يوميات طوفان الأقصى من السبت 7 أكتوبر إلى الأحد 15 أكتوبر 2023:

متابعة وتحليل سياسي حضاري

من أفدح الأخطاء التي نقع فيها ونحن نتابع مجريات الأمور خاصة التي تتعلق بقضايا الظلم والعدوان، ثم ونحن نعرضها على الآخرين، أن نختار البداية التي يختارها الظالمون والمعتدون. يفضل الأوروبيون بدء سرديتهم مع العالم من لحظة تقدمهم وتعليمهم للعالم لا من لحظة استعمارهم له واستنزافهم دماءه وثرواته، ويصر الأمريكان على بدء روايتهم عن علاقتهم بالعالم الإسلامي من الحادي عشر من سبتمبر 2001، وكذا العدو الصهيوني يختار إحدى بدايتين: قديمة حيث طردوا وطوردوا وشردوا وأخرجوا مما يدعون أنه أرض أجدادهم ومعادهم، وجديدة منذ أن قامت منظمة التحرير الفلسطينية بعملية مقاومة هنا أو هناك، أو قامت حركة المقاومة بعملية هنا أو هناك.

لذا ننبه إلى أن عملية “طوفان الأقصى” إنما جاءت عن سياق شديد الظلم والعدوان من العدو المحتل على الشعب الفلسطيني وأرضه وحياته وكرامته، وعلى قدس العرب وأقصى المسلمين. وهكذا أسندت وبررت المقاومة عمليتها، ولكن العدو يصر على قطع الأمر عن سياقه؛ لتظهر الحركة الوطنية “إرهابيين”، والاحتلال “مدنيين”، وأعمال المقاومة “تخريبا” والعدوان الوحشي على الشعب الأعزل “دفاعا عن النفس”. ولكن هيهات: إن الاحتلال والإذلال واغتصاب الأرض والبيوت والمزارع وتدنيس المقدسات جدير بالدفاع عنه وهذا هو الحق، وهو الواجب، وهو المقاومة الحضارية الأخلاقية المقدسة، وأعظم أشكالها المقاومة الفلسطينية ضد احتلال استيطاني فاشي متجبر مستحكم رافض لأي حلول سلمية ولإقامة دولة للشعب الفلسطيني صاحب الأرض.

في هذا الإطار نتابع يوميات طوفان الأقصى، ونقدم له تحليلا سياسيا يسيرا من منظورنا الحضاري الإنساني الواقعي القيمي.

(1)

بدأت المقاومة الفلسطينية صباح السبت 7 أكتوبر 2023 (20 ربيع الأول 1445هـ) هجمة واسعة وقوية على العد.و المحتل. أعلن قائد كتـ.ائب القسـ..ام المبررات الدفاعية للهجمة من ثوابت حق تحرير الأرض إلى التعامل مع التصعيد الصهـ..يوني في القد..س والأقـ..صى وملف الأسرى وسحل المرابطات والطغيان المتصاعد من قوات العد.و والمغتصـ بين (المستو.. طنين). وحدد أهدافها ما بين تحرير الأرض وتحرير الأسـ.رى وصيانة المقدسات.

  1. الجديد في الضرية أنها لأول مرة تتخطى بريا حدود غــ..زة، وتستولى على المغتصبات وتقتل وتأسر وتغنم، ولا تكتفي بالرشقات الصاروخية. دعا قائد كتـ.ائب القسـ..ام جميع أنصار القضية أن يشاركوا في الحرب؛ في الداخل الفلسطــ..يني ومحيطه وعبر الأمة والعالم؛ وأعلن وغيره نهاية مفتوحة للحرب.
  2. في المقابل بدت إسرا..ئــ..يل مبهوتة، وصدمت بالهجمة، لكنها سرعان ما أعلنت الحرب المفتوحة أيضا.
  3. أعلن الغرب بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تضامنه التام مع إسرا..ئــ..يل، وأعلنت ذلك كل من بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا وإيطاليا، وإسبانيا (وأوكرانيا!)، وبولندا. العرب وتركيا وروسيا يدعون إلى وقف التصعيد، إيران بتصريح علي خامنئي أعلنت تضامنها مع المقا..ومة وتشجيعها لها.
  4. المعركة عسكريا تدور حول ضربة مباغتة قوية، تعقبها بالضرورة هجمة مضادة، ثم إدارة المعركة سيتبين فيها ميزان القوة بعناصره العديدة المادية والإدراية والاستخبارية والنفسية والإعلامية.
  5. المعركة السياسية ستدور حول أطراف عديدة تقف بين الطرفين.
  • هذه عناصر التحليل الأساسية: الحدث، المجال المركزي، المجال الرديف، الأطراف الضالعة ومواقفها، موازين القوة، عناصر القوة، ويتبقى متابعة التفاعلات، وتقييمها أولا بأول.
  • الاحتمالات في نهاية الحدث: انتصار ميزان القوة المادي والسياسي، لكن حالة جديدة سوف تتحقق: وضع القضية بملفاتها الأساسية على مائدة التعاطي السياسي بشكل جديد، طلب حماية متبادلة، وتجدد الصراع لمدة سنيتن على الأقل على غرار ما جرى مع الانتفاضتين السابقتين 1987 و2000.
  • سننزف دماء كثيرة: سيرتقي منا شهداء، هذا اتخاذ من الله (ويتخذ منكم شهداء)، ويصاب كثيرون، فالواجب ألا نهن، ولا نضعف، ولا نستكين، بل نستمسك بالله ونستقوي به وبه نستعين، ونستغفر ربنا من ذنوبنا، ونكمل طريق الأشواك، فإن النصر هناك، النصر في الطريق لا خارجه. والهزيمة النفسية هي رأس الهزيمة الشاملة.

***

  • يظل التحليل العسكر.ي هو المجال المركزي للموقف. وأنا لست متخصصا فيه، ولكن ينبغي ترتيب التحليلات السياسية على التحليل العسكري، التكتيكي والاستراتيجي. خاصة أن خطاب المقاو.مة اليوم -مقارنة بما تقدم من معارك- فيه مزيد من التوجه الحربي وتقليل من التوجه السياسي (هذا تطور مهم ينبغي رصده ووضعه في الحسبان).
  • أعتقد أن ثمة عناصر مهمة ينبغي أن توضع في الحسبان في فهم ما يجري:
  • المفاجأة التكتيكية في شن هجمة #طوفان_الأقصى واحتمالات وجود جبهة واسعة في الضفة والشمال، ووجود عدد كير نسبيا من أسرى العدو تجبر العدو على التريث في الرد على غير عادته، لكن ليس طويلا.
  • ثمة أسئلة ملحة تتعلق باللحظة الراهنة: كيف ستسعى إسرائيل لاسترداد ما يسمى بغلاف غزة، (وكيف ستتعامل فيما بعد مع حالة الهروب الكبير للمغتصبين)؟ كيف ستتعامل مع واقع أسر أعداد (كبيرة نسبيا) من مواطنيها وجنودها لدى المقاومة؟ كيف ستتعامل مع المقا.ومة والانتفا.ضة التي ستتصاعد غالبا في مدن الضـ.فة الغربية؟
  • وكذلك كيف ستسحب المقا.ومة قواتها من نقاط الاشتباك التي يتعذر تعزيزها؟ وماذا بعد هذه الخطوة؟ هل سنعود لحالة التترس في غزة وإطلاق الصواريخ على غرار العمليات السابقة عبر حروب أربع؟
  • في الغالب، سيعمل الاحتلال على تحديد الجبهة، في الغلاف وفي غزة نفسها. لكن ذلك ليس مضمونا. وغالبا سيكون حد غزة الشرقي مجالا لقصف كثيف للفصل بين غزة وغلافها والاستفراد ببمن يتبقى من المقاومين المتقدمين، واستعادة المغتصبات/المستوطنات.
  • من جهة المقاومة لا شك أن فرض الحرب الواسعة على إسرائيل يعد تحديا كبيرا. سيحسب الاحتلال حساب الضفة، وهو لا شك يعمل اتصالاته مع كثيرين للتأكيد على عدم تدخل حزب حسن نصرالله اللبناني. سيعمل العدو على محاضرة هاتين الجبهتين. ستحشد في غلاف الضفة ومدنها وفي الحدود الشمالية كما تحشد في غلاف غزة.
  • الهجوم المضاد الإسرائيلي لم يبدأ بعد، لكن غالبا سيكون قاسيا علينا أكثر من ذي قبل بناء على نظرية رد الفعل المعروفة. سيحاولون تكثير القتلى من المدنيين والمقاتلين انتقاما لقتلاهم وللتغطية على كثرتهم بهذا العدد لأول مرة منذ الحروب الكبرى (وقد بدأوا بالفعل).
  • كعادتهم، سيحاولون التمهيد بالقصف الجوي والأرضي والبحري قبل التحرك البري. ولأهداف دفاعية وانتقامية إيجاعية. وبعد إيجاع المقا.ومة والشعب الفلسطيني خاصة في غزة، ومحاولة كسر الروح المعنوية وبث الفرقة حول جدوى العملية التي قامت بها المقاومة..
  • قد يعقب ذلك معركة رئيسية (معركة برية من غلاف غزة، تحت غطاء قصف جوي ومدفعي، وقد تتم عملية مماثلة في الضفة)، توقيت هذه المعركة يفرق كثيرا.
  • من الناحية السياسية سيكون موقف محمود عباس وجماعته فارقا، وكذلك كتائب الأقصى (ستكون مشاركتها في المعركة فارقة جدا لكنها صعبة جدا)، وفيما يبدو من خطاب الفصائل أن ثمة ثقة ما في حضور الضفة معهم. إدارة هذا الامر غاية في الأهمية مأكثر من مجرد وجوده.
  • على كل حال هي حرب كبيرة وليست عملية صغيرة، فيجب الحشد لها من كل الجهات، وإعداد كل لذاته لمعركة طويلة وقاسية كثيرة المآسي، وبإذن الله تعالى كثيرة الانتصارات.

ونعود بعد ذلك إلى التحليل السياسي الحضاري (مواقف واداء قوى الشعب الفلسطيني أولا، الحرب النفسية والإعلامية من قبل العدو، الحرب القانونية الدولية وضرورة خوضها مدنيا، صراع قوى التهدئة وقوى الإشعال، السجال الاجتماعي الثقافي في العالم العربي والإسلامي حول العدو والصديق،  الآثار السياسية الجانبية الكبرى لهذه الحرب…).

(2)

صباح الأحد 8 أكتوبر:  النصرة … النصرة

  • يسعى العدو إلى لملمة نفسه، الهجوم المضاد سيعبر عن أهدافه وإلى أي مدى يريد أن يصل.
  • يحاول تحييد الشمال، فكيف سيكون حزب حسن نصرالله؟ أخشى أنه لن يدخل المعركة إلا رمزيا. لكن عندي شعورا ما أن ثمة تنسيقا مع المقا.ومة الفلسـ.طـ.ينية. هذا يفرق كثيرا.
  • الضفة هادئة هدوءا مريبا. لكن لها سنة من النضال والتسخين لمعركة مختلفة… كيف ستتحرك الضفة؟ إن لم تتحرك بقدر قوة تحرك غزة هذه المرة، فإن المعركة ستكون قاسية جدا على غزة. وإن تحركت فالسيناريو سيكون مفتوحا على احتمالات كثيرة، وربما تكون إقليمية ودولية (حدود الأردن ستشتعل، إيران وحزب الله سيكونان على المحك،..).
  • في حالة تدخل الضفة والقدس بقوة ستطول المعركة وتتسع، وهذا في صالح المقاومة وليس في صالح العدو، وخاصة إذا استمر نهج المقاومة في رفع التكلفة البشرية، البشرية بالأخص قتلا وأسرا.
  • في الحالة الأخرى فنحن أمام معركة غزاوية فقط وضارية، معركة يدخلها العدو عن بعد (بالقصف)، ثم مباشرة (حرب برية بالدبابات والمدفعية ومحاولات كثيفة لاغتيال القيادات وقتل أكبر عدد من جنود المقاومة). والله في نحورهم ويسدد من وراء المقاومين.
  • الأسرى ورقة مهمة لكنها ليست حاسمة أمام خطر استمرار القتل والأسر في جنود العدو.
  • إذا تركت المقاومة الغلاف وتحصنت بالقطاع فقط، ولم تكن طورت صواريخ موجهة، فإن سقوف المعركة ستنقلب عليها.
  • قوة الإيمان والنفسية العالية عامل قوي لا يمكن إغفاله أو التهوين منه، وعند الفلسطينيين بإذن الله تعالى منها رصيد كبير يفوق كافة أرصدتها في العالم تقريبا. فاللهم أنزل السكينة عليهم، واجعل الدائرة لهم وعلى عدوهم.
  • الأنظمة العربية ستقف تصوصو فترة المعركة؛ لأن إسرائيل لن تسمع لأية تهدئة قبل أن تحقق الانتقام الذي تراه كافيا. ولكن الله غالب على أمره، وستكون النقمة عليهم بإذنه.
  • سيظل الحضار العربي لغزة وصمة العار التي تلطخ جبيننا، ويجب أن تتجه إليها الفتاوى الحاسمة، والخطابات الضاغطة، والمحاولات المؤثرة لفك الحصار. حصار المستضعفين أمام المستكبرين غاية النذالة والخسة والدناءة.. وقل ما شئت، وإذا كان المحصور مسلما مظلوما وذلك لصالح غير مسلم ظالم فإن حكم الشرع معروف.
  • الغائب الرئيسي عن المشهد حتى الآن هو أردوغان وجماعته… ماذا يتوقع منه غير الخطاب الاستنكاري أو الدبلوماسي؟ أنا فقط أسأل ولا أتوقع ولا أستنكر.
  • الواجب الآن توسيع أدوات المقاومة وإثارة ضجيج شديد حول العدو وممارسة كل أنواع الحرب عليه المادية والنفسية، تخفيفا للخسائر، (عسى الله أن يكف بأس الذي كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا)-الآية. ، والدعوة إلى المعاونة من أوجب واجبات الوقت، فلا يتهاون بها أحد.
  • الدعاء، الدعاء، الدعاء، يجمع الله تعالى لنا قوة الأرض وقوة السماء.

(3)

اليوم الثالث: يوم الملحمة والصبر… أين النصرة؟ 

  • كان اليوم الثالث الاثنين 9 أكتوبر هو (يوم الملحمة والصبر… والتساؤل: أين النصرة؟) فقد بدأ القصف الجوي بوتيرة متصلة والغارات الكثيفة وبقوة تدميرية ضخمة، وبدأت عملية صنع مجــ..ــازر انتقامية تغطي على السحلة التي سحلتها لهم المقا.و.مة واستغرقها اليومان الأولان. يتم ذلك عبر ضرب المنازل والمساجد والأسواق والأبراج والمخيمات بكليتها، وسلاسل غارات متلاحقة على شمال وجنوب وشرق وغرب ووسط غزة، غارات عنيفة جدا. هذا مع حصار تام ومحكم وعقاب جماعي على أهل غزة. وطبعا العرب المحيطون مطيعون لأمر الحصار ليس الآن ولكن من 15 عاما!!!
  • توقف رد فعل المقاومة عند بضع رشقات صواريخ للمستوطنات، وإظهار سلاح دفاع جوي ضد الطائرات لكن دون استخدام مؤثر، واستمرار بعض عمليات الاختراق البري والتسلل البحري لبعض مناطق الغلاف والإثخان فيها، والتحدث عن الغيار لمجموعات المواجهة. وكان بيان قتل -ما سمي خطئا- بالرهـ.ـا.ئن؛ أي الأسـر..ى، نذير خطر؛ لأنه بدا أشبه بخطاب اليأس، لكن الخطاب الذي تلاه من متحدث القســ…ـام ربما اصلح ذلك، خاصة أنه جاء بعد خطاب النتنيا.هو التتري. طبعا خطاب النتنيا.هو -بنقاطه الخمس- يؤثر في جبهته الداخلية ويوجه المواقف الغربية والمتصــ..ــهينة بالأساس، لكن خطاب القســ..ــامي يضبط رؤية أنصار المقا.و.مة.
  • حتى اليوم الثالث لم تصل أي بوادر نصرة ذات بال للمقا.و.مة، وما يجري في الجبهة الشمالية إنما هو استفزاز من العدو لحزب نصر الله لدفعه لإظهار نواياه، وفي الوقت ذاته إظهار سياسة العدو وأهدافه في تحجيم هذا الحزب وردعه وحلفائه سياسيا وعسكريا.

أما الضفة فدون المستوى بكثير، والظاهر حتى الآن أنها لن تفعل كثيرا، إلا أن تكون هناك خطة أخرى نسأل الله تعالى أن تكون موجودة وأن يوفق فيها.

وقد أدت مجازر اليوم الثالث مع بداية الانتقام الصهــ..يو.ني -بعد فرحة الضربة الأولى الشعبية العارمة- إلى نوع من إحباط عام.

  • الغرب محتشد لمؤازرة العدو عسكريا وسياسيا وماليا وبالطبع إعلاميا، وبيان الخمسة الكبار (USA, B, G, F, Italy) ومعهم الاتحاد الأوروبي، غاية في الخطورة، ومن المهم تحليله والوقوف على رسائله الاستراتيجية. أما العرب وبقية الدول الإسلامية فلا يخفى حالهم.

 

 (4)

اليوم الرابع الثلاثاء 10 أكتوبر (يوم إدارة الملحمة وإدارة الأزمة العسكرية وبداية الأزمة السياسية)

  • غالبا ستستمر عملية “صنع المجزرة في غــ..زة” من قبل العدو وعبر قصفاته الجوية، وسيزداد الضحايا جدا، إلى درجة يريد منها العدو أن تُـنسِيَ الفلسطينيين والعرب والمسلمين نشوة الضربة الأولى التي أظهرتها بيانات المقاومة ووسائل الإعلام المؤيدة للمقاومة، وخاصة الجزيرة والفيسبوك العربي.
  • بدأت مظاهر الحشد البري (مدفعية ودبابات) من العدو على حدود غـ.ـزة، بالطبع أولا لتعزيز ما استرده العدو من مستو.طنات الغلاف وتأمينها، ولكن ربما أيضا استعدادا لعملية برية عريضة لاجتياح القطا.ع، (يستبعدها إعلامنا إعلام المقا.و.مة لكن هذا غير مستبعد). وسيتبين مآل ذلك من أسلوب القصف المدفعي (الثقيل المتصل أم الخفيف المتقطع)، والطريقة التي ستواجهه بها قوات المقاومة (غالبا حتى الآن برشقات صاروخية موجهة لقرب المسافة، لكن فعاليتها ستكون فارقة في تكميل العدو لهجومه أو دحره خاسئا بإذن الله تعالى).
  • القصف من قبل المقا.و.مة على طريقة الحروب الأربع الماضية لن يجدي، ولا أعتقد أن المقا.و.مة ستكتفي به، وأعتقد أنه سيكون هناك قصف موجَّه ولكن حجمه ودقته هما ما يعول عليه. وإلا فإن العدو فيما يبدو سيحاول أن يتحمل الخسائر البسيطة والمتوسطة إذا كان هدفه أن يقضي على المقا.و.مة تماما وتدمير قوتها بشكل كبير، وأن يكتسح غـ.ــزة كاملة ويدفع بها إلى سيناء (وهذه نقطة غاية في الأهمية: ماذا أعدت لها مصر؟).
  • الاشتباك المتقدم غاية في الأهمية لكنه يحتاج إلى تعزيزات وإمدادات نوعية، نسأل الله تعالى أن يهيئها للمقا.و.مين.
  • ما لم تتلق المقا.و.مة في غزة نصرة كبيرة من/ وفي الجبهة الوسطى (الضفة)، ومن/ وفي الشمال (وربما الشرق والجنوب؟؟؟!) فسوف ينفرد بها العدو.
  • هذه النصرة تتطلب انتفاضة مسلحة في الضفة أولا، وبعدها يمكن أن يحدث الكثير. أعول كثيرا على هذه النصرة، و(إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم). (وخطاب هنــ..ــية الأخير يؤكد ذلك).
  • غالبا الجزء الرئيسي الملحمي من هذه المعركة العنيفة من الجانبين –وليس من جانب العدو وحده- عمره لن يتعدى الأسبوع وفق تصور العدو؛ لأن العدو لا يطيق الحرب الطويلة؛ وهذا أحد أهم أسباب كثافة البطش الانتقامي القائم.

إذا استطاعت المقاومة وأنصارها إشعار العدو بخوضها حربا عريضة وطويلة فمن المحتمل جدا أن يتراجع ويدخل في تهدئة ولو مبطَّنة كالمعتاد، وأن يبدأ المسار السياسي. نرجو ذلك قبل أن يحول العدو هزيمته إلى انتصار كامل.

وهنا يقف عامل الإيمان والقوة النفسية والصفاء الذهني والصبر الصبور لدى المقاومة عاملا فارقا، ويكتب الله تعالى عليه النصر (وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا).

  • جزء من استراتيجية العدو هو أن يتم نصرة السلطة في رام الله ومنهجها على الضد من نهج المقاومة (لاحظ غياب كتائب الأقصى تماما عن المشهد، والتي ربما تم تفكيكها في صورة قوات أمنية تتحصل دخولا مالية عالية). فجزء من الخطاب الغربي والمتصهين الظهير للعدو يكرر التحدث عن البديل الفلسطيني المسالم (المستسلم لصفقتهم).
  • الغرب -وخاصة الولايات المتحدة- يعلن استعداده للتدخل العسكري، وإرسال حاملة الطائرات (يو إس إس غيرالد آر فورد التي تعمل بالطاقة النووية) مؤشر جَدّي على ذلك، فضلا عن التعويض بالأسلحة والذخيرة المتطورة والجديدة. والخطابات والتحركات السياسية الغربية تدور حول إير.ا.ن، وحول قناعة شبه تامة بأنها مثير ومدير هذه الحرب وتستخدم المقا.و.مة، وأن حمـ.ـا.س والجـ.ـهـ.ـاد -مثلهما مثل حزب نصر الله- ليسوا إلا قفازات إير.ا.نـ.ـية، وأن إير.ا.ن تصدر مشكلتها مع الغرب من أرضها إلى أرض إسر.ا.ئيل.

وخطاب المقاومة للأسف بدا يُشعر بشيء من ذلك خاصة خطاب الضـ.ـيـ.ـف الأول. لكن خطاب هنــ..ــية الأخير يستدرك على هذا بوضوح (القرار فلســ..ــطـ.ـيني)

  • للأسف لن يجدي المسار السياسي العربي والإسلامي شيئا في هذه الأيام الأولى. وهؤلاء لا يحركهم غالبا إلا دعوة العدو وسماحه لهم بتحركات جدية. وهذا مرتبط بشعوره: إما بالتشبع من بنك أهدافه حال قوته واستقوائه، أو بشعوره بمزيد من الخطر واحتمال مزيد من الهزائم.
  • المطلوب وواجبات اليوم:
  • نصرة الضفة لغــ..ــزة، ثم الدوائر الأخرى من بعدها. هذا فرض العين الأول والله أعلم.
  • مقاومة شعبية واسعة المجال والمدى، فما يجدي البكاء ولا العويل. من ذلك الخطابات (بالحقائق، بالتخذيل، ببيان المآلات الوخيمة ..) من المجالات الإعلامية والقانونية والسياسية والاقتصادية، الموجهة لشعب العدو وأنصاره، هذه أولى من الخطابات الذاتية والبينية. القادرون على ذلك -مع امتلاك اللغة الأجنبية- يجب عليهم ذلك فرض كفاية والله أعلم.
  • مقاومة مدنية عامة وواسعة تضغط من أجل الإغاثة، يتزعمها العلماء والدعاة والمثقفين والنخب والشباب.

(5)

حتى صباح الأربعاء 11 أكتوبر 2023: من طوفان الأقصى إلى الطوفان الأقسى

أفكر بغير انقطاع في سير المعركة وما يحيط بها من تحركات وخطابات ومواقف ودلالاتها، وأسجل ملاحظات حول معظم الأشياء تقريبا، ولكن منذ الأمس (الثلاثاء ثاني أيام الملحمة والصبر وطلب النصرة) وعقلي يختلط أحيانا بنفسي، ويمتزج تفكيري ونفسيتي فتقعده عن التحليل أو تقطعه عن الفهم. هذا وأنا في الظل البارد، فكيف بالذين هم على جبهة الجحيم؟ فاللهم نور عقول المقاومين وقو نفوسهم واملأ أيديهم بمدد من عندك وهيئ لنا ولهم من أمرنا رشدا.

لكن عامة أهم ما استنبطته حتى الآن (صباح الأربعاء 11/10/2023):

  • العدو مأزوم بأكثر من شيء (استمرار أثر الصدمة، النزاع الداخلي حول ما يجب عمله، استمرار محاولات المقاومة اختراق الغلاف، الأسرى، تطورات الجبهة الشمالية، احتمال انفجار الضفة (يوم الجمعة القادم سيحدد ذلك غالبا)، ماذا أعدت إيران غير ذلك وفق التصور الأمريك-صهيوني،…). في هذه الحالة غالبا لا يمارس العدو عملا استراتيجيا مركبا أو عميقا، ويتحرك بوجل.
  • ومن ثم يعتمد جهد العدو بالأساس على مفهوم “إدارة المعركة بالنتائج”؛ وهذا يعني أنه يركز على زيادة أعداد القتلى والمصابين، وإحداث حالة بارزة من التدمير والتخريب في أرضنا، لكي يجيب بها عن سؤال الانتقام فقط (يقدمها لشعبه الغاضب الخائف المضطرب). أما أسئلة الردع واستعادة الأمان القومي فضلا عن استعادة وضعية اليد العليا في الحلبة، فلا تزال ممارسات العدو دونها. لكنها هي بنك أهدافه الذي سيتحرك إليه مع كل تقدم يحققه (سيتغير هذا في خطاب أو عواء الكلاب الثلاثة النتنياهو وجالانت وغانتس ليلة الأربعاء 11 أكتوبر الذي رفع سقف الأهداف إلى استئصال حماس).
  • من مظاهر ضعف أداء العدو حتى الآن (صباح الأربعاء) أنه يضرب الشعب (الأسواق، والصحافيين، والمسعفين، والمنازل الصغيرة…)، وقليل من مواقع المقاومة (نفق هنا، ونقطة عسكرية هناك)، لكنه لا يظهر قدرته في استهداف قوة المقاومة الأساسية على سبيل التحديد، على نحو ما كان يفعل من قبل. ولعل من أهم ما أظهر ضعف العدو أيضا حتى الآن، وعظم من صورة المقاومة، سرعة اللجوء إلى الغرب، والطريقة التهويلية التي سارعت بها قوى الغرب الكبرى إلى إجابته بثلاثية التأييد والتفويض والتهديد (التأييد المطلق والاستعداد لنصرته عسكريا بالأسلحة والذخيرة والأموال، وتفويضه فيما يريد أن يعمل من سقف، وتهديد كافة أعدائه بدءا من حماس وانتهاء بإيران).
  • المقاومة من اليوم الثالث (الاثنين) وحتى صباح الخامس (الأربعاء) عادت بصفة عامة إلى قواعدها السابقة مع قليل من التنويع الجديد: أهمه استمرار محاولات للاختراق والبقاء في الغلاف وعمل غيار أكثر من مرة لقوات الجبهة، ثم استعمال نوعين أو ثلاثة من الأسلحة والذخيرة الجديدة التي تفاجئ بها العدو كل مرة منها صواريخ موجهة لكن بدون كثافة، وثالثها تطوير طريقة رد الفعل بخصوص الاستهداف الصاروخي للغلاف وقلب الأراضي المحتلة (نموذج ضرب عسقلان وتهجير مغتصبيها).
  • خطاب العدو حتى صباح الأربعاء بدا مضطربا مأزوما ما بين غلبة العسكري بطبيعة الحال، وتداخل السياسي معه، وبدا التنقل بين المحلي والإقليمي والعالمي ليس سلسًا. في البداية علت نبرة القضاء على حماس، ثم نزل إلى ما هو أدنى مع استمرار التأزم والشعور باللخبطة في ظل حكومة غير متجانسة ثم بالأخص بسبب الأسرى وما يسمونه الرهائن.، وكما ذكرنا عمليا حتى الآن الأداء العسكري ليس مصوبا بتحكم ودقة تجاه حماس أو قوة المقاومة.
  • خطاب النتنياهو الموجز ذو النقاط الخمسة مساء الاثنين 9 أكتوبر مهم. قبله كانت له كلمة لمدة دقيقة ونصف مساء السبت 7 أكتوبر أوجز فيها المشهد في أنه إعلان حرب سيواجه “بحرب كبيرة”، وليس جولة أو عملية قصيرة، وأن أول أهدافه هو استعادة مستوطنات الغلاف وحمايتها ومواجهة الهجمة. في خطاب الاثنين 9 أكتوبر بدأ في التوصيف الجديد الذي قرر تصديره للعالم (حماس هي داعش التي تعدم الأطفال وتحرق الأحياء وترتكب الفظائع.. وسيردده من ورائه الغرب وخاصة بايدن..). وأوضح أنه أمر بخمسة أشياء واضحة وموجزة: 1- تطهير المستوطنات وصد التسللات، 2- الانتقال إلى هجوم مكثف بقوة غير مسبوقة على غزة (يقول دائما: ضد حماس)، 3- تحصين باقي الجبهات (الحدود مع لبنان، الضفة، الداخل المحتل) طبعا ليتفرغ لغزة وحرقها، 4- الاستمرار في تحصيل الدعم الدولي لتوسيع هامش العمل، 5- ترسيخ وحدة الداخل الصهيوني بتوحيد القيادة على أساس توحد الشعب ومن ثم دعا المعارضة لتكوين حكومة طوارئ أي حكومة حرب على دماغه هو طبعا. وبدأ يتكلم عن الدمار لحماس (بالطبع في غزة)، وصور الدمار، وجزيرة الخراب، كهدف أساس أو أول.
  • تركيز الخطاب على إيران ثم لبنان ليومين مرتبط بعيش صهيوني عميق للتحدي الإيراني خلال السنوات الماضية (منذ انفتح الملف النووي) وخاصة الفترة السابقة على الحرب. وغالبا يراد من هذا الخطاب والممارسات في جنوب لبنان وسوريا والتهديدات المستمرة للدوليتن ولإيران استخراج نوايا المحور الإيراني بالنسبة للمعركة الحالية، والتأكد من عدم مشاركتهم فيها مشاركة جادة أو مؤثرة أو مباشرة. وقد زادت التصريحات المبكرة ثم الاتصالات الرسمية الإيرانية المبكرة أيضا بقادة حماس والجهاد من هذه المخاوف الصهـ.يـ.ونية. ويركز الخطاب الغربي والصهيوني على أن إرسا حاملة الطائرات الأمريكية إنما هو لأغراض إقليمية (إيران ومحورها).
  • خطاب المقاومة يركز على عرض لمشاهد البطولة في العملية التي استغرقت السبت والأحد، وبدأ من مساء الاثنين يواكب خطاب العدو والغرب، فبعد خطاب النتنياهو (النقاط الخمس) مساء الاثنين خرج خطاب لأبي عبيدة يغطي عليه وبنقاط خمس مقابلة تقريبا. ثم جاء خطابه بعد خطاب بايدن ليلة الثلاثاء أيضا جيدا، وغطى على ترهاته، وجيد جدا تصدير أوصاف (المغالطات) في وصف الخطابات؛ والعدو يفعل ذلك ويتحدث عن نشر الأكاذيب من جهتنا. ولكن خطاب مؤيدي المقاومة يحتاج إلى مزيد من التطوير وبالأخص باللغات الأجنبية، وقد انتشرت فيديوهات وكلمات من غربيين ومن عرب جيدة مثل ما نشر لحسام الزلموط سفير فلسطين في بريطانيا، ود.مصطفى البرغوثي، وغيرهم.
  • خطاب العدو تجاه مصر فيه نوع غضب وعصبية ذو دلالة؛ ويعني أن الاتصالات مع مصر ليست على ما كانت عليه، وربما تلقي العدو لبيان الخارجية المصرية الأول ليس جيدا، وثمة مؤشرات أنه يقف من الموقف المصري بشكل غير ودي. طبعا هذه أمور قريبة التعديل ويسيرة، لكن توقيتها مما يدل على حالة التأزم اليوم لدى العدو وفي تعامله مع محيطه. وطبعا لا ننسى حرص النتنياهو على تأكيد أنه ليس صحيحا أن المخابرات المصرية حذرته من قبل من هذه العملية. وفي المقابل فتح الإعلام المصري ملف خطة تهجير أهل غزة إلى سيناء بقوة، وانبرت أصوات عديدة تفند هذا وتعلن رفضه التام، وخرجت الجهات الرسمية تؤكد رفض ذلك. (ومن المهم متابعة الملف المصري متابعة خاصة، خاصة بعد ضرب العدو لمعبر رفح مرتين ثم الثالثة، وكشف مدى الحقيقة ومدى الكذب في قضية توطين الفلسطينين في سيناء).
  • خطاب الغرب وخاصة الولايات المتحدة ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، كما أشرنا قائم على التأييد والتفويض والتهديد وغن كان تراجع عن التهديد لإيران شيئا فشيئا بداء من الثلاثاء أو الأربعاء.
  • الخطاب العربي والإسلامي لا يزال دون المستوى ودار من يوم الثلاثاء حول المأساة الإنسانية وضرورة تقديم الإغاثة لأهل غزة والسعي لتهدئة أو إيقاف المعركة ولكن دون وقع يرى أو يذكر. طبعا الخطاب يتقدم يوما عن يوم (خاصة السعودي مثلا)، والاتصالات تتكاثف، لكن من دون أي طائل، مع إحجام عربي عن تأييد حماس أو ذكرها بالاسم أو منحها أية شرعية. والخطاب التركي باهت وواهن مثل حالة أردوغان الشكلية نفسها، ولكن يفيق بالتدريج.
  • لا يزال المعول الأساس على الإيمان والقوة المعنوية الإيمانية، لدينا جميعا، وفي قلبنا شعب فلسطين، ولا نقول غزة وحدها. وعمليا ثمة تعويل كبير على حركة الضفة؛ ويوم الجمعة يجب أن يكون مدويا من جهة، وومن الجهة الأخرى: بداية لطوفان الضفة –كما قال بعض أهل الضفة- وبداية لحرب حقيقية. تحتاج المقاومة لتطوير جهدها وتنويع عملياتها، والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

أتابع طوفان الأقصى والطوفان المضاد من العدو، وأرى التطورات كما رأيتها وتوقعتها من أول لحظة، حين قلت لأحبابي لا تسارعوا بفرح، والآن أقول لا تسارعوا بحزن، وتماسكوا، وحافظوا على ميزانكم النفسي والذهني والأخلاقي والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).

(6)

من صباح الأربعاء 11/10/ إلى مساء الخميس 12/ 10/ 2023

استمرار وتصاعد الأزمة الإنسانية، والصراع العسكري – السياسي- الإعلامي

أ) المأساة الإنسانية:

  • خلال هذين اليومين تفاقمت أزمة إنسان غزة وأهلها؛ باستمرار العدو في سياسة القتل والتدمير الكثيفة الشاملة لكن العشوائية الطائشة، التي تعتمد على القصف الجوي، وقصف مدفعي من شرق القطاع (قصف الشجاعية بالأساس)، وتم نسف ومحو خمس أحياء تماما وخلوها من السكان تماما، غير تدمير كبير في كافة أحياء وأنحاء القطاع. زاد عدد شهداء غزة فوق الـ(1400) مقابل (1300) قتيل صهيوني، وزاد عدد المصابين فوق الـ(6000) فلسطيني مقابل نحو (3300) صهيوني. وأعلن الاحتلال أنه ألقى (6000) قنبلة على القكاع بزنة (4000) طن من المتفجرات، وكانت بعض الضربات تقتل في الغارة الواحدة بالعشرين والأربعين والخمسين من الشهداء، وأعلنت وزراة الصحة في غزة أن 60% منهم أطفال ونساء.
  • تكتمل المأساة بتشديد الحصار المعيشي وقطع شرايين الحياة والاحتياجات الأساسية (المياه والوقود والكهرباء والأدوية والغذاء) عن القطاع. فـ60 ألفا محرومون من المياه؛ و المجهود الإسعافي والطبي بعامة حرج ومضغوط بشدة وعلى حافة الخطر ويخشى توقف المولدات خلال ثلاثة أيام قادمة, كما قتل 10 مسعفين فلسطينين حتى الساعة. لذا تزايدت خلال هذين اليومين المطالبات بضرورة كسر هذا الحصار (كما سيرد). وأسهم تصاعد هذه الأزمة في تطور الخطاب الغربي على مستوى الدول واتساع نداءات المنظمات الحقوقية والإغاثية وغيرها، خاصة يوم الخميس، وكذلك تكاثف الخطاب العربي الرسمي، فضلا عن النداءات غير الرسمية من كل مكان، والتحذير الأممي من كارثة غير مسبوقة وجريمة حرب. ويأتي الرد الصهيوني بأن هذا الحصار لن يفك لا من جهة الكيان الصهيوني (ولا من جهة معبر رفح المصري-الفلسطيني) في سجال مستمر مع الموقف المصري، إلا إذا حصل على أسراه، وترد المقاومة بأنه لا مجال لفتح موضوع الأسرى إلا بعد انتهاء الحرب.

ب) المعركة العسكرية:

  • في هذين اليومين استمر العدو في نفس نهجه وعمليته بالقصف المدفعي والغارات الجوية الكثيرة وشديدة التدمير، وبنفس وتيرتها، أو أقل قليلا قياسا على يومي الاثنين والثلاثاء. لكن التطور الأهم واللافت هو تراجع عمليات المقاومة؛ سواء على جبهة غزة أو على الجبهة الشمالية مع لبنان/ حزب نصر الله. فقد شهد الأربعاء قصفات صاروخية ضئيلة على أماكن مختلفة من الأرض المحتلة في الغلاف وعسقلان وتل أبيب ومطار بن جوريون، ولكن دون تأثيرات كبيرة، واستمرت اشتباكات قليلة في الغلاف. لكن الخميس شهد ما يشبه الهدنة على الجبهة الشمالية (اللهم إلا خطاب نجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي ذكر فيها أن لبنان سترفع شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن ضد النتهاكات الصهيونية في جنوبيها)، وتهاديا كبيرا في أداء المقاومة الفلسطينية في غزة وقصفات قليلة متباعدة المواقيت(!!!)، ولم يسمع في يوم الخميس عن اختراقات للغلاف أو اشتباكات أو عمليات نوعية. وبالطبع أثير بقوة موضوع الغزو البري الذي أعلن العدو مبكرا أنه سيقوم به، وكثرت التصريحات والتحليلات الصهيونية والعربية والغربية التي تتحدث عن استحالته أو أنه لن ينجح، الأمر الذي أكد عليه خطاب المقاومة يومي الأربعاء والخميس. وكذلك جرى الحديث عن أثر طول مدة الحرب والاحتمالات الكبيرة لتوسيع دائرتها؛ الأمر الذي يحرص العدو على تفاديه، وفق ما هو معهود عنه.

ج) حرب الدعاية والإعلام والخطابات من أجل صناعة الصورة وصناعة القصة وتكذيب تصويرات وقصة العدو:

  • في مساء الأربعاء خرج خطاب الثلاثي الصهيوني (النتنياهو- جالانت- غانتس) الذي قدم رواية “دعشنة حماس” ووصلها بصورة داعش، ويكرر النتنياهو ذلك في مواضع متعددة من الخطاب: حماس داعش،.. داعش.. كأنه يوجه إعلامه في الداخل والخارج لتأكيد ذلك (مع حديث عن فيديو لقطع رءوس أطفال وفتيات تحدث عنه بايدن أن نتنياهو عرضه عليه وأنكرته المقاومة وسوف يشرح العاروري قصته يوم الخميس). ويكرر النتنياهو حديثه عن ذبح الأطفال والفتيات وقطع الرءوس وإحراق مدنيين أحياء وإحراق أطواق حولهم لخنقهم، ويتخير ألفاظ الإرهاب والإرهابيين والمخربين والجريمة والبشاعة ويعبر عن ذلك بأساليب من إظهار الألم والأسى وما يشبه البكاء والعويل لاستدرار التعاطف والتغطية على خيبته الأمنية والعسكرية ومسئوليته السياسية. ويطيل النتنياهو في قص الحكايات عن حالات فردية معينة وبالاسماء في أسلوب جنائزي منائحي مكشوف؛ ليقول إنها أحداث مخيفة وأخبار مرعبة وكارثة كبيرة. ثم يتحدث عن بطولة المقاتلين والمواطنين من شعبه، لينتقل من التلويع إلى التشجيع؛ فيشيد بوحدة الصف السياسي المتصل بوحدة الشعب، كما عمل في خطابه السابق، ويضم إليه وحدة العالم معهم ومن ورائهم مقدما الولايات المتحدة ورئيسها (الذي اتصل به أربع مرات او خمسا )، ويكرر أنه “تأييد دولي غير مسبوق”؛ سواء لدولته أو لقراره باستمرار الحرب، ويعدد مظاهر التأييد وخاصة إرسال حاملة الطائرات وأسلحة وذخائر،..الخ. وعلى منواله نسج بإيجاز كل من جالانت وغانتس.
  • في هذا الخطاب أعلن جالانت الهدف الجديد للعدو ورفع سقف العملية إلى: (محو حماس) ووصفها مباشرة بـ(داعش غزة): “وأضيف إلى رئيس الوزراء، سنمحو الشيء الذي اسمه حماس- داعش غزة”.
  • وركز إعلام العدو الداخلي على تحليل الموقف وتفسير ما حدث (بصورة حرة وصريحة يحسدون عليها)، ما بين التعبير عن مشاعر الصدمة والألم والخوف، والحديث عن الأسرى (المخطوفين بتعبيرهم) وضرورة إرجاعهم ومخاطبة النتنياهو بذلك بعنف، والحديث عن براعة عملية طوفان الأقصى ودلالاتها على قوة المقاومة ومخزونها من المفاجآت، في مقابل خيبة وفشل جيشهم وأجهزته المختلفة خاصة الاستخبارية، وعلى أن الكلام عن غزو غزة بريا إنما هو كلام فارغ، وأمر مكلف، وغير مفيد.
  • جاء رد المقاومة على ذلك الخطاب الثلاثي وإعلان هدف المحو والاستئصال في صورة خطاب معنوي وتهديدي لأبي حمزة متحدث سرايا القدس (مساء الأربعاء)؛ حيث أعلن أن المقاومة جاهزة لاستمرار الحرب، وأنها ستتسع لتضم الشمال الذي استشهد بمناوشاته، والضفة التي دعا قواها للتحرك، وذكر كتيبة جنين وعرين الأسود وغيرهما، وتحدث عن “وحدة الساحات”، بل عن “ساحات خارج فلسطين” سوف تنضم للمعركة. تحدث بثقة خطابية لم يشفعها بأية معضدات واقعية. تلا ذلك خطاب مسائي لبايدن يؤكد تأييده للكيان الصهيوني، ويشير إلى أهمية الالتزام بالبعد القانوني.
  • خرجت تصريحات عديدة من المقاومة ومؤيديها تكذب الرواية الصهيونية وتذكِّر الغرب بالإرهاب الصهيوني بل والإرهاب الغربي والأمريكي في العراق وأفغانستان وفيتنام وهيروشيما، وهكذا. وفي هذا الإطار أفرجت حماس عن فيديو لعملية إخلاء سبيل مستوطنة صهيونية وطفلين معها، ونشرته الجزيرة ووسائل الإعلام مساء الأربعاء (رغم أن الحدث كان في اليوم الأول للحرب غالبا)؛ في رد على هذه الدعشنة الغوغائية والدعاية السوداء ضدها. وقد خرجت هذه المستوطنة نفسها في اليوم التالي (الخميس) على الإعلام الصهيوني تقص حكاية أسرها، وكيف تركها المقاومون تعود إلى بيتها بمنتهى السلاسة.
  • في يوم الخميس، وفي الإطار نفسه تحدثت الجزيرة مع صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، الذي حكى بتفصيل نسبي وخارجي أحداث هجوم المقاومة على الغلاف؛ ليرد على فكرة انتهاكات حماس بحق الأسرى أو القتلى أو أسرها مدنيين، وليؤكد أن هذا ليس نهج حماس وأنها تعرف وتحرم القواعد الأخلاقية والقانونية في صراعها عبر مسيرتها الطويلة. فتحدث عن كيف أنها كانت حربا استباقية تستبق هجوما من جهة العدو، وأنه أُعد لها جيدًا، وأن الهدف كان ضرب (فرقة غزة) الصهيونية التي تمثل القوة العسكرية المحاصرة لغزة، والحامية لمستوطنات الغلاف، وأنهم تصوروا عملية عسيرة تستغرق ساعات طويلة، فإذا بها تهوي بنقاطها العديدة في أيديهم بسرعة وسهولة في ظرف ثلاث ساعات (في لمز لحكومة العدو سوف يتكئ عليه أبو عبيدة في خطاب تال)، وأنه من ثم وقع الجنود ما بين قتيل وأسير وهارب بسهولة، ومن ثم دخلت فصائل أخرى ومواطنون فلسطينيون؛ ومن ثم ربما وقعت على أيديهم انتهاكات هنا أو هناك لم تأمر بها المقاومة وربما لم تعلم بها. وأحال احتمالات قتل أسرى صهاينة إلى العدو الصهيوني نفسه الذي يتبنى أحيانا المبدأ “منظومة هانيبال” الذي يعني قتل المأسورين لقتل آسريهم معهم.
  • تلا ذلك بنحو ساعتين وفي مساء الخميس ذاته، خطاب مميز من أبي عبيدة متحدث القسام يمثل البطانة لما قصه العاروري من ظاهر القصة. فحكى أبو عبيدة بتفصيل كبير العملية من داخلها: عمليات التخطيط والإعداد والتجهيز والتدريب والاستطلاع والتنفيذ لعملية طوفان الأقصى، ومسارها، منذ انتهاء عملية سيف القدس مايو 2021، ومناقشة فكرة مستقبل الصراع على ركيزتي (استنقاذ الأقصى وتحرير الأسرى)، وانطلاقا مما تحقق من مفهوم “وحدة الساحات”، وازدياد وتيرة التنسيق مع الفصائل ومحور المقاومة بعمومه، وكيف تحددت الغاية في: إذلال العدو وسحق صورته أمام الأجيال القائمة والقادمة، وكيف بدأت عملية الدراسة للأرض والطقس وتقدير المواقف الاستخباراتية ونظام عمل العدو وتقدير الموقف العملياتي، .. مشيرا إلى عدد كبير من الخطط الفرعية المتكاملة والدالة على نضوج استراتيجي، وما أحاط بذلك من عملية خداع استراتيجي فائقة وصبورة، وما شملته من عمليات تصنيع العتاد اللازم، وخطط التدريب والاستدعاء والحشد، وتحديد الهدف بدقة في تدمير فرقة غزة (التي تشمل 25 موقعا عسكريا ذكرها أبو عبيدة بأسمائها كلها تقريبا غير نقاط التفتيش (10) وفصائل الكيبوتسات (22)، وأهداف أخرى)، وما جرى عليه التنفيذ من براعة وقوة في عدة مسارات ومراحل ومستويات وعبر نقاط كثيرة كثيرة للعدو. كشف هذا الخطاب بيانات تدل على كذب وعدم دقة بيانات وتصريحات العدو. ووضح أن هدف الخطاب الأول هو استعادة الروح المعنوية للمقاومة وأنصارها عقب تصاعد حالة الإحباط على خلفية المأساة الإنسانية الدامية في غزة، ببيان أنها عملية فارقة غير مسبوقة وستظل محل دراسة وإعجاب لأجيال قادمة، ثم محاولة هز ثقة العدو بذاته، وبقيادته، والإيقاع بينهم، وأن الأولى، بدلا من الفظائع التي يرتكبونها، أن يحاسبوا الفاشلين فيهم، الذين “سيدفعون ثمنا باهظا في مستقبلهم السياسي والعسكري”.
  • ثم أكد الخطاب على خماسية: 1-المعركة مستمرة في كافة المحاور، بالمناورة الأرضية والهجمات الصاروخية، رغم ردة الفعل العشوائية الحالية من العدو 2- الجهوزية للدفاع في حالة الهجوم البري، 3- مخاطبة مرابطي القدس والأقصى والضفة، ودعوتهم للنفير والدخول في معركة الطوفان، 4- تبشير الأسرى بأن لدى المقاومة أوراقا كثيرة ستستعملها ثمنا لحريتهم، 5- والتحية للشهداء والمصابين والصابرين من أبناء الشعب الفلسطيني وخاصة في غزة.
  • في مساء الخميس أيضا جاء خطاب نتنياهو أمام الكنيست من أجل منح الثقة لحكومته (حكومة الطوارئ)، ولم يزد عن نصبه مندبة وعويلا وبكائية مستمرة، ثم تهديدا ووعيدا، ووصف مقاتلي حماس والجهاد بأن العالم يجب أن يراهما بذات خطر داعش والقاعدة. ويحصل في النهاية على ثقة الكنيست.
  • الخطاب والإعلام الغربي لا يزال يصر على التأييد المطلق الوقح بلا أية شروط لإسرائيل، على خلاف ما كان قبل معركة الطوفان، (من المهم مراجعة ذاكرة هذا التعامل وخاصة فكرة التلاعب السابق ما بين المعتدلين والمتشددين من منظور الغرب). طوفان الأقصى كشفت أن الإمبريالية الغربية ورأسماليتها ومجمعها العسكري الصناعي ولوبياتها الصهيونية وأشكال اليمين (الديني والقومي) هم في جملتهم في عداء مع الإسلام نفسه والمسلمين، وليس مع الإسلام السياسي أو الإسلاميين. عملية تشويه المقاومة على النحو الذي يقوم به الخطاب والإعلام الغربي أوسع من المعركة الحالية، وتأخذ من قبل الغرب صورة الحرب الدينية أو الأيديولوجية بين الإسلام والصهيونية (تصريح بلينكن أنه لم يأت بصفته الوظيفية فقط إنما الدينية أيضا أنه يهودي ابن يهودي، وتصريح ليندسي جراهام السيناتور الأمريكي بأنها حرب دينية وليس لي إلا أن أقف مع إسرائيل… وغيرها من الشواهد). فالعلمانية المستترة بالديمقراطية كلتاهما تخفيان وراءهما حقيقة دينية وأيديولوجية تتجلى في الموقف من الكيان الصهيوني ومناوئيه. وقد أعطت هذه الحالة لطوفان الأقصى تميزا آخر سيضاف إلى رصيده بعد توقف المعركة.
  • تكميلا لذلك فإن التيارات العربية (القومية والليبرالية.. شكلا) تُزايد في الموقف من المعركة، وتدعي أنها كلها مع حق الشعب الفلسطيني، ولكنها تلتف على الجهة التي تقود المقاومة وسماتها ومرجعيتها، ولا يصارح أحد نفسه بالأوصاف الحقيقية للأمور. يشكك ذلك في استفادة العرب من اللحظة؛ الأمر الذي لا يمكن حدوثه من غير مسلك أخلاقي جاد، ومصلحي (وطني وقومي وديني وإنساني) حقيقي.

د) التحركات السياسية:

  • في هذه الأثناء كان أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي يزور الأرض المحتلة يوم الخميس (في جولة للمنطقة تشمل السعودية وقطر والسلطة الفلسطينية والأردن ومصر)، ويعلن من البداية أنه لم يأت بصفته الوظيفية فقط إنما الدينية أيضا أنه يهودي ابن يهودي، كما تقدم. وجاء بلينكن يؤكد العزاء والتأييد المطلق من الولايات المتحدة، ثم كان حديثه الأهم –وحديث متحدث البيت الأبيض في الوقت ذاته والمسئولين المختلفين- عن المفقودين الأمريكيين والسعي الدءوب لاستعادتهم، وكذلك برز خطاب أوروبي للغرض ذاته: استعادة المواطنين المفقودين. وسوف تستقبل المنطقة غدا زيارات أمريكية (وزير الدفاع لويد أوستن) وأوروبية متعددة؛ ما يشير إلى الأثر الكبير الذي أحدثته معركة طوفان الأقصى؛ وأيضا ينذر بتحضيرات خطيرة لمستقبل المعركة والمنطقة؛ الملف الجدير بفتحه من الآن ورصد سيناريوهاته.
  • وازى ذلك تحركات إسلامية وعربية. ففي مقابل جولة بلينكن تحرك حسين أمير عبد اللهيان وزير خارجية إيران في جولة مقابلة تبدأ من العراق وتليها لبنان وتشمل دولا أخرى (وقد شهد اليومان الأخيران تراجعا في الخطاب الغربي الرسمي والإعلامي بل في الخطاب الصهيوني لتحميل إيران مسئولية عملية الطوفان)، وصرح عبد اللهيان في لبنان مساء الخميس حيث التقى ممثلين من حزب الله والمقاومة الفلسطينية، وقدم لهم التهنئة على عملية طوفان الأقصى وأنها جاءت ردا على جرائم العدو الأخيرة، صرح: “نحن هنا في بيروت لنعلن بصوت عال أن الشعوب والحكومات الإسلامية لا تطيق استمرار هذا العدوان على الشعب الفلسطيني، وأن نزوح عشرات الآلاف خلال ثلاثة أيام واستمرار جرائم الحرب وقطع المياه والكهرباء عن أهل غزة يعتبر جريمة حرب من الكيان الصهيوني المزيف، وأن هذا سيلقى ردا من قبل المحور المقاوم. وسيكون الكيان وداعموه مسئولين عن ذلك”. وأشار إلى ما يشبه تهديدا بتوسعة دائرة الحرب من قبل المحور المقاوم.
  • وشهد الخميس أيضا اتصالا لأول مرة بين ولي العهد السعودي والرئيس الإيراني، فضلا عن اتصالات كثيفة بين جميع الأطراف العربية والغربية، وتحركات واتصالات قطر وتركيا بممثلي حماس وغيرها من أجل موضوعي الأسرى والإغاثة الإنسانية. من المهم متابعة ذلك وما سيترتب عليه من تقاربات أو تحالفات، مؤقتة أو مستمرة، استراتيجية أو وظيفية، أو من خصومات وعداءات محتملة ستمهد لإعادة تشكيل المنطقة ما بعد الطوفان. ولكن هذا أيضا رهين بالطريقة والكيفية التي سينتهي بها الصراع الدائر.
  • ومما يشار إليه في هذا الصدد برود الموقف الصيني من أول يوم (السبت 7 أكتوبر)، وتعامله مع الحدث بأدنى درجات الاهتمام؛ الأمر الذي أثار حفيظة مسئولين أمريكيين أدانوا عدم إدانة الصين لحماس وعدم تأييدهم الصريح للكيان الصهيوني. وكذلك الموقف شبه البارد من روسيا ومحاولة تحميل الولايات المتحدة مسئولية القضية وما آلت إليه نظرا لأنها هي التي حالت دون تطبيق قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي في شأن القضية وحقوق الشعب الفلسطيني (بوتين ولافروف).
  • يستمر نهج إحراق غزة وهدمها وقتل أهلها على أشده عبر أيام أربعة (من الاثنين حتى الخميس)، ويشتد الحصار الحياتي عليها، ويتزايد النداء بضرورة عمل “ممر إنساني” لإدخال مواد الحياة والإغاثة عبر معبر رفح، وليس “الممر الآمن” العكسي الذي أشير إلى أنه يعني تهجير أهل غزة إلى سيناء مصر؛ الأمر الذي أظهرت مصر فيه رفضا باتا إعلاميا ثم رسميا صريحا، مع تعالى خطابها بضرورة واستعدادها لإدخال مساعدات كثيرة (واستقبلت مصر في مطار العريش الدولي طائرات عديدة محملة بالمواد الإغاثية لتدخل من معبر رفح الذي أعلنت مصر أنه مفتوح لم يغلق لكن القصف الإسرائيلي له يحول دون عمله بشكل طبيعي!!!). وتؤيد المظمات الدولية والدول العربية وتركيا الموقف المصري، بينما يصر الخطاب الأمريكي والأوروبي على فكرة مغادرة المدنيين الفلسطينيين غزة إلى مصر، (ويشار في هذا إلى تصريح جون كيربي القبيح بأن توصيل المساعدات الإنسانية ليس بأولوية أمريكية!!!).

وبعد، فاالمعركة مستمرة، وغدا الجمعة هو يوم الشعوب واختبار لها، وأن النصر لا يزال معلقا فوق الرءوس، وسوف تكلل به رءوس الصابرين. اللهم اكتب لنا نصرا يفرح به المؤمنون.

(7)

من مستجدات السبت والأحد 14 و15 أكتوبر 2023

  • أداء العدو عسكريا كما هو، وأداء المقاومة كذلك، الجديد هو الحشد للمعركة البرية وارتفاع صوت الحديث عنها وتسريب بيانات مهمة عن إمكاناتها واحتمالاتها بأنها حرب شاملة برية بحرية جوية، وأهدافها في تردد (نخصص لها تحليلا لسيناريوهات المستقبل)، والقول بأنه جرى تأجيلها لعدم مناسبة الطقس. والمقاومة تطلق رشقاتها المعتادة، وتعلن عن تطويرها أسلحة مضادة للدبابات مثل الصاروخ “ياسين”، ومن قبل أعلنت عن الصاروخ “طوفان”. ولكن التأثير ليس كبيرا.
  • الجبهة الشمالية أكثر تطورا في السبت والأحد، وتتراوح بين ضربات إسرائيليلة لمناطق، ومحاولات تسلل فلسطينية (!!!) من الشمال، وضربات موجهة من حزب نصر الله أصابت إسرائيليين وقتلت، وأنه هاجم عددا من المواقع (يسردها)، وإسرائيل تضرب مطار حلب ردا على صاروخ خرج من سوريا، وتضرب مناطق لبنانية، لكن دون تأثيرات قوية، والخطاب الإسرائيلي هنا تهديدي ولكنه ذات مرة أعلن أنه لا مصلحة له في توسعة الحرب على هذه الجبهة فيما بدا تراجعا ما. كل ذلك وحسن نصر الله غير ظاهر في المشهد فيما يشبه حال السنوار!! من أهم الجديد هنا قصفات من المقاومة الفلسطينية تخرج من جنوب لبنان (القسام وسرايا القدس) في تطبيق مهم لمفهوم “وحدة الساحات في الداخل والخارج” التي أعلن عنها من قبل أبو حمزة”.
  • تحول المأساة الإنسانية في غزة إلى كارثة، تحرك الخطابات السياسية، والرأي العام العالمي، وتظاهرات كبيرة وعديدة في الشرق والغرب ضد الهجمة الصهيونية الوحشية المتجبرة على غزة (خاصة عواصم أوروبا ومدن أمريكا وفي البلاد العربية) طبعا دون تأثير مباشر لكن على الله تعالى التيسير. صعود في النصرة ولو الرمزية ومواجهة الرواية الفاجرة من إسرائيل وحلفائها المدعشنة لحماس وغزة. ومن الجديد خروج تظاهرة في تل أبيب عند وزارة الدفاع ضد موقف الحكومة الصهيونية من قضية أسرى طوفان الأقصى لدى المقاومة. ويجري حراك شعبي عربي وإسلامي لتجميع والعمل على إيصال معونات إلى معبر رفح.
  • لا جديد في خطاب العدو، لكن حماس تتحرك بالخطاب السياسي –بعد غلبة الخطاب العسكري- بين الصمود والدعوة لفك الحصار ورفض التهجير وتأييد موقف مصر. وكذلك يتصاعد في غزة خطاب الاستغاثة –مع الصمود- الذي يقوده متحدث داخلية غزة ومتحدثي وزارة الصحة وأهل غزة بصفة عامة (خطاب رفض التهجير، وخطاب رفض إخلاء المستشفيات). والسلطة لا جديد عندها (لقاء عباس ببلينكن ضعيف جدا للأسف). والضفة والقدس والداخل جبهة لا تزال مقيدة جدا، اللهم إلا من بعض الاشتباكات والتظاهرات، واستمرار حملة الاحتلال لاعتقال رجالها.
  • خطاب السعودية ومصر يتطور لما هو أفضل وأوضح. ومصر تضغط بشاحنات الإغاثة على المعبر، وتساوم على إخراج الأجانب بإدخال الإغاثات، ويجتمع مجلس الأمن القومي المصري لإعلان ذلك إعلانا مؤسسيا ووضعه ضمن دائرة الأمن القومي المصري (طبعا ضمن خطاب مضيق). ومصر تدعو لقمة إقليمية (مفهوم جديد ومهم يضم تركيا وإيران وغيرهما غالبا بالإضافة إلى العرب وقوى قريبة وربما يضم روسيا).. ولعل الخطاب الأمريكي يشهد قدرا من التنويع على الخطاب الببغاوي السابق، يتحدث نسبيا عن الوضع الإنساني، والتمييز بين غزة وحماس، ولعل هذا يبدو من مقارنة تراجعات في خطاب بلينكن في لقئيه الأخيرين في السعودية ومصر.
  • إيران ترفع نبرة الاعتراض على ما يجري وخطاب تهديدي من مندوبها في الأمم المتحدة بتوسع الحرب إذا لم تقف الهجمة الوحشية في أقرب وقت، وكذلك خطاب وزير خارجيتها. وبناء عليه تعلن الولايات المتحدة تحريك حاملة الطائرات الثانية، مع خطاب تهديدي غربي. وتركيا تزيد التحركات والاتصالات لكن دون جدوى واضحة، ووزير خارجيتها لا يبدو قادرا على إنتاج خطاب مؤثر في تراجع للأداء التركي المعهود.
  • الحرب المعنوية على أشهدها وتتداخل في صنعها الخطابات مع الممارسات؛ ويظهر أهل غزة إيمانا وصمودا غير مسبوق رغم شدة الابتلاء، وحماس في حرج شديد بسبب هذا الألم الذي يحرك الناس من الشمال باتجاه الوسط في الجنوب، ولكن المقاومة تظهر حتى الآن استبسالا وقوة نفسية، بينما تتأرجح المواقف داخل جبهة العدو بين تجرؤ مجنون وبين تهيب كبير.
  • سؤال المستقبل القريب الملح على الأصعدة كافة ثلاثي: متى تنتهي المأساة؟ كيف ستنتهي هذه المعركة/الحرب؟ ماذا بعد انتهائها؟
  • باختصار شديد فالمتوقع أن إيقاع المذبحة سيستمر لأيام قليلة، أقل من أسبوع ثم يتراجع ولن يتوقف تماما إلا بتوقف الحرب. وستنتهي الحرب بعد عملية عسكرية شاملة في قلبها عملية برية لاجتياح غزة، تكبد المقاومة خسائر فادحة في الأرواح والبنية والمعدات، ثم تدخل القضية والمنطقة في تغييرات كبيرة.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

(8)

الطريق إلى المعركة الشاملة وفي قلبها البرية وسط المأسأة الإنسانية والملهاة السياسية والمعركة الإعلامية

شهد الأحد 15 أكتوبر 2023 تطورات مهمة على الأصعدة العسكرية والسياسية والإنسانية والإعلامية، يمكن إجمالها في الآتي:

  • على الصعيد العسكري: تستمر حشود العدو شرق غزة، وسط جدل حول ما يسمى المعركة البرية (وهي بحسب توصيفها حرب شاملة برية بحرية جوية) لاجتياح القطاع. الشيء الثابت فيها الذي يؤكده قادة العدو في الأرض المحتلة وفي الغرب أن الهدف هو “القضاء على حماس”- أي المقاومة في غزة. يعلن العدو أنه مستعد لخسائر، ويزور النتنياهو جنوده ليؤازرهم وكذلك وزيره جالانت وغيرهما، ولكن الاعتراضات الداخلية على هذه الحرب تتزايد. وبينما يتظاهر أهالى الأسرى الصهاينة لدى المقاومة ويستقبلهم النتنياهو، تُظهر حكومته نوعا من اللامبالاة بهذا الملف، وتتركه للأمريكيين (بلينكن يطيل زياراته في المنطقة وخاصة مصر لذلك، ووزير الدفاع الأمريكي يجعلها أولويته، وخطاب البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي ودوله الكبيرة.. والعرب وعباس يعربون عن تضامنهم في ملف الأسرى هذا!!). يحذر خبراء ومهتمون كثيرون من مغبة هذه الحرب، ويتنبأ بعضهم بفشلها (راجع لقاء تميم البرغوثي على الجزيرة مباشر مساء الأحد)، بينما يردد قادة العدو أنهم ليسوا فقط سينتصرون ويسحقون المقاومة، ولكن سيغيرون شكل المنطقة وأوضاعها، وأن جيشهم سيتعامل مع أي شيء ويتحرك في كل منطقة الشرق الأوسط.
  • وبينما اشتعلت الجبهة الشمالية للعدو السبت وصباح الأحد، وبعد مناوشات ثم مقاولات تتعلق بمسئولية لبنان وشكواها في مجلس الأمن، وبعد تصريحات إيرانية من وزير الخارجية ومن مندوبهم في الأمم المتحدة بأن إيران لن تقف صامتة على ما يجري في غزة (فيما يشبه التهديد بالتدخل المباشر أو غيره)، فإن هذه الجبهة في مساء الأحد ذهبت مذهبا خطيرا بإعلان العدو أنه لا يرغب في الصراع مع المقاومة اللبنانية، وإعلان ذلك المندوب الإيراني نفسه وقائد الجيش الإيراني أن إيران لن تحارب إسرائيل ما لم تعتد عليها وعلى مواطنيها ومصالحها. وبدا أن المقاومة خسرت هذا الرهان على إيران. (تصريح موسى أبو مرزوق صباح الاثنين بأن المقاومة كانت تتوقع أن يكون تفاعل إيران مع الحدث أكثر بكثير مما جرى. ولاحظ الصمت الرهيب لنصرالله حتى اليوم).
  • ويستمر العدو في تدمير غزة وقتل أهلها (الشهداء قاربوا الـ3000 والجرحى قاربوا الـ10000 وحسبنا الله ونعم الوكيل). والمقاومة لا تقدم جديدا مؤثرا غير الصمود أعانهم الله تعالى، ونفس رشقات الصواريخ (ويفسره البعض بالادخار للمعركة الشاملة)، وثمة بعض ضربات الهاون من فصائل متعددة على بعض حشود العدو شرق وجنوب شرق غزة. ولا تزال الضفة خارج المشهد العسكري بصفة عامة.
  • على الصعيد السياسي: بدا أن الضغوط الغربية على مصر لاستقبال النازحين أو المهجرين من غزة على أشدها، وأن ثمة اتجاها مصريا للتراجع عن الموقف المبدئي الاساسي؛ بشقه الأول (الرفض البات لإخراجهم من غزة إلى فلسطين)، وشقه الثاني (لا خروج للأجانب عبر المعبر إلا باتفاق يكفل إدخال المساعدات المتراصة أمام المعبر). وبالطبع مع تشجيع الكثيرين لذلك الموقف المصري بشقيه، فثمة إدانة له لعدم استخدام الحق القانوني الدولي في إدخال المساعدات، وإظهار الخوف من العدو الصهيوني وانتظار إذنه وسماحه في مساحة مصرية فلسطينية خالصة.
  • والمواقف العربية متوقفة عن المناشدات والمطالبات ولا جديد. ونشر في المساء تصريح لمحمود عباس بأن حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني زاد من الشقة.
  • ولا تأثير لإيران ولا تركيا في تحريك الموقف السياسي مع إصرار الغرب على الهدف المتعلق بحق بل واجب إسرائيل في محو حماس.
  • يتزايد الحديث عن الأزمة الإنسانية والأسرى ولكن دون مستوى الإصرار على استمرار الحرب حتى يحقق العدو هدفه. ومع تصاعد صورة الرأي العام العالمي الرافض للحرب، وكذا في العالم الإسلامي، لا تزال الأغلبية في الغرب مع الحرب، ولكن مع بعض إظهار رعاية للبعد الإنساني (لا القانوني) على أن تأتي في وقت لاحق.
  • وفي نفس اليوم خرج خطاب من الخارجية الصينية يطالب بوقف هذا “الظلم التاريخي” و”إقامة الدولة الفلسطينية”، بما لا أثر له على مجريات الأمور. ويستمر “الببغاء الصهيوني” في الإعلام الغربي ومتحدثي المؤسسات المختلفة. ويظهر الاتحاد الأوروبي عنايته بالأزمة الإنسانية لكن على المستوى الخطابي لا أكثر. ولا جديد عند روسيا، فقد عادت إلى الكلام عن حربها الأوكرانية، وإن كانت قناتها الناطقة بالعربية (RT) لا تكف عن الدفاع عن القضية الفلسطينية في إعلام مصدر للعرب وحسب. والهند واليابان خارج المشهد.
  • حتى الآن هناك منظمة للعالم الإسلامي لم يسمع لها حسٌّ وهي منظمة التعاون الإسلامي، وتهيمن السعودية عليها نوعا، وكانت تركيا تنافسها ولكنها وهنت. ولكل ذلك دلالاته التي لا تخفى ولا تحتاج لقول!
  • الأزمة الإنسانية تشتد وتبلغ مرحلة حرجة جدا: فقد تزايد ارتقاء الشهداء وما معه من فقد الأبناء والبنات والأزواج والآباء والأمهات والعائلات بأكملها، حتى إن ثمة مشكلات في التكفين والدفن (ظهر مشهد مما يشبه الدفن الجماعي..)!!! وظهرت أزمة عالقين تحت الأنقاض نحو (1000) شخص، فضلا عن أزمة المداواة للجرحى والمصابين، وتهديد العدو للمستشفيات (المستشفى الكويتي ومستشفى الشفاء وغيرهما) ومطالبة العدو لإداراتها بإخلائها من المرضى والمعالجين، ورفضهم، وتظل مشكلة الوقود والكهرباء تنذر بهاوية قد تحدث في أي وقت دون سابق إنذار؛ ويكون فيها حكم بالإعدام على آلاف من المصابين مرة واحدة.
  • مشاهد المأساة في غزة تذبح القلوب وتزيد مشاعر الكراهية والحقد تجاه هذا العدو بمعناه الكبير (إسرائيل واليهود والصهاينة والغرب بعمومه والمتصهينين العرب وغيرهم)، وتنقل القضية إلى أعماق نفسية وفكرية في المسلمين سيكون لها أثر كبير بعد انقشاع الغبار. وأيضا مشهد الصمود من أهل غزة ومقاوميها وإصرارهم على البقاء في البيوت المهدمة والتعرض الصابر لموت محقق أو شبه محقق، مما يلقي في النفوس المسلمة شعورا آخر بالقوة والإصرار والرغبة العارمة في الانتقام لهم. ومن ثم تتوالى الدعوات الإيمانية من المسلمين عبر العالم -ليس فقط للانتصار الإلهي لأهل غزة- ولكن أيضا للانتقام الإلهي من العدو الصهيوني بمعناه الكبير. (وهذا ليس خارج دائرة التحليل السياسي الحضاري، بل هو دال على تراكمات سيكون لها ما لها)، (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
  • ويطرح في محيط المقاومة وأمتها سؤالان: ما الذي سيكون؟ وما العمل الواجب؟
  • ففيما سيكون يبدو أن هذه المعركة الجارية تتقدم ويظهر لها كل يوم أنصار من قلب تكوينات العدو لكي تستمر. ولكن الجميع يتربص بالمعركة العسكرية القادمة (الشاملة/ البرية/ الفاصلة) ،والمخاوف تتزايد من سحق المقاومة فعلا، وتتضارب التحليلات في العالم العربي حول إمكان ذلك وعدمه، وحول ما سيترتب على كل من نتائج. والأمر كله لله.
  • وبالنسبة لما يجب عمله: فبالإضافة إلى حالة الدعاء العظيمة العامة في الأمة الإسلامية، يبحث المسلمون عن وسائل لإغاثة غزة، وتتوالى النداءات ومحاولات الضغط لإيصال المساعدات وإدخالها ولكنها للأسف حتى مساء الأحد تتحطم على صخرة التبعية المستبدة والاستبداد التابع، ضعيف الانتماء والمروءة. ومن ناحية أخرى يخوض شباب المسلمين في الشرق والغرب معركة إعلامية ضارية للدفاع عن المقاومة وفلسطين وقضيتها وحقوق أهلها، ومهاجمة الأكاذيب والأباطيل والافتراءات الصهيونية والغربية، ويحققون انتصارات، ويجدون من غير المسلمين –بل من يهود في نيويورك وغير يهود في أمريكا ولندن وباريس وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا واليونان وغيرها- أنصارا عسى الله أن ينصرنا بنصر من عنده.

والخلاصة أننا أمام مرحلة حرجة في تطور المعركة والقضية، قلبها المعركة الشاملة المتوقعة ومخاوفها وآمالها، والمأساة الإنسانية في غزة وآلامها وحالة العجز أمامها، وتجذر وتجلي الخذلان الفاضح لقضية الأمة وإنسانها. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

الخلاصة

ماذا بعد أسبوع كامل من الصدمة والصدام وهجمة الانتقام والدفع والإنقاذ المستحيل؟

تجمع عبر أسبوع كامل عناصر أساسية لمشهد المعركة بين الجهتين وأطرافهما وأهدافهم ووسائلهم وطرق تفاعلهم. ومن يرجع البصر فيما جرى تتراءى له معالم من قبيل:

  • من طوفان الأقصى إلى أهداف العدو وطوفانه المضاد:

ظلت المقاومة الفلسطينية في عموم فلسطين نشطة عند حد معين منذ انتهاء جولة سيف القدس مايو 2021، ضمن الأفق المعتاد منذ عقد سبقه ست سنين من الحصار والاستضعاف. وقد صعدت المقاومة من أدائها في ظل استئساد العدو (المحتل للأرض المغتصب للمقدسات المصادر لسير الحياة وحق تقرير الأمور فيها)، وفي السنة الماضية ارتفعت وتيرة المقاومة في الضفة عبر مجموعات جديدة في جنين ونابلس وغيرهما. في هذه الأثناء كانت المقاومة في غزة بقيادة كتائب القسام تعد لشيء آخر شرحه خطابها، ثم تواردت الأنباء بأن العدو على وشك أن يرتكب جرما جديدا وخطيرا في حق الأقصى وفي حق المقاومة (وقد زادت في الآونة الأخيرة ممارسات الاعتداء على الأقصى والمرابطات والمرابطين فيه)؛ ومن ثم حددت المقاومة 7 أكتوبر لضربة برية موجعة واختارت لها اسمها (طوفان الأقصى). فيما يبدو -وصرحت به حماس- أن مسار الضربة ونتائجها جاءت أكبر وأيسر بكثير مما خطط له واستهدف؛ ومن ثم كانت قوات المقاومة أنفسها أول المتفاجئين بما جرى في 7 أكتوبر وهو غني عن الذكر والتكرار. كانت مفاجأة سارة جدا للمقاومة ولأنصارها الذين جعلوا من 7 أكتوبر يوم عيد جديد، وعلامة أساسية على اقتراب وعد التحرر من الاحتلال العدواني. لكن على الجانب الآخر كانت صدمة العدو مريعة، وامتلكه رعب شديد، حمله على استدعاء القوى الغربية الكبرى كلها، ولم يكتف بأقواها الولايات المتحدة، ولم تكتف الأخيرة بذاتها، حتى جيشت سريعا جدا تحالفا من قوى أوروبا الكبرى للتضامن التام والكامل مع العدو وإعلان الاستعداد التام والكامل لحمايته مباشرة أو/و بإمداده بكل ما يحتاجه لحماية نفسه.

فيما يبدو أن تقديرا أوليا قدر احتمالا أنها حرب شاملة تقودها إيران عبر محورها لهجوم مستمر وكاسح على الكيان العدو (تذكر أن السنوات الأخيرة هيمنت عليها دعوات تحريضية صهيونية لضربات ضد إيران وبرنامجها النووي وقتل الصهاينة بعض علماء المشروع الإيراني في داخل إيران ذاتها وعملوا على تخريب سيبراني لبعض أجزاء البرنامج الإيراني،..). ومن ثم جاء التوجه الأساس من العدو ومن حلفائه باتجاه إيران وحزب الله وسوريا. ومع توقف ضربة طوفان الأقصى على يوم الأحد 8 أكتوبر، بدأ العدو وحلفاؤه في الانتقال إلى الرد، وكان أوله استعادة ما استولت عليه المقاومة من أرض أو مناطق نفوذ عسكري؛ أي ما يسمى غلاف غزة. ثم لم تلبث مؤسسات العدو وحلفاؤه أن قرأوا المشهد وتراجعت مقولة إنها حرب إيرانية، وبدأ تحديد إطار الموقف وأنه ضربة مؤلمة ومهينة من المقاومة؛ ومن ثم اختاروا ثلاثة أهداف متتالية: الانتقام الغاشم وغسل السمعة، استعادة قوة الردع، تغيير خريطة الصراع (وهذه الأخيرة لم تتبين منها إلا خطوتان ضمن بنك أهداف العدو: القضاء على حماس، تغيير وضعية غزة)، لكن مفهوم تغيير خريطة المنطقة أوسع ويتضمن عناصر سابقة عديدة (تغييرات ما بعد الثورات العربية في دواخل الأوطان العربية وبلقنة المنطقة، التعامل مع المحور الإيراني الشيعي المتماسك من طهران إلى صنعاء، مشروع التطبيع العربي مع الصهيونية ومشروع صفقة القرن الذي يتجاوز حل الدولتين إلى طرد الفلسطينين إلى سيناء ودول عربية أخرى… الخ).

ومضت بقية الأسبوع الأول في مسار الانتقام الأعمى وأخذ صورة التكثير والتكسير: تكثير قتلى الفلسطينيين في غزة، وتكسير بنية القطاع بمبانيه وشوارعه ومن ورائه البنية التحتية والإطارية للمقاومة في غزة. وفي إطار الانتقام بدأ التحضير للهدف التالي (القضاء على المقاومة) بدعشنتها إعلاميا وسياسيا، وإنتاج خطاب “حق العدو في القضاء عليها” حقا قانونيا وأخلاقيا من منطق أنها “داعش غزة” التي تقتل وتحرق وتختطف “المدنيين”.

  • من هدف العدو الأول إلى الثاني: ماذا بعد الانتقام الأعمى ودعشنة المقاومة؟

كما ذكرنا شمل الانتقام الأعمى تكثير أعداد القتلى ومحاصرة القطاع معيشيا؛ ما أحدث أزمة إنسانية وأثار ضجيجا عالميا وعربيا بدأ يدخل عناصر جديدة تحيط بمعركة الانتقام والصمود، يضاف إليه الحديث عن أسرى العدو لدى المقاومة، وصمود أهل غزة رغم المجازر، مما يعيق الانتقال إلى هدف سحق المقاومة؛ ما أثار قضية النزوح أو بالأحرى ما أعلن عنه العدو من ترحيل وتهجير أهل غزة إلى الجنوب وعبر معبر رفح المصري إلى سيناء.

يلاحظ في هذا الإطار تراجع تأثير أنشطة المقاومة، وتوقف أهدافها عند إظهار حضورها عبر رشقات وعمليات تعتبر رمزية ولا تؤثر في خط تقدم العدو لتحقيق هدفه الأول. وكذلك تبين خفوت صوت النصرة العربية والإسلامية بل والفلسطينية –الشعبية طبعا- وعدم تأثيرها في مسار العدو، ولكن بدأت بوادر إفاقة وتصاعد حضور الرأي العام العالمي المضاد لهدف العدو الأول (الانتقام بالمجازر والتدمير الشامل)، ما يطرح التساؤل الآن عن احتمالات تأثير هذا التحول في الرأي العام العالمي. والمتغير الأخير في هذا الصدد هو تصعيد الخطاب الإيراني نبرته والمناوشات بين العدو وحزب نصرالله ودمشق، ما قد يوسع نطاق الحرب ويؤثر على أهداف العدو.

العلامة الأساسية للشروع في الهدف الثاني هو شن الحرب الشاملة (وقلبها الحرب البرية وليست البرية فقط كما يتردد) من العدو على القطاع. والسؤال هو عن درجة احتمال شن هذا العمل، ونوعية إدارته المحتملة، واحتمالات انتصاره من انهزامه، وما قد يترتب علي هذا أو ذاك من أثر. ويرتبط بذلك ما سبق من إزاحة السكان نحو الجنوب أو أن يكون ذلك جزءا من أهداف الحملة الشاملة البرية ذاتها. (وسوف نتعرض لسيناريوهات هذا المسار إن شاء الله تعالى).

  • بيئة الصراع: المواتي وغير المواتي

جاءت الضربة الأولى للمقاومة محل فرح وتشجيع كبير في معسكر القضية الفلسطينية ومقاومتها، بينما جاء صدمة لمعسكر إسرائيل وحلفائها لا سيما في الغرب الأمريكي والأوروبي.  ومن ثم بدأ سباق التأييد والتأييد المضاد، وتحركت البيئة لتفرز ميزانا خطابيا متصاعدا من كفة العدو إلى كفة المقاومة، بينما ظلت كفة الممارسات والإمكانيات المادية وخاصة العسكرية والسياسية كلها تقريبا في كفة العدو.

خُذلت المقاومة من الجميع تقريبا بغير استثناء، اللهم إلا قطاعات من شعوب العالم تزايدت مع الوقت على وقع الكارثة الإنسانية المستمرة والمتصاعدة في غزة، فضلا عن تأييد للمقاومة ودفاع عن حقها في مقاومة الاحتلال على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة من العرب والمسلمين. لكن لم تبد أي دولة عربية أو إسلامية استعدادا لمساعدة المقاومة عسكريا، اللهم سوى إيران وحزب الله (وسموا بالمحور) اللذين سرعان ما تبين أنهما غير جادين في ذلك. ولكن الاستعداد الرسمي لإغاثة أهل غزة تزايد خاصة بعد أن ارتفع صوت الرأي العام العالمي الذي أسهم في مدافعة الحملة الإعلامية الغربية على المقاومة والفلسطينيين، وشجع أطرافا كثيرا لرفع صوتها بالدفاع عن حق الإنسان في غزة في الحياة والأمن من القتل الجماعي الوحشي الذي يمارسه جيش الاحتلال. ومن ثم تقدمت بعض الخطابات العربية والإسلامية في هذا الاتجاه، لكن فاعليتها للأسف الشديد توقف أمام إذن الغرب ومن ورائه العدو الإسرائيلي ذاته.

اجتماع وزراء الخارجية في الجامعة العربية كان مخزيا وغير ذي بال، ولم تظهر دعوة لاجتماع في منظمة التعاون الإسلامي، وفقط دعت مصر إلى قمة إقليمية لمناقشة الأمر دون أن يأتيها رد، حتى من الدول المنادية بحل!!! تركيا واهنة ولا تقدم للمقاومة وغزة شيئا يذكر بعد سنوات من الدفاع عالي الصوت عنها. وتلاعب الخطاب الروسي بالقضية كما أشرنا، وبدت الصين متثائبة في خطابها، ولم تظهر دفاعات رسمية قوية الحجة ولكن من غير تأثير على ميزان القوى إلا لماما من بعض مسئولي الحكومة النرويجية وكولومبيا في أمريكا اللاتينية مثلا.

أما العدو فقد وجد وصنع تأييدا دوليا غربيا واسعا وشديدا؛ وتفويضا مطلقا بالقتل والتدمير بدون أي قيد (في البداية) كما جاء في خطابات الإدارة الأمريكية والحكومات الأوروبية. لكن الأهم أنه في الوقت ذاته شفع الغرب هذا التأييد والتفويض الخطابي بإبداء الاستعداد الفعلي الكببر لتقديم إسناد عسكري لحملة الرد وما أسماه هؤلاء “الدفاع عن النفس”. وتدعَّم ذلك بحراك سياسي وإعلامي كبير لتأييد هذا العدو ضد المقاومة التي نعتت بالإرهاب والوحشية والداعشية والقاعدية والنازية والفاشية وغيرها. تضمن الخطاب الغربي بعد ذلك قيدا خطابيا يتعلق بمراعاة العدو القانون أو المدنيين أو ما إليه، لكن دون تفعيل حقيقي.

وهكذا فإن البيئة الإقليمية والدولية مواتية للعدو؛ لأهدافه، وممارساته لتحقيق هذه الأهداف، وإن أضحت سجالية بالنسبة للخطاب وما فيه من دعاوى وادعاءات وحجج وإسنادات. والله غالب على أمره.

  • ديناميات التدافع والصراع ودلالاتها:

بخلاف ما يروج العدو من أنها هجوم إرهابي ليس له ما يبرره، تمثل عملية طوفان الأقصى نوعا من التدافع؛ دفع العدو الصائل، الغاصب، المعتدي على الدين والدنيا، على الأرض والعرض، على الحياة والكرامة، على العيش والحرية. ومن ثم فهي أخلاقيا عملية دفاع عن النفس وهي حق وواجب. لكن هذه العملية كانت من الثقل بحيث حركات تدافعات كثيرة جديدة؛ لعل أهمها: التدافع بين المقاومة وعدوها المباشر، وبينها وبين حلفاء العدو، والتدافع المحفوف بالشكوك بين العدو وحلفاء المقاومة في إيران ولبنان، فضلا عن التدافعات السطحية بين الحكومات العربية والعدو وحلفائه، والتدافعات المحيطة غير ثقيلة الأثر بين القطاعات الشعبية والمنابر الإعلامية.

وخلاصة هذه التدافعات أن ضربة طوفان الأقصى حركت حربا شعواء على المقاومة وشعب غزة من العدو وحلفائه صنعت حالة حربية وعدوانية ممتدة، ولكن هذه الحرب الشعواء ذاتها حركت معارضة عالمية للتوحش، وظلت التدافعات الأخرى ضعيفة وغير مؤثرة حتى نهاية الأسبوع الأول من الحرب. ومن ثم فإن الحرب ومواجهة العدوان يظلان هما قلب الصراع ومركز النظر فيما يلي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى