تسوية الصحراء الغربية في نهاية ولاية الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”: الصفقة والثمن

مقدمة

بعد ما يقارب أربعة عقود ونصف من النزاع اللاتماثلي بين المغرب وجبهة البوليساريو وانسداد القنوات السياسية والدبلوماسية بين الطرفين التي كادت أن تتحول إلى حرب مسلحة، خصوصا بعد استقالة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة هورست كوهلر في 21 مايو 2019 وأحداث معبر الكريكت في 13 نوفمبر 2020. جاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 10 ديسمبر2020 الذي تعترف فيه الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، والذي تزامن مع إعلان إقامة علاقات بين المغرب والكيان الإسرائيلي وفتح القنصلية الأمريكية في مدينة الداخلة. كل هذه التطورات حركت المياه السياسية الراكدة في هذه القضية؛ وجعلتها تعود لتطفو على السطح على المستوى الدولي.

هذا القرار الذي يعد تحولًا واضحًا في سياسات الولايات المتحدة الأمريكية المتبعة في هذه القضية، والتي لطالما اتَّسمت بعدم إفساد العلاقة مع الحلفاء “المغرب” و”الجزائر”. وما يدلُّ على هذا حرص ومحاولة المبعوثين الأمريكيين التوفيق بين موقف الطرفين بشأن هذه القضية؛ كون اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء أمر لا يخدم أهدافها الاستراتيجية في المنطقة.

وانطلاقًا ممَّا سبق يمكن اعتبار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحولًا في موقف الولايات المتحدة الأمريكية في هذه القضية -حتى وإن جُمِّدَ من طرف الإدارة الجديدة برئاسة جو بايدن فإنه لن يلغيه- سيترتَّب عنه تبعات على مستوى طرفي النزاع “البوليساريو والمغرب” وعلى المستوى الإقليمي في المنطقة.

إذن كيف سيؤثر الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية على مسار القضية الصحراوية وعلى استقرار المنطقة؟

سيحاول هذا التقرير الإحاطة بالموضوع من خلال التطرُّق لنقاط التالية:

أولًا- دوافع وسياقات الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.

ثانيًا- التداعيات السياسية والقانونية للاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.

ثالثًا- ردود الفعل الإقليمية والدولية الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.

رابعًا- تبعات الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء على المستوى الإقليمي.

خامسًا- موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من قرار الاعتراف بمغربية الصحراء.

أولا- دوافع وسياقات الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء

قام الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في 10 ديسمبر 2020 بالتوقيع على إعلان[1]؛ بموجبه تعترف الولايات المتحدة الأميركية بسيادة المغرب على الصحراء الغربية[2] المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو منذ سبعينيات القرن الماضي. بموازاة هذا الاعتراف أعلن تطبيع العلاقات بشكل كامل بين المملكة المغربية والكيان الإسرائيلي؛ واصفًا الاتفاق بالاختراق الكبير من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط[3].

وعلى إثر هذا القرار أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو؛ بدء عملية فتح قنصلية أمريكية بالداخلة مع التدشين “الفوري” لمكتب ذي حضور افتراضي[4]. ولم يكتمل وصف هذا القرار بـ”التاريخي” إلا عندما اقترن بإعلان اتفاق المغرب وإسرائيل على تطبيع العلاقات بينهما بوساطة أميركية[5].

هذا القرار لم يكن وليد لحظته؛ بل كانت خلفه دوافع وسياقات أدَّتْ إليه تكمن في التالي:

 

 

1- خطة ترامب للسلام التاريخي

تعتبر خطة إدارة ترامب للسلام والتي جاءت تحت عنوان “السلام من أجل الازدهار: رؤية لتحسين حياة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي”، أو ما يطلق عليها بصفقة القرن[6] -التي تمت هندستها من قبل المستشار جاريد كوشنر[7]– الإطار العام الذي دارت في فلكه قرارات وسياسات ترامب المتعلِّقة بالشرق الأوسط منذ الإعلان عنها. وما الإعلان عن مغربية الصحراء الغربية إلا محاولة لإتمام حلقات مشروع هذه الصفقة، التي بدأت مع قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، والسماح لـ”إسرائيل” بضمِّ أجزاء من الضفة الغربية، وإعطائها الجولان السوري. ومن ثمَّ توسَّعت حلقة التطبيع بما دشَّنته في الإمارات والبحرين والسودان ثم المغرب.

ويمكن الحديث عن عدَّة مستويات من الدوافع لإنجاز هذا الاعتراف والاتفاق، في مقدمتها رغبة ترامب في تقديم قصة نجاح لرئاسة فوضوية، داخليًّا وخارجيًّا، وقد وجد ضالَّته في موافقة بعض الدول العربية على التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. وهنا لا يمكن التقليل من دور «فريق السلام الأميركي»، إذ يتبنَّى كل من كوشنر والسفير الأميركي في القدس المحتلة ديفيد فريدمان، والمبعوث الأميركي للسلام في الشرق الأوسط آفي بيركويتز، وسلفه جيسون غرينبلات أفكار اليمين الإسرائيلي. ولم تُخف هذه الشخصيات حرصها على خدمة مصالح الكيان الإسرائيلي المحتل[8].

 

2- الاتفاق المغربي-الإسرائيلي واستئناف العلاقات

أعلن المغرب عقب إعلان ترامب عن استئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وتطوير علاقات مبتكرة في المجال الاقتصادي والتكنولوجي. واعتبر بيان للديوان الملكي المغربي أن هذه التدابير لا تمس بأي حال من الأحوال، الالتزام الدائم والموصول للمغرب في الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة، وانخراطه البنَّاء من أجل إقرار سلام عادل ودائم بمنطقة الشرق الأوسط. من خلال مكالمة هاتفية جمعت بين العاهل المغربي الملك محمد السادس وترامب.

وحسب البيان، فإن العاهل المغربي ذكَّر بالمواقف الثابتة والمتوازنة للمملكة المغربية من القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن المغرب يدعم حلًّا قائمًا على دولتين تعيشان جنبًا إلى جنب في أمن وسلام، وأن المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تبقى هي السبيل الوحيد للوصول إلى حلٍّ نهائي ودائم وشامل لهذا الصراع[9]. وقد أكَّد على هذا وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في حوار خاص مع قناة سكاي نيوز حول هذا الاتفاق[10].

ثم وقعت المملكة المغربية والكيان الإسرائيلي في 22 ديسمبر2020 بالرباط، أربع اتفاقيات في مجالات متعددة، خلال زيارة وفد أمريكي-إسرائيلي عالي المستوى.

تعتبر هذه هي الرواية الرسمية حسب ما جاء في الموقع الرسمي لوزارة الخارجية المغربية،  ولكنها بقراءة بسيطة كانت تهدف للاستفادة من تقديم ترامب ومعاونيه ما أمكن من خدمات للكيان الإسرائيلي، من خلال استغلال الأزمات والخلافات العربية على الحدود ومناطق النفوذ؛ وربط ما تراه الحكومات حقًّا لها بالخضوع للكيان الإسرائيلي ومنع إمكانية مواجهة الكيان في أي مكان[11]، قبل نهاية رئاسته، بأسلوب صفقات رجال الأعمال الذي يتبعه في السياسة الخارجية عادة، بحيث منحته المغرب إنجازًا دبلوماسيًّا في آخر عهدته، وتحصل في المقابل على اعترافٍ أمريكي بسيادتها على الصحراء الغربية[12].

وبالنسبة إلى الكيان الإسرائيلي فقد كان قرار ترامب منطقيًّا حسب دوري غولد*، فالصراع في الصحراء الغربية يشكل تحديًا أمنيًّا يقف أمام المغرب، ذلك أن قوات البوليساريو المدعومة من الجزائر وإيران تهدد الوحدة الإقليمية لأرض المغرب ذاتها، منوهًا أنه في 2018 عرض المغرب وثائق إيرانية رسمية، تثبت قيام طهران بتسليح وتدريب البوليساريو بمساعدة حزب الله، ونتيجة لذلك قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران، وهكذا نضج الوقت للخطوة الأمريكية بالنسبة للصحراء الغربية[13].

3- فشل المفاوضات واستقالة المبعوث الأممي هورست كوهلر

في 21 مايو 2019 قرَّر الرئيس الألماني السابق هورست كوهلر الانسحاب من منصبه كمبعوث للأمم المتحدة في الصحراء الغربية[14]، بعد عشرين سنة من الوساطة المكثَّفة، والتي  أعطى من خلالها ديناميكية جديدة لتسوية النزاع، وجاءت استقالة كوهلر بسبب دواعي صحية[15].

لقد جاء تعيين السيد كوهلر في ظروف صعبة ميزتها حالة الانسداد التي عرفها المسار الأممي الذي كان يعمل على إعادة بعثه[16]، وبهذه الاستقالة، خشي بعض المراقبين أن يعود ملف حل نزاع الصحراء إلى نقطة البداية، وخصوصًا أنه يتعيَّن على الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الإسراع بتعيين من يخلف كوهلر في هذه المهمة العسيرة، وأن يكمل طريق التقريب بين وجهات النظر بين أطراف النزاع، خصوصا بعد أن حذَّرت جبهة البوليساريو من استخدام رحيل المبعوث الشخصي كذريعة لتأخير أو عرقلة التقدُّم، الذي تمَّ إحرازه منذ أول اجتماع للطاولة المستديرة حول الصحراء بإشراف الأمم المتحدة في ديسمبر 2018[17]. ولكن وكما كان متوقَّعًا أدَّى تأخُّر تعيين خلف لكوهلر إلى تصاعد التوتر بين الطرفين وحصول أزمة الكركرات فما هي حيثياتها؟

4- أزمة الكركرات

مع نهاية أكتوبر2020، أغلق نشطاء صحراويون الجزء الواقع في المنطقة العازلة بين الإقليم الصحراوي الذي يديره المغرب والحدود الموريتانية، مانعين حركة مرور شاحنات النقل التجارية والسيارات، وهي منطقة تقع تحت سلطة المينورسو (بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية). وتوالت الأحداث بشكل متصاعد؛ حيث قام المغرب في 13 نوفمبر 2020، بعملية عسكرية بمنطقة الكركرات العازلة من أجل إعادة حركة المرور عبر المعبر وبناء ستار رملي أمني داخل المنطقة العازلة. في اليوم التالي، أعلنت البوليساريو إنهاء التزامها بوقف إطلاق النار الموقَّع 1991، واتِّخاذ الإجراءات والتدابير المتعلِّقة بتنفيذ مقتضيات حالة الحرب. وقد نجح المغرب في 14 نوفمبر 2020، في إعادة حركة الشاحنات التجارية مع موريتانيا عبر معبر الكركرات، وإقامة حواجز رملية في المنطقة العازلة[18].

لعلَّ من أهم تداعيات أزمة الكركرات أنها أدَّتْ إلى تكريس وضع جديد في الصحراء، يتمثَّل بتجاوز الجيش المغربي الجدار الرملي* وفرض أمر واقع جديد. ولم تكتف القوات المغربية بتأمين التنقُّل عبر المعبر، بل استكملت تعبيد الطريق الدولية بين الكركرات والحدود الموريتانية. وقد يؤدِّي هذا الأمر تدريجيًّا إلى حضور القوات المغربية حضورًا دائمًا على طول هذه الطريق لتأمين حركة التنقل[19].

ثانيًا- التداعيات السياسية والقانونية للاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء

نظرًا لأهمية قضية الصحراء الغربية وحرصًا على إنهاء النزاع وفقًا لقرارات ومواثيق الأمم المتحدة، شرعت هذه الأخيرة ابتداءً من 20 مارس 1986 في معالجة هذا النزاع بالتعاون مع منظمة الوحدة الإفريقية.

وقد وافق المغرب وممثلو جبهة البوليساريو على مخطط السلام الأممي خلال الاجتماع الذي جمعهما بالأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك في مايو 1988. وفي 27 يونيو 1990 تبنَّى مجلس الأمن القرار 658 الذي يزكِّي تفاصيل التسوية السلمية للأمم المتحدة لتطبيق الاستفتاء. وفي 29 أبريل 1991 أصدر مجلس الأمن القرار الذي بموجبه تمَّ تشكيل بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو).

لقد أكدت كل قرارات الأمم المتحدة في كل دوراتها منذ قرار إلزام إسبانيا بمنح الاستقلال للصحراء الغربية في 1965 إلى آخر دورة لها في عام 2013 على حقِّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره واستقلاله[20]، هذا هو الوضع القانوني والدولي بالنسبة للصحراء الغربية في المجتمع الدولي وحتى حدود 9 ديسمبر 2020، وكان هذا هو الوضع الذي تعتمده الولايات المتحدة، قبل أن يغير ترامب هذا الموقف، وذلك عبر آلية “الإعلان” الرئاسي؛ وعليه ماهي طبيعة الجدل الذي أثاره إعلان ترامب واعترافه بمغربية الصحراء؟

1- جدلية الإعلان:

على إثر إعلان ترامب اعترافه بمغربية الصحراء انقسم المهتمون والباحثون حول أثره القانوني والسياسي، فقد يقول البعض إنه لن يكون لهذه الخطوة أي أثر قانوني أو سياسي، طالما أنها جاءت على شكل إعلان وليست قرارًا تنفيذيًّا صادرًا عن الرئيس ترامب[21]، ولكن الجدلية تكمن في أن هذا الإعلان؛ وإن كان من الناحية الشكلية قد لا يرقى إلى مستوى القوانين الصادرة عن الكونجرس أو إلى مستوى القرارات التنفيذية الصادرة عن الرئيس إلا أن له بعدًا قانونيًّا. فحسب لجنة العمليات الحكومية بمجلس النواب، فإن الأوامر التنفيذية والإعلانات هي توجيهات أو إجراءات تصدر عن الرئيس، وحينما يعتمدها الرئيس بناءً على سلطته المستمدة من الدستور أو النظام الأساسي قد تكون لها قوة وتأثير القانون.

ذلك أن الإعلان الرئاسي في الولايات المتحدة يعدُّ واحدًا من الأدوات القوية الثلاث التي منحتها الممارسة السياسية والدستورية الأمريكية لرئيس الجمهورية من أجل ممارسته رئاسة السلطة التنفيذية، دون الاضطرار للجوء إلى الكونغرس[22].

إذ تعتبر “الأوامر التنفيذية” و”الإعلانات” و”المذكرات”، أدوات مخولة حصريًّا لرئيس الولايات المتحدة، وذلك لاعتماد أمريكا على نظام فصل للسلطة، فالرئيس غير قادرٍ على التشريع رسميًّا، لكنه عبر الممارسة والتاريخ لجأ إلى هذه الآليات والأدوات لتنفيذ أجندته السياسية[23].

ويستند الرئيس الأميركي في ممارسته هذه إلى تفسير للمحكمة العليا (الدستورية) مفاده أن رئيس الدولة يستمد هذا الامتياز من المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن “السلطة التنفيذية يجب أن تناط برئيس أمريكا”. ورغم أنها جزء من الممارسة السياسة في أمريكا، غير أن “الأوامر التنفيذية”، و”الإعلانات”، و”المذكرات” من الناحية العملية لم يتم تعريفها ولم يتم توضيحها صراحة في دستور الولايات المتحدة وقانونها، رغم قبولها دائمًا في الإجراءات الرئاسية، واستخدامها بشكل دائم ومتكرِّر، وتتمتَّع “الأوامر التنفيذية” و”الإعلانات الرئاسية” بقوة القانون، تمامًا مثل اللوائح الصادرة عن الوكالات الفيدرالية[24].

وحسب الممارسة السياسية الأمريكية، فإنه في حال تمَّ اللجوء إلى المحاكم لتحديد قانونية إعلان رئاسي أو قرار تنفيذي من عدمه، فقد جرت العادة أن تتعامل المحكمة باحترام مع الرئيس كلما كان موضوع ذلك له علاقة بتدبير السياسة الخارجية الأمريكية.

ومن جهة أخرى، فحينما نقرأ إعلان الرئيس ترامب بتمعُّن، نرى أنه يتضمَّن كذلك قراره فتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة. وحتى ولو افترضنا جدلًا أنه ليس لهذا الإعلان أثر قانوني على السياسة الأمريكية تجاه هذا الملف أو تجاه علاقاتها مع المغرب، فيمكن القول بناء على مبدأ “التأويل القانوني” إن قرار الرئيس فتح قنصلية في الداخلة يعطي لهذا الإعلان قوة القانون، إذ لا يمكن للرئيس أن يقوم بهذه الخطوة إلا إذا كانت له السلطة القانونية التي تخوِّله القيام بذلك. ويعتبر تأويل اللغة التي يحتويها نص الإعلان هو الذي يعطيها معنى قانونيًّا ويمنحها قوة القانون.

كما أنه بمجرد أن يتم فتح قنصلية أمريكية في الداخلة فسيعني ذلك اعترافًا رسميًّا للولايات المتحدة بسيادة المغرب، وستكون له تبعات قانونية طبقًا للامتيازات والالتزامات التي تضمَّنتْها اتفاقية فيينا المتعلقة بالعلاقات الدبلوماسية بين الدول[25].

2- الأثر السياسي لإعلان ترامب

كان دور الولايات المتحدة الأمريكية في قضية الصحراء الغربية ثانويًّا. ولكن صفقة الأسلحة الأمريكية للمغرب في بداية الثمانينيات أحدثت تحولًا جذريًّا في علاقات الولايات المتحدة مع الجزائر والمغرب، فقد قامت الولايات المتحدة بدعم مشروع المغرب للحكم الذاتي في 2007  نظرًا منها إلى أنه أفضل خيار للتسوية والحفاظ على مصالحها في المنطقة، كما حرصت كذلك على  التقرُّب من الجزائر التي أصبحت فاعلًا أساسيًّا في منطقة المغرب والساحل، والتي عرفت علاقاتها معها تحسنًا ملحوظًا في العشرية الأخيرة في إطار سياسة التعاون من أجل محاربة الإرهاب[26].

لكن إعلان ترامب سيمثل من الآن فصاعدًا الموقف الرسمي للولايات المتحدة تجاه المغرب وقضية الصحراء، وسيشكل الإطار الدبلوماسي الذي سيحكم موقفها من هذا النزاع. هذا الاعتراف سيؤدِّي إلى تغيير في تعاطي المجتمع الدولي مع قضية الصحراء، بسبب أن الولايات المتحدة ليست بدولة عادية، بل هي دولة قائدة تشكِّل قطب الرحى لتوازن القوى على الصعيد الدولي رغم أنه أصبح متعدِّد الأقطاب؛ فهي عضو دائم في مجلس الأمن متمتعة بحق الفيتو[27].

كما أنها أيضًا عضو في جمعية أصدقاء الصحراء وتتميَّز بقدرة استثنائية على اقتراح كل مشاريع القرارات التي تقدَّم لمجلس الأمن قصد المصادقة عليها، وبالتالي فهي تلعب دورا أساسيًّا في هذا المجال وتشكِّل ملتقى مواقف باقي الدول الأخرى، داخل مجلس الأمن لاتخاذ القرار الذي عادة ما يكون بالتوافق أو الإجماع.

بما أن قرار الولايات المتحدة الأميركية فتح قنصلية لها بالداخلة، سيدفع بالكثير من الدول إما المتحالفة معها أو التي كانت تنتظر رد فعل من الدول الكبرى أن تقوم بنفس الشيء، وهو ما سيؤدِّي إلى نوعٍ من الإجماع، حينما تتَّخذ الولايات المتحدة مثل هذا الموقف، وسيكون له وزن أكثر أهمية حتى في المفاوضات التي تجري بين الأطراف تحت رعاية الأمين العام ومبعوثه الشخصي، وهذا سيؤدِّي إلى ميل الكفة للموقف المغربي على هذا المستوى[28].

ثالثًا- ردود الفعل الإقليمية والدولية بالاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء

تباينت مواقف أعضاء المجتمع الدولي من قرار ترامب ما بين مرحب ومعارض له، وسيركز التقرير على مواقف أطراف المجتمع الدولي التي لها علاقة مباشرة أو مؤثِّرة في القضية.

الدائرة الإقليمية:

  • الجزائر:

أكَّدت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية في بيان لها، أن “النزاع في الصحراء الغربية هو مسألة تصفية استعمار لا يمكن حلُّه إلَّا من خلال تطبيق القانون الدولي والعقيدة الراسخة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بهذا الخصوص. وشدَّد البيان على أن اعتراف ترامب يتعارض مع جميع قرارات الأمم المتحدة، خاصة قرارات مجلس الأمن بشأن مسألة الصحراء الغربية، وآخرها القرار رقم 2548 الصادر بتاريخ 30 أكتوبر 2020، الذي صاغه ودافع عنه الجانب الأمريكي”.

اعتبر البيان أن هذا الإعلان من شأنه تقويض جهود خفض التصعيد التي بذلت على جميع الأصعدة من أجل تهيئة الطريق لإطلاق مسار سياسي حقيقي وإقناع طرفي النزاع، المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، بضرورة الانخراط في الحوار بدون شروط، تحت رعاية الأمم المتحدة وبدعم من الاتحاد الأفريقي[29].

  • المغرب:

رحَّبت المملكة المغربية بالقرار، ووصفه وزير الخارجية المغربي بالمهم والأهم، واعتبره انتصارًا تاريخيًّا للدبلوماسية المغربية[30]، ولكن الذي عكَّر جو الانتصار المغربي المؤقَّت هو الثمن مقابل الصفقة، فكانت الغاية مبررةً للوسيلة، ولو على حساب دولة تعتبر نفسها مقرًّا لمؤسسة القدس العالمية، وداعمة لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة وعاصمتها القدس، وترى في سياسة الكيان الإسرائيلي استعمارًا يحتلُّ أرضًا عربية يدنِّس مقدسات المسلمين، ولا يحترم قرارات الشرعية الدولية. فكان الثمن هو التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.

  • جبهة البوليساريو:

أدانت جبهة البوليساريو -كممثِّل وحيد للجمهورية الصحراوية- الإعلان وقالت “وزارة الإعلام الصحراوية” في بيان لها أن حكومة الجمهورية الصحراوية وجبهة البوليساريو تدين بأشدِّ عبارات الإدانة إقدام الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب على الاعتراف للمغرب بما لا يملك لمن لا يستحق”[31].

  • مصر:

تجنَّبت مصر إظهار موقف رسمي واضح يخص الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، وإن كانت تصريحات غير رسمية –صادرة مثلًا عن عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا حسن- بيَّنت أن موقفها هو نفسه ما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى استفتاء، يسمح لمواطني الصحراء الغربية إما أن يكونوا جزءًا من المغرب أو أن يكونوا مستقلين كما أن مصر لن تفتح قنصلية لها في الصحراء الغربية؛ ذلك أن مصر ليس لديها مصلحة في هذه المنطقة[32].

  • الإمارات العربية المتحدة:

أشادت دولة الإمارات بقرار الرئيس الأميركي، كما أكدت وفق ما جاء في بيان نشرته وزارة الخارجية والتعاون الدولي، على أهميته “في الإسهام في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة[33]. تماشيا وتطبيعها هي الأخرى مع الكيان الإسرائيلي المحتل للأرض العربية.

الدائرة الدولية:

  • إسبانيا:

رفضت وزيرة الخارجية الإسبانية أرانشا غونزاليس لايا اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالصحراء الغربية كجزء من الأراضي المغربية. وجاءت تصريحات رئيسة الدبلوماسية الإسبانية خلال الزيارة التي تقوم بها إلى مدينة رام الله الفلسطينية[34]، وقد توتَّرت العلاقات بينها وبين المغرب لاستقبال إسبانيا مؤخرًا رئيس البوليساريو لعلاجه من كورونا كما نفت استدعاءه للتحقيق[35].

  • بريطانيا:

أكد وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، أن موقف المملكة المتحدة بشأن قضية الصحراء الغربية “لم يتغير”[36].

  • روسيا:

ندَّدت روسيا بإعلان الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بسيادة المملكة المغربية على الصحراء الغربية، واعتبر نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، في تصريح للصحافة إن اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الغربية يعدُّ انتهاكا للقانون الدولي”[37].

  • فرنسا:

حسب الخارجية الفرنسية فإن النزاع في الصحراء الغربية يمثل خطرًا دائمًا، وعليه فإن فرنسا متمسكة بالتوصُّل إلى حلٍّ سياسي في إطار التشريعات الدولية. وعلى هذا الأساس، تفضل فرنسا حلًّا سياسيًّا عادلًا ودائمًا يقبله الطرفان ويتوافق مع قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومن هذا المنطلق، تعتبر خطة الحكم الذاتي التي قدَّمها المغرب أساسًا للمحادثات، يتَّسم بالجدِّية والمصداقية[38].

  • ألمانيا:

أكَّدت ألمانيا عبر سفيرتها بالجزائر؛ أنها ترافع من أجل حلٍّ قائم على القانون الدولي في إطار مسار الأمم المتحدة[39]. وقد تُرجم هذا الموقف عبر دعوة ألمانيا لعقد جلسة مغلقة في مجلس الأمن في 21 ديسمبر 2020 لمناقشة القضية.

المنظمات الإقليمية والدولية:

  • الاتحاد الأوروبي:

علَّق الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، على الأمر بتأكيده أن “الاتحاد الأوروبي يدعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة”[40].

  • الأمم المتحدة:

في 11 ديسمبر 2020، أفاد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن موقف الأمين العام بشأن الصحراء الغربية لن يتغيَّر، ولا يزال مقتنعًا بأن حلَّ مسألة الصحراء الغربية ممكن وفقًا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة[41].

وفي 15 ديسمبر 2020، أبلغت كيلي كرافت الممثلة الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، من خلال رسالة بعثت بها رسميًّا لمجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة، تضمن التالي: “تتشرف الولايات المتحدة بتقديم الإعلان المرفق حول الاعتراف بسيادة المملكة المغربية على الصحراء الغربية”[42].

بموجبه تمَّ عقد جلسة مغلقة في مجلس الأمن يوم الإثنين 21 ديسمبر 2020 لمناقشة القضية بطلب من ألمانيا[43]. وعقب انتهاء الجلسة المغلقة لمجلس الأمن صرَّح سفير جنوب أفريقيا لدى الأمم المتحدة جيري ماتجيلا قائلًا: “إن القرارات المخالفة للقرارات الجماعية المتعدِّدة الأطراف يجب مقاومتها وتجاهلها بشكل تام” مضيفًا “نعتقد أن أيَّ اعتراف بالصحراء الغربية كجزء من المغرب هو بمثابة الاعتراف بعدم الشرعية لأن هذا الاعتراف يتعارض مع القانون الدولي[44].

  • الاتحاد الأفريقي:

أصدر مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي بيانًا تمخَّض عن قمَّةٍ عقدَها حول الصحراء الغربية في 9 مارس 2021، أكَّد فيه ضرورة إيجاد حل سريع للنزاع في الصحراء الغربية والعودة لمسار المفاوضات عبر تطبيق خمسة قرارات اتخذها[45].

 

رابعًا- تبعات الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء على المستوى الإقليمي

يشهد ملف الصحراء منعطفًا تاريخيًّا، باعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على هذه المنطقة، التي تشكِّل أحد النزاعات الأطول في القارة الأفريقية. ويشكِّل الاعتراف الأمريكي دعمًا للمغرب، وقد يزيد من آمال المغرب في أن تحذو دول أخرى حذوها[46].

على الجهة المقابلة، يفتح هذا القرار الباب على احتمال توتر حقيقي في المنطقة، خصوصًا أن الأمور ساءت قبل إعلان ترامب، فقد تصاعدت التوتُّرات بين القوات المغربية وجبهة البوليساريو. ذلك أن الجبهة أنهت وقف إطلاق النار الذي دام 29 عامًا وأعلنت حالة الحرب بعد اتهامها المغرب بتنفيذ عمليات عسكرية في منطقة عازلة في الصحراء.

وتتراجع احتمالات إجراء الاستفتاء مع استخدام الولايات المتحدة لحقِّ النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وإذا اتبعت المزيد من الحكومات الموقف الأمريكي، فسيكون الاعتراف الدولي بدولة صحراوية مستقلَّة بعيد المنال[47].

إضافة إلى أن هذا القرار يضع الولايات المتحدة على خلاف مع الرأي العام العالمي، ويهدِّد بتحوُّل الصراع لحرب مفتوحة. وقد يتسبَّب تصرُّف ترامب في احتكاك مع الجزائر، أهم حليف لحركة البوليساريو، التي تحارب لانفصال الصحراء الغربية عن المغرب، وإذا تجدَّدت الحرب في الصحراء الغربية فإنها يمكن أن تجتذب تدخل دول أخرى، وتحوِّلها إلى صراع إقليمي[48]، لا سيما إذا نشبت بين الدول المجاورة، بل إن الأمر يتعدَّى ذلك إلى أن تصبح المنطقة أمام حرب بين أكبر جيشين في المغرب العربي. فقد أغلقت قضية الصحراء الغربية آفاق اندماج إقليمي على مدى عقود، وتحولت القضية إلى صراع مفتوح ودائم[49].

كما أنه يمكن أن يؤدِّي عدم الاستقرار والحرب إلى فتح أبواب للجماعات المتطرفة المتواجدة في غرب أفريقيا، الأمر الذي من شأنه أن يعيق الجهود المتواصلة التي تقوم بها الولايات المتحدة وفرنسا في منطقة جنوب الصحراء الكبرى الشاسعة المعروفة باسم “منطقة الساحل”، أو على الحدود معها لمحاربة حركات التمرُّد[50].

خامسًا- موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من قرار الاعتراف بمغربية الصحراء

مع وصول جو بايدن للبيت الأبيض ترقَّبت العديد من الدول التغيُّرات المتوقَّعة من جانب الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي بدت بعض ملامحها في العديد من الملفات التي تختلف فيها رؤية الرئيس جو بايدن، عن الرئيس السابق دونالد ترامب.

ضمن هذه الملفات، الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على “الصحراء الغربية”، وعليه يمكن السؤال عن إمكانية تراجع إدارة بايدن عن هذا الاعتراف؟

يرى بعض الخبراء من واشنطن أن إدارة بايدن لديها الكثير من الملفات ذات الأولوية، وأن السياسة الأمريكية تقوم على بعض الأسس التي يصعب معها التراجع عن هذا الاعتراف، خاصة بالنظر للسباق الدولي نحو أفريقيا. وهناك عدَّة أسباب يرى بعض الباحثين أنها تحول دون اتخاذ بايدن أي خطوة معاكسة في هذا الشأن على الأقل في الوقت الراهن، منها[51]:

1- أن الرئيس الأمريكي لديه الكثير من الصراعات الأخرى، ولن يميل نحو تصعيد لا يشكل أولوية في الوقت الراهن.

2- تهديد جماعات الإرهاب والهجرة غير الشرعية لأوروبا، وهي عوامل يمكن أن تتزايد حال التراجع الأمريكي عن الاعتراف، خاصة أن بايدن يسعى لعلاقات طيبة مع أوروبا لتعويض الأزمات التي وقعت أثناء حكم ترامب.

3- حدوث مثل هذه العملية ستكون عبارة عن “خداع”، خاصة أن عملية السلام التي جرت مع إسرائيل كانت في إطار التنسيق بالتوازي مع الاعتراف الأمريكي، وفي حال تراجع الجانب الأمريكي يمكن أن يتراجع الجانب المغربي، ويظهر بايدن في هذا الوقت بأنه هو الذي يقف ضد السلام، ويظهر ترامب بأنه كان الأفضل في عملية السلام العربي-الإسرائيلي.

4- الاعتراف الأمريكي يتعلَّق بقرار سيادي من خلال مرسوم رئاسي يعكس ممارسة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية المنتهية ولايته (ترامب) لصلاحياته الدستورية على مستوى العلاقات الخارجية، وحماية الأمن القومي الأمريكي.

5- الولايات المتحدة تنظر للجانب الروسي على أنه يهدد المصالح القومية الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في مختلف مراكز الثقل التي تعتبرها الإدارة الأمريكية حساسة، خاصة من خلال العودة العسكرية القوية لروسيا على مستوى الشرق الأوسط. فالخطوة لا تتعلق بقرار تكتيكي للإدارة الأمريكية، بل هو قرار استراتيجي ذو أبعاد دولية مرتبطة بتحديات الأمن الاستراتيجي القومي، من خلال تأسيس منصة جديدة لحماية المصالح الأمريكية.

6- فلسفة السياسية الأمريكية براجماتية في روحها، والاعتراف بمغربية الصحراء وبالسيادة عليها بمرسوم رئاسي، شكَّل تعاقدًا والتزامًا وانخراطًا لا يخرج عن هذه العقيدة الأمريكية، التي تشكِّل رباط عنق لدى كل من يتولَّى مسؤولية إدارة البيت الأبيض.

7- الاتفاقيتان الأخيرتان بتكلفة إجمالية تصل إلى 5 مليار دولار عنوانها العريض ازدهار أفريقيا، وهو ما يبرهن على أن الجانب الأمريكي يعتبر المغرب البوابة الحقيقية للولوج للاستثمارات بأفريقيا، وهو ما يجعلها لن تتراجع عن مثل هذه الخطوة.

8- في حال التراجع عن هذا الاعتراف فإن ذلك يعني المساس بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية، وهو ما لن تقبله مجموعات الضغط المؤسساتية الأمريكية واللوبيات.

وما يعطي هذه الأسباب مصداقية ويرجِّح هذا الطرح؛ مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية الأمريكية ونظيره المغربي[52]، اكد له فيها أن إدارة جو بايدن لن تتراجع عن سياسة ترامب في الوقت الراهن. كما أعطى مستشار بايدن لشؤون الشرق الأوسط له انطباعًا قبل ذلك بأنه لن يكون هناك أي تغيير في سياسة الولايات المتحدة بشأن الصحراء الغربية[53].

خاتمة

تعتبر قضية الصحراء الغربية من بين القضايا العالقة الباحثة عن حلٍّ دولي عادل يتوافق مع ما هو منصوص عليه في قرارات الأمم المتحدة. وقد جاء إعلان ترامب حسب ما نصَّ أنه حلٍّ عادل ودائم للصراع، ولكن كيف يكون عادلًا ودائمًا إذا كان متعارضًا مع المواثيق والقرارات الدولية؟

وعليه؛ شكَّل هذا الإعلان جدلًا واسعًا على الساحة الدولية، ليس فقط لهذا الأمر والميل الصريح للطرح المغربي، بل لتزامنه كذلك مع إعلان استئناف العلاقات الإسرائيلية-المغربية الرسمية، الأمر الذي جعل الإعلان يتمظهر على شاكلة إبرام صفقة قُبض ثمنها.

ورغم أن إعلان ترامب جاء ليشكِّل موقفَ دولة من قضية دولية إلا أنه سيُلقي بظلاله على مسار القضية الصحراوية، ويزيد من حدَّة التوتُّر الحاصل في المنطقة بل يتعدَّى الإقليم ليصبح دوليًّا، مثلما هو حاصل بين المغرب وألمانيا وإسبانيا، كون الولايات المتحدة الأمريكية ليست بالدولة العادية.

فضلًا عن أن القرار صادر من رئيس أمريكي مثير للجدل داخليًّا وخارجيًّا، منحاز للكيان الإسرائيلي، كما أن سياسته الخارجية كانت مبنية على برجماتية بحتة مرتبطة بالمقابل، وهو ما أثَّر على الإعلان الأمريكي في أرض الواقع ولم يعد له أثر، وتظهر بوادر التراجع في السياسة الجديدة للإدارة الأمريكية الجديدة للرئيس جون بايدن ومباشرته لإصلاحات شاملة ضد السياسات الخاطئة للرئيس ترامب داخليًّا (خاصة تسيير أزمة كورونا وأزمة البطالة) وخارجيًّا (إعادة ترتيب السياسية الأمريكية في مناطق النزاعات والصراع في منطقة الشرق الأوسط).

_________________

الهوامش

[1] قرار ترامب لم يعد موجودا على موقع البيت الأبيض، فالبحث عن اسم القرار على موقع البيت الأبيض وفي موقع الأرشيف المبينان أسفله يؤدي إلى علامة Error 404. كذلك تغريدات ترامب التي صرح فيها عن إقراره بمغربية الصحراء، انظر هذا الرابط: https://cutt.us/Fa95x

وانظر أيضًا:

Proclamation on Recognizing The Sovereignty Of The Kingdom Of Morocco Over The Western Sahara, Trump White House archives, 10 December 2020, available at: https://cutt.us/A04iR

[2] للاطلاع على نص الإعلان، انظر: داود عودة، الصحراء المغربية.. “العين الإخبارية” تنشر نص الاعتراف الأمريكي، موقع العين الإخبارية، متاح عبر الرابط التالي: https://al-ain.com/article/morocco-sahara-american-recognition

[3] ترامب يعلن اعتراف أمريكا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، برنامج الحصاد، قناة الجزيرة على موقع Youtube، في 10 ديسمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 13 مايو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/lDjoT

[4] واشنطن تعلن بدء عملية فتح قنصلية للولايات المتحدة الأمريكية بالداخلة، وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج المغربية، 25 ديسمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 24 أبريل 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/cTarD

[5] عبد الرحيم التوراني، تطبيع مغربي مغاير لمواجهة “الخطر الإيراني”، الحرة، 11 ديسمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 23 أبريل 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/mRANV

[6] عزمي بشارة، صفقة ترامب-نتنياهو الطريق إلى النص، ومنه إلى الإجابة عن سؤال ما العمل؟، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات،2020)، ص 10.

[7] جاريد كوشنر، مقابلة مع عمرو أديب، برنامج الحكاية، على قناة mbc مصر، في 2 فبراير 2020، تاريخ الاطلاع: 13 مايو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/sI9OD

[8] وحدة الدراسات السياسية، الإعلان الثلاثي الأميركي – المغربي – الإسرائيلي: دوافعه ومستقبله، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 29 ديسمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 26 أبريل 2021، ص 4، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/j8Pne

[9] ترامب يعلن تطبيع المغرب علاقاته مع إسرائيل مقابل الاعتراف بسيادته على الصحراء، العربي الجديد، 10 ديسمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 26 أبريل 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/y9u5m

[10] وزير خارجية المغرب: الحدث الأهم هو اعتراف أميركا بالصحراء، قناة سكاي نيوز، 10 ديسمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 29 أبريل 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3A6cmNt

[11] محمد الأحمري، ظاهرة التطبيع، لماذا؟، مجلة أواصر، 3 فبراير 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2U9eEKV

[12] وحدة الدراسات السياسية، الإعلان الثلاثي، مرجع سابق، ص 3.

* رئيس “المركز المقدسي للشؤون العامة والسياسية”، ومدير عام وزارة الخارجية وسفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة سابقا للاستزادة انظر مقاله هكذا ولد الاعتراف بالصحراء المغربية، موقع Israel Hayom، 3 يناير 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/KKqNx

[13]. أحمد صقر، مسؤول إسرائيلي: هكذا ولد الاعتراف بالصحراء الغربية، عربي 21، 4 يناير 2021، تاريخ الاطلاع: 28 أبريل 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/NwkEQ

[14] “الصحراء المغربية.. استقالة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة هورست كوهلر لدواعي صحية”، France 24، 23 مايو 2019، تاريخ الاطلاع: 29 أبريل 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/DRuWw

[15] الصحراء الغربية: هورست كوهلر يتخلى عن منصبه بعد 20 سنة من الوساطة المكثفة، وكالة الأنباء الجزائرية، 23 مايو 2019،  تاريخ الاطلاع: 29 أبريل 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/f9qAO

[16] المرجع السابق.

[17] حسن أشرف، استقالة كوهلر: حسابات المغرب ونزاع الصحراء، العربي الجديد، 23 مايو 2019، تاريخ الاطلاع: 29 أبريل 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/U9bsU

[18] محمد المختار الخليل، الحواس تقية، سيدي أحمد ولد الأمير، أزمة الصحراء الغربية: تطورات حساسة في ظل مواقف متباينة، مركز الجزيرة للدراسات، 24 نوفمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 23 أبريل 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/mZVh6

* يعدّ الجدار الرملي العسكري المَعْلم الأساسي لتحديد المناطق العسكرية في الصحراء والتزامات طرفي النزاع، لا سيما ما يتعلق بالنشاطات العسكرية، وذلك بحسب الاتفاق العسكري رقم 1، الذي وقَّعته بعثة المينورسو مع القوات المسلَّحة المغربية وجبهة البوليساريو في كانون الأول/ديسمبر 1997، وكانون الثاني / يناير 1998 على التوالي، يمتد الجدار الرملي الذي بناه المغرب في الصحراء من منطقة محاميد الغزلان شمالًا إلى منطقة الكركرات قرب الساحل الأطلسي في الجنوب، ولا يعدُّ الجدار الرملي خطًّا حدوديًّا بين المغرب وموريتانيا والجزائر، بل هو جدار عسكري دفاعي ولا يشكِّل الجدار الرملي، عكس جدران كثيرة عبر العالم، حاجزًا فاصلًا بين السكان لأنه بُني في منطقة غير مأهولة.

[19] وحدة الدراسات السياسية، أزمة الكركرات وسيناريوهات مستقبل قضية الصحراء، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 7 يناير 20212، تاريخ الاطلاع: 23 أبريل 2021، ص 4، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/iB6bz

[20] محمد لحسن زغيدي، قضية الصحراء الغربية وحقها في تقرير المنطقة، دراسة قدمت إلى هيئة الأمم المتحدة في دورتها 68 بالجنة الربعة بقضايا تصفية الاستعمار، 9 أكتوبر 2013، نيويورك، ص 43.

[21] الشرقاوي: الإعلان الرئاسي الذي وقعه ترامب بخصوص الصحراء ضعيف قانونيا وسياسيا، 11 ديسمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 23 مايو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/dkFeC

[22] هذه الآثار السياسية والقانونية للاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، هسبريس 12 ديسمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 23 مايو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/RjaYN

[23] ربيع عبد الباسط، إعلان ترامب مغربية الصحراء…. كيف أدخل الرباط بمتاهة قانونية وسياسية، صحيفة الاستقلال، 19 ديسمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 23 مايو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/1bLh7

[24] هذه الآثار السياسية والقانونية للاعتراف الامريكي بمغربية الصحراء، مرجع سابق.

[25] المرجع السابق.

[26] حميدة بركات، تأثير قضية الصحراء الغربية على مستقبل العلاقات الجزائرية المغربية، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر في العلوم السياسية، تخصص: علاقات دولية، جامعة محمد بوضياف – المسيلة كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم العلوم السياسية، 2018/2019، ص ص 40-42.

[27] آمال كنين، الحسيني: هذه دلالات وتبعات الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، هسبريس، 12 ديسمبر 2020، تاريخ الإطلاع 14 مايو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/gOUcF

[28] المرجع السابق.

[29] الجزائر تجدد دعمها الثابت لقضية الشعب الصحراوي العادلة، وزارة الخارجية الجزائرية، 12 ديسمبر 2020، تاريخ الاطلاع: مايو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/E6y03

[30] وزير خارجية المغرب: الحدث الأهم هو اعتراف أميركا بالصحراء، مرجع سابق.

[31] جبهة البوليساريو تعلق على قرار ترامب بشأن الصحراء الغربية، قناة الحرة، 11 ديسمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 24 مايو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/u6cwX

[32] Mohamed saied, Egypt denies plans to join states opening Western Sahara consulates, al-monitor, 29 December 2020, accessed: 29 May 2021, available at: https://cutt.us/mgivL

[33] دولة الإمارات تشيد باعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على كافة أراضيها وترحب بقرار المملكة استئناف الاتصالات الرسمية والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وزارة الخارجية والتعاون الدولي، 10 ديسمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 15 مايو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/OEKBs

[34] تصريحات جديدة من الاتحاد الأوروبي وإسبانيا وروسيا بخصوص الصحراء الغربية، euronews، 11 ديسمبر 2020، تاريخ الاطلاع 10 مايو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/1RTFO

[35] Laya, sobre el aviso de Marruecos: “España no tiene nada que añadir a lo que ha dicho”, elconfidencial, 8 May 2021, accessed:29 May 2021, available at: https://cutt.us/63fhS

[36] Dominic Raab, )@DominicRaab, 11 December 2020, available at: https://cutt.us/eM4Hu

[37] وزارة الخارجية الروسية: اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الغربية انتهاك للقانون الدولي، سبوتنيك، 11 ديسمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 10 مايو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Dri39

[38] المغرب – إسرائيل – مقتطف من الإحاطة الإعلامية، موقع وزارة الخارجية (الدبلوماسية الفرنسية)، 11 ديسمبر 2020 تاريخ الاطلاع: 29 مايو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/4TUnl

[39] الرئيس تبون يستقبل سفيرة ألمانيا بالجزائر، وكالة الأنباء الجزائرية، 15 مارس 2021، تاريخ الاطلاع: 30 مايو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/W4diV

[40] Josep Borrell Fontelles, (@JosepBorrellF), 11 December 2020, available at: https://cutt.us/LUu5o

[41] Daily Press Briefing by the Office of the Spokesperson for the Secretary-General, United Nations, 11 December 2020, accessed: 29 May 2021, available at: https://cutt.us/cZ1p8

[42] US Submits To UN Proclamation Regarding Recognition Of Sovereignty Of Morocco Over Western Sahara, The News Agency, 16 December 2020, accessed: 29 May 2021, available at: https://cutt.us/OkYs4

[43] انظر:

– اجتماع لمجلس الأمن لمناقشة قضية الصحراء الغربية بطلب من ألمانيا، France 24، 17 ديسمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 31 مايو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/6jTIM

– Michelle Nichols, U.N. Security Council talks Western Sahara after Trump policy switc, Reuters, 22 December 2020, accessed: 26 May 2021, available at: https://cutt.us/yISJN

[44] Press Conference: Wrap-up of South Africa’s Presidency of the Security Council, UN Web TV, 22 December 2020, accessed: 26 May 2021, available at: https://cutt.us/hUelb

[45] للاطلاع على تفصيل هذه القرارات، انظر: البيان الصادر عن الاتحاد الأفريقي، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/HvBhI

[46] Richard Pérez-Peña, How a Long Insurgency Plays Into Trump’s Move on Morocco, The New York Times, 10 December 2020, accessed: 22 May 2021, available at: https://cutt.us/wAhFn

[47] Sudarsan Raghavan, U.S. recognition of Morocco’s claim over disputed region threatens more tension, Washington Post, 11 December 2020, accessed: 24 May 2021, available at: https://cutt.us/dCoSd

[48] Richard Pérez-Peña, How a Long Insurgency Plays Into Trump’s Move on Morocco, Op. cit.

[49] حسن زنيند، معلقون ألمان: اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء إنجاز جيوسياسي للرباط، دويتشه فيلله، 17 ديسمبر 2020، تاريخ الاطلاع: 13 مايو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/dGhx4

[50] Richard Pérez-Peña, How a Long Insurgency Plays Into Trump’s Move on Morocco, Op. cit.

[51] تحولات الموقف الأمريكي… هل تتراجع إدارة بايدن عن الاعتراف بـ”مغربية الصحراء”؟، سبوتنيك، 30 يناير 2021، تاريخ الاطلاع: 4 مايو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/8oCIL

[52] السيد ناصر بوريطة يتباحث مع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، 30 أبريل 2021، تاريخ الاطلاع: 22 مايو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/2q8ax

[53] Barak Ravid, Scoop: Biden won’t reverse Trump’s Western Sahara move, U.S. tells Morocco, Axios, 30 April 2021, accessed: 24 May 2021, available at: https://cutt.us/HJBQw

فصلية قضايا ونظرات- العدد الثاني والعشرون ـ يوليو 2021

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى