صعود اليمين المتطرف والشعبوية، وآثارها على اللجوء والإسلام في أوروبا

مقدمة:

يُعد صعود اليمين المتطرف الشعبوي على الساحة السياسـية الأوروبيـة إحـدى أكثـر الظـواهر السياسـية أهميـة منذ العقدين الأخيرين من القـرن الماضي في أوروبـا. ولا شك أن هذا الصعود يحمل متغيرات جذرية تجاه العالم بشكلٍ عام والعالم الإسلامي والمسلمين بشكلٍ خاص، وخاصةً بعد وصول بعض الأحزاب اليمينية إلى السلطة في بعض الدول الأوروبية.

يشترك اليمين المتطرف في مجموعة من الأفكار التي تتبناها الأحزاب والتيارات التي تنتمي إليه مثل: الاستعلائية، والشعبوية، والتمركز حول الهوية القومية، ومعاداة الأجانب، وكراهية الإسلام والمسلمين، فضلا عن معاداة العولمة. وفي الوقت نفسه يتميز الخطاب اليميني المتطرف بالاختزالية والتعميم وتأجيج العواطف واستغلال مخاوف الجماهير وتعزيزها وإثارة الكراهية تجاه الأجانب عامةً والمسلمين بشكلٍ خاص؛ لذلك كان هذا الصعود مؤشرًا على أزمة حضارية وثقافية داخل الغرب. وقد ارتبط صعود اليمين المتطرف بعددٍ من القضايا الهامة مثل قضايا الهجرة واللجوء، والتعددية الثقافية، والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للجاليات المختلفة في الداخل الأوروبي.

ومن هنا كان مجرد صعود اليمين المتطرف -حتى وإن أتبعه موجات هبوط كما حدث في انتخابات بعض الدول في أوروبا مثل فرنسا وهولندا- مؤشرًا على أزمة على المستوى الهوياتي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي. وذلك لأن هذا التيار، وإن أخفق سياسيًا، فهو يتجسد في كيانات وجماعات وأحزاب وتواجد إعلامي قوي يحرك الرأي العام ويؤثر على توجهات الجماهير.

ويعتقد بعض المحللين أن ظاهرة ازدياد عدد اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا -ولاسيما الناتجة عن الحروب والصراعات في الشرق الأوسط- كانت محفزًا رئيسيًا لصعود اليمين المتطرف في المشهد السياسي الأوروبي على مستوى الانتخابات البرلمانية أو المحلية أو الرئاسية في كل دولة، وكذلك على مستوى البرلمان الأوروبي.

وإثر تنامي شعارات اليمين المتطرف وقبولها شعبيًا في سياقها الاجتماعي الأوروبي، تغير الوضع في أوروبا وخاصةً مع سعي الأحزاب التقليدية (التي كانت تُوصف بالوسطية والاعتدال) إلى مزاحمة اليمين المتطرف واستخدام مفرداته وشعاراته وأفكاره. الأمر الذي أدى إلى تشديد قوانين الهجرة واللجوء والإقامة ومنح المواطنة، إلى درجة استئناف الحد من اتفاقية “شنجن للحدود المفتوحة”[1]، ونزع الجنسيات أحيانًا، وترحيل العديد من طالبي اللجوء دون ضجيج، والتوسع بشكلٍ عام في القوانين الاستثنائية والقيود التي تمس المسلمين.

في هذا السياق، اتضحت جليًا ظاهرة الإسلاموفوبيا من خلال برامج الأحزاب المتطرفة. إذ لا تتوانى هذه الأحزاب في تصدير معاداتها للإسلام والمهاجرين المسلمين، ومن ثم فقد أصبحت الإسلاموفوبيا واقعًا معاشًا في الغرب تحت غطاء القيم الليبرالية كحرية التعبير ليبدو خطاب الكراهية ضد المسلمين مقبولا اجتماعيًا وسياسيًا، وليصبح التمييز ضدهم جزءً من المناخ السياسي والثقافي السائد في أوروبا.

يتناول هذا التقرير صعود أحزاب اليمين المتطرف الشعبوي في أوروبا وتأثيرها على المسلمين وعلى سياسات اللجوء والهجرة من خلال عدة محاور: أولا: يقدم التقرير تعريفًا للأحزاب اليمينية المتطرفة ويناقش أهم الأسس الفكرية التي تشترك فيها، وإن اختلفت في الأولويات المحلية. ثانيًا: عوامل صعود اليمين المتطرف، والمقاربات التي حاولت تفسير الظاهرة. ثالثًا: تداعيات صعود اليمين المتطرف على مسلمي أوروبا. وفي هذا القسم يناقش التقرير كيف انعكست الرؤية العدائية والدونية من أحزاب اليمين المتطرف للأجانب -وخاصةً المسلمين- على واقع المسلمين وصورتهم في الغرب، وكيف يرسم لهم خطاب اليمين المتطرف صورة اختزالية غير حقيقية تقوم على العنصرية والكراهية والتمييز ضدهم. ويتناول التقرير أيضًا ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا، وكيف تجذرت في المجتمعات الأوروبية وخاصةً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وكيف تم استغلالها من جانب اليمين المتطرف. رابعًا وأخيرًا: يناقش التقرير تداعيات صعود اليمين المتطرف على اللجوء والهجرة، وكيف أدى هذا الصعود إلى ارتفاع وتيرة الممارسات المتطرفة تجاه المهاجرين وتحديدًا العرب، ذلك حيث يتم النظر إلى المهاجرين على أنهم مصدر تهديد اقتصادي وثقافي واجتماعي.

أولًا- اليمين المتطرف في أوروبا: التعريف، والأسس الفكرية:

يمثل الصعود الجماعي السمة المميزة لليمين المتطرف الشعبوي في أوروبا. فقد شهدت فرنسا صعود الجبهة الوطنية وشهدت النمسا في التسعينيات صعود “يورج هايدر” المحافظ المتطرف وتأييد الجماهير له بعد هجومه على المهاجرين. وفي هولندا بداية العشرينيات من القرن الحالي نال “بيم فورتوين” تأييدًا عبر التحذير من المهاجرين المسلمين الذين يقوضون التقاليد الهولندية الليبرالية. وفى إيطاليا نجح اليمين متمثلا في حركة رابطة الشمال وحزب الخمسة نجوم[2].

فقد بدأ صعود الجبهة الوطنية الفرنسية في الانتخابات المحلية في عام 1983. وحصل الحزب في الانتخابات الأوروبية في عام 1984 على 11٪ من الأصوات. وقد استمر صعود الجبهة الوطنية في الانتخابات المحلية الفرنسية وفي الانتخابات البرلمانية الأوروبية، فقد حصل في انتخابات عام 1989 على نسبة 11.8٪ من الأصوات. واستمر أيضًا التقدم على مستوى الانتخابات الرئاسية، ويُعد التقدم الأبرز ما حققه “جان ماري لوبان” في الانتخابات الرئاسية عام 2002 إذ حصل على 16.95٪ من الأصوات في الجولة الأولى[3].

في إيطاليا، حقق حزب رابطة الشمال الإيطالي 10٪ من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الإيطالية عام 1996. وحقق الحزب بالتحالف مع الحزب اليميني المتطرف التحالف الوطني انتصارًا كبيرًا في الانتخابات التشريعية في عام 2001[4].

اما حزب الحرية النمساوي تحت قيادة “يورج هايدر”، فقد تصاعدت نسبة التصويت له في انتخابات عام 1994 لتتجاوز 20٪. وفي الانتخابات الأوروبية عام 1996 فقد حصل الحزب على 27.6٪[5].

في الدنمارك، حصل حزب الشعب الدنماركي على 7.4٪ في الانتخابات البرلمانية الدانماركية في عام 1998. ثم أخذت مكانته بالتزايد. وفي هولندا حقق حزب بيم فورتيون 17٪ في الانتخابات التشريعية في عام 2002[6].

وقد شهدت انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة في عام 2019 تقدمًا للأحزاب اليمينة المتطرفة في دول مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبولندا. ففي بريطانيا على سبيل المثال حقق حزب بريكست بزعامة “نايجل فاراج” فوزًا واضحًا وحصد 32.84٪ من الأصوات. وفي فرنسا فاز حزب الجبهة الوطنية الذي تقوده “ماري لوبان” بنسبة 23.31٪ من الأصوات. وفي إيطاليا حصل حزب ليغا بزعامة “ماتيو سالفيني” على 33.64٪ من الأصوات. أما في هنغاريا فقد حصل الحزب المجري القومي اليميني على 52.14٪ من الأصوات[7].

ما هو اليمين المتطرف؟

لا يوجد اتفاق واضح حول تعريف أحزاب اليمين المتطرف، وذلك رغم الاتفاق النسبي حول خصائصها المشتركة وسمتها الراديكالي. ويكاد يكون هناك إجماع بين الباحثين على اقتران اليمين المتطرف بالأيديولوجية الفاشية التي تتسم عامةً بإنكار قيم الليبرالية والعقلانية والحداثة والحرية والمساواة، كما ترفض الرأسمالية والشيوعية والديمقراطية وتعتقد بمثالية الدولة وحتمية الصراع لتقدم التاريخ، وتؤمن بمبدأ القيادة البطولية والالتفاف حول القائد. ورغم أن بعض أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا لا تعتنق صراحةً المبادئ الفاشية، حيث إن جميع الأنظمة السياسية تمنع الأحزاب التي تتبنى أفكار “هتلر” و”موسوليني”، فإن هذه الأحزاب تتبنى أفكار الديمقراطية والتقدم بصورة شكلية دون الإيمان بها فعليًا[8].

هناك العديد من المقاربات لتعريف أحزاب اليمين المتطرف: يقترح “بييرو إغنازي” ثلاثة معايير لتصنيف أحزاب اليمين المتطرف: أولا: يجب أن تتموقع بعيدًا عن النقاش التقليدي (يمين- يسار)، ثانيًا: يجب أن تمتلك روابط مع الفاشية، ثالثًا: لا بد أن تدافع عن قضايا وقيم مناهضة للديمقراطية والرأسمالية[9].

أما “هانز جورج باتز”، فيُعرفها بأنها تلك الأحزاب التي تنتقد السياسات الاقتصادية والاجتماعية للديمقراطيات الغربية دون مهاجمة أسسها؛ بحيث ترفض المساواة الفردية وتركز على التجانس الإثني وتمقت المهاجرين وتستعمل الشعبوية كأسلوب للتسويق السياسي[10].

في حين يحدد “كاس ميد” أربعة أسس أيديولوجية، وهي: القومية أو الانتماء للوطن، العداء للأجنبي، حفظ القانون والنظام، النظرة الشوفينية للرفاهية بمعنى أن الدولة يجب أن تضمن من خلال سياساتها الاجتماعية رفاهية أفراد الأمة دون الأجانب[11].

أخيرًا يُقدم “مايندرت فينيما” هذه الأحزاب كنسق فكري موحد من خلال برنامجها المعادي للهجرة والمهاجرين؛ لذا يطلق عليها أحزاب ضد الهجرة Anti-immigration Parties. وبالرغم من بعض الاختلافات في الأولويات المحلية، فإن جميع أحزاب اليمين المتطرف تشترك في موقفها تجاه الحد من الهجرة وخطر المهاجرين بحيث تصورهم كأنهم مشكلة تتمثل في ثلاث صور مختلفة: تهديد للهوية الوطنية، سبب رئيسي للبطالة والجريمة ومظاهر عدم الاستقرار الاجتماعي، مستنزفين لدولة الرفاهة ومواردها[12].

عامةً يُشكل كل من: العداء للأجانب ورفض الأقليات وفكرة التعددية الثقافية، ورفض سياسات المساواة للنساء وسياسات حماية البيئة، والاعتقاد بمفهوم الاستعلائية والتفوق والدونية للآخر في مقابل الدفاع عن الهوية الوطنية والتقاليد القومية التاريخية، والدعوة إلى الحد من الهجرة والشعبوية، ورفض الاندماج الأوروبي، كل تلك العناصر تُشكل قاعدة مشتركة لأي برنامج سياسي لحزب يميني متطرف[13].

وتجدر الإشارة إلى أنه منذ ثمانينيات القرن العشرين، شهد اليمين المتطرف تحولا جذريًا في أولوياته والقضايا التي يهتم بها. كيف؟ فخلال الفترة منذ منتصف الخمسينيات وأواخر السبعينيات، انصب اهتمام تلك الأحزاب على كيفية تحقيق الازدهار والتقدم بعد الحرب نتيجة تباطؤ الأحزاب الرئيسية التقليدية في ذلك، كما عملت الأحزاب اليمينية على تحقيق نجاحات انتخابية بسبب التركيز على وتر النخبة السياسية مقابل الإرادة الشعبية. والذي كان يهدف إلى التأكيد على أن النخب تسعى للوصول للسلطة من خلال وعودها برفاهية الشعب لكن بمجرد تحقيق هدفها والوصول للسلطة تنشغل فقط بمصالحها السياسية[14].

أما في الثمانينيات، فقد بدأ اليمين المتطرف يهتم أكثر فأكثر بموضوع الهجرة والاندماج مع تصدره النقاش السياسي في عدد من بلدان أوروبا الغربية ذات التقاليد العريقة في الهجرة بحكم الماضي الاستعماري، ثم بسبب الحاجة إلى اليد العاملة القادمة من وراء البحار في مرحلة الإعمار اللاحقة للحرب العالمية الثانية. وبحلول تسعينيات القرن العشرين، باتت الهجرة القضية المحورية لليمين المتطرف الذي يُسوق إشكالاتها العديدة (وأولها الاندماج والهوية) لإضفاء قابلية على خطابه العنصري والمعادي للأجانب في حقيقته[15]، كما تم في هذا الإطار –وكما سبقت الإشارة- ربط خطاب الهجرة بالعديد من القضايا الأخرى من انعدام الأمن والبطالة والجريمة وعدم الاستقرار[16].

كذلك اهتمت أحزاب اليمين المتطرف بشــعبويتها ورغبتهــا في الانتشـار علـى نطـاقٍ واسـع، حيث غرضـها في الوصـول إلى مختلـف الفئـات الاجتماعيـة والمهنيـة، وكـذلك مختلـف الفئـات العمريـة ومن ثم النـاخبين جميعـًا، سـواء مـن اليمـين أو اليسـار. وفي هذا السياق تطرح نفسها ليس كحزبًا أيديولوجيًا أو تكنوقراطيًا ولكن كونها حزبًا شعبيًا[17].

ثانيًا- عوامل صعود اليمين المتطرف:

لقد حظيت أحزاب اليمين المتطرف الأوروبي باهتمامٍ بالغ خلال السنوات الأخيرة، وسعى بعض الباحثين إلى تطوير مقاربات نظرية تحاول تفسير الظاهرة وتيسير فهمها. ومن أبرز هذه المداخل:

  1. مدخل الاقتصاد السياسي:

ويميل إلى تفسير صعود اليمين المتطرف برغبة فئات محددة في الاحتجاج على ما تعتبره ضررًا لحق بها نتيجة تحولات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مثل مشاكل البطالة ومعدلات التضخم وتراجع التصنيع على نطاق واسع والزيادة في الإيجارات وغيرها. ومن ثم، فإن النجاح الانتخابي للأحزاب المتطرفة يعود إلى التصويت الاحتجاجي للفئات المذكورة أكثر مما يُعبر عن قبول شعبي للظاهرة. بشكل عام، يقدم سياق ما بعد التصنيع والبطالة والهجرة إطارًا كليًا مهما للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية الدولية وتأثيراتها على التعبئة السياسية المحلية للقوى المتطرفة داخل المجتمعات الأوروبية المتقدمة[18].

ولقد ظهر هذه الاتجاه في الستينيات، ولعل من أشهر الدراسات في هذا الاقتراب دراسة “رونالد إينغلهارت” الثورة الصامتة Silent Revolution حيث يناقش أن تغييرًا تدريجيًا حدث في أوروبا نحو بروز قيم ما بعد مادية لدى طبقة الشباب والمثقفين. من جهةٍ أخرى، يناقش “بييرو إغنازي” فيCounter Silent Revolution أن الرواج المتزايد لخطاب اليمين في ثوبه الجديد لدى الناخبين استطاع ملامسة الانشغالات المتغيرة لدى بعض أفراد المجتمع، والتي لم تستطع الاتجاهات السائدة اليمينية واليسارية مواكبتها. فصعود اليمين المتطرف هو نوع من رد الفعل الجماعي لطبقة معينة من الأفراد في المجتمعات الأوروبية ما بعد الصناعية والتي لم تستطع التكيف مع تحولات الاقتصاد المعولم الخدماتي، حيث وجدت هذه الطبقة نفسها في وضعية مهمشة مع تزايد البطالة وتزايد الفشل والحرمان وتراجع الانسجام والتناسق الاجتماعي. لذا، فإن تزايد المهاجرين وطالبي اللجوء من العالم الثالث نحو أوروبا أحيا لدى هذه الفئة مفاهيم العنصرية وكره الأجانب[19].

  1. مدخل المؤسسات السياسية:

تقترح بعض المداخل التفسيرية الربط بين الصعود المتزايد لأحزاب اليمين المتطرف وعوامل متعلقة بالجانب الممارسي والمؤسسي للحياة السياسية. وبهذا الصدد هناك عدة مقاربات أولها نظرية التصويت العقابي أو الاحتجاجي، والتي تفسر زيادة التصويت في مختلف الانتخابات الأوروبية لمصلحة اليمين المتطرف تعبيرًا عن اتساع دائرة الاستياء وعدم الرضا عن سياسات أحزاب اليمين واليسار التقليدية.

يقدم “نوريس” تفسيرًا آخر لهذا الصعود يعود إلى استفادة تلك الأحزاب في بعض الدول الأوروبية من النظام الانتخابي الذي يضمن شروطًا متساوية للمنافسة الحزبية، حيث تشير المقارنة إلى أن أحزاب اليمين حققت نتائج أفضل في الدول التي تتبنى نظام التمثيل النسبي[20].

عامةً يرى هذا الاتجاه أن الأحزاب التقليدية لم تعد مؤهلة للاستجابة للمشكلات التي تطرحها المجتمعات الحالية، وأن المناخ السياسي يميل بالتدريج إلى إضعاف الروابط الحزبية التقليدية خاصةً أن تغير القيم في المجتمعات المعاصرة تجاوز قدرة الخيارات التقليدية على مواكبة التحولات الاجتماعية واستيعابها. مقتضى هذه المقاربة أن اليمين المتطرف ليس سوى نتاج طبيعي للتغيرات الراهنة في المجتمعات الأوروبية[21].

  1. المدخل الثقافي والحضاري:

ومغزى هذه النظرية أن نجاح اليمين المتطرف الانتخابي يعكس مصادفةً استجابة لأهواء قطاعات اجتماعية عريضة عرفت خلال العقود الأخيرة انتشارًا متزايدًا لمشاعر التعصب العرقي والثقافي، وكراهية الأجانب، والضجر من قيم الحرية والمساواة والتضامن[22].

يذهب “جانسن ريدغران” إلى أن اليمين المتطرف من خلال تبنيه مواضع جديدة سوسيو ثقافية بدلا من القضايا السوسيو اقتصادية التقليدية تمكن من جذب الناخبين. إذ أنه من المعروف عن هذه الأحزاب أنها تروج لخطاب شعبوي مباشر، وتلجأ إلى مواضيع كالخطر الإسلامي وتهديد قيم الحياة الغربية وعبء المهاجرين. يؤدي هذا الطرح إلى إمكانية تفسير صعود اليمين المتطرف كمجرد نتيجة حتمية لاحقة لعداء مجتمعي لا سياسي مستتر لدى أغلبية الغربيين المتعاطفين مع اليمين المتطرف[23].

وكل ذلك يُفيد بأن الظاهرة مستعصية على التأطير النظري المغلق، ومن ثم فإن فهمها واستيعاب أبعادها المختلفة يتطلب مقاربة أكثر تكاملا.

فيما يتعلق بعوامل صعود اليمين المتطرف بناءً على ما سبق، ثمة مجموعة من العوامل أدت إلى رفع أسهم قوى اليمين المتطرف في أوروبا، ويمكن القول إن أحد أهم هذه الأسباب وأكثرها حضورًا يتمثل في قضية المهاجرين واللاجئين الذين يتدفقون إلى أوروبا سواء بشكل شرعي أو غير شرعي، حيث تزايدت أعدادهم بشكلٍ كبير جدًا خلال السنوات الماضية بسبب الظروف المحيطة بأوروبا، وفي مقدمتها أحداث الربيع العربي. وبطبيعة الحال يشكل هذا العدد الكبير من المهاجرين ضغطًا كبيرًا على المجتمع الأوروبي سواء من الناحية الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية[24].

وتزداد فرص نجاح قوى اليمين المتطرف في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تعانيها القارة الأوروبية والتي يتواجد بها رسميًا 22 مليون عاطل عن العمل، ناهيك عن أن المهاجرين يزيدون من تكريس هذه المشكلة نظرًا لأجورهم الأقل كعمال بدلاء عن العمال الأوروبيين. يُضاف إلى ذلك، تكلفة اللاجئ على الدولة المضيفة في مجالات المرافق والتعليم والصحة وغيرها، لاسيما في ظل موجة السياسات التقشفية التي تتبعها العديد من الدول الأوروبية[25].

كما أن عدم قدرة الأحزاب والتيارات السياسة التقليدية على تقديم الحلول أو البدائل الناجحة لتلك الإشكاليات، يساعد قوى اليمين المتطرف على سحب البساط من تحت أقدام هذه التيارات، لاسيما ذات التوجه اليساري والاشتراكي، وأحزاب يمين الوسط. بعبارةٍ أخرى، يدفع إخفاق الأحزاب التقليدية الناخبين الأوروبيين إلى “الـتـصـويـت العقابي” لصالح اليمين المتطرف نتيجة لعدم الرضا عن سياسات اليمين واليسار، ورفض الناخبين لبرامجهم أكثر من كونه قناعة ببرامج اليمين المتطرف[26].

أيضًا، فإن انتشار الفكر المتطرف والإرهاب على مستوى العالم يبدو أنه يدعم زيادة قبول الفكر اليميني المتطرف بين قادة الرأي العام الأوروبي، فلا شك أن وجود كيانات مثل “داعش” طرح تخوفات لدى الرأي العام الأوروبي حول مدى الثقة في قدرة المجتمعات المفتوحة والحرة على حماية مواطنيها، وهو ما يسمح لقوى اليمين المتطرف بإثارة الشكوك حول جدوى آليات الدفاع لدى الحكومات الأوروبية، لاسيما مع تعرض بعض المدن الأوروبية لعمليات إرهابية مثلما حدث في باريس وبروكسل. ويرتبط ذلك بتصاعد مفهوم “الإسلاموفوبيا” وموجة العمليات الإرهابية منذ أحداث 11 سبتمبر، والتخوفات من سرعة انتشار الدين الإسلامي في أوروبا على الرغم من أن عدد المهاجرين لا يتجاوز 5٪ من السكان؛ ما رسخ هدف اليمين المتطرف لكسب قاعدة جماهيرية بالادعاء أن الإسلام ومتبعيه هم التهديد الأساسي لقيم أوروبا الثقافية والقومية[27].

وفي هذا السياق، يعتبر عنصر القوة الذي يساعد اليمين المتطرف هو قدرته على تبني خطاب يربط مجمل تلك العوامل ببعضها البعض، بحيث يتم ربط المشكلات الاقتصادية والمالية وحتى الأخلاقية والثقافية، التي ظهرت في أوروبا منذ عام 2008، بالنواحي الأمنية والهجرة وتدفق اللاجئين والتهديدات الإرهابية، مع ترويج هذا التيار إلى أنه لديه حلولاً لمعالجة هذه الأزمات المركبة.

 

ثالثًا- تداعيات صعود اليمين المتطرف على المسلمين في أوروبا:

تنطلق الأحزاب اليمينة المتطرفة من رؤية متشددة قومية معادية للأجانب عامةً وللمسلمين بشكلٍ خاص، وتعتمد في كسب المؤيدين على الخطاب الشعبوي الذي يقوم على أطروحات تعميمية ووعود غير مضمونة التنفيذ. في هذا الإطار، تم وضع مقولات وتصورات تلك الأحزاب عن وجود الإسلام والمسلمين في الغرب، ومن ذلك إرجاع ارتفاع نسبة البطالة إلى ارتفاع عدد المسلمين دون تقديم أرقام أو إحصاءات أو تقارير رسمية تفيد ذلك. بذلك انتقل الخطاب اليميني المتطرف من العنصرية التقليدية إلى العنصرية الانتقائية ليتم التركيز على العداء والعنصرية ضد المسلمين تحديدًا عبر توظيف الإسلاموفوبيا[28].

لقد كان العرب والمسلمون هم المستهدفين على أرض الواقع أكثر من سواهم، من عمليات الاعتداء الجسدي في الشوارع والأماكن العامة، وحرق المنازل، وجرائم القتل، فضلا عن ازدياد التمييز العنصري على حسابهم في الحياة اليومية على صعيد العمل والمسكن مثلا، وحتى في نطاق تعامل الدوائر الأمنية مع ظاهرة التطرف وضحاياها. ويمكن تعليل استهداف العرب والمسلمين في الدرجة الأولى بأسباب عديدة، منها:

-الأجنبي غير المسلم في بلد أوروبي غربي لا يتميز بمظهره العام أو سلوكه المعيشي بصورة تلفت النظر عن أهل البلاد الأصليين إذا كان من بلد أوروبي شرقي مثلا، على النقيض من غالبية العرب والمسلمين القادمين من بلدان أخرى من الجنوب.

– نادرًا ما تميز الإحصاءات الرسمية الغربية بين فرد وآخر من حيث انتمائه الديني، ولكن الحديث عن طالبي اللجوء والمهاجرين بسبب الحروب كان يقترن على الدوام بمثل هذا التمييز على ألسنة المسؤولين في مناصب سياسية وإدارية وبأقلام المحررين في وسائل الإعلام، حيث يُراد التركيز على ربط مشكلة اللجوء بالانتماء إلى بلدان إسلامية.

–  التقارير الدورية حول أوضاع الجريمة في البلدان الأوروبية التي يمكن أن تتضمن ارتفاعًا محدودًا في أوساط الأجانب بالمقارنة مع أهل البلاد الأصليين، وهذا ما يفسره مثلا أن نسبة انتشار البطالة والفقر بينهم تزيد على الضعف عادةً، ولكن كثيرًا من المسؤولين السياسيين، وفي ظل الميل الحزبي المتزايد نحو “اليمين” عمومًا، كانوا يبرزون في تعليقاتهم مدى “الخطر” الكامن في تلك الأرقام عندما يتحدّثون عن ضرورة اتخاذ إجراءات مضادة. وهنا يلفت النظر أيضًا أن عدم تحديد الجنسيات أو الانتماء الديني في التقارير الدورية بوضوح يأتي على حساب العرب والمسلمين، فالواقع هو أن الجرائم عمومًا لا سيما الأخطر من سواها كتجارة الرقيق الأبيض والمخدرات، إنما تقوم عليها عصابات منظمة من البلدان الشرقية بأوروبا بالتعاون مع مثيلاتها في بلدان غربية، وليس فيها من المسلمين إلا القليل النادر.

– ويضاف إلى ما سبق أن مستوى الجهل أو العداء للإسلام، والذي صنعته المناهج المدرسية ووسائل الإعلام في الدرجة الأولى، وساهم فيه المسلمون في الغرب عمومًا نتيجة قدر لا بأس به من “الانعزالية” من جانبهم، هذا الجهل أو العداء، كان من وراء المخاوف الأولى التي انتشرت بين عامة السكان عندما أصبحت آثار الصحوة الإسلامية ظاهرة للعيان في الدول الأوروبية نفسها، رغم أن تلك الآثار اتخذت مظاهر بسيطة نسبيًا كانتشار الحجاب بين الفتيات، وازدياد إقبال الشباب على المساجد.

والأهم من جميع النقاط السابقة هو أن جميع هذه التطورات السلبية كانت تجد ما يُعززها بقوة في المناخ الرسمي المعادي للإسلام نفسه، فقد انتقل هذا العداء بصورة شاملة منذ مطلع التسعينيات من فئة المستشرقين فيما مضى، ومن مستوى الكتب المدرسية والكنسية ووسائل الإعلام والترفيه، إلى أعلى أجهزة صناعة القرار الغربي في القطاعات الأمنية والسياسية والفكرية، كما هو معروف شعار “صراع الحضارات” وربما ما هو غير معروف عمومًا عن شعار “الإسلام عدو بديل”[29].

اليمين المتطرف والإسلاموفوبيا:

لقد اقترن صعود اليمين المتطرف الشعبوي في أوروبا بظاهرة أخرى متزامنة، وهي تصاعد الكراهية ضد المسلمين (الإسلاموفوبيا). وهي ظاهرة فكرية بدأت تقوى وتنتشر في المجتمعات الأوروبية؛ لتصبح أيديولوجية ترتبط بنظرة اختزالية وصورة نمطية للإسلام ومعتنقيه من المهاجرين في أوروبا كمجموعة منغلقة على ذاتها ومحدودة تؤمن بقيم رجعية تحض على العنف والاختزال والنظرة السلبية للآخر وترفض العقلانية والمنطق وحقوق الإنسان[30].

الإسلاموفويبا هو المصطلح الأكثر استخدامًا لوصف التحيز والمشاعر السلبية والعداء تجاه الإسلام والمسلمين، ويمكن أن تستند الإسلاموفوبيا إلى أفكار حول الإسلام كدين وعلى أفكار حول المسلمين كمجموعة ثقافية وعرقية تشكل تهديد لغير المسلمين[31]. ويمتلك المصطلح تاريخًا طويلا منذ بداية صياغته عام 1918، ويعود أول استعمال لمفهوم “الإسلاموفوبيا” إلى الحقبة الاستعمارية من قبل علماء اجتماع فرنسيين، حيث اُستخدم هذا المفهوم لوصف رفض جزء من الإداريين الفرنسيين للعمل في المجتمعات المسلمة، التي كانوا يتولون إدارة شئونها في زمن الاحتلال، لتنفيذ المهام الإدارية والسياسية المكلفين بها. وذلك حتى انتشر المفهوم في أواخر التسعينيات مع تقرير مؤسسة الأبحاث البريطانية للمساواة بين الأعراق، وقد تم استخدام المصطلح ليشير إلى عداء لا أساس له من الصحة تجاه الإسلام، ومنذ ذلك الحين تم التوسع في استخدام المصطلح في الدوائر الأكاديمية والسياسية والإعلامية[32].

وقد تجذر هذا المفهوم في المجتمعات الغربية مع وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في الولايات المتحدة، حيث سعي اليمين المتطرف إلى الاستفادة من المناخ الدولي المترتب على هذه الأحداث في تكريس الخوف من الإسلام والمسلمين، وهي التي وفرت لليمين المتطرف خطابًا مسموعًا عوضه عن الضعف الذي يعتري خطابه السياسي[33].

فمنذ أحداث سبتمبر وبداية الحرب على الإرهاب، أصبحت ظاهرة الإسلاموفويبا واقعًا معاشًا في الغرب وفى أوروبا خاصةً، ليس فقط من خلال منظومة القوانين التي تنتهك حقوق المسلمين (مثل قانون حظر الحجاب في فرنسا وبلجيكا، وقانون حظر المآذن في سويسرا)، بل الأمر تعدى ذلك نحو الخطاب السياسي والإعلامي السائد، حيث أصبح مقبولا ومشروعًا انتقاد المجموعات المسلمة من المهاجرين في الغرب تحت غطاء القيم الليبرالية كحرية التعبير وحقوق المرأة. والمفارقة أن ذلك تم بتأييد واسع من الإعلام ليبدو خطاب العنصرية والعدائية ضد المسلمين وكأنه أمر معتاد ومقبول مجتمعيًا وسياسيًا، وليصبح التمييز ضد المسلمين جزءً متأصلا من المناخ السياسي السائد في أوروبا[34].

لقد تم استغلال ظاهرة الإسلاموفوبيا في نشر العداء للمسلمين في أوروبا سواء كانوا المهاجرين المقيمين منذ زمن أم الوافدين الجدد، فضلا عن استغلال ذلك في الخطابات التي تعتمد على إثارة مشاعر الخوف وكراهية الآخر من خلال الترويج لمجموعة من الادعاءات التي ترى الإسلام الخطر الأكبر على القيم المسيحية وعلى الهوية الغربية والنظر إلى زيادة نسبة المواليد لدى المسلمين مقابل انخفاضها لدى الأوروبيين على أنها مصدر تهديد، ذلك بالإضافة إلى التخوف من نسبة معتنقي الإسلام من الأوروبيين، كما تربط أحزاب اليمين بين المسلمين وبين تصاعد وتيرة الإرهاب في أوروبا. ومن ثم، نجد أن الخوف من الآخر (الإسلام) قد ظهر جليًا واتسعت مساحته في الخطاب الحزبي الأوروبي وأجندته السياسية وخاصةً مع صعود اليمين المتطرف[35].

إن هذا هو ما تؤكده التقارير الأوروبية نفسها: فعلى سبيل المثال يؤكد المكتب الأوروبي حول الحقوق الأساسية أن واحدًا من ثلاثة مسلمين يتعرض للتمييز العنصري، وحسب تقرير آخر لمعهد المجتمع المنفتح فإن 50٪ من المسلمين من بين الذين أجريت معهم مقابلة في 11 مدينة أوروبية قد تعرضوا للتمييز العنصري مقابل 9٪ فقط من غير المسلمين[36].

في ظل ظاهرة الإسلاموفوبيا، حظي مفهوم أسلمة أوروبا بنقاشٍ واسع في الأدبيات اليمينية في الغرب، وهو يعنى الاعتقاد بأن المسلمين (الذين يمثلون حضارة دونية يحصلون على مزيد من التغلغل والنفوذ) يشكلون تهديدًا حقيقيًا للهوية الأوروبية في حين يقوم الفكر اليميني المتطرف على فكرة الاستعلائية ويعتقدون أن الأوروبي أرفع وأفضل من الآخر المسلم وأن الهوية الأوروبية محل تهديد من قبل أولئك الأقل شأنًا. وهذا الموقف واضح بشكلٍ مباشر وصريح في برامج بعض الأحزاب اليمينة الأوروبية المتطرفة ومواقف قادتها مثل الجبهة الوطنية الفرنسية، والحزب النمساوي اليميني الشعبي، والحزب الدنماركي التقدمي، والحزب اليميني الشعبي الدنماركي[37].

تُمثل هذه التصورات أساسًا لتصرفات تمييزية ضد المسلمين قد تأخذ شكل المطالبة بسياسات تحد من حقوق المهاجرين المسلمين وحرياتهم كرفض بناء المساجد والمؤسسات الإسلامية، أو تخضعهم لمراقبة متزايدة من قبل السلطات الأمنية، وقد تتمثل في صورة حملات دعائية لتشويه صورة المسلمين داخل المجتمعات الغربية وهي تتخذ أحيانًا صورًا أكثر وضوحًا كجرائم الكراهية والتمييز ضد المسلمين. هذا إلى جانب ردود الأفعال العدوانية مثل منع الأذان، وتشويه صورة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والاعتداء على المساجد، وتدنيس مقابر المسلمين، وصولا إلى شن هجمات ضد الجاليات المسلمة وإلقاء القنابل وتوجيه الإساءات اللفظية للنساء مرتديات الحجاب[38].

وفي وقتٍ يزداد فيه الوعي بتهديد جديد وعالمي، وهو الخوف من الإسلام، حيث يعتمد نجاح الأحزاب اليمينة المتطرفة على عدم ثقة الجمهور بالمسلمين والترويج للإسلاموفوبيا، نجحت هذه التيارات في التأثير على الرأي العام في البلدان الأوروبية. حيث يعتقد أكثر من نصف الدنماركيين أن الإسلام يعوق الوئام الاجتماعي. ويريد ثلاثة أرباع المواطنين في ألمانيا تقييد ممارسة الإسلام بشكل خطير، كما يربط نصف البريطانيين بين الإسلام والإرهاب. ويرى أربعة من كل عشرة فرنسيين أن المسلمين يشكلون تهديدًا لهويتهم الوطنية[39].

في المقابل، أشارت إحصائيات بتاريخ 18 فبراير 2021 لمكتب مكافحة الجريمة في ألمانيا إلى تزايد أعداد اليمينيين المتطرفين المصنفين خطرًا، والذين بإمكانهم ارتكاب أعمال عنف أو هجمات إرهابية لأسباب سياسية، حيث تم إحصاء 71 يمينيًا متطرفًا على أنه شديد الخطورة، وذلك مقارنةً بحوالي 60 شخصًا قبل نحو عام من هذا التاريخ، وحوالي 43 شخصًا متطرفًا قبل نحو عامين.

كما سجل مكتب “مكافحة الجرائم” ما يقرب من 170 متطرفًا يمينيًا آخرين على أنهم “ذوي صلة بالأشخاص الخطرين”، والذين يُعول عليهم في الترويج للجرائم ذات الدوافع السياسية أو دعمها أو المشاركة فيها، حسب تصريحات السيد “شتيفان توماي”، عضو البرلمان الألماني عن الحزب “الديمقراطي الحر (FDP)” مبينًا أن عدد الأشخاص ذوي الصلة بالأشخاص الخطرين ممن ينتمون إلى ليمين المتطرف قد ازداد بنحو الثلث خلال السنوات الثلاث الماضية[40]. وهكذا لم تعد الإسلاموفوبيا مجرد ورقة دعائية تستخدمها الأحزاب اليمينية المتطرفة لكسب الأصوات والتأييد في العملية الانتخابية والوصول للسلطة.

رابعًا- تداعيات صعود اليمين المتطرف على اللجوء والهجرة

مع حرص الدول على رعاية الغرباء والأجانب واللاجئين من رعايا الدول الأخرى، تظل موجات التمييز بينهم وبين المواطنين الأصليين قائمة، مهما حرصت هذه الدول على الظهور بالمظهر المتحضر الذي ينفي وجود أية تمييزات قائمة على الدين أو العرق أو اللون أو الجنس أو الجنسية الأصلية بين مواطنيها. وإذا كانت حدة هذا الأمر قد انحسرت بدحر النازية في المدة ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية ومنتصف الخمسينيات من القرن الماضي، فإنها قد عادت لتزدهر بقوة منذ ثمانينيات القرن الماضي، وخاصةً مع تزايد أعداد المهاجرين إلى أوروبا، وتنامي الشعور العام في معظم الدول الأوروبية بأن الهوية الغربية الأوروبية صارت عرضة لخطر التلاشي والانهيار، لتزداد حدة التمييزات العنصرية، وظهرت أحزاب وحركات تدعو إلى طرد الغرباء والأجانب وترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية تحت حجج اقتصادية تارة، وسياسية تارةً أخرى، وثقافية واجتماعية تارةً ثالثة. وقد نال المهاجرون المسلمون القدر الكافي من التمييز والاضطهاد في معظم الدول الغربية سواء الولايات المتحدة أم دول الغرب الأوروبي، وخاصة فيما عُرف باسم اليمين المتطرف[41].

وراء هذا الصعود والانتشار الواسع لأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا ازدادت الممارسات المتطرفة تجاه المهاجرين العرب المسلمين في معظم الأقطار الغربية؛ حيث أخذت أحزاب اليمين تشن هجماتها من خلال صحفها ومجلاتها التي أصبحت تتصدر صفحاتها الأولى عناوين من قبيل: (نيران الإسلام) و(الإسلام الملتهب) و(القنبلة الزمنية الإسلامية) و(الإسلام يكتسح الغرب) …إلخ، ما انعكس بصورةٍ سلبية على سياسات الضيافة للمهاجرين المسلمين[42].

فصعود اليمين المتطرف في فرنسا أو سويسرا أو هولندا أو السويد أو ألمانيا قد ألقى بظلاله البائسة على سياسات الضيافة تجاه المهاجرين المسلمين. وقد برز ذلك جليًا بعد تزايد عدد المهاجرين، وتدفق اللاجئين المنتمين إلى أقليات قومية ودينية وعرقية مختلفة إلى أوروبا في الآونة الأخيرة، وهذا ما جعل الأوربيين ينظرون إلى تلك الظاهرة على أنها ستؤدي إلى خللٍ ثقافي في البنية الثقافية الأوروبية. وفي سياقٍ كهذا، لم يعد يُنظر إلى المهاجرين على أنهم مصدر تهديد اقتصادي لفرص العمل ولدولة الرفاه في أوروبا فحسب، بل يُنظر إليهم على أنهم مصدر تهديد ثقافي أيضًا يمس الهوية والثقافة الوطنية –على نحو ما أُشير سابقًا.

وهكذا أصبحت فئات واسعة من المجتمع الأوروبي تتجه نحو إظهار مزيد من عدم الثقة، وحتى العداء تجاه الأجانب وثقافتهم وقيمهم، التي أصبح يُنظر إليها على أنها ثقافات غريبة تضفي مزيدًا من التحدي على التماسك الوطني والثقافة الوطنية وطريقة الحياة المحلية. ولذلك استطاع اليمين المتطرف تحقيق نجاحات انتخابية لافتة؛ لأنه نصب نفسه مدافعًا عن التميز الثقافي الإثني والديني الأوروبي، ينظر إلى المجتمع من خلال ثنائية «هم ونحن»، ليصور مجموعات المهاجرين على أنها تهديد للوحدة القومية والتماسك الوطني، وتحريف لنمط الحياة المحلية. حين التقى مثل هذا الخطاب مع مطلب مجتمعي واسع، جاءت النتيجة في شكل تصويت مكافئ من المواطن الأوروبي لليمين المتطرف الذي استطاع خفض الخوف والقلق لدى الأفراد من خطر المهاجرين[43].

وفي عام 2011 مع بداية اندلاع الثورات في بلاد الربيع العربي، تصاعدت حدة الهجرات ولا سيما غير الشرعية إلى أوروبا. وعلى الرغم من الإجراءات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي للحد منها، إلا أن ذلك لم يحل دون تدفق أعداد جديدة من اللاجئين الذين ذهبوا بقوارب الموت عبر البحر المتوسط. وشهد عام 2015 موجة لجوء كبيرة، وتم إحصاء مليون ونصف المليون لاجئ إلى أوروبا، وذكر معهد كارنيجي عبر دراسة نشرت بعنوان “جذور أزمة اللاجئين في أوروبا” أن الأحداث في سوريا تشكل دافعًا هائلاً لتدفق اللاجئين إلى القارة الأوروبية، ووفقًا للدراسة فإنه على الصعيد العالمي، كل واحد من خمسة لاجئين هو سوري. أدى ذلك إلى أن تعيش أوروبا اليوم صراعًا أيديولوجيًا بين تبني قيم الإنسانية في إيواء اللاجئين واحتوائهم، وهذا ما تكفله دساتير بلادهم، وبين ازدياد عدد اللاجئين المترافق مع تصاعد الهجمات الإرهابية التي باتت تهدد الأوروبيين في عقر دارهم، مثل هجوم شارلي إيبدو، والجمعة السوداء في باريس، وتفجيرات بروكسل، وأحداث كولونيا في ألمانيا وغيرها[44].

كان لهذه الأحداث يد في تأجيج مشاعر الخوف لدى مجموعات محلية في المجتمعات الأوروبية ضد الآخر العربي، لا سيما المسلم المختلف عنهم دينًا وهويةً وثقافةً، ما جعل بعض الناخبين ينحازون للأحزاب اليمينية المتطرفة، ويتبنون شعاراتها وطروحاتها المعادية للاجئين على حساب تقوية روابط الهوية الدينية والعرقية ووضعها فوق كل اعتبار[45].

تشريعات وسياسات:

في الوقت الذي أعلنت فيه المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” إلغاء العمل باتفاقية دبلن[46]، وفتحت الحدود على مصراعيها لاستقبال اللاجئين السوريين الهاربين من جحيم الكارثة كخطوة إنسانية من جانب ألمانيا، وفي ظل تصاعد خطاب يميني متطرف رافضٍ لسياسات “ميركل”، أجرى البرلمان المجري استفتاء يدعو لرفض حصص المجر المخصصة من قبل الاتحاد الأوروبي لاستقبال ألفي لاجئ، وأقر تشريعات مناهضة للمهاجرين غير الشرعيين، منها قانون يعزز احتمالية انتشار الجيش على الحدود، ومعاقبة من يحاول الهجرة بطريقة غير الشرعية بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات.[47]

من جهةٍ أخرى، ما زال الاتحاد الأوروبي عازمًا في مساعيه لوقف موجات اللجوء من المهاجرين غير الشرعيين، حيث سبق وعرض على النيجر التي تعد من أهم محطات المهاجرين من أفريقيا نحو أوروبا، مبلغ 610 ملايين يورو للحد من محاولات الهجرة، كما عرض خططًا مشابهة على السنغال وإثيوبيا ومالي، بالإضافة إلى أفغانستان والأردن ولبنان وتركيا ودول أخرى.[48]

كذلك اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات منها مراقبة السفن في المياه الدولية، وإطلاق الطائرات والطائرات دون طيار، لجمع المعلومات عن حاملات المهاجرين غير الشرعيين التي تبحر من دول أفريقيا إلى شواطئ الاتحاد الأوروبي، وزيادة ميزانية عملية “تريتون” البحرية الهادفة إلى الحد من عدد المهاجرين إلى أوروبا، بمقدار ثلاثة أضعاف. أما بشكل غير رسمي، فإن الإعانات التي يمنحها الاتحاد الأوروبي للدول غير الأعضاء المجاورة في إطار “سياسة الجوار الأوروبية” مشروطة بالمراقبة الفعالة للحدود، والالتزام باستعادة المهاجرين غير الشرعيين.[49]

ومن المثير للاهتمام هنا قبول الدول الأوروبية ببعض من طلبات الهجرة المقدمة عبر سفاراتها وقنصلياتها فقط، في حين رفضت إعطاء حق اللجوء لأغلب الطلبات وتركت أصحابها يخوضون غمار الموت كي يصلوا إلى سواحلها، وكأنها في الواقع تشجع بشكلٍ غير مباشر على اتباع طرق الهجرة غير الشرعية.

وفي حين أن المناوشات السياسية ما زالت مستمرة داخل أروقة مراكز الاقتراع ما بين اليمين المتطرف والأحزاب التقليدية، لا يزال عدد من اللاجئين عالقين عند الحدود، يعانون الأمرين وينتظرون مصيرهم المجهول، كما قامت تركيا بإغلاق حدودها البرية في وجه السوريين سعيًا منها لتطبيق اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي، وتركتهم عرضةً للموت. وما يدفع للدهشة هنا أنه كيف يمكن للدول الغربية التي تتغنى بمواثيق حقوق الإنسان أن تعتمد سياسة لا إنسانية، وتترك اللاجئين عرضةً للموت، سواء عبر الرحلات التي يخوضونها، أو مثلما يحدث في مخيمات اللجوء في صربيا واليونان وبيلاروسيا، حيث يعاني اللاجئون من موجات بردٍ اكتسحت القارة العجوز، قد تودي بحياة بعضهم[50]. وقد تستمر إقامة طالبي اللجوء في هذه المخيمات لعدة سنوات، كما تعاني هذه المخيمات من سوء الأوضاع الداخلية والخدمات ونقص اللقاحات المقدمة والرعاية الطبية[51]. وقد تم بالفعل تسجيل العديد من حالات الوفاة نتيجة البرد القارص والإصابة بفيروس كورونا على حدود بيلاروسيا مع الاتحاد الأوروبي وغيرها من مخيمات اللجوء. ويبقى دور منظمة الهجرة العالمية والمساعدات التي تقدمها لطالبي اللجوء والمهاجرين محل تساؤل[52].

إن الصعود المتنامي لتيار اليمين المتطرف والذي بات يسبب تهديدًا صارخًا بكل المعايير القانونية الدولية للمهاجرين المسلمين، يمكن رصد تداعياته ومخاطره فيما يلي:

-تدهور أوضاع المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين: من المتوقع أن تؤدي النزعة اليمينية على الصعيدين الاجتماعي والسياسي إلى المزيد من القيود على الحقوق الاجتماعية والسياسية والثقافية للأقليات والجاليات، خاصةً العربية والمسلمة. فقد تم إصدار تشريعات تشدد من إجراءات حق اللجوء وتخفض من الامتيازات التي قد يستفيد بها المهاجرون واللاجئون.

-التركيز على البعد الأمني في إدارة ملف الهجرة: وذلك من خلال إقرار تشريعات، ووضع سياسات بالتعاون مع دول جنوب المتوسط التي تعتبر مصدرًا وممرًا للهجرة لتشديد الرقابة على الحدود لمنع تدفق موجات الهجرة غير الشرعية واحتجاز المهاجرين في ظروف غير إنسانية.

-محاولة للخلط بين اللاجئين السياسيين والمهاجرين الاقتصاديين: تحاول بعض القوى المناوئة للمهاجرين الادعاء بأن القادمين للقارة الأوروبية هم مهاجرون وليسوا لاجئين سياسيين قادمين من مناطق نزاع وصراع وحروب[53].

خاتمة:

لقد تناول التقرير تأثير ظاهرة صعود اليمين المتطرف الشعبوي في أوروبا على الإسلام وعلى اللجوء والهجرة من خلال عدة محاور؛ أولا تعريف اليمين المتطرف والأسس الفكرية التي تنطلق منها الأحزاب المنتمية إليه: فبالرغم من أنه لا يوجد اتفاق واضح حول تعريف أحزاب اليمين المتطرف، إلا أنه يمكن القول إن هناك اتفاق نسبي حول بعض الأسس الفكرية التي تقوم عليها هذه الأحزاب. عامةً يشكل العداء للأجانب ورفض الأقليات وفكرة التعددية الثقافية، ورفض سياسات المساواة للنساء وسياسات حماية البيئة، والاعتقاد بمفهوم الاستعلائية والتفوق والدونية، والدفاع عن الهوية الوطنية والتقاليد القومية التاريخية، والدعوة إلى الحد من الهجرة والشعبوية ورفض الاندماج الاوروبي قاعدة مشتركة لأي برنامج سياسي لحزب يميني متطرف.

وبشأن عوامل صعود اليمين المتطرف، فقد تعددت الاقترابات التي تسعى لتفسير الظاهرة ويشير هذا التعدد إلى تعقد الظاهرة وضرورة الدمج بين الاقترابات المختلفة لتحليل وفهم هذا الصعود. وقد تعددت الاقترابات ما بين مداخل ثلاثة: الاقتصاد السياسي، السياسي المؤسسي، الثقافي الحضاري. تؤدي تلك الاقترابات إلى مجموعة من العوامل التي تفسر صعود اليمين المتطرف تمثلت في:

-قضية المهاجرين واللاجئين الذين يتدفقون إلى أوروبا، سواء بشكل شرعي أو غير شرعي.

-الصعوبات الاقتصادية التي تعانيها القارة الأوروبية، وموجة السياسات التقشفية التي تتبعها العديد من دولها.

-عدم قدرة الأحزاب والتيارات السياسة التقليدية على تقديم الحلول أو البدائل الناجحة لتلك الإشكاليات.

-انتشار الفكر المتطرف والإرهاب على مستوى العالم.

وفيما يتعلق بتداعيات صعود اليمين المتطرف على المسلمين في أوروبا، فلقد اقترن صعود اليمين المتطرف بظاهرة تصاعد الكراهية ضد المسلمين (الإسلاموفوبيا). وقد تجذرت الظاهرة في أوروبا بعد أحداث سبتمبر. وقد تم التمييز ضد المسلمين على مستويات عدة كان أكثرها وضوحًا جرائم الكراهية والعداء ضدهم، كما تم إصدار القوانين التي تقيد حرياتهم مثل قوانين منع الحجاب ومنع المآذن.

وقد وُجدت تداعيات لصعود اليمين المتطرف على الهجرة واللجوء بشكلٍ خاص، حيث أدى صعود اليمين المتطرف في أوروبا إلى الممارسات المتشددة تجاه المهاجرين واللاجئين العرب والمسلمين. وتم تصوير اللاجئين والمهاجرين كمصدر تهديد اقتصادي واجتماعي وثقافي وهوياتي. وقد انعكست هذه الرؤية على القوانين والتشريعات.

تلخيصًا لما سبق ذكره، يمكن رصد تداعيات اليمين المتطرف على المسلمين في أوروبا، وعلى اللاجئين والمهاجرين في عدة نقاط:

-انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا واستغلالها من جانب أحزاب اليمين المتطرف واستغلال مشاعر الخوف لدى الجماهير لتأجيج الكراهية والعداء للمسلمين، الأمر الذي انعكس في أحداث عنف وكراهية تجاه المسلمين وأيضًا في إصدار تشريعات تقيد المسلمين وتميز ضدهم.

– تدهور أوضاع المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين، وفرض مزيد من القيود على الحقوق الاجتماعية والسياسية والثقافية للأقليات والجاليات خاصةً العربية والمسلمة.

-التركيز على البعد الأمني في كل ما يخص المسلمين، وإغفال أي أبعاد ثقافية أو اجتماعية أو إنسانية.

أما بالنسبة لمستقبل اليمين المتطرف في أوروبا، هناك اتجاه متفائل يرى على المدى البعيد أن صعود اليمين المتطرف ربما يكون بداية النهاية لهذه الظاهرة، وذلك استنادًا إلى أن الجيل الأوروبي الحالي، الذي نما وترعرع في ظل الرفاهية والحرية والسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان كمسلمات، سيشعر بخطر صعود هذه التيارات، ومن ثم سيرفضها. كما أن إتاحة المجال لأحزاب اليمين المتطرف لنيل التمثيل السياسي، والمشاركة في التداول على السلطة، من شأنه أن يعرض هذا اليمين جديًا لما ظل يتجنبه، وهو أن يُوضع أمام اختبار عقلاني عملي سيكشف أنه لا يملك البديل الحقيقي للقوى السياسية التقليدية.

ولكن الأهم من ذلك هو تغير المناخ السياسي. فلقد شهد المناخ السياسي تغييرات محلية وعالمية قد تؤدي إلى تراجع اليمين المتطرف في أوروبا لفترة طويلة. فعلى المستوى المحلي سيطر كوفيد 19 على المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتم إعادة تشكيل المناخ السياسي، حيث صرف الانتباه عن هجمات اليمين المتطرف على الهجرة والأقليات وأصبح التركيز على الأوضاع الاقتصادية والرعاية الصحية وكيفية تعاطى الحكومات مع الوباء. وعلى المستوى العالمي خسر اليمين المتطرف حليفًا مهمًا: الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”. نتيجة لتلك المعطيات شهد حزب البديل من أجل المانيا في انتخابات يونيو 2021 تراجعًا ملحوظًا، وكذلك تراجع حزب التجمع الوطني في الانتخابات الإقليمية الفرنسية في نفس العام[54].

كما أنه على الرغم من انتشار أفكار اليمين المتطرف المعادية للهجرة والمسلمين بشكل خاص، إلا أنه توجد مقاومة من الداخل الأوروبي ومن الخارج. فعلى سبيل المثال، نظمت العديد من الحركات مسيرات مضادة تدافع عن التعددية الثقافية في ألمانيا، كما أنه وعلى الرغم من تصاعد الخطاب والهواجس المرتبطة باللاجئين قد تم استقبالهم بالترحيب والهدايا في أماكن متعددة.

أما على مستوى الأحزاب التقليدية، يمكن القول إن الجهود المبذولة لمواجهة اليمين المتطرف في أوروبا تنحصر في عدة محاور: أولا: تجاهل الحركات والأحزاب اليمينية. ثانيًا: التركيز على قصور الخطاب اليميني والتركيز على انتقاده، حيث تقوم أفكاره على العنف ورفض الآخر والشعبوية ورفض الديمقراطية. ثالثًا: استخدام سياسة “اقتراض العباءات”، حيث تقوم الأحزاب الاخرى باقتراض عباءة الأحزاب اليمينية لتحقيق أهدافها وتفكيك القاعدة الشعبية لليمين المتطرف[55].

[1] اتفاقية شنجن هي معاهدة تاريخية متعددة الأطراف تسمح بحرية السفر والتنقل داخل وعبر الدول الأعضاء فيها. وقد ترتب على هذه الاتفاقية ظهور منطقة شنجن والتي تشكّلت من 26 دولة أوروبية إتفقت على إلغاء الرقابة على الحدود الداخلية فيما بينها أمام المسافرين الذين يعبرون بين حدود تلك الدول التي تتشارك معًا في سياسة تأشيرات موحدة.

[2] مصطفى كمال محمد، اليمين المتطرف في أوروبا: ليس صعودا فرديا، مجلة الديمقراطية، المجلد 17، العدد 65، يناير 2017، ص 189.

[3] ستار جبار الجابري، أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا دراسة في الأفكار والدور السياسي، دراسات دولية، المجلد 10، العدد 35- 31، يناير 2008، ص 50-53.

[4]المرجع السابق، ص 54.

[5] المرجع السابق.

[6] المرجع السابق، ص 57.

[7]   “إنفوغرافيك.. صعود اليمين المتطرف يثير الذعر في أوروبا”، سكاى نيوز عربية، 28 مايو 2019. تم الاطلاع عليه: 9 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3tJ4jDU

[8] Lubomír Kopeček, The Far Right in Europe, Central European Political Studies Review, vol. 9, no. 4, Autumn  2007, pp. 281

[9] Ibid., pp. 284-285

[10] Ibid., pp. 286

[11] Ibid., pp. 287-288

[12] Ibid., pp. 288

[13] يمنى عاطف محمد، صعود أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا: دراسة حاله فرنسا في الفترة “1984 – 2017”، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والإقتصادية،19 أغسطس 2019، تاريخ الاطلاع: 5 فبراير 2022، الساعة: 22، متاح عبر الرابط التالي:

https://democraticac.de/?p=62037

[14] المرجع السابق.

[15]ريناس بنافي، صعود اليمين المتطرف الاسباب والتداعيات: دراسة تحليلية، المركـز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية،12 مايو 2017، تاريخ الاطلاع: 5 فبراير 2022، الساعة: 23، متاح عبر الرابط التالي:  https://democraticac.de/?p=46400

[16] ستار جبار الجابري، أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا دراسة في الأفكار والدور السياسي، مرجع سابق، ص 59.

[17] المرجع السابق، ص 60.

[18] Othon Anastasakis, “Extreme Right in Europe: A Comparative Study of Recent Trends”, The Hellenic Observatory: The European Institute, November 2000, P12.

[19] رابح زغوني، الإسلاموفوبيا وصعود اليمين المتطرف في أوروبا: مقاربة سوسيوثقافية، المستقبل العربي، المجلد 36، العدد 421، مارس 2014، ص 19-20.

[20] المرجع السابق، ص129-130.

[21] محمد فال ولد المجتبى، أحزاب اليمين الأوروبي المتطرف.. محاولة للفهم، مركز الجزيرة للدراسات، 22 أكتوبر 2006، تاريخ الاطلاع: 5 فبراير 2022، الساعة: 22، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3J5B5VQ

[22] المرجع السابق.

[23] رابح زغوني، الإسلاموفوبيا وصعود اليمين المتطرف في أوروبا: مقاربة سوسيوثقافية، مرجع سابق، ص130.

[24]مصطفى علوي، عوامل صعود اليمين المتطرف في اوروبا، السياسة الدولية، العدد 208، ابريل 2017، ص 86.

[25] مروة نظير، تداعيات مقلقة: مؤشرات وأسباب صعود اليمين المتطرف في أوروبا، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 20 يونيو 2016، تاريخ الاطلاع: 5 فبراير 2022، الساعة 21، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3rvnzF5

[26] المرجع السابق.

[27] صلاح حسن أحمد، اليمين المتطرف يجد أسباب ليعود، آفاق المستقبل، العدد 17، مارس 2013، ص23.

[28] Hanna Barvaeus, The European Dynamics: Islamophobia, Radical Parties and European Values, thesis presented for European master’s degree in human rights and democratization, University of Seville, 2011,pp 7-8.

 

[29] نبيل شبيب، اليمين المتطرف ومستقبل المسلمين في أوروبا، مركز الجزيرة للدراسات، 3أكتوبر 2004، تاريخ الاطلاع 7فبراير 2022، الساعة 1، متاح عبر الرابط التالي:  https://bit.ly/3uvRj6v

[30] رابح زغوني، الإسلاموفوبيا وصعود اليمين المتطرف في أوروبا: مقاربة سوسيوثقافية، مرجع سابق، ص ص 122-123.

[31] J. P. Zúquete, The European extreme-right and Islam: New directions?, Journal of political ideologies, Vol. 13, no.3, October2008, p 330.

[32] Ibid, pp. 331-332.

[33] ميادة مجدي، الصور النمطية والعلاقة بين المجتمعات .. معضلة الإسلاموفوبيا، السياسة الدولية، 27 مارس 2016، تم الاطلاع عليه في: 8 فبراير 2022، الساعة 15، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/FcHQD

[34]رابح زغوني، الإسلاموفوبيا وصعود اليمين المتطرف في أوروبا: مقاربة سوسيوثقافية، مرجع سابق، ص 126.

[35]سماح عبد الفتاح أبو الليل، ظاهرة التنميط: دراسة تأثير الصعود اليميني المتطرف الأوروبي على ملفات اللجوء والهجرة، مجلة كلية السياسة والاقتصاد،  المجلد 11، العدد 10، أبريل 2021، ص 112.

[36] رابح زغوني، الإسلاموفوبيا وصعود اليمين المتطرف في أوروبا: مقاربة سوسيوثقافية، مرجع سابق، ص 126.

[37] Hanna Barvaeus, The European Dynamics: Islamophobia, Radical Parties and European Values, op.cit., p., 25.

[38] أبو بكر الدسوقي، جدلية العلاقة بين الإسلاموفوبيا واليمين الأوروبي، السياسة الدولية، العدد 208، ابريل 2017، تم الاطلاع عليه في: 7 فبراير 2022، الساعة 16، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/EdkGy

[39] سماح عبد الفتاح أبو الليل، ظاهرة التنميط: دراسة تأثير الصعود اليميني المتطرف الأوروبي على ملفات اللجوء والهجرة، مرجع سابق، ص 115.

[40] اليمين المتطرف وأزمة كورونا، بوابة الأزهر،  12 مايو 2021، تم الاطلاع عليه في: 7 فبراير 2022، الساعة 16، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/deuoX

[41]غيضان السيد علي، موقف اليمين المتطرّف من سياسات الضيافة للمهاجرين المسلمين، مؤمنون بلا حدود، أكتوبر 2021، تم الاطلاع عليه في: 7 فبراير 2022، الساعة 18، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3HwbO6E

[42] المرجع السابق.

[43] المرجع السابق.

[44]  محمد مطاوع، الاتحاد الأوروبي وقضايا الهجرة: الإشكاليات الكبرى والاستراتيجيات والمستجدات، المستقبل العربي، المجلد 37، العدد 431، يناير 2015، تم الاطلاع عليه في 8 فبراير 2022، الساعة 17، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3L8r7EZ

[45]لمى راجح، صعود اليمين المتطرف ومسألة اللاجئين، الجمهورية، 8 فبراير 2017، تم الاطلاع عليه في: 7 فبراير 2022، الساعة: 20، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3sENoSv

[46] اتفاقية دبلن هي اتفاقية قانونية بين دول الاتحاد الأوروبي. وهي تحدد البلد المسؤول عن فحص طلب اللجوء، والذي يكون عادة البلد الأوروبي الأول الذي وصل إليه طالب اللجوء. أحد أهداف هذه الاتفاقية هي ضمان منع تقديم الفرد أكثر من طلب لجوء واحد داخل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ودول أخرى منها أيسلندا والنرويج وسويسرا وليشتنشتاين، وحصرها في دولة واحدة فقط.

علاء جمعة، ” لطالبي اللجوء.. معلومات هامة ينبغي معرفتها عن اتفاقية دبلن”، مهاجر نيوز، 13 يوليو 2020، تم الاطلاع عليه في: 13 مارس 2022. متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3i39c55

[47] مصطفى شفيق علام، صعود اليمين واللاجئين، التقرير الاستراتيجي الخامس عشر الصادر عن مجلة البيان: الأمة وصعود اليمين المتطرف في الغرب المركز العربي للدراسات الإنسانية بالقاهرة، 2018، ص267.

[48] محمد مطاوع، الاتحاد الأوروبي وقضايا الهجرة: الإشكاليات الكبرى والاستراتيجيات والمستجدات، مرجع سابق.

[49] المرجع السابق.

[50]مصطفى شفيق علام، صعود اليمين واللاجئين، مرجع سابق.

[51]  دانا البوز، مخيمات اللجوء في شمال اليونان.. عزلة تامة”، مهاجر نيوز، 4 أكتوبر 2021، تم الاطلاع عليه في: 13 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3vZ4vS9

[52]  ” أزمة بيلاروسيا وبولندا: حقوق الانسان للمهاجرين المحاصرين”، الأمم المتحدة، 12 نوفمبر 2021، تم الاطلاع عليه في: 13 مارس 2022، متاح على الرابط التالي: https://cutt.us/L9toO

للمزيد حول أزمة اللاجئين على حدود الاتحاد الأوروبي انظر:

“حصاد عام 2021: ارتفاع عدد اللاجئين والمهاجرين رغم القيوم المفروضة على السفر”، الأمم المتحدة، 30 ديسمبر 2021، تم الاطلاع عليه في: 13 مارس 2022. متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/UG8nv

[53] ناجي عبد النور، تداعيات صعود أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، الحوار المتوسطي، المجلد 10، العدد 3، ديسمبر 2019، ص ص 308-309.

 

[54] ند تيمكو، ” أوروبا.. أسباب تراجع اليمين المتشدد”، جريدة الاتحاد، 13 يوليو 2021، تم الاطلاع عليه في: 13 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3CM7I8X

[55]  ريناس بنافي، صعود اليمين المتطرف الاسباب والتداعيات: دراسة تحليلية، مرجع سابق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى