقل العلاقات الدولية. وذلك أيضا بالتوازي مع انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الرئيسيين في العالم وخفوت الطموحات الجيو – إستراتيجية.
وينتقل الكاتب بعد ذلك إلى التفسرات العديدة التي طرحتها الاتجاهات الثلاثة الرئيسية وهي الليبرالية والماركسية والماركنتيلية في فهم تطورات الاقتصاد السياسي الدولي، ولاسيما وأن كل اتجاه أو اقتراب من هذه الاتجاهات الثلاثة له قيمه ومرتكزاته التي يستمد منها مستوياته التحليلية وشرح الفاعلين الرئيسيين للأحداث.

ثالثًا- الحاجة لاقترابات جديدة لدراسة الاقتصاد السياسي الدولي

يقول الكاتب أن الاقتصاد السياسي الدولي منقسم بين اهتمامات معيارية مختلفة وأسئلة تحليلية متعددة، ومن ثم بات هناك جدالات قوية بين الباحثين والدارسين بشأن كيفية الشرح الأمثل لسياسات ومخرجات الاقتصاد السياسي الدولي. ومن ثم يطرح الكاتب “الخيار العقلاني” (Rational Choice) لفهم تفضيلات ومصالح الفاعلين سواء من الدول وغير الدول في هذا الحقل وكذلك تفسير سلوكياتهم.
وعن هذا الاقتراب يقول الكاتب، إنه في الولايات المتحدة أصبح اقتراب “الخيار العقلاني” هو المهيمن في دراسة الاقتصاد السياسي الدولي، ويضيف الكاتب أن هذا الاقتراب أيضا بات مطبقًا على جماعات المصالح وتأثيرهم في الاقتصاد السياسي الدولي، وذلك فيما بات يعرف بمنهج الاقتصاد السياسي في الاقتصاد السياسي الدولي. وتمتد جذور هذا الاقتراب من تفسيرات السياسات التجارية التي تركز بدورها على جماعات المصالح. ومن ثم فيمكن تطبيق افتراضات اقتراب الخيار العقلانى لفهم كيف تظهر الجماعات في الاقتصاد وما هي أهدافها وسياساتها المفضلة. كما يقدم هذا الاقتراب افتراضات للتحالفات بين هذه الجماعات بعضها وبعض.
ويضيف الكاتب أن تطبيقات مختلفة من الخيار العقلاني تقع ضمن الاقتراب المؤسسي في الاقتصاد السياسي الدولي، والذي يقدم تفسيرًا بشأن ضرورة إنشاء المؤسسات ولأي هدف.

رابعًا- نقاش العولمة في الاقتصاد السياسي الدولي

يقول الكاتب وباختصار أن طبيعة وتأثير العولمة هو بالتأكيد بات نقاشًا هامًا داخل الاقتصاد السياسي الدولي. ويضيف إنه من خلال المصطلحات الرئيسية التي تتبناها العولمة والمتمثلة في الثورة التكنولوجية (The Technological Revolution) والـ(Internationalization) وثالثاُ (liberalization) أصبحت هناك سيل من الأنشطة الاقتصادية العابرة للحدود في الاقتصاد الدولي. ويأتي ذلك بالتزامن مع جدالات بشأن دور العولمة ففي حين يرى البعض أنها ليست بشيء جديد، يرى آخرون أنها باتت تُنهي أدوار الدولة القطرية، في حين يرى فريق ثالث أنها عززت من الفروق بين الأمم ونشرت عدم المساواة وعدم العدل بين العالم.
وكما يعتبر الـ(Globalists) فإنه مع العولمة بات الدول والحكومات تفقد سيطرتها على مسارات التفاعلات الاقتصادية وهذه بسبب التدفقات الهائلة التي عجزت الحكومات والدول عن مجاراتها، كما أن العولمة تزيد وتدعم التفاعلات البينية والاعتمادات المتبادلة والاتصالات المتبادلة بين الجماعات، ومن ثم فإن الخيار الأمثل بات البحث عن مؤسسات دولية قوية أو تقوية المؤسسات الدولية الموجودة من أجل إدارة العولمة والاقتصاد السياسي الدولي.
*****

الهوامش:

* Ngaire Woods, International Political Economy in an Age of Globalization, London: The Globalization of World Politics, Oxford University, 2001. Pp. 277-298.
** طالب دكتوراه في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى