العرب والمسلمون وأمريكا اللاتينية

مقدمة:

تُعَدُّ قارة أمريكا اللاتينية من الأهمية بمكان بالنسبة للعالم الإسلامي. فمن جهة تقدِّم دول هذه القارة خبرات ثريَّة في التحولات السياسية وخطوات التقدُّم الاقتصادي، وكذلك في المجال الثقافي، يمكن الاستفادة منها من قبل دول العالم الإسلامي التي تزخر بالتحديات سواء في نظمها السياسية الداخلية أو في أوضاعها الاقتصادية وحتى الثقافية. ومن جهة أخرى تشكل الدول اللاتينية مساحة من الرحابة الدولية بالنسبة للملفَّات الحيوية في العالم الإسلامي والتي تحتاج تحركًا وتعاونًا دوليين، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من هذه الأهمية الكبيرة إلى جانب تواجد الجاليات العربية والإسلامية وحضورها في هذه الدول، إلَّا أن الدراسات والأبحاث التي تهتم بأمريكا اللاتينية عامة وعلاقاتها مع العرب والمسلمين التي قُدِّمَتْ باللغة العربية نادرة بشكل مُلْفِتٍ. وأحاول هنا تقديم بعض هذه الدراسات التي نُشرت خلال السنوات العشر الأخيرة.

١) علاقات الدول العربية مع دول أمريكا اللاتينية: الأبعاد والتحديات والآفاق المستقبلية[1]

يتناول الباحث في هذه الدراسة أوجه التقارب بين الدول العربية ودول أمريكا اللاتينية. حيث يؤكِّد عمقَ الرابطة التاريخية المتمثِّلة في الإرْث الاستعماري الذي يشْمل جميع تلك الدول ومقاومتها له عبر الزمن؛ سواء في شكله القديم من استعمار مباشر للأرض، أو في شكله الحديث من جهود سيطرة الدول الغربية المتقدِّمة على الاقتصاد العالمي. وكذلك يربط الدولَ العربية بالقارة اللاتينية الأعدادُ الكبيرة من المهاجرين العرب الفاعلين في الاقتصاد والحياة اللاتينية لعقود طويلة.

كما تبرز الدراسة امتداد التنسيق السياسي بين العرب واللاتينيين منذ تجلِّيه في حركة عدم الانحياز في ستينيَّات القرن الماضي، حتى استمرار انعقاد “أسبا” قمة الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية التي تسْهم في زيادة التعاون السياسي والاقتصادي بين تلك الدول في السنوات الأخيرة. ويفصِّل الباحث في أهمية انعقاد “أسبا” بالنسبة للدول العربية، خاصة حينما تحتاج الدول العربية إلى تكتُّلات دولية لصالح قضاياها في المنظمات الدولية وفي مقدِّمتها مجلس الأمن. وتسلِّط الدراسةُ الضوءَ على دعم عدد من الدول اللاتينية للقضية الفلسطينية. وكذلك رفض بعض هذه الدول التدخلات الأجنبية في العراق وسوريا وليبيا.

ويلْفت مبروك النظر إلى أنه بالرغم من توافر الكثير من عوامل التقارب بين الدول العربية والدول اللاتينية فإن العلاقات بينها تواجه قدرًا غير يسير من التحديات التي تهدِّدها. ويمثِّل على ذلك بالخلاف الذي شهدتْه قمة بيرو عام ٢٠١٢ حول موضوع النزاع بين جزر الإمارات وإيران، بسبب مصالح بعض الدول اللاتينية مع الأخيرة، وكذلك الخلاف حول ملف الأزمة السورية والعداء مع نظام الأسد ذي العلاقات الوطيدة مع عدد من دول القارة اللاتينية، وغيرها من ملفات الخلاف.

ويختم الباحث ورقتَه بالتشديد على أهمية التركيز على التعاون الاقتصادي بين الدول العربية ودول أمريكا اللاتينية، والذي يحمل فرصًا هائلة للجانبين؛ في مجالات التكنولوجيا والاستخدام السلمي للطاقة النووية وصناعة الطائرات، وإدارة موارد المياه ومكافحة التصحُّر، إلى جانب تعزيز العمل المشترك في الملفات السياسية الدولية.

وتعتبر هذه الدراسة تقريرًا يقف على حالة التعاون بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية وما يعترض هذا التعاون من عقبات في بعض الأحيان. حيث تسرد محطات هذا التعاون من عقد القمم والاتفاقيات والتحالفات في المنظمات الدولية. غير أن الدراسة لم تتعمَّق كثيرًا في تحليل التحديات التي تواجه التقارب العربي اللاتيني. ولم تقدِّم مواقف الدول الأخرى من تقوية العلاقات العربية اللاتينية التي قد تضرُّ بمصالحها سواء في المجالات الاقتصادية أو بخصوص الملفات السياسية الحيوية المتنازع حولها.

٢) مستقبل العلاقات العربية مع دول أمريكا الجنوبية[2].

تقوم هذه الدراسة برصْد وتحليل الأبعاد المختلفة للعلاقات العربية الأمريكية الجنوبية، كما تحاول استشراف مستقبل هذه العلاقات، من خلال رصد التحديات التي تقف في وجه تطويرها. وتختم الدراسة برصْد آليَّات وسُبل تدعيم العلاقات العربية الأمريكية الجنوبية، بما يعزِّز مصالحهم المشتركة، ويحقِّق الاستقرار الاقتصادي لشعوبهم، ويحسِّن مكانتَهم على الساحة الدولية.

وتُرْجِعُ الدراسةُ أهميةَ تعزيز التعاون بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية، إلى مجموعةٍ من الأسباب، أهمها على الجانب السياسي: دعم أغلب دول القارة للقضية الفلسطينية (ما عدا كولومبيا)، وفي نفس الوقت احتفاظ هذه الدول بعلاقات قوية اقتصادية مع إسرائيل، وبالإضافة إلى العلاقات القوية لعدد منها مع إيران. وتشترك دول أمريكا الجنوبية وفي مقدِّمتها البرازيل مع الدول العربية في المطالبة بإصلاح مجلس الأمن الدولي. كما تحتاج الدول العربية إلى الاستفادة من الخبرات اللاتينية في استخدامات الطاقة النووية السلمية. أما في الجانب الاقتصادي، فتمتلك الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية قواسم اقتصادية وتنموية مشتركة يمكن أن تحقِّق التكاملَ الاقتصاديَّ بينها في مجالات متعدِّدة مثل الطاقة والصناعات الحديثة والأمن الغذائي. كما يقدِّم عدد من دول أمريكا الجنوبية تجارب تنموية ناجحة قد تكون ملهمة للدول العربية.

وترصد الدراسة الإطار المؤسَّسي الذي يتمُّ من خلاله تعزيز العلاقات العربية بأمريكا الجنوبية؛ الذي يتمثَّل في مؤسسة “أسبا” أو ” قمة الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية”، إلى جانب عدد من اللجان ومجالس رجال الأعمال المشتركة. ويمتدُّ عمل “أسبا” ليضمَّ مجالات الاقتصاد والثقافة والتربية والتعليم والعلوم والتكنولوجيا وحماية البيئة والسياحة، وغيرها من مجالات التنمية المستدامة والسلام العالمي. وخلال القمم الماضية فرضت ملفَّات المنطقة العربية؛ القضية الفلسطينية وأزمات سوريا والعراق وليبيا واليمن على طاولتها، إلى جانب قضايا النزاع الأرجنتيني البريطاني حول جزر الفوكلاند، والديون السياديَّة في أمريكا الجنوبية.

هذا وتؤكِّد الدراسة أن تبادل الزيارات الرسمية يزداد في الآونة الأخيرة بين وفود عددٍ من الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية، مع تعدُّدِ وتفاوتِ مستويات الوفود. كما تتمتَّع عشرٌ من دول أمريكا الجنوبية بتمثيلٍ دبلوماسيٍّ في الدول العربية، وتمثَّل سبع عشرة دولة عربية في أمريكا الجنوبية. كما تمَّ توقيع عدد من الاتفاقيات السياسية لتسهيل حركة المواطنين بين هذه الدول، وتعزيز آليات التشاور والتعاون السياسي.

وتتناول الدراسة الاتفاقيات التي تنظِّم العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية؛ وهي اتفاقيات التجارة الحرة بين دول الميركوسور (الأرجنتين والبرازيل والأوروجواي وباراجواي وعدد من الدول غير كاملي العضوية) من ناحية، وبعض الدول العربية من ناحية أخرى، بالإضافة إلى مجموعة من الاتفاقيات الثنائية الأخرى. وكذلك ترصد الدراسةُ زيادةَ حجْم التبادل التجاري بين عددٍ من الدول العربية وعددٍ من الدول اللاتينية.

وتُشير الدراسة إلى أهمية البُعد الثقافي في العلاقات العربية الأمريكية الجنوبية، بسبب التاريخ الطويل للمشتركات الثقافية بين الجانبين. حيث يمتدُّ الإرث التاريخي إلى التواجد العربي في الأندلس وهجرات المسلمين إلى القارة اللاتينية، فضلًا عن الهجرات العربية في العصر الحديث. ويظهر اهتمام الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية بالتعاون الثقافي، فيجتمع وزراء الثقافة من الجانبين منذ عام 2015، لتعزيز دور الحضارة الإسلامية في أمريكا الجنوبية لبناء الجسور وتطوير الحوار الثقافي بين هذه الدول. كما يجتمع وزراء التربية والتعليم لزيادة التعاون في مجال التعليم والبحث العلمي. حيث يتمُّ عقدُ ندوات ودورات تربويَّة مشتركة، والترويج لزيادة التبادل الطلابي.

وترى الباحثةُ أنه برغم كل هذه الجهود والاتفاقات، لا يزال مستوى التعاون بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية محدودًا، حتى على المستوى الاقتصادي. ولا يزال التمثيل الدبلوماسي لا يغطِّي جميعَ الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية. ويقتصر التنسيق السياسي على مواقف التأييد التي تُبديها دول أمريكا الجنوبية تجاه القضايا العربية في المنظمات الدولية. وتُجْمِلُ الدراسةُ أبرزَ التحديات التي تحُول دون التعاون العربي مع دول أمريكا الجنوبية، في استمرار الاختلاف في الرؤى حول العديد من القضايا الإقليمية، ودور بعض الأطراف -مثل إسرائيل- في عرقلة التقارب العربي اللاتيني، وضعف آليات تنفيذ قرارات الـ”أسبا”، واستمرار افتقاد دول أمريكا الجنوبية للقوة العسكرية والاقتصادية الكافية للتأثير في مجريات الأحداث العالمية. ولا يزال البُعد الجغرافي واختلاف اللغات من العوائق الأخرى.

تقدِّم هذه الورقة عرضًا مستفيضًا لمسارات وأسس التعاون العربي اللاتيني، والمعوقات التي تواجهه.

٣) التحديات الثقافية التي تواجه الجاليات المسلمة في أمريكا اللاتينية وسبل مواجهتها: الأرجنتين نموذجًا[3].

تبحث هذه الدراسة في التحديات التي تواجه الجاليات المسلمة في قارة أمريكا اللاتينية؛ حيث يعيش مسلمون في بلاد غير إسلامية بعيدة جغرافيًّا عن العالم الإسلامي، وتتَّخذ الدراسة من الجالية المسلمة في دولة الأرجنتين نموذجًا للبحث. وتعتمد الدراسة المنهج الوصفي التحليلي، وتستخدم فيه أداة الاستبيان لتتبُّع التحديات الثقافية التي تواجهها الجالية المسلمة في الأرجنتين من خلال آرائهم. وتقع الدراسة في مقدمةٍ تتحدَّث عن أهمية الموضوع ومنهجية البحث، وتمهيد يقدِّم لمحة موجزة عن الوجود الإسلامي في أمريكا اللاتينية، وثلاثة فصول؛ تتناول التحديات الثقافية التي تواجه الجاليات المسلمة في أمريكا اللاتينية، وسُبل مواجهتها، والتطبيق على حالة الجالية المسلمة في الأرجنتين، على الترتيب، وخاتمة بنتائج وتوصيات الدراسة.

يؤكِّد الباحث أن الإسلام قد سبق كريستوفر كولمبس إلى أمريكا اللاتينية، من طريق الأندلس وشمال وغرب أفريقيا. ثم توالت أربع موجات من هجرة المسلمين إلى أمريكا اللاتينية؛ كان أولها مع وصول كولمبس إلى هناك عام ١٤٩٢م والذي تزامن مع سقوط غرناطة، الذي تسبَّب في موجة من الهجرة هربًا من الاضطهاد وحملات التنصير ومحاكم التفتيش في إسبانيا والبرتغال، التي لحقتْهم وقَضَتْ على أغلبهم عدا قلَّة في المكسيك والأرجنتين والبرازيل. ثم بدأت موجة ثانية بنقل آلاف الأفارقة ومن بينهم عددٌ كبير من المسلمين تمكنوا من إقامة دولة إسلامية عام ١٨٣٨م استمرَّت لعدَّة سنوات في البرازيل لكنها هُزمت وطُرد المسلمون ومُنع الإسلام في البرازيل لمدة نصف قرن بعد ذلك. وكانت الموجة الثالثة في منتصف القرن التاسع عشر مع جَلْبِ بريطانيا للعبيد من جاوة والهند للعمل في مستعمراتها. أما الموجة الرابعة فشملتْ مهاجرين من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، وكانت ذروتها مع الحربين العالميَّتين والحرب الأهلية اللبنانية بسبب الأوضاع الاقتصادية والرغبة في البحث عن فرص جديدة للعيش.

أنتجت موجاتُ الهجرة تواجُدًا للعرب والمسلمين في عددٍ من دول أمريكا اللاتينية، يواجهون تحديات ثقافية كبيرة خاصة فيما يتعلَّق بالعقيدة والعبادة، تزداد مع تعاقُب الأجيال، حتى أصبح العددُ الكبيرُ منهم منصهرًا في المجتمع ذي الأكثرية النصرانية والبعيد جسدًا وروحًا عن العالم الإسلامي. حيث يفتقد عددٌ كبيرٌ من المسلمين في أمريكا اللاتينية معرفة تعاليم الإسلام الأساسية، ما يؤدِّي إلى تقليد واتِّباع غيرهم في أمور الحياة المختلفة. حدث ذلك بسبب انتشار الجهل عند المهاجرين الأوائل، واحتفاظ أغلبهم بالأسماء الأجنبية التي أُعطيت لهم عند وصولهم، وتأخُّرهم في بناء المساجد على عكس العرب النصارى. هذا بالإضافة إلى سهولة الردة، على الرغم من الإقبال الملاحظ في أمريكا اللاتينية على الدخول في الإسلام. إلا أن مسؤولية التقصير تشمل العالم الإسلامي نفسه حيث قلَّة البعثات الإسلامية إلى أمريكا اللاتينية وقلَّة المنح الدراسية الممنوحة للقارة وانتشار الجهل بالإسبانية والبرتغالية بين الدعاة. إلى جانب الدور الكبير الذي تلعبه الجهات المعادية للإسلام وعلى رأسها الحركة الصهيونية والنفوذ المهيمن للكنائس.

ورصدت الدراسة أهم التحديات الثقافية والفكرية التي تواجه الجاليات المسلمة في أمريكا اللاتينية؛ لتضمَّ قلَّة المدارس الإسلامية، وضعف التعليم الإسلامي البديل في المراكز والجمعيات أيام العطلات، وقلَّة المؤسسات الثقافية والمراكز الإسلامية في القارة. وربما يكون التحدِّي البارز هو عدم معرفة اللغة العربية لدى عددٍ من أفراد الجاليات المسلمة في أمريكا اللاتينية، حتى من ذوي الآباء أو الأجداد العرب، إلى جانب نُدرة المكتبات لبيع المصادر والمراجع الإسلامية، وقلَّة الإصدارات الثقافية الإسلامية باللغتين الإسبانية والبرتغالية، وكذلك عدم وجود قنوات فضائية إسلامية بهذه اللغات. ويزيد موقع القارة الجغرافي من ضعف التواصل مع البلدان العربية والإسلامية. كما تُعاني التنشئةُ الثقافيةُ بسبب ضعف قدرة الأسرة على تنشئة الأولاد على الثقافة الإسلامية، وفقدان البرامج الثقافية الإسلامية للأطفال والشباب على مستوى القارة، وغلبة الفكر الغربي وضعف الفكر الإسلامي.

وكذلك رصدت الدراسة أهم التحديات الاجتماعية التي تواجه الجاليات المسلمة في أمريكا اللاتينية، على النحو التالي؛ الزواج من غير المسلمين، الذي يؤدِّي إلى عدم وجود بيئة اجتماعية إسلامية مناسبة للأولاد، والتساهل في العلاقات قبل الزواج بين الذكور والإناث من محاكاة للغرب. حيث تغلب العادات الاجتماعية لمجتمع الأكثرية على الجالية المسلمة. وترتفع نسبة الطلاق بين أفراد الجاليات المسلمة في القارة. وكما تقلُّ المدارس والمؤسسات الثقافية، تقلُّ أيضًا المؤسسات الاجتماعية لدى الجاليات المسلمة، وتُعاني من ضعف البرامج الاجتماعية وقلَّتها خاصة المعنيَّة بالمرأة والطفل. كما يصعب على الكثيرين اتِّباع تعاليم الإسلام في أمور الحياة العادية؛ مثل ضعف الاهتمام بالطعام الحلال لدى الجاليات المسلمة في أمريكا اللاتينية، وقلَّة المقابر الإسلامية في بلاد المهجر. وبالرغم من الإقبال النسبي على الدخول في الإسلام فإن المعتنق يصْعب عليه الاندماج في الجالية العربية المسلمة، والتي تُعاني بدورها من ضعف الترابط الاجتماعي بين أفرادها، وضعف صلة الرحم. هذا بالإضافة إلى عدد من التحديات الأخلاقية الناتجة عن التحديات الفكرية والاجتماعية السابق ذكرها.

ومن خلال أداة الاستبيان، تمكَّن الباحث من استطلاع آراء ٢٥ عينة من الجالية المسلمة في الأرجنتين. حيث كانت أهم التحديات بالنسبة لهم قلة المدارس الإسلامية، يليها غلبة العادات الاجتماعية لمجتمع الأكثرية.

وتقدِّم الدراسة سبلًا مقترحة لمواجهة هذه التحديات؛ مثل الاهتمام بغرْس العقيدة الصحيحة، وإنشاء المدارس الإسلامية، وتعليم العلم الشرعي، وتوفير كتب ومصادر للمعرفة الإسلامية بلغة البلد. وتشدد على أهمية رعاية المسلمين الجدد، وتعزيز الهوية الإسلامية، والتسمِّي بأسماء إسلامية، والوعي بكيفية التعامل مع غير المسلمين وعاداتهم وثقافتهم. وتوجِّهُ إلى حَثِّ الناس على أداء شعائر الإسلام وعدم التهاون بها، وزيادة المساجد والمراكز الثقافية.

يمكن اعتبار هذه الدراسة مرجعًا رصديًّا لأهم المشكلات التي يعاني منها الوجود الإسلامي في قارة أمريكا اللاتينية. إلا أن الدراسة نشرت في عام ٢٠١٢، أي مر عليها قرابة العقد، ما يدفع إلى ضرورة البحث في التطوُّرات التي شهدتها الجاليات المسلمة في أمريكا اللاتينية مؤخَّرًا.

خاتمة:

اتَّفقت هذه الدراسات الثلاث على توافر العديد من عوامل التعاون بين الدول العربية ودول أمريكا اللاتينية، بسبب الإرْث التاريخي المشترك منذ هجرات المسلمين والعرب في القرن الخامس عشر، والهجرات اللاحقة بداية من القرن التاسع عشر، إلى جانب إرث مقاومة الاستعمار وهيمنة الدول الغربية. وفي الوقت الحالي تتَّفق دول الجانبين حول عدد من القضايا الإقليمية العربية واللاتينية. وتقدِّم عددٌ من دول أمريكا اللاتينية تجارب تنموية واعدة يمكن الاستفادة من خبراتها، كما يمكن تفعيل سُبل التعاون والتكامل الاقتصادي معها.

وتُشير الدراسات إلى عدد من التحديات التي تواجه التقارب العربي اللاتيني الخارجي، وأيضًا التحديات التي يُعاني منها التواجد العربي والإسلامي داخل دول أمريكا الجنوبية. ويمكن القول إن علاج التحديات الخارجية يتَّفق كثيرًا مع علاج التحديات الداخلية. فتحتاج الدول العربية إلى بذل قدرٍ أكبر من الاهتمام والجهد للتقارب مع دول أمريكا اللاتينية.

ويجب السعي كذلك إلى زيادة عدد المؤسسات الثقافية والتعليمية العربية والإسلامية في القارة اللاتينية لنشر اللغة العربية وتعاليم الدين الإسلامي، وتقديم نماذج مغايرة للثقافة الغربية السائدة هناك. ومن المهم أن تنظر دول العالم العربي والعالم الإسلامي نظرة أكثر جدية لتحقيق التعاون الاقتصادي مع الدول اللاتينية، وربما يمكن خلق مساحات من الحركة الاقتصادية خارج معايير واشتراطات وهيمنة الدول الغربية.

 

فصلية قضايا ونظرات – العدد الثامن والعشرون – يناير 2023

__________________

الهوامش

[1] شريف شعبان مبروك، علاقات الدول العربية مع دول أمريكا اللاتينية: الأبعاد والتحديات والآفاق المستقبلية، آفاق سياسية، المركز العربي للبحوث والدراسات، العدد 29، 2016، ص ص 25-33. متاح عبر الرابط التالي: http://search.mandumah.com/Record/760469

[2] صدفة محمد محمود، مستقبل العلاقات العربية مع دول أمريكا الجنوبية. مجلة دراسات، مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، المجلد 3، العدد 1، 2016، ص ص 41-59، متاح عبر الرابط التالي: http://search.mandumah.com/Record/748429

[3] ناصر بن إبراهيم بن عبدالله آل تويم، التحديات الثقافية التي تواجه الجاليات المسلمة في أمريكا اللاتينية وسبل مواجهتها: الأرجنتين نموذجا، مجلة الإسلام والعالم المعاصر، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، المجلد 7، العدد 3-4، 2012، ص ص 7-141، متاح عبر الرابط التالي: http://search.mandumah.com/Record/913650

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى