الفرنك الأفريقي وبدائله ومسارات التنمية في السنغال

مقدمة:
على الرغم من حصول الدول التي خضعت للاستعمار الأوروبي على استقلالها السياسي منذ حوالي ستة عقود، إلا أن العلاقات مع القوى الكبرى على المستوى الواقعي والتنظيري تؤكد امتداد واستمرار الكثير من الممارسات الاستعمارية حيث النظرة الدونية ثقافيًّا وحضاريًّا، والهيمنة والسيطرة والاستغلال سياسيًّا واقتصاديًّا. تُشير ما بعد الكولونيالية إلى العملية التي تسعى لتسليط الضوء على صور النفوذ الاستعماري المختلفة، والعمل على فصل مكوناته عن بعضها البعض[1]. وتتضمن هذه العملية تفكيك البنى والمؤسسات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تضمن استمرار الهيمنة الكولونيالية للقوى الاستعمارية على الدول المستعمَرة، حتى بعد حصولها على الاستقلال السياسي “الصوري”[2].
لقد كرست فرنسا عملة الفرنك الأفريقي التي أنشأتها قبل الخروج من مستعمراتها في القارة الأفريقية لخدمة مصالحها، وضمان استمرار السيطرة على الدول الأفريقية ومواردها بعد حصولها على ذلك الاستقلال السياسي “الصوري”. وقد كانت تلك العملة، وما خلقته من “عبودية نقدية”، السبب الرئيسي في تدهور الوضع الاقتصادي لدول الفرنك الأفريقي.
في ضوء ما سبق، نتناول نشأة الفرنك الأفريقي، ومبادئه، وتأثيره على اقتصادات المنطقة المتعاملة به، والمميزات التي منحها لفرنسا، ومدى قدرة تلك الدول على تحقيق الخطط التنموية، وتأثير وصول فاي للسلطة على النفوذ الفرنسي في السنغال، والبدائل الممكنة لتخليه عن هذه العملة.
أولًا- نشأة الفرنك الأفريقي: السياق الاستعماري والامتداد ما بعد الكولونيالي
بعد الحرب العالمية الثانية ومع ظهور حركات التحرر المناهضة للاستعمار الفرنسي في وسط وغرب أفريقيا، أعلنت فرنسا برئاسة الجنرال ديجول في ديسمبر 1945 وعقب المصادقة على اتفاقية بريتون وودز تأسيس نظام مصرفي خاص للأقاليم القابعة تحت سيطرتها والبالغ عددها 12 مستعمرة أفريقية بوسط وغرب القارة الأفريقية، كما أصدرت عملة موحدة لتلك الأقاليم أسمتها “الفرنك الأفريقيCFA ” (Financière Communauté Africaine – المجتمع المالي الأفريقي). وقد رُبطت تلك العملة مباشرةً بالفرنك الفرنسي، إذ حددت قيمتها بـ 1.7 فرنك فرنسي آنذاك. كما تبنت كل من غينيا الاستوائية عام 1985 وغينيا بيساو عام 1997 الفرنك الأفريقي، رغم أنهما لم تكنا مستعمرتين فرنسيتين ليبلغ عدد دول منطقة الفرنك الأفريقي 14 دولة، وهو ما يعكس النفوذ الفرنسي في وسط وغرب أفريقيا في تلك الفترة. إضافةً إلى ما سبق، على الرغم من أن جزر القمر لا تعد جزءًا من منطقة الفرنك الأفريقي، إلا أنها تتبنى نظام نقدي خاص وعملة أخرى تتشابه إلى حدٍّ كبير مع الفرنك الأفريقي وترتبط أيضًا بفرنسا تسمى الفرنك القمري (KMF)[3].
تجدر الإشارة إلى أن الطريقة التي خرج بها الاستعمار الفرنسي من مستعمراته في أفريقيا قد أثرت على تحديد سياساتها النقدية فيما بعد، فدول كالجزائر والمغرب وتونس، والتي خرج منها الاستعمار الفرنسي نتيجة نجاح المقاومة المسلحة، انسحبت من التداول بالفرنك الأفريقي ولم يكن باستطاعة فرنسا إرغامها على تبنيه. بينما دول وسط وغرب أفريقيا، على الرغم من وجود حركات تحرر بها، إلا أنها حصلت على استقلالها بعد مفاوضات سلمية نسبيًا، وهو ما مكَن فرنسا من تنظيم أمورها السياسية والعسكرية وسياساتها الاقتصادية والنقدية قبل خروجها منها بما يضمن استمرار سيطرتها على تلك الدول بعد الاستقلال[4].
وبالتالي، يمكن التأكيد على أن الاستقلال السياسي الذي حصلت عليه تلك الدول كان مجرد استقلال “شكلي”، وكشف عن نوعٍ آخر من الاستعمار يتمثل في “العبودية الاقتصادية والنقدية”[5].
تنقسم منطقة الفرنك الأفريقي إلى اتحادين نقديين لكل منهما بنك مركزي وعملة خاصة )إذ لا يمكن استخدام الفرنك الأفريقي لدول وسط أفريقيا في دول غرب أفريقيا والعكس(، وهما: الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا الذي تأسس عام 1994 بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري وتنسيق السياسات النقدية بين دوله، ليكون بديلًا للاتحاد النقدي لغرب أفريقيا الذي تأسس عام 1963 والذي اقتصر دوره على تنسيق السياسات النقدية بين هذه الدول، يقع مقره الرسمي بواغادوغو عاصمة بوركينا فاسو، ويقع مقر بنكه المركزي (BCEAO) في داكار بالسنغال. يشمل الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا ثماني دول هم: بوركينا فاسو، وبنين، وكوت ديفوار، وغينيا بيساو، ومالي، والنيجر، والسنغال، وتوجو. والمجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا التي تأسست عام 1994 لتعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري وتنسيق السياسات النقدية، ليكون بديلًا للاتحاد الجمركي والاقتصادي لوسط أفريقيا، ويقع مقرها الرسمي ببانجي عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى، ويوجد مقر بنكها المركزي (BEAC) في ياوندي بالكاميرون. تضم المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا ست دول، هي: جمهورية أفريقيا الوسطى، والكاميرون، والكونغو، والجابون، وغينيا الاستوائية، وتشاد[6].
يتجسَّد الاستغلال والسيطرة الفرنسية ما بعد الكولونيالية على اقتصادات دول وسط وغرب أفريقيا ومواردها في المبادئ الفرنسية المنظِمة للفرنك الأفريقي، والتي استندت عليها الاتفاقية الموقعة بين فرنسا ودول الفرنك الأفريقي. تلك المبادئ هي:
- التمثيل الفرنسي وحق النقض في مجلسي إدارة البنكين المركزيين لكلا الاتحادين النقديين:
تنص المادة العاشرة من الاتفاقية الموقعة بين فرنسا ودول الفرنك الأفريقي على وجود عضوين فرنسيين في مجلس إدارة البنك المركزي لكل اتحاد. كما تنص المادة 81 من النظام الأساسي لكل بنك مركزي على أن للعضوين الفرنسيين بشكلٍ حصري من بين 16 عضوًا حق النقض على أي تصويت يتم داخل المجلس، وهو ما يؤكد وجود سيطرة وتحكم فرنسي مباشر وكامل في الموارد المالية لدول الفرنك الأفريقي[7].
- مركزية الحسابات والفائدة المنخفضة على الاحتياطيات النقدية:
نصت الاتفاقية على وجوب إعطاء دول الفرنك الأفريقي احتياطياتها النقدية للخزينة الفرنسية؛ بحجة أن ذلك يضمن استقرار قيمة الفرنك الأفريقي. مع العلم أن ذلك الجزء من الاتفاقية قد خضع لعدة مراجعات؛ إذ إنه مع إنشاء الفرنك الأفريقي 1945 كانت دوله مجبرة على إعطاء احتياطيها النقدي الأجنبي كاملا للخزينة الفرنسية، واستمر ذلك حتى عام 1973. وفي عام 1973، تم تقليل النسبة لتكون 65% واستمرت تلك النسبة حتى عام 2005، حيث تقرر تقليل نسبة الاحتياطيات النقدية الواجب تسليمها لفرنسا لتصبح 50% وهي النسبة المقررة حتى الآن على دول فرنك وسط أفريقيا. أما دول فرنك غرب أفريقيا، فقد أُعلن عن تعديلات تلغي إلزامية وضع تلك النسبة في الخزينة الفرنسية. إضافة إلى ذلك، يتعين على دول الفرنك أن تحتفظ بما يُغطي 20% من الالتزامات قصيرة الأجل بالعملات الأجنبية[8].
وتأكيدًا على السيطرة الفرنسية على الاحتياطيات النقدية لدول الفرنك، فإن الاتفاقية تقضي بأن الاحتياطيات التي تودعها دول الفرنك في الخزينة الفرنسية تُقيَّد بسعر فائدة منخفض بدرجةٍ كبيرة عن أسعار الفوائد العالمية؛ إذ بلغ سعر الفائدة على الاحتياطات النقدية للفرنك الأفريقي 8.5% عام 1982 واستمر في الانخفاض تدريجيًا حتى وصل إلى أقل من 0.8%[9].
- ثبات سعر الصرف وحصرية تحويل الفرنك الأفريقي إلى اليورو:
نصت الاتفاقية على تثبيت سعر صرف الفرنك الأفريقي مقابل اليورو عند 655.957 فرنكًا أفريقيًّا لليورو الواحد. ويُجسد ذلك ارتباط دول الفرنك بالنظام النقدي وتبعيته لفرنسا بشكلٍ خاص وأوروبا بشكلٍ عام، وهو ما يؤكد عدم امتلاك دول الفرنك سياسة نقدية مستقلة. إضافة إلى ذلك، نصت الاتفاقية على أن الفرنك الأفريقي لا يمكن تحويله إلا إلى اليورو، وهو ما يعني أنه لا يمكن تحويل الفرنك الأفريقي لعملات أخرى كالدولار الأمريكي دون تحويله أولًا إلى اليورو. وتأكيدًا على تلك التبعية، فإن الفرنك الأفريقي لا يُطبع إلا في فرنسا، ولا يمكن لدول الفرنك الأفريقي طباعته محليًا أو في البنكين المركزيين للاتحادين النقديين[10].
- حرية تحويل رؤوس الأموال من دول الفرنك الأفريقي إلى فرنسا:
وفقًا لهذا المبدأ، يُسمح للمستثمرين الأجانب والمحليين بتحويل رؤوس أموالهم من دول الفرنك لفرنسا بحرية تامة، ودون أي قيود قانونية أو عوائق تنظيمية. ويؤدي ذلك إلى سهولة وتشجيع خروج رؤوس الأموال من دول منطقة الفرنك الأفريقي إلى فرنسا، وهو الأمر الذي يعوق عملية التنمية الاقتصادية وتحسين الظروف المعيشية لمواطني تلك الدول[11].
لقد أعاق الفرنك الأفريقي والمبادئ التي فرضتها فرنسا في الاتفاقية الموقعة بينها وبين دول الفرنك الأفريقي اقتصادات تلك الدول وعمليات النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة فيها، بل كان أداةً تضمن لفرنسا استمرار نهب واستنزاف موارد العديد من الدول الأفريقية، كما تسبب في تزايد معدلات الفقر والبطالة وتدني مستويات المعيشة في تلك الدول.
ثانيًا- الفرنك الأفريقي بين الاستقرار النقدي والتبعية الاقتصادية
على الرغم من أن الفرنك الأفريقي -كما يُجادل الجانب الفرنسي- أدى إلى انخفاض معدلات التضخم في دول الفرنك مقارنةً بدول أفريقية أخرى نظرًا لكونه عملة مستقرة ارتبطت بالفرنك الفرنسي ثم اليورو؛ حيث يمنح الاستقرار النقدي الدول مرونة أكبر في التصدي لصدمات الاقتصاد الكلي واحتوائها والسيطرة على التضخم[12]، إلا أن ذلك الاستقرار النقدي جاء على حساب التنمية الاقتصادية في دول الفرنك نظرًا للقيود المفروضة على السياسات المالية والنقدية وللخيارات الاقتصادية المحدودة للغاية التي قيدت قدرة تلك الدول على تبني سياسات نقدية مستقلة[13]. وفيما يلي، نُسلط الضوء على أثر المبادئ النقدية الفرنسية على اقتصادات دول الفرنك:
لطالما استفادت فرنسا من مبدأ مركزية الحسابات، فالاحتياطيات النقدية التي تودعها دول الفرنك الأفريقي في الخزينة الفرنسية تمنح فرنسا ميزة زيادة احتياطيها النقدي، وفي المقابل تحصل دول الفرنك على فوائد منخفضة بدرجةٍ كبيرة مقارنةً بأسعار الفائدة العالمية. على الجانب الآخر ونتيجة ذلك المبدأ، تُعاني دول الفرنك من انخفاضٍ مستمرٍ ودائم في السيولة المالية وقيود على الصادرات، وقد أدى ذلك إلى الحد من قدرة البنوك المركزية على التدخل واقتصر دورها على محاولة السيطرة على التضخم والأسعار، في حين افتقدت القدرة تمامًا على القيام بمشاريع وبرامج تستهدف تحقيق التنمية الاقتصادية، كما أدت تلك السياسات إلى محدودية التمويل اللازم لدعم الأنشطة الاستثمارية للشركات ومعاناة السكان المحليين من فوائد بنكية كبيرة[14].
إضافةً إلى ما سبق، فإنه وفقًا للاتفاقية ترتبط جميع دول الفرنك بخزانة دولة واحدة وهي فرنسا، وهو الأمر الذي حال دون تنويع تلك الدول للدول التي تضع بها احتياطياتها الأجنبية، ويُعد مبدأ التنويع هذا من القواعد الاقتصادية الأساسية التي تساعد الدول في الحفاظ على قوة عملتها واستقرارها الاقتصادي. بناءً على ما سبق، تفتقر دول الفرنك الأفريقي للقدرة على خلق توازن اقتصادي يمنحها القدرة على توفير بيئة مناسبة لتشجيع الاستثمارات الأجنبية، فضلا عن عدم مرونة الاستجابة لمتطلبات العرض والطلب والتعاطي مع الأزمات الاقتصادية بكفاءةٍ وفعالية[15].
في سياقٍ متصل، فرض مبدأ التمثيل الفرنسي في البنكين المركزيين للاتحادين النقديين رقابةً اقتصادية فرنسية على دول الفرنك الأفريقي، وتحكُّم في معاملاتها النقدية مع الدول الأخرى وحتى مع الشركات الأخرى؛ إذ فرض هذا المبدأ على كافة العمليات المالية في منطقة الفرنك الأفريقي المرور أولًا بالمؤسسات المالية الفرنسية التي تملك صلاحية عرقلتها. كما أدى مبدأ حرية تحويل رؤوس الأموال من منطقة الفرنك الأفريقي إلى فرنسا إلى انخفاض معدلات الادخار العام في دول الفرنك الأفريقي وبالتبعية انخفاض مواردها المالية، بجانب تسهيل عمليات غسيل الأموال ونقل الأموال غير المشروعة التي يكسبها بعض السياسيين والمتصلين بالسلطة والفاسدين بما فيهم بعض الحكام وضباط الجيش والعائلات الثرية التي ترتبط بفرنسا، وبالتالي أدى هذا المبدأ لزيادة معدلات الفساد والمحسوبية. إضافةً إلى ما سبق، ونتيجة حرية خروج الأموال وارتباط الفرنك باليورو، أصبحت المبادلات التجارية بين دول الفرنك الأفريقي وبعضها محدودة حيث لا تتعدى 10% في وسط أفريقيا و15% في غرب أفريقيا، في حين تبلغ 60% مع الشركات الأوروبية[16].
على الجانب الآخر ونتيجة المبادئ النقدية الفرنسية، تمكنت فرنسا من السيطرة على اقتصادات دول الفرنك الأفريقي واستغلالها؛ حيث استطاعت وضع الاحتياطي النقدي الأجنبي لدول الفرنك في البنوك الفرنسية ومن ثم استثمارها في الأسواق المالية العالمية. وقد مكنها من ذلك إلزامها دول الفرنك الأفريقي باستثمار 50% من احتياطياتها النقدية في السندات الفرنسية أو المقومة باليورو، وإلزامها المصدرين في تلك الدول بوضع 80% من عائداتهم بالعملة الصعبة في البنك المركزي الفرنسي خلال شهر من استلامها.
كما تمكنت الشركات الفرنسية من استغلال العمالة الرخيصة في استخراج الموارد والإنتاج وكذلك السيطرة على الأسواق المحلية وبيع منتجاتها، ثم بعد ذلك تعود الأرباح إلى فرنسا. ولإحكام قبضة المستثمرين الفرنسيين على الأسواق المحلية لدول الفرنك الأفريقي، تفرض فرنسا على تلك الدول أن تُوجه القروض التي تمنحها إياها لتمويل مشروعات تصب في صالح المستثمرين الفرنسيين بغض النظر عن التنمية المحلية. كما أن الوكالة الفرنسية للتنمية، والتي تم تأسيسها عام 2001 بهدف العمل على تقليل ديون الدول الأفريقية ودعم التنمية فيها، أوكل إليها سلطة تحديد أوجه إنفاق المعونات والشركات المسؤولة عن تنفيذ المشروعات التنموية وكذلك القطاعات المستهدفة، وقد كانت معظم الشركات التي أوكلت إليها تلك المهمة فرنسية[17].
تؤكد فرنسا عبر موقع وزارة أوروبا والشؤون الخارجية على أنه يمكن لأي دولة من دول الفرنك الأفريقي أن تخرج من منطقة الفرنك الأفريقي[18]. وبالتالي، فإنه ثمة سؤالٌ مهمٌ، ألا وهو: ما الذي يمنع دول الفرنك الأفريقي من التخلي عن استخدامه؟
وهنا لا بد من التأكيد على أن السيطرة والهيمنة ما بعد الكولونيالية الفرنسية على دول الفرنك الأفريقي ليست فقط اقتصادية وإنما أيضًا سياسية وعسكرية، وهو ما كشفت عنه محاولات تخلي بعض الزعماء الأفارقة عن الفرنك والتي قوبلت بالقمع. ففي عام 1960، وعندما أرادت غينيا تبني نظام نقدي خاص قامت فرنسا بتنظيم أعمال تخريبية بواسطة عملاء محليين موالين لها وهو ما هدد الاستقرار، كما أصدرت أوراق نقدية مزيفة ومنعت وصول السلع الأساسية كالأرز للمواطنين[19].
وفي عام 1963، وعندما أراد الرئيس التوجولي سيلفانوس أولمبيو التخلي عن الفرنك الأفريقي وإنشاء نظام نقدي خاص تم قتله بواسطة عسكريين مُدربين من قبل فرنسا من بينهم جناسينجبي أياديما، وهو الذي أصبح رئيسًا للجمهورية بعد ذلك واستمر لمدة 38 عامًا حتى تُوفي. وكذلك زعيم بوركينا فاسو الاشتراكي توماس سانكارا الذي أراد قطع العلاقات مع فرنسا والانسحاب من اتفاقيات التعاون معها والتخلي عن الفرنك الأفريقي، فقامت فرنسا بتنظيم انقلاب عليه واغتياله مع مساعديه وعينت رئيسًا من الموالين لها. وكذلك الزعيم الاشتراكي موديبو كيتا في مالي، والذي خطط للتخلي عن الفرنك الأفريقي والقيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية، فقامت فرنسا باغتياله وأعطت السلطة لموالين لها[20].
ثالثًا- دول الفرنك الأفريقي وخطة 2030 للتنمية المستدامة: قراءة في مؤشرات الأداء الاقتصادي والاجتماعي
في إطار الالتزام الدولي بتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، وعند الحديث عن إمكانية تحقيق تلك الأهداف في منطقة الفرنك الأفريقي، تبرز ضرورة تناول العلاقة بين السيادة النقدية وإمكانية تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. إذ يُعد تمتع الدولة بأدوات سيادية تعطيها القدرة على تحديد وإدارة وتوجيه مساراتها الاقتصادية والاجتماعية، وعلى رأسها السياسة النقدية المستقلة والمرنة التي تستجيب للاحتياجات المحلية، شرطًا أساسيا ًوجوهريًا لتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية. والعكس صحيح، إذ تعد تبعية وخضوع الدولة لطرف خارجي يحتكر رسم نظامها المالي وسياستها النقدية، بشكلٍ يضمن له استمرار السيطرة على مواردها واستنزافها، معوقًا أساسيًّا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية[21].
بالتطبيق على دول الفرنك الأفريقي، ثمة تبعية نقدية إذ تُدار اقتصاداتها في ضوء المبادئ والآليات التي وضعتها فرنسا[22]، وهو الأمر الذي أدى لانشغال سلطات تلك الدول بالحفاظ على معدلات التضخم دون أن تتوجه لتنفيذ مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تُلبي الاحتياجات المحلية الفعلية. وعلى الرغم من أن دول الفرنك قد وقعت على خطة التنمية المستدامة 2030، إلا أن مؤشرات الأداء تؤكد وجود فجوة كبيرة بين أهداف الخطة الأممية والنتائج على أرض الواقع في تلك الدول[23]. فعلى الرغم من أن معدلات التضخم مستقرة نوعًا ما في تلك الدول، إلا أنها تعاني من معدلات فقر وبطالة مرتفعة، كما أن الإنفاق على التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية بشكلٍ عام ضئيل. وفيما يلي نشير إلى بعض الإحصائيات خلال العامين الماضيين التي تؤكد ذلك:
بلغت نسبة الفقر في النيجر[24] 80.71% (مؤشر 3.65$ في اليوم)، و45.27% (مؤشر 2.15$ في اليوم). وتبلغ نسبة السكان الذين يُعانون سوء التغذية 13.30%، كما بلغت نسبة الالتحاق بالتعليم المنظم لمرحلة ما قبل الابتدائي 23.33% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 4-6 سنوات.
وفي بوركينا فاسو[25] بلغت نسبة الفقر 57.39% (مؤشر 3.65$ في اليوم)، و24% (مؤشر 2.15$ في اليوم)، وتبلغ نسبة السكان الذين يُعانون سوء التغذية 15.40%، وبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي (بالأسعار الجارية للدولار الأمريكي) 882.70 في 2023، كما بلغ التضخم 4.20% والبطالة 5.20% في 2024[26].
وفي غينيا بيساو[27]، بلغت نسبة الفقر 23.04% (مؤشر 2.15$ في اليوم) و54.92% (مؤشر 3.65$ في اليوم)، كما وصلت نسبة السكان الذين يعانون نقص التغذية 32.20%. وفي مالي[28]، تبلغ نسبة الفقر 17.68% (مؤشر 2.15$ في اليوم) و46.02% (مؤشر 3.65% في اليوم)، وتبلغ نسبة البطالة 3.05%، كما بلغ معدل الإلمام بالقراءة والكتابة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم من 15-24 عامًا 46% فقط، وقد بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 869.30 دولار كما بلغ التضخم 3.20% في 2024. وبلغت نسبة السكان الذين يستخدمون على الأقل خدمات مياه الشرب الأساسية 83.65%، كما بلغت نسبة السكان الذين يستخدمون خدمات الصرف الصحي الأساسية على الأقل 50.21%، إضافة إلى ذلك، بلغ عدد وفيات الأمهات المرتبطة بالحمل أو الولادة لكل 100000 مولود حي 367.30 أم، كما بلغ عدد وفيات الأطفال حديثي الولادة لكل 1000 مولود حي 32.38 طفل.
المؤشرات السابقة -في أغلبها- لا تؤكد فقط أنه ثمة اختلالات في إدارة الموارد في دول الفرنك الأفريقي، بل تعكس أيضًا وجود قيد بنيوي نتيجة التبعية النقدية التي تقلل بدرجة كبيرة من صلاحيات وقدرة حكومات دول الفرنك على توجيه السياسات الاقتصادية والمالية بما يخدم الاحتياجات المحلية وأجندة التنمية. إضافة إلى ذلك، تؤكد المؤشرات أن الاستقرار النقدي في دول الفرنك لم يخدم خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل على العكس عرقل مشروعات التنمية. وبالتالي، فإن الاستقرار النقدي غير كافِ في ظل غياب السيادة النقدية. ولا يُعد النموذج السنغالي بعيدًا عن تلك الحقائق، وهو ما سيتضح فيما يلي.
رابعًا- مسارات التنمية في السنغال في ضوء الفرنك الأفريقي
وفقًا لأحدث الإحصائيات، تبلغ نسبة الفقر 25.53% (مؤشر 3.65$ في اليوم) و6.92% (مؤشر 2.15$ في اليوم)، ووصلت نسبة السكان الذين يعانون نقص التغذية 4.60%، وتبلغ نسبة الأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون نقص الوزن الشديد 8.10%، وتبلغ نسبة الأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون قصر القامة 17.90%، وقد بلغ عدد وفيات الأمهات المرتبطة بالحمل أو الولادة لكل 100000 مولود حي 237.40 أم، وبلغ عدد وفيات الأطفال حديثي الولادة لكل 1000 مولود حي 22.32 طفل، وبلغ عدد وفيات الأطفال تحت خمس سنوات لكل 1000 مولود حي 38.52 طفل، كما وصل معدل الوفيات الموحد حسب العمر الناتج عن الأمراض غير السارية الأربعة (أمراض القلب والأوعية الدموية، والسرطان، والسكري، وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة) بين البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 30-70 عامًا لكل 100000 نسمة 21.40 حالة، وبلغ عدد السنوات التي يتوقع أن يعيشها المولود الجديد 68.68 سنة.
على جانب آخر، سجل الالتحاق بالتعليم المنظم لمرحلة ما قبل الابتدائي نسبة 22.73% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 4-6 سنوات، وبلغت نسبة الالتحاق بالمرحلة الابتدائية 75.95%، وبلغ معدل إتمام المرحلة الثانوية الدنيا 39.33%، أما معدل الإلمام بالقراءة والكتابة بين من تتراوح أعمارهم بين 15-24 عامًا فقد سجل 78.14%. كما بلغت نسبة السكان الذين يستخدمون على الأقل خدمات مياه الشرب الأساسية 86.25%، وبلغت نسبة السكان الذين يستخدمون خدمات الصرف الصحي الأساسية على الأقل 60.18%[29].
وسجل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي المعدل 57.89%، كما بلغ نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي (بالأسعار الجارية للدولار الأمريكي 1706.40 في 2023) وسجل التضخم 5.90%[30]، وقد بلغ عدد ضحايا العبودية الجديدة لكل 1000 شخص 2.94 شخص، كما وصل معدل البطالة 3.08%، وحصلت السنغال على درجة 0.66 من 1 بالنسبة لحقوق العمال المضمونة بشكل فعال.
لقد سجل الإنفاق على البحث والتطوير نسبة 0.58% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وحصلت السنغال على 2.22 من 5 فيما يتعلق بمؤشر الأداء اللوجستي وجودة البنية التحتية. وفيما يتعلق بمؤشر مدركات الفساد، حصلت السنغال على 45 من 100، وفيما يخص القدرة على الوصول للعدالة وتحمل تكاليفها حصلت السنغال على 0.56 من 1[31].
تتبنى السنغال خطة تنموية تُسمى “خطة السنغال الناهضة 2035” والتي وضعتها إدارة الرئيس السنغالي الأسبق ماكي سال عام 2014، تستهدف تلك الخطة عبر مراحل متوسطة وطويلة الأجل تحقيق تحول هيكلي في الاقتصاد السنغالي من خلال زيادة محركات النمو من استيراد وتصدير وتوسيع سوق العمل، وتحسين المستوى المعيشي وإحداث المساواة الاجتماعية، وتوطيد الحكم الرشيد وسيادة القانون وحماية الحقوق والحريات، وتعزيز الأمن والاستقرار بهدف دعم وتقوية رأس المال البشري والاجتماعي[32].
ولكن الواقع والمؤشرات -السابق ذكرها- تؤكد أن خطة التنمية في السنغال واستراتيجياتها ومساراتها لطالما واجهتها قيود هيكلية يأتي على رأسها الفرنك الأفريقي وما فرضه من تبعية نقدية وتوجيه لمسارات التنمية، إذ كانت الأولوية لتنمية القطاعات التي تخدم المصالح الفرنسية والاستثمارات الأجنبية وتحديدًا الفرنسية والأوروبية، كالبنية التحتية والخدمات اللوجستية (كالموانئ، ومشروعات النقل والطرق السريعة، والمجمعات الصناعية للاستثمارات الأجنبية) والطاقة والتعدين والزراعة التصديرية (خاصةً الفول السوداني والقطن)، ذلك بجانب التكنولوجيا التي ترتبط بشكلٍ أساسي بمصالح فرنسا والشركات العابرة للحدود[33].
في السياق ذاته، لا تخدم مسارات التنمية التي ترسمها فرنسا والممولون الدوليون كالبنك الدولي وصندوق النقد -رغم مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي- الاحتياجات المحلية الأساسية للمجتمع السنغالي كالصحة، والتعليم، والأمن الغذائي، وتطوير الصناعات التحويلية المحلية التي تساعد على توفير فرص عمل مستدامة، كما أنها لم تنعكس بشكلٍ إيجابي على مؤشرات العدالة الاجتماعية ومعدلات الفقر خصوصًا في المناطق الريفية.
ووفقًا لتقرير صادر عن معهد الدراسات الأمنية -أفريقيا ISS Africa، ينتشر الفقر في المناطق الريفية أكثر منه في المناطق الحضرية، ويُعد حوالي 66% من المواطنين المقيمين في مناطق الأورال فقراء مقارنةً بـ 25% من المواطنين المقيمين في داكار[34]. في ضوء ما سبق، تظهر سيطرة وتحكم عدد من الفاعلين الاقتصاديين، وهم: الشركات متعددة الجنسيات أو العابرة للحدود وخصوصًا الشركات الفرنسية المتخصصة في مجالات الاتصالات والطاقة والبنية التحتية والبنوك ومديريها التنفيذيين؛ وذلك بسبب الضمانات الموجودة في نظام الفرنك الأفريقي حيث استقرار سعر الصرف وانخفاض معدلات التضخم وإمكانية تحويل الأرباح للخارج، والمؤسسات المالية الغربية التي تمول المشروعات التنموية من خلال القروض المشروطة، والنخب المحلية المرتبطة بالمصالح الفرنسية والمستفيدة منها والتي تحرص على منع أي محاولات لتغيير الوضع القائم[35].
إجمالًا، يمكن القول إن الفرنك الأفريقي خدم مصالح الطبقة المتوسطة العليا والطبقات العليا، ومن ضمنهم مديري البنوك المركزية والنخب السياسية والاقتصادية المرتبطة بالمصالح الفرنسية على حساب الطبقات الشعبية والعمال والعاطلين عن العمل المتضررين من السياسات الانكماشية والأجور المتدنية وقلة الفرص. كما خدم الفرنك الشركات متعددة الجنسيات والمستثمرين الأجانب على حساب الشركات والمنتجين المحليين المتضررين من ارتفاع الفوائد على القروض البنكية نتيجة ارتباط الفرنك باليورو، كما حقق الفرنك مصالح المستوردين المستفيدين من استقرار معدلات التضخم وثبات سعر الصرف وارتباط الفرنك باليورو، الأمر الذي جعل الواردات أرخص على حساب مصدري المنتجات غير الأولية حيث غياب القدرة التنافسية وغياب دعم الدولة تقريبًا.
وبالنسبة إلى البنوك المحلية في منطقة الفرنك، نجد حالة احتكار القلة، وأسعار الفائدة المرتفعة، بالإضافة إلى البنوك العالمية والأسواق العالمية التي تستفيد من الفائدة المرتفعة والتدفقات النقدية غير المشروعة على حساب الشعب والمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تعاني ارتفاع أسعار الفائدة وتقلبات الاستثمارات الأجنبية. وأخيرًا، كان هناك اهتمام بقطاع التجارة والخدمات وتوفير المناخ الملائم للاستثمارات الأجنبية على حساب قطاعات الزراعة، والصناعة، والصحة، والتعليم وغيرها من القطاعات التي تُلبي الاحتياجات المحلية[36].
خامسًا- وصول “فاي” للسلطة وتأثيره على النفوذ الفرنسي في السنغال والعلاقة مع كونفدرالية دول الساحل الجديدة
في الرابع والعشرين من مارس 2024، أسفرت الانتخابات الرئاسية في السنغال عن فوز المرشح عن حزب المعارضة “الوطنيون الأفارقة في السنغال من أجل العمل والأخلاق والأخوة” (باستيف) باسيرو ديوماي فاي (الذي خرج من المعتقل قبل عشرة أيام من الانتخابات) بعد حصوله على 54.28% من الأصوات، وذلك على الرغم من محاولات الرئيس السابق ماكي سال لتأجيل الانتخابات، والتي لم تنجح نتيجة رفض الشارع السنغالي وعدم قبول المجلس الدستوري في السنغال بها، مطالبين بضرورة الالتزام بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد لها. وقد كان فوز فاي أمرًا غير متوقع؛ إذ إنه كان بمثابة المرشح البديل عن الحزب بعد أن تم استبعاد زعيمه عثمان سونكو بعد إدانته بالتشهير واعتقاله، في محاولةٍ من إدارة ماكي سال لإبعاده عن المشهد السياسي[37].
يُعرف الرئيس فاي ورئيس وزرائه سونكو وحزبهما بأيديولوجيتهم التحررية المناهضة للإرث الاستعماري الفرنسي في القارة السمراء وسياساته الأبوية وللتبعية للغرب[38]. وهو ما ظهر في برنامج فاي الانتخابي الذي تعهد فيه بـ “إعادة تأسيس السنغال”، وذلك عن طريق تحسين أوضاع الفئات المهمشة، والقضاء على الفساد، وتعزيز السيادة الوطنية، وإعادة النظر في اتفاقيات الدفاع والصيد، بالإضافة إلى محاولة التفاوض بشأن عقود النفط والغاز مع الشركات التي لطالما استغلت حقول الغاز المكتشفة على الحدود مع موريتانيا، وتطوير القطاع الزراعي والبنى التحتية وتهيئة البيئة المناسبة لتشجيع الاستثمار. كما أكد “فاي” عزمه قطع العلاقات الاقتصادية غير المتكافئة التي تضمن استمرار سيطرة واستغلال فرنسا لموارد البلاد، وتُعرقل عملية التنمية العادلة فيها، وقد أشار فاي إلى ضرورة العمل على إنهاء الوجود العسكري الفرنسي في السنغال[39].
في سياقٍ متصل، أبدى الرئيس فاي رغبته الشديدة في التخلي عن الفرنك الأفريقي لأنه أداة استعمارية فرنسية حرمت السنغال من مواردها، وتسببت في تأخر الاقتصاد السنغالي وعرقلت عملية التنمية. وأكد فاي وفريقه السياسي أثناء حملته الانتخابية عزمهم إجراء إصلاح نقدي ومالي من خلال العمل على إصلاح الإيكواس (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا)، وذلك من خلال الحد من سيطرة وصلاحيات مؤتمر رؤساء الدول والحكومات وتعزيز سلطة برلمان ومحكمة ذلك التكتل الاقتصادي، وأيضًا دعم التعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين دوله، والعمل على إطلاق مشروع العملة الموحدة “الإيكو” التي فشلت المجموعة في إطلاقها عدة مرات. وكان التأكيد أنه في حال لم يتحقق ذلك، فإن السنغال بإدارتها الجديدة ستتجه نحو التخلي عن الفرنك الأفريقي وإنشاء عملة سنغالية مستقلة، وأوضح فاي أن عملية إطلاق عملة مستقلة ليست بالعملية السهلة وإنما ستكون تدريجية وستحتاج لإجراءاتٍ مسبقة[40].
وفي إطار سياسة فك الارتباط بفرنسا والرغبة في التخلي عن الفرنك الأفريقي وإنشاء عملة جديدة موحدة لمجموعة الإيكواس، شهدت الفترة الأخيرة محاولات للإدارة الجديدة للتقارب مع دول اتحاد الساحل الجديد مالي والنيجر وبوركينا فاسو. إذ قام الرئيس فاي بزيارة مالي في مايو 2024، محاولًا إعادة الدول الثلاث إلى الإيكواس بعد انسحابها منه ردًا على فرض الإيكواس عقوبات عليها بعد الانقلابات التي شهدتها وأسقطت الأنظمة الحاكمة بها.
وفي أغسطس من العام نفسه، زار رئيس الوزراء سونكو مالي، وانتقد خلال لقائه بنظيره المالي فرض الإيكواس عقوبات على مالي، مؤكدًا أن بلاده حريصة على استقرار الأوضاع بها. أيضًا، أيدت السنغال موقف دول اتحاد الساحل ضد أوكرانيا بعد اتهام الدول الثلاث أوكرانيا بالهجوم على الفيلق الأفريقي الروسي والجنود الماليين في العاصمة باماكو في يوليو 2024[41].
في السياق ذاته، تدل محاولات السنغال للتقارب مع اتحاد دول الساحل الجديد، وخصوصًا مالي، على أهمية استقرار الأوضاع الأمنية في منطقة الساحل والصحراء بالنسبة للسنغال. حيث تشترك مالي مع السنغال في حدود يبلغ طولها حوالي 500 كم، وبالتالي فإن التوترات الأمنية في دول الساحل من شأنها أن تُشكل خطرًا كبيرًا على استقرار السنغال، إضافة إلى ذلك فإنه ثمة علاقات اقتصادية قوية بين السنغال ومالي لا تريد كلا البلدين لها أن تتضرر.
كما تدل تلك المحاولات أيضًا على حرص السنغال على تنويع شراكاتها الإقليمية والدولية وانفتاحها على كافة الأطراف، سواء دول الساحل التي تربطها علاقات قوية بروسيا، أو الصين باعتبارها فاعل مهم في القارة، أو القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. الأمر الذي أكدته زيارة كيرت كامبل نائب وزير الخارجية الأمريكي السابق في يوليو 2024 في إطار حرص الولايات المتحدة على تعزيز نفوذها في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وبالتالي قد تكون السنغال أحد الحلفاء المستقبليين للولايات المتحدة لتحقيق ذلك[42].
في ختام هذا الجزء، لا بد من الإشارة إلى أن رفض الإدارة السنغالية للسيطرة الفرنسية على البلاد سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًّا واجتماعيًّا وعسكريًّا، وسعيها للتخلص من الإرث الاستعماري الفرنسي الذي يستنزف مواردها ويعرقل تحقيق عملية التنمية فيها، لا يجب أن يُفهم على أن السنغال تتبنى موقفًا عدائيًا تجاه فرنسا وإنما تُطالبها بإقامة علاقات تتأسس على احترام فرنسا للخصوصية الأفريقية، وهو الأمر الذي أشار إليه سونكو خلال حملته الانتخابية عام 2019. وقد أعاد فاي التأكيد على ذلك في حملته الانتخابية الأخيرة؛ إذ أقر بالعلاقات والروابط التاريخية العميقة التي تجمع بين السنغال وفرنسا والاتحاد الأوروبي، إلا أنه شدّد على أنه لا يمكن لتلك الروابط والعلاقات أن تكون على حساب السنغال، مؤكدًا حرصه على الانفتاح على كافة الأطراف الإقليمية والدولية وتنويع الشراكات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية[43].
سادسًا- السنغال وبدائل الفرنك الأفريقي
في ضوء المعطيات السابقة، ثمة عدد من البدائل التي يمكن أن تتجه إليها السنغال في سبيل التخلي عن الفرنك الأفريقي. وفيما يلي نرصد تلك البدائل:
- إصلاح الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والعمل على إصدار عملة “الإيكو”:
- الإيكواس: سياق النشأة والأهداف والمبادرات والتحديات
في عام 1975، ونتيجة لجهود الرئيسين النيجيري يعقوبو جوون والتوجولي جناسينجبي إياديما، تأسست معاهدة لاجوس الاقتصادية والتي أُنشئ على أساسها اتحاد الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس). وذلك بعد عدة محاولات لإنشاء اتحاد بين الدول الفرنكوفونية والأنجلوفونية في غرب أفريقيا باءت بالفشل نتيجة شكوك الدول حول مدى إمكانية نجاح تلك التكتلات، بالإضافة إلى الصراع على السلطة ووجود حكام يدينون بالولاء لمستعمريهم السابقين، خصوصًا تلك الدول التي كانت قابعة تحت الاستعمار البريطاني بسبب أسلوب إدارته الذي يعتمد على سياسة فرق تسد وإجهاض أي محاولة لمستعمراته في التكتل. وقد اتسعت السلطات الاقتصادية والسياسية لتلك الجماعة الاقتصادية بمرور الوقت[44].
حتى وقتٍ قريب ضمت الإيكواس خمس عشرة دولة، وهم: بنين وتوجو والرأس الأخضر وسيراليون وجامبيا وغانا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ونيجيريا والسنغال وكوت ديفوار ومالي وبوركينا فاسو والنيجر، قبل خروج الدول الثلاث الأخيرة منها مؤخرًا. يضم الإيكواس اتحادين، وهما: اتحاد غرب أفريقيا الاقتصادي والنقدي (UEMOA)، ويضم الدول الفرنكوفونية التي تتبنى الفرنك الأفريقي في غرب القارة، ومنطقة غرب أفريقيا النقدية (WAMZ) وتضم الدول الأنجلوفونية والدول التي لا تتبنى الفرنك الأفريقي غرب القارة. يتمثل الهدف الأساسي للإيكواس في تحقيق التكامل وتعميق التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي بين دوله. وقد مثلت الرغبة في الازدهار المشترك الدافع لنجاح العديد من المبادرات السياسية، ومنها عمليات حفظ السلام في عددٍ من الدول الأعضاء ككوت ديفوار وليبيريا 2003 وغينيا بيساو 2012 ومالي 2013 وجامبيا 2017[45].
تهدف الإيكواس إلى تعزيز التعاون الاقتصادي وتسهيل التجارة بين الدول الأعضاء من خلال عددٍ من المبادرات، أهمها إنشاء طرق تربط بين دولها كالطريق بين لاجوس بنيجيريا وأبيدجان بكوت ديفوار، بالإضافة إلى محاولة تجاوز الخلاف بين الدول الفرنكوفونية والدول الأنجلوفونية. وهو ما عززه إطلاق جواز سفر موحد لدول الإيكواس عام 2000، وتأسيس بنك “الإيكو” عام 1985 لتعزيز الوحدة الاقتصادية الأفريقية وتمويل المشروعات التنموية، بجانب مشروع العملة الموحدة “الإيكو” والتي باءت محاولات إطلاقها بالفشل.
وتواجه الإيكواس عقبات في تحقيق أهدافها كالاضطرابات السياسية والأمنية، والنفوذ الخارجي وما بعد الاستعماري في غرب أفريقيا واستنزافه لموارد المنطقة وعرقلة محاولات الاندماج بين دولها، إضافةً إلى التنافس بين القوى الدولية على كسب نفوذ فيها، وهشاشة الهياكل والبنى الاقتصادية وانتشار الفساد الإداري والمالي، فضلا عن موجات الجفاف المتكررة وما ينتج عنها من نزوحٍ واسع نحو المدن مما يفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية[46].
- مشروع العملة الموحدة للإيكواس: بين المأمول وأسباب التعثر
طُرحت فكرة العملة الموحدة بعد تأسيس الإيكواس، حيث اعتُبرت عنصرًا أساسيًا لتحقيق التكامل النقدي بين الدول الأعضاء من خلال تبني سياسة نقدية مشتركة وتنازل كل دولة عن سيادتها النقدية لصالح سلطة نقدية مشتركة وموحدة تتولى مهمة إنشاء العملة وإدارتها. كان من المخطط أن يتم إطلاق عملة الإيكو على مرحلتين، أولًا يتم إصدارها في منطقة غرب أفريقيا النقدية ثم في المرحلة التالية يتم تعميمها في كافة دول الإيكواس، وأعلن فيما بعد أنها ستُدمج مع الفرنك الأفريقي عند إصدارها. ولكن فشلت دول غرب أفريقيا في إصدار الإيكو وتأجل إصدارها عدة مرات منذ عام 2003، وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وأثرها على استقرار الدول، وعدم استيفاء معظم الدول الأعضاء لمعايير التقارب النقدي التي وضعها معهد غرب أفريقيا النقدي (WAMI) التابع للإيكواس[47].
تنقسم المعايير التي وضعها معهد غرب أفريقيا النقدي إلى أربعة معايير رئيسية، وستة معايير فرعية. بالنسبة للمعايير الرئيسية، فتتمثل في: تحقيق معدل تضخم أقل من 10% نهاية كل عام لتحقيق استقرار في الأسعار والحفاظ على القوة الشرائية للعملة، ألا تتجاوز نسبة العجز المالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي، ألا يتجاوز تمويل عجز الموازنة من البنك المركزي 10% من الإيرادات الضريبية للعام السابق، أن تكون الاحتياطات الخارجية للدولة كافية لتغطية الواردات لمدة ثلاثة أشهر على الأقل. أما بالنسبة للمعايير الفرعية، فتتمثل في: عدم وجود مدفوعات محلية متعثرة وإنهاء المدفوعات الحالية، أن تكون الإيرادات الضريبية مساوية أو تزيد عن 20% من الناتج المحلي الإجمالي، ألا تزيد فاتورة الأجور عن 35% من الإيرادات الضريبية، ألا تقل نسبة الاستثمار العام عن 20% من الإيرادات الضريبية، الوصول إلى سعر صفر مستقر، وسعر فائدة حقيقي موجب. لم تستوف دول الإيكواس معايير التقارب النقدي باستثناء غانا في 2011، وليبيريا في 2016، وهو ما حال دون تحقيق هدف العملة الموحدة[48].
في سياقٍ متصل، ثمة تفاوتات كبيرة بين اقتصادات دول الإيكواس[49]؛ إذ توجد دول ذات اقتصاداتٍ قوية كنيجيريا التي تُساهم بحوالي ثلثي الناتج المحلي الإجمالي لدول الإيكواس وغانا، ودول ذات اقتصاداتٍ فقيرة بدرجةٍ كبيرة كالنيجر. إضافةً إلى ذلك، ثمة اختلافات أيضًا في أنماط العرض والطلب وفي طبيعة الصدمات النقدية التي تتعرض لها دول الإيكواس، وهو ما يبرز تحديًا كبيرًا أمام تبني سياسة نقدية مشتركة؛ حيث تحتاج كل دولة لاستجاباتٍ سياسية خاصة بها تتناسب مع ظروفها ومتغيراتها الاقتصادية، كما تختلف أنماط استجابة دول الإيكواس لصدمات أسعار الصرف الحقيقية وهو الأمر الذي يجعل وجود سعر صرف موحد أمر صعب[50].
إن تلك التفاوتات بين دول الإيكواس جعلت الدول ذات الاقتصادات القوية تُطالب بضرورة استيفاء جميع الدول للمعايير السابق الإشارة إليها لضمان ألا تؤثر تلك العملة سلبًا عليها. بناءً على ما سبق، أشار باحثون اقتصاديون إلى أنه يجب على صناع القرار في دول الإيكواس أن يُعيدوا النظر في توقيت إطلاق العملة الموحدة؛ إذ ينبغي عليهم تأخير إطلاقها والعمل بشكلٍ مكثف على تعزيز وتحقيق مزيد من التكامل بين الدول الأعضاء، لا سيما في مجال التجارة البينية وتنقل اليد العاملة وغيرها من المجالات، والاستفادة من دروس أزمة الديون الأوروبية 2008 (مخاطر وجود الاتحاد نقدي دون اتحادٍ مالي)، وتطوير أدوات استباقية واستراتيجيات وقائية تساعد دول الإيكواس على تجاوز الصدمات المستقبلية لأن الاتحاد النقدي رغم مزاياه إلا أنه يحمل تحديات كبيرة كما ظهر في أزمة الديون الأوروبية.
تجدر الإشارة إلى أنه في يونيو 2019 أعلن قادة الإيكواس عن أن اسم “إيكو” سيطلق على العملة الموحدة، وقد تحدد عام 2020 موعدًا جديدًا لإطلاقها ولكن المشروع لم يُنفذ في الموعد المحدد، وقد أُعلن تأجيل إطلاق العملة إلى 2027 بسبب تداعيات جائحة كورونا[51].
- فرنسا والرغبة في السيطرة على العملة الجديدة:
في ديسمبر 2019، أعلن الرئيس الإيفواري حسن واتارا -وقد كان رئيس اتحاد غرب أفريقيا الاقتصادي والنقدي (UEMOA) في ذات الوقت- بصحبة الرئيس الفرنسي ماكرون عن إصلاح الفرنك الغرب أفريقي من خلال إلغاء إلزام دول الفرنك الأفريقي في غرب أفريقيا بإيداع 50% من احتياطيها الأجنبي في الخزينة الفرنسية، وإلغاء وجود المراقبين الفرنسيين والفيتو الفرنسي في مجلس إدارة البنك المركزي لدول غرب أفريقيا، إضافةً إلى تغيير اسم الفرنك الأفريقي CFA في المستقبل إلى إيكو ECO. ولكنهم أكدوا على استمرار ربط الفرنك الغرب أفريقي باليورو بسعر صرف ثابت، وهو ما يؤكد على استمرار تبعية دول الفرنك الغرب أفريقي لفرنسا وأوروبا بشكل غير مباشر، حيث سيكون على دول الفرنك الغرب أفريقي وضع احتياطياتها الأجنبية في البنك المركزي لدول غرب أفريقيا (BCEAO)، وبما أن العملة الجديدة ستظل مرتبطة باليورو فسيقوم البنك المركزي بوضع بعض الاحتياطيات في بنك مركزي أوروبي أو بنك التسويات الدولية في سويسرا (BIS) كضمانات للتدخلات الفورية إذا اضطرب سعر الصرف[52].
لقد أعلنت معظم دول الإيكواس، وعلى رأسهم دول منطقة غرب أفريقيا النقدية (الأنجلوفونية) بقيادة نيجيريا، -بعد أن أعلنت غانا موافقتها على الانضمام للعملة- أعلنت أن الحسن واتارا لم يستشر دول الإيكواس وأن التعديلات الفرنسية تخالف الخطة الأساسية للإيكو، كما أنها تتنافى بشكلٍ واضح مع مطالب واحتياجات دول الإيكواس المتمثلة في التحرر النقدي وتبني عملة مستقلة تتمتع بسعر صرف مرن، ومحاولة تحقيق الاندماج فيما بينها. كما أن تلك التعديلات تزيد من الخلافات بين الكتلتين الفرنكوفونية والأنجلوفونية داخل الإيكواس؛ إذ أكدت بعض الدول على أن فرنسا استغلت دعم وولاء بعض الدول الفرنكوفونية لها للسيطرة على مشروع العملة الموحدة[53].
بعد رفض مقترح الإيكو المقدم من فرنسا، يمكن القول بأن مشروع العملة الموحدة صعب للغاية، ولكن هذا لا يعني بالضرورة تراجع دول الإيكواس عن هدف إنشاء الإيكو المستقل الخاص بهم. إذ يمكن لدول منطقة غرب أفريقيا النقدية وعلى رأسهم نيجيريا مناقشة البنود التي لا تتوافق مع الخطة الأصلية للإيكو مع دول اتحاد غرب أفريقيا الاقتصادي والنقدي. أي أنه لا بد لكلا الكتلتين داخل الإيكواس أن تتخلى عن هدف السيطرة على التكتل، ومن ثم توحيد الجهود وتكثيفها لتعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي فيما بينها وبحث سبل تحقيق العملة الموحدة[54].
- السنغال ورؤيتها لإصلاح الإيكواس ومحاولة توحيد الصفوف:
في يوليو 2023 قام جنود من الحرس الرئاسي في النيجر بتنفيذ انقلاب عسكري على الرئيس محمد بازوم، وتعيين قائد الانقلاب الجنرال عبد الرحمن تياني بدلًا منه. ردًا على ذلك، قام الإيكواس استنادًا إلى المادة 58 من اتفاقية الإيكواس المعدلة والمكملة ببروتوكول دكار للديمقراطية والحوكمة الرشيدة -والتي بموجبها تملك الإيكواس صلاحية توقيع عقوبات على الدول الأعضاء في حال انتهاك النظام الدستوري الشرعي- قام الإيكواس بالإعلان عن عقوبات على النيجر، وأوفدت بعثة دبلوماسية بقيادة الرئيس النيجيري الأسبق عبد السلام أبو بكر في محاولة للتوصل لحلٍ ودي إلا أن المساعي الدبلوماسية لم تنجح، وهو ما جعل الإيكواس تعلن عن إمكانية اللجوء للتدخل العسكري[55].
بعد ذلك، أعلنت دول أفريقية شهدت انقلابات عسكرية قبل النيجر (وهم: مالي، وبوركينا فاسو، وغينيا) عن أن أي عمل عسكري ضد النيجر سيكون بمثابة عدوان عليها أيضًا. وفي خضم تلك التطورات، عقدت الإيكواس اجتماعًا لبحث السيناريوهات الممكنة للتعاطي مع الأزمة، وقاموا بتحديد عناصر التدخل العسكري المحتمل، كما أعلنت تعليق مشاركة كلٍ من بوركينا فاسو ومالي والنيجر في مؤسساتها. في إطار ما سبق، أعلنت الدول الثلاث الانسحاب من الإيكواس وتأسيس “كونفدرالية دول الساحل”، مؤكدين أن الإيكواس انحرفت عن المبادئ التي أُسست عليها وأنها غير مستقلة تسيطر عليها قوى أجنبية[56]. لم تكتف الدول الثلاث بذلك بل قطعت العلاقات مع فرنسا والغرب، واتجهت نحو التعاون الأمني والعسكري مع روسيا، وأشارت لاحتمالية الخروج من الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا (UEMOA) وعملته الفرنك الغرب أفريقي، والعمل على إنشاء عملة مشتركة بين الدول الثلاث[57]. وبالتالي، فإنه من المتوقع أن خروج الدول الثلاث سيؤخر مشروع العملة الموحدة للإيكواس[58].
في هذا الإطار، أكد الرئيس السنغالي فاي أثناء مشاركته في منتدى الدوحة في ديسمبر 2024 أنه يقوم بدور الوساطة لإعادة دول كونفدرالية الساحل إلى الإيكواس. وفي القمة السادسة والستين للإيكواس، أوضحت القمة أنها وافقت على طلب الدول الثلاث للخروج من الإيكواس، لكنها حددت مهلة ستة أشهر للتفاوض قبل أن يتم التوقيع النهائي على طلب الخروج. وبناءً على ذلك، طلبت القمة من الرئيس فاي مواصلة دور الوساطة منعًا لتفكك التكتل أو إضعافه، خاصةً وأن الدول الثلاث تساهم بنحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي لدول الإيكواس. ويُعد فاي وسيطًا موثوقًا لدى دول كونفدرالية الساحل، وذلك بالنظر إلى المصالح المشتركة بين السنغال ومالي (وهي الفاعل الأهم بين دول كونفدرالية الساحل)[59].
يتفق الرئيس فاي مع دول كونفدرالية الساحل في عددٍ من الأفكار فيما يخص الإيكواس، إذ يؤمن بأنه ثمة مشاكل بنيوية تواجه التكتل. وقد أكد فاي خلال حملته الانتخابية على ضرورة التخلص من هيمنة وتحكم أي طرف خارجي في اقتصاد التكتل، مشيرًا إلى ضرورة العمل على التخلي عن الفرنك الأفريقي وتوجيه الجهود نحو إطلاق عملة مشتركة بين الدول الأعضاء وهو ما يتفق مع رغبة الدول الثلاث في التحرر الاقتصادي[60].
إن مهمة الرئيس فاي ليست بالسهلة، وتشير تحليلات إلى أن قرار انسحاب الدول الثلاث من الإيكواس نهائي باعتبار أن التراجع عن القرار سيأتي على حساب التأييد الشعبي للقادة العسكريين، وأن أقصى ما يمكن للرئيس فاي أن يحققه في هذا الموضوع هو خلق التعاون بين المجالس العسكرية للدول الثلاث والإيكواس خارج إطار الإيكواس. وهو الشيء الذي قد تريده تلك الدول حتى يترسخ تحالفهم، إذ أشار وزراء خارجية دول تحالف الساحل إلى أن دولهم ستبقى مفتوحة أمام مواطني الإيكواس دون الحاجة لتأشيرات دخول، وأن التبادلات التجارية ستظل حرة[61].
- تبني عملة سنغالية مستقلة:
أكد فاي أنه لا يُفضل الانفصال الأحادي عن الفرنك الأفريقي، وإنما يُفضل الحلول الإقليمية المشتركة، وبالتالي فإن تبني عملة سنغالية مستقلة سيكون بديلًا بالنسبة لإدارة فاي للتخلي عن الفرنك الأفريقي في حال لم تنجح محاولات إصلاح الإيكواس وفشل أو تأخر التكتل في إصدار عملة موحدة مستقلة[62].
في السياق ذاته، أكد فاي على أن إنشاء عملة سنغالية مستقلة ليست بالعملية السهلة بل تتضمن تحديات مركزية، حيث تتطلب العملية التريث واستيفاء عدد من المتطلبات الأساسية، منها اعتماد سياسة اقتصادية كلية سليمة ومتماسكة، وتحقيق استقرار المؤشرات الاقتصادية وضبط معدلات التضخم، وتوفير احتياطيات كافية من العملات الأجنبية، والفصل المؤسسي بين البنوك التجارية وبنوك الودائع، وتوفير البنية التقنية اللازمة لإدارة العملة السنغالية المستقلة بكفاءة، والحفاظ على استقرار العلاقات التجارية مع الدول المجاورة التي ظلت متّبِعة للنظام النقدي القائم[63]. إضافة إلى ما سبق، أشار فاي إلى أن اقتصادات دول الفرنك الأفريقي قد لا تكون مهيأة بعد للتحول النقدي نحو العملة الوطنية المستقلة وتحمل تبعاته؛ إذ ينبغي توافر الشروط السابق الإشارة إليها[64].
- الضغط من أجل إصلاح الفرنك الأفريقي:
ثمة عدد من المقترحات من قبل بعض الباحثين لإصلاح الفرنك الأفريقي. من بين تلك المقترحات ما يلي: ربط الفرنك الأفريقي بعددٍ من العملات الأخرى كالدولار الأمريكي واليوان الصيني إلى جانب اليورو بدلًا من الاقتصار عليه، وذلك بهدف تعزيز الاستقرار النقدي لدول الفرنك الأفريقي في حال حدوث تقلبات في أسعار الصرف لأي من العملات التي يرتبط بها الفرنك الأفريقي. وفي هذا الإطار، يرى باحثون أن ربط العملة بمؤشر مرجح للواردات قد يكون مفيدًا لدول الفرنك النامية وخاصة دول الاتحاد النقدي والاقتصادي لغرب أفريقيا نظرًا لما تقوم به من تنويع للواردات من الشركاء التجاريين، ومؤشر مرجح الواردات هو أداة لتحديد مدى أهمية كل عملة أجنبية لبلدٍ ما بناءً على نسبة وارداتها من الدول صاحبة تلك العملات. في حين أشير إلى أن الاعتماد على مؤشر مرجح للصادرات، أو مؤشر التجارة الثنائية، أو مؤشر يعتمد على حقوق السحب الخاصة سيكون أنسب لدول الاتحاد النقدي والاقتصادي لوسط أفريقيا، والتي تعتمد بصورةٍ أكبر على تصدير السلع الأولية. ولكن يتمثل تحدي ذلك الاقتراح في أن اقتصادات الدول المصدرة للمواد الخام ستتأثر سلبًا بانخفاض قيمة سلة العملات.
الاقتراح الثاني يتمثل في العمل على إعادة هيكلة وتنظيم متطلبات الاحتياطي النقدي لدول الفرنك الأفريقي، ويهدف هذا المقترح إلى زيادة نسبة الاحتياطيات النقدية المحلية سواء في البنوك المركزية الوطنية أو الإقليمية وليس في فرنسا، وذلك بهدف منح دول الفرنك قدرة أكبر على إدارة الاحتياطي النقدي وتوفير غطاء نقدي قوي لدعم العملة والحفاظ على قيمتها، وبالتالي التمتع بدرجة أوسع من الاستقلال النقدي وقدرة أكبر على إدارة سعر الصرف. يجب الأخذ في الاعتبار أن إعادة هيكلة الاحتياطي النقدي لا تعني بالضرورة ضمان استدامة مستويات احتياطي نقدي مرتفع على المدى القصير، والسبب في ذلك هو اعتماد دول الفرنك في تكوين احتياطياتها النقدية بشكلٍ كبير على إيرادات تصدير الموارد الطبيعية والمواد الخام التي تتسم بتقلبها الكبير والسريع نظرًا للتغيرات العالمية، وهو الأمر الذي يُصعب من مهمة الحفاظ على مستويات احتياطي نقدي مرتفع على المدى القصير.
الاقتراح الثالث يتمثل في فصل الاتحادين النقديين داخل منطقة الفرنك الأفريقي عن بعضهما البعض وتحويلهما إلى منطقتين نقديتين مثاليتين لتقليص الاختلافات؛ حيث يجمع بين دول كل كتلة عوامل مشتركة الأمر الذي يُسهل من عملية التنسيق بين دول كل منطقة نقدية. تملك فكرة “منطقة العملة المثالية” عددًا من المزايا منها زيادة مرونة تنقل عوامل الإنتاج، والتكامل الاقتصادي وتنويع القطاعات، ومرونة الأسعار والأجور. تتمثل تحديات هذا الاقتراح في التكاليف اللازمة لتأسيس مؤسسات تنظيمية، ولوائح موحدة تساعد على تنسيق السياسات المالية بين الأعضاء والالتزام المشترك بالأنظمة المالية.
أما الاقتراح الرابع والأخير، يتمثل في تخطي منطقة الفرنك الأفريقي، وإنشاء اتحاد نقدي قاري يضم دول القارة بأكملها لتحقيق الاستقرار النقدي والمالي بشكلٍ فعلي. يتطلب هذا المقترح مؤسسات قوية، ووضع قواعد مالية تضمن الانضباط في مستويات الدين والعجز العام، وضخ استثمارات ضخمة في القطاعات المختلفة وأبرزها البنية التحتية اللازمة لضمان حرية حركة الأموال والبضائع والعمال وضمان قابلية تحويل العملات لتحقيق استقرار في أسعار الصرف. ولكن يُحذر محللون من أن يؤدي ذلك إلى تكرار تجربة الفرنك الأفريقي في حال لم يتم التخطيط وتنفيذ المقترح بدقة وعناية[65]. يمكن القول إن المقترح الرابع لا يتعلق بإصلاح الفرنك الأفريقي، وإنما التخلي عنه.
- الانضمام لكونفدرالية دول الساحل والعمل على إصدار عملة مشتركة معهم:
لم تكتفِ دول كونفدرالية الساحل بالانسحاب من الإيكواس وإنهاء الوجود العسكري الفرنسي وإغلاق السفارات الفرنسية بها وإلغاء الاتفاقية الضريبية بينهم وبين فرنسا[66]، بل تعتزم التخلي عن الفرنك الأفريقي وإنشاء عملة مستقلة مشتركة فيما بينهم. يأتي ذلك في ضوء عزم الأنظمة العسكرية في الدول الثلاث على التحرر الاقتصادي والمالي والتخلص من الإرث الاستعماري الفرنسي، والحصول على السيادة الكاملة[67].
ربطت تقارير حرص إدارة فاي على فك الارتباط بفرنسا ومحاولات تقارب السنغال مع دول كونفدرالية الساحل وعلى رأسهم مالي، باحتمالية انضمام السنغال للكونفدرالية التي أنشأت التكتل الاقتصادي لتحالف دول الساحل في يوليو 2024 والبنك الكونفدرالي للاستثمار والتنمية في مايو 2025، وتعتزم إنشاء عملة مستقلة مشتركة بين دول التحالف. ولكن في ضوء ما سبق ذكره عن توجهات إدارة الرئيس فاي، يمكن القول بأن هذا الخيار غير واقعي؛ إذ تتبنى إدارة فاي مقاربة متوازنة في سياستها الخارجية تقوم على الانفتاح على كافة الأطراف الإقليمية والدولية والحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب. ومن ثم، يهدد انضمام السنغال لكونفدرالية دول الساحل بانهيار علاقات السنغال الجيدة بالقوى الغربية[68]. إضافة إلى ما سبق، لم ترد أية تصريحات رسمية عن إدارة فاي تفيد باحتمالية انضمام السنغال لكونفدرالية دول الساحل حتى الآن.
يمكن القول إنه لا يوجد تعارض بين البدائل الثلاث الأولى؛ إذ يمكن للسنغال ودول الفرنك الأفريقي العمل عليهم في وقتٍ واحد. وفي هذا الإطار، يجب على إدارة الرئيس فاي استكمال دور الوساطة في سبيل العمل على توحيد الصفوف داخل الإيكواس وإصلاحه، وبحث سبل التكامل الاقتصادي مع دول الإيكواس وإنشاء العملة الموحدة التي فشلت الإيكواس في إصدارها عدة مرات. في الوقت ذاته، يجب على إدارة فاي تقوية الاقتصاد السنغالي ومعالجة مواطن الخلل والضعف لاستيفاء شروط التقارب النقدي في الإيكواس، والعمل أيضًا على إنشاء عملة سنغالية مستقلة باعتبار أن محاولات توحيد الصفوف وإصلاح الإيكواس وإطلاق العملة الموحدة قد تبوء بالفشل مجددًا. وباعتبار أن إصلاح الإيكواس وإطلاق عملة الإيكو وإطلاق عملة سنغالية مستقلة بديلان سيستغرقان وقتًا طويلًا، فإنه يجب على دول الفرنك التعاون والعمل على الضغط على فرنسا لتعديل نظام الفرنك الأفريقي كبديل مؤقت قد يًحدث تغييرًا إيجابيًا على المدى القصير.
خاتمة:
ما سبق يؤكد أن النظام النقدي في منطقة الفرنك الأفريقي يُعد أحد أهم صور العلاقة المعقدة بين الإرث الاستعماري ومحاولات الانعتاق الاقتصادي في أفريقيا. فضلا عن ذلك، تُعد السيادة النقدية عنصرًا مركزيًا لتحقيق خطط التنمية الاقتصادية افتقدته دول الفرنك الأفريقي، وقد نتج عن ذلك تأخر اقتصاداتها وتبعيتها لفرنسا. فلطالما خدم النظام النقدي الذي أنشأته فرنسا مصالحها ومصالح المستثمرين الأجانب والشركات متعددة الجنسيات والنخب المحلية المرتبطة بها على حساب تلبية احتياجات المجتمع السنغالي، حيث حاجته الملحة لتحقيق الأمن الغذائي، والقضاء على الفقر والبطالة، وتنمية قطاعات الصحة والتعليم والزراعة والصناعة وغيرها من القطاعات التي تخدم الصالح العام. كل ما سبق يؤكد وجود حاجة ملحة للانعتاق من الفرنك الأفريقي والعبودية النقدية.
وعلى الرغم من اتفاق معظم دول الفرنك الأفريقي على ضرورة التخلص من تلك القيود المفروضة عليها، إلا أنه لا يوجد اتفاق حول البديل[69]. ويمكن القول إنه ثمة حاجة ملحة لمقاربات تعمل على إعادة بناء النظام النقدي في أفريقيا على أسسٍ تعاونية تحترم خصوصية القارة الأفريقية ودولها، وتُبنى على إرادة سياسية موحدة، وإصلاحات مؤسسية جذرية. وبغض النظر عن ماهية تلك المقاربات، فإن المعيار الأساسي للحكم على نجاحها يتجسد في مدى قدرتها على الانعتاق من أسر التبعية الفرنسية التي ترسخت منذ فترة زمنية طويلة، والتي حرمت القارة الأفريقية من الاستفادة من خيراتها، وتحقيق التنمية الشاملة، وتلبية الاحتياجات المحلية، وتعميق التكامل الإقليمي.
————————————
الهوامش:
[1] محمد الطاهر عديلة، إسهامات ما بعد الكولونيالية في نقد العلاقات الدولية “الغربية”، مجلة السياسة العالمية، المجلد 5، العدد 2، 2021، ص ص20-23.
[2] حماس سعيد عبدلي، الديكولونيالية وتفعيل التحولات الفكرية ما بعد الاستعمار، الجزيرة – مدونات، 4/4/2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/rOIGp
[3] حمادي معمري، انتهى الاستعمار الفرنسي وبقي “الفرنك الأفريقي” فما قصته؟، INDEPENDENT عربية، 8/8/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/rCF44is1
[4] علي سيد، الفرنك الأفريقي أداة فرنسا الأخيرة للسيطرة والنهب، الميادين، 17/6/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/HHWSv
[5] المرجع السابق.
[6] محمد سناجلة، الاستعمار الجديد.. الحكاية العجيبة للفرنك الأفريقي، الجزيرة نت، 25/3/2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/WBUen
[7] الفرنك الأفريقي.. عملة استعمارية تتحكم بها فرنسا في اقتصاد القارة السمراء، الجزيرة نت – الموسوعة، 16/2/2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/19iAj.
[8] علي سيد، مرجع سابق.
[9] الفرنك الأفريقي.. عملة استعمارية تتحكم بها فرنسا في اقتصاد القارة السمراء، مرجع سابق.
[10] المرجع السابق
[11] المرجع السابق.
[12] التعاون النقدي بين أفريقيا وفرنسا: فرنك الجماعة المالية الأفريقية، وزارة أوروبا والشئون الخارجية، الدبلوماسية الفرنسية، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/87C9I
[13] ألكسندر أجييف، محمد عاشور، غادة فؤاد، جوناثان أريمو، أحمد يعقوب، سياكا كوليبالي، الفرنك الأفريقي تحت المجهر.. إرث استعماري ثقيل أم أداة للاستقرار؟، بوابة الأهرام، 21/9/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://gate.ahram.org.eg/News/4992301.aspx.
[14] Isabelle King, True Sovereignty? The CFA Franc and French Influence in West and Central Africa, Harvard International Review (HIR), 18 March 2022, Available at: https://bit.ly/3GS6PCe
[15] الفرنك الأفريقي.. عملة استعمارية تتحكم بها فرنسا في اقتصاد القارة السمراء، مرجع سابق
[16] محمد بشير ديوب، الفرنك الأفريقي.. نموذج التبعية للاستعمار الجديد، ResearchGate، أبريل 2017، ص ص 5-7، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/EwrhG
[17] الفرنك الأفريقي.. عملة استعمارية تتحكم بها فرنسا في اقتصاد القارة السمراء، مرجع سابق.
[18] التعاون النقدي بين أفريقيا وفرنسا: فرنك الجماعة المالية الأفريقية، مرجع سابق.
[19] محمد نبيل، بقايا استعمارية: قصة الفرنك الأفريقي، المنصَّة، 3/9/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://manassa.news/stories/12668
[20] علي سيد، مرجع سابق.
[21] Kai Koddenbrock and Ndongo Samba Sylla, Towards a Political Economy of Monetary Dependency: The Case of the CFA Franc in West Africa, Max Plank Sciences PO Center (maxpo), No. 19/2, August 2019, pp 3-7.
[22] Ibid, pp 8-12
[23] Thandika Mkandawire, Running While Others Walk: Knowledge and the Challenge of Africa’s Development, THE LONDON SCHOOL OF ECONOMICS AND POLITICAL SCIENCE (LSE), January 2011, pp 10-15.
[24] Sustainable Development Report, Niger Profile, Available at: https://dashboards.sdgindex.org/profiles/niger
[25] Sustainable Development Report, Burkina Faso Profile, Available at: https://dashboards.sdgindex.org/profiles/burkina-faso
[26] مجموعة البنك الدولي، بوركينا فاصو – البيانات، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/6I0MU.
[27] Sustainable Development Report, Guinea-Bissau Profile, Available at: https://dashboards.sdgindex.org/profiles/guinea-bissau.
[28] Sustainable Development Report, Mali Profile, Available at: https://dashboards.sdgindex.org/profiles/mali.
[29] Sustainable Development Report, Senegal Profile, Available at: https://dashboards.sdgindex.org/profiles/senegal
[30] مجموعة البنك الدولي، السنغال – البيانات، متاح عبر الرابط التالي: https://data.albankaldawli.org/country/senegal
[31] Sustainable Development Report, Senegal Profile, Op. cit.
[32] ليث مشتاق، الحملات الانتخابية في السنغال تركز على إنعاش اقتصاد البلاد، الجزيرة/ 21/3/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://share.google/HzYkGuXtzdzTzCzUT
[33] Kai Koddenbrock and Ndongo Samba Sylla, Op. cit, pp 15-21.
[34] Enoch Randy Aikins, Senegal: Current Path, Institute for Security Studies (ISS) – AFRICAN FUTURES, last updated 15 October 2024, p8, Available at: https://2u.pw/8xoME
[35] Kai Koddenbrock and Ndongo Samba Sylla, Op. cit, pp 21-24.
[36] Ibid.
[37] باسيرو فاي.. “مرشح احتياطي” فاز برئاسة السنغال، الجزيرة – الموسوعة، 27/3/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/2VWbZ.
[38] حمدي عبد الرحمن، زلزال انتخاب فاي.. اتجاهات التغيير القادم في السنغال، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة – آراء المستقبل، 2/4/2024، ص 2، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/h9MMfrBs
[39] حسام حمزة، باسيرو ديوماي فاي رئيسًا للسنغال: لماذا تستحضر القطيعة مع فرنسا؟، 4/4/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/ANRrN.
[40] هل تتبعثر أوراق فرنسا في السنغال الجديدة؟،sky news عربية، 15/4/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/gEbR9qvN.
[41] مقاربة متوازنة: لماذا تسعى السنغال للتقارب مع دول الساحل والصحراء؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة – تقديرات الموقف، 26/8/2024، ص ص 1-2، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/1qAvN.
[42] المرجع السابق، ص ص 2-3.
[43] حبيب الله مايابي، مرجع سابق.
[44] حكيم نجم الدين، عملة “إيكو” مشروع غرب أفريقي طموح: هل ستختطفها فرنسا لصالحها؟، مركز الجزيرة للدراسات، 25/2/2020، ص 2-3، متاح عبر الرابط التالي: https://studies.aljazeera.net/ar/article/4579
[45] المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، الجزيرة – الموسوعة، 29/1/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/koCCiqu
[46] المرجع السابق.
[47] حكيم نجم الدين، مرجع سابق، ص 3.
[48] المرجع السابق، ص 4.
[49] مارتن بارناي، منطقة الفرنك، ترجمة علاء بريك هنيدي، موقع صفر، 23/1/2025، متاح عبر الرابط التالي: https://alsifr.org/franc-zone
[50] على غرار اليورو.. أين وصل الحلم الأفريقي بإنشاء عملة “إيكو” الموحدة؟، الجزيرة، 1/6/2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/i414I
[51] حكيم نجم الدين، مرجع سابق، ص 5.
[52] دول غرب أفريقيا تعلن اعتماد بدل الفرنك الأفريقي وماكرون يعتبر الاستعمار “خطأ جسيما”، FRANCE 24، 22/12/2019، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/3ojaR
[53] حكيم نجم الدين، مرجع سابق، ص ص6-7.
[54] المرجع السابق، ص 8.
[55] المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، مرجع سابق.
[56] ثلاث دول أفريقية تعلن توحدها ضمن “كونفدرالية دول الساحل”، Sky news عربية، 6/7/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/8SxBe
[57] أحمد عسكر، هل يستمر تحالف “كونفدرالية دول الساحل”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 15/7/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://acpss.ahram.org.eg/News/21218.aspx
[58] النيجر ومالي وبوركينا فاسو تعلن إنشاء “كونفدرالية دول الساحل” والقطيعة التامة مع “إكواس”، FRANCE 24، 6/7/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/c7Ohk
[59] حمدي عبد الرحمن حسن، معضلة الإيكواس.. هل تراجعت التكتلات الإقليمية في أفريقيا؟، قراءات أفريقية – تقدير موقف، 11/2/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/6bryg3Q
[60] حبيب الله مايابي، هل تنجح وساطة رئيس السنغال بإعادة دول الساحل إلى إيكواس؟، الجزيرة، 17/12/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/0wocr.
[61] محمد حرمه، بوركينا فاسو.. البرلمان يصوت لصالح ميثاق تحالف دول الساحل، صحراء ميديا، 29/5/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://saharamedias.net/225063/
[62] المنبهي، السنغال تعلن عن إمكانية خلق عملة وطنية، المرصد الأطلسي للدفاع والتسليح، 6/4/2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/FQSfg
[63] حمدي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص3.
[64] المنبهي، مرجع سابق.
[65] Landry Signe, How the France-backed African CFA franc works as an enabler and barrier to development, BROOKINGS, 7 December 2019, Available at: https://www.brookings.edu/articles/how-the-france-backed-african-cfa-franc-works-as-an-enabler-and-barrier-to-development/
[66] وفاء عماري، النيجر ومالي وبوركينا فاسو.. خطوات نحو فك “الإرث الاستعماري”، 14/12/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/vZhm5
[67] نيامي، ضربة جديدة لفرنسا بالقارة السمراء.. عملة تهدد الفرنك الأفريقي، sky newعربية، 16/2/2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/rxsuv
[68] مقاربة متوازنة: لماذا تسعى السنغال للتقارب مع دول الساحل والصحراء؟، مرجع سابق، ص ص 3-4.
[69] مارتن بارناي، مرجع سابق.
نشر هذا التقرير في فصلية قضايا ونظرات – العدد 38 – يوليو 2025