الحرب على الرموز الإسلامية.. إلى أين؟

مقدمة:
تتصاعد التحديات التي تواجه الإسلام والمتجسدة في محاربة رموزه في الغرب بصورة لافتة فهذه الحرب لا تتناقص أو حتى تستمر على وتيرة واحدة ولكنها متسارعة ومتصاعدة، فمن الحجاب إلى الرسوم الكارتونية ومرورا بالمآذن، وانتقادات من قبل مسئولين دينيين غربيين وصولا إلى حرق القرآن الكريم ومنع بناء المساجد وكذا المطالبة بالتهجير من البلاد. والخطورة في هذا الأمر أن المسألة لم تعد مقتصرة على البلاد التي فيها أحزاب دينية متطرفة مسيطرة ولكنها أصبحت سمة عامة في البلاد الغربية تتعاون فيما بينها على محاربة الإسلام ومحاصرته، ومن هنا نجد اتجاه الأغلبية في أوروبا والولايات المتحدة إلى الانسياق وراء خطاب هذه المبادرات المقيدة للحرية الدينية للأقلية المسلمة مما سيؤدي إلى زيادة العداء للأقلية المسلمة وزيادة استبعادها من الاندماج الفعال في المجتمع[1].
أما في الداخل فالأمر فيه مشتبك إلى حد كبير فاستنساخ مشاكل الخارج ذاتها تفرض نفسها على الواقع الداخلي، وكما سيتبين لاحقًا نجد أن الخارج لم يكتفي بما يقوم به الداخل بنفسه ولكنه عندما يجد مشكلة -من وجهة نظره- لا يعالجها الداخل كما يرغب يتدخل مباشرة، والمثال على ذلك تدخل السلطات الفرنسية لمنع قناة فضائية إسلامية في مصر.
من الجدير بالذكر ملاحظة سرعة تبني مبادرات حظر الرموز الإسلامية في بعض الدول الأوروبية وتحولها من مجرد مبادرات إلى قوانين سارية من خلال طرحها للاستفتاء الشعبى لتصبح بندا في الدستور الفيدرالي للبلاد مثلما حدث مع مبادرة حظر المآذن فى سويسرا فى نوفمبر 2009، أو حصولها على أغلبية كبيرة فى البرلمان كما هو الحال فى مبادرة حظر النقاب فى بلجيكا فى أبريل 2010[2]، وكذلك تصويت الجمعية الوطنية الفرنسية لصالح حظر النقاب فى الأماكن العامة فى فرنسا فى مطلع شهر يوليو ودخول القانون حيز التنفيذ في سبتمبر 2010.
وقد تمادت هذه الاعتداءات إلى درجة أنها لم تقتصر على الأحياء فقط، فقد امتدت إلى الأموات أيضا. ففي فرنسا تم “تخريب شواهد سبعة قبور لجنود مسلمين سقطوا دفاعا عن فرنسا في القسم العسكري لمقبرة تاراسكون جنوب البلاد. وتضم المقبرة رفات المئات من مجندي المغرب العربي وأفريقيا السوداء الذين حاربوا تحت الراية الفرنسية في ما كان يعرف بـ«جيش أفريقيا» في الحرب العالمية الأُولى”، مما استتبع بيان استهجان من وزارة الدفاع الفرنسية وصف العمل بالشائن والجبان[3].
وتشير نجوان الأشول إلى أن هذه المبادرات تعمل في سياق محرض على استمرارها ودفعها باستمرار؛ ومن ذلك الحفاظ على الثقافة العلمانية الأوروبية وكذلك الرغبة في الدفاع عن الحرية ورفض أشكال العبودية وأيضا تذليل العوائق الدينية والثقافية التى تحول دون اندماج الأقلية المسلمة في المجتمع الأوروبي[4]، وتضيف الأشول أن هذه الحجج تكشف عن إشكاليات حقيقية عند طرحها، حيث إن الشعوب الأوروبية فى كفاحها نحو الحرية وتبنيها للعلمانية فى ظل الدولة القومية الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية والتى أنهت مفهوم القومية العنصرية أو القومية المتطرفة تبنت مبادئ من أهمها الحيادية، والتي تعني حياد الدولة في تعاملها مع مواطنيها دون الالتفات لهويات عرقية أو دينية أو انتماءات سياسية، ثم الإيمان بقيم «التنوير» الأوروبية والتى تشمل الحرية والعدالة وقبول التنوع والاختلاف، وبالتالي فإن الأطراف التي ترى في الرموز الإسلامية مخالفة للروح الأوروبية تنقلب على مفاهيم التنوير الأوروبية وتقع في إشكالية إنكار تلك المفاهيم التي تفترض احترام التعددية، والمعاملة العادلة للأقليات الدينية والعرقية[5].

أولا- نماذج من الاعتداءات الغربية على الرموز الإسلامية:

وفيما يلي نشير إلى تقرير لمنظمة حقوقية مصرية[6] ترصد نماذج من الاعتداءات الغربية على الرموز الإسلامية[7]:

1- الولايات المتحدة
تعد الولايات المتحدة الأمريكية إحدى أهم الدول التي تمارس التمييز والعنصرية ضد الإسلام والمسلمين، ويقوم بذلك الأفراد والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني المحسوبة على اليمين الصهيوني المتطرف، بل ووصل الأمر لقيام بعض المؤسسات الدينية مثل الكنيسة بممارسة ذلك التمييز علانية، بالرغم من مخالفة ذلك لكافة الأديان السماوية التي تدعو للتسامح والمحبة.
حيث قامت بعض تلك المؤسسات بدعوة الأفراد والهيئات للتبرع من أجل محاربة الدين الإسلامي، الذي يُوصَف في الولايات المتحدة الأمريكية -من قِبل البعض- بأنه دين الشيطان؛ حيث تطالب العديد من المعاهد البحثية المحسوبة على تيار اليمين المتطرف -وعلى رأسها معهد هدسون للأبحاث- مانحيها بدعم جهودها ماليًا، وذلك للمساهمة في دعم المرتدين عن الإسلام، ومحاربة ما وصفوه بالتعصب والعنف الإسلامي.
كما قامت كنيسة اليمامة الأمريكية في ولاية فلوريدا بحملة على الدين الإسلامي، وصفته خلالها بأنه “دين من الشيطان”، وذلك ضمن احتفالاتها بأعياد الميلاد، وزينت جدران الكنيسة بعبارات ضد الدين الإسلامي، وقامت الكنيسة بالإضافة إلى ذلك، ببث شريط فيديو تقدم فيه التهنئة لروادها، وتقول فيه أن المسيح هو الملك وأن الإسلام من الشيطان، وطالب القس تيري جونز راعي هذه الكنيسة ومؤلف كتاب الإسلام من الشيطان أتباعه للتصدي للإسلام ودعا إلى تحويل يوم 11 سبتمبر إلى يوم عالمي لحرق القرآن الكريم معتبرًا أنه يقود الناس إلى الجحيم ولذا يجب وضعه في مكانه في النار[8].
وبالإضافة إلى ذلك عثر المسلمون بولاية ميتشجان في أحد المساجد على نسخة من القرآن مكتوب عليها رسالة تصف الإسلام بالمرض والمسلمين بالفيروس، وتطالب بطردهم من الولايات المتحدة.
وقالت محطة (ABC) الأمريكية الإخبارية: “إن المسلمين في الجيش الأمريكي يتعرّضون لتمييز متزايد واضطهاد، خصوصًا بعد أحداث قاعدة “فورت هود” العسكرية بولاية تكساس في نوفمبر 2009م، المتهم فيها الضابط الأمريكي من أصل عربي نضال حسن”، ونقلت المحطة عن فرد مسلم تطوّع في الجيش الأمريكي عام 2008م أنه يعاني من اضطهاد متزايد من زملائه ومن الضباط، وقال زكريا قلاون -أمريكي مسلم-: “إنه يتعرَّض لإهانات كبيرة في الجيش، وإن مطالباته بالتحقيق لم تؤدِ إلى شيء”، ودلَّل زكريا على ما يحدث له بقيام زملاء له بتمزيق مصحفه الذي كان يقرأ فيه، وشهد زملاء له أنهم رأوا آخرين يصفونه بالإرهابي، كما قال زملاء له إن البعض يتهكَّم عليه ويسمِّيه “قرد الصحراء” وشهد آخرون في اللقاء مع المحطة الإخبارية الأمريكية أنَّ بعض الضباط يسمِّيه “زكريا بن لادن”!!.
ومن جانبه أكد مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير)، تزايد حالات التمييز ضد المسلمين، مشيرًا إلى أن تلك الحالات ارتفعت بمعدل ثلاثة أضعاف عن العام الماضي. وأن هناك شعورًا متزايدًا في أوساط المسلمين الأمريكيين بعدم دستورية العديد من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأمريكية منذ أحداث سبتمبر ضد بعض المسلمين الأمريكيين ومؤسساتهم، لأنها كانت مبنية على التمييز العرقي والديني. وأن هناك ما يزيد عن ألف وخمسمائة وست عشرة شكوى من انتهاكات تعرضت لها حقوق المسلمين المدنية، وأن إجمالي أعداد المسلمين المتضررين من أحداث سبتمبر بلغ ستين ألف مسلم.
والحقيقة أن الجماعات المعادية في سعيها لممارسة التمييز والعنصرية ضد المسلمين في الولايات المتحدة تقوم بتطوير وسائلها المعادية للأفراد، خاصة هؤلاء الذين أحرزوا تقدمًا في بعض المجالات، حيث تقوم بشن حملات للتشهير بكل تقدم يحرزونه. كما تعمل على ربط المسلمين بالجماعات الإرهابية والمتطرفة، وذلك من خلال العديد من المزاعم المنشورة على المواقع اليمينية، والتي توجه أعمالها مباشرة للهجوم على العرب والمسلمين الأمريكيين، وكذلك على أولئك الذين يعملون في الحكومة ورجال الأعمال الذين يعملون في الولايات المتحدة.

مسجد قرطبة:
وفي الولايات المتحدة الآن هناك حملة تقودها سارة بلين لمنع بناء مسجد جديد في منطقة قريبة من الموقع الذي شهد أحداث سبتمبر 2001م، إذ ادّعت بلين أن المسجد يمثل “طعنة في القلب”!!، وأضاف آخرون من المحسوبين علي اليمين الصهيوني أن المسجد يمثل جزءًا من التحدي الأكبر قائلين: “إن أمريكا تواجه هجومًا إسلاميًّا ثقافيًّا سياسيًّا يهدف إلى تقويض وتدمير حضارتنا”، وفي هذا الصدد سارعت مجلة المحافظين في الهجوم الشخصي على رئيس مشروع المسجد، الإمام فيصل عبد الرءوف – وهو رجل له سجل طويل في مجال تعزيز السلام والمصالحة باستخدام أدوات مألوفة، حيث زعم أحد الكتاب أن “زوجته وأحد أعمامه لديهم موقع على شبكة الانترنت به وصلات لمواقع منظمات متطرفة”، وقد دفع هذا عضو الكونجرس بيتر كينغ، العضو الجمهوري البارز في مجلس النواب و لجنة الأمن الداخلي للمطالبة بإجراء تحقيق مع فيصل عبد الرءوف.
وفي الواقع تقف العديد من الهيئات الرسمية والإعلامية المختلفة في الولايات المتحدة وراء كافة أشكال التمييز العنصري الذي يتعرض له المسلمون في أمريكا، كما تغذيه وتدعمه –أيضًا- مراكز البحث العلمي المختلفة إضافة إلى المؤسسات التعليمية مثل المدارس والجامعات.
ويأتي الأطفال من أبناء المسلمين على رأس الفئات التي تتعرض للكثير من أشكال وأوجه التمييز داخل المجتمع الأمريكي. فعلى سبيل المثال، يواجه التلاميذ في المدارس مستوى هائلاً من أشكال التمييز والعنف العنصري الذي يمارسه التلاميذ البيض وغيرهم من أبناء الجنسيات الأخرى وتدعمه إدارات المدارس المختلفة أو تتساهل تجاهه. حيث يواجه هؤلاء التلاميذ الكثير من النعوت السيئة التي تُطلق عليهم مثل “إرهابي”، “أسامة”، “كاره أمريكا”. إضافة إلى المضايقات التي يتعرض لها الكثير منهم مثل تكالب التلاميذ عليهم والصياح في وجوههم وتعرضهم للضرب وفي بعض الأحيان الركل بالقدم.
وقد أدّت هذه الأشكال المتواصلة من العنف ضد الأطفال من أبناء الجاليات المسلمة بالبعض منهم إلى الإصابة بالأحلام المفزعة أثناء النوم، بل إن البعض منهم لم يعد يرغب في أن يكون مسلمًا، ويريد أن يغير اسمه، ويتوقف عن الصلاة، كما لم يعد يريد الصيام أثناء شهر رمضان. والمثير للنظر أن هذه المشاعر الناجمة عن الضغوط التي يمارسها المجتمع الأمريكي على المسلمين قد انسحبت أيضا على رغبة الأبناء في ألا يروا آباءهم يمارسون أيًّا من الشعائر التي تَمُت إلى الإسلام بصلة.
ولا يتوقف الأمر عند الصغار بل يرتبط وبشكل شامل بالكبار، حيث يتم التمييز وفقًا للشكل ولون البشرة ونوعية الملبس والحجاب واللحية وطبيعة الاسم. ولا يقف الأمر عند هذه الرموز فقط لكنه يتعداه إلى تلك المضايقات والملاحقات التي يواجهها المسلمون في أمريكا. فالمسلم مدان ومتهم وملاحق إلى أن ترغب السلطات الأمريكية في اعتباره غير موصوم.
وحتى هذا الاعتبار غير مطلق ودائم؛ حيث يحق للسلطات الأمريكية الاتهام أو القبض على أي فرد مسلم والتحقيق معه لأي فترة بغض النظر عن حقوقه القانونية التي يوفرها الدستور الأمريكي.
وتشمل أشكال التمييز العنصرية ضد المسلمين، بالإضافة لما سبق، التمييز في فرص العمل والأجور، وعدم قبول توظيف المسلمين، والفصل غير المبرر من العمل، والتهديد بالقتل ضد النساء والرجال على السواء، والاستهزاء بالحجاب وبالنساء المسلمات، وكتابة الألفاظ النابية على حوائط المساجد، وإطلاق النكات الساخرة على المسلمين…إلخ من كافة أشكال الممارسات العنصرية التي يمارسها الأمريكيون اليوم ضد المسلمين في كافة أنحاء أمريكا.
والمثير للنظر هنا أن هذه الممارسات العنصرية لا تطال المسلمين المهاجرين فقط، لكنها تطال أيضا المسلمين من الأمريكيين البيض أو السود الذين تحولوا إلى الإسلام من النساء أو الرجال.
وقد كان من ضمن الانتهاكات التي حدثت للمسلمين في أمريكا خلال عام 2010 قيام المجلس المحلي لمنطقة ستاتين أيلاند بولاية نيويورك الأمريكية برفض مقترح بناء مسجد في هذه المنطقة، بزعم الخوف من نشوب أي أعمال إرهابية ولقناعة بعضهم أن جميع الإرهابيين ينبثقون أولاً من المساجد.
ومن ضمن الانتهاكات المستمرة التي يتعرض لها المسلمون –أيضًا- في الولايات المتحدة، التمييز الفج ضدهم في وسائل الإعلام الصهيونية التي لا تكف عن المزج بين الإسلام والتطرف، ومن ذلك قيام مذيع أمريكي بشن هجوم فج على الإسلام، وسب المسلمين صراحة، ونادى بترحيلهم من أمريكا؛ حيث قال “مايكل سافدج “مذيع البرامج الحوارية وصاحب “برنامج سافدج نيشن”: “إنني لن أضع زوجتي في حجاب، ولن أضع ابنتي في البرقع (النقاب)، ولن أهبط على أربع وأصلي إلى مكة. ويمكنكم أن تموتوا إن لم يكن هذا يعجبكم..”.
يضاف إلى ذلك إساءة مذيعي قناة فوكس الإخبارية الأمريكية –بصفة شبه مستمرة- وضيوفها للإسلام وللرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ ففي برنامج (هانيتي أند كولمز)، استضاف المذيع شون هانيتي القائد الديني اليميني المتشدد بات روبرتسون، والذي تعرض لشخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- بإساءات بالغة، في الوقت الذي لم يواجهه المذيع شون هانيتي بأية تحدٍ يذكر لآرائه المتطرفة، والتي تمثل إهانات واضحة ومليئة بالكراهية للإسلام والمسلمين.
وحسب العديد من الدراسات الأمريكية ينقسم التمييز في الولايات المتحدة إلى عدة أقسام هي: (1) التمييز بأماكن العمل، (2) التحرش اللفظي، (3) عدم الاستجابة لحاجات المسلمين الدينية، (4) التمييز في المطارات، (5) التمييز من قبل المؤسسات الحكومية.

2- بريطانيا
على عكس بقية الدول الأوروبية التي اكتفت بحظر النقاب اتخذت بريطانيا خطوة استباقية حيث تقدمت الحكومة الحالية بقانون يحظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، مما دفع المسلمين هناك لتنظيم عدة مظاهرات للتنديد بما وصفوه بالهجوم الأيديولوجي ضد الإسلام، وقد أكدت جميع الهيئات والمؤسسات البريطانية رفضها المس بالمجتمع المسلم وأعلنت تضامنها مع الجالية المسلمة التي تواجه عنصرية منظمة من قِبل جماعات دينية متشددة.
وحسب العديد من التقارير الإخبارية وتصريحات قادة الجالية المسلمة في بريطانيا فإن مسلمي المملكة المتحدة يتعرضون لاعتداءات عنصرية وتمييز ضدهم من قِبل المجتمع البريطاني.
فقد صرح الوزير البريطاني المسلم “شهيد مالك” إن مسلمي المملكة المتحدة يُعاملون “كما كان يُعامل اليهود في أوروبا” أوقات اضطهادهم، وأوضح مالك، الذي عينه جوردون براون وزيرًا لوزارة التنمية الدولية: “لقد أصبح مشروعًا أن يتم استهداف المسلمين في الإعلام وفي المجتمع بشكل عام وبصورة غير مقبولة مع أي أقلية أخرى.. وبدرجة تشعر المسلمين البريطانيين بأنهم غرباء في بلدهم”، وذكر مالك أن وجه مقارنته بين ما يعانيه المسلمون في بريطانيا وما عاناه “يهود أوروبا” يتمثل في أن استهداف اليهود في أوروبا كان مسموحًا واستهداف المسلمين في بريطانيا أصبح كذلك، وأشار مالك في هذا الصدد إلى أنه تعرض شخصيًّا لسلسلة من الاعتداءات العنصرية منها إحراق سيارة عائلته ومحاولة صدمه بسيارة في إحدى محطات الوقود.
من جانب آخر، أبدت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة قلقها حيال خطط الحكومة البريطانية تمديد فترة احتجاز المسلمين المشتبهين بـ “الإرهاب” لدى الشرطة دون تهم من ثمانية وعشرين يومًا إلى اثنين وأربعين يومًا، وطالبت اللجنة السلطات البريطانية بتوجيه تهم فورية للمشتبهين بـ “الإرهاب” ومحاكمتهم ضمن فترة زمنية معقولة والسماح لمحاميهم بالاطلاع على الأدلة التي استُخدمت ضدهم، وجاءت تعليقات اللجنة الأممية التي تضم أعضاء من بريطانيا وأيرلندا وأستراليا وبنين وكولومبيا والإكوادور ومصر ومورشيوس والسويد، ردًا على تقارير بريطانية وأيرلندية حول طرق تنفيذ المملكة المتحدة وأيرلندا لالتزاماتهما بموجب المعاهدة الدولية حول الحقوق السياسية والمدنية.
وحسب العديد من الخبراء تتسع الفجوة أكثر فأكثر بين المسلمين وباقي المجتمع في بريطانيا. فنظرة الشك تجاه المسلمين البريطانيين قد وجدت طريقها إلى المجتمع هناك.
كما أنه وحسب العديد من الإحصاءات تعد نسبة البطالة بين المسلمين في بريطانيا هي الأعلى، كما وجدت عندهم نسبة عالية جدًا من المعوقين ونسبة عالية من نقص التعليم؛ ما يجعل المسلمين أقل ثقة بأنفسهم، وفي هذا الصدد قال كين لفنغستون، عمدة لندن، إن مسلمي العاصمة الذين يمثلون واحدًا من كل اثني عشر ساكنًا في العاصمة البريطانية يعانون من «مستوى خطير من التمييز والأحكام المسبقة»، مؤكدًا ضرورة أن تلعب المجموعات المسلمة في لندن دورًا أساسيًّا في حياة المدينة.
ويرى لفنغستون أن المسلمين يُستهدَفون بعدد أكبر من الجرائم التي ترتكب على خلفية الانتماء الديني أكثر من أي مجموعة دينية أخرى. كما أن لديهم أدنى نسبة توظيف؛ حيث أن خمسة عشر في المائة فقط من المسلمات فوق سن خمس وعشرين سنة يعملن في وظيفة بدوام كامل مقابل سبعة وثلاثين في المائة من النساء على المستوى الوطني. ويعمل اثنان وأربعون في المائة من الشبان المسلمين الذين تتراوح أعمارهم بين ست عشرة وأربع وعشرين سنة في عمل اقتصادي منتج، مقابل ستين في المائة على المستوى الوطني ولديهم أدنى مستوى تأهيل». واتهم ليفنغستون مؤسسات التشغيل والإسكان بأنها ساهمت في خلق وضع يكون فيه المسلمون في عزلة.
كما أنه وحسب إحصائيات وتقارير وزارة العدل البريطانية ارتفعت نسبة الجرائم التي جرت على خلفية اعتداءات عنصرية على المسلمين في بريطانيا في مدة خمس سنوات بنسبة 28% وأن السلطات الرسمية سجلت في عام واحد أكثر من 61.000 شكوى رسمية من قِبل مسلمين تعرضوا لاعتداءات عنصرية.

3- ألمانيا
تعاني الأقلية المسلمة في ألمانيا من تنامي التمييز العنصري ضدها، وذلك لدرجة دفعت العديد من المنظمات الحقوقية الألمانية للتحذير من تنامي مظاهر التمييز الرسمي الموجه ضد الأقلية المسلمة في البلاد، والتداعيات السلبية للتشريعات والسياسات الجديدة لمكافحة الإرهاب، والتي تضر باندماج المسلمين في المجتمع الألماني.
وقد وصل الأمر لدرجة قيام وزير الاندماج والأسرة في حكومة ولاية شمال الرين (أرمين لاشيت) بالتأكيد على أهمية التفريق بين ما أسماه الأصولية الإسلامية والإرهاب، وتحذيره الأجهزة الأمنية الألمانية من خطورة التجريم العام للمسلمين والتعامل معهم بالشبهات.
يضاف إلى ذلك مداومة الاستخبارات الداخلية، والأجهزة الشرطية المختلفة على مراقبة المسلمين ومنظماتهم منذ فترة طويلة سبقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتكثيف الدوائر الأمنية لهذه الرقابة بشكل غير مسبوق في العامين الأخيرين، ودأبها على القيام بحملات دهم وتفتيش مفاجئة وغير مبررة للمساجد ومقار الهيئات والمراكز الإسلامية ومنازل المسلمين.
كما قام المسئولون بتشديد قانون الجمعيات؛ بحيث ألغيت فيه الميزات المخصصة في الأصل لأتباع الديانات المختلفة، وتفسر الحكومة هذا التعديل -من خلال الإشارة- إلى أنه يستهدف منع “الأصوليين ذوي الدوافع الدينية” من التحريض لارتكاب جرائم ما، أو التخطيط لهجمات إرهابية تحت “ستار” الجمعيات الدينية. ولا تستنكف السلطات المسئولة عن أن تصرّح بوضوح أن هذا التغيير يستهدف بالذات “التجمعات الأصولية-الإسلامية” التي لا تعارض استخدام القوة ضد أصحاب آراء أخرى لفرض اعتقاداتها على الناس.
وقد أدّت عمليات الشك والريبة بالمسلمين وتغليظ مواد قانون الأجانب وتحويله إلى سيف أمني مُسلَّط على رؤوسهم، إلى تعميق إحساس قطاعات واسعة من الأقلية المسلمة بالتمييز والاضطهاد، وزاد من رغبتهم في التباعد والانعزال عن المجتمع الألماني، يكفي أن أي مسلم يرد اسمه في التقرير السنوي لهيئة حماية الدستور يوصم تلقائيًا بالتطرف والإرهاب مدى الحياة، ويُصنَّف كعدو للدستور، ويتم رفض طلبه للحصول على الجنسية الألمانية دون بحث أو مناقشة.
ونتيجة لما سبق، يقع حاليًا العديد من الأبرياء في شراك شبكة المحققين دون تهمة واضحة، وقد صرّح المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا بأن العديد من العائلات المسلمة قد توجهت إليهم بشكاوى حول اقتحام بيوتهم في الليل واعتقال بعضهم لعدة أيام دون سبب، أو دون ذكر أي تُهم ثابتة ضدهم. وتشكل هذه الممارسات سابقة في تاريخ الإجراءات الأمنية الألمانية.
كذلك يدين المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أسلوب التحقيق الجماعي المنظم ومعاييره؛ لأنه يؤدي إلى إيقاع ظلم بالمسلمين والعرب خصيصًا. وحسب اتفاق توصل إليه وزراء داخلية الولايات الألمانية في اجتماع لهم، كان هذا هو الأسلوب المعتمد للبحث عن “إرهابيين إسلاميين” على الأراضي الألمانية، أو كما صرحت وزارة الداخلية الألمانية في برلين، هو أسلوب يتبع بهدف العثور على من أُطلِق عليهم “النائمون”.
كل ذلك وغيره أدى لأن يعاني المسلمون حاليًا أكثر من سواهم عجز أجهزة الأمن الألمانية عن تقدير الأمور التي تتعلق بالمسلمين بصورة قوية، إضافة إلى طريقة عمل الخبراء ورجال الأمن المبنية على تخمينات وتعليمات من أجهزة الأمن الأمريكي.
فمن ناحية تشكل الإجراءات الأمنية غير المتوازنة ضد العديد من المسلمين -مثل “التحقيقات الجماعية المنظمة” التي لجأت إليها السلطات لمحاربة ما تسميه “هيكلية الإرهاب” داخل ألمانيا- انتهاكات واضحة غير مسبوقة للحقوق الشخصية والمدنية الراسخة في الدستور الألماني. ومن ناحية أخرى، فإن عملية تشدد السياسة الداخلية والأمنية الألمانية في إقرار إجراءات وقوانين جديدة لمكافحة الإرهاب تشكل إضرارًا كبيرًا بحياة العرب والمسلمين في هذه الدولة، وتضعهم في موقف حرج.
ومما يؤكد تزايد التمييز في ألمانيا قرار الحزب المسيحي الديمقراطي في ألمانيا طرد رينيه شتادتكيفيتز العضو في الجناح البرلماني عن منطقة بانكو من الحزب بعد أن اشتهر بلقب “خصم المساجد” لكونه يكافح منذ عام 2006 ضد بناء مسجد في منطقة هاينرسدورف، كما أن الإسلام يعنى لديه بأنه نظام مجتمعي غير متسامح.
وتشير الإذاعة الألمانية إلى أن شتادتكيفيتز البالغ من العمر أربعة وأربعون عامًا وُلِد في ألمانيا الشرقية السابقة، ويتحدث عن ضرورة إحياء الثقافة “المسيحية اليهودية” ويطالب بوضع تعاليم جديدة لهجرة الأجانب في المدارس الألمانية.
وأضافت أن شتادتكيفيتز يبالغ في انتقاداته للإسلام حتى إن أصدقاءه ابتعدوا عنه، خاصة بعد تصريحاته الخاصة بأنه يفكر في أن يكون مؤسسًا لحزب الحرية اليميني في برلين على غرار الحزب اليميني الهولندي، وأن يشكل مع المجموعة المعادية للإسلام تحالفًا في أوروبا يكون هو رئيسًا له.
وأخيرًا قامت السلطات الألمانية بغلق مسجد هامبورج الذي استخدم كنقطة التقاء إرهابي 11 سبتمبر قبل أن يتوجهوا إلى الولايات المتحدة لقتل آلاف الأبرياء، وذلك بزعم أن المسجد أعيد استخدامه من جديد لإخراج الإرهابيين، وأن المترددين عليه انتقلوا لمعسكر تدريبي في أذربيجان.

4- أسبانيا
تعد أسبانيا هي الأخرى من الدول الأوروبية التي تمارس التمييز ضد المسلمين من آن لآخر، حيث تشير التقارير إلى قيام إحدى الولايات الإسبانية بإغلاق كبرى المساجد بعد ملاحظة زيادة عدد المصلين بها!؛ حيث أصدر رئيس بلدة ” لايدة ” الواقعة شمال شرق منطقة كتالونيا الإسبانية قرارًا بإغلاق أكبر مساجد بلديته من حيث عدد المصلين بعد تجاوز عدد المصلين به الألف نسمة، علمًا بأن المسجد الذي كان يستخدم من قبل كجراج لخدمة الشاحنات لا يمكن أن يسمح بأن يتجاوز عدد المصلين به مائتين وأربعين مصليًا، ليس هذا فحسب، بل وصرح رئيس البلدية بأن بلديته غير مسئولة عن توفير أية دور عبادة، مطالبًا المسلمين بالصلاة في بيوتهم، يضاف إلى ذلك أن بلدية “لايدة” هي الأولى بإسبانيا التي تفرض حظرًا على دخول المنتقبات إلى مبنى البلدية.
كما فرضت مدينة ريوس الأسبانية حظرًا على ارتداء النقاب، بعد أن قامت في وقت سابق بإغلاق مسجدين، أحدهما بحجة عدم الحصول على تصريح بيئي، والآخر بحجة زيادة عدد الزائرين.
وقد أدّت تلك الإجراءات التعسفية لأن يؤدى حوالي ألفى مسلم صلاتهم في الهواء الطلق تحت مظلات عسكرية بعد إغلاق المسجد الذي كانوا يصلون به منذ عشر سنوات، ورغم مطالبهم الخاصة بالعودة للصلاة في المسجد، باعتبار أن الصلاة ليست قضية سياسية بل دينية، إلا أن أحدًا لم ينتبه لمطالبهم.

5- فرنسا
تعتبر فرنسا مثلها مثل سويسرا في درجة التمييز والعنصرية التي تمارس ضد الإسلام والمسلمين؛ حيث وافق البرلمان الفرنسي مؤخرًا على إصدار قانون يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، بعد أن تم اعتبار النقاب تعبير عن الإسلام المتطرف، كما تم فرض غرامة مالية كبيرة على من ينتهك ذلك الحظر، ووصل الأمر لدرجة رفض إعطاء الجنسية الفرنسية لمن ترتدي النقاب.
وقد كان الرئيس الفرنسي (نيكولا ساركوزي) على رأس المتقدمين باقتراح إلى البرلمان يتعلق بفرض حظْر على البرقع (النقاب) مبررًا ذلك بقوله: “إنَّ إخفاء النساء بهذه الطريقة “ليس موضعَ ترحيب في فرنسا”!!.
وفي هذا الصدد اتهمت العديد من المنظمات ووسائل الإعلام فرنسا بمعاداة الأجانب وخاصة مواطنيها المسلمين، مما أدى إلى استياء وتململ المواطنين الفرنسيين من أصول أجنبية من هذا الأمر، وربط بعضها بين ما تشهده فرنسا من نقاش حول الهوية الوطنية وبين قضية البرقع المثارة حاليا بها، محذرة من الخطاب العنصري الذي طبع هذا النقاش.
وقد تجسد هذا التمييز باعتراف رئيس الوزراء الفرنسي فيون الذي أكد أنه “على بينة من تمييز واسع النطاق يجري ضد المسلمين في فرنسا”، مشيرًا إلى أن ثلاثين في المائة من المسلمين في فرنسا يتعرضون لأعمال عنف عنصري رغم أنهم يشكلون أقل من عشرة في المائة من السكان وهناك العديد من التهديدات ضدهم من الغالبية العظمى”. كما ندد بتعرض ستة أماكن خاصة بالمسلمين للإساءة منذ بدء هذا العام “من تدنيس لمقابرهم ومساجدهم”.

6- سويسرا
أشار تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن سويسرا تأتي في طليعة الدول التي تمارس التمييز ضد الإسلام في أوربا، مشيرًا إلى الحظر الذي فرضته سويسرا على بناء المآذن والذي جرى تطبيقه في شهر نوفمبر الماضي إثر استفتاء بهذا الخصوص.
وأضاف أن المسلمين يواجهون في بعض البلدان الأوروبية ومنها سويسرا استياء اجتماعيًا على أساس الاعتقاد بأن الإسلام يتعارض مع القيم الغربية”. وأن “السياسيين اليمينيين يلعبون دورًا في تأجيج حالة الاستياء”.
والواقع أنه وبالرغم من حياد سويسرا المعروف، إلا أنها تأتي في طليعة الدول الأوربية التي تمارس التمييز بشكل رسمي، وقد بدأت ذلك بدعوتها لحظر بناء المآذن في سويسرا، وتبعته بمنع دخول الدعاة الإسلاميين أراضيها، حيث قامت السلطات هناك بمنع دخول الداعية الإسلامي بيير فوجيل الألماني إلى العاصمة السويسرية، حتى لا يحضر تجمعًا إسلاميًا يناقش مسألة حظر بناء المآذن هناك.

7- إيطاليا:
هناك العديد من حالات التعدي على المسلمين في إيطاليا، منها قيام بعض الولايات الإيطالية بفرض غرامات تصل قيمتها لـ 500 يورو على النساء المنقبات، ومثل العديد من الدول الأوروبية تحظر إيطاليا على المسلمات ارتداء النقاب في الأماكن العامة.

8- أستراليا:
تعمل أستراليا حاليًا على استصدار قانون يحظر على المسلمات ارتداء النقاب في الأماكن العامة، وذلك بعد أن أظهر استطلاع للرأي موافقة 88% من الاستراليين على أن تحذو بلادهم حذو فرنسا وإيطاليا وبلجيكا في فرض حظر على النقاب.

9- بلجيكا:
أصدر البرلمان البلجيكي قرارًا بحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، وقد اعتبر مسلمو بلجيكا ذلك القرار خانقًا للحرية، فضلاً عن أنه يتعارض مع الحريات الأساسية التي يكفلها القانون والدستور البلجيكي.

10- هولندا:
يتعرض المسلمون في هولندا للعديد من الانتهاكات مثل: التخويف والمشاجرات والتخريب، وكتابة الشتائم على الجُدران، والأمور تتطور باستمرار وتتزايد الحملات المتطرفة المعادية للإسلام والمسلمين، وأبرز هذه الحملات يقودها النائب الهولندي المتطرف جيرت فيلدرز زعيم حزب الحرية وصاحب فيلم “فتنة”، والذي يعمل على جمع شمل القوى المناوئة للإسلام ويأمل -من خلال ما أسماه “التحالف الدولي من أجل الحرية”- في بناء شبكة جديدة تعترض أفكار الإسلام. ويهدف فيلدرز إلى أن تمتد هذه المظلة من هولندا إلى الدول الأوروبية الأخرى وكذلك للولايات المتحدة الأمريكية لتضع حدًا لانتشار أفكار الإسلام[9]، ويهدف فيلدرز من خلال حزبه في هولندا إلى ما أسماه وقف أسلمة هولندا من خلال فرض حظر على القرآن وضريبة على ارتداء الحجاب ووقف الهجرة[10].

ثانيًا- وجهات نظر تحليلية في واقع التمييز الغربي:
­­­
انتهاك الرموز الإسلامية يتسع باتساع الرقعة الغربية:
يرى فهمي هويدي[11] -الكاتب الإسلامي- أن: “الاشتباك مع الإسلام وتجريح تعاليمه ورموزه أصبح صراع الموسم في أوروبا”، وقال: ” هذه حقيقة لا مفر من الاعتراف بها ولا تحسب لها، حتى لم يعد يمر أسبوع أو اثنان إلا وتتناقل وسائل الإعلام واقعة جديدة في مسلسل الاشتباك، الذي ظننا في البداية –وفهمنا- أنه محصور في الولايات المتحدة، بسبب أحداث سبتمبر الشهيرة. وكنا وجدنا أن الموجة امتدت إلى أوروبا، واتسع نطاقها بعد التفجيرات، التي شهدتها مدريد وبعدها تفجيرات لندن، الأمر الذي غذّى ظاهرة الاشتباك والتجريح، التي طالت مظاهر المسلمين وعقائدهم ومساجدهم، فمن منْع للحجاب في المدارس الفرنسية إلى تحريض ضد النقاب في إنجلترا، إلى طعن في نبي الإسلام وسخرية منه في الدانمارك، إلى اتهام لعقيدة المسلمين، وتشهير بها من جانب بابا الفاتيكان، إلى غمز في التعاليم واتهام للمِلّة في ألمانيا..”.
وأضاف: “الأمر الذي غيّر من صورة أوروبا في إدراك العالميْن العربي والإسلامي، إذ كان الاعتقاد حتى وقت قريب، أن أوروبا غير الولايات المتحدة، فهي أقرب إلى العالم العربي من الناحية الجغرافية، وبالتالي فهي أكثر فهمًا له وتعاطفًا مع شعوبه. ثم إن سيطرة المنظمات والجماعات الصهيونية على وسائل الإعلام ومراكز البحوث في الولايات المتحدة أقوى بكثير منها في أوروبا. وفضلاً عن ذلك فإن أوروبا يعيش فيها حوالي عشرين مليون مسلم، في حين أن مسلمي الولايات المتحدة يتراوح عددهم بحدود 7.5 مليون، وذلك يعني أن فرص تواصل المسلمين مع أوروبا أفضل منها مع الولايات المتحدة، لكن تبيّن بمرور الوقت أن القرعة انتقلت من الولايات المتحدة إلى أوروبا، حتى أصابت بلدًا مثل إنجلترا اشتهر بقدرته على احترام التعددية الثقافية. ولكن هذه القدرة تراجعت خلال السنوات الأخيرة، على نحو أشاع حالة من التوتر بين المجتمع والجالية الإسلامية، التي بدأ بعض أفرادها يعانون بسبب هويتهم الدينية. وعرفت إنجلترا لأول مرة حوادث من قبيل نزع حجاب بعض السيدات في الشوارع ومنع بعض المدرسات من الاستمرار في وظائفهن بسبب الحجاب أو النقاب، والاعتداء على منشآت يملكها مسلمون (معمل لإنتاج الألبان في مدينة ويندسور جنوب شرق البلاد)… الخ. ودخل السياسيون على الخط، خصوصًا بعدما دعا جاك سترو، وزير الخارجية السابق، السيدات المسلمات إلى التخلي عن النقاب”.
واستطرد قائلاً: “لا مفر من الاعتراف بأن هذه الحملة حققت قدرًا من النجاح على أصعدة ثلاثة على الأقل، فقد حدث الشرخ في علاقة الطرفين وأصبحت الفجوة مرشحة للاتساع حينًا بعد حين، وأصبح التوتر بين الجاليات الإسلامية في أوروبا وأمريكا بطبيعة الحال حقيقة واقعية مستمرة ومتزايدة، وإذا استمرت الحالة على ذلك النحو فأخشى ما أخشاه أمرين، أولهما أن تتحول الفجوة إلى خصومة وقطيعة تصبح الجاليات الإسلامية المقيمة في الغرب أول ضحاياها، وثانيهما أن ينشغل العالم العربي والإسلامي بهذه المعركة المفتعلة، بحيث يتصور الناس فيه أن تناقضهم مع الغرب هو القضية، الأمر الذي يصرفهم عن التناقض الأخطر والأكثر إلحاحًا المتمثل في المشروع الصهيوني بتطلعاته التوسعية والاستيطانية.
وإذا كان علينا أن نعترف بالنجاح النسبي لحملة الوقيعة بين الإسلام والغرب، فإن الإنصاف يقتضي منا أن نعترف بأن ممارسات بعض المسلمين -أخطاء كانت أم جرائم- أسهمت في تغذية هذه الحملة، صحيح أن التشهير بالإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة وفي بعض الأوساط الأوروبية سابق لأحداث نيويورك ومدريد ولندن. إلا أن الجرائم التي ارتكبها بعض المسلمين في تلك البلدان وفّرت غطاءً مناسبًا لاستمرار الحملة، وذرائع قوية للتوسع فيها. يفرض علينا الإنصاف أيضًا أن نقرر بأنه إلى جانب الجهود التي بذلها في الغرب الكارهون والمتعصبون والمتآمرون والجاهلون للوقيعة لتعميق الفجوة بين الإسلام والغرب، فلم يخلُ الأمر من عقلاء وأصدقاء حاولوا وضع الأمور في نصابها الصحيح، ولم يترددوا في صد رياح العداء والوقيعة، لكن المشكلة أن الأولين هم أعلى صوتًا وأكثر جذبًا للأضواء، فقد سمعنا كثيرًا عن محاضرة بابا الفاتيكان في ألمانيا، التي أهان فيها الإسلام وشوّه صورته، لكننا لم نرصد بشكل جيد عشرات الردود في الصحافة الأوروبية، التي انتقدت موقفه وردت على ادعاءاته، وكذلك مقالة مدرس الفلسفة الفرنسي، الذي هاجم الإسلام في صحيفة «الفيغارو» واتهمه بالدعوة إلى العنف، لكننا أيضًا لم نتابع سيل الردود التي نشرها بعض المثقفين الفرنسيين، تفنيدًا لمقولاته وردًا لادعاءاته”.
وقال هويدي: “ورغم أنني أذكر في كل مناسبة -وأحيانًا بغير مناسبة- أن الغرب ليس كل العالم، كما أن مشروعه ليس نهاية التاريخ، وأن هناك شرقًا يجب التواصل معه (روسيا والصين واليابان والهند مثلا)، كما أن هناك آفاقًا قريبة منا ومرحبة بنا في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، أقول رغم ذلك، فإنني أزعم أننا ينبغي أن نسعى جاهدين لأن نحتفظ بعلاقات قوية ومتوازنة مع الغرب”.
وأضاف: “ينبغي أن تخضع حملة الوقيعة والتجريح الراهنة إلى دراسة معمقة تجيب عن أسئلة من قبيل: ما هي الأسباب التي أدت إلى إطلاق الحملة التي تجاوزت إهانة المسلمين إلى إهانة عقائدهم؟ وما قيمة المنابر أو المواقع التي تسهم في تلك الحملة؟ وكيف يمكن تقليص الفجوة والحفاظ على جسور التواصل مع الآخرين؟ وما هي الأطراف في الغرب التي يتعين التفاهم معها استثمارًا لرصيدها من الاعتدال والإنصاف؟ وما هي الثغرات التي تستفيد منها الحملة لتعميق الفجوة وإذكاء الخصومة؟
واستطرد هويدي قائلاً: “في الوقت ذاته ينبغي أن نكون واعين بحقيقة أنك لكي تكون محترمًا ومقدرًا من جانب الآخرين، فينبغي أن تقدم نموذجًا جديرًا للاحترام وهو ما يعني أننا يجب أن نتطلع إلى وجوهنا جيدًا في مرآتنا، بحيث نتحرى عيوبنا وتشوهاتنا، ونحاول إصلاحها قبل أن نطالب الآخرين بأن يروا وجه الحسن فينا. ليس عندي حل جاهز للمشكلة لكنني أدعو إلى تفكير رصين فيه يدرك النقائض والثغرات ويحتكم إلى المصالح العليا ويتجنب الاستسلام للانفعال وردود الأفعال، وفي الوقت ذاته يحاول فهم الآخرين وأعدائهم، فليس من الرصانة مثلاً أن يثور العالم الإسلامي ويغضب كلما لوّح فرد أو جماعة في الغرب بإساءة إلى الدين وأهله، قبل أن يُقدِّر وزن ذلك الفرد أو الجماعة، فما أقدم عليه بابا روما ينبغي ألا يوضع على قدم المساواة مع عبث بعض الشبان في الدنمارك، وليس من الرصانة أيضًا أن يثور المسلمون لأن وزير خارجية بريطانيا السابق جاك سترو انتقد النقاب ودافع عن حق المسلمات في ارتداء الحجاب، في حين أن قلة من علماء المسلمين يدافعون عن النقاب (بعض الجامعات المصرية تمنعه)، هذا في الوقت الذي يُمنَع فيه الحجاب في بلد مسلم مثل تركيا، ويتعرض لتنديد وهجوم شديدين في بلد عربي مسلم مثل تونس.
ليس عندي اعتراض على ما يُعبّر به المسلمون من غضب غيرة على دينهم أو دفاعًا عن كرامتهم، لكن أتمنى أن يوضع الغضب في موضعه الصحيح، وذلك عين العقل والحكمة.
ويؤكد الدكتور عمرو الشوبكي –الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام[12]– أن الحرب على الحجاب والنقاب في بعض الدول الغربية والعربية على حد سواء ليست ظاهرة جديدة، ولكنها موجودة منذ القرن الماضي وهي مرتبطة بأمرين: الأول- هو الخلط بين المسلمين أو الإسلامي أو الحركات الإسلامية المعتدلة من ناحية والإرهاب من ناحية أخرى، وهذا الخلط أدّى إلى تصاعد حساسية المجتمعات الغربية ضد المسلمين، وضد أي مظهر إسلامي، وهي الحالة التي أدت إلى تصاعد الحرب على الحجاب والنقاب وخاصة منذ أحداث 11 سبتمبر وحتى الآن. والأمر الثاني- الذي أدى إلى تصاعد الهجوم على الحجاب والنقاب في الغرب هو قيام بعض الأنظمة العربية أو معظمها باضطهاد أي مظهر إسلامي ينتهجه المسلمون في بلادهم، وكان من بينها اضطهاد الحجاب والنقاب في العديد من تلك الدول، ووصف الفتيات اللائي يرتدين النقاب بأنهن إرهابيات وتشبيه الحجاب بتشبيهات غير أخلاقية، وما يحدث في المغرب وفي تونس وفي مصر هو نموذج صارخ لاضطهاد المظاهر الإسلامية في مجتمعاتنا، وللأسف الشديد فإن هذا الأمر جعل الدول الغربية تتجرأ على الجالية الإسلامية هناك، وتحاول النيْل منها على طول الخط، وإذا ما واجهها أحد وحاول وقف ما تقوم به اتخذت مما يحدث للمسلمين في الدول الإسلامية مبررًا لما يقومون به.
واستبعد د.الشوبكي أن تكون الحملة الجديدة ضد الحجاب والنقاب مرتبطة بالتقدم الكبير الذي أحرزه تيار الإسلام السياسي في العديد من الدول العربية والإسلامية، ولكنه مرتبط أكثر بالتوجهات العلمانية لمعظم الأنظمة العربية، وحذّر الشوبكي من الإغراق في قضية النقاب على حساب القضايا الأخرى، والأصلية التي تهم الأمة العربية والإسلامية مثل القضية الفلسطينية والعراقية والمساعي الدائمة للصهاينة للنيْل من المسلمين في شتى بقاع الأرض وذرع الكيان الصهيوني في المنطقة.

حرق القرآن قد يشعل الأزمة مرة أخرى:

يؤكد الدكتور ضياء رشوان -الخبير في شئون الحركات الإسلامية ونائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة[13]- على التمييز الغربي ضد الإسلام بأنه سابقة خطيرة جدًا وتجاوز لا حدود له ولا يقبله عقل، وخصوصا ما تردد مؤخرًا عن اعتزام قس أمريكي حرق القرآن الكريم، مؤكدًا أنه لو حدث ذلك فسوف يخلق أزمة كبيرة جدًا في العالم الإسلامي، ضاربًا المثل بالرسوم المسيئة التي أثارت أزمة لم تنته حتى الآن، متسائلاً “ماذا يحدث إذن لو تم حرق كتاب الله؟!!”.
وتابع رشوان ليس هناك أي علاقة بين هجمات 11 سبتمبر والقرآن الكريم، وإذا كان يتحمل مسئولية ذلك، فإن قتل سبعين مليون مواطن في الحرب العالمية الثانية يعتبر المسئول الأول عنه هو الكنيسة البروتستانتينية نيابة عن هتلر، أو أننا نحمّل الإنجيل والكتاب المقدس دماء عشرات الملايين التي قُتلت في الحروب، واعتبر رشوان أن الخطورة الأكبر تكمن في إقحام المؤسسات الدينية التي تعبر عن قطاعات عريضة من الناس في هذا الإطار، مبديًا تخوفًا شديدًا من نتائج ذلك. وقال: إذا نفذت الكنيسة كلامها وحرقت المصحف، فإنها تسير في طريق قمة التطرف وأرى أنه سوف يتبعه تطرف مقابل وسنبدأ حلقة جهنمية شريرة من ردود الأفعال هنا وهناك.
كما طالب رشوان بسرعة تدخل الإدارة الأمريكية لأن حرق المصحف ليس حرية رأي أو تعبير وإنما تعدٍّ وتجاوز في حق مليار وثلاثمائة مليون مسلم سواء كان شيعيًا أو سُنيًا، كما يجب أيضا تدخُل مجلس الأمن بحكم وظيفته لوضع حد لتهديد العلاقة بين الأديان الكبرى.
وأشار رشوان إلى أن عواقب فعل الكنيسة سوف يؤدي إلى تدهور ضخم في العلاقات الإسلامية المسيحية على مستوى العالم أجمع خاصة الأماكن التي بها نسب اختلاط كبيرة بين المسلمين والمسيحيين كمنطقة الشرق الأوسط واصفًا حدوث ذلك بأمر بالغ الخطورة.
وتابع رشوان: “فرنسا حظرت النقاب ولكنها لم تسئ له، أما الكنيسة فتسيء بشكل مباشر للمسلمين فهي لا تحظر سلوكًا وإنما تعتدي على أشياء مقدسة”.
ولا يسعنا إلا التأكيد على ما ذهبت إليه نجوان الأشول من أن هذا التدخل في الشؤون الدينية بطريقة سافرة يعد معرقلا للاندماج الحقيقي للأقليات المسلمة في المجتمع الأوروبي، حيث يعمل على إشعار أبناء هذه الأقلية -خاصة فئة الشباب الأوروبي المسلم- بأنهم في واقع الأمر مواطنون من الدرجة الثانية، فهم باستمرار موضوع للتدخل وللتعديل على تصرفاتهم، وبالتالي ليسوا مواطنين بل يحتاجون من وقت إلى آخر إلى دورات «تدريبية» أو «تربوية» لتعليمهم كيفية العيْش في «مجتمعاتهم الأوروبية» التي ولدوا وعاشوا فيها.
كذلك يدفع هذا التدخل أيضا الشباب المسلم إلى البحث عن هوية أخرى يشعرون من خلالها بشعور الانتماء والولاء، وبالتالي تبدأ رحلة التفكير الذهني في دولة الأصل إن كانوا ينتمون إلى عائلات مهاجرة أو التفكير في الانتماء إلى دول إسلامية أو جماعات إسلامية خارج حدود الدولة الأوروبية، وقد تكون هذه الجماعات إرهابية أو متشددة فقط على أحسن الظروف، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه للانتماء الفكري أو الحركي أو الاثنين معا إلى هذه الجماعات.
وتضيف الأشول إن ما يحدث من تدخل وتقنين لحظر الرموز الإسلامية للأقلية المسلمة يحدث في دول من المفترض أن تكون «ديمقراطية»، وبالتالي فهذا الحظر ما هو إلا تضييق على الأقليات في العيْش الطبيعي، وطارد لوجودهم في هذه البلاد[14].

ثالثًا- نماذج من التضييق على الرموز الدينية في الداخل الإسلامي:

ومن التضييق على الأقليات في الخارج نأتي إلى التضييق على رموز الأغلبية في الداخل، وللمفارقة فإن القضايا هي نفسها القضايا بل يزيد من العجب أن مسارات المعالجة هي نفسها ما بين تضييق رسمي وحظر قانوني. ونرصد فيما يلي القضايا في مصر وسوريا وكيفية معالجتها، وللحقيقة فإن الفارق في الدرجة وليس في النوعية فالحديث في البلاد الغربية على الحجاب وفي البلاد العربية والإسلامية على النقاب، وفي البلاد الغربية عن المآذن وفي البلاد الإسلامية عن الآذان،.. إلخ؛ وفيما يلي نرصد حالة الرموز في البلاد الإسلامية.

1. سوريا:
تعاملت سوريا مع مسألة النقاب بقرارات رسمية؛ فقد قررت وزارة التعليم السورية حظر ارتداء النقاب في الجامعات الحكومية والخاصة، وأكد وزير التعليم العالي السوري غياث بركات أن النقاب يتعارض مع القيم والتقاليد الأكاديمية ومع أخلاقيات الحرم الجامعي[15]. ولم يقتصر المنع على التعليم الجامعي فقد تم نقل أكثر من 1200 مدرسة بوزارة التربية من المنتقبات إلى وزارة الإدارة المحلية، بهدف إبعادهن عن التدريس[16]، وهناك من قدم الشكر لوزير التربية على هذه الخطوة[17]، كما أشاد البعض[18] بالخطوة السورية وثمن الحزم الذي تعاملت به السلطات السورية مع الأمر، كما أن الإشادة بالموقف الرسمي لم تتوقف عند حدود القرار الصادر وحسب بل طالبت بالسير في طريق فرنسا والدول الغربية الأخرى التي أصدرت قانونًا من ممثلي الشعب ينظم هذه العملية دون الالتفات إلى المعارضين له ودلالة ذلك أن الاستعباد انتهى بالقانون وأنه (أي القانون) لا يعترف برغبة بعض العبيد بالاستمرار أرقاء عند أسيادهم[19].
هكذا تعامل البعض في سوريا مع مسألة النقاب، وبالمجمل وبحسب بيسان الشيخ لم تثر المسألة جدلا في سوريا كما حدث في مصر بل وفي فرنسا والدول الغربية الأخرى، فقط توقفت بعض وسائل الإعلام عند القضية من مدخل دولة إسلامية تخرج عن تقليدها الديني ولكن المسألة بقيت هامشية ولم تتحول إلى قضية رأي عام، فقد رأى المعارضون للقرار بأن سوريا تتخلى عن إرثها الإسلامي في حين رأى المدافعون عنه أن سوريا دولة علمانية وأن هذا القرار منطقي خصوصًا وأن المنع اقتصر فقط على أماكن الدراسة ولم يتعداه إلى الشارع أو الأماكن العامة، كما أن المنع للنقاب الذي يعتبر تقليدًا دينيًا، وليس للحجاب الذي يعد فرضًا دينيًا[20].

2. مصر:
الحديث عن أن الإسلام لم يفرض زيًا محددًا للمرأة شغل حيزًا كبيرًا من الجدل ساهم فيه رجال الدين، مثلما أفتى الشيخ علي جمعة (مفتي جمهورية مصر العربية) بأن النقاب، بحسب جمهور الفقهاء ومنهم الشافعية والحنفية، مجرد عادة وهذا مرتبط بظروف الزمن والعادات التي يعيشها الناس[21]. وعن الزي الإسلامي للمرأة المسلمة أكد المفتي أن المطلوب من المرأة المسلمة هو كل زي لا يصف مفاتن الجسد ولا يشف ويستر الجسد كله ما عدا الوجه والكفين، وإذا تحققت هذه الشروط في أي زي جاز للمرأة المسلمة أن ترتديه[22].
بل إن الدكتور محمود حمدي زقزوق[23] (وزير الأوقاف المصري) انتقد فرض الآباء الحجاب على بناتهم اللاتي لم يصلن إلى سن البلوغ. كما ساهم في هذا النقاش بعض المفكرين من بينهم جابر عصفور[24] الذي أكد على أن التراث الإسلامي عقلاني تواصل عبر مشايخ الأزهر المستنير الذين قادوا حركة الاستنارة مع أقرانهم الأفندية المطربشين، وأشارت زينب رضوان إلى أن النقاب ليس من الشريعة في شئ[25]، وأكدت آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر على أن النقاب عادة يهودية، كما انتقد الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية قصر الدين على الاهتمام بتقصير الثياب وإطلاق اللحية وما هي إلا أمور نسميها قشور الدين بحجة أن ذلك تقليد للرسول بالرغم من ابتعاده في أشياء أكثر أهمية عن منهج الرسول[26].
هناك من يؤكد أن النقاب عادة بدوية عربية خالصة وليست دينية.. ويربط البعض بين النقاب والجرائم، ويطالبون بحظره استنادًا على هذا الربط، بل ويصفونه بالظاهرة السلبية[27]، كما استند البعض إلى كتاب وزارة الأوقاف الذي صدر تحت عنوان “النقاب عادة وليس عبادة” في التأكيد على هذه الرؤية[28].
وقد جاء ذلك بسبب منع المنتقبات من دخول الجامعات بقصد العمل أو الدراسة، وقد تنوعت معالجات الجامعات بين السماح والمنع للطالبات المنتقبات بحضور الامتحانات؛ ففي الفيوم تم السماح لهن بأداء الامتحانات مع كشف وجوههن طوال فترة الامتحانات[29]، إلا أن الحال في جامعتي كفر الشيخ والمنصورة استمر كما هو من منع دخول الطالبات بالنقاب[30]، وبالمثل كان الوضع في جامعات العاصمة[31]، وقد تظاهرت أكثر من 400 طالبة منتقبة أمام كلية التجارة بجامعة كفر الشيخ بعد رفض دخولهن الامتحانات[32].
وقد جاءت المعالجة الحكومية لهذا الملف بهذا التخبط على الرغم من صدور حكم محكمة القضاء الإداري بإعادة خمس منتقبات لعملهن كأعضاء هيئة التدريس والسماح لهن بدخول الجامعة والمدينة الجامعية مرتديات النقاب واعتبرت المحكمة أن القرار السابق بحرمانهن من دخول الجامعة بالنقاب مساس بالحريات وإهدار للحقوق[33]، وقد ضرب وزير التعليم العالي هاني هلال بالحكم عرض الحائط مؤكدًا على أن النقاب يكون خارج الجامعة وأنه لن يُسمح له بدخول الجامعة ولابد من وضع قواعد تحقق أمن وسلامة الحرم الجامعي، فالنقاب خارج الجامعة حرية شخصية ولكن داخل الحرم الجامعي مسئولية الوزارة ومن لا تريد الكشف عن وجهها لا تخرج إلى مجال التعليم أو سوق العمل [34].
وعلى الرغم من ذلك إلا أن الأمر فيما يبدو لن يقتصر على الجامعة، فقد تعدى الأمر الجامعة إلى ما أعلنته بعض الفنادق والمطاعم السياحية والأندية النيلية وكذلك بعض شواطئ الاسكندرية من منع دخول المحجبات والمنتقبات إليها من خلال لافتات وضعتها في أماكن الدخول[35].
وقد تصاعدت الأزمة بعد أن هدد المحامي نزار غراب باللجوء للأمم المتحدة لحصوله على أحكام قضائية ولا يستطيع تنفيذها بخصوص السماح للمنتقبات بممارسة عملهن داخل الجامعة[36].

القرآن بين التناقض والإضافة ونفي الوحي
بعد أن تفجرت أزمة حرق القرآن الكريم في الولايات المتحدة الأمريكية وانتشرت الدعوة من خلال رجل دين أمريكي ثارت مشكلة مشابهة في المجتمع المصري على يد أحد رجال الدين أيضا؛ حيث تساءل الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس، مطران دمياط وكفر الشيخ في محاضرة له في مؤتمر تثبيت العقيدة الـ13 الذي عقد بالفيوم عما إذا كانت بعض آيات القرآن الكريم قد قيلت وقتما قال نبي الإسلام القرآن أم أضيفت فيما بعد في زمن متأخر- وقت جمع عثمان للقرآن، وخص بالذكر آية “لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح” كما أشار إلى أن في القرآن الكثير من الآيات المتناقضة وهي المتعلقة بعيسى بن مريم، فالمسلمون بحسب بيشوي يقولون أن المسيح لم يمت ولكن القرآن يقول “والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا” (الآية 33 من سورة مريم)، وكذلك لماذا يقال “يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلىّ” (الآية 55 من سورة آل عمران). ولا يكتفي بيشوي بذكر أن القرآن فيه إضافات بعد الرسول ولا يكتفي بأن القرآن فيه تناقضات، بل في مقدمة حديثه يقول “قد قيلت وقتما قال نبي الإسلام القرآن” أي ينفي الوحي عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) من الأصل[37].
وقد عبر مجمع البحوث الإسلامية عن صدمته بما نشر أخيرًا منسوبًا إلى أحد رجال الكنيسة الكاثوليكية بمصر من طعن على القرآن الكريم وتزييف على علماء المسلمين؛ حيث أكد المجلس في اجتماعه الطارئ بسبب هذه التصريحات برئاسة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر على أن هذه التصرفات غير المسئولة إنما تخدم الأهداف العدائية المعلنة عالميًا على الإسلام والمسلمين وثقافتهم وحضارتهم[38].

معركة الأذان
ثارت أيضا أزمة في المجتمع المصري بعد قرار د.حمدي زقزوق وزير الأوقاف بتوحيد الآذان، فقد أكد أن مجمع البحوث الإسلامية وافق على مشروع الآذان الموحد كما أنه حصل على فتوى بذلك شريطة أن يكون الآذان لوقت كل صلاة بصوت مباشر دون أن يكون بواسطة شريط كاسيت[39]. وهو الأمر الذي وجد معارضة شديدة صورها البعض في صورة معركة بين الحداثة والتيار الديني السلفي[40]، فقد رأى المعارضون للمشروع أن هذا المشروع أمر مستحدث في العبادات وأن الأذان الإلكتروني يخالف روح الشريعة التي تحث الناس على التسابق على الآذان[41]، وأبدى النائب الشيخ السيد عسكر عضو اللجنة الدينية بمجلس الشعب دهشته من رغبة وإصرار وزير الأوقاف على تنفيذ قرار توحيد الآذان على الرغم من رفضه من قِبل لجنة الشئون الدينية بالمجلس [42].

تدخل الخارج وفرضه حلول على الداخل
الأمر في تطور مستمر ولم يقتصر على استنساخ قضايا الخارج في الداخل، ولكن وصل الأمر إلى أن الخارج يحدد للداخل ماذا يفعل في قضايا داخلية.
ولعل ما تعرضت له قناة الرحمة منتصف العام 2010 من منع يدل على ذلك دلالة بالغة، ففي اجتماع لجنة الثقافة بمجلس الشعب بتاريخ 9/6/2010 حدثت مواجهة بين النواب مقدمي طلبات الإحاطة حول قرار القمر الصناعي المصري النايل سات إغلاق قناة الرحمة وبين أحمد أنيس رئيس الشركة المصرية للأقمار الصناعية “نايل سات”؛ حيث دافع أنيس عن قرار النايل سات إغلاق قناة الرحمة وقال إن قرار إغلاقها جاء بناء على مطالبة من القمر الصناعي الفرنسي “اليوتلسات بعد أن اتهمها بمخالفة شروط العقد المبرم معها وأنها تبث مواد تحض على الكراهية ومعاداة السامية[43]، ونظرًا للمصالح الضخمة التي تربط القمرين جاءت الاستجابة بوقف القناة حرصًا على هذه المصالح[44]. ومن ثم فإن حملة مطاردة حضور الإسلام في المجال العام انتقلت من الخارج إلى الداخل برعاية الخارج أيضا.

خاتمة:

أخيرا نؤكد أن الموضوع ليس مجرد رموز قشرية يلحظها الرائي الأول بل إنها فكر ووعي ومعالجة، هي إشكالية طرأت نتيجة للاختلاف الذي لاحظه المعترض وبدلا من تقبل الآخر من باب الحريات في الممارسة والحقوق.. جعلوا منها قضايا كبرى دخلوا من خلالها إلى صميم الأمر، لأن الرموز هي الخطوات الواضحة للحركة المنتظمة للدين والفكر الإسلامي، ومن خلال التضييق على هذه الشعائر في الخارج أو إثارتها للجدل في الداخل فإن ذلك يضع إشارة ضوئية للمهتمين بدراسة الفكر الديني والنظرية السياسية ليدركوا الوضع الراهن للإسلام في العالم الإسلامي.
*****

الهوامش:

[1] http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&issueno=11724&article=602092&search= &state=true
[2] نجوان الأشول، الرموز الإسلامية في أوروبا على المحك، الشروق، 28 يوليو 2010م.
[3] http://www.aawsat.com/details.asp?section=31&issueno=11484&article=568589&search&state=true
[4] نجوان الأشول، الرموز الإسلامية..، مرجع سابق.
[5] المرجع السابق.
[6] مركز سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز
[7] http://www.sawasya.net/news
[8] المصري اليوم، 21/7/2010، ص 17.
[9] المساء، 24/7/2010م.
[10] الحياة 15/8/2010م.
[11] http://www.sawasya.net/news
[12] http://www.sawasya.net/news
[13] http://www.sawasya.net/news
[14] http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=579511&issueno=11561
[15] المصري اليوم 22/7/2010م.
[16] الأحرار، 11/6/2010م.
[17] حسين العودات، الأهالي، 7/7/2010م.
[18] سليمان جودة، المصري اليوم، 22/7/2010م.
[19] وائل السواح، الحياة، 27/7/2010م.
[20] بيسان الشيخ، الحياة، 26/7/2010م.
[21] المصري اليوم، 16/7/2010م.
[22] الدستور، 26/9/ 2010م.
[23] المصري اليوم، 23/8/2010م.
[24] جابر عصفور، الأهرام، 14/6/2010م.
[25] الأهالي، 28/7/2010م.
[26] عقيدتي، 14/9/2010م.
[27] محمود قاسم أبو جعفر، الوفد، 29/6/2010م.
[28] سمير رجب، الجمهورية، 16/6/2010م.
[29] المساء، 11/6/2010م.
[30] الشروق، 15/6/2010م.
[31] نهضة مصر، 17/6/2010م.
[32] الشروق، 16/6/2010م.
[33] نهضة مصر، 10/6/2010م.
[34] الأحرار، 27/7/2010م.
[35] نهضة مصر، 17/7/2010م، محمد رجب، أخبار الحوادث، 6/7/2010، السيد البابلي، المساء، 3/7/2010م، محمود عيسى، اللواء الإسلامي، 7/7/2010م، الوطني اليوم، 6/7/2010م، أحمد شعبان، عقيدتي، 6/7/2010م، الشروق، 19/7/2010م.
[36] الشروق، 23/6/2010م.
[37] المصري اليوم، 23/9/2010م.
[38] الأخبار، 26/6/2010م.
[39] نهضة مصر، 8/7/2010م.
[40] جمال زايدة، الأهرام، 7/7/2010م..
[41] نهضة مصر، 8/7/2010م.
[42] الموقف العربي، 12/7/2010م.
[43] المسائية، 10/6/2010م.
[44] الأحرار، 10/6/2010م.

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2011

للتحميل اضغط هنا 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى