الجماعة المسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية والضربة الأمريكية – البريطانية ضد العراق

إن مسألة ارتباط المسلمين في مختلف دول العالم بما يحدث لإخوانهم في العقيدة في مناطق شتى بعيدة عنهم لهو أقوى دليل على وجود “الأمة” ومثولها في الوعي والإدراك المسلم، برغم مما قد يبدو من ضعف الشواهد المؤسسية على ذلك.
والواقع إن مسألة الأقليات المسلمة تزداد أهمية في ظل التطورات الدولية الراهنة. ففي الوقت الذي تمثل فيه الأقليات عمومًا مصدرًا للقلق وعدم الاستقرار والصراع على مستوى العالم ككل فإن الحديث عن الأقليات المسلمة يأتي ليعني وجود فرص لنشر الدعوة من ناحية والدروس المستفادة من وضع تلك الأقليات من ناحية أخرى.
وتزداد أهمية هذا النوع من الحديث عن الأقليات المسلمة عند استعراض حالة الجاليات المسلمة حديثة الجذور في الغرب[1] التي هاجرت مع نهاية القرن التاسع إما فرارًا بالدين أو من الاضطهاد السياسى أو سعيًا نحو العلم، أو طلبا للرزق فبرزت في قلب أوروبا والعالم الجديد وجودًا بشريًا مسلمًا حتى ليقال إن الإسلام حقق وبسهوله أوسع عملية انتشار بشرى لأى مجموعة واحدة شهدتها أوروبا الغربية والأمريكتين قبل عشرة قرون، وإذا تركت الإحصاءات تتحدث لو جد أن معدل انتشار الإسلام في الغرب ازداد بنسبة 235% وتراجعت المسيحية حيث انخفض انتشارها إلى 47% والبوذية 64%.
ورغم معاناة الجاليات المسلمة في الغرب من مشكلات تتعلق باختلاف التعليم والثقافة في تلك المجتمعات.
وهو ما يهدد على المدى الطويل بذوبان الأقلية ثقافيًا ثم مجتمعيًا في ثقافة المجتمع غير المسلم فقد أضحت جهود حفاظ مسلمى أوروبا الغربية وأمريكا على هويتهم تمثل تحديًا حضاريًا في عقر دار الحضارة المسيحية، الغربية ومقاومة الاستيعاب فيها وإذا كانت قضية الأبعاد الحضارية لهذا الاستيعاب من عدمه ومواقف الاتجاهات المختلفة منه ومن مدلولاته السياسية قد حظيت باهتمام تحليلات عدة من منظورات متنوعة[2]،فإن الأبعاد السياسية المباشرة لهذه القضية قد حظيت أيضًا باهتمام تحليلات أخرى لا سيما أن تلك الأقليات المسلمة قد أضحت تتخذ مواقف ناقدة لسياسات حكوماتها لدفعها لتبني مواقف إيجابية من قضايا معينة مرتبطة بالأمة الإسلامية في عمومها أو بمناطق محددة تدخل في إطار هذه الأمة.
هذا وتمثل هذه القضية جزءًا أساسيًا مما وصفه هنتنجتون انتقال صدام الحضارات إلى داخل الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، حيث يقول[3] “إنه بعد أن اعتمدت وحدة الولايات المتحدة على دعامتين من الثقافة الأوربية والديمقراطية السياسية إلا أن الأمر تحول بعد ذلك من المطالبة بالحقوق المتساوية للأفراد إلى الحقوق الخاصة للمجموعات المختلفة، وحيث بدأ الترويج لإيديولوجية “التعددية الثقافية”.” وإن هذين الأمرين يشجعان وفق رؤية هنتنجتون صدام الحضارات داخل الولايات المتحدة وتفكيك وحدة أمريكا، ويهددان هويتها السياسية باعتبارها ديمقراطية ليبرالية ذات جذور أوربية هذا وكان هنتنجتون قد تحدث في مقالة أخرى[4] عن كيف أن الولايات المتحدة لم يعد لها سياسة خارجية تعبر عن مصالح قومية أمريكية نظرًا للتأثيرات التعددية الثقافية في داخلها على هذه السياسة على نحو أصابها بالتآكل لأن مصالح الأمة إنما تنبع من هويتها ومن ثم فمع افتقاد أمريكا هوية وطنية أضحت تمارس سياسة الحفاظ على المصالح التجارية والعرقية.
وإذا كانت الجماعات المختلفة تمارس ضغوطها على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه أوطانهم الأم، فإن الجماعة المسلمة في الولايات المتحدة لا تشذ عن هذه القاعدة وإن كانت أقل فاعلية في تأثيرها -حتى الآن- بالمقارنة بجماعات أخرى أكثر تنظيمًا وأكثر قوة نظرًا لاعتبارات مختلفة[5].
ويعد موقف الجماعة المسلمة تجاه الضربة الأمريكية البريطانية للعراق في نهاية 1998 من أصدق الأدلة على الوشيجة القوية التي تربط هؤلاء المسلمين بقضايا أمتهم وهمومها.
فقد تصاعدت ردود الفعل الغاضبة من المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية إزاء الضربة العسكرية الأمريكية البريطانية للعراق مع دخول شهر رمضان المعظم.
فخرجت تنظيمات المسلمين بإعلانات وبيانات تندد وتدين هذا العمل العسكرى المسمى “ثعلب الصحراء” وبثت بياناتها هذه عبر شبكة الإنترنت كما عملت على إعلام الصحف واسعة الانتشار في الولايات المتحدة بموقفها الرافض للعدوان على الشعب العراقى الأعزل دون مبرر يذكر.
فمؤسسة الطلاب المسلمين في الولايات المتحدة وكندا (Muslim Students Association) “MSA of USA and Canada” أصدرت بيانًا[6] ذكرت فيه أن نبأ ضرب العراق وقع على الطلاب المسلمين موقع الصدمة أثناء أدائهم لامتحاناتهم النهائية إذ أن هذا النبأ إنما يعنى أن إخوة وأخوات لهم في العراق يعانون الفزع بفعل ما قامت به دول نصبت نفسها مدافعة عن الديمقراطية ولم تتورع عن ضرب المدنيين الأبرياء في العراق.
كما أضافت المؤسسات في بيانها أن الولايات المتحدة في فعلها الأحادى هذا الذي رفضته ثلاث قوى داخل مجلس الأمن (فرنسا، الصين، روسيا) إنما تسىء إلى وضعها الدبلوماسى عالميًا وأن عليها أن تستدعى قواتها ليس فقط من أجل الأبرياء العزل بل أيضًا للحفاظ على شكلها خارجيًا ويكفي العراقيين ما عانوه تحت وطأة العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق كما تساءلت المؤسسة في بيانها عن سبب الضربة الآن وهل له علاقات بما يدور في مجلس الشيوخ من إجراءات عزل لكلينتون!.
أما المجلس الإسلامى الأمريكي American Muslim Council (AMC) فقد جاء بيانه[7] لإدانة الضربة العسكرية مؤكدًا أن المزاعم الأمريكية من تهديد النظام العراقى لجيرانه لم تعد كافية لتبرير ما يحدث ضد العراق، كما ضمّ المجلس صوته إلى مجلس الشيوخ الأمريكي في تساؤله حول توقيت الضربة وحول أهدافها ومدى أهميتها وأضاف الإعلان أنه بعد ثمانية سنوات من المعاناة العراقية بفعل العقوبات المفروضة لم تعد الضربة العسكرية عقابًا لصدام بل للشعب نفسه وأن على الولايات المتحدة بالاتفاق مع مجلس الأمن إيجاد حل دائم للمسألة العراقية التي أزهقت الكثير من النفوس وسببت الكثير من الألم.
كما أصدر مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية Council of American Islamic Relations (CAIR) بيانا[8] لإدانة العدوان الأمريكي البريطاني على الشعب العراقى في هذا الوقت الذي تستقبل فيه الأمة الإسلامية شهر رمضان لا سيما أن وكالة “الأسوشيتد برس” نشرت صورة لأحد الصواريخ المحملة لضرب العراق كتبت عليه لافتة “هدية رمضان”.
فقام المجلس بإرسال بيانه هذا إلى الرئيس الأمريكي مطالبًا أياه بموقف ضد هذه الإساءة المتعمدة للمسلمين وهو البيان الذي أسفر عن الاعتذار الرسمي الذي قدمه وليام كوهين للمسلمين داخل الولايات المتحدة وخارجها مؤكدًا فيه احترام الولايات المتحدة العميق للإسلام واعتزازها بعلاقاتها مع الغرب والمسلمين وتقديرها للدور الذي يلعبه المسلمون الأمريكان في المجتمع الأمريكي وأكد أن ما حدث هو استثناء نادر لا يعكس موقف الولايات المتحدة أو سياستها لأن الجنود الأمريكيين يحترمون شعائر المخالفين لهم في الدين ولا يمكن أن يسيئوا إليهم وعلق مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية على ذلك أن الإساءة حدثت بالفعل بضرب العراقيين الأبرياء وأن صورة هذا الصاروخ إنما زادت من الإحساس بالألم وأن على السلطات الأمريكية احترام مشاعر ستة ملايين مسلمًا أمريكيًا و 1.2 بليون مسلمًا في كافة أنحاء الأرض بعقاب الجندي المسؤول عن كتابة “هدية رمضان” على الصاروخ.
وكذلك أصدرت جمعية الأمريكيين المسلمين American Muslim Society (MAS) بيانا تضمن ما يلى[9]: الاعتراض الشديد على قصف القوات الأمريكية للعراق، تحميل الإدارة الأمريكية مسئولية هذا المسلك في إدارة القضية العراقية في نفس الوقت الذي تمتعت فيه إسرائيل بمساندة الولايات المتحدة الواضحة حتى في خلال انتهاكاتها الواضحة للقانون الدولى والأمن الإقليمى.
كما أشار البيان: إلى: أن الغارات الأمريكية المتعددة على العراق، منذ نهاية حرب الخليج قد قتلت آلافًا من المدنيين الأبرياء بدون إنجاز أى هدف ؛ وإلى أن العقوبات هى أسلحة دمار شامل. وإذا كان صدام حسين قد استطاع أن يبقى بعد كل ضربة إلا أن الشعب العراقى لا يستطيع ذلك.
وأشار البيان في نهايته إلى أن الإسلام يدعو كل الناس إلى وضع القيم الأخلاقية في وضع أعلى من الأهداف السياسية، وأن الولايات المتحدة يجب أن تحقق قيادتها المعنوية للعالم من خلال سياسة خارجية ثابتة، وأنه إذا كانت أسلحة الدمار الشامل تهدد السلام العالمى فإن على الولايات المتحدة وأقرب حلفائها التخلص أيضًا من أسلحة الدمار الشامل لديهم قبل أن يطالبوا الدول الأخرى بذلك.
*****

الهوامش:

[1] انظر إطار مقارن لدراسة أنماط الأقليات المسلمة في العالم ومن بينها نمط الأقلية في المجتمعات الغربية في د. نادية محمود مصطفى: الأقليات المسلمة في العالم (إطار مقارن للدراسة) (في) د. حسن العلكيم (محرر) قضايا إسلامية معاصرة. مركز البحوث والدراسات الآسيوية القاهرة، 1997.
[2] انظر مثلًا: Gilles Kepel, Allah The west: Islamic movements in America and Europe (Cambridge, MA: policy press, 1997).
[3] صمويل هنتنجتون: إن لم تكن الحضارات فماذا تكون؟
شؤون الأوسط. العدد 30، يونية 1994، ص 54-55.
[4] Samuel p. Huntington: The Erosion of American National Interests. Foreign Affairs, Vol. 76, no. 5, 1997. pp. 28-50.
[5] حول العوامل المؤثرة على هذه الفاعلية ونماذج من مواقف هذه الجماعات تحت تأثير هذه العوامل، انظر: د. علي مزروعي، المسلمون الأمريكيون والسياسة الخارجية الأمريكية، ترجمة أ. أحمد على في: د. على مزروعي، قضايا فكرية: إفريقيا والإسلام والغرب، ترجمة د. صبحي قنصوة وآخرون (القاهرة: مركز دراسات المستقبل الإفريقى، 1998)، ص ص 115-138.
[6] Muslim Students Association, Info @ MSA-NAT 1.org.
http: //www. MSA-NAT1.org.
[7] American Muslim Council
http: //www. amcner..org.
[8] Council of American Islamic Relations
http: //www. Cair: net. org.
[9] Muslim American society (MAS).
info @ masnet. org.
http: //www. masnet. org.

إشراف: أ. د. نادية مصطفى

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 1999

للتحميل اضغط هنا 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى