تشابك الداخل والخارج الأزمات في إيران ما بين الضغوط الداخلية والتدخلات الخارجية

تقديم: مدخل تحليلي لدراسة الحالة الإيرانية

تتمتع إيران بخصوصية حضارية متعددة الأبعاد والمستويات منذ ثورتها الإسلامية، التي ربطت بين الدين والسياسة من ناحية وبين الداخل والخارج من ناحيةٍ أخرى. وقد عانت إيران الكثير بسبب الإصرار على طموحاتها النووية، حيث صارت هدفًا لسياسات القوى الكبرى التي تهدف لدعم التوازن الإقليمي التقليدي في المنطقة، ومنع توسع انتشار الأسلحة النووية حفاظًا على الوضع القائم الذي يؤكد هيمنة هذه القوى ويدعم مصالحها. منذ نشأة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وإعلان فك الارتباط بالقوى الغربية، بل وإعلان التمرد على النظام الدولي القائم على هيمنة هذه الدول، لاقت إيران موجات متتالية من العقوبات التي استهدفت النظام الإيراني على المستويين الرسمي والشعبي، ولقد كان لهذه العقوبات صدى على الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية في الداخل الإيراني، ولذا فإن الداخل من إيران والخارج لا ينفصلان في فهم أبعاد الأزمات الإيرانية التي ازدادت بشدة منذ سياسات “الضغوط القصوى” التي تبنتها إدارة ترامب. ومن ثم، يجدر الإشارة إلى ثلاثة مستويات تحليلية لفهم الحالة الإيرانية، وهذا قبل التطرق إلى مستويات الأزمات ومسبباتها وأبعادها وآثارها، وذلك على النحو التالي:

1-تشابك الداخل والخارج في الأزمات الإيرانية: تتوافق دراسة الحالة الإيرانية مع مراجعات علم السياسة فيما يخص الحدود الفاصلة بين الداخل والخارج من الدولة القومية، وهي أطروحة لاقت رواجًا لدى أنصار المدرسة الواقعية التي كانت تُركز على الحدود بمفهومها التقليدي، والأمن بمعناه العسكري. تأثرت الدولة القومية بالعولمة كون الدول جزءً من عالمٍ أكبر يموج بالتفاعلات المتعددة على مستوى الأفكار، والأفراد، والاتصالات، ورأس المال. ولقد مثلت العولمة تحديًا رئيسًا للدولة القومية، وللسيادة، والحدود بمفهومها التقليدي. إذ ألقت العولمة بثقلها على الدولة القومية وخاصةً في الجوانب الاقتصادية، حيث تغيرت حقائق الأسواق وأضحت الدول غير قادرة على السيطرة على حدودها[1]. وفي هذا السياق، يُشير “ساسكيا” إلى أن مفهوم الحدود لا يقتصر على الجانب الجغرافي والجهاز المؤسسي لضبط تلك الحدود، فقد كشفت العولمة عن المعنى الحقيقي والواسع لمفهوم الحدود ليشير إلى تعدد جوانب المفهوم مثل حدود تدفق رأس المال وحدود السيطرة على الأسواق والبنوك، وغيرها[2].

بدأ الحديث عن تراجع الحدود الفاصلة بين الداخل والخارج من الدولة القومية منذ حديث “روزيناو” عن “سياسات الربط linkage Politics” عام 1969؛ ولذا جرت مراجعات علم العلاقات الدولية نحو تعريف ثلاثية الدولة والسيادة والحدود. ومن الجدير بالذكر، أن التطورات المحيطة بالدولة القومية أدت إلى ظهور ما أسماه دارن بارني “المجتمع الشبكي” كونه يعتمد على الشبكات المتفاعلة في المجالات المختلفة، وهو ما أدى إلى شبكية العلاقات الدولية خاصةً في مجال الاقتصاد السياسي الدولي، وبروز دور الشركات العابرة للقومية والمنظمات الدولية غير الحكومية[3]. ولقد أشار السيد ياسين إلى أن أهم سمات التغيير العالمي الشامل هو غياب الحدود بين السياسات الداخلية والسياسات الخارجية، وزيادة الاعتماد المتبادل بين الدول والشعوب، وبروز الشبكات العابرة للقومية[4].

ومن الجدير بالذكر، أن هذه التطورات مرتبطة بواقع الدول القومية مثل إيران، ومفسرة للعديد من جوانب الأزمات الإيرانية؛ إذ لا يمكن فهم طبيعة هذه الأزمات ومسبباتها ومساراتها ومستقبلها دون الحديث عن تشابك الداخل والخارج من الدولة الإيرانية. فلقد كان للعقوبات الخارجية على إيران، وارتباط الاقتصاد الإيراني بالاقتصاد الدولي المعولم الأثر الأكبر على تطور الأزمة الاقتصادية وما انعكست عليه في الجوانب الاجتماعية والسياسية في إيران، وهو ما يُعد أحد أهم مداخل تفسير الأزمة الاقتصادية الإيرانية، في ضوء موجاتٍ متتالية من العقوبات الدولية.

2-ارتباط السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الأزمات الإيرانية “إعادة تعريف السياسي”: يأتي المستوى الثاني في المدخل التحليلي لفهم الأزمة الإيرانية في التأكيد على إعادة تعريف السياسي واتساع مجالاته، ليؤكد تشابك أبعاد الظاهرة الإنسانية في جوانبها المختلفة السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والدينية، وهي جميعها مؤثرة في السياسي ومتأثرة به. إن مفهوم الحدود في سياق الواقع الدولي المعقد والمتشابك يعني الترابط بين الداخل والخارج من ناحية، والترابط بين السياسي والاقتصادي وغيرهم من جوانب الظاهرة من ناحيةٍ أخرى.

ولقد انعكست هذه التطورات والمراجعات على مفهوم الأمن بمعناه التقليدي، إذ ظهر الحديث عن الأمن الإنساني في ظل وجود قضايا داخلية لها أبعاد دولية من جهة، ووجود قضايا دولية لها تأثيرات واسعة على الدول القومية داخليًا من جهةٍ أخرى، ولذا فقد اكتسب مفهوم الأمن أبعادًا غير عسكرية تتضمن الاقتصادي والسياسي والثقافي والبيئي والصحي أيضًا. وأضحى الخارج يستهدف الداخل ليس بالأسلحة الحديثة، ولكن باستهداف الرأي العام والضغط على الحكومات، كما أضحى الاهتمام بما يمكن فعله فوق إقليم دولة ما من عقوبات اقتصادية وسياسات تجارية ومالية وغير ذلك[5].

ويرتبط هذا البعد من المدخل التحليلي بشكلٍ كبير بالأزمة الإيرانية، إذ لا يمكن فهم أبعاد الأزمة في الداخل الإيراني دون النظر لتشابك الأزمة الاقتصادية بالأبعاد السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية والصحية، فالعقوبات المتتالية على إيران كان لها تأثير واسع على بنية المجتمع الإيراني من ناحية، وعلى النظام الحاكم وعلاقته بالشعب الإيراني من ناحيةٍ أخرى. وفي السياق ذاته، يأتي البعد الصحي أيضًا، فلقد انعكست أزمة وباء كورونا العالمية على الاقتصاد الإيراني، وعلى حالة الطبقات الاجتماعية في إيران، وعلى علاقة الحاكم بالمحكوم. ولذا، فإن حلقات الأزمة الإيرانية متشابكة تؤثر في بعضها، ولا تفصل الخارج عما يجري في إيران بل تتأثر به بشكلٍ كبير.

3-خصوصية الحالة الإيرانية: يأتي المستوى الثالث من المدخل التحليلي لفهم الأزمة الإيرانية متعددة الأبعاد والمستويات ليتناول خصوصية الحالة الإيرانية. إذ إن المستوى الأول المتعلق بتداخل الخارج والداخل من الدولة القومية، والمستوى الثاني المتعلق بتشابك أبعاد الأزمة لهما تطوران يرتبطان بوضع الدولة القومية على اختلاف هوياتها في ضوء تطورات العولمة، ويتضح ذلك جليًا في الحالة الإيرانية ولكن متضافرًا مع خصوصية “إيران”.

برزت إيران كقوة إقليمية لها طموح خارجي وتسعى للعب دور ريادي في المنطقة؛ اعتمادًا على خصوصيتها الدينية والثقافية والتي شكلت هوية الدولة منذ الثورة الإيرانية. إذ تسعى إيران لتحدي النظام الدولي القائم على الهيمنة الأمريكية. فعلى المستوى الخارجي، تتحرك إيران إقليميًا كدولة تدافع عن المذهب الشيعي والأقليات الشيعية، وتربطها معهم أواصر علاقات قوية أدت لتدخلات إيرانية واسعة في شؤون دول المنطقة مما أحدث تخوفًا إقليميًا ودوليًا واسعًا من الدور التدخلي الإيراني. توافقت هذه المخاوف مع التخوف الدولي من الاستراتيجية النووية الإيرانية الطموحة. ولذا، بنت إيران تحالفات دولية واسعة مع دول القارة الأفريقية ومع دول أمريكا اللاتينية بجانب دعم علاقاتها مع أقطاب دولية مثل الصين وروسيا، وهو ما جعلها في مرمى عداء الولايات المتحدة والدول الغربية بشكلٍ مباشر[6].

وعلى المستوى الداخلي، فمنذ قيام الثورة الإسلامية في إيران وتبني نظام ولاية الفقيه، برزت ثنائيات عدة تُميز الحالة الإيرانية منها ثنائية الأيديولوجي والبراجماتي، والهوية الدينية والفارسية، والمؤسسات السياسية الدستورية والمؤسسات الدينية، والتوجهات المحافظة والإصلاحية، وقد انعكست هذه الثنائيات على رؤية إيران لهويتها ولتحركاتها في السياسة الخارجية أيضًا، وأضحت تلك الهوية هي ما يُحركها في مواجهة الآخر على اختلاف مستوياته. ومن الجدير بالذكر، أن هذه الخصوصية الإيرانية انعكست بشكلٍ واضح على التحديات التي تواجه إيران، وعلى رأسها التحديات الاقتصادية[7].

وبالتالي، تتضافر أبعاد المدخل التحليلي الثلاثة كمدخل منهاجي لتفسير الأزمة الإيرانية، والتي لا تنفصل عن سياقها الداخلي والإقليمي والدولي من جهة، ولا تنفصل عن خصوصية الحالة الإيرانية وتشابك الاقتصادي مع السياسي والديني والسياسي والثقافي والاجتماعي من جهةٍ أخرى. تلك الأزمة التي يبحثها التقرير بالتركيز على بعدها الاقتصادي ليرسم معالم تداعياته السياسية والاجتماعية، واستراتيجيات النظام الإيراني للتعامل معها.

أولًا- الأزمة الاقتصادية في إيران: الأبعاد، والتداعيات:

تواجه إيران سلسلة متتالية من العقوبات الدولية نتيجة طموحاتها النووية، ولقد حكم برنامج إيران النووي علاقاتها مع القوى الكبرى، حيث هناك مخاوف دولية واسعة من امتلاك إيران للأسلحة النووية في ظل الصراع الأيديولوجي الإيراني مع القوى الغربية. ومن الجدير بالذكر، أن للأزمة الاقتصادية أبعادًا أخرى بجانب العقوبات؛ إذ أن اختصار واقع الاقتصاد الإيراني بالعقوبات لهو اجتزاء لأبعاد الأزمة الأخرى والتي لا تقل أهمية عن وقع العقوبات على الاقتصاد الإيراني، ذلك حيث تواجه إيران تبعات أزمة وباء كورونا الاقتصادية، ولا ينفصل عن ذلك سياسات النظام الحاكم ودور المؤسسات التابعة له في الاقتصاد الداخلي للبلاد. وتختبر الأزمة الاقتصادية في إيران مقولات دور الخارج في أزمات الداخل، وتشابك الاقتصادي مع جوانب الظاهرة الإنسانية الأخرى، ومن أهم أبعاد الأزمة الاقتصادية في إيران وتداعياتها ما يلي:

1- سياسات النظام الحاكم: ساهمت السياسات الاقتصادية المالية والنقدية للنظام الحاكم في إيران في اتساع الأزمة الاقتصادية. تمثل ذلك في تأخر تنفيذ الإصلاحات المطلوبة وخاصةً دعم السلع الأساسية، بجانب الاعتماد بشكلٍ كبيرٍ على البنك المركزي لدعم الإنفاق الحكومي على نحوٍ غير مباشر. كما أن سياسات الحكومة في مواجهة التظاهرات السياسية، والتي ارتبطت بإغلاق دوري ومستمر للإنترنت قد أثرت على الشركات والمشروعات الصغيرة للمواطنين، والتى كانت تعتمد بشكلٍ أساسي على التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع التجارية من أجل الإعلانات والمبيعات. يُضاف لذلك، أن الحكومة الإيرانية تخسر قرابة نصف عائدات النفط المتوقعة من خلال الخصومات وتكاليف التهريب والقيود المصرفية[8].

وفي سياقٍ متصل، لاقت سياسات الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” نقدًا واسعًا في إدارة الملف الاقتصادي للبلاد، وبخاصة السياسة التي أطلق عليها اسم “الجراحة الاقتصادية”، والتي تهدف إلى وقف سياسة طويلة الأمد تتمثل في توفير سعر صرف أجنبي أكثر فائدة لبعض المستوردين، الأمر الذي عزز الفساد واستنزاف خزائن الحكومة. ولقد اندلعت الاحتجاجات في إيران اعتراضًا على ارتفاع أسعار الخبز والسلع الأساسية الأخرى في عشرات المدن والبلدات في جميع أنحاء البلاد، كما ارتفع معدل التضخم. يًضاف لذلك الانتقادات الواسعة للوعود الحكومية غير الواقعية، فلقد قدم “إبراهيم رئيسي” العديد من الوعود غير الواقعية من بينها سعي الحكومة إلى “إنشاء مليون وحدة سكنية في العام” و”القضاء على الفقر في أسبوعين”[9]. وهي دعاية للنظام أكثر منها وعود حقيقية.

من العوامل الداخلية المسبِّبة للأزمة الاقتصادية، سيطرة المؤسسات الدينية التابعة للنظام على أبعاد وموارد الاقتصاد الإيراني. فبعد قيام الثورة في إيران أضحى النصيب الأكبر من إدارة رأس المال والشركات العامة والأصول مملوكة للدولة والمقربين من دائرة السلطة، وبخاصةٍ المؤسسات الدينية والعسكرية التابعة لولاية الفقيه. ولذا، يسيطر القطاع العام في إيران على الاقتصاد والصناعات الرئيسية والتجارة الدولية والتعدين والمصارف والتأمين والطاقة والسدود والموارد المائية والاتصالات السلكية واللاسلكية والطيران والبحرية والسكك الحديدية، وما إلى ذلك. كما يتم تقاسم الاقتصاد بين الحكومة المركزية والمؤسسات شبه العامة التي تُعفى في الغالب من ضرائب الدخل أو الأرباح التي تُقيد السياسات المالية للحكومة المركزية[10]. وفي إطار مواجهة العقوبات، يتبنى النظام الحاكم في إيران ما أسماه “اقتصاد المقاومة”، وهو ما تديره بشكل أساسي المؤسسات الدينية التابعة للنظام، ولذا يخضع قسم كبير من النشاط الاقتصادي في إيران لإدارة شركات شبه عامة كبيرة جدًا مثل (بنياد) والكيانات التنفيذية مثل (ستاد) التي يقوم المرشد الأعلى بتعيين قادتها ويختارهم من صفوف القياديين السابقين في الحرس الثوري الإيراني. إن هذه الشركات معفية غالبًا من الضرائب على الإيرادات أو القيمة المضافة، وهو الأمر الذي ساهم في انتشار الفساد في أعلى مستويات السلطة، في ظل غياب الرقابة على هذه المؤسسات[11].

وفي هذا السياق، فقد شكل الحرس الثوري الإيراني، وهو المؤسسة الأكثر نفوذًا في إيران داخليًا وخارجيًا، محور العديد من إدعاءات الفساد، وذلك نتيجة السيطرة على الكثير من القطاعات الاقتصادية، من بينها الطاقة والبناء والنقل، مما يفتح المجال أمام الفساد والسرقة والمحسوبية. وكانت إحدى أشهر حالات مزاعم الفساد مؤخرًا ترتبط بمؤسسات تابعة للحرس الثوري منها شركة “ياس القابضة”، والتي قيل إنها مرتبطة بـ “فيلق القدس” إذ كانت هناك إدعاءات اختلاس مرتبط بالمؤسسة وبلدية طهران، بعد أن كشف تدقيق مالي اختفاء مبالغ كبيرة من أموال المؤسسة[12]. ولا ينفصل عن هذه السياسات، نفقات التسلح العسكري الواسعة والتي تثقل كاهل الميزانية الإيرانية في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية.

بجانب السياسات الداخلية الاقتصادية للنظام، فإن السياسة الخارجية للنظام الحاكم قد أسهمت بشكلٍ كبير في الأزمة الاقتصادية الحالية في إيران، إذ تتبنى إيران استراتيجية خارجية طموحة في إطار مبدأ “تصدير الثورة” إلى الخارج، وتعتمد إيران في تدخلاتها الخارجية على وكلائها من الشيعة في الخارج في لبنان والبحرين واليمن والعراق وسوريا، وتوظف إيران دعم سياسي وعسكري واقتصادي واسع لوكلائها وحلفائها في الخارج، مما يثقل كاهل الاقتصاد الإيراني.

لقد كانت نقطة التحول الرئيسية تتمثل في الدعم الإيراني للحليف السوري، إذ دعمت إيران بشار الأسد عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا وساهمت في صمود نظامه، وهو ما عمق العجز الاقتصادي من ناحية، وألّب الرأي العام ضد النظام الحاكم وسياساته من ناحيةٍ أخرى، إذ اعُتبرت هذه النفقات إهدارًا للثروات الإيرانية التي هي حق الشعب الإيراني، وهو ما اتضح في تظاهرات واسعة تردد شعارات تطالب الحكومة بالكف عن دعم النظام السوري والوكلاء الآخرين في لبنان واليمن والعراق وغيرهم. بجانب التوجهات السياسية للنظام خارجيًا، فقد ساهمت توجهاته الاقتصادية في التعامل مع حلفاء الخارج في تعميق أبعاد الأزمة الاقتصادية، فعلى سبيل المثل اعترض جزء كبير من التجار الإيرانيين على الامتيازات الواسعة تجاريًا واقتصاديًا للصينيين في الاقتصاد الإيراني على حساب الإيرانيين، واتضح ذلك من خلال إغلاق العديد من المصانع الإيرانية بعد إغراق السوق الإيرانية بالمنتجات الصينية. ولذا، فالتوجه نحو فتح الأسواق الإيرانية للمنتجات الصينية يفقد النظام دعم التجار وأرباب الصناعات الوطنية المتوسطة والصغيرة[13]. ولقد ساهمت هذه السياسات في تعميق الأزمة الاقتصادية، بجانب العقوبات وأزمة وباء كورونا.

2- العقوبات الدولية والتدخلات الغربية: سعت القوى الكبرى لحصار إيران في ضوء طموحاتها النووية وتوجهاتها الأيديولوجية عبر سلسلة من العقوبات التي تستهدف الاقتصاد الإيراني، وقد مثلت العقوبات الاقتصادية على قطاع النفط في إيران والتي أقرها الاتحاد الأوروبي في يوليو 2012 تطورًا ذا تأثيرٍ واسع، ضمن محاولات تطويق وحصار إيران. إذ كان لهذه العقوبات تأثير كبير على سعر النفط عالميًا من ناحية، وبالتالي أسعار السلع والمواد الأساسية للشعب الإيراني من ناحيةٍ أخرى. ولقد تكبد الاقتصاد الإيراني خسائر واسعة منذ ذلك الحين، فقد تراجعت العملة الإيرانية في عام 2012 وحده بما يساوي 80٪ من قيمتها أمام سعر الدولار الأمريكي، ولذا، فقد وصف رئيس البنك المركزي الإيراني هذه العقوبات كونها بمثابة “شن الحرب” على إيران[14].

كانت الضربة الكبرى للاقتصاد الإيراني في ظل إدارة ترامب، في ضوء تبني إدارته سياسة “الضغوط القصوى” بعد الانسحاب الأمريكي عام 2018 من خطة العمل المشترك المتفق عليها عام 2015. ومنذ عام 2017، فرضت إدارة ترامب سلسلة من العقوبات الصارمة على إيران في محاولة لحرمان النظام من الموارد المالية وإجباره على التفاوض بشأن اتفاقٍ نوويٍ جديد. وقال وزير الخارجية السابق مايك بومبيو إن استراتيجية الإدارة الأمريكية تهدف إلى قطع 80٪ من عائدات النفط الإيراني. ومن ثم، زادت مشكلات الاقتصاد الإيراني، وكان التقلبات في سعر الصرف وتراجع قيمة العملة الإيرانية هما مؤشران على اعتلال الاقتصاد الإيراني، وذلك بجانب انخفاض الواردات وعدم استقرار سعر الصرف وتأثر التجارة الخارجية، والنقص في السلع، وارتفاع أسعار السلع المستوردة إلى السوق الإيرانية، ونقص العملات الصعبة بسبب تراجع إيرادات التصدير. ونتيجة لهذه السياسات، وفي سبتمبر 2020، سجل الريال الإيراني تراجعًا قياسيًا جديدًا مقابل الدولار، إذ تدهور سعره إلى 273000 ريال للدولار في السوق غير الرسمية، وذلك في اليوم الذي تلى إعلان الرئيس ترامب إعادة العمل بجميع العقوبات التي كانت الأمم المتحدة قد فرضتها على إيران[15]. ومن ثم، فإن للعقوبات الدولية الأثر الأكبر على اعتلال الاقتصاد الإيراني.

3- جائحة كورونا: برز الجانب الصحي لأزمة الأمن الإنساني العالمي مع وباء كورونا الذي اجتاح العالم وترك تداعيات سلبية على اقتصادات الدول المتقدمة والنامية على السواء. ولقد واجه الاقتصاد الإيراني تبعات الأزمة تزامنًا مع العقوبات الدولية، مما كان له بالغ الأثر السيء على جوانب الاقتصاد والحياة المعيشية للشعب الإيراني.

فلقد أشارت بعض المصادر إلى التبعات الواسعة لأزمة الوباء على إيران اقتصاديًا، إذ تكبدت الدولة خسائر ما يقارب 164 مليون دولارًا عن كل يوم تُغلق فيه الأعمال. ولقد تأثرت القطاعات والخدمات المختلفة على مستوى الدولة، إذ تعطلت العديد من الخدمات. ومن الجدير بالذكر، أن قطاع الخدمات في إيران يمثل قرابة نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. كما تأثرت الصادرات الإقليمية مع إغلاق الحدود الجوية، وانتشرت البطالة بسبب نقص الواردات من جهة والتراجع الحاد في أسعار النفط عالميًا من جهةٍ أخرى.

ففي استطلاع للرأي في طهران مطلع أبريل 2020 أفاد 70 ٪ من السكان أنهم يواجهون ضائقة مالية في محاولاتهم لتأمين القوت لعائلاتهم. كما تزايدت الفجوة الاجتماعية بين الطبقات نتيجة تبعات الوباء. وتبعًا لبعض المصادر في التوقيت ذاته، فقد فاق التأثير السلبي للوباء كل التوقعات خلال فترة قصيرة من انتشاره: إذ تأثر سلبًا 3,3 مليون موظف و4 ملايين عامل يعملون لحسابهم الخاص، مع خسارة 7 ملايين إيراني عملهم[16]. ولقد ساهمت تبعات الوباء في اتِّساع الأزمة الاقتصادية في ظلِّ عدم وجود سياسات حكومية واضحة لمواجهة التبعات الاقتصادية للوباء، بجانب الوعود الحكومية غير الواقعية لحكومة رئيسي، إذ لم يتم تقديم حلول عملية لمعالجة البطالة وتحسين الظروف المعيشية، ولا ينفصل ذلك عن تبعات العقوبات الدولية المتراكمة على إيران.

فبجانب، سوء إدارة الملف الصحي في إيران، وعدم سماح الحكومة الإيرانية بدخول اللقاح إلى البلاد إلا بعد 8 أشهر من تفشي الوباء، فضلا عن عدم السماح بدخول اللقاحات الأمريكية والبريطانية، إلا أن الحكومة الإيرانية ألقت باللوم على العقوبات التي كانت سببًا رئيسيًا في صعوبة حصول إيران على الإمدادات الطبية والمعدات اللازمة لمواجهة الوباء. وهو ما أنكرته الولايات المتحدة من جانبها، إذ ادعت أن إيران رفضت المساعدات الأمريكية خلال تفشي الوباء، إلا أن إيران تلقت المساعدات من منظمة الصحة العالمية وبعض دول الاتحاد الأوروبي[17]. ولكن بشكلٍ عام، كان للخارج كما للداخل دور واضح في تفشي الوباء؛ مما أدى لتعميق الأزمة الاقتصادية وزيادة الضغوط المعيشية على الشعب الإيراني.

ومن موشرات اتساع الأزمة الاقتصادية في إيران عام 2022، ما يلي:

  • التضخم: أعلن المركز الإحصائي الإيراني أن أسعار المستهلك كانت أعلى بنسبة 48 ٪ في نوفمبر عما كانت عليه قبل عام.
  • نمو الناتج المحلي الإجمالي: في أكتوبر، توقع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن ينمو الاقتصاد بنسبة 3٪ أو 2.9٪ على التوالي في 2022/23. سجلت أحدث البيانات الحكومية ربع السنوية – من أبريل إلى يونيو 2022 – نموًا بنسبة 3.8 في المائة، ولكن مع انكماش في القطاعات الرئيسية بما في ذلك الزراعة والبناء.
  • سعر صرف العملة: في منتصف ديسمبر، سجلت العملة الإيرانية أدنى مستوى لها على الإطلاق عند قرابة 400 ألف ريال للدولار. ومنذ بدء الاحتجاجات في سبتمبر، فقد الريال نحو 20 بالمئة من قيمته.
  • معدلات البطالة: في أكتوبر، توقع صندوق النقد الدولي أن تبلغ نسبة البطالة 9.4٪ في 2022/203. وقدر تقرير حكومي أن معدل البطالة في صيف 2022 بلغ 8.9 في المائة، وبطالة الشباب بنسبة 16.2 في المائة.
  • الإنتاج الصناعي: حدث انكماش في العديد من القطاعات، بما في ذلك البناء والخدمات والزراعة[18].

يُضاف إلى ما سبق أن، إيران تستعد لمواجهة سلسلة من التحديات المتعلقة بالطاقة في عام 2023. فقد زاد استهلاك الغاز الطبيعي في عام 2022 بمقدار 60 مليون متر مكعب يوميًا مقارنةً بعام 2021، بينما زاد الإنتاج بمقدار 25 مليون متر مكعب فقط يوميًا. كما يشهد استهلاك البنزين ارتفاعًا كبيرًا، وقد تباطأ الاستثمار في طاقة التكرير الجديدة مما سيؤدي إلى خفض الإيرادات الحكومية. إذ يتم دعم البنزين بشكلٍ كبير في إيران، لكن رفع الأسعار لتهدئة الطلب سيكون بمثابة انفجارٍ سياسي[19].

وبناءً على هذه العوامل الداخلية والخارجية السابق ذكرها، فقد ازدادت الأزمة الاقتصادية واستحكمت حلقاتها على الشعب الإيراني. تلك الأزمة التي كان لها صدى واسع على مناحي الحياة المختلفة للمواطنين واستهدفت الأمن الإنساني للشعب الإيراني بشكلٍ واضح.

ثانيًا- الأبعاد السياسية للأزمة الاقتصادية: أزمة الشرعية في إيران:

شهدت إيران مؤخرًا اضطرابات واحتجاجات واسعة جاءت في قلبها الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية والسياسية على الشعب الإيراني. فقد اندلعت تظاهرات واسعة عقب مقتل فتاة إيرانية على يد الشرطة في طهران، واتسعت الاحتجاجات لتشمل أكثر من 80 مدينة إيرانية. ومن الجدير بالذكر، أن إيران شهدت احتجاجات واسعة عام 2009 بقيادة الحركة الإصلاحية داخل النظام الحاكم، لكن الجديد في الاحتجاجات الحالية أنها واسعة النطاق ضمت فئات اجتماعية متعددة تعبر عن غضبها الواسع بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الشعب الإيراني. فقد جاء المتظاهرون من جميع طبقات المجتمع، بما في ذلك الأقليات العرقية والدينية، كونهم يُعانون من الأزمة الاقتصادية المستمرة والتضخم المتسارع ونقص المياه والمشاكل البيئية المتزايدة، وهو ما حدا بالبعض للحديث عن هذه التظاهرات كونها تمثل “أزمة شرعية” للنظام الحاكم[20].

وبجانب مشاركة الفئات الاجتماعية المختلفة في التظاهرات، فقد كان ما يُميزها أيضًا انضمام الفئة العمالية وإضراباتها المتتالية، بجانب المشاركة الواسعة لطلاب الجامعات وكثافة الاحتجاجات في المراكز الحضرية والجامعات الإيرانية، مرددين شعارات تحتج على الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي يعيشها الشعب الإيراني. ففي 10 أكتوبر، نظم عمال البتروكيماويات في مدينتي عبادان وعسلوية بمحافظة بوشهر مظاهرات لدعم الاحتجاجات، وقد كانت مشاركة عمال النفط بارزة ضمن هذه الاحتجاجات الواسعة، إذ أن القطاع النفطي هو عمود الاقتصاد الإيراني، كما أنه القطاع المستهدف بشكلٍ كبير من العقوبات الأمريكية والغربية. وهو ما حدا بالمسؤولين الإيرانيين إلى إغلاق الانترنت في البلاد لمنع انتشار مثل هذه الاضطرابات[21].

امتد أثر الأزمة الاقتصادية سياسيًا إلى رجال الدين الذين يُمثلون الداعم الأساسي لشرعية ولاية الفقيه، فقد أشارت بعض المصادر أن تصاعد مؤشرات الأزمة الداخلية في إيران أدت إلى مواجهات أيديولوجية حادة بين رجال الدين بعضهم البعض، حتى أن بعضهم تخلى عن زي رجال الدين وهي دلالة مهمة على رفض الوضع القائم. فوفقًا لبعض المصادر، ترك قرابة 5000 فرد من “الباسيج” وحداتهم في الأشهر الأخيرة، ويعود السبب في ذلك إلى تحول فصول الحوزات الدينية إلى معارك أيديولوجية ما بين مؤيد ومعارض لرد فعل النظام القمعي على المتظاهرين السلميين، ليصبح بذلك النظام الحاكم في مواجهة حادة مع أزمة مالية وأيديولوجية وسياسية واسعة تضع شرعية النظام وبقاءه على المحك. يُضاف لأسباب تلك الانقسامات داخل فئة رجال الدين الداعمين للنظام، انخفاض دخلهم على نحوٍ واضح بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية وترك بعضهم فصول الحوزة بحثًا عن أعمال خارجية لتغطية نفقاتهم المالية، إذ كانوا يعتمدون بالأساس على رواتب شهرية، بالإضافة إلى اعتراض البعض على سيطرة المؤسسات الدينية على الموارد الاقتصادية بشكلٍ كبير[22].

أما داخل المؤسسة العسكرية التي تتبع النظام الحاكم “الحرس الثوري الإيراني”، فقد أشار البعض إلى أن هناك شكاوى واسعة بأن رواتب الجنود لا تكفي تغطية نفقات معيشتهم، مما أدى لتذمر داخلي واضطرار بعضهم لتولي أكثر من وظيفة. ولمعالجة هذه الأزمة، فقد اقترحت الحكومة زيادة مخصصات “الحرس الثوري” بمقدار الثلث مقارنةً بالعام الماضي، لكن التضخم السنوي يتجاوز حاليًا 50 في المائة، لذا سينخفض تمويل الحرس الثوري من الناحية العملية، وهو ما يعني أن المشكلة ما زالت قائمة. يُضاف لذلك أن الأزمة المالية قد أدت إلى تخفيض رواتب الحكومة والجيش بالفعل، وأن الزيادات التي تم إقرارها لاحقًا لا توازي التضخم المرتفع في البلاد. وفي سياقٍ متصل، ونظرًا لخطورة هذا الأمر، ومحورية دور الحرس الثوري الإيراني في دعم شرعية النظام، فقد قامت الحكومة بإعفاء قوات الباسيج من دفع رسوم الكهرباء والغاز والمياه والصرف الصحي ورسوم البلديات[23].

لا ينفصل عن الأزمة السياسية الحالية في إيران سياسة النظام في مواجهة المتظاهرين وعدم الاستماع للمطالب الشعبية؛ إذ يعتمد النظام في إيران على القوة في تكريس سلطته. وتعتمد الإدعاءات المضادة من قبل مسؤولي النظام بأن التظاهرات هي بالأساس مؤامرة خارجية تستهدف شرعية النظام الحاكم، وهو إدعاء يُسيطر على خطابات الحكومة الإيرانية وخامنئي أيضًا. يُضاف لذلك، توجه النظام لقطع الاتصالات مع العالم الخارجي لمنع انتشار التظاهرات من ناحية، ومنع الدعم الخارجي للمتظاهرين من ناحيةٍ أخرى. كما يشمل رد النظام الرفض التام للتسوية مع المتظاهرين، وهو مبدأ حافظ عليه مسؤولو النظام منذ الثورة الإيرانية. واشتمل رد النظام على استخدام مفرط للقوة تجاه المتظاهرين؛ مما أدى لقتل العديد منهم واعتقال البعض الآخر[24]. ولقد عمق أسلوب تعامل النظام مع الاحتجاجات الأزمة الداخلية في إيران، إذ أن قطع الاتصالات كان له تأثير واسع على الاقتصاد الإيراني وعلى المشروعات الصغيرة والمتوسطة للشباب الإيراني -على نحو ما ذُكر.

تنتقد الاحتجاجات في إيران السياسات الداخلية والخارجية للنظام الحاكم، والتي لها دور كبير في الأزمة الداخلية الطاحنة اقتصاديًا واجتماعيًا للشعب الإيراني، وعلى الرغم من محاولات النظام التخفيف من الأزمة إلا أنه على أرض الواقع ليس هناك تقدم يُذكر في الملف النووي الإيراني بعد انسحاب الولايات المتحدة. يُضاف لذلك أن محاولات النظام للالتفاف على العقوبات لم تفلح بشكلٍ كبير، فعلى الرغم من سعي طهران الحثيث لتعميق علاقاتها مع الصين كقطب اقتصادي عالمي، وتوقيع البلدان اتفاقية تعاون شامل مدتها 25 عامًا في عام 2021، ولكن من بين ما يقرب من 100 مشروع مشترك في إيران، مثل تطوير البنية التحتية أو إنشاء مناطق تجارة حرة، لم يشهد أي منها تقدمًا. إذ يتراجع المستثمرون الصينيون بسبب مخاوف من عقوبات أمريكية محتملة لممارسة الأعمال التجارية مع إيران، كما توجهت الصين نحو الدول الإقليمية لدعم علاقاتها الاقتصادية وخاصة دول الخليج العربي[25].

كما أن الاحتجاجات في إيران أدت إلى إضعاف آفاق استعادة الاتفاق النووي لعام 2015. وقد أدى تعنت إيران، إلى جانب دعمها للحرب الروسية في أوكرانيا وقمعها الداخلي، إلى استنزاف أي حماس غربي لاتمام صفقة نووية مع إيران، كما هاجمت طائرة مسيرة مرتبطة بإيران قاعدة أمريكية في سوريا مما أدى إلى شن عدة ضربات وهجمات مضادة بين القوات الأمريكية والقوات المرتبطة بإيران في سوريا[26]. وقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى استمرار الأزمة الداخلية واستمرار انتقاد سياسات النظام داخليًا وخارجيًا.

ثالثًا- الأبعاد الاجتماعية للأزمة الاقتصادية: الدولة والمجتمع في إيران:

إن المردود الاجتماعي لتزايد مؤشرات الأزمة الاقتصادية في إيران انعكس على الطبقات المختلفة للشعب الإيراني، ولقد ساهمت الأزمة في توسيع الفجوة بين الطبقات، مما ولٍد أزمة اجتماعية واسعة لا تنفصل عن الأزمة الاقتصادية بمستوياتها المختلفة. إن أزمات الإسكان، وتزايد معدلات الفقر والفساد والمحسوبية، وتهديد الأمن الغذائي والمائي لا تنفصل عن الحالة المجتمعية للشعب الإيراني. وذلك على النحو التالي:

1-تزايد معدلات الفقر وتدني الأجور: أشارت بعض المصادر إلى أن ما يقرب من 60٪ من الشعب الإيراني يعيشون تحت خط الفقر في العامين الأخيرين، ومن مؤشرات ذلك تزايد معدلات البطالة بين الشباب ذوي التعليم العالي وانتشارهم كباعة جائلين في شوارع إيران، يُضاف لذلك انتشار قضايا الفساد والاختلاس بين مسؤولي النظام، وتزايد الإضرابات العمالية نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة، إذ اتسعت الإضرابات والاحتجاجات من قبل عمال النفط والبتروكيماويات في جميع أنحاء إيران مؤخرًا. وعلى الرغم من إعلان النظام الإيراني زيادة رواتب العمال بنسبة 27٪ في بداية العام الفارسي الجديد في مارس، إلا أن ذلك لم يعد مجديًا نظرًا لمعدلات التضخم المرتفعة -كما سلفت الإشارة[27].

2-زيادة الهجرة للخارج: أدت الأزمة الاقتصادية، وإغلاق الاتصالات المحلية والأجنبية، والعقوبات الأمريكية مجتمعة إلى زيادة الهجرة الخارجية للطلاب والمستثمرين الإيرانيين إلى دول أجنبية. فبحسب بعض المصادر، تضاعفت الهجرة الإيرانية إلى تركيا ثلاث مرات في السنوات الخمس الماضية. وفي عام 2019، دخل ما يقرب من 42000 مهاجر يحملون الجنسية الإيرانية إلى تركيا. وقد نتج عن ذلك تدفقات رأسمالية خارجية بقيمة 100 مليار دولارًا من إيران بين عامي 2017 و2019. وتُظهر إحصاءات ما بين عامي 2018 إلى 2021 أن الإيرانيين أنشأوا أكثر من 2700 شركة في تركيا، واشتروا أكثر من 13000 منزلا وشقة هناك[28].

3-تراجع الأمن الغذائي والمائي: تواجه إيران أزمة واسعة تتعلق بالأمن المائي وما يرتبط به من الأمن الغذائي، فبسبب الاستغلال الشديد لموارد المياه الجوفية بالإضافة إلى تغير المناخ، ستكون أجزاء من إيران غير قابلة للزراعة وغير صالحة للسكن في السنوات القادمة. إذ أشارت بعض المصادر إلى أنه قد أصبح ثلثا البلاد صحراء مع انتشار الجفاف. وتزامن ذلك مع إثارة الجهود المبذولة لمعالجة هذه المشكلة من خلال مشاريع تحويل المياه واسعة النطاق من المقاطعات الغنية بالمياه في البلاد، مثل خوزستان، إلى المقاطعات الفقيرة بالمياه، احتجاجات وصراعات عرقية مثل احتجاجات يوليو 2021 في خوزستان، حيث قُتل 15 متظاهرًا على أيدي قوات الأمن[29]. ومن المتوقع أن يؤدي تفاقم تأثير تغير المناخ، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، بما في ذلك تأثير الحرب في أوكرانيا، على أسعار الغذاء العالمية وواردات إيران[30]. ولقد حذَّر خبراء البيئة من أن مشاريع التنمية في خوزستان الغنية بالنفط، بما في ذلك بناء السدود الكهرومائية، ومشاريع الري، ونقل المياه إلى المحافظات المجاورة، تُسبب ضررًا بيئيًا. ومن المتوقع أن يستمر تزايد وتيرة وشدة حالات الجفاف، مما ينتج عنه نقص الإنتاجية الزراعية ويُعرض الأمن الغذائي للخطر. وفي هذا السياق، شهدت محافظتا خوزستان ولورستان اللتان تضمان الأقلية العرقية العربية العديد من التظاهرات للمطالبة بالحق في المياه النظيفة[31].

4-تزايد مشكلة الإسكان: يُعاني الشعب الإيراني من أزمة إسكان كبيرة، إذ لا يستطيع العديد منهم دفع الإيجارات نتيجة تدهور الاقتصاد وارتفاع معدلات التضخم تزامنًا مع ارتفاع معدل البطالة وانخفاض أجور العمال إلى ما يقارب الثلث في السنوات الخمس الأخيرة، وذلك مقابل ارتفاع أسعار المساكن بما يقارب عشرة أضعاف خلال نفس الفترة الزمنية، وهو ما أدى إلى أن ترتفع نفقات الإسكان للأسر بما يقارب 70 ٪ من دخل الأسرة. وفي سياقٍ متصل، فإن أكثر من نصف سكان طهران و42٪ من سكان المدن الأخرى يضطرون إلى اللجوء إلى الإيجار بسبب الارتفاع الهائل في أسعار العقارات، وهو ما اضطر الكثيرون إلى هجر منازلهم في المدن، مما أدى إلى هجرة ساحقة إلى ضواحي المدينة[32].

5-تزايد الكثافة السكانية: على الرغم من أن إيران تتمتع باحتياطيات كبيرة من النفط والغاز ومصادر الطاقة المتجددة، فإن هناك نقص كبير في الحصول على الكهرباء. ويتزامن ذلك مع زيادة سكانية هائلة وبنية تحتية متخلفة، مما جعل الشعب الإيراني يواجه أزمات الفقر والجفاف والإسكان. إذ يعيش 19 مليونًا من سكان إيران البالغ عددهم 85 مليون نسمة على أطراف المدن، وحوالي 9 ملايين منهم أميون. ومع ذلك، أصدر الزعيم الإيراني أمرًا يحظر أي سياسة للسيطرة على عدد السكان، ويحث الإيرانيين على زيادة عدد السكان إلى 150 مليونًا أي ما يقرب من ضعف المجموع الحالي[33].

6-زيادة سخط الشباب واحتجاج الطبقات المختلفة: اندلعت مؤخرُا في إيران احتجاجات واسعة، وشهدت المظاهرات دعوات لإسقاط النظام الحاكم في إيران. وقد تم تمثيل جميع الطبقات في إيران ضمن هذه الاحتجاجات، مما أدى إلى توليد التضامن بين مختلف الفئات الاجتماعية، وتضمنت الاحتجاجات مواجهات واسعة بين الشباب وقوات النظام، مما أدى لمقتل البعض واعتقال البعض الآخر[34]. وفي هذا الإطار، نشرت “سي إن إن” تقريرًا عن أن أطفال المدارس يحتجون على نطاقٍ غير مسبوق، ومن جانبها، ترسل الحكومة المتظاهرين القصر إلى مراكز الصحة العقلية، والتي هي أقرب لمراكز احتجاز أمنية. ولكن أوضحت الحكومة من جانبها أن المؤسسات تهدف إلى “إصلاح الطلاب المحتجين، وتخليصهم من سلوكياتهم المعادية للمجتمع”. ولقد قدرّت بعض المصادر أن متوسط عمر المعتقلين في أعمال الشغب الأخيرة عند 15 عامًا[35]. وهو مؤشر خطير على التداعيات الاجتماعية للأزمة الاقتصادية، وفي الوقت ذاته تضييق الخناق على الحريات السياسية للشعب الإيراني.

رابعًا- استراتيجيات المواجهة:

في ظل الضغوط الداخلية والخارجية على النظام الحاكم في إيران، يتجه النظام لتنويع استراتيجيات المواجهة عبر أدوات مختلفة تساهم في تعايش النظام مع هذه الضغوط ومواجهتها، وذلك عبر تنويع الحلفاء في الخارج، وتوظيف الخبرة المكتسبة في مواجهة العقوبات الدولية، ومراجعة العلاقات الإقليمية وخاصةً مع دول الخليج العربي، ومن أهم هذه الاستراتيجيات يمكن ذكر التالي:

1-تبني نموذج “اقتصاديات المقاومة”: يسعى النظام الحاكم في إيران إلى الاستفادة من الخبرة المكتسبة في مواجهة العقوبات المتتالية. كما يروج مسؤولو النظام لنموذج اقتصاديات الصمود أو الاقتصاد المقاوم، فعلى مدى العقود الأربعة الماضية، كان لدى إيران الكثير من الخبرة فيما يتعلق بالعقوبات، فقد اتجهت مثلًا العديد من الشركات الإيرانية لأنظمة الدفع غير الرسمية التي ًلا تعتمد على البنوك لتجنب العقوبات. كما نوع النظام علاقاته الاقتصادية الخارجية اعتمادًا على أقطاب مثل روسيا والصين، بجانب الاعتماد على دول الجوار مثل العراق وأفغانستان، وبعض جمهوريات آسيا الوسطى وسوريا، كما ساعد النقص في السلع المستوردة في تحفيز المبيعات المحلية[36]. يُضاف لذلك، الاتجاه إلى تدعيم الإنتاج المحلي، كما تتجه إيران لتقليل اعتماد اقتصادها على الطاقة، خاصةً أنه القطاع الأكثر استهدافًا بالعقوبات الدولية، وتوسيع المزايا الاقتصادية في القطاع النفطي لدول مثل روسيا والصين من جانبٍ آخر[37].

أوضح مرشد الثورة الإيرانية رؤية النظام الإيراني لاقتصاد المقاومة، إذ أشار إلى كونه نظرية حضارية لها مرجعية ثقافية دينية، وهي بمثابة تدابير طويلة الأمد لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتكيف مع الظروف المختلفة. وقد وضع خامنئي عشرة أسس للاقتصاد المقاوم الذي يتبناه النظام، يأتي على رأس ذلك: دعم حيوية اقتصاد البلاد وتحسين مؤشرات النمو الاقتصادي والإنتاج الوطني، والقدرة على المقاومة في مواجهة العوامل المهددة، والاعتماد على الطاقات والموارد الداخلية العلمية والإنسانية والطبيعية والمالية والجغرافية، ودعم التوجه الجهادي إذ لا يمكن التقدم في ظل غياب المسؤولية، ومحورية الشعب ودور الجماعة، وتأمين المواد الاستراتيجية وعلى رأسها الغذاء والدواء، خفض التبعية للنفط، وإصلاح نموذج الاستهلاك والتبذير، ومكافحة الفساد، ومحورية العلم واقتصاد المعرفة[38]. وعلى الرغم من أن أبعاد نظرية اقتصاد المقاومة تغطي المشكلات المختلفة للاقتصاد الإيراني، وتركز على خصوصية الحالة الإيرانية، إلا أن تطبيق هذه الأبعاد النظرية على أرض الواقع يحتاج إلى تكاتف شعبي ورسمي وهو ما تفتقره إيران، وخاصةً في ظل الاحتجاجات المتتالية للشعب الإيراني وأزمة غياب الثقة في النظام لأسباب عدة منها القبضة الأمنية.

لكن لا يمكن إغفال أنه قد أشارت بعض المصادر إلى أن اقتصاد المقاومة الإيراني استطاع تحقيق نجاحات ومؤشرات اقتصادية إيجابية وإن كانت متواضعة، وخاصةً فيما يتعلق بتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتقليل الاعتماد على النفط ودعم الصناعة والزراعة، وتستند تلك المصادر إلى أن النفط كان يمثل ما يقارب 50٪ من الناتج المحلي الإجمالي لإيران قبل ثلاثة عقود، إلا أنه منذ عام 2020 انخفضت هذه النسبة إلى 15٪ مع حفاظ القطاعات الأخرى على مستوياتها الإنتاجية بشكلٍ معقول. يُضاف لذلك، قدرة التصنيع المحلي على تغطية وسد بعض الفجوات الناجمة عن آثار العقوبات الدولية. وعلى الرغم من أهمية هذه المؤشرات التي تساهم في مواجهة آثار العقوبات على المدى الطويل، إلا أن النظام الحاكم يحتاج إلى توجيه المزيد من الجهود للداخل الإيراني لمواجهة معدلات الفقر المرتفعة، ومواجهة أزمة الثقة السياسية مع المواطنين الإيرانيين، وهو ما يعني خلق نوع من التوازن بين طموحات إيران الخارجية من ناحية، والسعي نحو التنمية المستدامة من ناحيةٍ أخرى[39].

2- توسيع شبكة الحلفاء الدوليين: سعت إيران لتوسيع شبكة حلفائها إقليميًا ودوليًا. إذ تدعم إيران علاقات واسعة مع الصين وروسيا كأقطاب دولية لمواجهة الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي. كما تعتمد إيران على الصين بصورةٍ كبيرةٍ اقتصاديًا للالتفاف على العقوبات الغربية. وتعتمد على روسيا بشكلٍ واسع في دعمها عسكريًا. وقد دعمت روسيا نظام بشار الأسد كحليف إيراني، كما دعمت إيران روسيا بشكلٍ كبيرٍ في الحرب على أوكرانيا، فقد تلقت روسيا مئات الطائرات الإيرانية دون طيار التي استهدفت المدن الأوكرانية والبنية التحتية المدنية، وتستعد إيران للحصول على مقاتلة روسية متطورة من طراز Su-35. هذا فضلًا عن التعاون في التدريب العسكري وتطوير الأسلحة، ولكن في ظل تطورات الحرب الروسية على أوكرانيا فمن المحتمل أن تضطر موسكو إلى تقليص صادراتها من الأسلحة[40]. ومع ذلك، فلإيران باع طويل في مجال تطوير الأسلحة والمعدات العسكرية بصناعات محلية في ظل العقوبات الدولية.

بجانب دعم العلاقات الثنائية مع الدول، اتجهت إيران نحو عضوية منظمة شنغهاي، وهي منظمة تركز على محوري الأمن والتنمية الاقتصادية، وتضم في عضويتها الصين والهند وكازاخستان وقيرغيزستان وروسيا وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان. وذلك في محاولة لدعم العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول الأعضاء والتخفيف من آثار العقوبات الاقتصادية، بجانب الاستفادة من الصين وروسيا ومكانتهما في النظام الدولي من أجل التعامل مع الضغوط الغربية على إيران. وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة، إلا أن دول المنظمة تتعامل بحرص اقتصاديًا وتجاريًا مع إيران، لعدم إثارة رد فعل غربي كبير والعمل ضمن المنظومة الدولية للعقوبات. كما قد تعوق البنية التحتية الضعيفة لإيران من شبكات السكك الحديد والطرق البرية من تحقيق الفوائد الاقتصادية المرجوة من الانضمام للمنظمة[41].

3-مراجعة العلاقات مع القوى الإقليمية المحيطة: يسعى النظام الإيراني إلى نخفيف الضغوط الخارجية، وفي ظل الأزمة الحالية اتجه النظام لمراجعة علاقاته الإقليمية، إذ لطالما كانت السعودية وإيران من الدول غير الصديقة، فقد تضافر العداء المذهبي والأيديولوجي مع العداء السياسي بين النظامين الحاكمين في البلدين. وكان قد تم قطع العلاقات بين طهران والرياض في عام 2016 على إثر إعدام رجل دين شيعي في السعودية. رغم ذلك فقد أعلنت الصين مؤخرًا التوصل إلى اتفاق بين الطرفين بوساطة صينية، كان له صدى واسع إقليميًا ودوليًا. واتجهت العديد من التحليلات للحديث عن انفراجة مرتقبة بين الجانبين على إثر هذا الاتفاق، لكن البعض الآخر أشار إلى أن هناك أسباب متنوعة لعدم جدوى الاتفاق بين الطرفين، فلقد أشارت بعض المصادر إلى استمرار ديناميات التنافس بين البلدين نتيجة اصطدام المصالح لكليهما على أرض الواقع في دول الإقليم في كلٍ من العراق وسوريا ولبنان واليمن. وفي هذا السياق، لا يتعدى الاتفاق بين البلدين كونه يسعى لتهدئة التوتر بدلًا من تعميق الخلافات، يُضاف لأسباب محدودية مردود هذا الاتفاق استمرار البرنامج النووي الإيراني دون التوصل لاتفاق، وهو نقطة محورية في الخلاف الإيراني السعودي، كما أنه سيعيق التعاون الاقتصادي بين الجانبين في ظل العقوبات الأمريكية. وبالتالي، تظل إيران تمثل تهديدًا أمنيًا لمنطقة الخليج العربي مع استمرار طموحاتها النووية واستمرار تدخلاتها في شؤون هذه الدول[42]. وإن كان ذلك لا ينكر أن الاتفاق خطوة نحو تقليل النزاعات الإقليمية، ويحتاج إلى مزيد من الوقت لاستيضاح أبعاده في ظل نوايا كلا الطرفين.

4- تشديد القبضة الأمنية للنظام وتوحيد الهيكل السياسي: على الرغم من الاحتجاجات الداخلية في ظل اشتداد الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الشعب الإيراني، إلا إن النظام الحاكم لم يغير سياسته الأمنية في التضييق الأمني على المتظاهرين. كما سعى النظام لتثبيت داعميه في الوظائف والمناصب المختلفة، وخاصةً من داخل الحرس الثوري الإيراني. فلقد قامت الحكومة الإيرانية بقطع الاتصالات مع تصاعد الاحتجاجات، سواء شبكات الهاتف المحمول أو الإنترنت. وتسعى حكومة رئيسي لإحكام قبضتها عبر السعي لإطلاق شبكة داخلية تمكن الحكومة من التحكم بشكلٍ كبير في تطبيقات وسائل التواصل المتنوعة. أما بخصوص توحيد الهيكل السياسي تحت حكم رجال الدين والتابعين لخامنئي، فإن ما يقرب من ثلث وزراء ونواب حكومة رئيسي لديهم تاريخ من العضوية والقيادة في الحرس الثوري الإيراني مما يُسهل من تطبيق سياسات النظام اقتصاديًا وسياسيًا. وعلى الرغم من أن مبررات النظام حيال ذلك هو التركيز على التنمية الداخلية وتطبيق اقتصاد الصمود، إلا إن توحيد الهيكل السياسي على هذا النحو قد خلق العديد من المشكلات للنظام وللشعب الإيراني في فترة رئاسة أحمدي نجاد[43].

خاتمة:

يمكن القول إن أزمة فقدان الثقة في النظام، وافتقار المصداقية في معالجة الأزمات، والاستمرار في تشديد القبضة الأمنية على الداخل دون تفهم المتطلبات الشعبية، كل هذا يقف أمام أي محاولات للتنمية الاقتصادية ومواجهة التدخلات الخارجية، ذلك أن تماسك الداخل هو مناط مواجهة الأزمات. ولذا، يقف النظام الحاكم في إيران في مفترق الطرق ما بين ضغوط الداخل والخارج. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى ثلاثة سيناريوهات مستقبلية محتملة للوضع في إيران، السيناريو الأول: استمرار الأوضاع الحالية في ظل صعوبة الوصول لاتفاق نووي مع الدول الكبرى قد يمثل مخرجًا محتملًا للأزمة، ويعود ذلك في جزءٍ منه إلى سياسات المحافظين في إيران والسعي الدائم لعسكرة الاقتصاد في ظل سيطرة الحرس الثوري على الموارد الاقتصادية، وهو ما يعني استمرار محاولات النظام لمعالجة الأزمة عبر سياسات اقتصاد المقاومة والتوجه شرقًا مع استمرار القبضة الأمنية المتشددة وهو ما يعني كذلك استمرار تأزم الأوضاع الداخلية. السيناريو الثاني: تراجع القبضة المتشددة للنظام على الأبعاد السياسية والاقتصادية في إيران، عبر دعم محاولات التوصل لاتفاق نووي مع الدول الكبرى من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى مواجهة المتطلبات الشعبية سياسيًا واقتصاديًا دون التخلي عن مبادئ النظام الحاكم، وقد يكون ذلك عبر ترك مساحة للجناح الإصلاحي داخل النظام لامتصاص الغضب الشعبي، وضخ دماء سياسية جديدة ورؤى اقتصادية قد تدعم محاولات التنمية المستدامة للخروج من الأزمة. السيناريو الثالث: نجاح الأزمة الاقتصادية والضغوط الشعبية والتدخلات الخارجية في إسقاط النظام الحاكم في إيران، خاصةً في ظل ظهور جدل واسع في الداخل حول عملية اختيار خليفة المرشد الأعلى الحالي.

_________________

الهوامش

[1] مروة فكري، أثر التحولات العالمية على الدولة القومية خلال التسعينيات: دراسة نظرية، رسالة ماجستير (جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2004)، ص ص24-26.

[2] ساسكيا ساسن، علم اجتماع العولمة، ترجمة: علي عبدالرازق، (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2014)، ص ص 238-240.

[3] دارن بارني، المجتمع الشبكي، ترجمة: أنور الجمعاوي، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2015)، ص ص39.

وانظر أيضًا: سماح عبدالصبور، تطور العلاقة بين الداخل والخارج ومستوى تحليل دور الأفراد في السياسة العالمية: مقاربة سوسيولوجية لنماذج تطبيقية مقارنة، رسالة دكتوراه، (جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2020)،  ص ص 41-54.

[4] السيد ياسين، الخريطة المعرفية للتغير العالمي الشامل، مجلة السياسة الدولية، السنة 15، العدد 200، أبريل 2015.

[5] John Orme, The utility of force in a world of scarcity, International Security, Vol. 22, No. 3, Winter 1997-1998, pp. 139-142.

[6] سماح عبدالصبور، القوة الذكية في السياسة الخارجية: دراسة في أدوات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه لبنان 2005-2013، تقديم: نادية محمود مصطفى، (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، دار البشير للثقافة والعلوم، 2014)، سلسلة الوعي الحضاري (10)، ص 13.

[7] المرجع السابق، ص ص 89-91.

[8] Henry Rome, Iran in 2022: Volatile Economy, The Iran primer:  United States Institute of Peace, 21 December 2022, Available at: https://bit.ly/3XXwMEM

[9] Hossein Daei Alilslam, Iran’s Inflation and Housing Crises: Other Aspects of Regime’s Utter Failure, National council of Resistance of Iran (NCRI), 26 April 2023, Available at: https://bit.ly/3PWbYvh

[10] Vasily Astrov, Mahdi Ghodsi, Richard Grieveson and Robert Stehrer, The Iranian Economy: Challenges and Opportunities, wiiw Research Report, The Vienna Institute for International Economic Studies, No. 429, July 2018, available at: https://bit.ly/3NX7d1F, pp. 5-7.

[11] مهدى قدسي وعلي فتح الله نجاد، الجذور الجيوسياسية للأزمة الاقتصادية الإيرانية، مؤسسة كارنيجي، 14 ديسمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3OiwHbu

[12] هنري روم،  داخل النظام الإيراني: الإحباطات الاقتصادية لـ “الحرس الثوري” الإيراني، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني. 30 مارس 2023، متاح عبر الرابط التالي:  https://bit.ly/3KoAt0H

[13] وحدة الدراسات السياسية، تأثيرات العقوبات الاقتصاديّة الغربيّة ضدّ إيران وأبعادها، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات،  25 أكتوبر 2012، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3Q0jeq6

[14] المرجع السابق.

[15] مهدي قدسي وعلي فتح الله نجاد، الجذور الجيوسياسية للأزمة الاقتصادية الإيرانية، مؤسسة كارنيجي، مرجع سابق.

[16] علي فتح الله نجاد، الأزمة الثلاثية الناشئة المرتبطة بالجائحة تثير المخاوف من اندلاع الاحتجاجات في إيران، مركز بروكنجز، 21 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3XTkPzI

[17] فيروس كورونا: ما حقيقة اتهام إيران للعقوبات الأمريكية بعرقلة مكافحة تفشي الوباء فيها؟، شبكة بي بي سي الإخبارية، أبريل 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/43wpxo6

[18] Henry Rome, Iran in 2022: Volatile Economy, Op. cit.

[19] Ibid.

[20] Sanam Vakil, Iran’s Crisis of Legitimacy, Foreign Affairs, 28 September 2022, Available at: https://bit.ly/3rCE0Sb

[21] Srishti Punja, Iran protests gain momentum as participation of young students is very likely to pose a challenge to the regime, Jane’s Country Risk Daily Report, 12 October 2022.

[22] مهدي خلجي، داخل النظام الإيراني: أزمة رجال الدين، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، 29 مارس 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3XUNAMm

[23] هنري روم،  داخل النظام الإيراني :الإحباطات الاقتصادية لـ “الحرس الثوري” الإيراني، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني، مرجع سابق.

[24] Vali Nasr, Iran’s Hard-Liners Are Winning: How Months of Protest Forged an Even More Intransigent Regime, Foreign Affairs, 6 February 2023, available at: https://bit.ly/3OjitqS

[25] Shabnam von Hein & Shora Azarnoush , Will Iran see reform or more repression in 2023?, DW, 31 December 2022,  available at: https://bit.ly/3NY6UDQ

[26] Henery Rome & Louis Dugit,  “ No deal, No crisis’ is no plan for Iran, The Hill,  29 March 2023, Accessible at: https://bit.ly/3Djfx7k

[27] Mehdi Oghbai, Iran Workers’ Struggle: Historical Roots and Present-Day Challenges, National council of Resistance of Iran (NCRI), 1 May 2023, Avaliable  at: https://bit.ly/44tVrTB

[28] Mohammad Hossein Ziya, The 13 crises facing Iran, Middle East Institute, 16 September, 2021, Avaliable at:  https://bit.ly/3XXkaNV

[29] Mehdi Oghbai, Iran Workers’ Struggle: Historical Roots and Present-Day Challenges, National council of Resistance of Iran (NCRI), Op. cit.

[30] Iran’s Economic Update: April 2022, World Bank, 14 April 2022, Avaliable at: https://bit.ly/3XU9pf2

[31] إيران: أحداث عام 2021، هيومن رايتس ووتش، 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3OhaQ45

[32] Hossein Daei Alilslam, Iran’s Inflation and Housing Crises: Other Aspects of Regime’s Utter Failure, National council of Resistance of Iran (NCRI), Op. cit.

[33] Mehdi Oghbai, Iran Workers’ Struggle: Historical Roots and Present-Day Challenges, National council of Resistance of Iran (NCRI), Op. cit.

[34] Nadeen Ebrahim, What you need to know about Iran’s raging protest, CNN, 26 September 2022, Avaliable at: https://bit.ly/43oHhC0

[35] Nadeen Ebrahim, Iran faces dilemma as children join protests in ‘unprecedented’ phenomenon, CNN, 17 October 2022, Available at:  https://bit.ly/43smi15

[36] Jackie Northam, Why Iran’s Economy Has Not Collapsed Amid U.S. Sanctions And ‘Maximum Pressure, 16 January 2020, Available at:  https://bit.ly/44r9IAl

[37] عبدالرحمن فريجة وفهيم رملي، الخصائص الاقتصادية لإيران – الاقتصاد الإيراني بين العقوبات الخارجية والمقاومة الداخلية، مجلة مدارات إيرانية – المركز الديمقراطي العربي، برلين – ألمانيا، المجلد 2، العدد 5، سبتمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/43wLUKh، ص 36.

[38] كلمة الإمام الخامنئي في لقاء توضيح سياسات الاقتصاد المقاوم، 11 مارس 2014، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3K2zuTp

[39] Djavad Salehi-Isfahani, The Dilemma of Iran’s Resistance Economy: Imperviousness to Sanctions Will Require Growth, Foreign Affairs, 17 March 2021, Available at: https://bit.ly/43tAIOz

[40] Grant Rumley, What the Russia-Iran Arms Deals Mean for the Middle East, Foreign Policy, 19 April 2023, Available at: https://bit.ly/3OjmzPN

[41] أومود شوكري، إيران ومنظمة شنغهاي للتعاون، مركز كارنيجي للسلام الدولي، 17 نوفمبر 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/44uABDN

[42] Aaron David Miller, 4 Key Takeaways From the China-Brokered Saudi-Iran Deal, Foreign policy, 14 March 2023,  Available at: https://bit.ly/44Nuv0R

[43] Mohammad Hossein Ziya, The 13 crises facing Iran, Middle East Institute, Op. cit.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى