السياسات العامة بين المجتمع والدولة

 

   

 

السياسات العامة بين المجتمع والدولة *

 

31/07/2011

 

تناولت هذه المحاضرة المسألة المتعلقة بالسياسات العامة وكيف يجب أن تكون في مرحلة استكمال الثورة، وقد ركز هذا التناول بشكلٍ خاص على البعد المتعلق بإعادة هيكلة الجهاز الإداري وتطويره.

 

 

وقد بدأ د.سيف الدين عبد الفتاح تقديمه المحاضرة بالإشارة إلى الدلالات الحضارية للمكان، معتبرًا مركز الحضارة امتداد للميدان، وأن هذا الشيء يعد فأل حسنبالنسبة لدور المركز،مؤكدًا أهمية استمرار الثورة بمعنى إنجازها، حيث إن ما ينتج من تنمية ونهضة هو استكمال لمسيرة الثورة. وفي هذا الإطار رأى مكان هذه المحاضرة حيث المضي في هذه الأعمال.

 

كما أن من أهم معالم هذه الفترة التي أشار إليها د.سيف على ضوء المحاضرة والمحاضِرة -د.بسمة عبد الغفار- إدراك أن مصر بما لديها من طاقات وإمكانات تمتلك الكثير، وهو بالفعل ما أحسه المصريون، ذلك المعنى الذي لمسناه في شعار “ارفع رأسك أنت مصري” . و لفت د.سيف إلى أنه وغيره من المصريين أحسوا هذا وأمسكوه بأيديهم حتى في أثناء وجودهم بقطر، بينما كانوا في حالة خذلان شديد نخفض الرؤوس أمام سياسة لم تكن إلا تحاول تأسيس لمهانة هذه الشخصية المصرية التي كانت دائمًا لها مكانة.

 

كان النظام يرتب “تمارين الإذعان الصباحية” لكل مواطن عندما يتعامل مع الدولة، وبالتالي يصير مؤهل للتعامل مع أي استبداد وقبوله وتطبيعه في حالته. هذا الوضع علينا أن نحوله من مادة للتطويع والتطبيع وتعبيد الناس إلى مادة لتحرير الناس ولصلاحهم.

 

وحقًا إن رأس المال الإنساني هو أهم ما تتمتع به مصر بينما كانت مهمة السياسة فيما مضى تعد الإنسان المصري عبءً وفق نظرية “مالتس”.

 

وفي هذا السياق، يأتي تناول د.باسمة للخدمة المدنية كركن من أركان الحكم الراشد.

 

وقد نبهت د.بسمة إلى عدة أمور:

 

 – أن هناك تأكيد وتركيز كبير على “السياسة” بمعنى الرئاسة والانتخابات الرئاسية. بينما المهم هو خدمة الشعب لأن هذا هو ما سوف يحافظ على الثورة. فإيمان الناس بالثورة -من شارك ومن لم يشارك- سيتحقق من خلال الشعور بالتغير في الخدمة العامة.

 

– هناك أناس يقولون -وهم شباب: لابد من الخروج، وتنمية البلد، انطلاقًا من أن الحكومة لا يمكن الاعتماد عليها. ولكن هنا أعطي مثال “مارك زوكربرج” وغيره ممن هم لم يعملوا في فراغ، بل من خلال إطار قانوني– وثقافي معين، وكذلك تسهيلات تولد الإبداع، وهذا المناخ من يخلقه هو الحكومة؛ كما أن الاحتكاك بالحكومة سيستمر على المستويين السياسي والاقتصادي.

 

وقد رأى د.سلطان أبو علي النموذج أن النموذج الأفضل لمصر هو Social Market Economy، ولكن أيضًا في هذا النموذج الحكومة لابد أن تكون قوية وفعالة Strong & Smart. كذلك، تساءلت د.منى مكرم عبيد: هل مصر مستعدة للديمقراطية؟ وحينها رأيت أنه ليس الشعب الذي كان غير مستعد، لكن الحكومة هي التي دائمًا غير مستعدة للديمقراطية. فالمشكلة دومًا في الحكومة.

 

 

 

النموذج السنغافوري:

 

وقد استحضرت د.بسمة النموذج السنغافوري لما له من خبرة ثرية. فعلى سبيل المثال يتناول أحد الكتب هذا النموذج مركزًا على العناصر الآتية:

 

– التركيز على الخدمة العامة وليس النظام السياسي، وكيف أنهم سريعًا ما أصبحوا من أكثر الحكومات فاعلية حتى صاروا نموذج للقطاع الخاص.

 

– وهم يتميزون بـ : * التفكير بشكل مستقبلي، حيث التعرف على الاتجاهات المستقبلية وأثرها في السياسات العامة، وأثر ذلك على الأهداف الحالية والاستراتيجيات والبرامج، وأن يعرفوا بعد ذلك كيف يغيروا استراتيجياتهم لأخذ هذا الجديد المستقبلي في إطار خطتهم وإطارهم الجديد.

 

   * إعادة النظر مرة أخرى فيما يفعلوه.

 

* فهم تأثير التغيرات على الأهداف الحالية.

 

* صياغة استراتيجيات للتفاعل.

 

* التأثير على صانع القرار.

 

* ومن أهم المبادئ أيضًا: الجدارة، الرشد، الاعتماد على النفس.

 

 

 

 كيف نحقق التغيير في مجال الخدمة العامة المصرية؟

 

هناك عدة خطوات:

 

– رسم خريطة الوزارات ومعرفة كيف تعمل وما هي مهمة كل وزارة، وحجم ومقدار الناس في الخدمة العامة. وهنا يمكن القول إنه من الأفضل تقليل العدد، حيث إن هذا الكم الكبير يزيد من فرص الفساد. وبالتالي، يمكن على سبيل المثال إتاحة التقاعد المبكر الاختياري.

 

                    ترسيخ إدراك الموظف الحكومي أنه “خادم عام”.

 

     عدم الأخذ بفكرة الحد الأقصى من الأجور، فهناك نظام معين معروف ومن المهم الأخذ بمبدأ الكفاءة.

 

     إنشاء مؤسسات جديدة (موازية) تتنافس معها المؤسسات الأصلية بما يساعد على تحسين الآداء. وهذا يتم في الإطار العام وفي نطاق مشروعات الحكومة التي ستعمل فيما بعد في إطار ما يُقال عنه Invisible Hand. كما أنه مع الوقت تتحدد الثقافة الجديدة وإدراك أن العلم سيكون هو المحدد في الفترة القادمة.

 

     وهذا ما يؤكد ثانية أنه دون البدء بإصلاح الحكومة لن ينصلح حال أي من المؤسسات مهما كان دور القطاع الخاص أو المجتمع المدني.

 

 

 

ومن أبرز القضايا والتحديات التي أثارتها المحاضرة للنقاش ما يلي:

 

* توقيت الإصلاح:

 

      وفي هذا الصدد أشار د.سيف إلى أن المستشار طارق البشري عندما كان يتكلم عن الإصلاح والتغيير كان يشبه المجتمع كالماكينة، لو أردت أن تصلح الماكينة أصلحها وهي تدور- لا توقف ماكينة المجتمع أبدًا… لابد أن نفكر تفكير مبتكر كيف نصلح ماكينة المجتمع وهي تدور حتى لو كانت تدور نسبة 1: 10.

 

ومن ثم، لابد من حضور الإيمان في هذه المعادلة، كما لابد أن نثق في قدراتنا. وعلينا التمييز بين الفاسد والمفسد ومن لديه القابلية للإصلاح، إلى جانب التفرقة بين القيادات السابقة والناس الذين يمثلون ملح الأرض وكانوا يريدون فقط قضاء حوائجهم من النظام، فهذا الشخص العادي من الممكن أن تترك له مكان لفرصة ثانية.

 

 

 

* أهمية تحديد دور الدولة ونوعها:

 

 بحيث يتم تحديد ما الذي يجب أن تقوم به الدولة. فمثلا قد نحتاج حجم كبير في البداية ثم يُحجم في المستقبل، خاصةً في الحالة المصرية ذات الجهاز الإداري الضخم.

 

كما يجب التقييم انطلاقًا من مدى ما أخذ من المواطن ماديًا ومعنويًا (الضرائب والحرية).

 

 

 

* الإصلاح التشريعي:

 

والذي يواجه مقاومة شديدة، ولذا فهو يحتاج إلى طريقة خاصة حتى نعظم المنافع ونقلل الخسائر، الأمر الذي يحتاج الدراسة والاهتمام بالتدريب على النحو الملائم. وبناءً عليه يكون التصعيد للمستجيب وهؤلاء ينتقلون إلى المؤسسات الجديدة.

 

 

 

* الوعي السياسي:

 

فعندما يتحدث أحد المرشحين على سبيل المثال عن حل مشكلة البطالة عليه أن يعلن برنامج حقيقي المواجهة، بمعنى ألا يكون الحل هو توظيف يؤدي إلى مزيد من تضخم الجهاز الحكومي.

 

 

 

* إعادة تشكيل الإطار القيمي:

 

فكل نظام يأتي ليصبغ المؤسسات بقيمه. ولكن على رأس ما نحتاج إليه من قيم الآن؛ الثقة، وأنسنة العلاقات.

 

 

 

* الاهتمام الإعلامي:

 

بمعنى تحديد أكثر المؤسسات التي يحتك بها الناس وما يواجهونه من الصعوبات والتعريف بها في المجال الإعلامي بما يخلق ضغوط نفسية ومجتمعية عليها على النحو الذي يدفع إلى التغير.

 

 

 

* إعادة تشكيل إدراك المجتمع الأهلي لدوره:

 

فلقد كان في السابق سقف التغير منخفض، والمنفذ الوحيد مثلته التنمية المجتمعية. وفي هذا الإطار ولد الالتفاف الإصلاحي وتغيير التخصصات بحثًا عن الفاعلية. ولكن فيما بعد كان اللجوء إلى التغيير، مثلا: مشروع تخرج في كلية طب عن التوعية الصحية، ومن ثم فهناك حاجة إلى خطاب جديد يوجه إلى المجتمع.

 


 


 

محاضرة عقدت بمركز الحضارة  للدراسات السياسية بتاريخ 3/4/2011.

 

 

 

 

 



* محاضرة عقدت بمركز الحضارة  للدراسات السياسية بتاريخ 3/4/2011

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى