المراجعات: طريق جديد للجماعات الإسلامية؟

مقدمة:

المبادرة، المراجعة، الترشيد، التبرئة، التعرية، التجلية،… مفاهيم لا يمكن لمتابع ملف “الإسلام السياسي” في مصر مؤخرًا أن يتجاهلها، فبينها من الروابط والعلاقات والتشابكات ما يستحق البحث والرصد والمتابعة. فقد بدأ بعضها في الشيوع منذ أكثر من عشر سنوات، عندما أعلنت الجماعة الإسلامية في مصر عما أسمته “مبادرة الجماعة الإسلامية”، وبعدها بعشر سنوات أعلن الشيخ سيد إمام مبادرته للمراجعة والتي أطلق عليها “وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم”؛ وهو الأمر الذي أثار العديد من ردود الفعل حوله؛ سواء من داخل جماعته أو من خارجها كما حدث مع مبادرة الجماعة. إلا أن الأمر مع وثيقة الترشيد اتجه لمنحى آخر لم يتوافر لمبادرة الجماعة، حيث صدرت ردود على الوثيقة من داخل تيارات الإسلام السياسي بل من أشهرها قاطبة اليوم؛ وهي “القاعدة”. فقد أصدر الدكتور أيمن الظواهري -الرجل الثاني في القاعدة- ردًّا على وثيقة الترشيد أطلق عليه “التبرئة: رسالة في تبرئة أمة القلم والسيف من منقصة تهمة الخور والضعف”، وهو ما استدعى الدكتور إمام للرد عليه بعنوان “تعرية التبرئة”، وهاجم فيه كلاًّ من أيمن الظواهري وأسامة بن لادن. وقد تبعه ردٌّ آخر من أحد الرموز الإسلامية وهو الدكتور هاني السباعي الذي نشر ردًّا على التعرية بعنوان “التجلية في الرد على التبرئة”.
ومن هنا نجد أن الحديث المدقق عن المراجعات[1] يستلزم تحديد معناها من الناحية النظرية، ومضمونها في حالتها التطبيقية لدى الجماعتين الإسلاميتين المصريتين. والأكثر قربًا من الدقة هو أن المراجعات التي قامت بها الجماعة الإسلامية وتشرع حاليًا جماعة الجهاد في الانتهاء منها ينصرف معناها إلى إعادة قراءة مزدوجة قامت بها الجماعة الأولى وتستكملها الثانية حاليًا. القراءة الأولى للأفكار التي كانت الجماعتان تتبنيانها في الماضي، والقراءة الثانية لهذا الماضي نفسه وما قامتا به فيه من أعمال وممارسات صارت اليوم جزءًا من التاريخ. وهذه الإعادة المزدوجة للقراءة التي استكملتها الجماعة الإسلامية، وتستكملها اليوم جماعة الجهاد، تضمنت بداخلها عمليتين سارتا بشكل متوازٍ ومتداخل، وكانت حصيلتهما هي ما صرنا نطلق عليه: “المراجعات”.
العملية الأولى هي النقد العميق والجذري لأفكار الماضي وممارساته، والثانية هي صياغة نسق فكري وأيديولوجي جديد منقطع الصلة بالقديم تبنته الجماعتان، وليكون هو المحدد لحركتهما في الحاضر والمستقبل. هذا المعنى المركب متعدد المستويات للمراجعات -التي تقوم بها الجماعتان الإسلاميتان الأكبر في تاريخ العنف الديني في مصر- هو الذي أعطى لتلك العملية أهميتها وتأثيراتها البالغة على مسارهما ومسار المجتمع المصري كله؛ وهو ما أدى إلى ذلك التغيير الجذري المشار إليه سابقًا في جوهر ومظهر المشهد المصري كله.
ذلك عن المعنى. أما المضمون فهو -في الحالتين- قيام كل من قيادات وأعضاء الجماعتين بتحويل الموقف المبدئي الذي اتخذتاه منذ عام 1997 بوقف اللجوء إلى العنف إلى موقف فكري يستند إلى أسس شرعية ونظرية، تتوج هذا القرار وتحوله من مجرد قرار حركي إلى نهج فكري وعملي، تتحول بموجبه الجماعتان من فئة من فئات الحركات الإسلامية إلى أخرى.
وتكتسب عملية المراجعات عديدًا من الدلالات[2]، كما ترتب عليها مجموعة من النتائج الإيجابية؛ سواء بالنسبة لمصر أو العالم العربي والإسلامي عمومًا. فبالنسبة لمصر يكتمل التوقف النهائي لظاهرة “العنف الديني المنظم” بإنهاء جماعة الجهاد مراجعاتها بعد اكتمال مراجعات الجماعة الإسلامية، وهو الأمر الذي جعل منها في السنوات التي تلت هجمات سبتمبر 2001 من أقل دول منطقتي الشرق الأوسط والخليج تعرضًا للموجة العالمية الجديدة من الإرهاب والعنف الديني. ومن المرجح أن يمتد هذا التأثير الإيجابي إلى المستقبل؛ حيث يبدو مستبعدًا عودة العنف الديني إلى مصر في المستقبل المنظور. فباكتمال هذه المراجعات تكون كل الجماعات والمجموعات المصرية التي مارست “العنف المنظم” خلال الأعوام الأربعين الأخيرة قد تحولت لتصبح ذات طابع سياسي اجتماعي سلمي.
أما عن الأفراد والمجموعات الصغيرة التي يمكن أن تتأثر وتنشأ عبر أفكار ونموذج تنظيم القاعدة وأمثاله من الجماعات السلفية الجهادية في العالم التي زاد انتشارها في الأعوام الخمسة الأخيرة، فإن إمكانية ظهورها في مصر ستقل كثيرًا على الأرجح بعد اكتمال مراجعات الجماعة والجهاد؛ سواء بفعل تأثير مضمون تلك المراجعات ونوعية القيادات والرموز التي تصوغها وتروج لها على الشباب المتدين، أو نتيجة للانتشار الواسع لأعضاء الجماعتين الجهاديتين السابقتين في المجتمع المصري؛ بما يجعل منهم -بعد تحولهم- بمثابة الطبقة الصلبة العازلة التي تحمي المجتمع وشبابه من اختراق الأفكار والنماذج الجهادية العنيفة القادمة من خارج البلاد.
من الأهمية بمكان أن نؤكد على أن الجدل الذي دار حول مراجعات الجماعة الإسلامية على مدار عشر سنوات عاد وتكرر مرة أخرى بمراجعات تنظيم الجهاد التي قدمها الشيخ سيد إمام الشريف. فاعتبرها البعض نتاج الضغوط الأمنية، وهو أمر غير دقيق؛ لأن من الصعب القول إن هذه المراجعات هي نتاج ميكانيكي للضغوط الأمنية، إنما هي بالتأكيد نتاج “للهزيمة الفكرية والسياسية” لتنظيمات العنف في مصر والعالم العربي، بعد فشل مشروعاتها للتغيير بالعنف، وانكسار شوكتها في المعركة القاسية التي دارت بينها وبين الدولة وأجهزتها الأمنية. وقد اعتبر البعض الآخر أن ما تقوم به الجماعات الجهادية، هو نوع من “التقية” نتيجة الفشل، وأنه حين تتاح لهم الفرصة لكي يعودوا للعنف سيعودون، وهي أيضا رؤية قاصرة في فهم طبيعة هذه الجماعات ودلالة الانكسار والفشل لتنظيمات كبرى مثل الجماعة الإسلامية والجهاد، التي لا يمكن أن تعود إلى العنف مرة أخرى بعد أن انتهى تقريبًا الرابط التنظيمي الذي جمعها في الثمانينيات، وبعد أن تيقن لها أن طريق العنف لم يكن -في أي مرحلة- ذا جدوى. وأخيرًا اعتبر البعض أن هذه المراجعات مجرد صفقة مع النظام القائم تقوم على مراجعة الجهاديين لأفكارهم في مقابل الإفراج عنهم، وربما توظيفهم سياسيًّا في مواجهة تيارات إسلامية أخرى وعلى رأسها الإخوان المسلمين، وهو أيضًا أمر غير دقيق؛ لأن ملف التيارات الإسلامية السلمية والعنيفة لازال ملفًا أمنيًّا، ولن يقيم النظام أي علاقة سياسية مع هذه الجماعات حتى لو وظف بعض عناصر الجماعة الإسلامية في تصريحات إعلامية هنا أو هناك، إلا أنه في كل الأحوال لن يدخلهم في لعبة السياسة حتى لو كان من أجل الإخوان الذين يواجهون عبر رجال الأمن وليس رجال السياسة[3].
بعد التعرف على بيئة المراجعات يمكننا استعراض خريطة المراجعات المصرية بدءًا من مراجعات الجماعة الإسلامية وصولًا إلى تجلية هاني السباعي، مرورًا بمراجعتيْ الدكتور سيد إمام ورد الدكتور أيمن الظواهري.

أولًا- مراجعات الجماعة الإسلامية:

يروي ناجح إبراهيم قصة مبادرة الجماعة،[4] بالقول بأن مبادرة الجماعة الإسلامية التي انطلقت في سنة 1997 كانت فكرة جاهزة من قبل؛ حيث طلبت الجماعة من الأستاذ الدكتور عبد الحليم مندور المحامي أن يعقد سنة 1996 مؤتمرًا صحفيًّا يعلن فيه دعوته للجماعة الإسلامية والدولة المصرية لوقف الاقتتال بينهما، فإذا ما أعلن ذلك أصدرت الجماعة بيانًا بالموافقة الفورية، دون قيد أو شرط على وقف القتال. ولكن لظروف كثيرة لم ينجح الدكتور مندور في عقد هذا المؤتمر. ويضيف ناجح إبراهيم أنه في يوم 3/7/1997 علم “مجلس شورى الجماعة الإسلامية” أن هناك محكمة عسكرية سوف تبدأ بعد يومين، وسيكون من بين المتهمين الأخ محمد أمين عبد العليم، في القضية التي كانت تحمل رقم (56) سنة 1997، فقام بعض من قيادات الجماعة بتحفيظه عن ظهر قلب بيان المبادرة الأول، حتى يلقيه على رجال الإعلام المتواجدين عادة في المحاكمات العسكرية.
وكان نص البيان: “تدعو قيادة الجماعة الإسلامية جميع أفرادها وقياداتها في داخل مصر وخارجها إلى وقف جميع العمليات العسكرية والبيانات المحرّضة عليها، ودون قيد أو شرط؛ وذلك لمصلحة الإسلام والمسلمين”. وقد وقع على هذا البيان الأول ستة من مجلس الشورى وهم: كرم زهدي، وعبود الزمر، وناجح إبراهيم، وحمدي عبد الرحمن، وأسامة حافظ، وعلي الشريف. وبعد يومين من إعلان هذا البيان أضيف عليها ملحق بأسماء أخرى؛ وهم: محمد عصام دربالة، وعاصم عبد الماجد، وطارق الزمر. وبعدها مباشرة صدر بيان من قادةٍ كبار في جماعة الجهاد داخل السجن يؤيدون مبادرة الجماعة الإسلامية؛ ومنهم: صلاح جاهين، وعباس شنن، ومحمد إمام أبو الحديد. وبعدها مباشرة صدر بيان من “تنظيم حزب الله” بالإسكندرية يؤيد المبادرة وكان على رأسهم الأخ سيد إبراهيم وآخرين. ثم بعدها بفترة قام الأخ أحمد يوسف -قائد تنظيم الجهاد ببني سويف- بتأييد مبادرة الجماعة الإسلامية وأصدر بيانا بذلك.
أما عن الجهات التي عارضت المبادرة بقوة، فتمثلت في ياسر السري مدير المرصد الإسلامي بلندن، وهاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات الإسلامية بلندن، وأبو حمزة المصري من لندن. وأما عن قيادات الجماعة الإسلامية في الخارج فقد وافق على المبادرة من بدايتها أسامة رشدي، ثم وافق عليها بعد ذلك مصطفى حمزة رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية خارج مصر وقائد الجناح العسكري بالخارج، وقد أصدر حمزة بيانًا في ذلك في مارس 1999، وكان هذا البيان يعني انحياز معظم قادة الخارج وكذلك الجناح العسكري بالخارج للتوجه السلمي الجديد. أما الجبهة التي رفضت المبادرة في البداية فكانت تتمثل في رفاعي أحمد طه، ولكنه غيَّر رأيه بعد أن قرأ كتب المبادرة، وبعد أن عرف ماهيتها من الذين أطلقوها مباشرة، وعرف أثرها على الدولة والجماعة الإسلامية وكذلك الحركات الإسلامية في القريب والبعيد.
وبموافقة مصطفى حمزة ومجلس الشورى خارج مصر -وعلى رأسهم عبد الآخر حماد ورفاعي طه وغيرهما- وكذلك الجناح العسكري بالخارج، ثم تأييد الجناح العسكري بالداخل والصف الثاني القيادي للجماعة والذي طاف السجون مع مجلس الشورى للجماعة، وكذلك كل أبناء الجماعة بالسجون وخارجها،.. بهذه الموافقات كلها تكون المبادرة قد استقرت على أرض صلبة.
أما عن ترويج المبادرة إعلاميًّا فقد لعب الأستاذ المحامي منتصر الزيات الدور الأكبر في ذلك، وأيضًا صحيفة الحياة وصحيفة الشرق الأوسط، وكذلك الصحفي مكرم محمد أحمد والأستاذ ضياء رشوان.
من الناحية الأخرى، شككت بعض الأصوات في مصداقية الجماعة الإسلامية نحو الدعوة السلمية وترك العنف ضد الدولة والمجتمع، وشكك البعض الآخر في مصداقية الدولة في التعامل الجاد مع المبادرة، ولكن هذه الشكوك كلها تحطمت على صخرة مصداقية الطرفين ورغبتهما القوية في إنجاح هذه التجربة.
وتحدث ناجح إبراهيم عن طبيعة المبادرة بالقول بأنها تغيير فقهي مهم وتجديد فقهي عظيم قام به قادة الجماعة الإسلامية. وأضاف بأن هذه المبادرة لم تكن إعمالًا لمبدأ التقية أو من قبيل الخدعة التكتيكية؛ لأن الجماعة الإسلامية تنطلق من الفكر السُّني؛ وهو فكر يخاصم فكرة “التقية” المعروفة في الفكر الشيعي، بالإضافة إلى الإعلان الدائم والمتكرر لأقطاب الجماعة بأن المبادرة تمثل رؤية إستراتيجية ولا ترتبط بحالة افتقاد القدرة أو انحسار العمليات القتالية بمصر. وأضاف: “إن المبادرة كانت –ولا تزال- قناعة شرعية ورؤية واقعية اقتنعنا بها تمامًا، ومثلت أساسًا جديدًا لمنهج جديد رسخناه من خلال ما أصدرناه من كتب تحمل الفكر الجديد”.
وقد صدر في إطار المبادرة عددٌ من الكتب فاق العشرين كتابًا؛ ومنها ما أصدر تحت عنوان “سلسلة تصحيح المفاهيم”: “مبادرة وقف العنف نظرة شرعية ورؤية واقعية”، “تسليط الأضواء على ما وقع في الجهاد من أخطاء”، “النصح والتبيين في تصحيح مفاهيم المحتسبين”، “حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين”. ثم تم إصدار ثلاثة كتب هي: “نهر الذكريات: المراجعات الفقهية للجماعة الإسلامية”، “تفجيرات الرياض: الأحكام والآثار”، “استراتيجية تفجيرات القاعدة: الأخطاء والأخطار”. ثم صدرت سلسلة “الإسلام وتحديات القرن الحادي والعشرين” وفيها: “تجديد الخطاب الديني.. أهميته ومضمونه”، “دعوة للتصالح مع المجتمع”، “فتوى التتار.. دراسة وتحليل”، “هداية الخلائق بين الغايات والوسائل”، “حتمية المواجهة وفقه النتائج”، “نظرات في حقيقة الاستعلاء بالإيمان”. ثم تبعها كتاب “الحاكمية: نظرة شرعية ورؤية واقعية”، ثم كتاب “تطبيق الأحكام من اختصاص الحكام”، ثم سلسلة كتب “الإسلام وتهذيب الحروب”، وكتاب “نصيحة واجبة لقادة القاعدة”.
وقد تناولت هذه الكتب كافة القضايا الشائكة المتعلقة بالحركة الإسلامية؛ سواء مسألة الجهاد في سبيل الله، أو مسائل التكفير، وقضية العلاقة بين الحركة الإسلامية والدولة التي تعيش في كنفها، وضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والموقف من حكام المسلمين في هذا العصر، وغيرها من القضايا.
وعن دوافع المبادرة أشار ناجح إبراهيم إلى عدد منها؛ وهي: أن هذا قتال بين أبناء دين واحد ووطن واحد، وهذه الدماء كانت تراق كل يوم بلا سند شرعي، بل إن الشريعة قد صانت هذه الدماء وحفظتها. كذلك من الدوافع أيضا الالتفات إلى رغبة إسرائيل في الهيمنة على المنطقة وإضعاف الدولة المصرية وتهميش دورها، وأيضًا الخطر الناشئ من محاولات بسط نفوذ الحضارة الغربية على حساب الهوية الإسلامية انطلاقًا من مقولات نهاية التاريخ وصدام الحضارات، وكانت العمليات القتالية بمصر تصب في خانة تقوية قيم الحضارة الغربية على حساب القيم الإسلامية، وكذلك الخطر الناشئ من بروز سياسة حصار واستئصال الظاهرة الإسلامية سواء أكانت دولة أو حركة أو أقلية، وذلك على مستوى استراتيجيات القوى الدولية المناهضة للإسلام، وغيرها الكثير.
وتحدث عن الأهمية الاستراتيجية للمبادرة؛ باعتبارها سابقة فريدة من نوعها في الحركة الإسلامية عامة وفي الحركات السياسية خاصة؛ وذلك للأسباب الآتية: التزام مبدأ المراجعة والنقد الذاتي، نبذ نظرية المؤامرة والتزام مبدأ القرآن في التغيير، انتشار فكرة المبادرة في البلاد العربية، صدور مبادرة جماعة الجهاد بعد عشر سنوات من المبادرة، كذلك تكررت تجربة المبادرة مع إخوة سيناء، بالإضافة إلى أن مبادرة الجماعة الإسلامية تعد أول سابقة في تاريخ الحركة الإسلامية؛ فلأول مرة في تاريخ الحركة الإسلامية يتم حل الجناح العسكري والتنظيم السري للجماعة الإسلامية، وأخيرًا: توضيح هدي الإسلام وسنة المسلمين في ديار غيرهم.
وعن نتائج المبادرة، أشار ناجح إبراهيم أن الواقع قد تغير كثيرًا بعد هذه المبادرة، فها هو الوطن يعيش حالة من الاستقرار الأمني، وها هو السلام والأمن يسود في ربوع مصر بعد سيادة حالة الاحتقان والتوجس. وعلى مستوى الحركة الإسلامية؛ فكان مما أسهمت فيه المبادرة بشكل فعال هو إعادة النظر في علاقة التيارات الإسلامية المختلفة بعضها ببعض، وإيجاد نوع من التفاهم والتعاون والاحترام. وعلى مستوى الجماعة الإسلامية؛ فقد تطورت الجماعة إلى الأفضل.
وعن مستقبل الجماعة الإسلامية، أشار ناجح إبراهيم إلى ضرورة الاستفادة من طاقات الشباب المسلم، وأن يتم ترك الجماعة تقوم بدور تربوي وإيماني وأخلاقي واجتماعي، بعيدًا عن الصراع على السلطة الذي يجب تركه للدولة فقط.

ثانيًا- وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم:

وهي المراجعة الأولى للدكتور سيد إمام الشريف، والتي تم نشرها في الصحف (صحيفة المصري اليوم، وفي صحيفة الجريدة الكويتية)، وتحدث في الحلقة الأولى[5] منها؛ عن أن الإعراض عن شريعة الله هو أصل خراب الدنيا والآخرة، كما أن تحكيم شريعته سبحانه يجمع للمسلمين خيريْ الدنيا والآخرة. إلا أنه انتقد لجوء بعض الجماعات الإسلامية إلى الصدام مع السلطات الحاكمة في بلادها، أو مع الدول العظمى ورعاياها باسم “الجهاد في سبيل الله تعالى” ومن أجل رفعة شأن الإسلام؛ فقد خالطت هذه الصدامات كثيرٌ من المخالفات الشرعية مثل: القتل على الجنسية، والقتل بسبب لون البشرة أو الشعر، والقتل على المذهب، وقتل من لا يجوز قتله من المسلمين ومن غير المسلمين، والإسراف في الاحتجاج بمسألة “التترس” لتوسيع دائرة القتل، واستحلال أموال المعصومين وتخريب الممتلكات. وأكد أن هدف الوثيقة هو إعلان الموقِّعين عليها عن عدم رضاهم عن هذه المخالفات الشرعية، وما أدت إليه من مفاسد، فإنهم يذكرون أنفسهم وعموم المسلمين ببعض الضوابط الشرعية المتصلة بفقه الجهاد، ويعلنون التزامهم بهذه الضوابط الواردة بهذه الوثيقة، ويدعون غيرهم من المسلمين -وبصفة خاصة الأجيال الناشئة من شباب الإسلام- إلى الالتزام بها، وألا يقعوا فيما وقع فيه مَن سبقهم من مخالفات شرعية عن جهل بالدين أو عن تعمد؛ فلا هم أقاموا الدين ولا أبقوا على الدنيا، خاصة أن الجهاد فريضة ماضية في أمة المسلمين منذ أن شرعه الله تعالى وإلى أن يقاتل آخرهم الدجال مع السيد المسيح في آخر الزمان كما أخبرنا بذلك نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي وصف الجهاد بأنه (ذروة سنام الإسلام)؛ إذ به يحفظ الله على المسلمين دينهم ودنياهم، وبه عزتهم وكرامتهم في الدنيا والآخرة، ومن هنا لزم ترشيد فهم فريضة الجهاد.
وتضمنت الحلقة الثانية[6] الإشارة إلى أن التكليف منوط بالعقل والعلم والقدرة؛ فلا تكليف على زائل العقل للحديث (رفع القلم عن ثلاث)، ولا تكليف قبل العلم وبلوغ الخطاب لقوله تعالى: «… وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا»- (الآية 15 من سورة الإسراء). وأضاف بأنه يترتب على وجوب طلب العلم في مقام الجهاد -الذي هو موضوع هذه الوثيقة- أمور منها:
· أنه لا يجوز لغير المؤهلين شرعيًّا من أفراد الجماعات الجهادية تنزيل ما في بطون كتب السلف من أحكام مطلقة على واقعنا الحاضر.
· ومثل كتب العلم ما ينشر في شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت): لا يجوز قبول كل ما ينشر فيها من دون تدبر ومن دون دراية بالأهلية الشرعية للناشر فيها وبعدالته، وخصوصًا ما ينشر فيها من تحريض للمسلمين على الصدام مع غيرهم.
· ولا يجوز لغير المؤهَّل أن يقود مثله في عدم الأهلية لخوض صدامات باسم الجهاد، فإن الاحتياط في أمور الدماء والأموال في غاية الوجوب.
· لا يُقبل قول أو فتوى من أحد خاصة في هذه المسائل الحرجة كالدماء والأموال إلا بحجة. والحجة هي الدليل الشرعي من كتاب الله –تعالى- أو سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) ثم الإجماع المعتبر والقياس الصحيح. أما أقوال العلماء وفتاواهم فليست حجة في دين الله، وليست من أدلة الأحكام الشرعية المذكورة في كتب أصول الفقه. وليس أحد معصومًا في هذه الأمة بعد النبي ولا حتى الصحابة، أما من جاء بعد الصحابة ومنهم فقهاء المذاهب الأربعة، فكما قال ابن تيمية رحمه الله: وأما أقوال بعض الأئمة كالفقهاء الأربعة وغيرهم فليس حجة لازمة ولا إجماعًا باتفاق المسلمين، بل قد ثبت عنهم -رضي الله عنهم- أنهم نهوا الناس عن تقليدهم، وأمروا إذا رأوا قولًا في الكتاب والسُّنة أقوى من قولهم أن يأخذوا بما دلّ عليه الكتاب والسُّنة ويدَعوا أقوالهم.
· التحذير من “فقه التبرير”، وقد كثر في هذا الزمان أن يستحسن إنسان أمرًا ما أو يرتكب حماقة ثم يبحث لها بعد ذلك عن دليل من كتاب أو سُنّة يبرر به حماقته ويدفع به اللوم عن نفسه، وهذا موجود في الأفراد والجماعات.

وفي الرد على رفض البعض لما في هذه الوثيقة بدعوى أنه «لا ولاية لأسير»، فصل الدكتور إمام في الردّ على ذلك بقوله: أولًا- إنني لم أدّعِ الولاية على أحد، ولا أُلزم أحدًا بقولي باسم السمع والطاعة للقيادة، فهذا شيء لا وجود له، وإنما أنا مجرد ناصح وناقل علم وأطالب المسلمين بطاعة الدليل الشرعي لا بطاعتي. ثانيًّا- إن القول بأن إقرار المكره أو المضطهد -ومنه الأسير- لا أثر له، إنما هذا في الأمور التي لا تثبت إلا بإقراره. ثالثًا- أنه ليس صحيحًا أن كل ما يخرج من السجن فهو باطل، بل يجب النظر في دليل الكلام قبل النظر في مكانه.
وفي الحلقة الثالثة[7] تحدث عن “القدرة”: وأما القدرة (أي الاستطاعة) فهي مناط التكليف بواجبات الشريعة بعد العقل والعلم، فالعاقل العالم بالحكم الشرعي لا يجب عليه إلا إذا كان مستطيعًا قادرًا عليه، وكذلك المستضعف والعاجز لا يجب عليهما الجهاد، ولم يفرضه الله على المسلمين وهم مستضعفون بمكة قبل الهجرة، وإنما فرضه بعدما تهيأت لهم أسباب الجهاد بوجود دار الهجرة والنصرة في المدينة. وهذا الحكم غير منسوخ وإنما هو من الخيارات أمام المستضعفين. ودليل بقاء هذا الحكم (وهو سقوط وجوب الجهاد عن المستضعف والعاجز) أنه -وبعد تشريع الجهاد بعد الهجرة- لم يأمر به النبي (صلى الله عليه وسلم) من بقي بمكة من المستضعفين عاجزًا عن الهجرة، ولم يوجبه الله عليهم بل عذرهم.
وبالنظر إلى الواقع، فإن أحوال الجماعات الإسلامية الساعية إلى تطبيق الشريعة والنهي عن المنكر في معظم بلدان المسلمين، أحوالها تتراوح بين العجز والاستضعاف، والسوابق والتجارب المريرة التي خاضتها هذه الجماعات خير شاهد على ذلك. وأضاف بأنه يرى عدم جواز الصدام مع السلطات: “كما نرى عدم جواز الصدام مع السلطات الحاكمة في بلدان المسلمين من أجل تطبيق الشريعة باسم الجهاد. فالتغيير باليد والصدام كلاهما ليسا من الخيارات الشرعية الميسورة فلا تجب، وإنما تجب الدعوة بالحسنى، فإن عجز عنها المسلم ففي الصبر خيار وأجر”. كما أن فاقد النفقة لا يجب عليه الجهاد وإن كان فرض عين، وبهذا تعلم أن من استولى على مال حرام ليؤدي طاعة، أن استيلاءه حرام، وأن طاعته فاسـدة غـير مقبولة عند الله.
وفي الحلقة الرابعة[8]، تحدث عن أن من شروط وجوب الجهاد؛ إذن الوالدين، وإذن الدائن بذلك، كما أكد أن المحافظة على ذات المسلمين وقوتهم من مقاصد الشريعة، ورأى جواز كتمان الإيمان.
وفي الحلقة الخامسة[9]، تحدث عن “النهي عن الخروج على الحكام في بلاد المسلمين، وأشار إلى أنه وقعت في صدر الإسلام حوادث خروج على السلطان بسبب المظالم، وقد نجم عن الخروج مفاسد كثيرة، والذين خرجوا كأهل المدينة في الحرة (61هـ) والحسين بن علي رضي الله عنهما (64هـ) وابن الأشعث (81هـ) وغيرهم، أخذوا بعموم أحاديث تغيير المنكر باليد، كحديث أبي سعيد مرفوعًا «من رأى منكم منكرًا فليغيره…» وحديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: «فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن…»، وهذا خطأ؛ لأنه إذا جاز تغيير المنكر باليد عند القدرة بين الرعية، فإنه لا يجوز مع السلطان؛ للنهي الخاص الوارد في ذلك؛ وهو مقدم على الأمر العام الوارد في الأحاديث السابقة. ومن النهي الخاص الوارد في المنع من الخروج على السلطان قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرًا مات ميتة جاهلية» متفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما. ولم يرخص النبي (صلى الله عليه وسلم) في الخروج إلا إذا كفر السلطان لحديث عبادة بن الصامت مرفوعًا، وفيه: «وأن لا ننازع الأمر أهله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان» متفق عليه.
وقد تكررت حوادث الخروج على الحكام في بلاد المسلمين خلال العقود الماضية باسم الجهاد في سبيل الله من أجل تحكيم شريعة الإسلام في تلك البلاد، وقد أدت هذه الحوادث إلى مفاسد عظيمة على مستوى الجماعات الإسلامية وعلى مستوى البلاد التي وقعت بها هذه الأحداث، والقاعدة الفقهية أن: «الضرر لا يُزال بمثله» ومن باب أولى: «لا يُزال بأشد منه». والجهاد ليس هو الخيار الشرعي الوحيد لمواجهة الواقع غير الشرعي، وإنما هناك خيارات أخرى كالدعوة والهجرة والعزلة والعفو والصفح والإعراض والصبر على الأذى وكتمان الإيمان.
وأكد أن للجهاد مقدماتٍ ومقوماتٍ؛ وسواء كان ترك الحكم بالشريعة كفرًا أو كفرًا دون كفر أو معصية،.. فإننا لا نرى أن الصدام مع السلطات الحاكمة في بلاد المسلمين باسم الجهاد هو الخيار المناسب للسعي لتطبيق الشريعة. وبعض الذين حاولوا الالتفاف على نقص المقومات في عصرنا الحاضر وقعوا في محظورات شرعية، منها:
· قتل معصومين بدعوى التترس في غير موضعه.
· استحلال أموال لا تحل بالسطو والخطف بدعوى تمويل الجهاد.
· الغدر ونقض العهد ممن دخل بلاد الكفار بإذنهم فخانهم.
· العجز عن تأمين ذراري المسلمين وقت الصدام بما يعرضهم للتلف والفتن.
· تلقي أموال والاستعانة بأنظمة حكم في دول أخرى ليست بأفضل من بلدانهم لقتال أهل بلدهم؛ بما أوقعهم في فخ “العمالة” و”حروب الوكالة”.
· اضطرار البعض إلى عمل لجوء سياسي لدى الدول الأجنبية (بلاد الكفار الأصليين)؛ فيكون بذلك قد دخل تحت حكم الكفار وقوانينهم باختياره، في حين أن القوانين المخالفة للشريعة تجري عليه في بلده بغير اختياره.

وفي الحلقة السادسة[10] أكد أنه لا يجوز قتل السياح، وذكر عددًا من الموانع الشرعية لذلك؛ منها: أنهم قد يكون فيهم مسلمون.. وقتل المسلم عمدًا بغير حق من كبائر الذنوب ومن السبع الموبقات، وأن هؤلاء الأجانب قد يقدمون إلى بلاد المسلمين بدعوة أو بعقد عمل من مسلم صاحب عمل أو صاحب شركة سياحة.. وهذا أمان شرعي صحيح لا شك فيه، وأنه لو فرض أن الأجانب ببلادنا كفار لا عهد لهم، فإن معظمهم ممن لا يجوز للمسلم أن يتعمد قتلهم حتى حين التحام القتال مع الكفار إذا كانوا في معسكر الكفار، فكيف يحل تعمد قتلهم ابتداءً وهم منفردون، وأنه إذا كانت للمسلم خصومة مع حكومة بلده أو مع حكومة بلد الأجانب وهو عاجز عن النيل من خصمه فلماذا يدفع هؤلاء الثمن ومعظمهم ممن لا يجوز للمسلم أن يتعمد قتلهم ابتداءً وإن تيقن كفرهم، أن هؤلاء الأجانب والسياح في جملتهم ما جاءوا بلاد المسلمين لحرب أو لقتال، فتجري عليهم المعاملة بالحسنى.
وأكد أنه لا يجوز التعرض بالأذى من قتل أو نهب أو غيره للأجانب والسياح القادمين والمقيمين في بلاد المسلمين، ودعا جميع المسلمين إلى الالتزام بهذا الحكم الشرعي وعدم مخالفته، وأضاف أنه لا يجوز بحال استحلال قتل إنسان لمجرد انتسابه إلى بلد من البلدان (أي القتل على الجنسية)، فهذه بدعة لا سابقة لها في سلف الأمة، وليس انتساب إنسان إلى بلد ما دليلًا على إسلامه أو كفره، وإنما المراد من الانتساب إلى البلدان ونحوها مجرد التعريف. وكذلك أيضًا لا يجوز بحال الحكم بإسلام إنسان أو كفره أو استحلال قتله بناءً على لون بشرته أو شعره أو لأنه يتكلم لغة أجنبية أو لأنه يلبس ثيابًا إفرنجية، ليس شيء من هذا دليل كفر أو إسلام.
وفي الحلقة السابعة[11] نهى عن الغدر بالأجانب؛ وذلك لعدة أسباب منها: انتشار المسلمين في معظم بلدان العالم في هذا الزمان يجعل من المحتمل إصابة مسلمين بما يعم إتلافه كالتفجيرات، وقتل المسلم كبيرة من الموبقات، وأن من دخل بلاد الكفار بأمانهم لا يحل له أن يخونهم في شيء.. والتأشيرة اليوم هي إذن دخول، وهي بلا شك عقد أمان منهم لمن أذنوا له بدخول بلادهم.
وفي الحلقة الثامنة[12] وجه رسالة للمسلمين المقيمين بالبلاد الأجنبية والذين يُقدم بعضهم على إلحاق الأذى بهذه البلاد وبأهلها؛ بقوله إنه ليس من المروءة أن تنزل بقومٍ -ولو كانوا كافرين غير معاهدين- يأذنون لك في دخول دارهم والإقامة بها، ويؤمنونك على نفسك ومالك ويمنحونك فرصة العمل أو التعليم لديهم، أو يمنحونك حق اللجوء السياسي مع الحياة الكريمة لديهم، ونحو ذلك من أعمال المعروف، ثم تغدر بهم تقتيلًا وتخريبًا! فأقول للمقيمين بالبلاد الأجنبية ولجميع المسلمين: احذروا هؤلاء الجهَّال، واحترسوا من أبطال الإنترنت وزعماء الميكروفونات الذين أدمنوا إصدار البيانات، والذين يُلقون بكم إلى المحرقة ثم يهربون حتى عن نسائهم وعيالهم، فقد ألقوا من قبلكم بالكثيرين إلى المحارق والقبور والسجون، وبأموال أجهزة مخابرات.
وفي الحلقة التاسعة[13] أكد على أن هناك ضوابطَ للتكفير يجب الالتزام بها؛ ومنها: النظر في فعل المكلف (النظر في النص القاضي بكفر من فعل هذا الفعل: هل النص صريح في الكفر الأكبر أم محتمل؟)، النظر في حال المكلَّف، النظر في الاستتابة، النظر في القدرة على معاقبته: وهذه لا تكون إلا مع التمكين، النظر في المصلحة والمفسدة المترتبة على معاقبته بعد تحقق القدرة على ذلك.
وفي الحلقة العاشرة[14]، تحدث عن معاملة أهل الكتاب المقيمين في بلاد المسلمين (مثل النصارى في مصر): ليسوا أهل ذمة، كان هذا قديمًا وقت الحكم بالشريعة، ومع نشوء “الدولة المدنية” بتحكيم القوانين البشرية في النصف الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، سقطت عن “أهل الكتاب” بمصر ونحوها من البلدان هذه الصفة. والدستور (وهو أبو القوانين) في هذه البلاد لا ينص على مصطلح (أهل الذمة) وإنما ينص على مبدأ (المواطنة) فهم بالنسبة للمسلمين (أهل كتاب غير معاهدين). “ومع ذلك، فنحن نرى وجوب معاملتهم بالحسنى وعدم التعرض لهم بأذى، وننصح جميع المسلمين بذلك؛ لأسباب منها: أنهم ليسوا هم الذين أسقطوا عن أنفسهم عقد الذمة، وإنما ترتب ذلك على تحكيم القوانين الحديثة التي تجري على الجميع مسلمين وغير مسلمين، أن الغالب عليهم معاملتهم للمسلمين بالحسنى، فيجب معاملتهم كذلك، أنهم جيران المسلمين في السكن والعمل والدراسة، والإحسان إلى الجار (من مسلم وغير مسلم) واجب شرعًا وليس مجرد استحباب.
وتحدث عن “قتل كل اليهود والنصارى” -في إشارة إلى اسم تنظيم القاعدة- فقال: واعلم -أيها المسلم- أنه لا يوجد شيء في الشريعة اسمه قتل كل اليهود والنصارى الذين يسميهم البعض بالصليبيين. ولو كان هذا صحيحًا ما بقى على وجه الأرض الآن من اليهود والنصارى إلا القليل، وما بقى منهم أحد في بلاد المسلمين، فقد عاش هؤلاء رعايا لهم حقوقهم في ديار الإسلام قديمًا. ويجوز للمسلم أن يعاملهم بالمعاملات التجارية وغير التجارية المختلفة، وأن ينكح نساءهم.
وفي الحلقة الحادية عشر[15]، تحدث عن شروط جهاد المنفرد ومنها: أن من له إمام أو أمير لا يجوز أن يفعل شيئًا من ذلك إلا بإذنه، أن لا يعود قتال المنفرد بضرر على الدين وأهله، أن لا يكون قتاله غدرًا ولا ينقض بقتاله عهدًا بينه وبين من يقاتلهم، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «إنا لا يصلح في ديننا الغدر» متفق عليه من حديث الحديبية، وقد سبق ذلك.
وفي الحلقة الثانية عشر[16]، وجه رسالة لأتباع الجماعات الإسلامية ولعموم المسلمين: “تعلَّم دينك، وما تعلمته من دينك اعمل بما تستطيعه منه. لا تفعل ما لا يحل لك لتؤدي ما لا يجب عليك، اعلم أن الحكم الشرعي لا يترتب على السبب وحده، لا تكتفِ برأيك في أمورك، لا تسلم عقلك لغيرك بدعوى السمع والطاعة، واحذر -أيها المسلم- من الجهلاء الجبناء الذي يُشعلون الحرائق في كل مكان، ثم يهربون ويتركون غيرهم من آلاف البشر يحترقون بها”. واستكملها في الحلقة الثالثة عشر[17]، بأنّ طلب ما يجب من الرزق أفضل من الاشتغال بنوافل العلم والعبادة، لا تستهِن بالذنوب والمعاصي، الجنة ليس لها ثمن إلا الصبر، الرجوع إلى الحق واجب وخير من التمادي في الباطل، كل من سعى في حق ولـم يدركه أو لـم ينتفع به أو أضير بسببه في دنياه تمّ له أجره عند الله تعالى، حسن الخلق واجب مع جميع الناس مسلمهم وكافرهم. واستكملها في الحلقة الرابعة عشر[18]: جواز الأخذ بالأيسر وبالرخصة الشرعية لرفع الحرج ودفع المشقة، محاسبة النفس والتناهي عن المنكر داخل الجماعات الإسلامية، السعي في فك أسرى المسلمين واجب.
ووجه في الحلقة الرابعة عشر أيضًا نصيحة لولاة الأمور في بلاد المسلمين: تحكيم الشريعة الإسلامية، تقليل المفاسد الظاهرة فيه خير للبلاد والعباد، تشجيع دعاة الإسلام وتيسير عملهم فيه خير كبير للبلاد والعباد، تقوية مناهج تدريس الدين الإسلامي، التخلص من البطالة، تولية الأكفاء الأمناء للمناصب أساس كل خير وصلاح وإصلاح، الوحدة العربية ضرب من الأوهام!
وفي الحلقة الخامسة عشر[19] تحدث عن البشارة بانتصار الإسلام وظهوره وبقائه وبقاء أهله إلى آخر الزمان. ووجه رسالة للدول غير الإسلامية؛ بعدم العدوان على المسلمين وعدم ترويعهم في بلادهم، وعدم قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، وعدم تخريب بلاد المسلمين وممتلكاتهم؛ لأن بعض المسلمين يعتقد أن الرد بالمثل جائز في هذه الحال.
وعن الجهاد في فلسطين أكد أنه لولا الجهاد في فلسطين لزحف اليهود منذ زمن على الدول المجاورة، ولولا الجهاد في العراق لزحفت أميركا على سوريا منذ زمن ولاستعبدت شعوب المنطقة، فلا يحل لمسلم أن يطعن في فرائض الشريعة كالجهاد وإرهاب الأعداء؛ إذ بذلك يحفظ الله على المسلمين دينهم ودنياهم، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خطبة توليه الخلافة: «ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا».

حوار مكمل لمنظِّر الجهاد:
وقد نشر للدكتور سيد إمام حوارًا في جريدة الحياة اللندنية عقب نشر الوثيقة، جاء في ست حلقات، ونشر في الفترة من 8 – 13/12/2007. وتحدث فيها عن العديد من الموضوعات؛ حيث أشار[20] إلى علاقته بأيمن الظواهري، ووصفه بـ”المراوغ”، وأكد أنه يعرف الظواهري مؤكدًا أنه “ظاهرة صوتية”: “أعرف الظواهري منذ العام 1968، وهو ظاهرة صوتية، وسبق أن قلت إنه لا يتبع «القاعدة» إلا أحد رجلين: جاهل بدينه، أو منتفع بدنياه”. وأكد أنه “عميل للمخابرات السودانية”: “علمت بقيامهم بعمليات في مصر، وذلك أواخر 1993، فقلت لأيمن الظواهري: اتقِ الله في الإخوة ولا تعرضهم لمخاطر لا تجب عليهم، فقال لي الظواهري: «إنه ملتزم أمام السودانيين بتنفيذ عشر عمليات في مصر، وإنه تسلّم من السودانيين مائة ألف دولار تحت حساب هذه العمليات». وكان مسئول الاستخبارات السوداني الذي يتعامل مع الظواهري اسمه الدكتور نافع علي نافع، وهناك وسيط سوداني بينهما اسمه محمد عبد العزيز، والمشرف العام على هذا كله كان نائب الرئيس السوداني، وهو الرجل الثاني في جبهة حسن الترابي واسمه علي عثمان محمد طه. وباختصار حوّل الظواهري «جماعة الجهاد» إلى مرتزقة وعملاء وباعهم للاستخبارات السودانية التي وجدت فيهم صيدًا سهلًا رخيصًا لإزعاج السلطات بمصر. ثم أخذ الظواهري في إرسال الإخوة لمصر، وكان الأمن المصري قد اخترقهم بعد حادث عاطف صدقي، فلم يصل أحد من الإخوة إلى هدفه في مصر وسقطوا بين قتيل وجريح”[21]. وهاجم الدكتور إمام المعارضين للوثيقة: “وأقول لمن يدافع عن قادة القاعدة: أصحابك هؤلاء كابن لادن والظواهري وأتباعهما من الخائنين الغادرين، وقد نهاك الله سبحانه عن المخاصمة نيابة عنهم، فقال تعالى: «وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا» (النساء 105).
وعن شكل الجهاد المطلوب، أكد صاحب الوثيقة أنه “أجمع العلماء على أنه إذا نزل العدو ببلد المسلمين صار جهاده فرض عين عليهم، فإن عجزوا عنه انتقل الوجوب إلى ما جاورهم من بلاد المسلمين، وهذا كله عند القدرة على الجهاد. أما إذا تحقق العجز وجبت الهجرة من هذا البلد، وهكذا فعل عز الدين بن عبد السلام لما نزل التتار بالشام بعد استيلائهم على بغداد (656 هـ، 1258م). ومن عجز عن الجهاد والهجرة يبقى في بلده مهادنًا للعدو بما لا يوقعه في الإثم أو في إيذاء غيره من المسلمين. والحكم باختصار في هذه الحال هو جاهد أو هاجر أو هادن”[22].
وفي سؤال عن مدى مشروعية الهجمات ضد المدنيين المنتمين للدول المحتلة في هذه الدول بحجة الجهاد أو تحت رايته، أكد إمام أن من دخل بلاد العدو بأمانهم (ومنه التأشيرة ولو كانت مزورة) لا يجوز له أن يغدر بهم، ولا أن يخونهم في دمائهم ولا في أموالهم، ولا يجوز له قتل لا المدنيين ولا العسكريين، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء.

ثالثًا- وثيقة التبرئة لأيمن الظواهري:

نشير إلى مقدمة الكتاب، والتي يحدد فيها الظواهري لماذا رد على وثيقة الترشيد، بقوله: “خرجت إلى العلن ما سُميت (بوثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم)، وصاحبَها الإعلام بضجة واهتمام. ولما تأملتها وجدتها -وللأسف كما توقعت- تخدم مصالح التحالف الصليبي اليهودي مع حكامنا الخارجين على الشريعة أيَّما خدمة؛ فهي محاولة لتخدير أعدائهم المجاهدين، وتشكيكهم في منهجهم، وإخراجهم من ميدان المواجهة بحجة العجز والضعف، وبحجة عدم توفر مقومات الجهاد، وبحجة اليأس من إمكان الحركات الإسلامية أن تحدث أي تغيير في مصر”.
ثم انتقل الظواهري لوثيقة الترشيد المشار إليها، فطرح ثلاثة أسئلة: لماذا خرجت الآن هذه الوثيقة؟ ولصالح من نشرت ووزعت هذه الوثيقة؟ وكيف كُتبت هذه الوثيقة؟
ويذهب الظواهري يجيب عن السؤال الأول، فيرى أن هذه الوثيقة خرجت الآن “في محاولة يائسة أو -على أكثر التقديرات تفاؤلًا- شبه يائسة للتصدي للموجة العاتية من الصحوة الجهادية التي تهز كيان العالم الإسلامي هزًّا بفضل الله، وتنذر أعداءه الصليبيين واليهود بما يكرهون وما يحذرون. وواضح أن الهدف من الرسالة هو كف جهاد المسلمين ومقاومتهم للصليبيين واليهود وأجهزة الحكم العميلة في بلادنا، سواء باليد أو اللسان أو حتى الاحتجاج السلمي كالتظاهر والإضراب والاعتصام والمؤتمرات والاجتماعات. أي أن الرسالة تحرص -بلغة وزارة الداخلية- على عدم تعكير صفو الأمن”. وتخرج هذه الوثيقة الآن –برأي الظواهري- “في وقت قررت أمريكا فيه -نظرًا للضربات التي تترنح تحت وطأتها- أن تنصرف عن خطها السابق بالسماح الجزئي ببعض من الحرية لتيار المعارضة عبر الانتخابات، فواجهته بالمنع والتقييد كما حدث في انتخابات مجلس الشورى في مصر والمغرب والأردن، وكما حدث مع حكومة حماس من حصار، ومن اعتبارهم إياها حكومة غير شرعية، وكما حدث في مؤتمر أنابولس، وما يتوقع منه من خيانات وعدوان. وفي وقت قررت فيه أمريكا عيانًا بيانًا تمويل الخونة في مجالس الصحوة الصريحة في عمالتها. في هذا الوقت تظهر هذه المراجعات؛ لتشجع بها أمريكا تيارًا أكثر تماوتًا وانهزامًا من تيار المعارضة عبر الانتخابات”.
أما لصالح من نشرت ووزعت هذه الوثيقة، فيقول الرجل الثاني في القاعدة: “فالمستفيدة الأولى من هذه التراجعات هي أمريكا. فالمجاهدون يدعون الأمة للقيام والنهوض والتصدي والجهاد والاستشهاد، والمتراجعون يدعونها للتخاذل والاستسلام، فيفتحون الباب واسعًا أمام استشراء المخطط الصهيوني الأمريكي. والمجاهدون هم الذين أفشلوا المخطط الأمريكي في المنطقة، وهم أيضًا من تنتقدهم تلك التراجعات. وأمريكا تعرف خطورة التيار الجهادي والقاعدة عليها وعلى مستقبلها ومكانتها في العالم، فالقاعدة لا تطالب فقط بطرد المحتلين الصليبيين واليهود من بلاد المسلمين، بل تطالب أيضًا بأن يباع البترول بسعره الحقيقي، بكل ما تمثل هذه الدعوة من آثار مدمرة على السيطرة الأمريكية على العالم، التي انبنت بدرجة كبيرة على سرقتها لثروات المسلمين. وكل جريمة القاعدة والمجاهدين؛ أنهم تصدوا للأمريكان واليهود وعملائهم؛ ولذلك أخرجت لهم آلة الدعاية الأمريكية أمثال هذه الوثائق؛ لتتناسى وتتغافل عن المجرمين الحقيقيين: الأمريكان وأعوانهم، الذين يسوقون الأمة من كارثة لأختها منذ نكبة عام 1948 حتى مؤتمر أنابولس، ولتصيح تلك الوثيقة وأخواتها في وجه المجاهدين: “أنتم سبب البلاء ودعاة الخراب وجالبو المصائب”!! نعم. هم سبب خراب مصالح أهل الانتفاع والاستكانة والرضا بفتات الدنيا في ظل الطواغيت، يثمرون مصالحهم، ويربون أبناءهم، ويزيدون من أموالهم، وأعداء الأمة ينهشون فيها نهشًا. نعم هم سبب خراب أولئك، ولكنهم المدافعون الحقيقيون عن عقيدة الأمة ومكانتها وأرضها وثرواتها”.
ويركز الظواهري على هذا الجانب كثيرًا؛ فيدعو القارئ أن يبحث عن العامل الأمريكي في التراجعات:
‌أ- فمراجعات الجماعة الإسلامية بدأت من 1997، وركدت، إلى أن جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فبدأت موجة أخرى من المراجعات، استنكرها العديد من أعضاء الجماعة الإسلامية، الذين وافقوا على مبادرة وقف العنف، هذه الموجة وصلت بهم لاعتبار السادات شهيدًا، والأهم أنها تركزت في معظمها على الهجوم على القاعدة، وبدأت المزايا الحقيقية الدنيوية تتحقق للمتراجعين.
‌ب- أما كاتب هذه الوثيقة فقد أعلن عن تراجعه في كتابه (الجامع) منذ عام 1994، وانصرف لحياته الخاصة باسمه الحقيقي في اليمن في تعايش غريب مع أجهزة أمنها. ثم بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 اعتقلته السلطات اليمنية بأوامر أمريكية، ورُحِّل لمصر، وتصور الأمريكان أنه قد يكون مفيدًا في حملتهم الصليبية الجديدة. فبعد فترة من التكتم على اعتقاله بلغت حوالي ثلاث سنوات، لا أشك أنه قد مورس عليه فيها ألوان من الضغط والتقييد والقهر مقرونة بأساليب الترغيب والترهيب، بدأ إبرازه وإحاطته بكل هذه الهالة الإعلامية.

ويتساءل الظواهري في صورة المستنكِر: هل هذه الوثيقة تحقق مصلحة لمصر ولغيرها من بلدان العالم الإسلامي؟ ويقول: لقد اطلعت على بعض التفاعلات مع الوثيقة في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، وكان التركيز على المؤيدين للوثيقة، الذين اعتبروها في صالح مصر وأثنوا عليها ورحبوا بها، أما المعارضون للوثيقة معارضة حقيقية فيكاد لا يسمع لهم صوت في مصر ولا العالم العربي؛ لأنهم إما في السجن، أو مهددون بالترحيل لجوانتانامو إن قالوا: لا، باستثناء من أسماهم الكاتب بالحمقى والعملاء وأبطال الميكروفونات والإنترنت، فهؤلاء يعارضونها بقوة.

حوار مع المرحبين بالوثيقة

يدير الظواهر في واصلة مطولة حوارًا مع مستندات المرحبين بوثيقة “الترشيد” نورده بطوله لما يتجلى فيه من طريقة خاصة في ترتيب رؤية ما يسميه “جماعة قاعدة الجهاد”؛ أي التي تمثل تجمع تنظيمي القاعدة والجهاد:
“إلا أني أود أن أسأل الذين رحبوا بها واعتبروها في صالح مصر والعالم الإسلامي سؤالين: أحدهما عام، والآخر أخص:
السؤال الأول: لو أخذنا مصر كنموذج لدول العالم العربي والإسلامي، فهل هناك أمل في التغيير السلمي في مصر؟ بل هل هناك أمل في مجرد التظاهر السلمي في مصر؟ والحكومة تعد قانونًا لتمريره في مجلس الشعب بمنع التظاهر في دور العبادة، وتقصد به منع التظاهر في الأزهر، وهو المكان الذي كان المصريون يحتجون فيه على الظلم لمئات السنين؟ بل لأضع السؤال بصورة أكثر صراحة: هل الوضع في مصر يتحسن أم يتدهور؟ فلنتأمل السياسة الخارجية، والفساد والاقتصاد والزراعة، وموقع -ليس الشريعة والدين- بل الأخلاق المتعارف عليها في الإعلام والسلوك العام، وحقوق الإنسان والفقر والمرض والتعليم. إلى أين تسير مصر؟ إلى قيادة وريادة العالم العربي والإسلامي أم إلى التبعية والدونية؟ وهل يدافع حاكمها عن حقوقها؟ أم أن جل ما يقدمه هو القيام بدور السمسار لأمريكا، أو النمام الذي يرفع لها التقارير عن غيره من الحكام؟
السؤال الثاني: بالنظر لذلك الواقع الذي أشرت إليه في السؤال الأول، فهل هذه الوثيقة تقدم برنامج عمل للتغيير في بلادنا العربية والإسلامية؟ أم أن خياراتها الست (1-الهجرة، 2-العزلة، 3-العفو، 4-الإعراض، 5-الصبر، 6-كتمان الإيمان) تقدم وصفة للهروب من الواقع؟ قد يكون الهروب من الواقع حلاًّ شرعيًّا في مواجهة الواقع الفاسد الذي لا يمكن تغييره. أخرج الإمام البخاري -رحمه الله- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: “قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ”[23]. فهل هذا هو الوضع في نظر المرحبين بالوثيقة”؟
وقد يكون الهروب من الواقع حلًا غير شرعي يندفع له الإنسان، أو يدفع إليه بدوافع شتى. ولكنه في كل الأحوال يبقى حلاًّ لشخص أو لمجموعة أشخاص، ولكنه ليس حلاًّ لمجتمع ولا لشعب ولا لأمة. وإذا لم يكن حلاًّ لمجتمع ولا لشعب ولا لأمة فمن الأولى والأحرى والآكد أنه ليس حلاًّ لأمة معتدى عليها محتلة أرضها مسروقة ثرواتها معتدًى على حرماتها وعقيدتها وقيمها. ثم إن كاتب الوثيقة لا يعرض هذا لشخصه، ولا حتى للموقعين معه لدى الجهات المختصة، ولا لبقية المعتقلين، ولا لبقية الجماعات الإسلامية، بل هو يطرحه كحل للأمة كلها!! ومن المثير للتعجب أنه حين كان يطرح حله للأمة كلها أو حتى للجماعات الإسلامية أو حتى للمعتقلين، كان يطرح الهجرة كحل، ودفعني هذا للتساؤل: إلى أين؟ إن أفضل مكان يمكن أن يعيش فيه المسلم اليوم عزيزًا هو هناك لدى المجاهدين، الذين وصفهم الكاتب بأنهم يعيشون في الكهوف وفي حماية القبائل والاستخبارات!!
ويقول المرحبون بالوثيقة يكفي أنها خطوة على الطريق، وأنا أتساءل؛ أي طريق؟ وإلى أين يؤدي؟ وهذا يدعوني لأن أحذر كاتب الوثيقة والموقعين معه، أن ينظروا؛ في أي طريق يدفعونهم؟ وإلى أية غاية يسوقونهم؟ ثم هذا يدفعني إلى أن أطرح نفس السؤال على الذين رحبوا بالوثيقة؛ إلى أين؟ سؤال بسيط ولكنه في غاية الإحراج. ففئة من هؤلاء لا يؤمنون بالإسلام ولا يريدونه، وفئة أخرى تزعم أنها تريد الإسلام بشرط ألا يمس بعلاقاتها الرسمية وغير الرسمية بالمراكز ووسائل الإعلام الرسمية غير الرسمية، وفئة أخرى تريد الإسلام ولكن دون تكاليف تهدد الراتب والمنصب وما أشبه، وفئة مستعدة أن تقدم بعض التكاليف ولكن بعضًا من قادتها لا يمانعون من قيام دولة ثنائية علمانية في فلسطين في الطريق للوصول لدولتين على أرض فلسطين، فإلى أين؟ أليس من حق الأمة أن تسأل؟ أوليس واجبًا عليهم أن يجيبوا؟ ثم أليس هؤلاء أولى بالمراجعة من غيرهم؟
ويقولون إنهم يرحبون بها لأنها تدعو لوقف الاقتتال الداخلي، وأسألهم؛ ومتى توقف الاقتتال الداخلي؟ الحكومة تمارس الاقتتال الداخلي ضد شعبها كل يوم، وفي كل مجال. ثم الوثيقة لا تدعو لوقف الاقتتال الداخلي، الوثيقة ذهبت لأبعد من ذلك بمراحل شاسعة، الوثيقة تدعو لعدم الاعتراض على الظلم، وعدم الانشغال بالهم العام ولا بأمور المسلمين. الوثيقة تحل مشكلة أسير اكتفى بما قدم، أو ندم عليه، ويريد أن ينصرف للنظر في شأنه الخاص، وهذا هو موقف كاتبها من قرابة أربعة عشر عامًا، ولكنها لا تحل مشكلة مجتمع ولا شعب ولا أمة. وقد أتفهم أن يتخذ أسير مثل هذا القرار في مثل هذه الأحوال، وقد كنت أسيرًا مرتين، والحمد لله على كل حال، وأعرف الأسر. ولكن الأمة المسلمة في مصر وغيرها في غنًى تامّ عن هذا القرار في هذه الظروف العاصفة من تاريخها.
ثم لنفترض أن الاقتتال الداخلي قد توقف، ولم يعد هناك ما يعكر صفو الأمن، فهل وصل المرحبون لما يريدون؟ هل انصلحت الأحوال أم تدهورت؟ ثم لماذا تطالبون المعتقلين المقهورين في السجون المصرية وجماعة قاعدة الجهاد بالتوقيع على الوثيقة لكي يقف الاقتتال الداخلي، ولا تطالبون حركة حماس مثلًا؟ ألم تقم حركة حماس ولازالت تقوم بالاقتتال الداخلي؟ تناقض واضح، أليس كذلك؟ هل يُعقل أن يقوم شخص على مذهب كاتب الوثيقة، فيصنف وثيقة للفلسطينيين يدعوهم فيها لترك الجهاد؛ لأنه أدى لسفك دماء المسلمين، وعليهم أن يختاروا خيارًا من الخيارات الست؟
فإن قيل: هناك فارق كبير بين مصر وفلسطين؛ ففي فلسطين يوجد احتلال يهودي. فالجواب أن الاحتلال اليهودي لا يبرر سفك الدم المسلم. ثم في مصر أيضًا احتلال أمريكي، وقتلى المسلمين الذين قتلتهم الطائرات الأمريكية التي أقلعت من مصر والسفن الأمريكية التي مرت في قناة السويس وتمونت من موانئ مصر، وشحنت بالعتاد من مخازن الأمريكان في مصر، يفوق عدد الفلسطينيين الذين يقتلهم اليهود في غزة. لقد قتل في العراق من الحصار فقط -وليس من الحرب- مليون طفل.
وإن قيل: ولكن مصلحة طرد العدو الصهيوني من فلسطين أعظم من مفسدة سقوط قتلى بين الفلسطينيين، فالجواب: وكذلك مصلحة قيام الدولة الإسلامية المجاهدة في مصر، التي تسعى لتحرير فلسطين وكل أرض مسلمة، وتقضى على الفساد وتبسط الشورى وتقيم العدل، وتعيد لمصر دورها التاريخي في الدفاع عن الإسلام والمسلمين، لا شك أنها أعظم من مفسدة سفك دماء بعض الأبرياء.
فإن قيل: ولكن الجهاد في مصر لم يؤدِّ لقيام الدولة المسلمة ولا لطرد الأمريكان من مصر، فالجواب: وكذلك الجهاد في فلسطين منذ ثمانين سنة لم يؤدِّ لطرد المحتل من فلسطين، التي احتلها البريطانيون ثم سلموها لليهود.
فإن قيل: ولكن الجهاد في مصر أدى لتوقف السياحة وتضرر الاقتصاد، فالجواب: والجهاد في فلسطين أدى لحصار غزة وقطع المؤن والوقود والرواتب عنها.
فإن قيل: ولكن الجهاد في مصر أدى لقتل الأطفال، فالجواب: وكذلك الجهاد في فلسطين أدى لقتل أطفال يهود، والأطفال -مسلمون أو غير مسلمين- يحرم تقصدهم بالقتل في الشريعة، بل وصواريخ حزب الله التي أطلقت على شمال فلسطين قتلت عربًا، وصواريخ القسام عشوائية لا يعلم من تقتل مسنًّا أو طفلًا أو غيرهما.
فإن قيل: هل أنت تبرر قتل الأبرياء؟ أم تزعم أن الجهاد لم تشُبه أخطاء؟ فالجواب: لا هذا ولا ذاك، ولكن يحاسب المخطئ على خطئه، ويعوض المتضرر حسب الشريعة، ويستمر الجهاد. والجهاد كأي عمل يمارسه البشر حدثت وتحدث وستحدث فيه أخطاء، ولكل خطأ تبعته الشرعية، وهذه الشريعة لم تتنزل للملائكة، ولكنها تنزلت للبشر الذين يصيبون ويخطئون.
وفي عصر النبوة حدثت أخطاء من القادة المسلمين ولم يتوقف الجهاد. أخطأ سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه، فقتل أسرى بني جذيمة المسلمين، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): “اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد”، وأدى الدية لقوم الأسرى، ولم يتوقف الجهاد. وأخطأ سيدنا أسامة بن زيد (رضي الله عنهما)، فقتل المحارب بعد أن شهد بشهادة الإسلام، وغضب عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) غضبًا شديدًا.
ثم هذه الجيوش بما فيها الجيش المصري مملوءة بالجرائم. أليس لها قانون عسكري وقضاء عسكري؟ يحاكم الجنود بدءًا من التقصير في نوبة الحراسة إلى الخيانة العظمى؟ وهذه السجون العسكرية ممتلئة، فهل يقبل الموافقون على الوثيقة، أن يخرج مفكر فيصنف وثيقة يطالب فيها بإلغاء الجيش المصري لما ارتكب فيه من جرائم؟ وعلى المصريين أن يختاروا أحد الخيارات الست”؟

إصرار على نفس الخط:

ثم لنتكلم بصراحة: هذه الحملة والضجة الإعلامية موجهة أساسًا –وبالتركيز- ضد جماعة قاعدة الجهاد؛ لأنها في نظر أمريكا الخصم الأخطر على مصالحها وأمنها القومي؛ ولأن ما تدعو إليه وتحرض الأمة عليه كفيل بأن يزلزل كيان أمريكا. وإلا فإن الاقتتال الداخلي موجود في الصحراء المغربية، وفي السودان وفي لبنان وفي اليمن، ومن عقود، ولم يثر كل هذه الضجة. ونحن في جماعة قاعدة الجهاد لا نهدف للاقتتال الداخلي. نحن نهدف لطرد الغزاة من بلاد المسلمين وإقامة الدولة المسلمة، وخطتنا العملية -حسب ما أدانا إليه اجتهادنا- قد أعلنّا عنها مرارًا وتكرارًا:
‌أ- ضرب الأهداف الصليبية والصهيونية.
‌ب- السعي الجاد لتغيير هذه الأنظمة الفاسدة وإقامة النظام الإسلامي.
وأكرر: السعي الجاد، وليس حضور مؤتمر ولا مظاهرة لمدة ساعة، ولا حضور درس لمدة ساعتين. قد تكون هذه من الوسائل، ولكن السعي الجاد للتغيير أكبر منها بكثير. السعي الجاد للتغيير أكبر من تصور البعض أنه ممكن أن ينصر الأمة المسلمة وهو جالس في مكتبه وسط أوراقه وكتبه، ينقد هذا، ويصوب ذاك، دون أن يخوض غمار المعارك، ويقدم التضحيات من نفسه وماله وولده وفراقه للوطن والوظائف والرواتب وسفاسف الدنيا. السعي الجاد للتغيير يتطلب:
1- الإخلاص في سبيل تحقيق الهدف، ابتغاء مرضات الله.
2- ويتطلب المواصلة والمثابرة والمداومة والإصرار على السعي في الوصول للهدف، وحشد الطاقات وتنظيمها ودراسة الخطوات وانتهاز الفرص.
3- ويتطلب الاستعداد للتضحية بأغلى ما يملك الإنسان في سبيل ذلك الهدف، من قتل أو مطاردة أو تشريد أو فقر أو تمضية زهرة العمر في السجن.
أما كيف كتبت هذه الوثيقة؟ فيرى الظواهري -في رؤية تتصل بنظرية المؤامرة- أن هذه المراجعات: “لم تكتب في ظروف القهر والسجن والخوف فقط، ولكنها كتبت بإشراف وتوجيه وتدبير وتمويل وإمكانات الحملة الصليبية اليهودية، ولم يبذلوا فيها هذه الأموال والجهود إلا لأنها تصب في مصلحتهم، ولو كانوا لا يحققون بها مصالحهم لما سمحوا لصاحبها أن ينطق أصلًا… ولذلك فإني أعلن لجميع المسلمين أنه لو –لا قدر الله- أسرت أو غيري من الإخوة، نسأل الله لنا ولجميع المسلمين الأمن والعافية، ثم خالفنا ما كتبناه وقلناه قبل الأسر، فلا تقبلوا منا إلا ما كتبناه وقلناه قبل الأسر لا بعده”.
وحول ما قيل من أن هذه المراجعات كتبت بإرادة واختيار أصحابها، يتساءل الظواهري:
‌أ- “لو كانت هذه التراجعات حرة وتلقائية، فلماذا لم نسمع عنها إلا بعد أن وقع أصحابها في أسر عملاء الصليبيين، بل إن منهم من كان رافضًا لها في الأسر ثم استسلم أخيرًا.
‌ب- وإذا كانت هذه التراجعات حوارًا حرًّا فلماذا تديره أجهزة الأمن؟ وهي المجرمة الممارسة للقهر والتعذيب والكذب والغش والتزوير. وهل يصلح من هذه مواصفاته ليدير حوارًا حرًّا.
‌ج- وإذا كانت هذه التراجعات حرة وتلقائية، فأين أصوات المعارضين لها؟ وهم الأكثرية المكممة الأفواه، والمقهورة، والمعاقبة على ثباتها.
‌د- وإذا كانت هذه التراجعات حرة وتلقائية، فلماذا لم نسمع من أصحابها نقدًا للنظام الحاكم في مصر؟ وهو أفسد نظام رأته مصر في تاريخها المعاصر، وهو الذي ارتكب من التعذيب والقتل والإجرام -باعتراف الجميع الموافق له والمخالف- ما لم يرتكبه غيره، يكفي أنه النظام الذي أصدر قرابة مائة وثلاثين حكمًا بالإعدام، نفذ منها قرابة مائة حكم في عهده، وهو ما لم تعرفه مصر في تاريخها، ناهيك عن القتل غير المسجل. وهو النظام الذي باع مصر للحملة الصليبية الصهيونية الأمريكية الإسرائيلية، وحول مصر من قائدة للعالم العربي والإسلامي إلى مؤسسة خدمات تابعة للقوات الأمريكية.
‌ه- ولماذا لا نسمع من أصحابها إلا نقدًا للمجاهدين فقط وللقاعدة على الخصوص، مثلما حدث مع متراجعي الجماعة الإسلامية بعد عام ألفين وواحد ميلادي؟
‌و- ثم لماذا لا يكون مسار هذه التراجعات ووقائعها شفافًا وواضحًا؟ ولماذا تكون أسرارًا وطلاسم؟ نفاجأ بعد فترات طويلة من الصمت بمن يطل علينا فجأة، وسط تهليل الإعلام وتصفيقه الحاد المفاجئ، ليعلن التراجع والتنازل والانهزام.
‌ز- لماذا لا يطلعون الناس عمن أشرف على تلك التراجعات من أجهزة الأمن وما أسماؤهم وما دورهم؟ ومن شاركهم من المحامين والعلماء الرسميين وغير الرسميين؟ والكتاب والصحافيين والسياسيين؟ وما هي العروض التي قدمت في مقابل التراجعات؟ وما هي الميزات التي حصل عليها المتراجعون؟ وفي المقابل ما هو التنكيل والعقاب والتضييق الذي مورس على الرافضين للتراجع والتنازل؟
‌ح- وما هي طبيعة المفاوضات التي دارت بين المتراجعين والحكومة؟ وما هو سياقها وفي أي ظروف تمت؟ وما هي المواضيع التي طرحت فيها؟ وما هي وجهة نظر كل طرف؟ لماذا لا يكون الأمر شفافًا وواضحًا، حتى يمكن إدراك حقيقة أبعاده وإخضاعه للدراسة والفحص المحايدين؟”
ويتطرق الظواهري إلى مناقشة أثر الوثيقة على من يسميهم “المجاهدين”، فيقرر النقاط التالية:
‌أ- “المجاهدون -بفضل الله- لا يعرفون الحق بالرجال، ولكنهم يعرفون الحق فيعرفون رجاله.
‌ب- وكاتب هذه الوثيقة قد نفض يده من العمل الجهادي وانتقد أصحابه منذ أربعة عشر عامًا، فكيف كان حال الجهاد فيها؟ هل تراجع أم تصاعد حتى صار أقوى خطر يهدد أمريكا زعيمة الغرب الصليبي؟
‌ج-ثم أيضًا مع احترامي لجميع إخواني، أسأل سؤالًا، وأرجو ألا يعتبره أحد إنقاصًا من قدره: لقد كال كاتب الوثيقة أوصافًا ونعوتًا للشيخ أسامة بن لادن حفظه الله، فأيهما -في تحليل الواقع ورصده- أكثر تأثيرًا في الشباب المسلم وفي الجماهير المسلمة وفي السياسة الدولية؟
‌د- والذين يناصرون ويؤيدون الشيخ أسامة أو الملا محمد عمر حفظهما الله، لا يؤيدونهما عصبيةً وهوًى، ولكنهم يؤيدونهما لما رأوه من نصرتهما للحق وبذلهما وتضحياتهما في سبيله، نسأل الله لهما ولجميع المسلمين القبول”.

وحول ما يسميه الظواهري بـ”الأغلبية المسحوقة داخل السجون، التي لا يسمع أحد صوتها، ولا يسمح لها بأن تكشف الجرائم الرهيبة التي تتعرض لها، ولا المؤامرات الخسيسة التي تمارس عليها، ليلحقوا بالمتراجعين” ينقل عن موقع (العربية نت) عن مراسله في القاهرة ممدوح الشيخ ما يلي: “وأكد القيادي الإسلامي محفوظ عزام (نائب رئيس حزب العمل المجمّد) وهو أيضا محامي الظواهري في مصر، أن (30) من قيادات تنظيم الجهاد بينهم المهندس محمد ربيع الظواهري، شقيق أيمن، رفضوا هذه المراجعات”. وقال لـ”العربية.نت”: إنهم محبوسون في سجن شديد الحراسة، وقد عوقبوا بسبب هذا الرفض، بمنع الزيارات عنهم تمامًا، حتى إن المحامين لا يستطيعون زيارتهم، وذلك منذ بدأ نشر المراجعات. ولم يستبعد عزام أن يكون هناك ردٌّ فقهيٌّ على المراجعات يتم الإعداد له، متمنيًا أن تكون فرصته في الاهتمام الإعلامي مثل فرصة المراجعات. وقال: “إن ما يدعو للريبة ليس فقط الملابسات وبعض الأسماء التي يتم “تسويقها”، بل الطبيعة العالمية التي يحاول البعض إضفاءها عليها، متسائلًا عن مغزى اعتقال الشيخ عبد الله السماوي -أحد قيادات الجماعة الإسلامية- بعد نشر المراجعات بيومين وعقب إدلائه بحديثين صحفيين”[24]. يقول الظواهري تعقيبًا: “فإلى هذه الفئة الصامدة الصابرة أهدي هذا العمل المتواضع راجيًا أن يقبلوه مشكورين”.
وفي الختام يعتذر الظواهري عن رده على المرحبين بالوثيقة من المسجونين: “وختامًا أكرر التأكيد على تقديري وجميع إخواني لإخواننا الأسرى، وللظروف التي يمرون بها. وأني قد اضطررت اضطرارًا للرد على بعضهم، فأرجو أن يسامحني إخواني الأسرى الذين أرد عليهم، فما كنت في يوم من الأيام أود أن أختلف مع إخواني الأعزاء على العلن، ولكنه الحق الذي هو أحب إلينا من الخلق، والذي تركنا من أجله أعز الأهل وأحب الأوطان طمعًا في رضا الله سبحانه، نسأله القبول. أسأل الله أن ينصر دينه وكتابه وأولياءه الصالحين، وأن يفرج عن أسرى المسلمين في كل مكان فرجًا عاجلًا قريبًا، وأن يجمع بيننا وبين جميع المسلمين على ما يحب ويرضى من عز الدنيا وفوز الآخرة، وأن يجمع شملنا ويؤلف بين قلوبنا ويصلح ما بيننا ويغفر لنا ما أسرفنا على أنفسنا.

رابعًا- وثيقة التعرية في الرد على التبرئة:

وفي وثيقة “التعرية” أكد إمام في الحلقة الأولى[25] أن أيمن الظواهري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، «كذّاب دولي».. وقسم إمام ما أورده الظواهري في كتابه «التبرئة» إلى ثلاثة أقسام: الأول بعنوان «كذب وبهتان» وفيه يتهمه صراحة بأنه رجل كذاب ويؤكد أنه كان عميلًا للمخابرات السودانية باعترافه، ثم في الثاني يرد على المغالطات الفقهية، والثالث يدور حول تعرية ما سماه “تلبيس الظواهري الأمور على القارئ”.
وفى الفصل الثاني من وثيقته تحدث إمام عن نشأة مذهب القاعدة على الإسراف في سفك الدماء، وتحويل محاربة أمريكا من قضية شخصية إلى قضية الأمة الإسلامية؛ موضحًا أن هذا المذهب نشأ في أول التسعينيات من القرن الماضي وتضخم في نهاية العقد عندما التقت إرادتهما -أسامة بن لادن وخالد شيخ محمد (الرجل الثالث في القاعدة والمزعوم أنه المدبر الأول لأحداث 11/9)- على قتل أكبر عدد من الأمريكان. وقال: إن تحويل محاربة الولايات المتحدة من قضية شخصية إلى قضية أمة اعتمد على الدعاية والحصول على فتاوى تؤكد وجوب محاربتها، وحشد أكبر عدد ممكن من الأنصار لمحاربتها؛ ومن أجل ذلك ألغى تنظيم القاعدة كل الموانع الشرعية التي تمنع قتل الأمريكان بالجملة[26].
وواصل الشيخ سيد إمام، انتقاداته لأيمن الظواهري، مؤكدًا جهله بالشريعة الإسلامية، وأنه يعتمد في معلوماته الشرعية على «الموسوعة البريطانية»، ووصف قول الظواهري وبن لادن، بأنه لا يتكلم في أمور قتل الأمريكيين إلا شيوخ الجهاد، بأنه “بدعة قبيحة”، تنم عن جهل بالدين، أرادوا بها المشاغبة على من ينتقدهم، مشيرًا إلى أن أصحاب هذه البدعة كانوا يلقبونه بـ«مفتى المجاهدين في العالم»، و«العالم المرابط.. والمفتى المجاهد»[27].
وفى الفصل الثالث من وثيقته «التعرية لكتاب التبرئة» يقول إمام: هذا الفصل خاص بتعرية تلبيس الظواهري الأمور على القارئ من أجل تشتيته ليتركه فى بلبلة وضباب كثيف، خصوصًا فيما يتعلق بطرحه أقوالًا متناقضة في المسائل الفقهية؛ ليوهم القارئ أن المسألة فيها خلاف، ويمكن الأخذ بأي قول فيها بلا حرج، وقوله -أي الظواهري- إنه كتب «التبرئة» غيْرة على الإسلام، وحديثه عن ولاية الأسير ووصفه لوثيقته الأولى بأنها تتغافل عن المجرمين الحقيقيين وهم الأمريكان وأعوانهم. وتحدث سيد إمام أيضًا عن الهدنة التي عرضها بن لادن على أمريكا، وكيف لم تستجب له واشنطن، فدبر تفجيرات الجزائر، مؤكدًا في النهاية فائدة مهمة؛ وهي: أن جرائم الكافر لا تبرر السكوت على خطأ المسلم..[28].

خامسًا- وثيقة التجلية في الرد على التبرئة:

في رده على مراجعات الجهاد -والذي نشرته جريدة البديل المصرية في الفترة من 31/1 حتى 7 2/2009- أكد هاني السباعي أن الدكتور سيد إمام لم يتراجع عما جاء في كتبه السابقة، وأنه يطمع في عفو رئاسي من وراء تراجعاته هذه. وعلى مدار سبع حلقات كال السباعي العديد من الاتهامات لمفتي الجهاد السابق؛ ومنها -في الحلقة الأولى[29]: “لقد صال الدكتور سيد إمام وجال في مذكرة التعرية، ولم يجب عن الأسئلة التي كان من المفترض أن يجيب عنها؛ خاصة المتعلقة بالنظام المصري المصري وأنصاره والأنظمة العربية القائمة؛ لنتأكد: هل كانت تراجعاته تراجعات جدّية. الدكتور سيد إمام كفَّر الرئيس والمرءوس و جمع بين الوزراء ومَن عيَّنهم باعتبارهم جميعًا “كفرة” و”أنصار الطواغيت”، كما كفَّر الناخِب والمنتخَب، وكل من يشارك في عملية الاقتراع برمتها، ولم يتكلم عن أحكام سابقة أطلقها بالكفر علي من يحكمون بالقانون الوضعي. وكتب ذلك صراحةً في كتبه السابقة، ثم عاد وأعلن أنه تراجع. فعن أي شيء تراجع بالضبط؟
ويشير السباعي إلى المسكوت عنه في وثيقتي مفتي الجهاد ومراجعاته، فيقول: “ولم يحدثنا الدكتور سيد إمام في التعرية عن حكم التحالف مع أمريكا، ولا عن حكم من حزن لأحداث سبتمبر 2001م! فقد كفَّر في رسالته “الإرهاب من الإسلام” من حزِن علي قتلى الأمريكان أو واساهم! رغم أنه كان في تعريته “حمامة سلام”! أول الوثيقة إلى آخرها مع الأمريكان! وصبَّ جامّ غضبه علي الشيخين أسامة بن لادن وأيمن الظواهري! ولم نسمع له حسًّا عن حكم سن التشريعات الخاصة بالموسيقى والغناء، وعن حكم التجارة في آلات العزف واللهو! وعن حكم من ينتسب إلى معاهد الموسيقي والغناء والتمثيل. لقد صرح بأن من يشرّع إباحة وفتح هذه المعاهد وآلات اللهو والتمثيل والمعازف بأنه كفر أكبر. لقد صرح بذلك في كتابه “الجامع” الذي أقام الدنيا ولم يقعدها من أجله! كنا نودّ أن يجيب عن الأسئلة التي طرحها عليه الدكتور أيمن الظواهري في كتاب “التبرئة”، لكنه لم يفعل”.
ومن جهة أخرى يشير إلى ما يراه تناقضًا بين ما تقدمه مراجعات الجهاد وبين الإصرار على الكتابات الأساسية لمفتي الجهاد: “نريد أن نعرف هل وصل إلى منظومة تراجعية متكاملة تناقض ما كان قد سطره في كتابيه «الجامع في طلب العلم الشريف» و«العمدة»، أم أن هذه التراجعات تقية فكرية لتحقيق مكاسب آنية: تحسين وضعه في السجن، ويعقبه تخفيف مدة العقوبة، أو عفو رئاسي؟! والذي دفعني لهذا التساؤل هو إصرار الدكتور على استمساكه بما ورد في كتابيه “الجامع” و”العمدة”.
وعرض السباعي لمجموعة من تعليقاته على وثيقة التعرية للدكتور سيد إمام و”التبرئة” لأيمن الظواهري: “صاحب التعرية خلط بين القرآن والسنة وآرائه الشخصية ليكفر مخالفيه، القاعدة تجاوزت سيد إمام ولم تستشره وهو حر طليق في اليمن، سيد إمام استباح عِرض بن لادن والظواهري بعبارات السبّ والشتائم والتخوين والكفر المبطن؛ لأنهما لن يستطيعا ملاحقته قضائيًّا، الدكتور فضل طالب بمليون جنيه إسترليني و10% من مبيعات مذكرة «الترشيد» فما بالك بمذكرة “الشتائم والسباب؟!، تسويق تراجعات سيد إمام التي طبخت في أقبية أمن الدولة نموذج لم يحقق غرضه وجاء بمردود عكسي”.
وفي الحلقة الثانية[30]، استكمل السباعي انتقاده للدكتور سيد إمام: “إن أخطر ما في تراجعات الدكتور سيد إمام (الوثيقة والتعرية وحواراته) اتهامه إخوانه بالعمالة والخيانة، وهو يعلم أن هذه تهم خطيرة يترتب عليها أحكام شرعية في منتهى القسوة تصل إلى الحكم بالردة! قال صاحب مذكرة التعرية: “أما عندما أتهمته أنا بالعمالة للمخابرات السودانية، فأقسم بالله الذي لا إله غيره أنني سمعت هذا الكلام من فم الظواهري بأذني مباشرة بدون واسطة في السودان آخر 1993م؛ إذ قال لي: (إنه ملتزم أمام السودانيين بتنفيذ عشر عمليات في مصر، وإنه تسلم منهم مائة ألف دولار لهذا الغرض) هذا كلامه لي”[31]أهـ.
يقول السباعي: هذا كلام لا يسلم لصاحب التعرية للأسباب التالية:
‌أ- لا يوجد ثمة شاهد واحد علي اتهامه، وشهادته كخصم غير مقبولة في حق الدكتور أيمن الظواهري،
‌ب- يقول صاحب التعرية إن الدكتور أيمن تسلم من السودانيين لتنفيذ عشر عمليات في مصر: (وإنه تسلم منهم مائة ألف دولار لهذا الغرض)! تخيل! وهل المائة ألف دولار تكفي لعملية واحدة!،
‌ج- وإذا كان الدكتور أيمن أباح له بهذا السر الخفي!! سنة 1993، فلمَ ظل يقبل العيش بينهم وفي بيت استأجروه له في أفخم منطقة في الخرطوم؟ ولماذا لم يرفض خدمات الأخ الذي كان يساعده منذ أيام إسلام آباد وبيشاور ثم السودان حيث كان السكرتير الخاص له ويكتب له كتابه (الجامع) علي الحاسوب؟! وكان هذا الأخ (سكرتيره الخاص) مبايعًا للدكتور أيمن ويعمل تحت إمرته؟! لماذا قبِل الدكتور سيد إمام التعامل مع هؤلاء العملاء؟! ولماذا قبِل أموالهم وعطاياهم؟! ولماذا كان يتردد علي مضيفة الشيخ أسامة بن لادن في الخرطوم رغم علمه بأنه عميل للباكستان والسودانيين أيضًا؟! لماذا لم يهجرهم إلا في سنة 1994م؟!

واعتبر السباعي[32] أن كتاب الجامع للدكتور سيد إمام “قميص عثمان الجديد.. شغل الدكتور سيد إمام الدنيا وأقام قيامتها في بكائية كربلائية عجيبة! جماعة الجهاد حرفت كتابه وسرقت وانتفعت وترك لهم كتابه ليقتاتوا به ماليًّا!! وكرر اتهامه للدكتور أيمن الظواهري؛ إذ يقول في الحلقة العاشرة من تعريته: «أما الظواهري فأخفي كتابي (الجامع).. أقول: هذه القضية عاصرناها برمتها، وهذا الذي ذكره الدكتور سيد إمام افتراء وكذب محض!”.
ويقارن السباعي في الحلقة الخامسة[33] بين الدكتور سيد إمام والدكتور أيمن الظواهري: “الثابت الذي لا يجادل فيه أحد أن الدكتور سيد إمام، صاحب التعرية، هرب من جميع ساحات المواجهة منذ تاريخ التزامه بالحركة الإسلامية! والأمر الذي لا يستطيع صاحب التعرية نكرانه أن الدكتور أيمن كان يشارك الشباب أفراحهم وأتراحهم! يسافر معهم كمرافق ومترجم للجرحى الذين كانوا يعالجون في أوروبا أثناء الجهاد الأفغاني! كان يخاطر بنفسه في الجبهات الأفغانية، ويشرف علي المعسكرات، ويقيم العلاقات مع التيارات الإسلامية المختلفة لمصلحة الجماعة! وخاض بنفسه معارك في تورا بورا! ولا يزال يجاهد بقوله وفعله ونفسه محرضًا الأمة على صيرورة وضرورة الجهاد! أما على الجانب الآخر، فقد كان الدكتور سيد إمام يجلس مرتاحًا في بيته الفسيح في باكستان مع تعيين خدمة خاصة له ولأهله”.
وتساءل السباعي[34]: “هل تراجع الدكتور سيد إمام تراجعًا حقيقيًّا، أم أن للسجن -ترغيبًا وترهيبًا- أحكامًا وتفسيرات أخرى؟ وقد اعتمدت على نصوص من كتابيه «العمدة في إعداد العدة» و«الجامع لطلب العلم الشريف» قال د.سيد إمام في كتابه «الجامع في طلب العلم الشريف»: «إن القوانين الوضعية المعمول بها الآن في الدول التي تزعم أنها إسلامية هي في معظمها قوانين أوروبية تم فرضها بقوة الاحتلال المسلح؛ أي إن هذه القوانين هي دين أوروبا لأن الدين هو الطريقة المتبعة حقًّا كانت أو باطلًا، إن هذه القوانين هي دين اليهود والنصارى أهل أوروبا، ومتابعتهم في قوانينهم التي هي شريعتهم ودينهم تدخل في صريح الموالاة، وموالاتهم كفر كما قال تعالي «ومن يتولهم منكم فإنه منهم، فهذا هو الوجه الآخر لكفر الحكام بغير ما أنزل الله، فإن حكمهم بهذه القوانين موالاة لليهود والنصارى وغيرهم من الكفار الذين اقتبسوا من قوانينهم».
ويقول في وجوب خلع الحكام: «وبعد، فإن الشريعة توجب علينا خلع الحكام الكافرين المفسدين ولو بالقتال، إلا أنه إذا تعذر تنفيذ هذا في الحال فلا أقل من أن يسعى المسلمون في مقاومة مخططاتهم الإفسادية وكشفها والتحذير منها وحضّ المسلمين على مقاطعة وسائل الإفساد، هذا مع السعي في إعداد القوة اللازمة لخلع هؤلاء الحكام الكافرين، فإن هذا الإعداد واجب لقوله تعالى «وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ»(سورة الأنفال من الآية 60)، نسأل الله تعالى أن يهيئ لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنه عزيز حكيم»
وقال في الجامع: «وهو أن الدستور نص علي أن الشريعة المصدر الرئيسي لا الوحيد؛ بما يعني أن هناك مصادر أخرى للتشريع؛ أي أن هناك أربابًا أخرى في التشريع مع الله.. بيان أن هذا النص الدستوري قد أفصح عن كفرهم غاية الإفصاح، فإنه نص صراحة على اتخاذ أرباب مع الله». وقال أيضًا: “والحــاصــل: أن مـن ظن أن هذا النص الدستـوري (مبـادئ الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع) يدرأ الكفر عن هؤلاء الحكام فقد أخطأ، بل إن هذا النص مما يدينهم ويدمغهم بالكفر؛ لأنه نص ضمنيًّا على اتخاذ مصادر للتشريع غير شريعة الله».
وقال في كتابه “الجامع”: “والحـاصــل: إنـه يجـب إشاعة العلم بأمر كفر الحكام ووجوب جهادهم لأجل خلعهم ونصب حاكم مسلم في العامة؛ لأن هذا واجب على كل مسلم؛ ولأن جهادهم فرض عين على كل مسلم كما سبق بيانه في المسألة التاسعة. وإشاعة العلم بذلك مما يعجل بتغيير هذه الأنظمة الكافرة بإذن الله تعالى إذا علم كل مسلم ما يجب عليه من ذلك. أما عدم تحديث العامة بذلك فهو غاية ما يطمح إليه الحكام الطواغيت ليبقى حملة هذا العلم قلّة معزولة يرميهم الحكام وأنصارهم بكل ضلالة وشناعة وسط جهل العامة بحقيقة الأمر”.
ويضيف السباعي -في عرضه لبعض من فتاوى الدكتور سيد إمام في كتبه السابقة- أن “..أهل الذمة لا عصمة لهم في أنفسهم وأموالهم اليوم، وأن اعتماد مبدأ المواطنة مع أهل الذمة كفر..، وأن الجزية بدل التجنيد الإجباري قول خطأ..، ولا يجوز إطلاق الحرية للذميين للدعوة لدينهم وبناء الكنائس..، خطأ القول بأن المدنيين أبرياء..، لا إثم على قتلة أطفال الكفار..، من حزن على ما حدث للأمريكان وواساهم في أحداث 2001 فقد كفر..، كل من تحالف مع أمريكا فقد كفر..، القوانين الوضعية دين جديد من شرعها أو عمل بها فقد كفر”[35].
ويستكمل السباعي في الحلقة الأخيرة[36] عرض فتاوى إمام في كتبه السابقة ومنها: تشريع إباحة الموسيقى والمعازف كفر أكبر، وأما التليفزيون فقد اجتمعت فيه عدة محرمات ومفاسد، ومن ناحيــة الاتجــار في هذه الأجهـزة كالتليفزيون والراديو والمسجلات -بالبيع والشراء والإصلاح- فإن الشبهة فيها قوية؛ لأن الغالب على الناس الآن استخدامها في المنكرات من السّماع المحرم والنظر المحرم، وتحرم الإعانة على ذلك. وأما التمثيل: فهو حـرام لما فيه من الكـذب والتبرج واختلاط النساء بالرجال، مع استخدام المعازف عادة، وغير ذلك من الأسباب الداعية لتحريمه. البرلمانات معابد للمشركين وأعضــاؤها كفار حتى لو لم يشاركوا في تشريعــات مخالفة للشريعة، المشاركون في الانتخابات كفار لأنهم اتخذوا أربابًا من دون الله.. ومن دعا إلى المشاركة كافر أيضًا، كل هؤلاء كفار: الحكام وأعضاء الأحزاب والقضاة والجنود..إلخ. وقال في الجامع أيضًا: “أما طريق المسلمين للتغيير فمعروف، وليس هو طريق الديمقراطية الشركية، وإنما هو طريق النبي -صلي الله عليه وسلم- الذي يبدأ بالدعوة: الدعوة العامة في المساجد وغيرها من أماكن الاجتماع، والدعوة الفردية في كل مكان ممكن، ليلًا ونهارًا، إعلانًا وإسرارًا، والبدء بالأقربين في كل هذا، مع الجهر بالحق وإخبار الواقعين في الكفر بأنهم كفار وأننا برآء منهم ومن كفرهم، لهم دينهم ولنا ديننا”.

سادسًا- ردود الفعل حول المراجعات:

عقد الشيخ سيد إمام مؤتمرًا في سجن الفيوم عرضت فيه الوثيقة على المئات من “إخوة الجهاد”؛ وذلك في أبريل 2007، ولقيت الوثيقة التأييد العام، وتواكب هذا مع عرض الوثيقة على «مجمع البحوث الإسلامية» بالأزهر وهو أعلى هيئة علميه إسلامية في مصر، وقد أقرّها[37]، وبالإضافة إلى الردود الخاصة السابقة فقد تجاوبت فئات عديدة مع هذه المراجعات نشير إليها على النحو التالي:
· ردود الفعل الرسمية:
تراوح الموقف الرسمي بين الترحيب الحذر والتجاهل المتعمد، ولم تأتِ ردود أفعال المؤسسة الرسمية مناسِبة للحدث وأهميته. ففي حين أن شيخ الأزهر رفض الإجابة، كما رفض فضيلة المفتي الدكتور علي جمعة التعليق على المراجعات[38]، فقد أعلن الدكتور حمدي زقزوق موقفه من المراجعات في مؤتمر صحفي أكد فيه أنه يؤيد المراجعات بقوله: “أؤيد المراجعات الفكرية للجماعات الإسلامية وتنظيم الجهاد؛ لأنه كون أن الشخص يراجع نفسه ويعترف بالخطأ فهذا شيء إيجابي نؤيده، ويجب ألا نرفضه. أما مسألة السماح لهم بصعود المنابر بعد هذه المراجعات فمطلوب لها موافقة صريحة من الوزارة، كما يجب أن يكون الخطيب من خريجي الأزهر؛ وذلك وفقًا للقانون”[39].
إلا أن بعض رجال الأزهر رحبوا بالمبادرة؛ ومنهم الشيخ فرحات السعيد المنجي وكيل وزارة الأزهر الشريف والمشرف العام على البحوث الإسلامية، وقال: «أؤيد بشدة وثيقة سيد إمام، وأدعو من قلبي إلى أن تقدم جميع التنظيمات الأخرى التي تتبنى العنف منهجًا لأن تعلن هي الأخرى تخليها عن العنف كوسيلة تهدم أكثر مما تبني”[40].

· موقف القيادات الإسلامية خارج السجون:

§ المؤيدون:
أعلن صالح جاهين -المتهم رقم (12) في قضية اغتيال الرئيس السادات- تأييده للمبادرة، مؤكدًا “أن ما جاء في الوثيقة كلام مؤصَّل شرعًا، وفهم صحيح لكتاب الله وسنة رسوله -صلي الله عليه وسلم- فما المانع في قبوله؟![41]”.
ورفض أسامة أيوب -قيادي الجهاد في الخارج- الكلام على أن المراجعات نتيجة صفقة؛ مشيرًا إلى أن “مثل هذا الكلام لا ينفع مع شخصية الشيخ سيد إمام؛ لأن شخصيته مختلفة تمامًا، ولا يعمل عملًا إلا إذا كان مقتنعًا به وهو معروف عنه ذلك”[42]، وأيده في ذلك كمال حبيب متسائلًا: “أين الصفقة التي قال البعض عنها عند مراجعات الجماعة الإسلامية؟ الجميع خرج من السجون ولم يثبت أي كلام عن هذه التخاريف، التي كانت تقول إن الدولة أخرجت الجماعة الإسلامية لمجابهة الإخوان، فأين إذن هذه المجابهة؟ أما عن «الجهاد» فلو كان هناك صفقة مع الجماعة الإسلامية التي لم نرها فسيكون هناك صفقة مع «الجهاد»؟ وهذا غير حقيقي بالمرة والأيام بيننا وبين هؤلاء «المخرفين»[43]. وأعلن أبو عمر المصري -وهو أحد القيادات الجهادية- تأييده الكامل للمراجعات بقوله: “أعتقد أن هذا الكتاب «ترشيد العمل الجهادي» سيكون له وقع طيب -إن شاء الله- في نفوس العاملين لدين الله تبارك وتعالى. ليس هناك إكراه ونحن –الإسلاميين- نتحرك بالعقيدة والذي ظل مدة خمسة وعشرين عامًا في السجن ليس عنده مشكلة أن يعيش باقي عمره ولا يخسر نفسه”[44]. وكذلك أيد الشيخ عبد الله السماوي المراجعات مؤكدًا أنها ستكون مراجعات لها وزنها وقيمتها[45].
كما أيد رموز الجماعة الإسلامية المراجعة. وفي تصريحات صحفية للشيخ كرم زهدي، والدكتور ناجح إبراهيم، أكدا أن “هذه المبادرة التي أطلقها الشيخ سيد إمام، هي من ثمرات التوجه السلمي الصادق نحو الوعود غير المسبوقة التي قامت بها الجماعة الإسلامية قبل سنوات”، مشيريْن إلي أن “مراجعات مفتي الجهاد هي أكبر ردّ علي كل الذين هاجموا مبادرة الجماعة الإسلامية في السابق”. وأيضًا أيدها عصام دربالة مؤكدًا على موقف الجماعة الإسلامية الرسمي من مراجعات الجهاد بقوله: “ونحن سارعنا بتأييد مراجعات الجهاد إعلاميًّا سواء عبر موقعنا على الإنترنت وغيره، وألقينا الضوء على تلك الجماعة المجاهدة، وكذلك الأخبار الخاصة بهم باعتبارنا أصحاب تجربة سابقة كنا بحاجة إلى من يدعمنا ويساعدنا آنذاك فيما أنجزناه”[46]. وأضاف عاصم عبد الماجد أن “الأخ سيد إمام حسب معلوماتي يمثل قيادة فكرية كبيرة في «القاعدة» وتنظيم الجهاد المصري، ومراجعته بالتأكيد سيكون لها أثر في الطرفين معًا: (الجهاد والقاعدة)”[47].
كما أشار نزار غراب إلى أن “الدكتور «سيد إمام» له مكانته، وكان قد سبقه آخرون من قيادات الحركة الإسلامية أيدوا المفهوم في حد ذاته، وبحكم تخصص الشيخ «سيد إمام» وقراءاته الموسوعية بدأ يؤصل البعد الشرعي لهذه المراجعات، فالأشخاص القائمون على الفكرة أسماء بارزة في حركة الجهاد؛ ومن ثم نستبعد أي اتهام موجه إلى فكرة المراجعات أو القائمين عليها”[48].
§ المعارضون:
المراجعات بتأثير السجن: حذر أيمن الظواهري من المراجعات قبل نشرها في الصحف، ثم وثق موقفه من المراجعات في كتابه “التبرئة”.. بقوله ” أحذر إخواني المسلمين في كل مكان من أقوال وتراجعات خريجي السجون ونزلائها في الجزيرة ومصر واليمن والجزائر وإندونيسيا وسائر بلاد الإسلام. فهُم إما مكرَه تتراءى أمامه ذكريات التعذيب والجلد والتعليق والصعق، أو منهارٌ يائس يبحث عن مخرج من السجن وبقيةٍ من راحة. وكلاهما لا يُؤخذ منه قول ولا يُوثق منه برأي. وحتى إن خرج من السجن الصغير إلى السجن الكبير الذي لا يكف فيه الزبانية عن زيارة منزله ومراقبة سكناته وحركاته وتوجيه أقواله وأفعاله، وهذا السجن الكبير لم يفلت منه إخواننا اللاجئون في الغرب الصليبي الذين تؤرق منامهم رُؤاهم وهم مصفدون مقيدون مُقنَّعون مشحونون على طائرة الترحيل إلى بلاد القتل والتعذيب”[49].

§ وعن موقف القاعدة:
أصدر محمد خليل الحكايمة يوم 26 سبتمبر 2007، بيانًا قال فيه: إن الشباب لا يثق إلا بفتاوى شيوخ الجهاد وعلمائهم. وانتقد فيه بشدة وثيقة «ترشيد الجهاد في مصر والعالم» التي وضعها الدكتور فضل، معلنًا أن «اللجنة الشرعية» في تنظيم «القاعدة» الذي ينتمي إليه الحكايمة سترد على الوثيقة[50]. والبيان صادر عما يسمى “المكتب الإعلامي لتنظيم القاعدة في أرض الكنانة” بقيادة محمد خليل الحكايمة الذي دعا إلى “ضرب الأهداف الصهيو- صليبية في مصر”. وذهب الحكايمة في بيانه إلى “أن الأحداث الأخيرة في فلسطين المحتلة وما نتج عنها من قرارات صهيو-صليبية بنشر قواتهم على الحدود المصرية الفلسطينية لَتؤكد على ضرورة الإعداد لمواجهة طويلة وحاسمة”. ووجه بيانه إلى الإسلاميين المصريين: “قوموا بسواعدكم الفتية، وبكل الوسائل الشرعية المتاحة لكم، بضرب كل الأهداف الصهيو-صليبية على أرض الكنانة، مع أخذ الحيطة لدماء المسلمين المعصومة”. ويعد الحكايمة من منتقدي مبادرة ومراجعات الجماعة الإسلامية التي كان ينتمي إليها قبل خروجه من مصر، ثم انضمامه إلى تنظيم القاعدة. ويتفق بيان الحكايمة مع توجهات الرجل الثاني في القاعدة أيمن الظواهري من مبادرات وقف العنف والمراجعات؛ وذلك لاحتمالات انعكاس بعض تأثيراتها على بعض عناصر القاعدة ونظائرها من السلفية الجهادية[51].
كذلك كان هاني السباعي من أوائل المنتقدين لمراجعات الشيخ سيد إمام، وقد نشر رده فيما بعد على صفحات جريدة البديل بعنوان “التجلية..”، وأكد أن المراجعات “وليدة القضبان الحديدية! فمهما حاول الدكتور سيد إمام أن يبين لنا أنه كتب وثيقته دون إكراه فإن الواقع لا يصدقه! فإذا كان صادقًا فلم لم يكتب هذا “الترشيد” عندما كان حرًّا طليقًا خارج مصر؟! أو على الأقل لقد سجن بضع سنين في اليمن فلم لم يشر إلي هذا الترشيد من قبل؟! كما أن الدعاية القوية التي صاحبت هذه التراجعات واهتمام وسائل الإعلام بها وإشراف جهاز أمن الدولة ورعايته لها، وتخصيصه مجموعة من المحللين وتصديهم لوسائل الإعلام في اتجاه واحد! يعضد شكوكنا ونتساءل: ماذا وراء الأكمة”[52]؟!

· خريطة المواقف داخل السجون[53]:

§المؤيدون للمراجعات:
أيدت العديد من المجموعات داخل السجون وثيقة المراجعات ومن أهمهم:
– مجموعة نبيل نعيم في ليمان طره ومعه معظم المحكوم عليهم (تصنيف جهاد) بعض عين شمس ومعظم مجموعة كرداسة وبعض المناطق الأخرى. وقد شن نبيل نعيم، هجومًا عنيفًا علي قيادات الخارج، المعارضين للمراجعات الفقهية التي يجريها الدكتور سيد إمام، خاصة الدكتور هاني السباعي، أحد القيادات السابقة لتنظيم الجهاد، ووصفهم بمجاهدي الإسكوتلانديارد[54].
– مجموعة أنور عكاشة في سجن العقرب، ومعه عدد من كوادر الجهاد أبرزهم هشام أباظة، وشوقي سلامة، وسعيد سلامة، وعبد العفور شميس، ومحمد العشري، ويوسف الجندي.
– مجموعة أحمد عجيزة: في الاستقبال ومعه: أحمد بديع واحمد عزت ومعظم كوادر التنظيم من الشرقية.
– مجموعة بني سويف ويقودهم الشيخ أحمد يوسف: حوالي 350 فردًا، ويريدون أن يعاملوا معاملة مستقلة عن تيار الجهاد.
– مجموعة معوض عبد الله: وينتمي إليها عمرو عبد المنعم، وجاد أبو سريع وإسماعيل نصر ويقودهم معوض عبد الله وهم حوالي 155 شخصًا.

§الرافضون للمراجعات:
– مجموعة الدكتور أسامة حميد وعددهم 300 فرد في عنبر (3) سجن أبي زعبل شديد الحراسة.
– مجموعة سجن المرج ويقودهم أحمد سلامة مبروك ومحمد الأسواني ومجدي سالم، وعددهم من (10) إلى (15) قياديًّا.
– مجموعة متنوعة تنتمي لتنظيم الوعد وجند الله وحزب التحرير، وهم أفراد يعدون على أصابع اليد.
– الشيخ محمد عبد الرحيم الشرقاوي يقيم في الاستقبال مع الشيخ محمد شرف، ويرفض المراجعات ولكن علاقته جيدة بالمجموعات المراجِعة.

واضح أن هناك خلافات واضحة ومتباينة بين هذه المجموعات، والرافضون للمبادرة هم مجموعة سلفية متشددة تتبنى المنهج الصدامي، وربما تذهب لتكفير من يقوم بعملية المراجعات. وهذه الخريطة تعكس الاستقطاب والتنازع الشديد والتنوع الصلب الذي لا يعرف المرونة؛ ومن ثم فبناء قطب جاذب لإمكان بناء موقف موحّد تجاه عملية المراجعات هو عملية معقدة وصعبة وتحتاج لمنهج مختلف للتعامل معها غير ذلك المنهج الذي سارت عليه عملية المراجعات في حالة الجماعة الإسلامية. ومن ثم فإن العولمة لا تزال تمثل استقطابًا يحول دون إنجاز مشروع حقيقي للمراجعة يؤسس لحالة محلية جديدة كتلك التي قامت بها الجماعة الإسلامية. وعلى الجانب الأمني فإن الوجود العولمي للتيار الجهادي يعطي إشارات تبدو فيها مراجعات التنظيم في الداخل وكأنها بلا معنى من منظور أمني، وهذا في الواقع منطق الأمن الجنائي الذي يهتم فقط بالقضايا الكبيرة، ولكنه في التعامل مع الحالات السياسية، فإن اقتراح أي قدر من التحول يمكن أن يمثل أساسًا للحوار لاستكمال عملية المراجعات والبناء عليها.

· ردود الأفعال الإعلامية:
تباينت ردود أفعال المفكرين والمثقفين حول هذه المراجعات بين من يطالب بمراجعات أعمق تتجه إلى التراث الإسلامي برمته، وبين من يشيد بالوثيقة ومن يتحفظ عليها ومن يعارضها، ويمكن إجمال أمثلة من هذه الرؤى على النحو التالي:

§ المراجعة الحقيقية هي للتراث:
هناك من رأي أن المراجعة جيدة ولكن ليست كافية، وإنما المطلوب مراجعة التراث[55]: “نريد مراجعات لما هو أكبر من ذلك، مراجعات للكتب والمراجع والأصول السلفية، التي يستند عليها سيد إمام أو غيره، ليستنتجوا منها ما يشاءون ويوجهونها كما يريدون حسب أمزجتهم النفسية، وطموحاتهم السياسية أو الدينية، والتوقيتات المواتية لكل حالة. نحتاج إلي مراجعة السيوطي وابن كثير وابن هشام وابن تيمية وابن القيم وتراث أبي حنيفة والشافعي ومالك وابن حنبل وأبي داود والنسائي، نحتاج إلى مراجعة لأمهات الكتب من جديد، ندع فيها ما للماضي للماضي، وما لهذا العصر لهذا العصر”.
§ الدفاع عن الوثيقة وتأييدها:
وهناك من دافع عن الوثيقة واعتبر أنه لا يعيبها أنه كتبت في السجن؛ فقد أكد منتصر الزيات على أن كتابة المراجعات في السجن لا يعيبها، مشيرًا إلى أن الذين نعوا على وثيقة الدكتور سيد إمام أنها كتبت في السجن لم ينصفوا؛ لأن الرجل ذاته فطِن لهذه المعاني، التي يمكن أن يرددها مخالفوه أو منتقدو مبدأ المراجعات من حيث الأصل، فاستبق تلك المطاعن بتوضيح في صدر ما كتب[56].
وفند ضياء رشوان[57] هذا الرأي بالإشارة إلى ثلاث مغالطات رئيسية على الأقل: الأولى تتعلق بالعدد الكبير الذي انضم للمراجعات وقام بها، وهو يقارب العشرين ألفًا في حالتي الجماعة الإسلامية والجهاد، مع بقاء بضع عشرات من الأخيرة على رفضهم لها، فهل من الوارد منطقيًّا أن تسفر تلك الضغوط وهذا الإكراه المزعومان عن تحول كل هؤلاء بالأفكار نفسها وفي الوقت نفسه؟ أم أنها معجزة من السماء؟ وتتعلق المغالطة الثانية بالتساؤل عن توقيت المراجعات: فلماذا تتم بعد كل تلك السنوات الطويلة التي قضاها هؤلاء الجهاديون السابقون وراء الأسوار، زادت علي ربع القرن بالنسبة لبعضهم؟ ولماذا لم تتم سوى في السنوات التي تحسنت فيها أوضاعهم نسبيًّا في السجون ولم تحدث في سنوات الجحيم الطويلة التي عاشوها فيها؟، وأما المغالطة الثالثة، فهي ترتبط بسوء فهم عميق لطبيعة “الإسلامي الجهادي”، الذي يتحول السجن بالنسبة له إلى «أسر»، وسجّانوه إلي «كفار مرتدين»، ومعاناته إلى تضحية من أجل العقيدة، وحتى موته إلى «استشهاد» في سبيل الله.. فكيف يمكن لمن يملكون تلك الرؤية -إذا كانوا لا يزالون متمسكين بها- أن تؤثر فيهم ضغوط أو إكراه أيًّا كانت قسوتهما؟
ونفى البعض مسئولية الضغوط الأمنية مؤكدًا أن المراجعات نابعة من الداخل، وأنها جاءت “نتيجة لفشل المشروع الجهادي”، فأشار عمرو الشوبكي[58] إلى أن «فلسفة المراجعات» تعود أساسًا إلي فشل المشروع الجهادي في إسقاط «الدولة الطاغوتية»، كما سمّاها، عن طريق العنف والثورة الإسلامية، وأدى انكسار التنظيمين، وربما إنهاؤهما، إلى جعل المراجعة أمرًا حتميًّا كنتيجة للفشل، وليس أساسًا للضغوط الأمنية.
ووصفها صلاح عيسى[59] بأنها جادة: “إننا أمام مراجعة جادة لأفكار شابَها عوارٌ كثير، مضى على بثّها وترويجها ما يقرب من أربعة عقود، منذ ألقى المرحوم سيد قطب في كتابه «معالم على الطريق»”، وأنها[60] تحقن دماء ملايين من المسلمين في كل أنحاء الدنيا؛ ليوجهوا جهودهم لبناء أوطان حرة وديمقراطية.. ويعمروا الأرض كما تدعوهم إلى ذلك تعاليم دينهم. وتحدث عمرو الشوبكي[61] بأن المراجعات تعبر عن مسار فقهي جديد بقوله: “يمكن اعتبار مراجعات الشيخ الدكتور سيد إمام، بداية مسار فقهي جديد يختلف عن المسار الذي خطه تنظيم الجهاد طوال عقدي الثمانينيات والتسعينيات. ومن المرجح أنه سيعيد وضع ما تبقى من تنظيم الجهاد أمام مسار فقهي جديد، يجعل عودته، أو عودة عناصر التنظيمات المشابهة إلى العنف والعمليات الإرهابية، أمرًا شديد الصعوبة بحكم الإطار الفقهي، وليس فقط صعوبة الواقع”.

§ المعارضون لها:
رفض أحمد المسلماني[62] المراجعات مؤكدًا أنها لا قيمة لها، ولا عائد منها بقوله: “أستطيع القول، وبقدر كبير من الثقة، إن كتاب «ترشيد الجهاد» للدكتور سيد إمام الشريف، الذي انفردت «المصري اليوم» بنشره داخل مصر، هو كتاب لا قيمة له ولا عائد منه.. فلا جديد في مضمونه ولا وزن لصاحبه، إنه كتاب صغير، فيه مراجعات دينية للفقه الديني المتطرف، لكنها ليست مراجعات جديدة، فهي تأتي بعد عشر سنوات كاملة من مراجعات أثمن فقهًا، وأعظم شأنًا وأنسب ميقاتًا، قام بها قادة في الجماعة الإسلامية في عام ١٩٩٧، تبقى إذن القيمة السياسية لا الفكرية للكتاب، وهي قيمة محدودة. إن كتاب «ترشيد الجهاد» لا يزال هو الآخر متطرفًا.. إنه يقف تمامًا خارج الحداثة وروح العصر.. إنه يسهم في دفع المسلمين إلى جدول أعمال ينتهي بهم خارج التاريخ”.

سابعًا- آثار المراجعات:

· المراجعات والتأثير العالمي:
ثمّن ضياء رشوان من تأثير المراجعات معتبرًا أنها عالمية بقوله: “من المتوقع أن تظهر آثارها السريعة والعميقة على المستوى العالمي دون تأخير. فمن يقودونها هم من أبرز الرموز التاريخية للحركة الجهادية العالمية، وفي مقدمتهم الدكتور فضل نفسه؛ حيث سيؤدي ذلك -بدون شك- إلى خلخلة عميقة وواسعة لصفوف تلك الحركة، وفي مقدمتها تنظيم القاعدة الذي شاركت عناصر من الجهاد في تأسيسه ويحتل أميره السابق أيمن الظواهري موقع الرجل الثاني فيه. فلا جماعة[63]، كما أنها ستثير ارتباكًا غير مسبوق في صفوف تلك “الحالة الجهادية الدولية”؛ وفي مقدمتها تنظيم القاعدة؛ وهو ارتباك يمكن أن يتطور إلى آماد أبعد ليخلق حالة من الاختلاف الحقيقية.
ويبدو المستوى الثاني ممثلًا في التنظيمات والجماعات الجهادية السلفية الجديدة -الكبيرة والمتوسطة- الدائرة في فلك القاعدة، والتي باتت تمثل اليوم التهديد الحقيقي لكثير من المجتمعات والدول، والتي تمثل القاعدة الأصلية بالنسبة إليها مصدر الإلهام والتقليد، واستعارة المسميات والمصطلحات، وتقديم الولاء والبيعة ولو عن مسافات بعيدة.
وهناك المستوى الثالث الذي يمثله الأفراد وبعض الخلايا والمجموعات الصغيرة الذين ينضمون إلى الحالة الجهادية تأثرًا بالأوضاع السياسية العامة في العالم الإسلامي وفي بلدانها، وهم لا يملكون من الخبرة ما يمكنهم من أن يكونوا مصدرًا حقيقيًّا للتهديد، ويسعى معظمهم إلى الذهاب لمناطق «الجهاد» الحقيقي للقتال فيها مثل العراق وأفغانستان؛ حيث ينضمون إلى الجماعات الموجودة هناك[64].

· مستقبل المراجعات واقتناص الفرصة:
رأى البعض أن مراجعات «سيد إمام» تؤسس لما يمكن أن نطلق عليه «فرصة ثقافية»؛ هذه الفرصة الثقافية تعيد النظر من جديد في المنطلقات، وتفسح المجال للأفكار الجديدة لتبني لذاتها شرعية خاصة بالنسبة إلى الأجيال القديمة، وأن أحد أهم الوجوه التي ترسمها مراجعات الجهاد لذاتها وللحركة الإسلامية بوجه عام أنها تعبير عن يسر الإسلام وبساطته وأنه جاء هداية للناس وترغيبًا وليس قتلًا وإخافةً ورعبًا[65]. وأكد كمال حبيب أن المراجعات تعد تحولًا مهمًّا ترسيه وثيقة «ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم» في طريقة تفكير التيار الجهادي، يتمثل في المزاوجة بين النص والواقع، وأخذ معيار القدرة والممكن في الحسبان، وهو أول الطريق نحو تحول تلك الحركة والتيار إلى الإصلاح، بدلًا من الثورة ومن «اليوتوبيا» والخيال إلى الواقع والمعاش[66].

ثامنًا- ملاحظات مقارنة بين المراجعتين:

وهناك[67] من قارن بين مبادرة الجماعة ووثيقة الترشيد؛ مؤكدا أن جانبًا كبيرًا من القضايا التي جرى مناقشتها في كتب المراجعات تردّ على وقائع وممارسات جرت في عصر سابق دون أن تتعرض إلى تحديات العصر الجديد. ورغم أنه أمر جيّد أن تتم مراجعة هذه الممارسات، إلا أنها –بالتأكيد- لا تكفي لبناء خبرة جديدة؛ أي إنها نجحت في رفض أساليب الماضي دون أي استشراف للمستقبل. فعلى سبيل المثال جاء في كتاب “النصح والتبيين في تصحيح مفاهيم المحتسبين”، في فصله الأخير الذي جاء تحت عنوان “نماذج من التجاوز على أرض الواقع” ذكر مجموعة من القضايا والممارسات التي لا يمكن وصفها بالقضايا السياسية، ولا يمكن أيضًا تصور إمكانية تكرارها في ظل الظروف الحالية، وذكر منها اعتراض البعض لرجل وامرأة في الطريق العام، أو الاعتداء على الفنانين عند عودتهم في الليل، أو اقتحام منازل تحت شبه ممارسة الرذيلة داخلها، وضرب السكارى، والاعتداء على الفتيات المتبرجات، وتحطيم الأعراس لوجود موسيقى، وأجهزة التليفزيون لنفس السبب، وأخيرًا منع خروج الشباب في مجاميع للأسواق والحدائق لمنع المنكر بالقوة.
ورفض المراجعون هذه الأساليب مستندين أساسًا إلى قضايا شرعية وفقهية. فالإشارة إلى حديث الترمذي وابن ماجة عن قول الرسول الكريم: “كل بن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”، وأن حوادث الاعتداء هذه استنادًا إلى الحسبة لا تجوز؛ لأن الحسبة لا تكون إلا في منكر قائم، أما بعد زوال المنكر فإنه ليس على المحتسب حسبة إلا بعد زواله، ويترك الأمر في يد القاضي ليحقق فيما إذا كان هذا العمل منكرًا من عدمه. والحقيقة أن هذا الفصل الأخير الذي جاء تحت عنوان “نماذج من التجاوز على أرض الواقع” لم يتعرض إلى قضية سياسية معاصرة واحدة، ولم يناقش أي تحديات جديدة طرأت على الحركة الإسلامية بغرض استشراف مستقبلها، وظلت القضايا الواقعية التي نوقشت داخل إطار قضايا السلوك الفردي والأخلاقي، وإيجاد تفسيرات فقهية جديدة لتبرير التحول الذي جرى، وتقديم نقد ذاتيّ ومراجعة شاملة لهذه النوعية من الممارسات.
وجاء في كتاب “مبادرة وقف العنف: رؤية واقعية ونظرة شرعية” في بابه الأول تحت عنوان “المصلحة والمفسدة” كثير من الأحاديث وأقوال لكبار العلماء والفقهاء غير المعاصرين، دون أي قراءة للواقع السياسي المعيش، كالقول بأن تحصيل المصالح هو -كما يقول العلامة الشاطبي- أصل أصول الشريعة؛ إذ إن الشريعة إنما نزلت لتحصيل مصالح العباد الدينية والدنيوية ودفع المفاسد عنهم. ويضيف الكتاب نقلًا عن بعض الفقهاء: حيث تكون المصلحة العامة للمسلمين يكون شرع الله، وما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن. وأضاف الكتاب حديثًا عن البخاري جعل الفتنة المترتبة على هدم الكعبة وإعادة البناء -وهي مفسدة واضحة بلا شك- مانعًا من إعادة بنائها على القواعد الصحيحة. وهو ما يعني نقدا جذريا في صميم المشروع الجهادي القائم على هدم النظام القائم وبناء نظام جيد.
ورغم أن هذا الكلام يعد متقدمًا للغاية، إلا أنه غاب عنه الرؤية الواقعية تقريبًا، التي تلخصت في الإشارات العامة كالقول في الفصل الثاني الذي جاء تحت عنوان “رؤية عامة” بأن: الصراع الدموي الذي دار بين الإسلاميين والسلطة سيستفيد منه ثلاث قوى هي: إسرائيل والغرب والعلمانيون؛ وهو فهم شديد التبسيط لتعقيدات الواقع المحلي والدولي وخاصة في صورته الحالية؛ ولذا لم يكن غريبًا أن تكون الغالبية العظمى لمصادر كتب المراجعات الأربعة الرئيسية هي كتب لفقهاء أوائل، وتطرقت لمامًا إلى فقهاء معاصرين كالشيخ القرضاوي.
بالمقابل فقد جاءت مراجعات الشيخ إمام مختلفة، وذات طابع فقهي وعقائدي يخص السلوك السياسي العنيف لتنظيم الجهاد، ومحاولة وضع قيود على ممارسة العنف ضد الحاكم المسلم، وبحق الأبرياء المدنيين كما جاء في وثيقته عن ترشيد الجهاد في مصر والعالم. ومع ذلك فإن الواقع السياسي الذي خرجت إليه عناصر تنظيم الجهاد يختلف بصورة كبيرة عن الواقع الذي قاتلوا فيه السلطة القائمة طوال الفترة السابقة. فهناك الإخوان المسلمون كقوة إسلامية شبه مسيطرة على الساحة السياسية، على عكس الحال في السبعينيات والثمانينيات حين ناطحتها الجماعات الجهادية في الجماعات المصرية وتفوقت عليها في الوجه القبلي. وهناك ضعف للأحزاب المدنية وركود في الحياة العامة وتدهور هائل في أداء الدولة لا يحتاج إلى تنظيمات جهادية لمواجهتها، إنما أصبح يعاني من خطر الفوضى والتحلل الداخلي، وأخيرا هناك انهيار لكل المشاريع الأيديولوجية المطلقة عربيًّا وعالميًّا، سواء كانت ذات أساس ديني أو علماني.

خاتمة:

يشير د. سيف الدين عبد الفتاح إلى أنه من المهم ألا يتخذ “فكر المراجعات” طريقًا للاعتذار عن كافة الأفكار: الصحيح منها والفاسد؛ لأن في ذلك افتقادًا لأصل الثقة والحجية والمصداقية في هذا المقام. ليس معنى المراجعة -بأي حال من الأحوال- أن يقوم أي من يتبناها على تعويم بعض المسائل، أو منعها بإطلاق، وكأنه ينتقل من النقيض إلى النقيض. ولكن عملية التأصيل تنصرف إلى عملية تحقيق وتدقيق وتوثيق، تتصل بأصل الرؤية الإسلامية ضمن رؤية استراتيجية لأصول المراجعة، يتحقق من خلالها القدرة على بيان المواقف في إطار تواصل بين عناصر ثلاثة من الفقه: بين فقه الحكم، وفقه الواقع، وفقه التنزيل، وفي إطارٍ يعطي الواجب حقّه من الواقع، ويعطي الواقع حقه من الواجب، كما يشير إلى ذلك الإمام ابن القيم، وضمن أصول مرعية في تواصل بين أنساق المعرفة والقيم والسلوك، فضلًا عن المقاصد والغايات. فالشريعة -على حد تعبير ابن القيم- حكمة كلها، عدل كلها، رحمة كلها، مصلحة كلها. وأينما وجد ذلك -إفرادًا وجمعًا- فثم شرع الله. تلك الرؤية الكلية هي الناظمة بين ذلك جميعًا في إطار منهجية منضبطة ناظمة لنسق الكليات، جامعة ومدرجة لهذه الجزئيات في الكليات، ضمن سياقات منهجية محددة[68].
ومن هنا وجب –كما يضيف د.سيف- إحداث التوازن المطلوب في الرؤية بين تقييم الاستجابات العنيفة، وضرورة أن يكون هناك موقف واعٍ ومتميز بالنسبة لأي انحرافات في النظام وفي الدولة وفي المجتمع، وإلا لبدا الأمر وكأنه انتقال من صف التعامل العنيف إلى صف التبرير والاعتذار؛ وهو أمر قد يترتب عليه فقدان المصداقية والحجية لمثل هذه المراجعات. وهذا المنهج الوسط هو الذي يمكن أن يدفع هذه اللغة الاتهامية، وأن يحقق التعامل المنهاجي اللائق مع هذه الظاهرة على حساسيتها وضغوط السياق المحيط بها. ومن هنا وجب علينا ألا نحول ظاهرة المراجعات إلى ظاهرة دعائية أو إعلامية، بل لابد أن نحرص دائمًا على أن نجعلها ظاهرة مجتمعية تصب في عافية المجتمع وارتقائه ونهوضه.
كذلك فإنه من المهم ألا نسير مع تفسير “فكرة الاستضعاف” هذا التفسيرَ الذي قد يصيب الإنسان المسلم بغاية العجز والاستقالة الحضارية والعزلة المجتمعية، كما أنه لا يسوغ أن يكون مفهوم “الاستضعاف” مرحلة ضمن مراحل عدة، وضمن أحوال عدة تشير -من بعد ذلك- إلى “فقه مراحل” ما يسمى بالاستقواء والقوة والتمكين؛ فينصرف الأمر إلى لغة ذرائعيّة وبراجماتيّة تنفصل عن أنساق القيم والسلوك والمقاصد في أصول الشريعة المرعية.
*****

الهوامش:

[1] ضياء رشوان، المراجعات – السياق – الدلالات، في: ضياء رشوان (تحرير)، المراجعات من الجماعة الإسلامية إلى الجهاد، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة، 2008، ص 12.
[2] ضياء رشوان، المراجعات ـ السياق ـ الدلالات، المرجع السابق، ص 18.
[3] عمرو الشوبكي، الجماعات الجهادية والمجال السياسي من المعضلات الفقهية إلى تحديات الواقع، في: ضياء رشوان،(محرر)، المراجعات من الجماعة الإسلامية إلى الجهاد، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، 2008، ص115.
[4] ناجح إبراهيم عبد الله، الجماعة الإسلامية بين المبادرة والمراجعة، في: ضياء رشوان (محرر)، المراجعات من الجماعة الإسلامية إلى الجهاد، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، 2008، ص 29 ـ 54.
[5] الجريدة، العدد 145، الكويت، 18/11/2007.
[6] الجريدة، العدد 146، الكويت، 19/11/2007.
[7] الجريدة، العدد، 147، الكويت، 20/11/2007.
[8] الجريدة، العدد، 148، الكويت، 21/11/2007.
[9] الجريدة، العدد 149، الكويت، 22/11/2007.
[10] الجريدة، العدد 150، الكويت، 23/11/2007..
[11] الجريدة، العدد 151، الكويت، 25/11/2007.
[12] الجريدة، العدد 152، الكويت، 26/11/2007.
[13] الحريدة، العدد 153، الكويت، 27/11/2007.
[14] الجريدة، العدد 154، الكويت، 28/11/2007.
[15] الجريدة، العدد 155، الكويت، 29/11/2007.
[16] الجريدة، العدد 156، الكويت، 30/11/2007.
[17] الجريدة، العدد 157، الكويت، 2/12/2007.
[18] الجريدة، العدد 158، الكويت، 3/12/2007.
[19] الجريدة، العدد159، الكويت، 4/12/2007.
[20] حوار الحياة مع د. فضل ـ 1، محمد صلاح، الحياة، 08/12/2007.
[21] حوار الحياة مع د. فضل ـ3، محمد صلاح، الحياة، 10/12/2007.
[22] حوار الحياة مع الدكتور فضل 6، محمد صلاح، الحياة، 13/12/2007.
[23] صحيح البخاري- كتاب الإيمان- باب من الدين الفرار من الفتن، (ج 1 / ص 31).
[24] العربية نت- الإثنين 16 ذو القعدة 1428هـ- 26 نوفمبر 2007م. خال أيمن الظواهري يشكك بمراجعات الشيخ فضل لكونه معتقلًا.
[25] – المصري اليوم، 18/11/2008.
[26] المصري اليوم، 19/11/2008.
[27] المصري اليوم، 24/11/2008.
[28] المصري اليوم، 25/11/2008.
[29] البديل، 31/1/2009.
[30] البديل، 1/2/2009.
[31] التعرية/ الحلقة الأولى حسب ترتيب جريدة المصري اليوم بتاريخ 18/11/2008م.
[32] البديل، 3/2/2009.
[33] البديل، 5/2/2009.
[34] البديل، المرجع السابق.
[35] البديل، 6/2/2009.
[36] البديل، 7/2/2009.
[37] حوار الحياة مع د.فضل- 2، محمد صلاح، الحياة، 9/12/2007.
[38] الجريدة، 30/11/2007.
[39] أحمد البحيري، المصري اليوم، 30/11/2007.
[40] الجريدة، 30/11/2007.
[41] المصري اليوم، 3/12/2007.
[42] المصري اليوم، 20/11/2007.
[43] المصري اليوم، 22/11/2007.
[44] الجريدة، 25/11/2007.
[45] المصري اليوم، 21/11/2007.
[46] الجريدة، العدد 159، 04/12/2007.
[47] الجريدة، العدد 158 – 03/12/2007.
[48] الجريدة، العدد 158 – 03/12/2007.
[49] الجريدة، العدد 146 – 19/11/2007.
[50] الحياة، 13/12/2007.
[51] نبيل عبد الفتاح، الخطاب الإسلامي الراديكالي المتغير فقه المراجعات وإشكالياته وإعاقاته، في: ضياء رشوان، (محرر)، المراجعات من الجماعة الإسلامية إلى الجهاد، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، 2008، ص 102 – 103.
[52] المصري اليوم، 23/11/2007.
[53] كمال السعيد حبيب، خبرة تنظيم الجهاد في المراجعات، في: ضياء رشوان، (محرر)، المراجعات من الجماعة الإسلامية إلى الجهاد، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، 2008، ص 66 – 67.
[54] المصري ليوم، 27/11/2007.
[55] خالد صلاح، المصري اليوم، 17/11/2007.
[56] منتصر الزيات، المصري اليوم، 22/11/2007.
[57] ضياء رشوان، المصري اليوم، 30/11/2008.
[58] عمرو الشوبكي، المصري اليوم، 22/11/2007.
[59] صلاح عيسى، المصري اليوم، 24/11/2007.
[60] صلاح عيسى، المصري اليوم، 1/12/2007.
[61] الجريدة، العدد 147، 20/11/2007.
[62] أحمد المسلماني، المصري اليوم، 26/11/2007.
[63] ضياء رشوان، الجريدة، العدد 145 – 18/11/2007.
[64] ضياء رشوان، الجريدة، العدد 157 – 02/12/2007.
[65] الجريدة، العدد 148 – 21/11/2007.
[66] كمال حبيب، الجريدة، العدد 153، 27/11/2007.
[67] عمرو الشوبكي، الجماعات الجهادية والمجال السياسي من المعضلات الفقهية..، مرجع سابق، ص 124 ـ 125.
[68] د. سيف الدين عبد الفتاح إسماعيل، مراجعة المراجعات: رؤية نقدية في عالم المنهج والمفهوم، بحث تحت الطبع 2009.

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2009

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى