الغرب في الميزان والتجدد الحضاري: قراءة في كتابات نقدية ورؤى بنائية
نقد الغرب –منظومةً وفكرًا وحضارةً ومنهاجًا وسياسةً وسلوكًا– كتب فيه الكثيرون: غربيون وشرقيون، مؤمنون ولادينيون، علماء اجتماع وعلماء فيزياء. اجتمعوا جميعًا –وإن اختلفت مشاربهم– على نقد مسلكٍ واحد، لم يفارق الغرب منذ نشأته. وهو في ظني، مسلك أكاد أجزم أني تلمسته في معظم الكتابات والأدبيات التي قرأتها حول تلك المسألة. إنه مسلك “الاستعلاء” أو “الاستكبار” الذي كان يمثل، في اعتقادي، السمة الأساسية في تعامل الغرب مع الآخر. إنه ذلك الاعتقاد الذي يتصور فيه الغرب أنه الوحيد والأوحد في القدرة على النظر والتفكير والتنظير والتحليل والإدراك؛ وبالتالي الأحق والأصلح والأجدر في السيادة والهيمنة والسيطرة والاستحواذ، على حساب كل “آخر”، لا ينتمي إلى تلك السلالة الغربية “الفريدة” من نوعها… كما يراها الغرب.
في هذا المقال، أتعرض لتلك القضية: نقد المنظومة الغربية من زوايا ورؤى مختلفة. وذلك عبر القراءة في كتبٍ عدة، سطرها مؤلفوها ليُبينوا ويُظهروا حقيقة ذلك “الاستعلاء” الذي لم يُبنَ إلا فوق جبال من الأكاذيب والضلالات التي روجها الغرب على امتداد قرونٍ ماضية؛ ولا يزال يروجها. ثم أنتقل من مستوى العرض النقدي إلى مستوى أوسع؛ وهو النظر إلى ذلك النقد في إطار تاريخنا العربي الإسلامي الحديث. بمعنى آخر، أبحث في كيفية تأثير الغرب “المُستعلي” و”المُستكبِر” على مسار تاريخنا الحديث (بدءًا من القرن التاسع عشر الميلادي)؛ بل وفي كيفية مساهمتنا “نحن” المسلمين في إفساح الطريق والمجال لتوغل آثار ذلك “الاستعلاء” في داخلنا. وهي المسألة التي استفاض في تناولها المؤرخ والمفكر المصري المستشار “طارق البشري”، على امتداد حياته، دون كللٍ أو ملل، متعرضًا -ليس فقط لنقد الغرب “المُستكبر”- بل موضحًا أيضًا كيف امتدت آثاره المدمرة إلينا، حتى هذه اللحظة، وكيف ساعد الشرق الإسلامي –بكل أسف– على ذلك؛ مُبينًا في النهاية سبيل من سُبل النجاة والخروج من هذا الوضع الآسن.
ويجدر هنا التنويه عن نقطةٍ مهمة؛ وهي أن معظم الكتابات النقدية للغرب – التي طالعتها – قد اجتهدت في تقديم البديل عن “العصا السحرية” الغربية؛ إلا أنها تفاوتت فيما بينها في ماهية هذا البديل. فمنهم من قدم البديل من داخل المنظومة الغربية، ومنهم من قدمه خارج المنظومة الغربية، لكن غَلَبَ عليه التشوش بسبب عدم معرفته بمنظوماتٍ أخرى. ومنهم من قدم البديل المنصف للحضارة الإسلامية، معلنًا رفضه الكامل للمنظومة الغربية. وأخيرًا، منهم من قدم البديل الإسلامي؛ إيمانًا واعتقادًا وتسليمًا.
وما أستخلصته مُجملًا من قراءاتي في هذه المسألة –عبر سنواتٍ عدة، وتحديدًا منذ عام 2017– هو توجُّه النقد عامةً إلى عنصرين أساسيين: عنصر الأفكار ومناهج النظر والتفكير؛ وعنصر الدولة والمؤسسات والرموز السياسية. فمن جانب، وَجَدتُ أقلامًا غربية وشرقية، وقد اتجهت نحو نقد أفكار وفرضيات غربية وجوهرية؛ مثل “تمكين المرأة”، “الانتخاب الطبيعي”، “الحتمية الفيزيائية”، “النسبية الأخلاقية”، “المركزية الأوروبية”. ثم وجدت أقلامًا أخرى –على نفس الصعيد الفكري المنهجي- وقد صبت نقدها على مناهج تفكير غربية رئيسية؛ مثل “فصل الديني عن السياسي”، “تحديد الحقب التاريخية أوروبيًّا”، “اتخاذ الغرب مركزًا”.
ومن جانب آخر، وَجَدت أقلامًا ناقدةً للدولة والمؤسسات والرموز السياسية في الغرب. فمن نقد دولة ألمانيا النازية في قيامها بتوظيف الشعوب المسلمة في الحرب العالمية الثانية، إلى نقد الدول الغربية في قيامها بالحملة الصليبية على العالم الإسلامي منذ القرن الحادي عشر الميلادي، إلى نقد شخص “ريتشارد قلب الأسد” في انحطاطه الأخلاقي في تلك الحملة، إلى نقد الدول الليبرالية الغربية في سقوطها السياسي في القرن الواحد والعشرين، إلى نقد النظام السياسي الأمريكي في انحطاطه بعد إرسائه “النظام العالمي الجديد” في نهاية القرن العشرين، إلى نقد المؤسسات الغربية في دعمها للمد الصهيوني في منطقتنا العربية، إلى نقد مؤسسة الاستشراق في فرضها أسطورة المركزية الأوروبية.
وبشيءٍ من التفصيل، أقوم الآن بعمل عرض “بانورامي” سريع مُجمَع لتلك الكتابات الناقدة، بهدف تقديم صورة أكثر إيضاحًا وعمقًا للقارئ.
نقد الأفكار ومناهج النظر
من ضمن الأفكار التي تم نقدها، أو ضربها في مقتل، إن جاز التعبير، فكرة “تمكين المرأة” أو Women Empowerment. وذلك من خلال كتاب Soft Power: Women in Egypt’s Islam Awakening (2015)؛ حيث قامت الباحثة الأمريكية Ellen Anne McLarney بدحض تلك الفكرة أو ذلك المفهوم الذي صكَّه الغرب في الأساس، لتدعم مكانها فكرة “الأمومة السياسية” Political Motherhood التي قامت عليها الحركة النسائية الإسلامية بمصر في القرن العشرين. لقد أشادت McLarney بدور الصحوة النسائية الإسلامية الذي جعل من الزوجة والأم المسلمة محورًا ومركزًا وقلبًا للأسرة المسلمة؛ لتصير تلك الأم مسئولةً عن تربية جيلٍ مسلمٍ حرٍ مقاومٍ لكل أشكال الطغيان والاستبداد السياسي، ومقاومٍ لكل الدعوات الغربية المنادية بـ”تحرير المرأة” و”تمكين المرأة”؛ تلك الدعوات التي تستهدف إبعاد المرأة المسلمة عن دورها الفطري في الأمومة.
وفي خضام ذلك، تنتقد الباحثة الحركات النسائية المعاصرة المطالبة بتمكين المرأة وفق أجندات ومصالح وسياسات غربية، تستهدف ترسيخ تبعية العالم الإسلامي إلى الغرب؛ وذلك على عكس الحركة الإسلامية المعنية التي تستهدف تحرير الأرض والعباد من تلك التبعية.
“التطورية الداروينية” فكرة أخرى نالت نصيبها من النقد الغربي. فها هو الفيلسوف الأمريكي Thomas Nagel في كتابه Mind and Cosmo: Why the Materialist Neo-Darwinism Conception of Nature is Almost Certainly False (2012)، يعلن صراحةً رفضه الكامل لتلك الفكرة، داعمًا في المقابل لرؤيةٍ كونيةٍ جديدةٍ، مقاومة للتفسير المادي للعلوم الطبيعية والإنسانية سواء. لقد راهن Nagel على سقوط الإجماع الغربي الحالي –عاجلًا أم آجلًا– على النظرية التطورية الداروينية، وما يندرج تحتها من فرضيات؛ أبرزها “المادية الاختزالية” و”الانتخاب الطبيعي”. لقد أفصح الكاتب المعنيّ عن عدم تقبُّله لتلك النظرية؛ بسبب تغافلها عن القيم والمقاصد والباطن والعقل؛ وهي جميعها مُكونات كانت متواجدة منذ نشوء الحياة؛ فكيف يتم تجاوزها بهذه البساطة؟ وأعلن –في المقابل– عن تبنيه أي رؤية تقاوم ذلك التفسير “العلمي” المعهود، متشبثًا بمحاولات كلٍ من Rene Decartes وGalilio Galilei في القرن السابع العشر الميلادي.
إلا أن Nagel لم ينجح في إيجاد بديل تفسيري كامل ووافٍ، يجمع بين المادي وغير المادي. فعدم معرفته بكيفية بدء الخلق، وبدء علاقة الإنسان بالكون، جعلته قلقًا متأرجحًا، طارحًا في نهاية كتابه تساؤلات جديرة بالاعتبار، منها: هل يعتبر التشبث بفرضيات معينة، حتى لو ثبت عدم مصداقيتها، علمًا؟ وهل وظيفة العلم هي خدمة “أهواء العلماء”؟
وها هو Antony Flew، الفيلسوف الإنجليزي الذي كان يعد من أشهر ملاحدة العصر الحديث، يقف ناقدًا نظرية الإلحاد، مؤيدًا في المقابل نظرية حتمية وجود إله؛ في كتابه المشهور، “هناك إله: كيف غير أشهر ملحد رأيه” (ترجمة) (2004). ثم نجد فريقًا عربيًا مسلمًا –من الذين كرسوا كتاباتهم في الهجوم على ظاهرة الإلحاد– يضربون في أساسيات الفكر الغربي الإلحادي. فنجد الطبيب الجراح المصري “عمرو عبد المنعم شريف”، في كتابه “وهم الإلحاد” (2013)؛ وهو يصبُّ هجومه على فكرتي “الحتمية الفيزيائية” و”الانتخاب الطبيعي”، المفترض أنهما حاكمتان للكون من المنظور الإلحادي، ونجد الطبيب والداعية الإسلامي المصري “هيثم طلعت علي سرور”، وهو يصب هجومه على حُجة “النسبية الأخلاقية”، في كتابه “مناظرة الملحدين” (2016).
لقد اعتبر “شريف” أفكار الغرب الإلحادية أفكارًا مضللة للشعوب، واصفًا إياها بالسذاجة الفاقدة لكل معايير العلم والمنطق والدليل. فأفكار مثل “الانتخاب الطبيعي” و”الحتمية الفيزيائية” كلها أفكار تمثل في النهاية صناعة وهمية، لا دليل عليها.
وعلى المنوال ذاته، اعتبر “سرور” فكرة الإلحاد عاكسةً في الأساس لموقف نفسي جحودي؛ ليس أكثر من ذلك. لقد انتقد “سرور” الحُجج المساندة لتلك الفكرة؛ مثل حُجة “النسبية الأخلاقية” التي قام بدحضها، عبر تدبره في مسار التاريخ الإنساني الذي أظهر حقيقة ديمومة الأخلاق وأصالتها منذ خلق الإنسان الذي بدأ حياته، على هذه الأرض، برأسمال أخلاقي هائل. ومن ثم، فإن فكرة “تطور الأخلاق” ليست إلا أكذوبة، زج بها الغرب –ولا يزال– لدعم مشروعه الإلحادي.
وعلى مستوى منهاجية التفكير، نشهد الراهبة الإنجليزية الكاثوليكية Karen Armstrong في كتابها Muhammad: A Biography of the Prophet (2001)، ناقدةً المنهاجيةَ الغربية العقيمة في إثارة شبهة “خلط الدين بالسياسة”؛ وهي الشُبهة التي طالما أثارها المستشرقون الغربيون بغية الهجوم على دين الإسلام؛ وكذلك الشُبهة التي طالما استُخدمت مدخلاً لنقد الحركات الإسلامية، ووصفها بالإرهاب والتشدد.
وهنا ترد Armstrong على تلك الشبهة بوجهة نظرها أو اجتهادها الشخصي، فتقول إن الظروف السياسية التي نشأ فيها الإسلام لم تكن متسمةً بوجود نظامٍ سياسي معين؛ إذ لم تكن الجزيرة العربية خاضعةً لأي من القوتين العظميين في ذلك الوقت، لا للروم ولا للفرس. ومن ثم، كان لابد من تدشين نظامٍ سياسي على منهاج الرسالة المحمدية وتشريعاتها. فكان القرآن معنيًا بكل تفاصيل الحياة للفرد المسلم، من سنن الفطرة المتعلقة بسلوكياته اليومية إلى إقامة العدل في الحكم.
وهو ما لم يحدث فيما يتعلق برسالة المسيح عليه السلام، حيث كانت الظروف السياسية مختلفة، كما تستكمل Armstrong فرضيتها. فقد نشأت المسيحية في ظل الدولة البيزنطية؛ إذ كان النظام السياسي متواجدًا بالفعل. ومن ثم، لم يكن النبي عيسى عليه السلام مُكلفًا بتدشين نظام سياسي جديد، بقدر ما كان مكلفًا بإرساء القيم والأخلاق والمبادئ.
ملخص القول، كما تُصرح الراهبة الإنجليزية، إن ارتباط الدين بالسياسة متأصل وموجود في الإسلام منذ بعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام. وقد تنزل عليه الوحي في غار حراء، كما تنزل عليه بعد الغزوات والحروب. تنزل عليه في شتى مواقف الحياة، مُعلمًا ومرشدًا وهاديًا له وللأمة بأكملها.
ثم نشهد المستشرق الألماني Thomas Bauer، في كتابه “لماذا لم توجد عصور وسطى إسلامية؟ الشرق وتراث العصور العتيقة” (مترجم) (2020)، ناقدًا المنهاجية الغربية في تحديد الحقب التاريخية؛ وهي المنهاجية التي اتسمت، من وجهة نظره، بمنتهى العنصرية والتحيز والاستعلاء، من أجل وضع غير الغربي –ولا سيما الإسلامي– في المكانة الأقل والأدنى. وقد اتفق معه Roger Garaudy، في كتابه “أمريكا طليعة الانحطاط” (مترجم) (1999)؛ في نقد ذلك الافتراء المنهجي الغربي الذي انتقص وشوه من حقيقة فضل العرب على الغرب، والذي فرض أسطورة المركزية الأوروبية التي أدرجت غير الأوروبي من ضمن “الأطراف” و”الذيول” و”الهوامش”، على حسب تعبير Garaudy.
وأخيرًا، نشهد “طه عبد الرحمن”، في كتابه “ثغور المرابطة: مقارنة ائتمانية لصراعات الأمة الحالية” (2019)، ناقدًا منهاجية فصل الديني عن السياسي والأخلاقي، المأخوذة أصلًا من الغرب، والتي تتبناها النخب العربية المسلمة، بكل أسف. وهو الأمر الذي جعل “عبد الرحمن” يتطرق إلى نقد منهاجية مثقفينا العرب المسلمين في تقليد المثقفين الغربيين تقليدًا أعمى، والذين أسماهم بـ”المثقفين المُقَلِدة”؛ واصفًا تلك المنهاجية بـ”المنكر الفكري”.
لقد انتقد “عبد الرحمن” فكرة الفصل بين الديني والسياسي (الذي أسماه “فصل التباين”)، وانفكاك الوحدة كليةً بين الديني والسياسي؛ وهي الفكرة التي يراها بدأت بالتبلور في عالم المسلمين، منذ مقتل “الحسين بن علي”، منذ عهد “يزيد بن معاوية”. وبكل أسف، أضحت الأنظمة العربية المسلمة –بوعي أو دون وعي– تطبق فكر “الفصل” بحذافيره؛ وهو الفكر المادي العلماني، المتأصل والمتأسس في الغرب. ومن ثم، يرى “عبد الرحمن” الحل الوحيد متمثلًا في نقل تلك الرؤى الفاسدة، الغريبة على الإسلام، إلى رؤية جديدة أسماها “الرؤية الائتمانية” التي تستبدل “الامتلاك” و”الاحتيازية” لدى المسلمين، أفرادًا وأنظمة، بـ”الائتمانية”، والتي تستبدل “فصل التباين” بين الديني والسياسي بـ”وصل التداخل” بين الديني والسياسي.
نقد الدولة والمؤسسات والرموز
وكما شهدنا كتابات تنقد الفكر والمنهاجية، شهدنا بالمثل كتابات تنقد الدولة والمؤسسات والرموز الغربية. فبالنسبة لنقد الرموز، رأينا المؤرخ البريطاني John Man، في كتابه “Saladin: The Life, the Legend and the Islamic Empire” (2015)، وهو ينتقد شخص “ريتشارد قلب الأسد”، في دوره غير الأخلاقي وغير الإنساني في حملته الصليبية على الشرق، مُشيدًا في المقابل بشخص “صلاح الدين الأيوبي” نموذجًا مناقضًا على كافة الأصعدة. ورأينا المؤرخ الألماني ذا الأصول الإيرانية David Motadel، في كتابه “في سبيل الله والفوهرر: النازيون والإسلام في الحرب العالمية الثانية” (مترجم) (2021)؛ وهو ينتقد شخص “أدولف هتلر” في دوره غير الأخلاقي وغير الإنساني (أيضًا) في الحرب العالمية الثانية، حينما قام بتوظيف وابتزاز المسلمين ليحاربوا في صف الجيش النازي الألماني ضد قوات دول الحلفاء.
وبالنسبة لنقد الدول، رأينا المنظر السياسي الأمريكي Francis Fukuyama، في كتابه “Political Order and Political Decay: From the Industrial Revolution to the Gobalization of Democracy“ (2014)، وهو ينتقد الدولة الأمريكية في سقوطها السياسي المدوي على امتداد العقود الأخيرة؛ وهي تلك الدولة التي أسماها “أكبر قلاع الديمقراطية”. ثم رأينا Roger Garaudy –وهو المختلف اختلافًا جذريًا (فكرًا وعقيدةً) عن Fukuyama– ناقدًا نفس الدولة، ولكن من زاويةٍ مختلفة؛ زاوية “الانحطاط” تجاه شعوب العالم، وبالأخص شعوب “الجنوب”.
بالنسبة لـFukuyama، ينصب نقده على الأنظمة الليبرالية الغربية التي أهملت المعاني والبرامج الأساسية للشعوب، لتُركز بدلًا منها على الإجراءات والحروب الأيديولوجية. فيصف الدولة الأمريكية، قبل نهايات القرن التاسع عشر الميلادي، بدولة الأحزاب والزبائنية والمحسوبية التي تكتفي بإجراء انتخابات ديمقراطية، تتم بشراء الأصوات وتقديم خدمات قصيرة المدى، بدلًا من تقديم سياسات وبرامج بعيدة المدى. وبالرغم من قيام الطبقة الوسطى الأمريكية، من رجال الأعمال والصناعة، بمقاومة تلك المنظومة الفاسدة، إلا أنها لم تؤت ثمارها المرجوة، لما تتسم به الطبيعة المؤسسية الأمريكية (انقسام السلطة بين الرئيس والكونجرس) من بطءٍ شديد؛ وهو ما أوصل الأمر إلى مأساةٍ حقيقية على سبعينيات القرن العشرين؛ حيث أضحت اتحادات القطاع العام جزءًا من النخبة التي تستخدم النظام السياسي لحماية مصالحها الخاصة، كما يؤكد Fukuyama. إذًا، فإن نقد Fukuyama منصبّ هنا على مؤسسة الدولة في أكبر قلاع الديمقراطية؛ تلك المؤسسة التي أضحت محلًا لانعدام الكفاءة والفعالية، واستفحال منظومتي الشللية والمحسوبية والزبائنية.
ومجابهةً لذلك الخطر الذي يهدد المنظومة الغربية بأسرها، المفترض كونها قائمة على مبادئ الديمقراطية والليبرالية، يدعو Fukuyama إلى ضرورة إدراج رافد التنمية السياسية مع بقية روافد التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولم يفكر في الإشارة إلى أي تجربة حضارية أخرى، كان لها سابق خبرة بالتنمية السياسية؛ مثل تجربة العالم الإسلامي في إرساء مفاهيم “الشورى” و”الحسبة” و”أهل الحل والعقد”، السابقة لمفاهيم الديمقراطية الغربية بقرونٍ عدة.
أما بالنسبة لـGaraudy، فكان نقده للدولة الأمريكية من زاوية “الانحطاط” في مُجمل سياساتها الخارجية تجاه العالم، والتي تتسم بالظلم والجور والطغيان؛ وذلك من بعد إرسائها دعائم “النظام العالمي الجديد” New World Order في أواخر ثمانينيات القرن العشرين؛ حيث كانت قد سطرت الحرب الباردة نهايتها بسقوط القطب السوفيتي وانتصار القطب الأمريكي، ليصير القطب الأوحد للعالم. ومن ضمن تلك السياسات، كما أورد Garaudy، سياسات التفتيت للمراكز الصلبة بالعالم التي تندرج تحتها مراكز المقاومة ومراكز الدول الكبرى؛ وسياسات العولمة أو الأمركة الفارضة لـ”وحدانية السوق”؛ بحيث يصير السوق هو المُنظم الأوحد للعلاقات بين البشر؛ وسياسات الأمركة الفاقدة للروج، والمُجهضة لأي مشروع جماعي ينفع الإنسان في حاضره ومستقبله؛ وسياسات تدمير العالم واستنزافه من أجل تحقيق المصلحة الاقتصادية الأمريكية؛ وسياسات التدخل بالقوة، والتفنن في إيجاد الذرائع الأخلاقية، لحفظ السيطرة على المواد الخام القادمة من الدول الفقيرة (التي تُسمى بدول العالم الثالث)، وضمان التدفق المستمر لتلك المواد أو الثروات، على حساب الشعوب التي تم إفقارها وحرمانها من ثرواتها.
وبالنسبة لنقد المؤسسات، رأينا الأستاذ الفلسطيني للأدب المقارن “إدوارد سعيد”، في كتابه “الاستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء” (1981)، والمفكر المغربي”عبد الإله بلقزيز”، في كتابه “العرب والحداثة: نقد الثقافة الغربية في الاستشراق والمركزية الأوروبية” (2017)، ناقدَين مؤسسة الاستشراق التي مثلت أداةً سياسيةً للهيمنة الغربية. كما رأينا الحبر اليهودي Dan Cohn – Sherbok، في كتابه “The Politics of Apocalypse: History and Influence of Christian Zionism“ (2006)، ناقدًا المؤسسات الصهيونية المسيحية التي لعبت دورًا محوريا في دعم المد الصهيوني الذي انتهى باحتلال فلسطين.
فأما “سعيد” و”بلقزيز”، فقد انتقدا مؤسسة الاستشراق التي تم تسخيرها وتوظيفها وتطويعها بوصفها أداة سياسية، لخدمة سياسات الهيمنة الغربية على العالم الإسلامي. وقد جمع “بلقزيز” رؤىً عربيةً ناقدةً لمؤسسة الاستشراق، من زوايا وجوانب مختلفة. من نقد العلاقة بين المحتل والمستشرق التي صار فيها الثاني موظفًا عند الأول (“أنور عبد الملك” و”إدوارد سعيد”) إلى نقد المنهجية المتحيزة التي يتبناها المستشرق الأوروبي في البحث، والمنهجية الأكثر تحيزًا التي يتبناها المستشرق الأمريكي (“محمد أركون”)، إلى نقد أصول الفكر الأوروبي عن الشرق والإسلام، وسيطرة رجال اللاهوت المسيحي، بجهلهم وعدائهم غير العلمي، على تلك الأصول (“هشام جعيط”).
وأما Sherbok، فقد انتقد المؤسسات الصهيونية المسيحية على مدار القرون الخمسة الماضية، وكيف مهدت الطريق نحو الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. وفي خضام هذا النقد، يرى الحبر اليهودي في الدولة البريطانية الوتد الحقيقي للمدّ الصهيوني المسيحي، حتى منتصف القرن العشرين؛ إذ كان لها الدور الأكبر في دحض المسيحية الحقيقية، وإحلال الصهيوينة المسيحية محلها.
ومن اللافت للنظر، أني وجدت –من ضمن جميع الكتابات التي طالعتها بخصوص هذا الشأن– من قام بنقد ناقدي الحداثة الغربية، رافضًا فكرة أن يكون لتلك الحداثة تأثير سلبي على الذات التراثية المصرية الإسلامية. وهي الفرضية التي تبناها أستاذ التاريخ المصري “خالد فهمي”، في كتابه “السعي إلى العدالة: الطب والفقه والسياسة في مصر الحديثة” (مترجم) (2022)، حيث افترض أن تحديث مصر منذ القرن التاسع عشر الميلادي لم يُفضِ إلى ضررٍ ملموس على الصعيد المصري الإٍسلامي. وهي رؤية أعتبرها فريدةً من نوعها، خارجةً عن السياق، مقارنةً بكل ما قرأته.
فلم ينقد “فهمي” المنظومة الغربية، ولم ينقد الحداثة؛ وإنما نقد –على الوجه المناقض– ناقدي الحداثة من العرب والمسلمين؛ حيث رفض رفضًا كاملًا سردية تأثير الحداثة سلبيًا على حياة المصريين؛ وهو ما جعله يصطدم مع رؤية “البشري” التي تفترض عكس ذلك. فبالنسبة لـ”فهمي”، لم يكن لدولة مصر الحديثة المركزية البيروقراطية (التي دُشنت في القرن التاسع عشر الميلادي) أي دور في علمنة النظام القانوني المصري، ولا حتى في علمنة المنظومة المجتمعية. فمن وجهة نظره، لم تتم علمنة الشريعة على أيدي الحداثيين، ولم يقم الصراع بين التراث والحداثة.
حلول مختلفة وراءها مواقف متباينة
وقد اجتهدت تلك الكتابات في تقديم الحل، ولكن عبر مناهج مختلفة. فبينما قدم Fukuyama الحل من داخل المنظومة الغربية، داعيًا إلى نموذج غربي يدعم حتمية التنمية السياسية مع بقية الروافد التنموية، بهدف تجاوز ذلك “السقوط السياسي”، مع عدم إشارته إلى أي نموذج حضاري آخر، تطلع باحثون غربيون آخرون إلى نموذج حضاري بديل عن النموذج الغربي، مثل Nagel وFlew وBauer وMan وMclarney. جميعهم أفصحوا عن رفضهم القاطع للمنظومة الغربية، وتطلعهم نحو منظومة بديلة، تكون أكثر إنصافًا وعدلًا.
ونستطيع فهم موقف Fukuyama المخالف، في تمسكه بالمنظومة الغربية، وعدم اعترافه بأي منظومة بديلة، من خلال القراءة في رؤيته المتحيزة والمتنمرة تجاه أي منظومة غير غربية، وبالذات المنظومة الإسلامية. فهو صاحب الفرضية المعروفة بفرضية “نهاية التاريخ”؛ حيث سطرت تلك “النهاية”، من وجهة نظره، انتصار التجربة الغربية في نهاية المطاف، ومن ثم لم تُبقِ مجالًا لنجاح أي تجربةٍ حضاريةٍ أخرى.
أما من صرح بوجوب إيجاد حل من داخل المنظومة الحضارية الإسلامية، فرأيناه متمثلًا فيما طرحه “طه عبد الرحمن”، من خلال دعوته إلى الرؤية الائتمانية، وفيما طرحه Garaudy من خلال دعوته إلى بناء نموذج “الجنوب” الإنساني، صاحب الخصوصية المتجاوزة للفكر المادي اللاديني، والقادر على تحدي النموذج الغربي المهيمن.
نقد الغرب في ميزان البشري[1]
إذا وضعنا جميع تلك الرؤى الناقدة للغرب في ميزان المؤرخ والمستشار “طارق البشري”، فسنشهد أمامنا توسيعًا وتكثيفًا لتلك الرؤى. ذلك أن “البشري” يقص علينا تاريخيًا –إن جاز القول– قصة الغرب معنا منذ البداية؛ قصة المحتل الغربي الذي سطا علينا، عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا وحضاريًا وثقافيًا، فإذا به يربك خياراتنا وأولوياتنا. ولكن القصة ليست كلها قصة اعتداء الغرب علينا، كما يوضح المستشار، وإنما لها تكملة مهمة متمثلة في تمكين المسلمين لذلك الاعتداء، بكل أسف، سواءً بقصدٍ أو دون قصد.
إن نقد “البشري” للمنظومة الغربية يأتي في سياقٍ تاريخي. ذلك المُفكر القاضي المصري العربي المسلم الذي أمعن فكره ونظره، مستخدمًا خبرته القانونية والقضائية في رسم صورة واضحة وموسعة للتأثير السلبي -بل المدمر- للغرب على منطقتنا العربية الإسلامية؛ ذلك التأثير الذي ما زلنا نتجرعه حتى هذه اللحظة. وفي ذلك نجد “البشري” وقد تجاوز النقد الجزئي الذي أوردناه سالفًا عبر الكتابات المختلفة، منتقلًا إلى النقد الكلي الشامل.
صب “البشري” نقده على أوروبا المحتلة في القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث قامت بتفكيك الجامعة الدينية (الجماعة السياسية الإسلامية الحاكمة في العالم الإسلامي حتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي)؛ وهو الأمر الذي أسفر عن تغيرات جذرية وعميقة في صبغة العلاقات بين دوائر الانتماء، وفي طبيعة الأوضاع الاجتماعية والعادات الحياتية، وفي الحدود الجغرافية. باختصار، إن ما فعلته أوروبا المحتلة هو قيامها برسم “ماكيت جغرافي وبشري” غريب على العالم الإسلامي، غريب على الشريعة، ولكنه متلائم ومتوافق مع رؤاها ومصالحها الغربية الاحتلالية. لقد هبطت أوروبا بنماذجها التنظيمية، منذ أواخر القرن التاسع عشر، على العالم الإسلامي، مُخلِّفةً نظم حكم حديثة بعيدةً كل البعد في إطارها الفكري والمرجعي عن المرجعية الإسلامية، بعيدةً كل البعد عن أية مضامين إنسانية، منفصلةً كل الانفصال عن هوية الأمة وثقافتها.
انتقد “البشري” قيام الغرب المحتل بتغيير صبغة العلاقات بين دوائر الانتماء التي كان يندرج في ظلها أهالي الإقليم الواحد، وانتقد قيامه بإحداث إختلال في موازين القوى بسبب عدوانه الكاسح على مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية بالعالم الإسلامي. وكانت النتيجة أن أسهم الغرب المحتل في تدشين جماعات سياسية، لم تظهر بموجب التفاعل الطبيعي بين دوائر الانتماء الموجودة بين الناس، إنما ظهرت بموجب عنصر خارجي ضاغط، فرض الحدود الإقليمية والبشرية وفقًا لرؤاه ومصالحه؛ وهو الأمر الذي أفضى بعد ذلك إلى قيام دول “ما بعد الاستقلال”، منبثقة عن جماعة سياسية غريبة عن الشعب، لا تمثله ولا تعمل لصالحه؛ وإنما جماعة تقتصر وظيفتها على إجراء تسهيلات تجارية ومرورية للخارج الغربي.
بمعنى آخر، لقد رسمت القوى الغربية المحتلة حدود الدول العربية؛ وهو ما نطلق عليه حاليًا “الشرق الأوسط” أو “الشرق الأدنى” أو “الماكيت الجغرافي والبشري” الذي تشكلت في إطاره حركات التحرر الوطني، مما يؤكد على حقيقة عدم استقلالية وتحرر تلك الدول من محتليها.
أما بالنسبة لسياسات التدخل الغربي في النظم القانونية والتعليمية الإسلامية منذ القرن التاسع عشر الميلادي، فقد أفرد لها “البشري” مساحةً بل مساحاتٍ واسعة من البحث والكتابة والتحليل. فتناول سعي الغرب نحو إقصاء الشريعة بوصفه خطوة تمهيدية لإقصاء الإسلام وهو النظام الذي يدبر شئون الحياة، للدولة والمجتمع سواء. كما تناول سعي الغرب نحو توسيع دوائر النخب المتأثرة بالفكر الغربي، عبر إدخال وإقحام النظام التعليمي الحديث في البلدان الإسلامية. وهو ما سجله قائلًا: “كانت التكوينات المتأثرة بالفكر الغربي لا تعدو وقتها دوائر النخب السياسية، من كبار رجالات المجتمع ذوي المناصب الكبيرة. ولكن هذه الدوائر بدأت مع الوقت تتسع وتنشق. وذلك بسبب نظام التعليم الحديث الذي لم يكتف بإدخال العلوم الحديثة والعلوم الطبيعية واللغات، لكنه أُسس ونُظم على النمط الأوروبي، من حيث فصل علوم الدنيا عن علوم الدين، فركز على الأولى وأهمل الثانية إهمالًا” (البشري).
ويلفت “البشري” النظر، في هذا الصدد، إلى مسألةٍ مهمة؛ وهي أن حقبة الاحتلال البريطاني والفرنسي، منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى القرن العشرين الميلادي، على الرغم مما شهدته من تدخلات عقيمة في المجالين القانوني والتعليمي، إلا أن معايير الاحتكام كانت ولا تزال إسلامية، وكذلك التكوينات الفكرية والمعايير الوجدانية؛ وهو ما يختلف تمامًا عما شهده العالم الإسلامي بعد ذلك، في الألفية الثانية، في ظل القطب الأمريكي الأوحد، الذي وصلت فيه آثار التغريب إلى قلب المسلم وعقله وروحه.
ولكن في الوقت نفسه، لم يُحمِّل “البشري” الخطأ كله للغرب، وإنما حمَّله أيضًا للمسلمين أنفسهم، وللنخب الإسلامية تحديدًا. فقام بتوجيه النقد صوب تلك النُخب، فيما يخص جمودها الفكري وقعودها عن التجديد الديني؛ مما أفضى إلى التدخل الغربي في مجالي التعليم والقانون، منذ أواخر القرن التاسع عشر، كما ذكرنا أعلاه. وهو جمود يراه المفكر ناتجًا عن اختلال موازين القوى بين العالمين الإسلامي والغربي؛ ذلك الاختلال الذي أصاب النخب الإسلامية بالصدمة والارتباك والخوف.
لقد أفضى قعود أهل العلم المسلمين عن التجديد الديني إلى اجتثاث “مجال المعاملات” من الشريعة الإسلامية، في عام 1883، ونقله من المحاكم الشرعية إلى المحاكم الأهلية، ومن التشريع الإسلامي إلى التشريعات الوضعية. أما تخاذل أهل السياسة والحكم، فقد تمثل في قيامهم بالموافقة على اتفاقيات أدت إلى اضطراب البناء التشريعي في أقطار الدولة العثمانية، حينذاك. وكان من أخطر تلك الاتفاقيات، “عهد التنظيمات” عام 1839، ثم “معاهدة برلين” 1840، ثم ما تلاها من افتتاح للمحاكم المختلطة المصرية عام 1875، والمحاكم الأهلية عام 1881.
ويُرجع “البشري” الجمود الفكري لدى العلماء المسلمين، في تلك الفترة، (القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر)، إلى جمود الواقع الاجتماعي السياسي، لا إلى جمود الموروث الديني. فقد انكسرت حركة الإصلاح المؤسسي التي قادها “محمود الثاني” في اسطنبول و”محمد علي” في القاهرة (في النصف الأول من القرن التاسع عشر)، لا نتيجة مشكل فكري، إنما نتيجة مشكل سياسي متمثل في إختلال موازين القوى بين العالم الإسلامي والعالم الغربي؛ وهو ذلك الإختلال الذي أفصح عنه “مؤتمر برلين” 1840، حينما هُزم “محمد علي”، ليُفرَض عليه فرضًا وغصبًا وإجبارًا القضاء على جيشه، وعلى مصانعه، وعلى مدارسه. “ومع منتصف القرن التاسع عشر، لم نعد نأخذ من فكر الغرب وعلومه ونظمه ما نريده نحن مما نحتاج إليه، ولكننا صرنا نُعطى منه ما يريد هو إدخاله إلينا“.
وكما انتقد “البشري” المسلمين على مستوى علماء الدين، فقد انتقد أيضًا النخب الثقافية والسياسية العلمانية التي كان لها دور – لا يقل سلبيةً- في تمكين الهيمنة الغربية، وتثبيت أركانها في دول المسلمين. فالنخب العربية العلمانية (سواءً مسلمة أو مسيحية) والتي اختارت “التجديد”، هي نخبٌ حادت عن الطريق؛ وذلك عبر سماحها بالانفصام المجتمعي بين الموروث والوافد، وعبر جلبها الإطار المرجعي الغربي، وغرسه غصبًا في نسقنا الثقافي.
هؤلاء “المجددون”، بحسب منظور “البشري”، اقتفوا آثار الغرب في مسلكهم ومسارهم “النهضوي”؛ فإذا بهم يدعون إلى مشروع “نهضة” الغرب، دون إصلاح أو تجديد حقيقي يلبي مصالح الأمة، ويحقق رسالتها العالمية. وقد تحقق هذا “العوار” النهضوي فيما قامت به حكومات التحرر الوطني، منذ أواسط القرن العشرين؛ إذ كان استقلالها من الاحتلال الغربي (البريطاني والفرنسي) اسميًا فقط؛ فالاستقلال الحقيقي كان بعيدًا كل البعد عن تلك الحكومات “الوطنية”. وهنا يشير “البشري” إلى “تقنيات الاستقلال” التي استخدمتها تلك الحكومات، دون تطبيق فعلي لتلك “التقنيات”.
إذ كانت تلك “التقنيات” متأثرةً أكثر بقوانين الغرب عن تأثرها بالشريعة الإسلامية؛ وكانت متسقةً أكثر مع التصور العلماني للحركة الوطنية الذي أعقب الحرب العالمية الأولى. وهو ما يؤكد فرضية “البشري” في عدم استقلالية أنظمة التحرر الوطني حقيقةً، بعد خروج جيوش الاحتلال، في منتصف القرن العشرين؛ إنما كانت –بكل أسف– استقلالية “عن الذات”. ومن ضمن الأمثلة الواضحة والأدلة التي ساقها المؤرخ ليبرهن بها عن استقلاليتنا المختلة العقيمة التي فصلتنا عن ذاتنا الإسلامية: إلغاء الوقف الأهلي والمحاكم الشرعية في مصر بعد ثورة 1952؛ إلغاء جميع الطوائف والهيئات التي كانت تمنح الشعوب العربية قدرًا من الحرية والحكم الذاتي والقدرة على مواجهة الاستبداد بعد ثورة 1952؛ قطع العلاقة بين النظام القانوني والنسق الأخلاقي المرتبط بالدين، بعد تحول النظام القانوني من نظام معيشة -كما كان يحدث في المجالس العرفية– إلى أداة تستخدمها الدولة في مواجهة أفراد هي غريبة عنهم؛ أيضًا بعد ثورة 1952.
وجَّه “البشري” سهام نقده نحو حكومات التحرر الوطني –في الخمسينيات والستينيات للقرن العشرين– بسبب إقصائها الحركة الإسلامية عن الساحة السياسية، وإبعادها الفكر السياسي الإسلامي عن التأثير في الصياغات والرؤى السياسية؛ الأمر الذي نقل التوجه الإسلامي إلى مرحلة الخفوت، بعدما تضارب مع سياسات الأمن القومي القُطري.
ونتيجةً لكل ذلك، كما أورد مُفكرنا المحترم، استلمنا القرن العشرين بانفصامٍ حضاري في المرجعية والقيم ومعايير الاحتكام. فقد دبت حركة الانفصام في أرضنا، وضربت جذورنا، مع نهاية القرن التاسع عشر، حينما بدأنا –ولأول مرة– الدخول في صراعٍ بين الموروث والوافد، بعدما انقسمت نظمنا القانونية والتعليمة –ولأول مرة أيضًا– إلى ثلاث نظم متشاكسة مع بعضها البعض. فوجدنا على صعيد القضاء صراعًا بين المحاكم الشرعية والمحاكم المختلطة والمحاكم الأهلية. ووجدنا على صعيد القوانين صراعًا بين القوانين الشرعية والقوانين المختلطة للأجانب والقوانين الأهلية. ووجدنا على صعيد التعليم صراعًا بين المدارس الدينية والمدارس الأجنبية والمدارس الأهلية. وظل هذا الانفصام يشتد ويتزايد علينا لأكثر من نصف قرن.
وما يجدر قوله في هذا المقام، إن نقل النسق الفكري الغربي على أيدي تلك النخب العلمانية، من أجل زرعه بالقوة في سياقنا الإسلامي العروبي، أدى إلى وظيفةٍ عكسية، كما يُدلي “البشري”. وضرب مثالًا عن ذلك، في إشارته إلى مفهوم “العلمانية”. فالنسق العلماني –الذي ترعرع في البيئة الغربية– أخلف الديمقراطية، إلا أنه حينما نُقل إلينا، أخلف لدينا الاستبداد؛ لكونه أطلق يد الدولة من كل قيد فكري يرد عليها من خارجها، تحتكم إليه الجماعة المحكومة. مثال آخر، أشار إليه “البشري”، حينما تطرق إلى مفهوم “الدولة القومية”؛ تلك الدولة التي أدت بالغرب إلى السير في طريق التجميع والتوحيد، بينما أدت بنا إلى طريق التجزئة والتفتيت. صفوة القول: إن العالم الإسلامي لم يستفد من المخترعات الغربية؛ لكونها جاءت إلينا متصلةً بنظم علاقات دولية، أوجدت لدينا عكس ما أوجدته لدى الغرب، بل استخدمته ضدنا. “إن ما أدى بالغرب إلى السيادة هو ذاته ما أدى بنا إلى التبعية” (البشري).
وكما رأينا، كانت حكومات التحرر الوطني في منطقتنا العربية مركزًا أساسيًا لنقد “البشري”. تلك الحكومات التي عكفت منذ خمسينيات القرن العشرين على الاستهداء بنظم الغرب في تشكيل المؤسسات، فأخرجت لنا مشاريع “نهضة” قائمة على الاستبدال بمنظومة الغرب، بدلًا من إصلاح منظومتنا الذاتية.
ومما ساعد أيضًا على تمكن الغرب من العالم الإسلامي، توهَّج التيار العروبي العلماني، واستشراء الاستقطاب الثقافي بين القوى السياسية لدينا. جميعها كانت أسبابًا مساعدةً على إضعافنا أمام الغرب، ومن ثم توغُّله في داخلنا، كما أوضح “البشري”.
لقد كان التيار العروبي العلماني -المكتسح في الخمسينيات والستينيات للقرن العشرين، وما يحمله من صبغة علمانية متعارضة مع واحد من أهم أسس التصور الإسلامي- مسئولًا عن تمكن القوى الغربية من ديارنا وثرواتنا وعقولنا؛ وإبعادنا عن ذاتنا الحضارية الإسلامية. وقد تجلّى هذا التيار، في القرن العشرين، متمثلًا في “عروبة الشام” التي ناهضت الدولة العثمانية، وفي “مصرية 1919” التي ناهضت الاحتلال البريطاني.
وكانت نتيجة بُعدنا عن ذاتنا الإسلامية، انقسامنا فيما بيننا، ونشوء الاستقطابات الثقافية فيما بين أحزابنا وقوانا السياسية. فبعد أن كنا ذاتًا إسلاميةً واحدةً، صرنا ذواتًا متعددة ومتشاكسة؛ وهو ما تجلى في مصر بعد قيام ثورة 1952، كما أورد “البشري”. وتمثل الخطأ الجسيم في إنفاق الوقت والجهد لحل الاستقطابات الثقافية بين القوى السياسية، بدلًا من إنفاق الوقت والجهد لحل الاستقطابات حول سياسات الدولة المراد بناؤها. فالثورة لم تقم من أجل حلّ الاستقطاب الثقافي؛ وإنما من أجل حلّ الاستقطاب السياسي.
وهو نفس الاستقطاب الثقافي –بين الديني والمدني– الذي أثاره نظام “محمد حسني مبارك” لصرف الانتباه عن الصراع السياسي ضد استبداده وتبعيته للولايات المتحدة الأمريكية. وهو نفس ما حدث بعد ثورة يناير 2011، بهدف صرف الأنظار عن صراعات واستقطابات البناء السياسي الاقتصادي؛ كما يؤكد “البشري”.
الوسطية في التعامل مع الغرب
ورُغمًا عن نقد “البشري” لهيمنة الغرب على العالم الإسلامي، وكذلك نقده لتهاون المسلمين في اتخاذ ردة الفعل المطلوبة، إلا أنه لا يمانع من الأخذ من الغرب، ولكن في ظل شروط صارمة. فبرأيه، ليس الغرب كله ضالًا، بل هناك غرب رشيد، برع في تصميم النماذج التنظيمية. ومن ثم، فلا ضير في استلهام تلك النماذج لتنظيم شئون الجماعة الإسلامية. فالنموذج النيابي (البرلمان)، على سبيل المثال، نموذج يشتمل على مباديء رشيدة، مثل مبدأ التمثيل النيابي، ومبدأ توزيع السلطات، ومبدأ القرار الجماعي. وهي جميعها مباديء وإجراءات يسهل هضمها حضاريًا، وإدخالها في إطارنا المرجعي، شريطةً ألا نأخذ منهم الأسس المرجعية لتلك النماذج والإجراءات؛ إذ أن الأساس المرجعي في الإسلام متعلق أولًا وأخيرًا بالأصول الشرعية العامة، وبالغايات والأهداف العليا، وهي محل خلاف كامل وشامل مع الحضارة الغربية.
ومن ثم، يصير التجدد/التجديد الحضاري –الذي ننشده نحن المسلمين– متمثلًا في هضم النموذج التنظيمي الغربي (بوصفه أداة وأسلوبًا وإجراء فقط) في داخل سياقنا التاريخي الحضاري الثقافي. فالتجديد –من منظور “البشري”– لابد أن يقوم على علاقةٍ واتصال وتجاوب مع القديم الموروث؛ وحينئذٍ سيصير ذا طابع حضاري خاص، باقٍ ومتجدد. وذلك خلافًا لما تراه فئة “العلمانيين” التي تستحضر النموذج الغربي كله، بإطاره المرجعي، ثم تغرسها غرسًا في بيئتنا الثقافية ونسقنا الحضاري، كما ذكرنا أعلاه.
ومن ثم يصير الحل –وهو حل واحد من ضمن حلول أخرى- الذي يقدمه “البشري”، لإشكالية “نحن والغرب”، متمثلًا في التجديد الحضاري؛ أي الاستفادة من النماذج التنظيمية الغربية دون استحضار إطارها الفكري الغربي، ثم وضع تلك النماذج على أرضيتنا الثقافية والحضارية، لكي تنمو في وسطها، وتترعرع بمائها. وهنا يؤكد “البشري” على سعة ورحابة المرجعية الإسلامية القادرة على استيعاب نظمًا متعددة، وفقًا لأوضاع الزمان والمكان. وفي ذلك إشارة من المؤرخ المفكر على الخطأ الذي وقع فيه الكثير من الإسلاميين، حينما اعتبروا الإسلام نظامًا سياسيًا واجتماعيًا بدلًا من اعتباره مرجعيةً عامةً رحبةً، تستوعب الاختلاف، ولكن وفق شروط معينة. وفي ذلك دعوة من “البشري” إلى الإسلاميين بتوسيع أفقهم ومدركاتهم تجاه الإسلام؛ فلا يحصرونه في نظام معين ثابت، وإنما يفتحون له الآفاق لكي يصير مرجعية كبرى فضفاضة، تسع الجميع تحت مظلتها.
صفوة القول
يتميز موقف “البشري” بالاتزان والوسيطة والتروي. فهو يقف ضد “زعم التجديد” الذي يسلب ذاتنا وهويتنا وشخصيتنا لحساب الآخر، الذي يمثل “الغربي” في هذا المقام، إلا أنه –في الوقت ذاته– لا يمانع إطلاقًا من اقتباس أدوات ووسائل الآخر، والانتفاع بها من أجل خيرية الجماعة الإسلامية، شريطةَ ألا يتعدى هذا الاقتباس دائرة الأدوات، متطرقًا إلى دائرة المرجعيات والغايات. بمعنى آخر، لا يقف “البشري” مع الغرب مطلقًا، كما أنه لا يرفضه مطلقًا.
وظني أن “البشري”، بمرجعيته وقناعاته الإسلامية تلك، قد اقتفى منهاج القرآن والنبوة في اتخاذ هذا الموقف. فأما منهاج القرآن، فهو يؤكد على حتمية الاختلاف بين الناس، باعتباره أصلًا وسُنةً من سُنن الخلق، التي أرادها الله عز وجل. “يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم. إن الله عليم خبير” (الُحجرات، 13). فبالتعارف يتعايش ويتأقلم البشر المختلفون مع بعضهم البعض، ويتبادلون المنافع فيما بينهم، تحقيقًا للخير العام. وأما المنهاج النبوي، فقد تمثل في تعامله عليه الصلاة والسلام مع الآخر – الكافر المُهادن حينذاك – بطريقةٍ طبيعية، يحدث من خلالها تبادل مشروع في المنافع. فقد قًبِل عليه الصلاة والسلام أن يكون في جوار “مُطعًم إبن عدي” الكافر المُهادن، ليحميه من إيذاء كفار قريش في مكة. وكذلك قَبِل عليه الصلاة السلام أن يقترض دروعًا من “صفوان ابن أُمية”، الكافر المُهادن أيضًا، في غزوة حُنين. بمعنى آخر، ليس هناك ضير، شرعًا، من الاستعانة بأدوات غير المسلم، وإن كان كافرًا، ما دامت هذه الأدوات تصب في صالح الأمة.
إلا أن مسألة علاقتنا مع الغرب تتضمن إشكاليةً أساسيةً وجوهريةً ومفصليةً، لا يمكن نسيانها أو التجاوز عنها؛ وهي إشكالية الاعتداء الغربي المستمر على أمتنا الإسلامية، على امتداد قرونٍ ماضية؛ وتحديدًا منذ قيام الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر الميلادي؛ بل واستمرار ذلك الاعتداء إلى يومنا هذا؛ إلى لحظة كتابة هذه السطور. وفي الحرب الأمريكية الأوروبية الإسرائيلية على غزة، منذ السابع من أكتوبر 2023، خير شاهد ودليل على ذلك. نحن الأمة الإسلامية نجد أنفسنا أمام سلسلة اعتداءات مستمرة، لم تنقطع منذ عشرة قرون تقريبًا. وإن انقطعت، فهي تلتقط أنفاسها فقط، لعد العُدة من أجل شن اعتداءٍ جديد. إنها اعتداءات مادية ومعنوية، طالت المسلمين في ديارهم، وأرضهم، وثرواتهم، ومقدراتهم، بل وفي وجدانهم وعقائدهم.
تلك الاعتداءات حوًلت أنظمة وحكومات العالم الإسلامي إلى تابعٍ للقوى الغربية، يأتمر بأمرها، ويرضخ لقرارها. وليس أدل على ذلك –مرةً أخرى- من حرب غزة الأخيرة، التي دخلت اليوم في شهرها العاشر، وهي تُسجل وتوثق اعتداءً غربيًا سافرًا على شعب فلسطيني أعزل، بل على أمةٍ إسلاميةٍ بأكملها، لم يعد لديها دول وحكومات تذودُ عنها، وتدفع عنها هذا الاعتداء الوحشي.
وتلك التبعية هي أساس المرض في جسد أمتنا الإسلامية؛ وكل ما سواها أزمات لدينا، ليست إلا عرضًا لذلك المرض العُضال. وطالما تناول “البشري” هذا “المرض” في مؤلفاته، مؤكدًا أنه لا سبيل إلى ديمقراطية وعدالة وكرامة وحرية في بلاد المسلمين إلا بالتحرر من تلك التبعية. باختصار، لا مجال لنجاح أي ثورة تحررية حقيقة – تحقق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية لشعوبنا – إلا بعد “فك الارتباط” من تلك التبعية.
ولعل ما يحدث في غزة الآن من مقاومةٍ صامدةٍ، أذهلت شعوب العالم كلها على امتداد تسعة أشهر كاملة، لعل تلك المقاومة تصير هي أولى المحاولات الحقيقية لكسر حلقة التبعية. فهي مقاومةٌ لا تتحدى فقط القوة العظمى في العالم – الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها إسرائيل – وإنما تتحدى أيضًا النموذج الأمريكي بأكمله؛ بمفاهيمه الليبرالية والرأسمالية والعلمانية والمادية. هي مقاومةٌ تجاهد من أجل حفر نموذجها الخاص بها، المُستلهم من نسقها الحضاري الإسلامي…وهو الاستقلال الحضاري، الذي يجب أن يأتي في مقدمة أي استقلال عن التبعية. فالاستقلال الحضاري يجب تحقيقه أولًا، قبل أي استقلال سياسي اقتصادي.
فالاستقلال الحضاري يُعيد قراءتنا لذاتنا وشخصيتنا من جديد، لنستحضرها ونحييها، بعد أن أماتتها التبعية على امتداد عقود…فنعرف من نحن، وما دورنا، وما رسالتنا، وأين مكاننا، وماذا نريد…وهي قضية لطالما استرعت انتباه “البشري”، فجعلته ينادي دومًا بضرورة تحقيق الاستقلال الحضاري أولًا قبل أي استقلال آخر.
واستعادة الذات والمرجعية والقيم قبل استعادة الأرض والثروة والإقليم. ولعلنا في أمسِّ الحاجة إلى تكاتف شعوب “الجنوب” مع تلك المقاومة؛ تكاتف يفضي في النهاية إلى هزيمة النموذج الغربي، بكل قيمه ومفاهيمه ومعاييره وتصوراته. ولعلنا نستحضر هنا ما طرحه Garaudy، حينما دعا إلى بناء نموذج “الجنوب” الإنساني، يكون ذا خصوصية متجاوزة للفكر المادي اللاديني، وقادرًا على تحدي النموذج الغربي المهيمن. وظني، أنه قد ظهرت بالفعل ملامح تبلور نموذج ذلك “الجنوب” الإنساني في أواسط شعوب الغرب، التي هبت هبةً تاريخية، لم يسبق لها مثيل، ضد مجازر الكيان الصهيوني، وضد القوى الغربية الداعمة له. وهو أمرٌ عجيبٌ حقًا، أن تصير أوروبا وأمريكا – وليس العالم العربي والإسلامي – مسرحًا لتلك الهبات الشعبية الكاسحة، التي ضحى فيها طلاب غربيون بمستقبلهم الدراسي في الجامعات من أجل الصدع بكلمة حق؛ ومن أجل الانتصار للقيم الإنسانية على أي قيم مادية أخرى.
فهل ستشهد الأيام والشهور والأعوام المقبلة اكتمال بناء نموذج “الجنوب” الإنساني، باصطفاف الشعوب العربية والمسلمة جنبًا إلى جنب مع الشعوب الغربية؟ وكسر ذلك النموذج الغربي المهيمن الجشع الذي أضر الجميع، بل أضر الكون كله؟
المصادر:
- إدوارد سعيد، الاستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء، كمال أبو ديب (ترجمة)، (مؤسسة الأبحاث العربية: بيروت، 1981).
- أنتوني فلو، هناك إله: كيف غير أشهر ملحد رأيه؟، صلاح الفضلي (ترجمة) (دار عصير الكتب: القاهرة، 2019).
- توماس باور، لماذا لم توجد عصور وسطى إسلامية: الشرق وتراث العصور العتيقة، عبد السلام حيدر (ترجمة)، (منشورات الجمل: بغداد، 2020).
- خالد فهمي، السعي للعدالة: الطب والفقه والسياسة في مصر الحديثة، حسام فخر (ترجمة) ، (دار الشروق: القاهرة، 2022).
- ديفيد معتدل، في سبيل الله والفوهرر: النازيون والإسلام في الحرب العالمية الثانية، محمد علي صلاح (ترجمة)، (مدارات للأبحاث والنشر: القاهرة، 2021).
- طارق البشري، نادية مصطفى (مقدمة)، التجدد الحضاري: دراسات في تداخل المفاهيم المعاصرة مع المرجعيات الموروثة، (الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2015).
- طارق البشري، في المسألة الإسلامية المعاصرة: الحوار الإسلامي العلماني، (دار الشروق: القاهرة، 2006)، الطبعة الثالثة.
- طارق البشري، في المسألة الإسلامية المعاصرة: ماهية المعاصرة، (دار الشروق: القاهرة، 2006)، الطبعة الثالثة.
- طه عبد الرحمن، ثغور المرابطة: مقاربة ائتمانية لصراعات الأمة الحالية، (منتدى المعارف: بيروت، 2019).
- عمرو عبد المنعم شريف، محمد عمارة (مقدمة)، وهم الإلحاد، (مكتبة الأزهر: القاهرة، 2013).
- عمرو عبد المنعم شريف، أحمد عكاشة (مراجعة ومقدمة)، الإلحاد مشكلة نفسية: علم نفس الإلحاد، (نيوبوك للنشر والتوزيع: القاهرة، 2016).
- عبد الإله بلقيز، العرب والحداثة (4): نقد الثقافة الغربية في الاستشراق والمركزية الأوروبية، (مركز دراسات الوحدة العربية: بيروت، 2017).
- هيثم طلعت علي سرور، عمرو عبد المنعم شريف (مقدمة)، مناظرة الملحدين، (نيوبوك للنشر والتوزيع: القاهرة، 2016).
Dan Cohn-Sherbok, The Politics of Apocalypse History and Influence of Christian Zionism, (Oneworld Publications: Oxford, 2006)
Ellen Anne McLarney, Soft Force: Women in Egypt’s Islamic Awakening, (Princeton Univeresity: Princeton, 2015)
Francis Fukuyama, Political Order And Political Decay: From the Industrial Revolution to the Globalization of Democracy, (Profile Books LTD: London, 2014)
John Man, Saladin: The Life, the Legend and the Islamic Empire, (Bantham Press: London, 2015)
Karen Armstrong, Muhammad: A Biography of the Prophet, (Phoenix Press: London, 2001)
Thomas Nagel, Mind and Cosmo: Why the Materialist Neo-Darwinism Conception of Nature is Almost Certainly False, (Oxford University: Oxford, 2012)
هوامش
[1] سبق نشر هذا الجزء في: د. شيرين حامد فهمي، نقد الغرب في ميزان البشري، موقع مركز خطوة للتوثيق والدراسات، 18 أغسطس 2024، متاح عبر الرابط التالي:https://www.khotwacenter.com/?p=12714