الدبلوماسية العامة في العالم الإسلامي: الشعوب أبقى من الحكومات

“انطلقت طلائع الغزو الثقافي تطارد الدين المغلوب على أمره في ميادين التربية التعليم والتشريع، وتطوي تقاليده الاجتماعية والأدبية والاقتصادية والسياسية، وأفلحت في تكوين أجيال تنظر إلى ماضيها كله على أنقاض أو مخلفات ينبغي أن تستخفي ليحل محلها البناء الجديد الذي وضع الغرب حقيقته وصورته…”
د.محمد الغزالي[1]

لن نتناول هذا البحث بالشكل التقليدي؛ فالأداة موضع البحث غير تقليدية، وقد تطورت بشكلٍ خطير بحيث أصبح هدفها الأساس -والمعلن- هو إعادة تشكيل العقول سعيًا إلى التأثير في فكر المستهدف. وقد مثلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر دافعًا مهمًا نحو إعادة النظر في المعنى التقليدي للدبلوماسية العامة من ناحية، وبداية النظر لها بشكلٍ مختلف -يواكب التطورات الجديدة- من ناحية أخرى، وخاصةً فيما يتعلق بالعالم الإسلامي، وذلك على النحو التالي:

أولًا: أصبحت الدبلوماسية العامة من أهم الأدوات الاستراتيجية التي تم تبنيها وتفعيلها من جانب العديد من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية داخل العالم الإسلامي، في محاولة منها لتغيير واقع هذا العالم. فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بصياغة العديد من الاستراتيجيات الخارجية التي توظف أداة الدبلوماسية العامة داخل العالم الإسلامي من أجل مواجهة ما تم تسميته الكراهية الأمريكية Anti Americanism والتي يعتبرونها من أهم الدوافع وراء أحداث الحادي عشر من سبتمبر. والكراهية تجاه الولايات المتحدة -كما يؤكد المحللون الاستراتيجيون في الولايات المتحدة- نابعة من عدم فهم النموذج الأمريكي The American way of life بما يحمل من قيم وثقافة؛ وبالتالي أصبح على الولايات المتحدة ترويج نموذجها -قيمًا وثقافةً- داخل العالم الإسلامي باستخدام أدوات الدبلوماسية العامة. و في هذا السياق، قد تم تبني العديد من المبادرات مثل إنشاء قناة الحرة الأمريكية وراديو سوا الناطقين باللغة العربية.. الخ.

ثانيًا: أطلقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر ما يُسمى عملية “توصيف الإسلام” Branding Islam، وهي عملية إلصاق أو إضفاء صفات معينة على الإسلام والمسلمين داخل أذهان الشعوب، الأمر الذي جعل الإسلام في موضع دفاع عن النفس بحيث بات من الضروري محاولة التصدي لهذه العملية، في إطار ما يطلق عليه عملية “إعادة توصيف أو تقديم الإسلام” Rebranding Islam.
ثالثًا: بينما ترتب على أحداث الحادي عشر من سبتمبر سيلًا هائلًا من الدراسات التي تحلل الدبلوماسية العامة -خاصةً الأمريكية- تجاه العالم الإسلامي؛ فإنه يُلاحظ غياب كبير في الدراسات التي تتعرض لتحليل الدبلوماسية العامة للعالم الإسلامي تجاه الخارج. ومن ثم، تحاول الدراسة ملء جزء من هذا الفراغ من خلال محاورها الثلاثة، وهي:
المحور الأول: الدبلوماسية العامة: أداة لتشكيل العقول.
المحور الثاني: عملية إعادة تقديم الإسلام: قراءة في بعض النماذج غير الرسمية من العالم الإسلامي.
المحور الثالث: الدعوة: منظور للدبلوماسية العامة في العالم الإسلامي.

المحور الأول- الدبلوماسية العامة: أداة لتشكيل العقول

“إن الغزو الثقافي نجح في جعل قيمة مكان قيمة، واهتمام بدل اهتمام…”

محمد الغزالي [2]

يُعد مفهوم “الدبلوماسية العامة” مفهومًا جديدًا على حقل العلاقات الدولية والقانون الدولي، ورغم السيل الهائل من الكتابات حول هذا المفهوم إلا أننا لا نجد تعريفًا محددًا له ولكن تعريفات عدة تغيرت عبر الوقت، وبالتالي فمن الأسهل أن توصف من أن تعرف.
ويمكن أن نصف الدبلوماسية العامة على وجه العموم بأنها “وسيلة” تستخدم للتواصل مع “آخر” بهدف التأثير فيه وذاك عبر “أدوات عديدة”. وبالتالي، يمكن القول إن للمفهوم أربعة عناصر هي: أنا (الحكومات، الدول، منظمات،.. الخ)، آخر (شعوب، ثقافات، حضارات، …الخ)، رسالة تعكس شكل التأثير المراد، وأدوات تنقل هذه الرسالة (بعثات دبلوماسية، منظمات غير حكومية، إعلام…الخ).
ويهمنا في هذا السياق أن نوضح عدة أمور تعزز من فهم طبيعة هذا المفهوم وتوضح السياق الأكبر الذي يوجد في إطاره؛ وذلك حتى نتمكن من استيعاب تطوراته المستمرة منذ بدايات استخدامه وحتى الآن. وهذا كالآتي:
أولًا: إن الدبلوماسية العامة أداة حضارية بالأساس، فهي نتاج عملية تفكير استراتيجي، يهدف -كنشاطٍ فكري- إلى تشكيل الواقع المستقبلي من خلال صياغة استراتيجيات قابلة للتطبيق. وهذا النشاط الفكري لم ينشأ في فراغ، وإنما نشأ بالأساس نتاجًا لوجود تحدي للرؤية الكلية المنبثقة عن النسق المعرفي؛ هذا التحدي هو الذي يحفز المفكر على التفكير الاستراتيجي.
وفي حالة وجود هذا التحدي، يبدأ المفكر بطرح ثلاثة أسئلة منهاجية -تمثل الإطار النظري لهذا النوع من التفكير أو بمثابة خطوات له– ألا وهي:
● السؤال الأول: سؤال الهوية، وهو السؤال الذي ينبثق عن النسق المعرفي للفرد، ويتكون من سؤالين: سؤال الأنا، أي رؤيته للذات باعتباره جزء من كل، وسؤال الأخر أي التساؤل من الآخر؟ وما شكل التفاعل معه؟
● السؤال الثاني: سؤال الواقع، ويقوم المفكر الاستراتيجي من خلاله بتحليل التحدي المحفز في إطار البيئة الخارجية والداخلية. والهدف من هذا السؤال معرفة وتحليل الفجوة ما بين الواقع والرؤية الكلية.
● السؤال الثالث: سؤال المستقبل، وهو السؤال الذي من خلاله يتم الربط ما بين ما هو قائم (الواقع) وما يجب أن يكون عليه هذا الواقع بهدف وضع استراتيجيات لتحقيق الأخير، أي بمعنى آخر كيفية تشكيل الواقع وفقًا لهذه الرؤية في المستقبل.
ومخرج الأسئلة السابقة إنما يعبر عن نفسه في الاستراتيجية التي تكون الدبلوماسية العامة إحدى أدواتها.
ومن ثم، يُلاحظ أمر مهم مفاده أن عملية التفكير الاستراتيجي بجوانبه الثلاثة تحمل تحيزات عديدة وإن كانت قائمة على التحليل العلمي. فعلى المستوى المنهاجي، تنشأ التحيزات من وجود رؤية كلية منبثقة عن النسق المعرفي للمفكر والذي تعكس قيمه وثقافته وتاريخه…الخ. هذا النسق وهذه الرؤية يتم النظر من خلالها للواقع والعالم والتحديات النابعة منه ويضع حدودًا وأطرًا لعملية التفكير. وهنا، تدخل التحيزات في مرحلة رؤية التحديات الخارجية وتصنيفها بين محفزة وغير محفزة، في مرحلة جمع المعلومات حول الواقع، في الرؤية للذات، وفي تحديد الآخر.. الخ.[3]
وبالتالي، فالدبلوماسية العامة ما هي إلا نتاج عملية فكرية متحيزة ذات أبعاد حضارية بالأساس؛ فهي تنطلق من نسق معرفي لإعادة تشكيل نسق معرفي آخر. وهذا يعني أن محاولة تصنيفها ما بين سياسي، ثقافي، اقتصادي أمر شائك، فهي بكل تفريعاتها مصدرها واحد وهو الحضاري بجوانبه القيمية الثقافية.

ثانيًا: إن التطور التكنولوجي والمعلوماتي الهائل الذي شهده العالم في السنوات السابقة قد ألقى بظله علي مفهوم الدبلوماسية العامة التقليدية؛ وذلك بسبب تأثير هذه التطورات في مفهوم الدولة؛ حيث حدث تغيير في مفهومها كفاعل أساس ووحيد في العلاقات الدولية، الأمر الذي ترتب عليه العديد من التداعيات:
● تنامي دور فواعل جديدة غير الدولة بات لها تأثير دولي كبير يفوق التأثير التقليدي للدولة؛ فبانتقال العالم من ما يُسمى ال WEB 1.0 إلى WEB 2.0 وما تحتويه من شبكات اجتماعية جديدة Social Networks مثل الفيسبوك Facebook، تويتر Twitter، ماى سبيسMy Space، يو تيوب You tubeً.. إلخ، استطاعت هذه الأدوات أن تنقل أي فردٍ عادي من مجرد مستخدم للإنترنت إلى فاعل ومتفاعل رئيس في العلاقات الدولية، أي أن ثمة انتقال من حالة استاتيكية، يكون فيها الفرد مجرد متلقي للمعلومة، إلى حالة ديناميكية، يكون فيها فاعل وناقل للمعلومة ومن ثم محرك للأفكار.
● التغير في مفهوم القوة، بحيث أصبح هناك مصادر قوة جديدة للدولة غير المصادر التقليدية. فلم تعد مصادر القوة تنقسم إلى القوة الصلدة والرخوة فحسب؛ إنما أوجدت ما هو مصدر جديد من مصادر القوة وهي القوة الذكية Smart Power. وفى ظل عالم مليء بالمعلومات، أصبحت القدرة على جذب الاهتمام وكسب المصداقية من أهم عناصر القوة الذكية.
● أضحت قضية الهوية وتشكيلها علي يد الفواعل غير الرسمية من أهم القضايا المطروحة، فلم تعد الدولة هي المصدر الأوحد لتشكيل الهوية وما يرتبط بها من تصورات الأنا والآخر. فمع التطور الاتصالي الهائل الذي يتخطى كافة الحدود الجغرافية والفكرية أصبح هناك تلاقي بين الثقافات من ناحية وتواصل بين الهويات من ناحية أخرى.
وخلاصة ما سبق؛ إن الدبلوماسية العامة لم تعد حكرًا على الأيدي الرسمية، بل انتقلت للأياد غير الرسمية والتي باتت تلعب دورًا أكثر فاعلية في مجال الدبلوماسية العامة. وبالتالي، كان الانتقال من ما يُسمىPublic Diplomacy 1.0 إلى Public Diplomacy 2.0، وهو الانتقال من الدبلوماسية العامة القائمة على تصدير الأفكار والمعلومات، إلى الدبلوماسية العامة القائمة على التفاعل بين الأفراد والأفكار بعيدًا عما هو رسمي.
ونتيجة لذلك، سوف تركز هذه الورقة على نماذج غير رسمية للدبلوماسية العامة في العالم الإسلامي فقط دون الرسمية؛ وهذا بسبب ما تعانيه الأخيرة من تفتت وغياب من ناحية، وتنامي دور الفواعل غير الرسمية والتي أصبح لها قدرة أكبر على التواصل بين الشعوب في ظل التطور التكنولوجي الهائل –كما أشير- من ناحية أخرى.
وبناءً عليه، تنطلق هذه الورقة من تساؤل أساس هو: كيف تفاعل العالم الإسلامي على المستوى غير الرسمي مع التطورات الحديثة لمفهوم الدبلوماسية العامة كأداة؟

المحور الثاني- عملية إعادة تقديم الإسلام: قراءة في بعض النماذج غير الرسمية من العالم الإسلامي

” أنا لا أستطيع تعليم أي شخص أي شيء.. ولكن يمكنني أن أجعلهم يفكرون..”
سقراط
تقدم الدكتورة مروة فكري إسهامًا مهمًا في مجال تحليل عملية الدبلوماسية العامة، حيث تقسم هذه العملية إلى عناصر أربعة يمكن على أساسها قياس فاعلية الأداة، وهي:
1- بناء الهوية Identity construction: وهي التي تتضمن سؤال الهوية بشقيه الأنا والآخر والعلاقة بينهما.
2- السياق أو الإطار Context: أي البيئة التي يعمل فيها الكيان القائم بالدبلوماسية العامة.
3- التصور Conception: أي تصور الكيان للأهداف الكبرى المراد تحقيقها.
4- المضمون Content: أي الرسالة التي يهدف إلى توصيلها.[4]

وتضيف هذه الورقة جانبًا آخر إلى العنصر الرابع وهو ما يمكن تسميته أداة التواصل Communication tool والتي من خلالها ينقل الكيان المضمون.

وبناءً على هذا المنهج التحليلي، تحاول الدراسة البحث عن محتوى ومضمون الدوائر الأربع لدى مجموعة من النماذج غير الرسمية في العالم الإسلامي، وتنقسم هذه النماذج ما بين مؤسسات وأفراد على النحو التالي:
أولًا: مؤسسات:
1. مؤسسة طابة Tabah Foundation.
2. مجلس العلاقات الإسلامي الأمريكي (كير)Council for American Islamic Relations.
3. مؤسسة الجسور Bridges Foundation.
ثانيًا: الأفراد:
1. نايف مطوع: التسعة والتسعون The 99’s.
2. يوسف إسلام: جبل النور Mountain of Light.

وهناك ثلاث ملاحظات مهمة يجب الالتفات إليها عند دراسة هذه النماذج:
أولًا: تم اختيار هذه النماذج لسببين أساسين:
1- هناك عامل مشترك يجمع ما بين النماذج المختارة وهو أنها قدمت إجابات نستطيع تلمسها حول الدوائر التحليلية الأربع؛ ولذا فقد عكست ابتداءً نموذجًا للدبلوماسية العامة الجديدة.
2- عكس كل نموذج على حدى مستوى من مستويات العمل بحيث يحقق الجمع بينهم نوعًا من التكامل عند قراءة الدبلوماسية العامة في العالم الإسلامي على المستوى غير الرسمي. وذلك على النحو التالي:
● مستوى يعكس رؤية نابعة من داخل أقطار العالم الإسلامي تجاه “الآخر غير الإسلامي” سواء على المستوى المؤسسي (طابة والجسور) أو الفردي (نايف مطوع ويوسف إسلام).
● مستوى يعكس رؤية نابعة من العالم الإسلامي من خارج أقطاره تجاه “الآخر غير الإسلامي” سواء على المستوى المؤسسي (كير) أو الفردي (يوسف إسلام).

ثانيًا: تتطلب دراسة هذه النماذج القراءة في مجاليها النظري والعملي معًا؛ أي تحليل كل من أقوالها وأنشطتها لاستخلاص هذا المحتوى، إذ إنه ليس بالضرورة أن يعكسا المجالين مضامين واحدة. فقد ينسجمان أو يتناقضان وربما يكملان بعضهم البعض وصولًا إلى مضمون واحد. وهذا ما سيتم اختباره ومعرفة دلالاته عبر التحليل.

ثالثًا: تماثلت النماذج الخمسة في عنصر “البيئة Context” التي تحركت في إطارها؛ حيث مثلت أحداث الحادي عشر من سبتمر وتداعياتها على العالم الإسلامي دافعًا مهمًا لتلك النماذج نحو التحرك والتفاعل؛ لما أفرزته تلك التداعيات من تحديات أمام العالم الإسلامي وخاصةً فيما يتعلق بالجوانب الثقافية والدينية؛ وبالتالي التأثير فيما يمتلكه من عناصر للقوة الرخوة.

أولًا: المؤسسات

* مؤسسة طابة Tabah Foundation[5]

وهي مؤسسة غير ربحية مقرها دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد جاء تأسيسها نابعًا من رؤيتها لضرورة إيجاد “تحول في طريقة تفكير المسلمين وغير المسلمين عن الإسلام في عالمنا المعاصر”

1- بناء الهوية:
يشكل الدين الإسلامي بقيمه “الحضارية” و”الإنسانية” المكون الأساس والمحور في معنى “الهوية” الذي تتبناه مؤسسة طابة وتسعى لإعادة تشكيلها على أساسه. وتعد “القيم الإسلامية الخالدة” و”الحضارة الإسلامية المشرقة” هي الصورة التي تريد من “الآخر” أن يراها في ومن المسلمين.
وترى المؤسسة أن هناك أزمة في جانب “الأنا” تتمثل في ضعف الخطاب الديني الإسلامي المعاصر حيث يعاني “ضعف في الرؤية وعدم القدرة على تشخيص الواقع الأمر الذي يترتب عليه غياب الإجابات حول تساؤلات تنبثق عن واقع العالم الإسلامي والعالم ككل”، الأمر الذي يتطلب ضرورة العمل على إعادة تجديد الخطاب الديني بما يساعد على معالجة القضايا العالمية ذات الصلة بالعالم الإسلامي.
والـ “أنا” التي تسعى طابة لإعادة بنائها لابد أن تمثل قيم الإسلام في خطابها وسلوكياتها مع إدراك واعٍ مستنير لما يدور حولها من مجريات أحداث في الفضاء العالمي، سواء تمثلت في أفراد عاديين أو قادة رأي أو مؤسسات، فلكل منهم دوره في هذا المجتمع الإنساني.
وإذا كان “الدين” هو محور مفهوم الهوية لدى نموذج طابة، وهو أساس تعريف الأنا بالنسبة لها؛ فإن ذلك يبدو منسجمًا مع رؤيتها للآخر أيضًا، فوفقًا لتصورها يتدرج الآخر من “المجتمع الإنساني” إلى “غير المسلم” انتهاءً إلى الغربي المسيحي.
وإذا كان الجانب الإنساني بدا العنصر الأساس في رؤيتها لل “الآخر” وفقًا لخطابها، إلا أن أنشطتها عبرت عن عناصر أخرى تتحكم في هذه النظرة، وهي: كون هذا “الآخر” مسيحي” وكونه “غربي”. ويبدو ذلك منطقيًا باعتبار الغرب المسيحي هو الفاعل الرئيس في أهم وأخطر الأحداث والتصرفات التي تمس العالم الإسلامي، وهو العالم الذي يجب أن تبالي بأموره “الأنا”. وهذا التدرج يعكس نوعًا من الاتصال بين الثقافي والسياسي وتأثير الأخير في الجانب الثقافي.

2 –التصور:
تظهر أهداف طابة في مستويين تعمل عليهما وتوجه أنشطتها إليهما:
المستوى الأول -مستوى الداخلي: وهدفها في هذا المستوى إعادة بناء الأنا؛ بحيث يستطيع تطوير خطاب مستنير ينقل رسالته للعالم بشكل يمكن إدراكه. ولتحقيق ذلك تسعى طابة إلى إعادة تأهيل الخطاب الديني عن طريق إعداد عناصر المجتمع الإسلامي (أفراد ومؤسسات وقادة رأي) لكي تكون هي ذاتها بما تقدمه من فكر وخطاب وما تعكسه من سلوكيات أداة للدبلوماسية العامة الفعالة من ناحية أخرى. وفي هذا المستوى، تتواصل المؤسسة مع “الآخر” كأداة دبلوماسية بطريق غير مباشر.
المستوى الثاني- المستوى الخارجي: متمثلًا في المجتمع الإنساني بشكلٍ عام، والغربي المسيحي بشكلٍ خاص، وتسعى المؤسسة إلى تحقيق عدد من الأهداف في تواصلها معه:
● ترويج القيم التي غاب عنها المجتمع الدولي وهي القيم المنبثقة عن الدين الإسلامي.
● تأسيس جسور من التفاهم والاحترام المتبادلين مع الآخر.
● التعريف بحقيقة دين الإسلام وبصفات وتعاليم نبينا محمد “صلى الله عليه وسلم”.
● تعزيز العلاقات مع الأطراف الواعية المعتدلة في البلدان غير المسلمة من أجل العمل على رفع مستوى الحوار كوسيلة لحل كثير من سوء التصرفات المتعلقة بالعالم الإسلامي.
وفي هذا المستوى، تتواصل المؤسسة كأداة دبلوماسية مع الآخر بطريقٍ مباشر.

3- المضمون والوسائل الاتصالية:
وقد استخدمت “طابة” لتحقيق أهدافها عددًا من الأنشطة الفكرية والعملية التي يمكننا تصنيفها وفقًا للمستهدفين منها والمخاطبين بها بشكل أساس على النحو التالي:

أ. أنشطة استهدفت بها الداخل (إعادة بناء الأنا):
قدمت المؤسسة عددًا من الأنشطة التي خاطبت من خلالها العالم الإسلامي قلبًا وفكرًا وسلوكًا سعيًا لإعادة بنائه وإعداده بما يحقق أهدافها. ونلاحظ أنه في كل نشاط منهم ركزت بشكلٍ أساس على عنصر من عناصر الأمة. ونعرض هذه الأنشطة على النحو التالي:
– أنشطة ركزت على عموم المسلمين وخاصةً عنصر الشباب: ويعد برنامج “حي في قلوبنا” واحد من اثنين من مبادراتها في هذا الإطار. وهو يهدف إلى إحياء صلة الناس بنبيهم الكريم “صلى الله عليه وسلم”، باعتبارها السبيل لإحياء تمسك المسلمين بالأخلاق والتعاملات النبوية. وتقوم المؤسسة في ظل هذا البرنامج بعددٍ من الأنشطة التي تنوعت بين إلقاء الدروس والمحاضرات والندوات الدعوية والإرشادية والتعليمية والتثقيفية في المساجد ومختلف المنابر الثقافية وبين تنظيم مناسبات وفعاليات دينية وثقافية وفنية ذات ارتباط بحب النبي الكريم “صلى الله عليه وسلم”.
أيضًا، تقدم بعض الشباب المسلمين بمبادرة تحت عنوان “جوائز المحبة” كرد فعل تجاه فتنة الاعتداءات الكرتونية على سيدنا محمد “صلى الله عليه وآله وسلم”، وكانت أولى فعالياتها “مهرجان جوائز المحبة 2006”. وتمثل تلك المبادرة من الشباب نوعًا من التفاعل الإيجابي مع أنشطة المؤسسة مما له دلالته في فعالية المؤسسة على مستوى الداخل الإسلامي.
لقد عكست نوعية الأنشطة السابقة كيف أن المؤسسة معنية بشكلٍٍ كبير بالسلوكيات والأخلاقيات عند خطابها لعموم المسلمين والشباب بشكلٍ خاص. ومما يؤكد هذا المعنى ويكمله هو حرصها على تدريب الشباب وإمدادهم بالأدوات الملائمة لإثراء الحوار مع الأشخاص في كل أنحاء العالم، فبدعم لوجستي من قبل مركز الحياة، قامت المؤسسة بتنفيذ مشروع أساسيات الحوار، ويتمثل الهدف من هذا المشروع في عقد الحلقات النقاشية التدريبية حول كيفية الحوار.
وقد تم عقد العديد من البرامج التي تدار بين الثقافات المتعددة والتي تضم شبابًا من أوروبا ومن الشرق الأوسط، وقد لوحظ -كما صرحت المؤسسة- أن الشباب من منطقة الشرق الأوسط غير مزودين بالأدوات اللازمة لتبادل الآراء بطريقة تنقل ثقافتهم ومبادئهم الإسلامية بصورة تتسم بالفاعلية.
ومن ثم، يتضح لنا أن اهتمام المؤسسة بإعادة بناء الهوية لدى الشباب لم يقتصر فقط على التكوين الأخلاقي لهم ولكن ضرورة إثقالهم معرفيًا بالآخر وكيفية حواره.

– أنشطة ركزت بشكل أساس على قادة الرأي والعلماء داخل الأمة الإسلامية: ويُرى ذلك فيما قدمته من ملخصات تحليلية تهدف إلى تزويد كبار العلماء وقادة الرأي بالمعلومات الخلفية والتحليلات اللازمة لما يجري في العالم المعاصر من أحداثٍ ومحاورات (على المستويين الإقليمي والدولي). وهذه الملخصات عبارة عن “تقرير” مكون من ثلاث إلى خمس صفحات، حول مفهوم أو موضوع ذي صلة بالثقافة والتحولات الاجتماعية في المجتمع العالمي، كما تصبو هذه السلسلة نحو توفير معلومات مهمة للعلماء وقادة الرأي بما يعينهم على صياغة تصور واضح حول ما يسمَّى “الفضاء العام المشترك” (Shared Public Space) في سبيل تكوين خطاب منبثق عن وعي وبصيرة، ومن ثم التصدي للتحديات العالمية التي تواجه الأمة الإسلامية اليوم. ومن خلال القراءة لعناوين تلك الموضوعات، لاحظنا تركيز كبير على الغرب المسيحي وأهم فاعل رئيس يمثله وهي “أمريكا”، ولهذا دلالاته بالنسبة لمدى تأثير الجوانب والأحداث السياسية في الجوانب الثقافية؛ فباعتبار أمريكا الفاعل الرئيس في كل ما يتعرض له عالمنا الإسلامي من أحداث فهي طرف فاعل في كل قضاياه.
كما عكست الموضوعات أيضًا تنوعًا بين جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية مما كشف عن نظرة معرفية واسعة للقائمين على إدارة هذه الأعمال ووعي حقيقي لديهم بما يُسمى الفضاء العام المشترك.

– أنشطة ركزت على العمل المؤسسي ودوره في بناء البنية التحتية للعمل الإسلامي في المرحلة القادمة، والتي من شأنها خدمة الخطاب الإسلامي.
وقامت طابة في ذلك بعدد من المشروعات، وهي: إنشاء مؤسسة سحنون التي سترعى أكاديمية بروكسل للعلوم الإسلامية، تطوير دار زايد للثقافة الإسلامية لنشر الثقافة الإسلامية، تطوير دار المصطفى وهي مؤسسة ماليزية. وقد شملت مؤسسة طابة بتلك التطويرات جميع الجوانب الإدارية والاقتصادية والثقافية التعليمية التي سوف تتضافر جميعها لخدمة تطوير الخطاب الإسلامي الذي يعد بدوره أهم أدوات التواصل مع الآخر وفقًا لما خلصنا إليه من القراءة والتحليل لفكر المؤسسة.
وعبر كل ما سبق، تكون المؤسسة قد قدمت عملًا متكامل الجوانب والأبعاد في عملية إعداد (الأنا) داخل العالم الإسلامي حتى تكون قادرة على إنتاج خطاب إسلامي واضح مستنير أمام الآخر.
إجمالًا، يمكن القول بأن مؤسسة بهذه النوعية من الأنشطة تقوم بعملية إعداد أدوات مباشرة فعالة للدبلوماسية العامة متمثلة في شباب الأمة وقادة الرأي.

ب- أنشطة استهدفت بها الآخر (للتعريف بحقيقة الإسلام وقضاياه):
أطلقت “طابة” مبادرة “برنامج لتعارفوا”، ويهدف البرنامج إلى تأسيس جسور من التفاهم والاحترام المتبادلين مع الآخر وتعريفه بحقيقة دين الإسلام وبصفات وتعاليم نبينا محمد “صلى الله عليه وسلم”، إضافةً إلى تعزيز العلاقات مع الأطراف الواعية المعتدلة في البلدان غير المسلمة من أجل العمل على رفع مستوى الحوار كوسيلة لحل كثير من سوء التصرف المتعلق بالعالم الإسلامي.
وأهم ما تميزت المؤسسة بتقديمه تحت هذا البرنامج:
● مبادرة كلمة سواء A Common Word: فتحت إدارة مؤسسة آل البيت الملَكية للفكر الإسلامي وبالتنسيق من مؤسسة طابة، أُصدرت هذه الرسالة التي أطلقَتْ مبادرة حوار بين المسلمين والمسيحيين صادق عليها علماء مسلمون بارزون. والرسالة انطلقت من مدينة أبو ظبي إلى قادة الكنائس المسيحية في العالم والمسيحيين كافّة، تدعوهم إلى التلاقي على أرضية مشتركة أساسها حب الله الواحد وحب الجار. ولقد أحدثت المبادرة صدى عالميًا واسعًا واهتمامًا إعلاميًا كبيرًا، وجاء حولها ردود فعل مسيحية متوالية من كنائس ومنظمات وشخصيات دينية مسيحية، كان أولّها ترحيب كبير أساقفة كنتربري د.روان وليامز؛ بالإضافة إلى بعض السياسيين، منهم رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون وسابقه توني بلير. وقد تضمن الترحيب تقديم اعتذارًا رسميًا تاريخيًا للمسلمين وقع عليه ما يزيد عن 300 مرجع مسيحي، وهو ما تم نشره في جريدة النيويورك تايمز. وقد تم في ضوء كلمة سواء تأسيس المنتدى الكاثوليكي -الإسلامي وتنظيم دورته الأولى في نوفمبر 2008.
● مقالات جريدة كوبنهاجن بوست: في ظل تصاعد مسألة الرسوم الدنماركية المسيئة، وإقرارًا أن هذا النشر ناتج في أغلب الأحيان عن الجهل بمكانة الحبيب المصطفى “عليه وعلى آله الصلاة والسلام” -وفقٍا لرؤية المؤسسة- فقد تبنت طابة -بالتعاون مع مؤسسة التزام للمعايير الأخلاقية- مبادرة نشر صفحة داخلية كاملة بجريدة “كوبنهاجن بوست” كبرى الجرائد الناطقة باللغة الإنجليزية بالدنمارك مع إعلان على الغلاف الخارجي للجريدة لمدة عام، بواقع عدد واحد لكل أسبوع، بشأن التعريف بأخلاق النبي “عليه الصلاة والسلام”. وتسعى مؤسسة طابة لترجمة تلك المقالات إلى اللغتين الدانمركية والهولندية، سعيًا إلى نشرها في صحف محلية رائدة ناطقة بهاتين اللغتين في الدنمارك وهولندا.
ويُعد رد الفعل هذا نموذجًا يُحتذى به في التعامل الراقي المتحضر الرصين مع الموضوعات التي تمس مقدساتنا الإسلامية، حيث تصل الرسالة دون الوقوع في أخطاء تعد مأخذًا علينا كمسلمين. وهذا هو صميم معنى الدبلوماسية بشكلٍ عام.
● إعلام طابة: وظفت طابا أداوتها الإعلامية كأداة من أدوات الدبلوماسية العامة ومنها:
أ-إنتاج الفيلم الوثائقي “دين تايت Deen Tight”: ويُركز الفيلم على فهم الصراع بين المثل الدينية التقليدية والحداثة، ويبحث في التأثيرات الإيجابية والسلبية لثقافة البوب الأمريكية على الشباب المسلم هذه الأيام. وقد تم عرضه في العديد من المدن والجامعات في الولايات المتحدة مثل جامعة كاليفورنيا وميتشجان وأريزونا. وقد جاب الفيلم أيضًا العديد من المدن البريطانية تحت رعاية السفارة الأمريكية في لندن، وكذلك تم عرضه على شبكة البي بي سي. كما تلقت طابة ما يزيد عن ثلاثين طلب لعرضه في العديد من المحافل الدولية.
ب- إنتاج فيلم “الأرضية المشتركة”: ويُعد نافذة على الجهود المختلفة للمجتمعات التي تكافح للتغلب على التحديات التي خلفتها أزمة الرسوم الكرتونية الدنماركية. إذ يعرض الفيلم لمحة نادرة للنهج والأسلوب المتبع من عدة ثقافات لحل الصراعات التي لا غنى عنها في القرن الحادي والعشرون. ويكشف هذا العمل عن أن مواجهة التحديات الدولية والصراعات تثبت أن تنوع الأصل والاختلافات في الكون هي أدوات فريدة لاكتشاف آفاق الطاقات البشرية والتعاون.
ج- إنتاج فيلم “عاصفة اليمن”: فقد ضربت عاصفة استوائية اليمن في أكتوبر عام 2008، وتسببت في فيضان شديد أحدث دمارًا كبيرًا، ودمرت آلاف المنازل والبنية التحتية في المناطق الساحلية الجنوبية، وخصوصًا حضرموت. ولأن وسائل الإعلام في المنطقة تجاهلت الكارثة تقريبًا، فقد تم تصوير هذا الفيلم الوثائقي من مواقع المناطق الأكثر تضررًا من أجل توثيق وتسجيل هذه الآثار والأضرار وجهود الإنقاذ والإغاثة التي يقوم بها الأفراد والمنظمات على الأرض.
وتسعى طابة من خلال تقديم هذه الأفلام الوثائقية -كما أعلنت- إلى إبراز الصورة الصحيحة للإسلام من خلال تناول مواضيع ذات بال بالنسبة لعموم الناس والمسلمين بشكلٍ خاص، ومن ثم محاولة التأثير على أولوية الاهتمامات.
د- التواجد على القنوات الأجنبية: فقد أجرت شبكة السي إن إن الأمريكية لقاء في أغسطس 2010 مع الشيخ جهاد هاشم براون رئيس قسم الأبحاث في المؤسسة، وتحدث فيه عن القضايا والتحديات التي تواجه الشباب المسلمين في الغرب ودور الإسلام كدين للتسامح في تعزيز سبل الحوار وتبادل الرؤى ونبذ العنف.
ه- نشر أول عدد من دورية جديدة تحت اسم “وضوح Clarity” باللغة العربية والانجليزية وذلك في نوفمبر 2010: ويمكن تحميل نسخة من الدورية من الموقع الإلكتروني للمؤسسة.

* مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) Council for American Islamic Relations[6] ((CAIR
تم تأسيس كير كمنظمة تتحدى النمطية في التفكير حول الإسلام والمسلمين، وكمنظمة تقدم منظور إسلامي حول القضايا التي تهم الشعب الأمريكي. إذ يرى مؤسسوها أن التحدي الأساس في الولايات المتحدة هو التنميط ضد المسلمين والذي له تأثير سلبي على ممارسة المسلمون الأمريكان لدورهم المدني. ومن ثم، تم تأسيس المنظمة في 1994 لتعزيز الصورة الإيجابية عن الإسلام والمسلمين داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلال علاقاتها مع عناصر المجتمع تحاول أن تجعل صوت المسلمين مسموع.
1- بناء الهوية:
مثل الدين محورًا أساسًا في مفهوم الهوية لدى كير؛ فكان تقوية وتفعيل دور المجتمع المسلم في أمريكا والتعريف بالدين الإسلامي هما محوري أنشطتها، هذا وإن كانت اختلفت “كير” عن “طابة” في أن الدين لم يكن العنصر الوحيد المتحكم في تكوين “الأنا”، فالمسلم الذي تخاطبه هو الذي يتمتع بحقوق وحريات مدنية كمواطن أمريكي. وبالتالي، يمكن القول بأن” كير” لا تنظر إلى المجتمع المسلم الأمريكي كشكل يعكس صورة وصوت الإسلام فقط، ولكن كعنصر ينتمي للنسيج الاجتماعي لهذا الوطن؛ ومن ثم يستطيع ذلك المجتمع التأثير في هذا النسيج.
وعلى هذا الأساس، يُعد الإسلام كدين وقيم المواطنة بمثابة عنصري تكوين “الأنا” لدى كير. ويبدو ذلك منطقيًا باعتبار أنها تخاطب مسلمًا أمريكيًا، فسواء كان مسلمًا بالأصل غير أمريكي ثم اكتسب الجنسية الأمريكية، أو أمريكيًا بالأصل غير مسلم ثم تحول إلى الإسلام، ففي الحالتين تعد أمريكا كوطن لها دور في تكوين “الأنا” بداخله.
هذا النموذج لا يولي اهتمامًا كبيرًا لمفهوم “الآخر” بالمعنى الذائع للمفهوم، ولا يتمثل عنده في كيان مادي بذاته. ويمكننا القول بأن الآخر الذي يتوجه إليه برسالته هو “من يجهل” أو “من يهاجم” تحت أي مسمى كان. فالمسميات في هذا السياق لم تشغل حيزًا في خطاب هذا النموذج، فهو معني فقط بتوضيح صورة الإسلام ويُواجه بها من لا يعلم حقيقتها من ناحية، كما أنه معني من ناحية أخرى بالدفاع عن حقوق وحريات مدنية لمن حرمها موجهًا في ذلك الدفاع لمن يهاجمها. وبالتالي، وجود “الآخر” هنا ليس له وجود بالشكل التقليدي الذي اعتدنا سماعه وقراءته فلا هو “المسيحي” ولا هو “الغرب” ولا هو “أمريكا”.
2- التصور:
إن رؤية كير هو أن تكون من المدافعين الأساسيين عن العدالة والفهم المتبادل، وبالتالي فإن مهمتها الأساس هي: ” تحسين فهم الإسلام، تشجيع الحوار، حماية الحقوق المدنية، تقوية المسلمين الأمريكان وبناء التحالفات التي تدعم العدالة والفهم المتبادل”
ومن ثم، تتمثل رسالة المؤسسة في هدفين رئيسين:
1. التعريف بالدين الإسلامي وتوضيح حقيقته وتعزيز فهمه.
2. تقوية المجتمع الأمريكي المسلم وتفعيل دوره، حيث يجسد هذا المجتمع حقيقة الإسلام صورة وصوتًا، فكلما كان قويًا وفعالًا تجسدت صورة الإسلام بشكلٍ أوضح.

3- المضمون والأدوات الاتصالية:
وظفت كير العديد من الأدوات لتحقيق رسالتها وأهدافها وذلك على مستويين:

المستوى الأول: الأدوات المباشرة (تجاه الأخر): وهي الأدوات الدبلوماسية العامة التي توظفها كير بشكلٍ مباشر للتواصل مع الآخر ومنها:

● حملة استكشاف القرآن Explore the Quran:
تم إطلاق هذه الحملة من جانب كير كرد فعل لانتهاكات القرآن في جوانتانمو. والفكرة وراء الحملة هي إن قراءة القرآن ومعرفته من جانب الآخر قد تقف حائلًا أمام انتهاكه له، كما من شأنها أن تقوي من علاقة الآخر بالمسلم.
وتهدف الحملة إلى توزيع نسخ من القران-مترجم باللغة الإنجليزية- بالمجان على المجتمع الأمريكي بمختلف مستوياته مع التركيز على المسئولين الحكوميون، والإعلاميين، والقيادات الدينية، وأعضاء الكونجرس..الخ. فكل من يريد نسخة مجانية من القرآن عليه فقط إرسال طلب على الصفحة الإلكترونية لكير ليتولى المجلس إرسالها له.
وقد لاقت المرحلة الأولى من الحملة تغطية إعلامية كبيرة من جانب العديد من القنوات الإعلامية الكبرى في الولايات المتحدة وخارجها ومنها ال ABc news, BBC و NewYork Timeس.
وقد تم إطلاق المرحلة الثانية من الحملة تحت مسمىShare the Quran، وذلك على أثر زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى مصر في 2009 وإحالته للعديد من الآيات القرآنية في خطبته بجامعة القاهرة.

● حملة استكشاف حياة سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم” Of Prophet Mohammad Explore the life
وهى الحملة التي تهدف إلى التعريف بسيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم” من خلال التعرض لسيرته، الأحاديث، عرض لكتابات عنه…الخ.

● حملة مواجهة التنميط Beyond Stereotypes
تهدف الحملة إلى تثقيف الإعلاميين حول الإسلام والمسلمين وذلك من خلال توزيع إصدار “المسلمون الأمريكان: دليل الإعلاميين لفهم الإسلام والمسلمين”. إذ إن هذا الدليل يُعطيٍ للإعلاميين أدوات لفهم أفضل للإسلام ليتمكنوا من تغطية المواضيع التي تتعلق بالإسلام بشكل أوسع وبفهم أوضح. كذلك يصحح الدليل المصطلحات والمعلومات الأساسية حول الإسلام والمسلمين.
وقد قامت كير كجزء من حملتها لمواجهة التنميط بإطلاق حملة إعلان في التلفزيون والراديو وفي ميدان التايم سكوار- وهو احد أهم الميادين في مدينة نيويورك –تحت مسمى “أنا مسلم أمريكي” والذي يظهر فيه العديد من المسلمين الأمريكيين من مختلف الجنسيات يصفون كيف يخدمون الولايات المتحدة، وفي النهاية يقول كل منهم أنه مسلم أمريكي.

● أساسيات الإسلام: Islam Basics
أعدت كير على صفحتها الالكترونية مجموعة من الأسئلة والإجابات قد تتردد فئ الأذهان عن الإسلام ومنها: ما هو الإسلام؟ ماذا يعتقد المسلمون؟ ما هو القران؟ ما هي أركان الإسلام؟ من هم المسلمون الأمريكيون؟

● تدريب حول التنوع: Diversity Training
تقدم كير ورش تدريب للوكالات الحكومية والشركات الخاصة حول التنوع الثقافي، وذلك على أساس أن الوعي بديناميكيات التفاعلات بين الثقافات في مجال العالم قد يُحسن من كفاءة العمل ويُقلل من الصراعات.
● حملات ضد الإرهاب:
تؤكد كير مرارًا وتكرارًا على موقفها المعادي للإرهاب وقتل الأبرياء، وقد عملت على عدة مستويات لتأكيد تلك الرسالة، ومن ذلك: تبني عريضة “ليس باسم الإسلام”، مساعدة المساجد في إقامة “يوم مفتوح” لأعضاء المجتمع للتوعية، إضافةً إلى التنديد في الإعلام ضد إعمال العنف والإرهاب..الخ.

● الإصدارات والتقارير:
تقوم كير بطرح العديد من الإصدارات التي تساعد الآخر على فهم الممارسات الدينية في الإسلام في حالة تعامله مع المسلمين مثل أصحاب الأعمال، المدرسين، الشرطة..الخ. وتقوم كير على نشر العديد من التقارير التي تتعلق بأوضاع الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها: تقرير عن الرأي العام الأمريكي حول الإسلام والمسلمين (2006)، تقرير حول المساجد في الولايات المتحدة، تقرير عن الناخبين المسلمين الأمريكيين..الخ.

● تنمية العلاقات بين مجتمع الأديان:
تعمل كير مع المجتمعات متعددة الديانات للارتقاء بالفهم للإسلام ومساعدة المسلمين على فهم الأديان الأخرى. وذلك من خلال العديد من الأدوات مثل اللقاء مع القيادات الدينية، إعطاء محاضرات، حضور العديد من المناسبات في الكنائس والمعابد اليهودية.. الخ.

● خدمة المتحدث:
تقدم كير خدمه إرسال متحدثين حول الإسلام إلى من يريد وذلك من خلال ملء استمارة على الشبكة الإلكترونية.

● الدفاع عن القضايا الإسلامية:
للمنظمة العديد من المواقف حيال القضايا الخارجية التي تمس العالم الإسلامي، وبينها:
– البوسنةٍ: دعم الجهود الكونجرس لرفع حظر السلاح على الحكومة البوسنية.
– الشيشان: مطالبة روسيا بسحب قواتها.
– فلسطين: قام مدير المؤسسة نهاد عوض بكتابة خطاب للرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل زيارته لمصر في 2009 من أجل ضرورة التوصل لحل الصراع.. وضرورة إرسال رسالة للقيادات الإسرائيلية بعدم دعم رفضهم إعطاء الفلسطينيين حقوقهم الشرعية. وقد عارضت كير العديد من قرارات الكونجرس التي تدعم موقف إسرائيل.

المستوى الثاني: الأدوات غير المباشرة: والتي من خلالها تهدف كير إلى تفعيل دور المسلمين داخل الولايات المتحدة الأمريكية بحيث يصبحون في حد ذاتهم أداة من أدوات الدبلوماسية العامة. وهو ما أكد عليه نهاد عوض في خطاب أرسله في مايو 2009 إلى الرئيس أوباما، جاء فيه: “المسلمون في العالم يجب أن يقدموا أنفسهم كنموذج للقيم الإسلامية التي تقوم على الرحمة والتسامح والاعتدال”.
ومن هذه الأدوات:
● حملة Muslim Care:
وهي حمله تم تأسيسها في 2005 لدعم العمل التطوعي في المجتمع الإسلامي، لحث المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية على المشاركة المجتمعية. وذلك بهدف توصيل رسالة للآخر مفادها توضيح كيف أن الإسلام دين أفعال.
وفي إطار هذه الحملة، تتبنى كير كل شهر مبادرة جديدة للتفيعل المجتمعي، ومنها مثلًا: مساعدة المحتاج Helping the needy، التوعية الصحية..الخ.
ومن الأعمال الخيرية التي تم تشجيع المسلمين للعمل فيها، نجد على سبيل المثال؛ حث المسلمين على صرف الزكاة على ضحايا الكوارث الطبيعية داخل الولايات المتحدة الأمريكية مثل ضحايا كاترينا، وكذلك خارجها مثل ضحايا الزلازل في تركيا وباكستان، وضحايا تسونامى في جنوب أسيا، إلى جانب التطوع في جهود التنظيف التي تمت بعد حادث تسرب البترول في خليج المكسيك بفلوريدا في 2010.

● إعداد نشطاء من المسلمين الأمريكان:
تهدف كير إلى تدريب المسلمين الأمريكان كيف يصبحوا نشطاءً في المجتمع الأمريكي، وذلك من خلال عدة أدوات:
– نشر بعض الإرشادات، مثل: دليل العلاقات الإعلامية لنشطاء المسلمين، دليل المشاركة المدنية، دليل الحقوق والواجبات كمسلم أمريكي.
– العمل في مجال التدريب، ومن أهم المبادرات: افتتاح مركز تدريب القيادات المسلمة في 2000، برامج لتدريب قيادات الشباب المسلم والتي تقوم بتدريب الطلاب حول استراتيجيات التعامل مع الإعلام والحقوق المدنية والوكالات الحكومية، حيث في 2009 تم تقديم تدريب في ثلاثة مجالات: اعرف حقوقك (لتعريف المسلمين بحقوقهم الدستورية)، المشاركة المجتمعية (تدريب حول استراتيجيات التعامل مع الوكالات الحكومية)، العلاقات الإعلامية (تدريب حول كيفيه عمل مقابلات والتعامل مع الإعلام).
– تقديم الخدمات، وتتضمن الصفحة الإلكترونية فيما يخص هذا الموضوع ما يطلق عليه “مركز عمل” والذي يتضمن العديد من الخدمات لتفعيل المسلمين، ومنها: جمع التبرعات، التسجيل للانتخاب، المساعدة على التواصل مع الإعلام القومي، أدوات مجتمعية لحماية المسلمين ضد الانتهاكات.

* مؤسسة الجسور Bridges Foundation:[7]
وهى مؤسسة غير ربحية تم تأسيسها تحت شعار “السلام من خلال التعليم Peacemaking through education”. وهي أول مؤسسة -كما تنص في تعريفها على ماى سبيس My Space- متخصصة في تقديم الإسلام لغير المسلمين من خلال منظور ثقافي بهدف إقامة الجسور بين الإفراد، ومن خلال تدريب المتحدثين المسلمين على كيفية تقديم الإسلام والمشاركة في الحوارات الثقافية.
ويُلاحظ مثلها مثل المؤسسات السابقة أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما ترتب عليها من تداعيات كانت الحافز الأساس وراء إنشائها، فتنص المؤسسة على أنه: “بعد الحادي عشر من سبتمبر أصبح الخوف من الإسلام Islamophobia هو عرض مشترك في الغرب، وهو الذي أوجد الحاجة لإنشاء هذه المؤسسة التي تخاطب الغرب وتقدم الإسلام لغير المسلم بشكلٍ صادق وبسيط وحديث باستخدام التكنولوجيا الحديثة”.

1- بناء الهوية:
أضفت هذه المؤسسة على مفهوم الأنا جانبًا ذات طبيعة خاصة ألا وهو المسئولية، فالأنا ليس هو فقط المسلم، ولكن المسلم ذو الدور أو المسئولية؛ فكل مسلم تقع عليه مسئولية تصحيح سوء الفهم الذي يشوب الإسلام لدى الآخر، فالمسلم ممُثل للدين الإسلامي بالكامل، فكل مسلم –كما يرى مؤسس مؤسسة الجسور د.فاضل سليمان- سفير للإسلام. وقد حددت المؤسسة مفهومها للآخر باعتباره غير المسلم الغربي الذي أصبح لديه صورة مشوشة حول الإسلام، سواء كان هذا الآخر موجود خارج العالم الإسلامي أو بداخله.
وترى المؤسسة أن العلاقة بين الأنا والآخر تعكس مشكلة ثقافية نابعة من عدم فهم كل جانب لثقافة الآخر، وأن هذا الاختلاف الثقافي يجب أن يكون هو أساس الترابط ما بين البشر. فيرى د.فاضل سليمان أن الإعلام الغربي قد دمر العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبالتالي يقع على عاتق كل مسلم أن يعرف كيف يكون مسلمًا صحيحًا وكيف يقدم الإسلام للآخر.

2- التصور:
تهدف المؤسسة إلى فتح قنوات اتصال بين الأنا والآخر من أجل تقليص فجوة الفهم الثقافي ما بين المسلمين وغير المسلمين، وذلك من خلال التعليم. وتبني هذه المؤسسة فكرها من منطلق أساس، كالآتي: شواهد التاريخ تؤكد أن عامل الدين من أهم العوامل وراء اندلاع الحروب؛ وبالتالي ترى المؤسسة أن توعية الآخر باختلافاتنا هي أفضل وسيلة لتحقيق الترابط بين الأفراد وزيادة مساحة التسامح وتسهيل عملية بناء السلام في العالم.

ولتحقيق هذا التصور تعمل المؤسسة على جانبيين:
– الجانب الأول: العمل على بناء الجسور بين الشعوب من خلال التواصل بين الأنا والآخر، وبالتالي من خلال هذا الجانب تلعب مؤسسة الجسور دور مباشر كأداة من أدوات الدبلوماسية العامة.
– الجانب الثاني: تدريب المسلمين على كيفية أن يكونوا أداة من أدوات الدبلوماسية العامة للعالم الإسلامي، بمعنى آخر كيفية أن يكونوا متحدثين عن الإسلام، وكيفية تقديم الإسلام كثقافة وطريقة حياة لغير المسلم.

3- المضمون وأدوات التواصل:
بناءً على أهدافها تلك، يمكن تقسيم الأدوات التي تُستخدمها المؤسسة ما بين أدوات مباشرة وأخرى غير مباشرة، وهذا بحسب المستهدف: مسلمين وغير المسلمين.
أ- أدوات مباشرة: المستهدف من خلال هذه الأدوات هو الآخر غير المسلم، في محاولة من مؤسسة الجسور لسد فجوة المعرفة الثقافية التي تشوب العلاقة بين الآخر والإسلام. ومن هذه الأدوات:
● متحدثون ممثلون للسلام Public Presenters for Peace: وهنا تقوم المؤسسة بلعب دور مباشر كأداة من أدوات الدبلوماسية العامة، فالهدف من هذه الأداة هو توفير مجموعة من المتحدثين المتخصصين في تقديم الإسلام لغير المسلم بكافة اللغات وتحديدًا حول القضايا الحساسة مثل؛ الجهاد، وضع المرأة، حقوق الإنسان.. الخ.

● ورش عمل: تهدف هذه الورش إلى محو الجهل وسوء الفهم حول الإسلام، وذلك من خلال تقديم مجموعة من ورش العمل التي تعمل على رفع التوعية حول العديد من القضايا التي تتعلق بالإسلام. وتقدم هذه الورش على مستويين؛ المستوى الأول يتناول الإسلام كدين بشكلٍ عام مثل نعريف أركانه، طبيعة الرسول “صلى الله علية وسلم”، وضع المرأة في الإسلام، حقوق الإنسان التي أقرها الإسلام قبل الأمم المتحدة..الخ. أما المستوى الثاني من الورش، فيتضمن القضايا التي يشوبها سوء الفهم مثل: هل الدين الإسلامي معادٍ للسامية؟ هل يضطهد المرأة؟ هل قتل الرسول 900 يهودي؟.

وقد شارك حتى اليوم عشر ألاف مشارك من مختلف الجنسيات ومنها: أمريكي، انجليزي، أوغاندي، ألماني.. الخ.
● حملات توعية ومواجهة: إذ أطلقت المؤسسة مجموعة من الحملات، منها:
1- الحملة العالمية للتوعية بالإسلام Islam Awareness Global campaign. وقد تم إطلاق هذه الحملة في أكتوبر 2010 لمواجهة ما يُطلق عليه حملة الإسلام -الفاشية. واستطاعت مؤسسة الجسور أن تنشر هذه الحملة في 200 كلية وجامعة بالولايات المتحدة الأمريكية، وتعتبر من أكبر الاحتجاجات المحافظة للطلاب في تاريخ الولايات المتحدة. وتهدف هذه الحملة إلى التوعية بالقيم الحقيقة للإسلام. ويتم من خلالها عرض لفيلم وثائقي عن الإسلام.
2- اكتشاف الثقافة الإسلامية:Discover Islamic Culture Event. والهدف من خلال هذا النشاط تعليم غير المسلمين المغتربين داخل العالم الإسلامي الثقافة الإسلامية. وقد انطلق هذا النشاط في مصر في نوفمبر 2009 على مدار ثلاثة أيام حيث تم إرسال الدعوة لأعضاء السفارات الأجانب، أعضاء الشركات متعددة الجنسيات من الأجانب، أعضاء المدارس الدولية والجامعات الأجنبية.. الخ. وقد شمل النشاط معرضًا للفنون الإسلامية، عرض للفيلم الوثائقي عن الإسلام، توزيع إصدارات عن الإسلام.. الخ.
● أفلام وثائقية: وظفت المؤسسة الأداة الإعلامية في مجال الدبلوماسية العامة من خلال إنتاج فيلم وثائقي عن الإسلام تحت اسم الضباب يرتفع The fog is lifting. وهو فيلم وثائقي مكون من عدة أجزاء، وقد تم الانتهاء من توزيع وبيع الجزء الأول منه بعنوان “الإسلام بشكل مختصر”. ويتطرق هذا الجزء للعديد من القضايا منها: معنى الإسلام، هل هناك الله، حرية الأديان والمساواة، الإسلام والعلوم، الأنبياء والرسل.. الخ. وقد تُرجم الفيلم إلى خمس وعشرين لغة، وبيع منه مائه ألف نسخة في أقل من سنة، وتم توزيع 35000 نسخة في الولايات المتحدة وعلى أعضاء السفرات في أستراليا ونيوزيلندا وأيرلندا وأمريكا. ويمكن مشاهدة الفيديو على اليوتيوب.

ب- أدوات غير مباشرة: لتحقيق هدف تدريب المسلمين حول كيف يكونوا متحدثين عن الإسلام، أي عملية تحويل المسلم الفرد إلى أداة من أدوات الدبلوماسية العامة أنشأت مؤسسة الجسور معهد دولي لتدريب المتحدثين International Institute for Training Presenters: وهنا، تلعب المؤسسة دورًا غير مباشر من خلال تدريب الآخرين على أن يصبحوا أداة من أدوات الدبلوماسية العامة، فهذا المعهد يدرب المسلمين حول كيفية تقديم الإسلام لغير المسلمين، وكيفية الرد على الأسئلة والتعامل مع سوء الفهم المتعلق بالإسلام بشكل مهني وذو مصداقية. وقد تم حتى الآن تدريب 9650 مسلم من 16 دولة.

ثانيًا: الأفراد

* نايف مطوع: المجموعة القصصية “التسعة والتسعون”[8]

1 – بناء الهوية:
من القراءة في مشواره التعليمي وخبرته العلمية والعملية، نجد أن نايف المطوع قد مر بنظام تعليميي غربي أمريكي منذ الصغر وحتى حصوله على أعلى الدرجات العلمية، وكان لذلك دور كبير في تكوينه الفكري وبناء شخصيته. وقد عايش تجارب عديدة -من خلال مجال عمله كطبيب في علم النفس الإكلينيكي- في معالجة المعتقلين السياسيين والناجين من التعذيب السياسي بسبب معتقداتهم السياسية والدينية. وذلك في كل من “مركز الرقعى” في الكويت ومستشفى “بولغو” في أمريكا. وسمح له مجال عمله ذلك بملامسة الآثار السلبية التي يمكن أن يحدثها التعصب فى أي مجتمع. مما كان له تأثير كبير في تبنيه قيم التسامح مقابل نبذ التعصب في كتاباته بشكلٍ عام وفي قصص الأطفال بشكلٍ خاص.
فقد خاض مطوع تجربة الكتابة نتاجًا لما عايشه من خلال مجال عمله من ناحية، ونتاجًا لما أفرزه الواقع من تحديات من ناحية أخرى، فعلى سبيل المثال وليس الحصر مثل خطباء المساجد ذوي “الوصفة الانتقامية” -كما يصفهم نايف المطوع- مثلوا تحديًا محركًا دافعًا لديه لتقديم الأعمال الأدبية التي قدمها، ومن جانب آخر هناك ما عايشه من حالة التنميط الفكري، وخاصةً فيما يتعلق بالربط بين الإسلام كدين وأعمال الإرهاب والتطرف. وحالة التنميط هذه عكستها تصرفات وأفكار شباب من طلبة الجامعات التي درس ودرس فيها سواء في أمريكا أو الكويت.[9]

2-التصور:
الرسالة العامة التي يدعو إليها نايف المطوع من خلال أعماله الأدبية هي ترسيخ ثقافة التسامح وقبول الآخر ونبذ ومحاربة التطرف كنوع من التفكير حيثما تجسد، سواء تجسد في عقول مسلمين أمثال أسامة بن لادن أو غير المسلمين كالرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، فكلاهما- من وجهة نظره- نموذجين للتطرف الفكري. فالأول يريد تفسير الإسلام تفسيرًا واحدًا، والآخر يريد نشر الديمقراطية بشكلٍ واحد في العالم كله.
ويريد نايف المطوع توصيل هذه الرسالة إلى طرفين؛ طرف داخلي يتمثل في العالم الإسلامي وخاصةً أطفاله وشبابه الذين يريد أن ينأى بهم بعيدًا عن هذه النوعية من التفكير المتطرف، وطرف آخر خارجي يتمثل في غير المسلمين حيث يريد تصحيح الصورة السلبية التي تركتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر عن الإسلام بما ينافي حقيقته كدين يرسخ ويعلي ويرسي قيم التسامح والإنسانية.

3- المضمون والأدوات الاتصالية:
وتركز هذه الدراسة في عمل نايف مطوع على “مجموعة أبطال ال99″، وذلك لما لاقت من قبولٍ شديد من جانب الآخر –فكما يرى نايف المطوع – “أن السبب الرئيس لنجاح “التسعة والتسعون” وبالتالي فاعليته كوسط للتبادل عبر الثقافات، كما يبدو، هو غرس الكتاب لهذه القيم الإسلامية بأسلوب غربي سائد من الرسوم الكرتونية واللوحات.[10]
ويدور مفهوم “التسعة والتسعون” حول 99 بطلًا من 99 بلدًا مختلفا، يعملون معًا لجعل العالم مكانًا أفضل. كما أن مسمى “التسعة والتسعون” مستوحى من صفات الله ال99 في القرآن، مثل الكرم والرحمة والتبصر وعشرات الصفات الأخرى التي لم تستخدم لعكس صورة الإسلام في وسائل الإعلام إلى أن جاء مفهوم التسعة والتسعين.
وتقوم الحبكة الفنية للقصص الكرتونية الجديدة على محطة رئيسة في التاريخ الإسلامي وهي سقوط بغداد على يد المغول في القرن الثالث عشر وتدمير مكتبة دار الحكمة الشهيرة وإلقاء كتبها في نهر دجلة.
وحاول نايف المطوع إعادة كتابة الحدث من خلال مزج التاريخ بالأسطورة، فتحكي القصة (مجموعة أبطال التسعة والتسعون) أن حراس دار الحكمة علموا بخطة المغول وأعدوا سائلًا سحريًا يُسمى “ماء الملوك” ووضعوا به 99 من الأحجار الكريمة تمكنت بدورها من امتصاص العلوم والمعارف والحكمة من الكتب التي ألقيت في دجلة.
وجرى فيما بعد تهريب الأحجار من بغداد إلى غرناطة حيث بقيت هناك حوالي 150 عاما حتى سقوط غرناطة عام 1492، وهو ذات العام الذي انطلق فيه المستكشف كولومبس للعالم الجديد حيث وضعت الأحجار في عدة سفن وانتشرت في أنحاء العالم. والآن يتعين على 99 بطلًا من 99 دولة الحصول على الأحجار قبل الأشرار من أجل امتلاك القوة والحكمة. وفي قصص أبطال “التسعة والتسعون” هناك بكل قصة معالجة لمشكلة تساعد الطفل على إيجاد طرق لحل النزاعات عبر شخصيات مثل “جبار” القوي و”مميتة” المقاتلة المزاجية و”وداد” التي تحمل سلاح الحب و”سميع” في قوة أُذنيه و”بصير” بعيونه و”نورا” العارفة بأمور الناس.
وقد أراد نايف مطوع من خلال هذا العمل توضيح أن “المشكلة ليست في الإسلام وإنما في الأشخاص الذين أرادوا تسييس الإسلام لمصالحهم الشخصية. فأراد في سلسلة “التسعة والتسعون” العودة إلى الثقافة والقيم والتاريخ الإسلامي لاستخراج منها أنبل الرسالات؛ لأن هذه في النهاية قيم إنسانية عالمية. والهدف من تلك الرسالة للعالم غير الإسلامي هو إيصال فكرة مفادها أن ما يجمعنا كبشر هو أكثر مما يفرقنا”. [11]

وقد لاقت هذه المجموعة صدى كبير لدى الآخر:
● إشادة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بهذا العمل في القمة الرئاسية حول المبادرات في إبريل 2010، حيث وصفه بأنه من أكثر المبادرات الإبداعية الابتكارية التي عكست الوجه المشرق للإسلام لما فيها من تعبير عن قيم الإسلام السمحة، وقوله أيضًا أن هناك تشابه كبير بين ما يفعله نايف المطوع وما يفعله هو ولكن الفرق الوحيد هو أنه يسعى لتقريب وجهات النظر بين مختلف الشعوب الإسلامية والغربية على أرض الواقع في حين يقوم نايف المطوع بالعمل نفسه ولكن بصورة خيالية من خلال مجموعة قصصية.
● حصلت “التسعة والتسعون” على تغطية واسعة من كبريات الصحافة العالمية كوول ستريت جورنال، نيويورك تايمز، لوموند، واشنطن بوست، لاريبوبليكا، ومجلتي تايمز ونيوزويك.
● حصول مطوع على العديد من الجوائز منها: تحالف الأمم المتحدة للحضارات، جائزة نيويورك للتقاطع بين الأعمال والأديان… الخ.
● تم اختيار “التسعة والتسعون” من جانب مجلة فوربز كأحد أهم 20 نزعة تجتاح العالم Trends sweeping the globe.
● استضافة مؤتمر تيد في 2010 لنايف مطوع، وهو مؤتمر سنوي في الولايات المتحدة الأمريكية يجتمع فيه أهم مفكري العالم، وقد ألقى نايف مطوع خطابًا حول مجموعته القصصية جعل الفاينانشل تايمز تصفه بأنه مشروع للكتب الهزلية يعرض للقيم الإسلامية المستنيرة تحت ستارًا من الأبطال الخارقين.
● تم بيع حقوق بث سلسلة “التسعة والتسعون” المتحركة بأمريكا الشمالية إلى شبكة دولية في 2009، ومن المنتظر أن ينطلق أول بث لرسوم “التسعة والتسعون” المتحركة في شهر أكتوبر 2010. وسيتم الانتهاء قريبًا من مسألة حقوق البث في أوروبا الغربية. أما حقوق البث في الشرق الأوسط، فإنها تدرس حاليًا مع أهم قنوات البث في المنطقة.
● وقد تقدمت واحدة من أهم شركات صناعة اللعب في العالم من مجموعة تشكيل للإعلام بالحصول على ترخيص عالمي لمنتجاتها. ومازالت المفاوضات الأولية جارية في الولايات المتحدة مع هذه الشركة. وقد تم وضع بعض المقاطع من رسوم “التسعة والتسعون” المتحركة على موقع اليوتيوب وتمت مشاهدتها من طرف أكثر من 25.000 شخص خلال الأسبوع الأول من عرضها.
● وقد غزت “التسعة والتسعون” مناطق جديدة في الصين وتايوان وهونج كونج وماكاو من خلال اتفاقيات لتوزيع محتواها الجوال مع شركة «كيتا» التي هي شركة رائدة في تقديم خدمات تجميع محتويات القصص المصورة الجوالة في الصين. كما وقعت مجموعة تشكيل اتفاقًا خاصًا مع شركة «إس إم إس كانتا» في تركيا بهدف ترخيص حقوق صناعة وتوزيع قرطاسية التسعة والتسعون في تركيا.

ونستطيع أن نخلص من خلال الجمع بين كل الأفكار السابقة إلى حقيقة أن شخص كنايف المطوع بعمله في سلسلته القصصية هذه هو نموذج متكامل للدبلوماسية العامة لا يقل أهمية عما تقوم به مؤسسات ودول بل ربما يعد تأثيره أشمل لأن الفن -كما قال نايف المطوع- لغة عالمية؛ فالفن هو اللغة الوحيدة التي يتشارك فيها جميع البشر، وبإمكان أي شخص أن ينظر إلى قطعة فنية ويخبرك ما تعنيه بالنسبة له، فيمكن كتابة أي كلمة بمئات اللغات، ولكنها لن تعني الكثير إلا لقلّة تفهم اللغة التي كُتِبت فيها. بالرغم من ذلك يمكن للكلمات أن تعني أمورًا مختلفة في اللغة الواحدة، وذلك وفقًا للمضمون الذي تأتي في سياقه.[12]
بل إن نايف المطوع يؤكد بنفسه ما خلصنا إليه بقوله إن السلام والاستقرار العالميان يتطلبان تفهمًا واحترامًا لمختلف الثقافات ووجهات النظر. وتبدو مجلات القصص المصورة وأفلام الرسوم المتحركة، كوسائط لتبادل الأفكار والمعايير الثقافية التي تيسّر الفهم، أشكالًا مناسبة لمبادرات دبلوماسية عامة ابتكارية لها هذا الهدف.[13]

* يوسف إسلام: جبل النور The mountain of ligh[14]
1-بناء الهوية:
كات ستيفنز Cat Stevens هو مغني بريطاني مسيحي أشتهر في الغرب في حقبة السبعينيات، وحقق شهرة واسعة من خلال أعانيه وفنه وأصبح من أهم الفنانين الغربيين. وقد تعرض لمحنة مرضية شديدة جعلته يطرح العديد من التساؤلات حول الحياة والوجود. وفي هذه الفترة، قاده القدر إلى نسخة من القران الكريم، والذي من خلال قراءته والتدبر فيه أشهر إسلامه، وغير اسمه إلى يوسف إسلام، واعتزل الغناء وهو في قمة مجده اعتقادًا منه بأن الغناء أمر غير مستحب. ولكن بعد الدراسة والفهم الجيد للإسلام أيقن بأنه من خلال فنه يمكنه أن يلعب دورًا مهمًا يخدم به الإسلام فعاود الغناء بهدف” المساعدة على تقليص الفجوة الثقافية بين الشرق والغرب…” وذلك باستخدام فنه -والذي أصبغ عليه صبغة إيمانية روحانية- ومن خلال أنشطته الخيرية التي تضع العديد من قضايا العالم الإسلامي موضع الاهتمام.

2- التصور:
يرى يوسف إسلام أن هناك “قدر كبير من الجهل في العالم حول الإسلام اليوم..”، وهو قادر على أن يلعب دورًا محوريًا في مجال بناء جسور تقليص الفجوة ما بين الغرب والإسلام؛ وذلك لأن هويته تجمع ما بين ما هو إسلامي وما هو غربي من ناحية، وبسبب أن الأداة التي يوظفها ذات طبيعة خاصة قادرة على التواصل بين الثقافات والأجيال.. نأمل أن تتواصل بأداة أكثر صقلًا عن المحاضرات والمحادثات..”

3- المضمون والأدوات الاتصالية:
يقسم يوسف إسلام الأفراد إلى ثلاثة أنواع، “هؤلاء الذين يبنون الجسور، هؤلاء الذين يهدمون الجسور، وهؤلاء الذين ينتظرون العبور من فوق الجسور”. ومن ثم، يحاول يوسف إسلام توظيف الأدوات لبناء الجسور سعيًا للتأثير على هؤلاء الذين ينتظرون العبور. وقد وظف يوسف العديد من الأدوات سواء بهدف التعريف بالإسلام –بصريًا وسمعيًا- أو من خلال جذب الاهتمام حول قضايا العالم الإسلامي.

أ- جبل النور: أداة للتعريف بالإسلام.
أسس يوسف إسلام مؤسسة (جبل النور) وهدفها الأساس هو إيجاد فهمًا رصينًا للإسلام والروحانية. ويوظف يوسف إسلام الصفحة الإلكترونية للمؤسسة لتحقيق ذلك على النحو التالي:
● بوابة للقرآن A doorway to the Quran: تتضمن بوابة القرآن تسجيلات صوتية بصوت يوسف إسلام للقرآن باللغتين العربية والإنجليزية والتي يمكن تحميلها من الموقع. ويهدف يوسف إسلام من ذلك ضرورة التعرف على القرآن باعتباره المصدر الأساس لعقيدة المسلم. ويرى يوسف إسلام أن القرآن وإن تضمن قضايا تمس الإنسانية بوجهٍ عام مثل الحكمة، العبادة، القانون، المعاملات ..الخ، إلا أن أساسه يكمن فى العلاقة بين الله وخلقه.
● حديث الأسبوع: يتعرض هذا الجزء من الصفحة لأحاديث سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم”، حيث يتم نشر حديث كل أسبوع وترجمته باللغة الإنجليزية. كذلك يتضمن هذا الجزء تعريف بمعنى الحديث ومن هو سيدنا محمد صلى الله علية وسلم.
● أنا أفكر.. أنا أرى I Think I See: ويتضمن هذا الجزء عرض للعديد من المقولات لشخصيات بارزة إسلامية وغير إسلامية أمثال: سيدنا عمر بن الخطاب، غاندي، سقراط، وكلها مقولات تحمل قيم عالمية راسخة مثل العدالة، أهمية التفكير.. الخ.
● الموقف الروحاني للإسلام Islam spiritual Domain: ويستعرض من خلاله الإسلام كدين روحاني ويتناول قضايا مثل حاجة الإنسان للإيمان، التسامح وما إلى ذلك. ولعل من أهم ما يُقدم في هذا السياق جزء الخاص بإسهامات الحضارة الإسلامية في تاريخ البشرية، والذي يتخذه كمدخل مهم من مداخل التواصل بين الحضارة الإسلامية والغربية: “من الهام في ظل ما ُيسمى بصراع الحضارات والتي ترى عدم التجانس بين الشرق والغرب أن نتذكر بأن الحضارتين لديهم تراث فكري مشترك.. لم تكن لتقوم النهضة الغربية لولا العلوم والفلسفة الإسلامية..”. وبالتالي، فهناك ضرورة لبيان الدور التاريخي للإسلام في الحضارة الأوروبية.
● كتاب السلام My Peace Book: من خلال هذه المدونة يقدم يوسف إسلام رؤية لكيفية تحقيق السلام في المجتمع؛ وتقوم هذه الرؤية على منهج سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم” لتحقيق السلام باعتباره منهج قابل للتطبيق في أي زمان ومكان حيث يقوم على مبادئ عالمية مثل: ضرورة العمل بصدق، كظم الغضب.. الخ.
● مذكرات للسلام: قام يوسف إسلام بعمل تسجيل صوتي -يمكن تحميله من موقع المؤسسة- لما أسماه “مذكرات السلام”، ويتعرض فيها لموضوعات مثل: لا تغضب، الإيجابية، منع الحروب، الإيمان بالمسيح ومحمد “عليهما الصلاة والسلام”.
ب- الأغنية: أداة تواصل عالمية
وظف يوسف إسلام موهبته الغنائية كأداة من أدوات الدبلوماسية العامة لتعريف الغرب بالدين الإسلامي خاصة التعريف بجانبه الروحاني، حيث يرى أن” لغة الأغنية أحسن وسيلة لتوصيل قوة التغيير ..”، وقد قام قي هذا الإطار بما يلي:
● إصدار ألبومين غنائيين An Other cup وRoadsinger، ويحث مضمون الأغاني بهما على الروحانيات وحب الله والبحث عن طريقه. وقد وصلت العديد من الأغاني قمة قوائم الأغنية في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وهي القوائم التي تمثل مقياس لشعبية الأغاني.
● كتابة وتلحين أغنية للأطفال عن الإسلام باللغة الإنجليزية وهي “A is for Allah”، وتم تصوير الأغنية في كتاب. وتقوم فكرة الأغنية والكتاب على أساس نوع من تجسيد لمعاني إسلامية من خلال الحروف العربية.
● تسجيل السيرة النبوية باللغة الإنجليزية بصوته.
● تسجيل أدعية الرسول “صلى الله عليه وسلم”.
● تسجيل ألبوم غنائي للأطفال بعنوان “أنا أنظر.. أنا أرى” لمساعدة الأطفال على فهم قضية الخلق، والقيم الطيبة وحب رسول الله.

ج- الأفعال: ومحاولة جذب الاهتمام
يوظف يوسف إسلام شهرته من أجل جذب الاهتمام للعديد من القضايا الخاصة بالعالم الإسلامي، سواء بشكل مؤسسي أو من خلال فنه، ومن أمثلة ما يقوم به في هذا الشأن:
● مؤسسة small kindness: أسس يوسف إسلام هذه المؤسسة كأول مؤسسة خيرية تقدم مساعدة فعلية للاجئين من الحروب في البلقان. وقد توسعت أنشطة المؤسسة لتصبح إحدى المؤسسات غير الحكومية تحت مظلة الأمم المتحدة التي تساعد في عمليات الإغاثة في العالم. ومن أنشطتها ما قامت به على سبيل المثال في كل من إندونيسيا وقت كارثة تسونامي في 2004، عمليات الإغاثة بعد زلزال كشمير في 2005، الإغاثة في العراق.
والجدير بالذكر، أن المساهمة في عمليات الإغاثة تعد من أهم أدوات الدبلوماسية العامة التي توظفها العديد من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل؛ وذلك لما لها من تأثير إيجابي على ما يُسمى “تقديم الدولة” Nation Branding، حيث تلقى هذه العمليات اهتمام إعلامي وشعبي واسع.
● شارك في حملة غنائية لجمع التبرعات لضحايا تسونامي في إندونيسيا في 2005.
● كتب أغنية للأطفال ضحايا سراييفو باسمThe little ones.
● شارك في حفل الأمم المتحدة لصالح ضحايا دارفور في 2004.
● سجل أغنية The day the world gets round وتبرع بريعها لصالح ضحايا الحرب على غزة في 2009.
وبناءً على ما سبق، استطاع يوسف إسلام أن يمثل جسرًا مهمًا ما بين الثقافة الإسلامية وما بين الثقافة الغربية من خلال أعماله الفنية ودوره الإيجابي في المجتمع الذي يضع قضايا الإسلام والمسلمين في بؤرة اهتمام الآخر. ومن أهم الدلالات على مدى فاعلية الدور الذي يلعبه يوسف إسلام، أنه تم منحه جائزة “رجل السلام” من لجنة حاصلي جائزة نوبل، كما سُمي من جانب الحكومة البريطانية بسفير الإسلام في بريطانيا وتم اللجوء إليه كمستشار في إطار محاولة التصدي للتطرف لدى شباب المسلمين في بريطانيا.

المحور الثالث: الدعوة: منظور للدبلوماسية العامة في العالم الإسلامي.

حاولت الورقة من خلال المحور الأول أن توضح مفهوم الدبلوماسية العامة في العصر الحديث وفي إطار جميع التطورات التي لحقت بالمفهوم. كما سعت من خلال المحور الثاني أن تقدم قراءة في بعض النماذج “غير الرسمية” من العالم الإسلامي التي رأينا فيها نوع من التفاعل مع المفهوم الحديث للدبلوماسية العامة. وقد استطاعت النماذج من خلال أنشطتها السابق تناولها أن تحسم إلى حدٍ كبير إجابات أسئلة مهمة لتحقق بذلك نجاحًا في فعالية الدبلوماسية العامة والارتقاء بها فوق المستوى الدعائي، ومن هذه الأسئلة: السؤال المتعلق ببناء الهوية، ومضمون الرسالة التي تريد توجيهها وكيفية توصيلها لتحقيق أهدافها؛ معنى آخر نجحت تلك النماذج في تعريف من هي؟ من تخاطب؟ ماذا تريد منه؟ كيف تحقق ما تريده؟

ومن خلال الجمع بين ما توصلنا إليه من المحورين السابقين خلصنا إلى عدد من النتائج هي:
أولًا: أهمية وجود تحدي يحفز على التفكير الاستراتيجي لرسم استراتيجيات للتعامل معه. فكما سبقت الإشارة، مثلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتداعياته على صورة الإسلام في الخارج الحافز الأساس وراء رؤية وأنشطة هذه النماذج حيث أصبح الهدف الرئيس وراء هذه النماذج هو التصدي لسوء الفهم وتصحيح صورة الإسلام لدى الآخر. وهنا، تطرح الدراسة التساؤل التالي: لماذا يأتي الدافع الحيوي للحركة لدى العالم الإسلامي استجابةً لتحديات مصدرها “الخارج” دائمًا وهذا بما يضعه في وضع دفاعي على الدوام؟

ثانيًا: أهمية وضوح سؤال الهوية بشقيه الأنا والآخر، فبناء الهوية من أهم العناصر التي تتأسس عليها الدبلوماسية العامة.

فبالنظر إلى النماذج موضع التحليل نجد أمرين:
1- أن هناك إدراك من جانب النماذج بأن هناك أزمة في “بناء” الأنا، وأنه لا يمكن مخاطبة الآخر بغير وضوح تلك الأنا؛ وبالتالي جاء جزء من نشاطاتها يستهدف إعادة بناء الأنا. فعلى سبيل المثال، جاءت قضية تجديد الخطاب الديني في لب اهتمام مؤسسة طابة باعتباره نقطة بداية تغيير طريقة تفكير المسلمين وغير المسلمين.
والجدير بالملاحظة، أن هناك إدراكًا واعيًا من جانب العديد من عناصر الأمة بأهمية بناء الأنا وبالذات خارج العالم إسلامي. ومن الأمثلة التي يمكن أن نوردها في هذا السياق مؤتمرReviving the Islamic Spirit، وهو مؤتمر سنوي ينعقد كمحاولة من الشباب المسلم في الخارج للتغلب على التحديات الاتصالية والتعامل مع مسألة الاندماج. ويهدف المؤتمر إلى تقوية الروابط بين مسلمي الشمال الأمريكي من خلال إحياء التقاليد الإسلامية التعليمية، التسامح، والتواصل الثقافي من خلال الاحترام المتبادل والقيم المشتركة. وبالتالي، كان تأسيس هذا المؤتمر منظمة، وتعد منتدى لجمع قادة المسلمين من مختلف الأنحاء وذلك من أجل إعداد الشباب في الشمال الأمريكي لإحياء الإسلام. وقد تم عقد مؤتمرها العام في ديسمبر 2010 بمدينة تورنتو بكندا تحت عنوان “إحياء الوصايا العشر في العالم الحديث”. وقد شارك في المؤتمر العديد من القيادات الإسلامية البارزة منها: د.علي جمعة مفتي الديار المصرية، الداعية د.عمرو خالد، الشيح حمزة يوسف.[15]

2- كان “الدين” المكون الأساس في بناء الهوية لدى تلك النماذج، فقد عكست من خلال رؤيتها ملامح الشخصية المسلمة ذات التفكير الديني المعتدل المستنير النابع من فهم سليم لصحيح الدين الإسلامي من ناحية، والنابع من ناحية أخرى من إدراك واستيعاب للتطورات والتغيرات المحيطة به في شتى المجالات في الداخل والخارج. وقد كانت نفس تلك الملامح والسمات التي تمثلتها هذه النماذج كأفراد ومؤسسات هي التي تحاول غرسها في عناصر الأمة الإسلامية من خلال رسالتها إلى داخل العالم الإسلامي، وذلك عبر مجهوداتها التي تدرجت بين محاولة إعادة بناء “الأنا” بكل عناصرها، وبين محاولة ضبط توجهاتها والحفاظ على أسسها السليمة والابتعاد بها عن ملامح التطرف.

أما بالنسبة إلى تعريف “الآخر”، فقد أخذ تعريفه أشكال عدة لدى النماذج الخمسة، حيث تدرج من “الإنساني العالمي” إلى “غير المسلم” إلى “المسيحي” إلى “الغربي” وأخيرًا “الأمريكي”. ويمكن إرجاع اختلاف النماذج فى تعريف “الآخر” إلى عاملين هما: الطبيعة الغالبة على نوع الرسالة والأهداف التي يتبناها كل نموذج، ونوعية المخاطبين بها بالأساس من “غير المسلمين.

وإذا كان الدين هو المكون الأساس في بناء “الأنا” لدى تلك النماذج، فقد وجدنا أيضًا أن فهم “الآخر” يلعب دورًا كبيرًا في فاعلية الأدوات. فعلى سبل المثال، استطاعت “كير” من خلال إدراكها لطبيعة المجتمع والنظام الأمريكي أن توظف أداة الدبلوماسية العامة في إطار هذا الفهم. أيضًا، فإن تعليم كلًا من نايف مطوع وفاضل سليمان في الولايات المتحدة الأمريكية قد أتاح لهما فرصة التعرف على الآخر على أرض الواقع وفهم كيف يفكر وكيف يتفاعل، أي أن العناصر التى كان “للآخر” دور في تكوينها الفكري والوجداني استطاعت تفعيل التواصل مع هذا “الآخر” بشكل كبير.

ثالثًا: كان هناك حرص على تقديم رسالتين: رسالة للعالم الإسلامي وأخرى للعالم غير الإسلامي. وكانت الرسالة للعالم الإسلامي أساسها إعادة “بناء الأنا” وإيقافها على الجانب المعتدل من التفكير الديني وتزويدها بمهارات تمكنها التأثير في أحداث العالم بجميع تطوراته وذلك وفق إمكانياتها، فالرسالة تهدف إلى تنوير فكر المسلم وتقوية دوره. أما الرسالة للعالم الغير إسلامي، فأساسها تصحيح الصورة عن الدين الإسلامي وتغيير طريقة تفكير غير المسلمين تجاه هذا الدين.

رابعًا- من أهم أسباب فاعلية الدبلوماسية العامة: ضرورة استخدام أدوات يستوعبها المستهدف وتواكب تطوره. وبالنظر إلى النماذج السابقة، نجدها استخدمت أدوات ووسائل عدة لتحقيق رسالتها، وكان أهم ما يجمعها في هذا المقام هو مواكبتها جميعًا لتطورات العصر ومتطلباته الجديدة للتواصل مع “الآخر”.

فكان لكل من تلك النماذج موقع على الإنترنت، كما أنها تقدم مادتها باللغة الإنجليزية بجانب العربية. كذلك استطاع العديد من النماذج توظيف الأدوات الحديثة مثل الشبكات الاجتماعية Social networking للتواجد والتواصل، وذلك باستخدام التويتر واليوتوب والفيس بوك وماي سبيس. فمثلًا نجد لمؤسسة الجسور تسجيل على الفيس بوك وماي سبيس، كذلك تقوم كير بعرض العديد من أنشطتها على اليوتيوب.. إلخ.

وقد فعلت النماذج محل البحث الوسائل غير التقليدية التي تحدث صدى لدى الآخر لتتمكن من توصيل رسالتها، فعلى سبيل المثال: استخدم نايف المطوع قدراته الإبداعية في قصص هزلية -ال99- التي تطورت لعمل كرتوني على غرار ما ينتجه الغرب. وتعد القصص الهزلية والشخصيات الخارقة التي ترسمها والتي تؤثر خيال الشباب من أهم الأدوات التي يستخدمها الغرب لنشر ثقافته بطريقة غير مباشرة. فمثلًا، إذا نظرنا إلى شخصية سوبرمان التي تحظى بشعبية كبيرة لدى الشباب بمختلف ثقافاتهم وهوياتهم سنجدها محملة بالقيم الغربية وبالذات الأمريكية تحديدًا منها، فهو مخُلص العالم من الشر، فهو المدافع عن “الحقيقة، العدالة، وطريقة الحياة الأمريكية Truth, Justice and the American way”.
ولعل من أهم الأدوات غير التقليدية التي يجب تفعيلها كأداة من أدوات الدبلوماسية العامة هي الأداة الفنية؛ وذلك لأنها من أكثر الأدوات تأثيرًا بسبب عالميتها وقدرتها على الوصول والتواصل مع قاعدة شعبية واسعة. ويستخدم الغرب هذه الأداة لترويج رؤية سلبية عن الإسلام والمسلمين، فنجد أن العديد من الأفلام والمسلسلات الغربية وبالذات الأمريكية تربط ما بين الإسلام والإرهاب. والجدير بالذكر، أن هناك مبادرة مهمة قامت بها الهند في محاولة لتفعيل الأداة الفنية في مجال الدبلوماسية العامة، وذلك من خلال إنتاج فيلم My name is khan في 2010. ولقي هذا الفيلم صدى واسع في الغرب، وبالذات في الولايات المتحدة الأمريكية. وتقوم الحبكة الدرامية للفيلم على رجل هندي مسلم اسمه خان هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وما تعرض له من اضطهاد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ويبنى الفيلم على مقولة أساسية يرددها البطل طوال الفيلم وهي “أنا اسمي خان.. ولست إرهابي”، وهي الرسالة التي يهدف الفيلم توصيلها حيث رفض إلصاق الإرهاب بالإسلام.

خامسًا: ضرورة وجود إدراكًا واعيًا بأن هناك نموذج للإسلام يهدف الغرب إلى ترويجه وتشجيعه وهو النموذج التسامحي. فيلاحظ بالنسبة للنماذج السابقة أن هناك حالة من الإشادة والترحيب من الجانب الغربي وعلى رأسه الجانب الأمريكي بالمبادرات التي تُعنى بالأساس بإبراز الجوانب الإنسانية، التسامحية العالمية للدين الإسلامي التي تدعو للخير لكل البشرية ونستطيع تلمسها بوضوح في عدد من المواقف مثلًا إشادة الرئيس باراك أوباما بعمل نايف المطوع في ال99، كما كانت ’كلمة سواء‘ التي أسستها مؤسسة طابة الحافز الأساس وراء قرار وامب -أليسون في مجلس النواب الأمريكي الذي صدر عام 2008، حيث جرى في هذا القرار التنويه والإشادة بالمبادرة. كذلك كانت ’كلمة سواء‘ موضوعَ عدة أطروحات ماجستير ودكتوراه في جامعات غربية في بلدان مختلفة (منها جامعة هارفارد، والمعهد اللاهوتي لجامعة توبِنغِن في ألمانيا، ومركز الدراسات الإسلامية في بريطانيا)، كما أنّها صارت تُدرَّس في كليّة اللاهوت بجامعة ييل.
ولكن هذا الترحيب والصدى يجب أن يُنظر إليه نظرة أكثر تمعنًا، فهو ترحيب خاص بجانب واحد من جوانب الإسلام وهو الجانب التسامحي، وبالتالي يحاول الغرب من خلال تشجيع مثل هذه المبادرات ممارسة دبلوماسية عامة مضادة من خلال الترويج لهذا النموذج للدين الإسلامي، إلا أن في الحقيقة النموذج الإسلامي له جوانب أخرى عديدة مثل جانب المقاومة والجهاد والتي لم تتعرض لها هذه النماذج بشكل واضح. وربما مرجع ذلك لأنها معنية بإصلاح “الصورة” بشكل أكبر من التعريف بالنموذج الإسلامي وشرحه.
وما يهمنا التأكيد عليه في تلك الفكرة أننا لابد ونحن نتلقى ردود فعل الآخر أن نقف على أرض وسط بين طرفي الخيط، فلا نميل إلى نوعٍ من التفسيرات السطحية التي لا ترى إلا الإيجابيات في حالة أفلاطونية مثالية ولا نميل إلى التفسيرات السلبية فقط مثال التفكير التآمري في حالة من التربص. وذلك حتى نظل متمسكين بمفاهيم الجهاد والدفاع عن مقدسات الأمة من جانب ونقضي على مفاهيم التطرف الديني من جانب آخر.

سادسًا: هناك عدة مستويات للدبلوماسية العامة على حسب الهدف المراد تحقيقه، فهي تتراوح ما بين: تعريف، تفاهم، وتأثير. كما تختلف الفواعل من حيث مستوى الهدف التي ترمي إلي تحقيقه. وبالتالي، لكل كيان في العالم الإسلامي دور في مجال الدبلوماسية العامة، كلًا على حسب قدرته وبالتالي مستوى عمله.

والخلاصة مما سبق فيما يتعلق بالدعوة كمنظور للدبوماسية العامة في العالم الإسلامي، هي:

إن تطور الدبلوماسية العامة بهذا الشكل الهائل الذي شاهدناه ليفرض علينا كعالم إسلامي أن نتعامل مع هذا الموضوع فى إطار مفهوم “الدعوة” تعاملًا أكثر جدية. فيجب أن تنبثق الدبلوماسية العامة بمعناها الواسع الجديد من منظور دعوي بحيث توظفها مجتمعات المسلمين في البلدان غير المسلمة في العالم كله للتواصل مع الآخر، كل بحسب إمكانياته ودوره في المجتمع الذي يعيش فيه من هذا المنطلق.
فالدعوة في العهد النبوي كانت وظيفة إعلامية يقوم بها كل من الدولة والفرد المسلم العادي، إلا أنه للأسف الشديد قد حبست حكومات العالم الإسلامي هذا الدور الدعوي داخل أسوار المؤسسات الرسمية الدينية، وأصبح منظور الدعوة لا يُمثل أساسًا في تكوين عقيدة المسلمين رغم أنها أساس من أسس تلك العقيدة. ونحن لا نقلل من أهمية الدور الذي تقوم به تلك المؤسسات (الرسمية الدينية) في الخارج (البلدان الغير مسلمة)، ولكن ننبه إلى أن الرسالة التي تصل إلى الآخر “غير المسلم “من خلال قيم وسلوكيات الجاليات المسلمة في الخارج أسرع وأقوى تأثيرًا، فهي رسالات صغيرة تحدث كل يوم وكل ساعة، بمعنى: “سلوك واحد في ألف أقوى من قول ألف في واحد”. وهذا المنظور “الدعوي” كان من المفترض أن يتأصل مبكرًا في عقيدتنا ولكن كان دائمًا يتم إخماده.
وعند خروج المسلمين إلى العالم غير الإسلامي بتلك العقيدة الناقصة، وإذا أضفنا لها مظاهر الخلل الأخلاقي والتربوي تكون السفارات الإسلامية قد نجحت في إرسال أسوأ سفرائها للخارج مع كل تأشيرة سفر تعطيها لهؤلاء، رغم أن هؤلاء هم السفراء الجدد في ظل التطور الحديث للدبلوماسية العامة التي تسعى للتواصل بالأساس مع الشعوب.
ومن ذلك المنطلق يصبح على النماذج الغير رسمية -التي تتبنى التعريف بحقيقة الدين الإسلامي هدفًا لها- عليها أن تتبنى الدعوة كمنظورها الأساس عند تفعيل الدبلوماسية العامة وأن تحشد الكثير من الجهود في عملية إعادة تأصيل مفهوم الدعوة في قلوب وعقول المسلمين خارج أقطار العالم الإسلامي باعتبارهم الشكل المجسد لهذا الدين.
وتعد الشروط التي وضعها النبي “صلى الله عليه وسلم” لاختيار الرسل الذين يبعثهم إلى الملوك، تعد بمثابة ضوابط لازمة في يومنا هذا لمن يتحدث باسم الإسلام، إلا أنه –للأسف- تبرز نماذج عديدة لا تمتلك أي من هذه الشروط لتحدث تأثيرات سلبية تنعكس على صورة الإسلام، حتى وإن كانت تلك العناصر تتبنى حسن النوايا إلا أنه من ناحية أخرى قد لا تكون على ثقافة واسعة بالدين الإسلامي ولا بثقافة المجتمعات التي تتحدث إليها وليس لديها الكثير من الفطنة وحسن التصرف. وهذه التأثيرات السلبية التي تحدثها هذه العناصر تتعاظم مع التطور التكنولوجي. فالدبلوماسية العامة مع تطوراتها الحديثة تصبح سلاح ذو حدين.
وما نريد التأكيد عليه مما سبق أنه لابد من التعامل مع مفهوم الدبلوماسية العامة في إطار مفهوم الدعوة من خلال مستويين: مستوى الفرد العادي، والذي يجب أن يقوم بدور في مجال الدبلوماسية العامة من منظور دعوي عبر سلوكه وقيمه، ومستوى المتحدث باسم الدين، وهنا لابد من أن تتوفر فيه جميع الشروط اللازمة والضابطة التي وضعها الدين. هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى، يتطلب التداخل الشاسع بين الجوانب الثقافية الدينية والسياسية أن يفطن المسلمين على المستويين إلى ضرورة الوعي بالإطار الكلي للقيم الإسلامية في التعامل مع “الآخر”. فهو إطار يجمع بين مفاهيم التسامح ومفاهيم الجهاد معًا كل في موضعه بحسب الواقع. وهذا وعي مطلوب حتى لا يستدرجنا “الآخر” إلى تبني أحد تلك المفاهيم دون الأخرى بما يحقق مصالحه. فهو إطار من العدل والميزان لا يسمح لنا بأن نجير على الآخر تحت اسم “الجهاد” في حالة من التعصب ولا أن نسمح للآخر أن يجير علينا تحت اسم “التسامح” في حالة من الضعف.
ومن النقاط المهمة التي يجب التطرق لها عند الحديث عن الدبلوماسية العامة ومنطلقها الدعوي هو تناول شمولية الدعوة ومناطق الفراغ في العالم. فلم تكن الدعوة الإسلامية قاصرة في أي من عصورها الذهبية على قطرٍ دون آخر ولكنها اتسعت لتشمل العالم كله ولم يترك النبي “صلى الله عليه وسلم” مملكة من الممالك الموجودة وقت ذاك إلا وكاتب عظماءها، وهذا ما جعلنا ننتبه لفكرة المناطق الفارغة في العالم بمعنى أننا وجدنا تأثيرًا كبيرًا جدًا للعوامل السياسية والثقافية على الدينية وبروز الاهتمام “بالغرب المسيحي” -وأمريكا على رأسه– في حين تراجعت إلى الوراء باقي الثقافات والأديان والشعوب حيث تستشعر بمطالعة الكتابات والنماذج الإسلامية في الدبلوماسية العامة عبر الإنترنت أنه لا يوجد في العالم سوى الشعوب الأوروبية والأمريكية والإسلامية، ولا يوجد سوى الإسلام والمسيحية كأديان. رغم أنه من الفطنة وليس فقط من متطلبات الدعوة أن يتم التحرك في جميع الأقطار، فالدول العظمى اليوم ليست بالضرورة عظمى غدًا وهناك قوى صاعدة في العالم، فأين على سبيل المثال الصين والهند؟! إن الدعوة فن كبير ولا يخفى ذلك على أهلها فأين فنون الدعوة في جذب وتعريف باقي أقطار العالم بالإسلام؟ ولماذا دائمًا نحن رهناء رد الفعل، فيأتي التعريف بالدين الإسلامي رد فعل لأحداث الحادي عشر من سبتمبر والرسوم الدنماركية وما إلى ذلك من تصرفات مسيئة للإسلام؟ أعتقد أن مرجع ذلك أيضًا إلى تراجع مفهوم”الدعوة” في عقيدتنا وتحركاتنا بالمعنى الذي أرساه القرآن والسنة.
إنها مسألة عقيدة، هذا هو منتهى القول لدينا، لن تتعدى الدبلوماسية العامة -في إطار تطوراتها الحديثة- في العالم الإسلامي ككل المستوى الدعائي حتى يتم إعادة بناء أسس العقيدة السليمة في قلوب وعقول المسلمين، ولن يتوقف الآخر عن النجاح في تشكيل العقول والقلوب المسلمة باستخدام القوة الذكية حتى تمتلك تلك العقول والقلوب العقيدة القوية، فهي حصن المسلم وأساس تفكيره الاستراتيجي السليم عند الفعل والتفاعل. وهو الكلام الذي أكد عليه العالم الإسلامي الجليل مالك بن نبي والذي قسم عالم الأفكار إلى شقين: الشق الأول هو العقيدة، والتي تتضمن نظرة الإنسان لله وللكون والغيب.. إلخ، والشق الثاني هو أنماط ومنهاجية التفكير. ويؤكد بن نبي على ضرورة أن يصح الشقين ليصح عالم الأفكار؛ فعقيدة سليمة مع أنماط ومنهاجية تفكير غير صحيحة لا تبني حضارة، ونمط تفكير سليم بدون عقيدة صحيحة تبني حضارة مادية تتضارب فيها القيم.
*****

الهوامش:

[1] محمد الغزالي، الغزو الثقافي يمتد في فراغنا، القاهرة: دار الشروق، 1998، ص 32.
[2] المرجع السابق، ص34.
[3]انظر: نسمة شرارة، الفكر الاستراتيجي تجاه العالم الإسلامي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر: دراسة لبعض مراكز الفكر الأمريكية، رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2010.
)[4]( Samei, Marwa Abdel, “Public diplomacy in the age of regional media: winning the war of hearts and minds in the middle east Al-Jazeera and al-Hurra” (2010), Northeastern University, Available at: http://iris.lib.neu.edu/polisci_diss/5/, p213-214
[5] انظر الموقع الإلكتروني لمؤسسة طابة .www.tabahfoundation.org
[6] انظر الموقع الإلكتروني لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)
www.cair.com .
[7] لمزيد من التفاصيل انظر:
– الموقع الإلكتروني لمؤسسة الجسور:
www.bridges-foundation.org
– تسجيل مؤسسة الجسور على شبكة My Space.
– تسجيل مؤسسة الجسور على الفيس بوك.
[8] – انظر:
– الموقع الالكتروني لل99:
www.the99.org
– نايف المطوع، اللغة العالمية للدين، على:
http//:common ground.org. 22/1/2008.

– جمال رمضان، تشكيل للإعلام تزيد رأسمالها بواقع 2.8 مليون دينار وتتوسع في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، http/:alwatan.kuwait.tt/articledetails. 2010/04/22،

– شيرين صبري، د.المطوع: لا تعليق على نوبل للسلام.. وكل الشكر لمن كرموني وسيكرمونني أيا كان التكريم، في: http/:alwatan.kuwait.tt/article
4/30/2010.
– حمزة عليان، وجه في الأحداث، المبدع نايف المطوع بطل ذو (ال99 وجهًا)، 2 تشرين الثاني 2008
.http//: hamzaolyan.maktoobblog.com
– يوسف كاظم، وهذه رسوم متحركة كويتي،
2006/5/31 .http://www.superkuwait.com
– ﻧﺎﻳﻒ المطوع، ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺎﺕ الخارقة المستلهمة ﻣﻦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺗﻘﺎﺗﻞ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﺧﺎﺹ ﻟﺸﺒﻜﺔ (ﺳﻲ ﺇﻥ ﺇﻥ)، في: www.almutawa.com
.22/8/2010

– الموقع الرسمي لنايف المطوع: www.almmutua.com

[9] ) نايف المطوع، الشخصيات الخارقة المستلهمة من الإسلام، مرجع سابق.
[10] الموقع الالكتروني للـ99، مرجع سابق.

[11] أمان الله، هل يزاحم جبار وبارئ أبطالًا خارقين مثل سوبر مان، خاص لشبكة ( البي بي سي)، لندن:
http:// news.bbc.uk.co/arabic.
[12] نايف المطوع، اللغة العالمية للدين، على:
.www.commonground.org
[13] الموقع الالكتروني لل 99، مرجع سبق ذكره.
[14] انظر: الموقع الالكتروني الرسمي ليوسف إسلام www.yusufislam.com
– موقع جبل من نور: www.mountainoflight.com
– Small kindness: www.smallkindness.org
– تسجيل ليوسف إسلام على الفيس بوك.
– تسجيل ليوسف إسلام على ماي سبيس.
[15] انظر الموقع الالكتروني للمؤتمر:
www.revivingtheislamicspirit.net.

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى