المسلمون في آسيا

الإسلام والقيم الآسيوية والعولمة والهوية

مقدمة:

تتناول الدراسة وضعية المسلمين في آسيا، وهي بلا شك قضية مهمة تتطلب الدراسة والتحليل نظرًا لأن القارة الآسيوية تضم حوالي 752 مليون مسلم، منهم 470 مليونًا يعيشون في الدول الإسلامية بنسبة 63% تقريبًا من إجمالي عدد المسلمين في آسيا، بينما يعيش الباقون في دول آسيوية غير مسلمة، ومعظمهم مسلمين سنَّيين.
وكما يبرز من الجدول رقم (1)، فإن إندونيسيا تعد من أكبر الدول الإسلامية؛ حيث يوجد بها 202 مليون مسلم، وبنجلاديش 145 مليون، وباكستان 143 مليون، وتعد الهند من أكبر الدول الآسيوية غير المسلمة التي توجد بها أقلية مسلمة تبلغ 160 مليون، وتليها الصين التي يوجد بها 21 مليون. وذلك وفقًا لإحصاءات عام 2009[1].
ومن المهم في البداية الإشارة إلى مجموعة من الملاحظات الأساسية وهي:
1. أن الباحث عن عدد المسلمين في القارة الآسيوية لابد أن تصادفه أرقام مختلفة، وهو ما يعود لأسباب عدة في مقدمتها مشكلة المصادر، ذلك أن أغلب المصادر الغربية تقلل من عددهم، في مقابل بعض المصادر الإسلامية التي تزيد من عددهم، فضلاً عن عدم اهتمام كثير من الدول بإحصاء الأقليات داخلها على اعتبار أن هذا الأمر من شأنه أن يسبب مشكلات طائفية؛ حيث يخشى من عديد من النواحي، منها أن يدرك المسلمون أعدادهم الفعلية، والأثر الذي يمكن أن يترتب على هذا في حالة كونهم أكثرية.
يضاف إلى هذا اتجاه كثير من المسلمين في الدول الشيوعية السابقة لإخفاء عقيدتهم الإسلامية ليكونوا بمنأى عن الاضطهاد، وحتى لا يحرموا من الحصول على الوظائف الأساسية في الدولة[2].
2. اختلاف الباحثين في التفرقة بين الأغلبية والأقلية في الدول الآسيوية، إذ ارتأى بعض الباحثين أنه إذا زادت نسبة المسلمين في الدولة عن 50% تكون الدولة إسلامية، وقرر البعض الآخر أنه إذا كان المسلمون أغلبية مقارنة بأصحاب الديانات الأخرى، حتى وإن لم تتجاوز نسبتهم 50% تصبح الدولة إسلامية، على حين رأي البعض الثالث أن المعيار الأساسي المحدِّد لإسلامية الدولة يكمن في نص الدستور وتشكيل النظام الحاكم[3]، وهو المعيار الأصوب والذي تأخذ به الدراسة.
3. أن الدراسة وهي تتناول وضعية المسلمين في القارة الآسيوية، لن تتعرض لوضعيتهم في كافة الدول الآسيوية؛ حيث أن هذا الأمر وإن كان مطلوبًا إلا أنه يتطلب بحثًا جماعيًا يخرج عن نطاق الدراسة الفردية. ووفقًا لهذا ستشير الدراسة إلى وضعية المسلمين في الدول الآسيوية من خلال عدد من النماذج الموضِّحة في كل من الدول الإسلامية وغير الإسلامية، مع تحديد علاقة المسلمين في دول آسيا بدول ومنظمات العالم الإسلامي، من خلال ثلاثة أقسام رئيسية.

جدول رقم (1) يشير إلى عدد المسلمين في الدول الآسيوية ونسبتهم لمجموع السكان العالم الإسلامي

المصدر: www.wikipedia.org.

أولاً- المسلمون في الدول الآسيوية المسلمة:

تتركز الدول الآسيوية المسلمة في جنوب شرق القارة الآسيوية؛ حيث توجد أربعة من أكبر الدول في عدد السكان المسلمين وهي باكستان (97%)، وبنجلاديش (89.6%)، وإندونيسيا (88.6%) وماليزيا (60.4%).
إذ يلعب الإسلام، إلى جانب القيم الآسيوية والقيم الخاصة بكل دولة، أدوارًا أساسية في التماسك الديني والثقافي للأغلبية المسلمة في هذه الدول –بدرجات مختلفة- وهو ما ستوضحه الدراسة على الجانبين الفكري والحركي.

1- دور الإسلام على المستوى الفكري في الدول الآسيوية المسلمة:
يشكل الإسلام إطارًا كليًا حاكمًا للأغلبية المالاوية في ماليزيا، ولكل من السانتري (تقليديين وتحديثيين) والابانجان في أندونيسيا[4]، وللأغلبية المسلمة في باكستان وبنجلاديش؛ حيث يمثل أساسا مهمًا للهوية القومية والتماسك والتناغم الاجتماعي بين المسلمين، وبينهم وبين الآخرين سواء أكانوا من الأقليات المتنوعة ممن يشاركونهم الوطن، أو كانوا من الدول الإسلامية الذين يشاركونهم القضايا والتحديات من خلال علاقة هذه الدول الآسيوية المسلمة بدول ومنظمات العالم الإسلامي.
ويعد الإسلام –حسب نص الدستور- في الدول الأربعة دين الدولة –هذا في إطار الحرص على مراعاة الحرية الدينية لأصحاب الديانات الأخرى من مسيحيين، وهندوس، وبوذيين وغيرهم[5]. وهو الأمر الذي يكرس الشعار الأساسي الذي ترفعه هذه الدول حفاظًا على وحدتها الوطنية وهو “الوحدة في إطار التنوع”، من خلال إقامة نظام سياسي يعتمد على تعاون شركاء الوطن من كافة الأعراق وعدم قصر المفاهيم السياسية للنظام على المفاهيم الإسلامية، وهو الأمر الذي يفسر رفض هذه الدول لفكرة إقامة دولة إسلامية، ورجوع باكستان في دستور 1962 عن تسميتها بدولة باكستان الإسلامية وهو ما نص عليه أول دستور للدولة عام 1956[6]، ورفض الدولة الأندونيسية الضغوط التي طالما مورست عليها -خاصة من قِبل الأحزاب الإسلامية المتشددة- لإقامة دولة إسلامية أو أن تخوض الأحزاب الإسلامية الانتخابات العامة وفقًا لشعارات دينية[7].
وتعمل الدولة في هذه النظم الأربعة على تدعيم الاستقرار السياسي بها من خلال الحفاظ على تحقيق المبادئ الإسلامية وخاصة في المجالات الدينية، والثقافية، والتعليمية، والإعلامية، مع رصد أنشطة لأقليات الدينية حتى لو كانت شيعية حتى لا تخرج عن حدود السيطرة التي تهدد النسيج القومي للبلاد.
وفي إطار هذا السياق سعت الدولة الأندوينسية والماليزية –على نحو خاص- لتبني عدد من الأيديولوجيات الوطنية البسيطة في مفرداتها، والعميقة في معناها والتي ومن شأنها الحفاظ على التماسك القومي بين المسلمين وكافة عناصر المجتمع.
فقد اتجه النظام في أندونيسيا إلى تبني أيديولوجية البانكاسيلا، والتي تعد منذ النص عليها في دستور 1945 إلى الآن (2010) بمثابة الأيديولوجية الرسمية للدولة، وتقوم على خمسة مبادئ بسيطة مترابطة لازالت تقوم بدور مهم في تجسيد البعد الديني، والخط الفكري العام للنظام، وتشكل بالتالي أحد العناصر الحاكمة في النظام الأندونيسي التي تلتزم بها مختلف الأديان، والقوى السياسية دونما اعتراض كبير على مكوناتها التي تتمثل في: وحدانية الخالق، ووحدة الأمة الأندونيسية، والديمقراطية الموجهة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والحفاظ على الواجهة الإنسانية المتحضرة.
كما مارست الثقافة التقليدية الجاوية آثارها إلى جانب البانكاسيلا على أنماط السلوك والعقائد والطقوس وأسلوب الحياة خاصة فيما يتعلق بعلاقة المسلمين بغيرهم[8].
وفي ماليزيا أتجهت الدولة إلى تدعيم ثقافة الاتفاق بين الأعراق الثلاثة المالاي والصينيين والهنود انطلاقًا من أن ماليزيا شركة واحدة من خلال أيديولوجيات عدة منها[9]:
1- أيديولوجية الروكونجارا (Rukunegara) والتي تقوم على خمسة أركان أساسية هي: الإيمان بالله، واحترام الملك والوطن، احترام الدستور، حكم وسيادة والقانون، والأخلاق والسلوك الاجتماعي القويم.
2- المهايترية: حيث تميزت الفترة التي تولي فيها محاضير محمد رئاسة الوزراء (1982- 2003) بجهود عدة تصب في مجملها في مجال تحقيق ودعم والحفاظ على التماسك القومي للدولة، وهو ما أصبح يطلق عليه في الكتابات الغربية والعربية بالمهايترية في إشارة إلى أربعة أبعاد أساسية جمع فيما بينها في إدارته للدولة وهي:
‌أ) الإسلام كإطار عام للدولة، وقيمة حضارية أساسية؛ حيث تبني في هذا الصدد مشاريع عدة للنهوض بالمسلمين وتقوية الوازع الديني الإسلامي على مستوى الأفراد، ومؤسسات الدولة وتعد من أبرز ما تبناه من مشاريع في هذا الصدد “مشروع غرس قيم الإسلام في نفوس الشعب، والذي هدف لتعريف جميع الماليزيين بالأبعاد الحقيقية للقيم الإسلامية، والتأكيد على دورها في شحذ العمل الجماعي وبناء نموذج متميز في التنمية يقوم على الاستفادة من المهارات التكنولوجية الغربية، والتمسك بالقيم الإسلامية، مع تضافر جميع أبناء الوطن في تحقيق هذا الهدف الذي يهم جميع الأعراق والديانات على أساس أن ماليزيا شركة واحدة كما سبقت الإشارة.
‌ب) الرأسمالية: وذلك في مجال الإدارة الاقتصادية للدولة.
‌ج) القومية: التي تقوم على الاهتمام بكافة الأعراق والديانات.
‌د) الديمقراطية الآسيوية: التي تقوم على أساس الأخذ بالأبعاد الأساسية للديمقراطية مع مراعاة الواقع الماليزي فيما يطلق عليه “الديمقراطية المسئولة” التي تعني احترام السلطة وتضع حدودًا ومسئوليات على حقوق وحريات الأفراد.
3- الإسلام الحضاري: وهو برنامج طموح تبناه عبد الله بدوي رئيس الوزراء الماليزي السابق (2003- 2008) لا يقتصر في أهدافه على المسلمين فقط بل يمتد إلى غير المسلمين، على اعتبار أن “عظمة الإسلام تتمثل في أن كل جوانب التنمية ملك للجميع”. وقد قام المشروع على مبادئ أساسية تسعى الدولة لتنفيذها في داخل ماليزيا وخارجها. فمن الأهداف الأساسية في الداخل: الإيمان بالله وتحقيق التقوى، والحكومة العادلة، والتنمية الاقتصادية، والتمكن من العلوم والمعارف، وتحسين نوعية الحياة، وحفظ حقوق المرأة والأقليات، والأخلاق الحميدة والقيم الثقافية الفاضلة، وتقوية القدرات الدفاعية للدولة.
أما الأهداف الأساسية في الخارج فتتمثل في عدم اللجوء إلى العنف، والاهتمام بتفعيل دور ماليزيا في المنظمات الإسلامية وحركة عدم الانحياز، وعدم إساءة استخدام الجهاد وتوضيح اختلافه الكامل عن الإرهاب.

يضاف لهذه الأيديولوجيات والأفكار السابقة المبادرة التي طرحها رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق في سبتمبر 2010 والتي أطلق عليها “الحركة العالمية للمعتدلين” Global Movement of the Moderates، والتي تسعى لحشد دعم الزعماء والمفكرين المعتدلين في العالم الإسلامي من أجل التواصل والتحاور لتشجيع المناقشات التي تهدف لإيجاد حلول للصراعات الدولية ومواجهة التطرف[10].
ومن المهم في هذا الصدد الإشارة إلى أنه إذا كانت للإسلام مكانة مهمة في دساتير وخطط عمل النظم السياسية في هذه الدول الإسلامية على الجانبين العقدي والاجتماعي، إلا أن الأمر يختلف في مجال التطبيق اختلافًا تتفاوت حدته من دولة إلى أخرى؛ فإذا كانت الدولة في ماليزيا تسعى إلى حد بعيد لكفالة الحرية الدينية للأفراد، وتفعيل دور الإسلام في المجتمع، وإقامة العديد من المؤسسات الدينية والثقافية التي تهتم بتدعيم الإسلام، فإن الأمر يختلف في دول أخرى مثل باكستان، وبنجلاديش.
ففي باكستان، وعلى الرغم من أن تحديد الهوية الإسلامية للدولة كان بداية وجودها عام 1947، إلا أن وفاة مؤسسها محمد علي جناح مثَّل صدمة كبيرة لمسيرة العمل من أجل بناء دولة إسلامية؛ فبعد تطورات عدة سيطرت على الحكم نخب سياسية –كان معظمها من دعاة التغريب- عملت بعد أن امتلكت نطاق القوة والتأثير في الدولة على تطوير أيديولوجية تأخذ في اعتبارها العامل الإسلامي باعتباره أساس نشأة الدولة لكن مع توظيفه لتحقيق مصالح هذه النخب، وهو ما عرف بالأسلمة الفوقية، والتي تم وفقًا لها إخضاع الأفراد وإضفاء الشرعية على الظلم والاستغلال، وهو ما أعاق الإسلام كدين وممارسة من أن يتطور في باكستان بالشكل الذي يحدد النواحي المختلفة للدولة، وجعل عملية الأسلمة في المجتمع الباكستاني، وإن كانت تحافظ على الدين كشعائر وعبادات وتعليم وبنوك إسلامية، إلا أن الأمر لا يمتد لأكثر من ذلك من الناحية الجوهرية، وعليه فأن الحديث عن الهوية والذاتية الحضارية لمسلمي باكستان يصبح سلوكًا قوليًا، وليس فعليًا[11].
وفي بنجلاديش، وإن تمتع المسلمون بموجب الدستور بحرية ممارسة شعائرهم واحترام الحكومة للحرية الدينية لحد بعيد، إلا أنه في إطار عمل الحكومة على الحفاظ على تماسك المجتمع، فإنها تحتفظ بما تعتبره حقًا لها من ممارسة بعض القيود في المجال الإسلامي منها سلطة عزل وتعيين الأئمة، والتدخل في نطاق عمل وزارة الشئون الدينية، وفي التأثير غير المباشر على محتوى الخطبة في المساجد الحكومية. كما لا يلعب الدين الإسلامي دورًا مسيطرًا على السياسة الوطنية، ولا تعترض الحكومة كثيرًا على الجهود العديدة التي تمارسها عدد من المنظمات غير الحكومية الأجنبية، وبعض المنظمات الوطنية في محاولات تنصير السكان باستغلال فقرهم، ومدهم بكافة الخدمات نظير ترك دينهم، وتفيد الأرقام بوجود حوالي 22 ألف منظمة أجنبية مسيحية، وحوالي 5000 بعثة أجنبية.
وهي نواحي تفرغ أي تساؤل عن الهوية الإسلامية والتميز الحضاري من محتواه وذلك في ظل عدم اكتراث الدولة بتدعيم البعد الإسلامي، وفقر الأفراد[12].

2- دور الإسلام على المستوى الحركي في الدول الآسيوية المسلمة:
إن الإطلاع على أوضاع المسلمين في الدول الثلاث أندونيسيا وماليزيا وباكستان في المجال الحركي التنظيمي يشير إلى تمتعهم بحرية أساسية في هذا المجال من خلال عديد من التنظيمات الإسلامية التي تتراوح في توجهها الفكري ما بين الاعتدال، والثورية، والصوفية.
وانطلاقًا من أن تفصيل الحديث عن هذه الحركات يبعد عن أهداف الدراسة، فإن التحليل سيتناول من خلال بعض الأمثلة المختارة موقف هذه الحركات من الهوية والمرجعية الإسلامية.
فتوجد في أندونيسيا ثلاث أنواع أساسية من الحركات الإسلامية:
1- الحركات الإسلامية المعتدلة[13]:
تتمثل هذه الحركات بصورة أساسية في جمعية نهضة العلماء (أعضاؤها 40 مليون عضوًا) والجمعية المحمدية (وأعضاؤها 30 مليون عضوًا). تنادي الجمعية الأولى –نهضة العلماء- بالتغيير المعتدل للأحكام الشرعية الدينية، وتعارض أن تصبح أندونيسيا دولة إسلامية، وتأخذ بفكرة التعايش بين الأديان والمعتقدات، ومجتمع إسلامي يسوده الأمن.
أما الجمعية الثانية –المحمدية- فيلاحظ عليها تعدد وتنوع الأهداف التي اتبعتها؛ حيث اتجهت في بداية تكوينها إلى العمل من أجل إقامة مجتمع إسلامي يسوده العدل والمساواة، ثم انحرفت عن نشأتها السلفية بالدعوة إلى أن الدولة الأندونيسية لا يجب أن تقوم على أساس ديانة معينة حيث يجب أن تكون البانكاسيلا هي أساس الدولة.
وللجمعيتان أنشطة دينية دعوية وثقافية وتعليمية وخدمية تشمل المسلمين ولا تقتصر عليهم.

2- الحركات الإسلامية المتشددة:
وهي حركات تختلف في مناهجها الفكرية وبيئتها التنظيمية إلا أنها تتفق على وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية. ومن هذه الحركات: الجماعة الإسلامية، وحركة الشباب الإسلامي، وكتائب عسكر جند الله، ومنظمة عسكر الجهاد.
ومما يجدر ذكره في هذا الصدد أن للمنظميتن الأخيرتين دورًا تقومان به في مجال المواجهات الدامية التي تقوم من وقت إلى آخر بين المسلمين والمسيحين في مجال الحفاظ على تطبيق الشريعة الإسلامية.
حيث قامت كتائب عسكر جند الله في بداية تأسيسها في ديسمبر عام 2000 بإتلاف أعداد كبيرة من الأفلام، والأقراص المدمجة الإباحية، مع تكسير عديد من حانات الخمور في سولاويزي في الجنوب.

3- الحركات الصوفية للدعوة والإرشاد:
وهي حركات يعد هدفها الأساسي إبراز الصورة السلمية المعتدلة للإسلام، وهي تحظى بتأييد الجماهير لما لها من أنشطة خدمية عديدة في مجال إنشاء المدارس الدينية، وكفالة الفقراء والأيتام، والمساهمة في الحفاظ على وحدة المجتمع الأندونيسي؛ حيث يستفيد من خدماتها المسلمين وكافة الأقليات الدينية. ومن أمثلة هذه الحركات جمعية الدعوة والإرشاد.
وتقوم الدولة الأندونيسية بتعزيز هذا النموذج المسالم من الحركات؛ حيث تعتبرها أداة مهمة في مجال مواجهة الجماعات الإسلامية الأخرى خاصة الثورية، فضلاً عن كونها تنأى عن الانغماس في السياسة أو المبادرات الاحتجاجية[14].

ووفقًا لما سبق يتبين أن أغلبية مسلمي أندونيسيا يتمسكون بالإسلام المعتدل، كما ترفض كبرى الجماعات الإسلامية المتمثلة في نهضة العلماء، والجمعية المحمدية -بتعدد أعضائها الذي يصل إلى 70 مليون مسلمًا- فكرة أن تصبح أندونيسيا دولة إسلامية حيث أن هذا الأمر من شأنه أن يعرض السلم الاجتماعي للخطر، وهي الناحية التي تؤيدها الحركات الصوفية.
وإن كان الأمر في أندونيسيا لا يخلو من وجود تعصب ديني دائم بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى، كما أن الجماعات الإسلامية المتشددة في حالة اصطدام مع النظام لمطالبها العديدة التي يأتي في مقدمتها المطالبة بأن تصبح أندونيسيا دولة إسلامية من الناحية الرسمية، ولمطالب بعضها ذات الطابع الانفصالي، خاصة في منطقة آتشيه شمال سومطرة التي تعد المقر الأساسي للحركة الإسلامية الثورية المعروفة باسم الجبهة القومية لتحرير آتشيه، حيث يعد هذا الأقليم، الأقليم الوحيد الذي سمحت فيه الحكومة المركزية بإقامة أحكام الشريعة الإسلامية وإنشاء محاكم شرعية، وهو الأمر الذي خففت الحكومة منه عام 2007[15].
وعامة فإن الدولة في أندونيسيا لا تفرض قيودًا على الحريات الدينية إلا ما يتعارض منها مع الاعتبارات الأمنية، كما تتعامل بحذر مع الجماعات والحركات الإسلامية المتشددة نظرًا لمطالبها المهدَّدة لاستقرار النظام، كما اتجهت عام 2008 لإصدار مرسوم وزاري يجمد أنشطة جماعة الأحمدية على اعتبار أنها تروج لأفكار تتعارض مع الدين الإسلامي وهو نفس المسلك التي تتبعة كل من باكستان وماليزيا تجاه هذه الجماعة.
وهي الشواهد التي يمكن معها القول أن النظام في أندونيسيا، شأنه شأن النظام في ماليزيا، اتجه إلى الحفاظ على الهوية القومية من خلال ارتباط لا ينفصم بينها وبين الأيديولوجيات القومية (البانكاسيلا في أندونيسيا) و(الروكونجارا والمهايترية والإسلام الحضاري في ماليزيا) مع جعل منظومة القيم الدينية الإسلامية مكونًا جوهريا من مكونات الثقافة السياسية إلى جانب القيم الآسيوية الأساسية التي يشارك في اعتناقها المسلمون وكافة الديانات والأعراق الأخرى وتلعب دورًا مهمًا في تجاوز الولاءات الطائفية والمحلية والدينية بينهم، من هذه القيم[16]:
§ النظام والانضباط: وهي قيمة كلية كبرى تحوي في طياتها عددًا من القيم الأخرى الداعمة والمساندة مثل احترام السلطة، وحكم القانون، والمنافسة القائمة على الاعتدال، فضلاً عن أهمية الاستقرار السياسي.
وتظهر قيمة النظام والانضباط في الثقافة السياسية لدول جنوب شرق الإسلامية وغير الإسلامية في نواحٍ عدة أبرزها الدور القوى للدولة الذي يرتبط بصورة أساسية في التنظيم والتوجيه فضلاً عن الرقابة، ومحاولة احتواء العلاقات المتوترة بين الطوائف الدينية وغيرها.
§ الاتفاق: إذ تعد قيمة الاتفاق من القيم المتجذرة في الثقافة السياسية لدول جنوب شرق آسيا، وتبرز من خلال أطر عدة أبرزها القيم الحاكمة لسلوك واتجاهات الأفراد؛ حيث تقوم الأديان السماوية والوضعية والعقائد بدور مهم في تدعيم هذه القيمة، وهو ما يبرز من خلال الانسجام الاجتماعي، والتسامح، والوحدة والجماعية بين الأفراد على اختلاف انتماءاتهم.
§ العمل الجماعي: إذ تشترك معظم دول جنوب شرق آسيا في قيم العمل الجماعي التي يعد من أبرز مظاهرها التضامن، والتعاون المتبادل وخاصة من أجل مواجهة ما يعترضهم من عقبات.
§ الانفتاح الفكري والحضاري: وهو ما يتم من خلال اتجاه دول جنوب شرق آسيا لتبني معادلة أساسية تقوم على محاولة تحقيق التوازن بين الهوية القومية والعلاقة مع الآخر بما يعنيه هذا من الانفتاح على كافة الأفكار والسياسات والثقافات التي يمكن أن تكون ذات أهمية في المجال التنموي، هذا مع الاتجاه في حالة الدول الإسلامية إلى الحفاظ على القيم الإسلامية؛ حيث تعد من العبارات ذات الدلالة الواضحة في هذا الصدد، العبارة التي ذكرها رئيس الوزراء الماليزي الأسبق محاضير محمد عندما أشار إلى أنه: “إذا استطاعت آسيا أن تتمكن من المهارات الصناعية للغرب، ومع ذلك تحتفظ بقيمها الثقافية فإنها ستكون في موقع يسمح لها ببناء حضارة أعظم من أي حضارة عبر التاريخ”.

ثانيًا- المسلمون في الدول الآسيوية غير المسلمة:
ينقسم المسلمون في الدول الآسيوية غير المسلمة ما بين أكثرية عددية توجد في دول مثل الهند، وأقلية عددية توجد في دول مثل الفلبين والصين ومينمار واليابان وبنجلاديش. وسيتم تقسيم هؤلاء وفقًا لعلاقاتهم بالنظم السياسية ما بين أقليات مضطهدة، وأخرى غير مضطهدة من خلال نماذج محددة.
1- أقليات مسلمة تعاني من الاضطهاد:

أ- الأقلية المسلمة في الهند:

تبلغ نسبة المسلمين في الهند –كما هو موضح في الجدول رقم (1)- 13.4% بالنسبة لمجموع السكان، 10.3% بالنسبة لمجموع سكان العالم الإسلامي، وهي نسبة ليست قليلة.
يحظر الدستور الهندي التمييز على أساس الطبقة الاجتماعية، كما ينص على حرية الأديان؛ حيث تعد الهند مهد ديانات عدة هي الهندوسية، والبوذية، والسيخية، فضلاً عن الإسلام، وأديان أخرى.
ويعد المسلمون في الهند ثاني أكبر جماعة دينية، وأكبر أقلية دينية ويعانون من توترات مستمرة من جانب النظام ومن جانب الهندوس، فالنظام السياسي لا يكافئ من الناحية الفعلية بينهم وبين الأقليات الأخرى، ولا يهتم كثيرًا بإيجاد سياسات تسعى لتحسين حالتهم الاقتصادية على نحو خاص، حيث يوجد 31% منهم تحت خط الفقر.
كما يتم التضييق عليهم من نواحي عدة فيتم تقليص معاهدهم، ومدارسهم وجامعاتهم في محاولة لتذويبهم تدريجيًا في شرائح المجتمع الهندي، ولا يتم توليتهم مناصب قيادية أو عسكرية أو تشريعية أو تنفيذية مهمة.
فمن خلال إحدى الإحصاءات الصادرة عام 2009 تبين أنه من بين 543 نائب في مجلس النواب لا يوجد بينهم إلا 36 مسلمًا، كما يعمل منهم 5% في الحكومة الهندية، و4.5% في هيئة السكك الحديد، و4% في الشرطة الهندية، و7.8% في السلطة القضائية، 1.8% في السلك الدبلوماسي. كما يتم منع المسلمين من فتح حسابات مصرفية، ولا يسهل حصولهم على تسهيلات مصرفية.
وقد تصاعد التوتر بينهم وبين الدولة من ناحية، والهندوس من ناحية أخرى بعد هدم المسجد البابري في عام 1992. وتتجه الحكومة إلى حظر بعض الكتب الإسلامية للحفاظ على السلام الاجتماعي في إطار الاشتباكات المستمرة بين المسلمين كما حدث عام 2003.
وقد تلقت وزارة شئون الأقليات 2250 شكوى في الفترة 2008/ 2009، جاء معظمها من المسلمين[17]. ووفقًا للتقرير السنوي لوزارة الشئون الداخلية لعام 2009/ 2010 حدثت حوالي 750 حادثة عنف بين المسلمين والهندوس في جميع أنحاء البلاد في مقابل 656 حادثة وأربعة أعمال شغب عام 2008.
وتعد المناطق الريفية من أكثر المناطق التي تتوالى فيها أحداث العنف ضد المسلمين من ذوي الطبقة الدينا الذين يعيشون بهذه المناطق، حيث تعد –على سبيل المثال- واقعة دفع المسلم لبقرة تعترض مسار سيارته جريمة يقتل الهندوس بسببها كثيرًا من المسلمين. كما يخضع المسلمون بصفة عامة لتقلب العلاقات بين الهند وباكستان.
ويعد التعبير عن هوية المسلم على المستوى الفردي أمرًا مفتقدًا إلى حد بعيد؛ فالهندوس يعاملونهم بقسوة وعنف بالغين وفي مخيلتهم انفصال باكستان، ويرون أنهم يشكلون مشروع انفصالي محتمل[18].
أما على المستوى الجماعي التنظيمي فالوضع أفضل من خلال عديد من الحركات الإسلامية التي تحاول المواءمة بين وجود المسلمين الجسدي في إطار مجتمع مفعم بالتعددية يشكلون فيه أقلية، وبين قيمهم الإسلامية، وبالتالي مستلزمات الحفاظ على هويتهم في إطار ظروف غير نمطية يعايشونها[19].
والاطلاع على المنظمات الإسلامية في الهند يشير إلى وجود منظمات عدة تتنوع خلفياتها، ومنطلقاتها الفكرية، وآليات عملها، وتتراوح ما بين جماعات تحاول أن تلعب دورًا سياسيًا، وأخرى تكتفي بدور دعوي إغاثي من خلال أنشطة وخدمات تقدمها للمسلمين ويستفيد منها غيرهم.
وانطلاقًا من الطبيعة الفيدرالية للدولة الهندية التي تتكون من عدد من الولايات لكل ولاية حكومتها وبرلمانها، اتجهت الحركات الإسلامية الكبرى إلى إيجاد أفرع محلية لها بالولايات. ومن أهم المنظمات الإسلامية التي تبعد عن شبهة العنف ويغلب عليها الاعتدال: جماعة التلبيغ والدعوة، والجماعة الإسلامية، وجمعية أهل الحديث. وهي جمعيات تحاول اتباع مقولة: “ما لا يدرك كله لا يترك كله”، بأن تسعى للعب دور دعوي ثقافي من ذلك ترجمة معاني القرآن الكريم، وإنشاء المدارس، ودعوة المسلمين للالتزام بالعبادات والأخلاق الإسلامية، وإن كانت الجماعة الإسلامية بصدد إنشاء حزب سياسي.
وتعد من بين الجماعات والحركات التي تحاول أن تمارس دورًا أكبر يمتد من المجال الثقافي ليصل ويمس المجال السياسي:
* مجلس المشاورة الإسلامي لعموم الهند: وهو اتحاد فيدرالي للجمعيات والمنظمات الإسلامية في الهند، أنشيء عام 1964، ويتركز دوره في التواصل مع الحكومة والإعلام والمجتمع الهندي في القضايا التي تهم المسلمين، والتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني في هذا الأمر، مع إصدار بيانات حول القضايا التي تهم المسلمين.
* جماعة مجاهدي (ديكان): وقد برز اسمها على الساحة السياسية عقب تفجيرات بومباي عام 2006، ويتركز دورها في الدفاع عن مسلمي الهند في مواجهة الاضطهاد الهندوسي. وتتفاوت الآراء إزاء هذه الجماعة بين من يرى أنها جماعة لا وجود لها، ومن يعتبرها ستارًا لجهة أخرى تعمل من خلالها.
* جماعة الطلاب المسلمين: وهي تدعو لتحرير الهند من تأثير الثقافة المادية الغربية، تمهيدًا لتحويلها لمجتمع إسلامي. وقد حظرت السلطات الهندية هذه الجماعة عام 2002 ثم رفع الحظر عنها عام 2007. وهي تعمل الآن تحت اسم المجاهدين الهنود، وقامت وبتفجيرات عدة هدفها –كما أعلنت- تدمير العقيدة الهندوسية التي تعتبرها “عقيدة كفار الهند”. وقد أعلنت الحكومة الهندية مؤخرًا أنها جماعة إرهابية إلا أنها لم تقم بحظرها، تأسيسًا على أنها لا تملك معلومات عنها.
كما توجد بعض الجماعات الإسلامية التي تدافع عن المرأة المسلمة في الهند وتسعى لتحسين ظروفها الاقتصادية، مع الحفاظ على هويتها الثقافية.
وبصفة عامة فإن الحكومة الهندية وإن كانت تؤيد الحركات الإسلامية المحافظة، إلا أنها تضيَّق على الحركات الراديكالية حيث يتم إلصاق تهمة الإرهاب بها، ويتم حظرها.

ب- الأقلية المسلمة في الفلبين:

يعد المسلمون في الفلبين أقلية تحكمها أغلبية مسيحية، وقد أصبحوا أقلية متناقصة؛ حيث كانوا يبلغون في عام 1995 حوالي إلى 7.5 مليون نسمة وصلوا في عام 2009 -وعقب حوالي خمسة عشرة عامًا- 4.654 مليون نسمة، وهو ما يعود إلى سياسات عدة اتبعتها الدولة الفلبينية إزائهم منذ استقلال الفلبين عام 1946، ويعد من أبرزها سياسات الإبادة المستمرة، فضلاً عن سياسة إفقار المسلمين وتهجيرهم من مناطقهم التي طالما عاشوا فيها في جنوب الفلبين في مقاطعات مندناو وسولو وبالاوان، فأصبحوا يوجدون الآن في مندناو والجزر القريبة منها، وهي سياسات انعكست عليهم بالسلب إذ هاجر الكثير منهم إلى المراكز الحضرية في مانيلا وسيبيو بحثًا عن الاستقرار وحلا لمشكلاتهم الاقتصادية، كما تحول الكثير منهم إلى المسيحية في ظل تضييق مستمر عليهم من جانب الدولة على الرغم من أن حرية الاعتقاد من الحريات التي ينص عليها الدستور الفلبيني[20].
وتتراوح مطالب الأقلية المسلمة ما بين مطلبين هما مزيد من الحكم الذاتي أو الاستقلال، وإن توارى في الفترة الحالية مطلبهم الثاني في مقابل سعيهم -من خلال وسائل عدة ستشير الدراسة لأهمها– لتحقيق مطلبهم الأول، الذي يعانون في سبيل تحقيقه من ثلاث مشكلات[21]:
* مشكلة اقتصادية: تنعكس في عدد كبير من التحديات الاقتصادية التي تتمثل في مشكلة توفير الاحتياجات الأساسية من سكن، وتعليم ورعاية صحية، ومشكلة البطالة، فضلاً عن قلة الإنتاج الزراعي في مناطقهم، وهو ما يعود لعاملين؛ الأول نقص رأس المال اللازم، والثاني تضاؤل الأرض الزراعية. وهو ما يعود لسياسة نقل السكان التي عملت السلطات الفلبينية المتعاقبة بموجبها على تهجير أعداد كبيرة من المسيحين إلى مناطق المسلمين، حيث فقد المسلمون تدريجيًا كثيرًا من أراضيهم بعد أن اعتبرها المسيحيون حقًا مكتسبًا لهم بالادعاء بعدم تسجيل ملكيتها للمسلمين وبالتالي لا تدخل في ملكيتهم من الناحية القانونية. وهي النواحي التي دفعت البعثات التبشيرية لاستغلالها فمضت في إقامة المستشفيات والمدارس وتقديم كافة صور الخدمات التي يحتاجها المسلمين في مقابل تحولهم عن دينهم الإسلامي.
* مشكلة سياسية: وتشمل بُعدين؛ الأول بين المسلمين وبعضهم ويتمثل في الخلافات المستمرة بين قادة المسلمين الدينين والسياسيين، والتي تعود لأسباب عدة تعد في معظمها أسبابًا واهية من ذلك تحديد مواعيد بدء الصوم وعيد الفطر، وهي خلافات تقسم بين المسلمين وتزيدهم ضعفًا وتدفعهم في كثير من الأحيان إلى الصدام المسلح.
أما البعد الثاني فهو بين المسلمين والحكومة، حيث يعاني المسلمون من التمييز الديني، وحرمانهم من التمثيل في الحكومة.
* مشكلة اجتماعية-دينية: وتتركز في الوضع الاجتماعي المتردي للمسلمين، وعدم معرفة الكثير منهم لتعاليم وشعائر الإسلام حيث تختلط لديهم بعديد من المعتقدات غير الصحيحة، وذلك على الرغم من وجود التعليم الديني؛ حيث توجد حوالي 1000 مدرسة دينية في البلاد، يقع 588 منها في منطقة الحكم الذاتي في مينداناو، حيث تسمح الحكومة بالتعليم الديني في المدارس شريطة ألا تكون هناك تكلفة عليها. وعلى الرغم من أن الشريعة تعد جزءًا من القانون الوطني إلا أنها لا تطبق على المسلمين في المسائل الجنائية، وهو ما يطالب علماء الدين بتمديده[22].
وهي مشكلات متفاقمة تتضافر في مجملها لتلقي بظلالها السيئة على قدرة المسلمين في الفلبين في الحفاظ على هويتهم الإسلامية.

وقد برزت على الساحة الفلبينية تباعًا ومنذ أوائل ستينيات القرن الماضي مجموعة من الحركات الإسلامية التي أخذت على عاتقها انتهاج طريق إسلامي حقيقي يحقق للمسلمين وحدتهم ويحقق لها ذاتيتهم، ومن بين هذه الحركات[23]:
§ حركة تحرير مورو الوطنية: وقد تركز هدفها الأساسي في بداية تكوينها في الكفاح الوطني ضد السيطرة الاستعمارية الفلبينية؛ حيث رفض مؤسسوا لحركة في البداية أن يطلقوا على علاقتهم بالحكومة الفلبينية لفظًا غير لفظ السيطرة الاستعمارية، وقد اتجه أنصار الحركة في منتصف سبعينيات القرن الماضي إلى اختيار أسلوب الحل السلمي لمشكلة المسلمين من خلال قبول التفاوض مع الحكومة والقبول بمزيد من الحكم الذاتي.
§ حركة تحرير مورو الإسلامية: ويتركز هدفها في ايجاد إطار إسلامي شامل للمسلمين في الفلبين ينطلق من الدعوة ويسعى للجهاد. حيث تكون للدعوة درجاتها المختلفة التي تبدأ بتحويل كل فرد مسلم عضو في الحركة إلى مسلم حقيقي، ثم تحويل منازل المسلمين أعضاء الحركة لمنازل تسود فيها المعتقدات الإسلامية، إلى أن تصل الدعوة في المرتبة الثالثة إلى جماعة المسلمين لكي تأخذ بالإسلام في كافة سلوكياتها. أما الجهاد فيكون بالكفاح لإعلاء كلمة الله. وبالتالي يمكن لمسلمي الفلبين ممارسة حقهم في تقرير المصير الذي تتبلور رؤية الحركة له في الاستقلال التام، أو على الأقل إقامة وحكم ذاتي فاعل في مناطقهم.
يضاف إلى هذه الحركات حركة أبو سياف التي تتبع منذ تكوينها أسلوب العنف في مواجهة الحكومة.
وتسعى الدولة الفلبينية بصفة دائمة لإضعاف واحتواء هذه الحركات، وتوجد اشتباكات ومواجهات مستمرة بين الطرفين استمرت خلال السنوات الستين الماضية في إطار جهود دائبة من الدولة للاستيطان وحرمان المسلمين من هويتهم الثقافية، في إطار سياسة إعلامية دعائية من جانب الدولة تروج لعكس ما يحدث، وهو ما يبدو من خلال مظاهر عدة[24]:
• سن الحكومة لقانون 1997 الذي أنشأ ومول اللجنة الوطنية للمسلمين التي يتمثل دورها في دعم وتوسيع الأنشطة الدينية الإسلامية، وتعزيز تنفيذ البرامج الاقتصادية والتعليمية والثقافية، فضلاً عن إصلاح البنية التحتية في مناطق المسلمين، وكذلك الترويج لمنتجات الحلال، وإجراء الدراسات، وإقامة مراكز البحوث والمتاحف الخاصة بالثقافات الإسلامية.
• سعي الحكومة لاضفاء صورة ذهنية محببة عن دورها في تعزيز الحوار بين الأديان، من أجل بناء الثقة والاحترام المتبادل بين مختلف الجماعات الدينية والثقافية، مع السعي لإيجاد مبادرات للتنسيق مع عديد من المنظمات الحكومية.
• استضافة الحكومة الفلبينية في الفترة من 16- 18 مارس 2010 للاجتماع الوازاي الخاص لحركة عدم الانحياز المتعلق بالحوار بين الأديان والتعاون من أجل السلام والتنمية؛ حيث تمت فيه الدعوة إلى احترام التنوع الثقافي والديني وتعزيز الحوار والتسامح بين الأديان.
وفي هذا الإطار، ولمواجهة محاولات الدولة لكبت الأقليات الدينية في الفلبين وفي مقدمتها الأقلية المسلمة، يتم مؤخرًا تكوين ائتلاف فضفاض تحت اسم Circle foundation يضم مختلف الجماعات الدينية والعقائدية، ويدعو إلى إقامة علاقات جيدة بين الأديان من خلال عقد حوارات أساسية وخاصة بين المسلمين والمسيحين، ويتجه مؤتمر الأساقفة والعلماء من أعضاء رابطة العلماء في الفلبين لعقد اجتماعه في ميندناو في محاولة لإيجاد حل لقضايا السلام وتضامن الثقافات المختلفة.

ج- الأقلية المسلمة في الصين:

يعطي المسلمون في منطقة سنكيانج شمال غربي الصين نموذجًا آخر على التعسف الذي تلاقيه الأقلية المسلمة التي تعيش بالأقليم من جانب الأكثرية الحاكمة؛ حيث اتجهت الدولة الصينية لاتخاذ كافة الإجراءات القانونية والعملية التي تعتبر أية ممارسة دينية من جانب سكان الأقليم -الذين يطلقون عليه تركستان الشرقية- مخالفة لسياستها تجاههم، حيث يرغبون في الاستقلال في ظل رفض صيني مطلق تعمل على تحقيقه من خلال وسائل عدة منها[25]:
– منع الشباب والنساء المسلمات من ارتياد المساجد والجوامع لأداء الصلاة والتعلم وحفظ القرآن، مع هدم المساجد المجاورة للمدارس خشية تردد الطلاب والمدرسين عليها، مع رفض بناء مساجد جديدة، وحظر رفع الآذان بمكبرات الصوت، وإلزام الأئمة وخطباء المساجد بقراءة خطبة الجمعة من كتاب معدٍ لهذا وضعته الهيئة الصينيه للإشراف على الشئون الإسلامية.
– منع الشباب ممن دون السن القانونية (18 عامًا) من التعليم الديني، ومنع التعليم الإسلامي في غير المعاهد الحكومية.
– مصادرة الكتب الإسلامية الواردة من الدول الإسلامية وحرقها، ومنع نشر المقالات الإسلامية في الصحف وإذاعتها في وسائل الإعلام.
– خلخلة (إخلاء) إقليم سنكيانج من سكانه الأصليين من خلال تهجير الصينيين البوذيين إليه؛ حيث بلغ عددهم نحو 7.421 نسمة بنسبة 40%، بينما بلغ المسلمون 8.506 نسمة بنسبة 45% من جملة عدد سكان الإقليم البالغ عددهم حوالي 18.761 نسمة عام 2001.
– حجب آلاف المواقع الإلكترونية والإخبارية والمدونات، لمنع تبادل التسجيلات وتبيان ما يتم من قمع للمسلمين، مع معاقبة من يخالف ذلك بتهم مطاطة منها إفشاء أسرار الدولة والتشهير والتخريب.

وفي إطار هذا التقييد الديني يصبح بحث المسلمين في الإقليم عن هويتهم وتميزهم الثقافي أمرًا من الصعوبة بمكان حتى في ظل وجود حركات إسلامية مثل الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية، ومؤتمر شباب الايجوز، والمركز الإعلامي لتركستان الشرقية، ومنظمة تحرير تركستان الشرقية؛ حيث أن الثانية والثالثة يعملان من الخارج، والأربعة لا يملكون خلفية إسلامية واضحة تمكنهم من بلورة خطة محددة المعالم تسعى للحفاظ على هوية المسلمين وحمايتها من التآكل والذوبان. هذا وإن أعطت الحركات الإسلامية في دول آسيا الوسطى، وطالبان في أفغانستان دعمًا معنويًا هائلاً لهذه الحركات، إلا أنه خفت الآن لأسباب عدة تعود إلى المشاكل الداخلية التي تواجهها هذه الحركات في الدول التي تنتمي إليها، فضلاً عن عمل الصين إقليميًا، ودوليًا على مواجهة هذه الحركات.
فعلى المستوى الإقليمي تتعاون الصين مع دول آسيا الوسطى لمواجهة التيارات الإسلامية من خلال منظمة شنغهاي للتعاون الإقليمي التي يعد أحد أهدافها الأساسية مواجهة ظواهر الانفصال القومي والتطرف الديني.
وعلى المستوى الدولي تتعاون الصين مع الولايات المتحدة في إطار حربها على الإرهاب عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، والتي يوجه جزء منها للقضاء على الحركات الإسلامية التي توصف بالمتطرفة[26].
وبالنظر إلى أحوال المسلمين في دول أخرى في جنوب آسيا تبرز حالة المسلمين في دول مثل ميانمار؛ حيث تعاني الأقلية المسلمة (والتي يبلغ عددها 1.7 مليون نسمة) من اضطهاد الأغلبية (551 مليون نسمة)، وعلى الرغم من أن الدستور الجديد للبلاد الصادر عام 2008 يحظر التمييز على أساس العرق أو الدين، إلا أنه يحرم استخدام الدين لأغراض سياسية. وهو الأمر الذي يتم استغلاله كتهمة توجه دائمًا للمسلمين حيث يعتبرون كبش فداء خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وتمارس عليهم ضغوط لاعتناق البوذية باعتبارها دين الأغلبية وتوجد انتهاكات كثيرة لحقوقهم على نحو متزايد حيث تم سحب الأموال السائلة والعقارية لكثير منهم لإفقارهم، كما يتم سجنهم وتعذيبهم، ومنعهم من مغادرة البلاد[27].
د- الأقليات المسلمة في جمهوريات آسيا الوسطى:
يعد الدين الإسلامي (السني) ديانة أساسية في جمهوريات آسيا الوسطى الخمس (قازاقستان وأوزبكستان وتركمنستان وقيرغيزستان وطاجيكستان)، ويختلف التمسك بالإسلام كالتزام ديني من جمهورية إلى أخرى؛ ففي طاجيكستان وأوزبكستان تكثر المساجد والمدارس الدينية لكونهما من الشعوب المستقرة. بعكس الحال في الجمهوريات الثلاث الأخرى حيث يبدو التمسك بالإسلام أقل بعض الشيء إذ كانت شعوبهما من الجماعات الرعوية التي تنتقل من مكان إلى آخر.
والإسلام ينقسم في دول آسيا الوسطى بين أنواع ثلاثة حسب درجة التمسك به، وهذه الأنواع هي[28]:
* الإسلام التقليدي الممثل بصورة أساسية في إقامة العبادات وأداء الشعائر وإقامة مدارس التعليم الإسلامي وتدريس القرآن وتعليم اللغة العربية، وهو النوع الذي تتيحه السلطة السياسية بالجمهوريات دونما تعقيد يذكر.
* الإسلام السياسي: ويتمثل في التيار الإسلامي الذي يضم عديد من دعاة التجديد والإصلاح، وهو الاتجاه الذي بدأ يظهر من خلال العديد من الأحزاب السياسية الإسلامية. وهو ما تشدد السلطة السياسية بالجمهوريات إزاءه وتحظر وجوده.
* جمهور الصحوة الإسلامية: ويتكون من عديد من المشايخ المتحمسين لقضايا الدين الإسلامي، والمعارضين لمواقف القيادات السياسية المتشدد من أصحاب التيارات الإسلامية المنضوية في أحزاب إسلامية، وهو ما تعارضه السلطة السياسية.
ومما سبق يتبين أن المواطن المسلم المنتمي لأي من جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية والذي يقبل على ممارسة شعائر الإسلام المختلفة وغير المنتمي لأي من الحركات أو الأحزاب السياسية الإسلامية لا يلاقي تعنتا يذكر من جانب السلطات السياسية بهذه الجمهوريات؛ حيث يتماشي موقفه مع ما تظهره هذه السلطات –العلمانية- من اهتمامها واحترامها للدين الإسلامي وهو ما جعلها تتجه لتأكيد خطاب عام رسمي يعلن عن اهتمامها بالدين الإسلامي في صورته الإيمانية مع تأييد فكرة الحوار بين الأديان والمذاهب ونبذ التعصب الديني بين القوميات، واستضافة العديد من المؤتمرات التي تقيمها بعض الهيئات الإسلامية الدولية في هذه الجمهوريات كما تشير الدراسة. وهي الناحية التي وإن كانت تقدم فرصة متاحة للمسلمين بهذه الجمهوريات للتفاعل والتلاقي، والتعبير بالتالي عن هويتهم الإسلامية، إلا أن هذه الفرصة تفرغ من الكثير من محتواها لأسباب عدة من بينها.
§ افتقاد الرابطة التنظيمية والعلمية، وذلك لافتقاد الصيغة التنظيمية التي يمكن أن تنظم هؤلاء المسلمين، فضلاً عن الحاجة إلى قيادات من العلماء الذين يأخذون على عاتقهم تنقية الدين الإسلامي بهذه الدول مما لحق به من شوائب ومغالطات يعود معظمها إلى التراث التاريخي للحكم الشيوعي، فضلاً عن عدم الإحاطة الكاملة بكل جوانب الإسلام.
§ عدم اكتراث كثير من المسلمين بالعمل على أن يكون لهم خطاب ديني ثقافي محدد المعالم، نظرًا لأسباب عدة يعود معظمها إلى عناصر الخوف وعدم الأمان التي تغلغت في طبيعة الثقافة السياسية لهؤلاء المسلمين إبان الحكم الشيوعي وأدت بالتالي إلى وجود درجة عالية من القبول لتحكم السلطة السياسية.
§ استمرارية المناخ المعادي لأي اتجاه يخرج عن نطاق الإسلام التقليدي، إلى نطاق الإسلام السياسي؛ حيث أعلنت القيادات السياسية عن الفصل التام بين الدين والدولة، وهي لا تسمح للقوى الإسلامية بالدخول في العملية السياسية في أي من مستوياتها فيما عدا طاجيكسان؛ حيث تعد الأحزاب الإسلامية محظورة بهذه الدول، الأمر الذي دفع معظم هذه الأحزاب للتمسك بأفكارها وإصرارها على البقاء على الساحة السياسية داخل البلاد أحيانًا، وخارج البلاد أحيانًا كثيرة.
وعامة فإن البحث عن موضوع الهوية الإسلامية في الأجندة السياسية للحركات والأحزاب الإسلامية في جمهوريات آسيا الوسطى (بغض النظر عن اتجاهاتها معتدلة أو عنيفة) يشير إلى أنها تسعى للسلطة من خلال تبني مجموعة من الأهداف المشتركة تتمثل في: العمل على إقامة دولة إسلامية، وتثقيف الأفراد الثقافة الإسلامية الصحيحة وتخلصيهم من الأفكار المغلوطة عن الإسلام، مع اعتبار أن الإسلام هو الحل في الداخل وفي الخارج، وذلك من خلال ما أطلق عليه حزب التحرير الإسلامي التفاعل مع الأمة للدفاع السياسي والفكري عنها، وحمل رسالة الإسلام لكافة البقاع، وفي هذا الإطار تبنى الحزب صياغة مشروع أطلق عليه “مشروع دستور دولة الخلافة الإسلامية” حدد من خلاله البنية التكوينية لهذه الدولة، والسياسة الداخلية والخارجية التي تتحرك في إطارها والتي تتمحور كلها لتحقيق هدف الحزب الأساسي وهو إعادة دولة الخلافة الإسلامية تأسيًا بالرسول عليه السلام مع البعد عن الحرب والعنف[29].
وعليه وتأسيسًا على ما تطرحه الحركات والأحزاب السياسية الإسلامية، ترفض النظم السياسية في كل جمهوريات آسيا الوسطى كافة تيارات الإسلام السياسي وتحرص على مواجهتها من خلال ثلاثة أبعاد[30]:
* البعد الأول في المجال الداخلي من خلال عديد من الوسائل منها:
o وسائل سلمية مثل إلغاء الأحزاب السياسية، وإصدار تشريعات تحظر قيامها، وإصدار أحكام قضائية ضد قاداتها والمنتمين إليها.
o وسائل قمعية: وتتراوح ما بين الاعتقال والاختطاف والتصفية الجسدية وهي النواحي التي اعترضت عليها ونددت بها منظمات دولية عدة منها المنظمة الدولية لحقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية، وجماعات حقوق الإنسان، فضلاً عن رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
* البعد الثاني في المجال الإقليمي: من خلال التنسيق مع العديد من الدول الإقليمية التي تعاني من نفس الظاهرة، فضلاً عن منظمة شنغهاي للتعاون.
*البعد الثالث في المجال الخارجي: ويبرز من خلال التعاون مع الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوربي فضلاً عن إسرائيل من أجل مواجهة هذه الحركات والأحزاب.

2- أقليات مسلمة لا تعاني من الاضطهاد:

على الرغم من التعنت والاضطهاد الذي يلاقيه المسلمون كأقلية في الدول الآسيوية غير المسلمة الأمر الذي يؤثر بالسلب على حريتهم في تحقيق هويتهم الأساسية، إلا أنه يوجد في بعض هذه الدول الآسيوية غير الإسلامية نماذج أخرى لأقليات مسلمة تعد مثالا للأقلية التي تعيش بسلام وسط مجتمع الأكثرية.
حيث ستشير الدراسة لهذه الأقلية في كل من اليابان، وسنغافورة وكوريا الجنوبية.

أ- الأقلية المسلمة في اليابان:

يعد وضع هذه الأقلية في اليابان وضعًا استثنائيًا إلى حد بعيد حيث بلغ عددهم عام 2005 حوالي 70 ألفًا، ويعتبرون مثالاً لأقلية تعيش في سلام وسط مجتمع أكثرية يؤمن معظم أفراده بأديان أخرى مثل الشنتو والبوذية.
والمسلمون في اليابان، ربما لأنه ليست لهم مطالب سياسية، أو حركات إسلامية كبرى تطالب بحقوقهم يعيشون في سلام وحرية داخل المجتمع الياباني إذ ينتشرون في أرجاءه من أقصى جزيرة في شمال اليابان (هوكايدو) إلى أقصى جزيرة صغيرة (جزر أوكيناوا) جنوبًا، ومن أقصى الشرق (طوكيو) إلى أقصى الغرب (كاتازاوا).
وهم يتكونون من مسلمين يابانيين، ومهاجرين، وطلبة مسلمين قادمين من دول إسلامية، وتجار وسائحين مسلمين.
ويعد المركز الإسلامي في طوكيو المؤسسة الدينية الرسمية الرئيسية لهم في البلاد ويمارس دورًا تعليميًا تثقيفيًا من خلال إنشاء أول مجمع تعليمي إسلامي، ومدارس تستوعب الأعداد المتزايدة من أبناء الأقلية المسلمة. ومما يجدر ذكره في هذا الصدد أن اليابان تعد من الدول التي تدرك أهمية الإسلام، وتعد من بين أهم الدول التي تقيم حوارًا حضاريًا مع العالم الإسلامي، وهو الأمر الذي تبلور منذ عام 2000؛ حيث عقدت جولات عدة من أجل تعزيز الفهم المتبادل وتوثيق العلاقات بين الثقافات.
كما يتشابه وضع الأقلية الإسلامية في كل من سنغافورة وكوريا الجنوبية مع وضع نظيرتها في اليابان[31].
وفي سنغافورة يمارس المسلمون شعائرهم بحرية تامة، وقد تم إدخال الدين الإسلامي كمادة أساسية اختيارية في المناهج الدراسية الحكومية منذ عام 1958، ويعد الدين الإسلامي هو الديانة الوحيدة التي توجد هيئة ممثلة لها تتمثل في المجلس الإسلامي السنغافوري.
وتوجد عديد من الجمعيات والهيئات الإسلامية بسنغافورة والتي تعمل من أجل هدف أساس هو نشر والدفاع عن الدين الإسلامي منها جمعية الدعوة الإسلامية، وجمعية دار الأرقم[32].
أما في كوريا الجنوبية، فإن كان المسلمون يعيشون في إطار من الحرية وعدم التنازع مع السلطة السياسية، إلا أن الإسلام يواجه سوء فهم، ويتعرض للتشويه على يد بعض المثقفين الغربيين الذين يساعدهم على ذلك أن كوريا ليست دولة إسلامية.
وإن استطاع المسلمون بكوريا التعبير عن هويتهم وتميزهم، إلا أن التعليم الإسلامي لم يصل بعد لمستوى عالٍ من الناحيتين الكمية والكيفية خاصة وأنه يفتقد إلى المرجعيات الإسلامية القادرة على إيضاح كافة جوانبه وتصحيح ما لحق به من شوائب[33].

ثالثًا- علاقة مسلمي آسيا بدول ومنظمات العالم الإسلامي:

إن التساؤل عن علاقة مسلمي آسيا بدول منظمات العالم الإسلامي يشير إلى وجود علاقات متبادلة بين الطرفين، يمكن تقسيمها ما بين علاقات المسلمين في الدول الإسلامية الآسيوية والأقلية المسلمة في الدول الآسيوية وذلك بموجب موافقة أساسية من حكومات هذه الدول.
وتشير المعلومات المتوفرة في هذا الصدد إلى جهود وعلاقات عدة تربط ما بين دول آسيا الإسلامية وبقية دول العالم الإسلامي وهو ما يتمثل في نواحي عدة للتعاون ومحاولة تنسيق المواقف في كافة المجالات خاصة في المجال الحضاري الثقافي وذلك على المستويين الثنائي والجماعي؛ حيث تبرز العلاقات على المستوى الثنائي من خلال آليات عدة تأتي في مجال التبادل الثقافي الذي يشمل الاتفاقيات الثقافية، والتبادل التعليمي، والدورات التدريبة، والأنشطة الثقافية والفنية.
وتبدو العلاقات على المستوى الجماعي من خلال العلاقات التي تربط بين هذه الدول من خلال عدد من المنظمات والهيئات الإسلامية منها:
1- الأزهر الشريف الذي قام بأدوار مهمة في رفع المستوى الديني والتعليمي في عديد من دول آسيا الإسلامية، كما لا يزال يمارس دوره لكن في حدود إمكانياته وما يطلب منه في التواصل مع الأقليات المسلمة في دول آسيا غير المسلمة ومن أبرزها جمهوريات آسيا الوسطى من خلال إرسال العلماء والدعاة والكتب الإسلامية، فضلاً عن تخصيص عديد من المنح الدراسية لأبناء هذه الدول، مع إقامة دورات لتدريب الأئمة وتعليم اللغة العربية، كما قامت مصر ببناء مركز ثقافي إسلامي على نفقتها في العاصمة القازاقستانية الما آتا يضم جامعة إسلامية، ومسجدًا، ومكتبة إسلامية، وفصولاً لتعليم القرآن، ومستشفى لعلاج المسلمين بأجر رمزي، كما أنشأت مصر أيضًا المركز المصري للبحوث الإسلامية بأوزبكستان؛ حيث يأتي 60% من هيئة التدريس به من جامعة الأزهر.
كما توجد عديد من التفاعلات الثقافية تجمع الأزهر بممثلي هذه الجمهوريات، يعد من أبرزها المؤتمر الدولي المنعقد عام 1993 تحت عنوان “المسلمون في آسيا الوسطى والقوقاز: الماضي والحاضر والمستقبل”، كما ينظم ملتقى خريجي الأزهر عديد من المؤتمرات التي تجمع بين خريجي الأزهر في معظم دول العالم وذلك تحت رعاية شيخ الأزهر[34].
2- رابطة العالم الإسلامي ومقرها السعودية، وتحرص على التواصل مع المسلمين في أنحاء العالم، وعلى مد يد العون والمساندة للأقليات المسلمة في مجال شرح مبادئ وتعاليم الإسلام، والتصدي للتيارات والأفكار الهدامة من خلال جهود عدة أبرزها:
– عقد المؤتمرات التي تهدف لتنسيق الجهود من أجل نشر الدعوة الإسلامية، من ذلك المؤتمر الذي أقامته عام 2002 للتضامن مع مسلمي آسيا الوسطى تحت عنوان “الإسلام في آسيا الوسطى: تاريخ ومعاصرة”.
– دعم المنظمات والمؤسسات الإسلامية ذات الصلة بالرابطة، مع الاستمرار في سياسة فتح مكاتب جديدة للرابطة في مختلف دول العالم حسب الأهمية التي تفرضها حاجة المسلمين من أجل متابعة أحوالهم وتلبية مطالبهم.
– رفع مستوى الثقافة الإسلامية عن طريق كافة الوسائل الممكنة باللغات الحية، وتشجيع التأليف الإسلامي وشراء الكتب الإسلامية التي تشرح حقائق الإسلام.
– إرسال وفود إلى جميع أقطار العالم الذي يوجد بها مسلمين لدراسة ورصد مشاكلهم والتعرف على مطالبهم ومد يد المساعدة لهم بتقديم المنح، والكتب وإنشاء المدارس والمعاهد الإسلامية. وقد قام مؤخرًا الأمين العام للرابطة بزيارة الصين على رأس وفد إسلامي عالمي في أكتوبر 1431هـ تلبية لدعوة رئيس الجمعية الإسلامية في الصين للاطلاع على أحوال الأقلية المسلمة بها.
كما تقوم المملكة العربية السعودية بدور يحسب لها في منح أبناء الأقليات الإسلامية –ومنها الأقلية الإسلامية بالصين- المنح الدراسية ودعوات الحج، كما تسعى لمد أواصر العلاقات مع الأقليات المسلمة على ضوء مبادرة الملك عبد الله عبد العزيز آل سعود للحوار والتعاون في قضايا المشترك الإنساني.
كما تهتم هيئة الإغاثة الإسلامية، التي أنشئت عام 1399هـ في نطاق رابطة العالم الإسلامي، بقضايا المسلمين والأقليات المسلمة في مجالات رعاية المسلمين في الإسهام بكل ما يرفع مستوى المسلمين من أجل الحفاظ على كيانهم الإسلامي[35].
3- منظمة المؤتمر الإسلامي: وتقوم بدور كبير منذ تأسيسها عام 1969 في دعم التعاون –على كافة الأصعدة- بين الدول الإسلامية حيث يعد التعاون على الصعيد الثقافي من أقوى مجالات التعاون وينقسم إلى أربعة مسارات أساسية[36]:
المسار الأول: إنشاء المراكز الثقافية الإسلامية: وقد اتجهت المنظمة في هذا الإطار إلى إنشاء، والدعوة لإنشاء عديد من المراكز الثقافية الإسلامية والجامعات الإسلامية في عديد من دول المنظمة، من ذلك إنشاء الجامعة الإسلامية في ماليزيا عام 1977 والمعهد الإسلامي للترجمة في الخرطوم، كما تم طرح موضوع المنظمة الإسلامية الدولية للمرأة من أجل ترشيد دور المرأة في المجتمع الإسلامي.
المسار الثاني: مناقشة عديد من المشاريع الإسلامية. وقد تم في هذا المسار مناقشة مشاريع عدة منها مشروع الاستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي، وهو المشروع الذي تم بموجبه تكوين المجلس الاستشاري لتنفيذ هذه الاستراتيجية وهو المجلس الذي يتكون من ممثلي تسع دول هي ماليزيا، ومصر والسعودية والمغرب، وإيران فضلاً عن السنغال ومالي وأندونيسيا وبوركينافاسو.
يضاف إلى هذا مشروع اللائحة الإسلامية لحقوق الإنسان، ومشروع خطة مكافحة المفاسد الأخلاقية، وهو المشروع الذي تصر ماليزيا على أن يرى النور، وتعارضه عديد من الدول الأعضاء لكونه يتنافى مع بعض سلوكياتها من بيع الخمور، وإفساح المجال للقمار.
المسار الثالث: إنشاء عديد من المؤسسات الثقافية المتفرغة وهي مؤسسات كونتها المنظمة للعمل في مجالات عدة منها المجال الثقافي، أهمها أرسيكا، ومجمع الفقه الإسلامي.
المسار الرابع: إنشاء عديد من المؤسسات المتخصصة: وللدول الأعضاء حرية الانتماء إليها من عدمه، ومن أهمها في المجال الثقافي المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإسيسكو).
ويوجد بين دول المنظمة مجالات عدة للتعاون من خلال هذه المسارات الأربعة في مجال دعم وتحفيز التعاون الثقافي بينها والمشورة المتعلقة بالقضايا المتصلة بالحضارة الإسلامية، وحماية الفكر الإسلامي من جميع أنواع الغزو الثقافي ومحاولات مسخ وتشويه الثقافة والتراث الإسلامي، ورسم استراتيجية ثقافية للعالم الإسلامي. ومن أمثلة المراكز التي تقوم بدور أساس في هذا الصدد[37]:
أ‌- مركز البحوث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (أرسيكيا).
ب‌- المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو).
جـ- اللجنة الدولية للحفاظ على التراث الحضاري الإسلامي.
د- مجمع الفقه الإسلامي.
وتعد من بين أهم وآواخر الأنشطة التي تمت في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي في مجال دفع الحوار والتواصل الثقافي بين المسلمين في العالم المؤتمر الذي عقدته الإيسيسكو في أكتوبر 2009، وهو مؤتمر القمة الإسلامية السادس لوزراء الثقافة في دول المنظمة وانعقد في مدينة باكو بأذربيجان وأكدت الدول الأعضاء في البيان الختامي للمؤتمر على أهمية الحفاظ على التراث، وتعزيز الحوار والتواصل بين الثقافات والشعوب، مع الدعوة لتغيير الصورة القومية السلبية النمطية للمسلمين.
ومما يجدر ذكره في هذا الصدد أن عديد من دول المنظمة ومنها ماليزيا قدمت مقترحات لتطوير العمل داخل المنظمة من أجل تقوية الوحدة بين دولها من أجل مزيد من الدفع لدور المنظمة في المجال الحضاري الثقافي.

خاتمة:

تبين من خلال الدراسة عدد من النتائج الأساسية التي تتصل بأحوال المسلمين في آسيا فيما يتصل بوضعهم وقدرتهم على تحقيق هويتهم الحضارية والثقافية، ومن أبرز هذه النتائج وجود صورتين أساسيتين تميزان علاقات المسلمين بغيرهم في الدول الآسيوية:
الصورة الأولى تبرز قسماتها في دول آسيا المسلمة ويغلب عليها نموذج Salad bowl أو “بوتقة الاختلاط”، وهو ما يتمثل في الحرية الدينية المتاحة للمسلمين المعتدلين (السُنَّة) وكافة الأديان الأخرى التي تعيش في كل دولة من هذه الدول الإسلامية حيث يسود فيها إلى حد بعيد –فيما عدا بعض الاستثناءات والمشكلات البسيطة- تنوع ثقافي يقوم على أساس التعايش من خلال قبول الأغلبية (المسلمين) للأقليات المختلفة (أصحاب الديانات الأخرى) الأمر الذي يساعد كل طرف على الحفاظ على هويته، وسهولة التعبير عنها دون خوف أو مضايقات. ففي ماليزيا إذا اعتنق الفرد الصيني الدين الإسلامي فإن هذا لا يمنعه من التعبير عن هويته الصينية، وعلى مر السنوات أصبح الصيني مالاي والعكس صحيح دون طمس أو اختفاء للهوية الأصلية حتى لو حمل المالاي أو الصيني دمًا مختلطًا نتيجة علاقات المصاهرة والزواج، وعليه فإن الحدود الثقافية وإن شهدت بعض الاختراق نتيجة علاقات الزواج هذه وخاصة في الأجيال الأصغر، إلا أن الهوية لا تتأثر بصورة كبيرة، وهي الناحية التي ربما يكون لها تأثير مستقبلي إذا استمرت ومثلت تيارًا عامًا وهو ما لا يعتبره الباحث ظاهرة؛ حيث أن المسلم الماليزي يفضل دائمًا الزواج ممن هي على دينه، وهو وأن رحب بإسلام الماليزي الهندي أو الصيني إلا أنه لا يرحب بترك الملاي المسلم لديانته. وإن كانت العلاقة بين الأعراق الثلاث في ماليزيا تسير في إطار جيد إلا أنها لا تخلو من بعض الاحتكاكات البسيطة التي تحدث من فترة إلى أخرى، والتي يعود سببها الرئيسي لاختلاف في الممارسات المتعلقة بالشريعة الإسلامية مثل ارتداء ملابس غير محتشمة، أو شرب الخمور علنًا، ومن آواخر هذه الاحتكاكات ما حدث العام الماضي بين المسلمين والمسيحيين عندما أصدار المسلمون فتوى تحظر على غير المسلمين في ماليزيا استخدام كلمة الله لأن هذا من شأنه إثارة البلبة لدى المسلمين محدودي المعرفة وجلبهم إلى المسيحية.

الصورة الثانية: تبرز في دول آسيا غير المسلمة، إذ يغلب عليها -مع بعض الاستثناءات- نموذج “بوتقة الاستيعاب” Melting Pool.
وهو ما يبدو من خلال رغبة النظم السياسية في هذه الدول في تجنب عناصر عدم الاستقرار التي تسببها بعض الأقليات داخلها وخاصة الأقليات المسلمة، خاصة عندما يتحول بعض أعضائها إلى الجانب التنظيمي بتكوين حركات وأحزاب إسلامية يغلب على بعضها عنصر التشدد والعنف، وتصل في مطالبتها إلى حد الرغبة في الانفصال لتكوين دولة إسلامية كما أشارت الدراسة.
حيث عادة ما تنشأ المشكلة في النظم هذه من عدم استعداد الأغلبية لقبول الأقلية، خاصة الأقلية ذات المطالب المهددة للنظام، مما يجعل النظام يتبع ضدها كافة وسائل إحكام السيطرة من خلال إجراءات وأن اتسم بعضها بالسلمية، إلا أن الكثير منها يكون تعسفيًا وقمعيًا سواء أكان ماديًا أو معنويًا، وهو سلاح ذو حدين فهو إما يجعلها تتوارى وتختار أسلوب التهدئة ولو إلى حين، أو أن يزيد عزمها على المضي قدمًا لتحقيق هدفها وإن استغرق هذا زمنًا أطول، وفي الحالتين يتوقف الأمر على قوة هذه الأقليات وخاصة حجم إمكانياتها المادية ومن يدعمها. ومن هنا تعد مشكلة الأقليات أحد المصادر المحتملة للنزاعات الأهلية والتوتر السياسي في عدد من الدول الآسيوية؛ حيث لوحظ بصفة عامة أن المناطق التي تشهد حروبًا أهلية وعدم استقرار تعد في معظمها مناطق تقطنها الأقليات ذات المطالب التي لا تتفق مع توجهات النظام.
وعليه وإذا نظر المرء والحال كذلك إلى حال الأقليات في هذه الدول وخاصة في عام 2010، لوجد استمرارية لأحوالهم في الأعوام السابقة؛ حيث ما يزال يعاني المسلمون في الهند من تضييق مستمر في أحوالهم وأوضاعهم الاقتصادية، وهناك زيادة بنسبة 100% في عدد الشكاوى المقدمة منهم إلى اللجنة الوطنية للشكاوى عن العام الماضي. ويتم منعهم من فتح حسابات مصرفية، ولا يسهل حصولهم على تسهيلات مصرفية، ولم يستطع حوالي 90.000 طالب مسلم في ولاية اندرابراديش، من فتح حسابات لإيداع شيكات المنح المقدمة لهم من الحكومة.
وتظهر حالات عدة من الاشتباكات بين الهندوس والمسلمين، هذا العام في ولايات أوتار براديش، وبيهار ومهاراشترا، وراجستان، وجوجارات؛ حيث تثور المناوشات بين الطرفين غالبًا لأوهى الأسباب، من ذلك ما حدث في مايو 2010 من أحداث عنف بين الطرفين في مدينة أحمد أباد بعد أن اتجه موكب زواج هندي لرفع صوت الأغاني والموسيقى الصاخبة أمام أحد المساجد.
وتضع التقارير الرسمية المسلمين أسفل السلم حتى أسفل الهندوس من الطبقة الدينا، ولازالت فرصهم ضئيلة في مجالي التعليم، والعمل الجيد. كما لا يزال يعاني المسلمون في ميانمار من اضطهاد الأغلبية، ولازالت تمارس عليهم الضغوط لاعتناق البوذية، وغير معترف بهم كمواطنين. ولازالت الأقلية المسلمة في إقليم سنكيانج تعاني من بعض الاشتباكات المستمرة مع الشرطة بسبب استمرار القيود المفروضة على حرياتهم وممارساتهم الدينية.
وفي الغالبية لا يزال المسلمون يعانون من سوء أوضاعهم الاقتصادية والسياسية، ويوجد تعنت ضدهم من جانب الشرطة من خلال مواجهات مستمرة من عام 2009 على أنصار حركة مورو المطالبين بمزيد من الحكم الذاتي في ميداناو.
كما يعاني المسلمون في المقاطعات الأكثر فقرًا من عدم كفاية جهود الحكومة في مجال التنمية الاقتصادية.
كما يعاني المسلمون في تايلاند من استمرارية فرض السلطات البوذية التايلاند مجموعة من القوانين الوضعية التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وعدم كفاية معاهد التعليم الإسلامي وقلة الكتب الإسلامية وعدم توفر المناهج الخاصة بالتعليم الإسلامي، وعدم تطوير ثقافة المدرسين، وسوء الأحوال الاقتصادية لأن حرفتهم الرئيسية هي الزراعة، مما يجعل تقلب الأحوال الجوية، وتقلب أسعار المنتجات عناصر تؤثر عليهم بالسلب إلى جانب فرض الحكومة لضرائب عالية عليهم.
كما يشكو المسلمون في دول آسيا الوسطى من استمرارية تعنت الدولة إزائهم واستمرارية إلغاء الأحزاب السياسية المعارضة، والأحكام والتشريعات التي تحظر قيامها، هذا مع استمرارية رفض الحكومة الروسية لقضية استقلال الشيشان.
وقد يكون من الأحداث التي قد تبشر بالأمل زيارة أكمل الدين إحسان الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الصين في 23 يونيو 2010 للاطلاع على أحوال الأقلية المسلمة بها؛ حيث أثمرت الزيارة عن عدد من النتائج الإيجابية منها بحث السبل الممكنة لتعزيز التشاور والتعاون بين الطرفين حول أوضاع هذه الأقلية، وتخصيص عدد من المشاريع التنموية لرفع أحوالها الاقتصادية مع التشديد على أهمية الحفاظ على طابعها الثقافي. كما اتفق الطرفان على تنظيم ندوة أكاديمية مشتركة بين المنظمة والصين.
ومما سبق يتبين أن المسلمين في دول آسيا الإسلامية وإن كانت حريتهم غير كاملة إلا أنهم أفضل حالاً في مجال وجود إطار نظامي ومؤسسي محدد يسهم في تشكيل هويتهم القومية والتمسك بقيمهم الإسلامية التي تتفاعل مع قيمهم الوطنية المحلية، وهو ما ينعكس على قدرتهم على مواجهة العولمة بأبعادها المختلفة خاصة بعدها الثقافي من خلال خط ثابت تسير عليه الدولة في المجالين النظري والتطبيقي. يتركز الجانب النظري في خطط التنمية التي يحتل فيها هدف الحفاظ على الثقافة موقفًا بارزًا على اعتبار أنها العنصر المحدد لسياسة الدولة في المجالين الداخلي والخارجي.
ويبدو الجانب التطبيقي في السياسات والتدابير التي تتخذها الدولة للحفاظ على ثوابتها الأساسية والتي يأتي الإسلام من ناحية، والقيم الآسيوية من ناحية أخرى في مقدمتها.
أما تأمل أحوال المسلمين في دول آسيا غير الإسلامية فهو الذي يثير الخطورة في مجال حفاظهم على تميزهم الحضاري وهويتهم الإسلامية، وهو ما ينعكس على مواجهتهم للآثار الثقافية وللعولمة؛ حيث يثور خوف على هويتهم خصوصًا وأنهم أقلية مما يجعلهم يدفعون بذلك ثمنًا أكبر من الأغلبية إذ سيكونون عرضة أكثر لمسخ وتشويه هويتهم الثقافية، ويصدق عليهم القول أنهم ما بين مطرقة النظم غير الإسلامية التي يعيشون في إطارها، وسندان العولمة التي تمارس آثارًا سلبية خاصة على الأقليات الضعيفة، وهو ما يجعل هوية هؤلاء في وضع سيء، وخاصة في إطار وجود مؤسسات فوق قومية أضحت تلعب دورًا متزايدًا في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية؛ حيث اتسع وتمدد نفوذها على حساب سيادة الدولة القومية ذاتها، وبالتالي على حساب الهوية الثقافية والانتماء الحضاري، وهي نواحي تتطلب من هذه الأقليات على نحو خاص التمسك بهويتها الحضارية، ويفرض على دول ومنظمات العمل الإسلامي أن تكثف الجهود للتواصل مع هذه الأقليات لمساعدتها بشتى الطرق، مع تفعيل الدعوة لدولهم لاحترام التنوع الثقافي والديني والحوار والتسامح بين الأديان لمواجهة خطر انخراط وذوبان هذه الأقلية المسلمة تدريجيًا في مجتمع الأكثرية غير المسلمة خاصة في ظل معطيات صعبة تعاينها هذه الأقلية المسلمة من طرد زعماء مسلمين خارج البلاد، ومحاولات للتنصير، وخلخلة الوجود، والتذويب، ومنع التعليم الديني والكتب الإسلامية، وحق العمل الجيد، والتمثيل السياسي، والتواصل مع الجهات الخارجية الإسلامية بدون إذن من دولهم، التي تسعى دوما لتشويه صورتهم بأنهم كسالى ومتخلفون ومخربون مع ترويج صورة غير حقيقية عن مساعيها لرفع شأنهم، وانتشار الفرق التي تروج معلومات غير صحيحة تحت ستار الإسلام مثل القاديانية والبهائية، يضاف إلى ذلك الفجوة اللغوية التي تتمثل في عدم معرفة الكثير منهم للغة العربية، الأمر الذي يشير إلى انقطاع جزء مهم عن التواصل بينهم وبين المسلمين العرب على نحو خاص.
فضلاً عن عدم استطاعتهم قراءة الكتب الموسوعية، وضعف المستوى العلمي لقادتهم؛ حيث يعد الجيل الثاني والثالث منهم مسلمًا بالاسم لا يعرف الكثير عن دينه الإسلامي، فكيف يمكن أن يدير هويته والهوية مفتقدة في ظل استيعاب ثقافي كامل من جانب الدولة، واتجاه عديد من الأقليات المسلمة إلى الحفاظ على وجودها المادي بانطوائها على نفسها وقطع صلاتها بمحاولات الخارج الإسلامي التواصل معها إيثارًا للسلامة.

*******

الهوامش

[1] www.wikipedia.org.
[2] محمد عبد العاطي، الأقليات المسلمة في العالم، في:
www.yel.org/vb.
[3] المصدر السابق
– محمد محود محمدين، دراسة إحصائية عن الأقليات الإسلامية في العالم، على: http://mostafamas.maktoobblog.com/1620327/%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A5%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%82%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%81/
[4] السانتري هم المسلمون الملتزمون، أما الابانجان فهم المسلمون الذين يعتقدون بعدد من معتقدات التاريخ الجاوي في فترة ما قبل الإسلام.
[5] انظر دساتير هذه الدولة في موسوعة دساتير العالم:
– www.jurypeolia.org
[6] د.ماجدة علي صالح، الإسلام والتنمية في باكستان، في: د.ماجدة علي صالح (محرر)، الإسلام والتنمية في آسيا (القاهرة: مركز الدراسات الآسيوية، 1999)، ص 135- 137.
[7] د.هدى ميتكيس، الإسلام والتنمية في أندونيسيا، في: د.ماجدة علي صالح (محرر)، مرجع سابق، ص 89.
[8] د.ماجدة علي صالح، الثقافة السياسية لماليزيا ودول جنوب شرق آسيا، في: د.هدى ميتكس، د.حسن بصري (محرران)، ماليزيا وجنوب شرق آسيا، (القاهرة: مركز الدراسات الآسيوية، 2009)، ص 153.
[9] د.ماجدة علي صالح، المتغير الثقافي في ماليزيا بين الخصوصية والعالمية، في: د.هدى ميتكس، د.حسن بصري، ماليزيا والعولمة، (القاهرة: مركز الدراسات الآسيوية، 2010)، ص 200- 215.
[10] انظر لتوضيح أهم جوانب هذه المبادرة:
– www.usem.bassy.malaysia.org.washingtonfile
[11] د.ماجدة صالح، الإسلام والتنمية في باكستان، مرجع سابق، ص 150، ص 157-158.
[12] Muslims in Asia, www.asianews.
[13] د.هدى ميتكس، الإسلام والتنمية في أندونيسيا، مرجع سابق، ص 88- 94
– Abdul Rahman Wahid, Islam politics and Democracy in Indonesia in the 1950 and 1990s, (Australia: Monash university Melbour, 1995).
[14] www.3i3i3.com.
[15] Religious Freedom Report, 2010.
[16] د.ماجدة علي صالح، الثقافة السياسية لماليزيا وجنوب شرق آسيا، مرجع سابق، ص 144- 162.
[17] Sanjoy Majumder, India State-run banks turn away Muslims, BBC News, www.bbc.uk/news.
[18] Religious Freedom Report, 2010, www.bbc.co.uk/news.
[19] خديجة الزغيمي، إسلاميو الهند بين الهوية العقدية والوطنية، www.islamonline.net
– وخديجة الزعيمي، التنظيمات الإسلامية وتفجيرات الهند علاقة غامضة، في: http//mdarik.islamonline.net
– وعن الحركة الطلابية الإسلامية انظر:
– Students Islamic Movement of India, www.satp.orgs
– www.jamestown.org.
[20] د.ماجدة علي صالح، الحركة الإسلامية في الفلبين، في: د.علا عبد العزيز، الحركات الإسلامية في آسيا، (القاهرة: مركز الدراسات الآسيوية، 1998)، ص 321- 322.
[21] المرجع السابق، ص 323- 326.
[22] Religious Freedom Report, 2010.
([23] د.ماجدة علي صالح، الحركة الإسلامية في الفلبين، مرجع سابق، ص 326- 330.
[24] المرجع السابق، ص 331- 347
– Religious Freedom Report, 2010
[25] د.ماجدة علي صالح، “الحركات الانفصالية في القارة الآسيوية”، (في) د.هدى ميتكس، العلاقات الآسيوية –الآسيوية، (القاهرة: مركز الدراسات الآسيوية، 2007)، ص 197- 198.
– ود.ماجدة صالح، “الحركات الانفصالية في الصين، السياسة الدولية، عدد 173 يوليو 2008، ص 116-118.
[26] د.ماجدة علي صالح، “الحركات الانفصالية في القارة الآسيوية”، مرجع سابق، ص 198- 199.
[27] أحمد أبو الحسن وآخرون، الأقليات المسلمة في العالم، ط1، (جدة: مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، 1412هـ- 1992م، ص 67- 68.
– Religious freedom Report, 2010.
[28] د.ماجدة علي صالح، “الحركات الانفصالية في دول آسيا الوسطى”، (في) د.هدى ميتكس، آسيا الوسطى والتنافس العالمي، (القاهرة: مركز الدراسات الآسيوية، 2008، ص 91- 92.
[29] المرجع السابق، ص 92- 104.
[30] المرجع السابق، ص 104-121.
[31] أحمد أبو الحسن، مرجع سابق، ص 101- 103.
[32] المرجع السابق، ص 78- 79.
[33] المرجع السابق، ص 90-92.
– Religious Freedom Report, 2010.
[34] د.ماجدة علي صالح، الدور المصري في جمهوريات آسيا الوسطى وأذربيجان، سلسلة أوراق آسيوية، العدد 10، (القاهرة: مركز الدراسات الآسيوية، أكتوبر 1996)،ص 19-22.
[35] أحمد أبو الحسن، مرجع سابق، ص 53 وما بعدها.
[36] www.muslimworld.org
[37] المصدر السابق.

*** نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2011***

للتحميل اضغط هنا 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى