في الذاكرة التاريخية لمؤتمرات دولية

رؤية عن معضلة العلاقة بين صراعات وتوازنات القوى الكبرى وبين حقوق الشعوب والأمم

يشهد العالم العربي تحولات كبيرة وخطيرة خلال العقد الأخير، وتعصف بدوله ومجتمعاته أزماتٌ طاحنة تتقلب بين الثورات والثورات المضادة والأزمات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وتصل إلى مستوى إعادة رسم خريطة المنطقة وإعادة بناء نظامها وفق توازنات جديدة تقف على رأسها أقطار غير عربية، ومشروعاتٌ غامضة من قبيل صفقة القرن وتكوين “ناتو عربي”… وسط تدخلات ثقيلة من أطراف دولية وإقليمية متعددة.
وقد تجلت هذه الحالة في العام الأخير عبر عدد من المؤتمرات الإقليمية والدولية التي تناولت قضايا العرب في مختلف المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية وغيرها، ليس من وجهة نظر أصحابها وإنما بالأساس من مؤثرات خارجية وتحت عباءة قوى غير عربية. جرى ذلك في أزمات سوريا وليبيا واليمن، فضلاً عن مؤتمرات عربية–عربية سياسية واقتصادية على مستويات القمة والبرلمانات العربية.
هذا المشهد يطرح تساؤلات عن مضامين ودلالات هذه المؤتمرات وانعكاساتها على تحولات العالم العربي.. هل تتضمن تسويات للصراعات القائمة وحلولاً للمشكلات أو مواجهة للأزمات؟ هل تتضمن تحقيقًا للمصالح العربية وأهداف الشعوب في استقرار وأمن وحرية وتنمية واستقلال.. أم إنها ترتيبات لصالح القوى غير العربية ومصالحها سواء في الإقليم أو عبر حسابات عالمية؟
وأيًّا كانت كيفية الإجابة عن هذه الأسئلة وطبيعة مؤشراتها (كما سيتضح من تقارير الملف) وفقًا لنمط المؤتمر (إقليمي/عالمي، رسمي/غير رسمي،..)، فإن ما يجب تأكيده ابتداء هو أن هذه الحالة “المؤتمرية” حول “العرب” الآن، إنما هي نتاج واضح لطبيعة السياقات الإقليمية والدولية التي كشفت عن نفسها خلال العقد الأخير (2011-2019)، وما أفرزته من أنماط تدخلات خارجية عميقة في إدارة القضايا العربية.
فلقد وصلت هذه الأنماط إلى حدٍّ أن أصبحت هذه التدخلات سواء من قوى إقليمية أو قوى عالمية من طبائع الأمور المتوقعة، بل المستدعاة من النظم العربية: فلقد أضحت الأخيرة أكثر من مجرد تابع أو أداة، بل أضحت جزءًا من المنظومة الخارجية المهيمنة التي ترفض إحداث تغييرات جذرية في المنطقة تدفع بأمن وحرية واستقلال ورفاهية شعوبها. بل المؤكد أن هذه الشبَكة من التدخلات إنما تقود إلى ما هو عكس ذلك تمامًا. ويساعدها على ذلك عديد من العوامل الداخلية بالأساس والإقليمية والعالمية.
ولا يستقيم فهم هذه الحالة المؤتمرية الراهنة والعوامل المشكِّلة لطبيعتها ونتائجها إلا باستدعاء الذاكرة التاريخية لهذه الظاهرة المركبة. وعلى هذا الصعيد تبرز إشكالية مهمة تستدعي التدبر والمقارنة بين الخبرتين الحضاريتين العربية والإسلامية من ناحية والغربية الحداثية من ناحية أخرى، وهما دائرتان في تفاعلٍ مستمرٍ شهد على الدوام تعاقب دورات من الصراع المسلح أو السلمي ودورات من الصعود والتراجع لكل من الدائرتين.
والذاكرة الحضارية التاريخية للأمة في مرحلة نهوضها وصعودها أو مرحلة تراجعها تقدم دلالات مهمة عن هذه الإشكالية، مقارنة بما تقدمه الخبرات الحضارية التاريخية الغربية؛ سواء في ما قبل النهضة الحديثة أو في مراحل صعودها ونهوضها المناظرة لفترة بداية التراجع والدفاع ثم الانحدار في التاريخ الحضاري الإسلامي.
ومن ثم فإن استدعاء بعض النماذج التاريخية من كافة هذه المراحل التاريخية الكبرى المقارنة لابد أن يختبر طبيعة هذه الإشكالية التي يلخصها السؤال المركب التالي: هل اختلال توازن القوى العالمي بين دائرتين حضاريتين في تفاعل مستمر (حربًا وسلمًا) لابد أن يكون على حساب شعوب وأمم الدائرة الأضعف (عسكريًا واقتصاديًا وثقافيًّا) في توازن القوى العالمي؟ وكيف أضحت المؤتمرات الدولية عبر المراحل التاريخية المتعاقبة ساحة لاختبار طبيعة تطور هذه التوازنات وآثارها على حقوق الشعوب والأمم وليس فقط مصالح القوى التقليدية؟ وما الذي أبرز هذه الأداة الدبلوماسية على الساحة الدولية وكيف تطورت، وما مآلها المعاصر مقارنة بما قبل؟
إن مناقشة هذه الإشكالية يستدعي في هذه الورقة المفاهيمية أمرين؛ الأول: اختيار بعض النماذج التاريخية المتقابلة ذات الدلالة بالنسبة للعلاقة بين طبيعة المؤتمرات الدولية ونتائجها وآثارها على حقوق الشعوب في مقابل مصالح القوى التقليدية من ناحية، وبين السياقات الدولية الإقليمية والعالمية وحالة التوازنات بين القوى الدولية.
الأمر الثاني: استدعاء خريطة ملامح وخصائص السياقات الإقليمية والعالمية حول المنطقة العربية خلال العقد الثاني من الألفية الثالثة، وبيان مدى تأثيرها على أنماط التدخلات الخارجية وخاصة المؤتمرات الإقليمية وعبر الإقليمية التي تدور حول القضايا المتشابكة المتفجرة وموضعها من إعادة تشكيل التوازنات في المنطقة ومن حولها وإعادة رسم الحدود والأدوار.
(1)
رغم ضرورة الاجتهاد أن يكون اختيار نماذج تاريخية متقابلة شارحة، وكاشفة عن الإشكالية موضع الاهتمام، اختيارًا علميًّا منظمًا، إلا أنه لا يمكن ادعاء قدرة هذه الورقة المفاهيمية على القيام بهذا، ومن ثم فهي توجه النظر إلى ضرورة هذا الاجتهاد في هذه المنطقة البحثية أكثر مما تدعي القيام بهذا بصورة شاملة كلية؛ سواء على صعيد كل من الدائرتين الإسلامية والغربية أو عبر كل مراحل تطورهما التاريخي المتقابلة. ومن ثم فإن النماذج المستدعاة في هذه الورقة هي الأكثر ذيوعًا وتداولاً في التواريخ الكبرى الغربية السياسية (الدبلوماسية) الحديثة، وتظل منطقة التواريخ الحضارية حبلى بالكثير من النماذج التي تحتاج للكشف عنها ودراسة خبراتها ودلالاتها عبر خمسة عشر قرنا وليس الخمسة قرون الأخيرة فقط؛ لأن تلك الأخيرة (التي ستركز عليها الورقة) -وهي الأكثر ذيوعا وانتشارًا- تحمل بصمات وجه واحد للعملة؛ وهو النهوض الغربي الحديث وبداية التراجع الحضاري الإسلامي، في حين أن ما قبلها من القرون يحمل بصمات الصعود الحضاري الإسلامي.
ومن ثم فإن استدعاء نماذج من مؤتمرات في المرحلتين -أي في وجهيْ العملة- يكون له دلالة علمية مهمة بالنسبة لإشكالية الدراسة؛ ومن ثم اختبار المقولة التالية: في مراحل قوة وصعود نظم الخلافة الإسلامية لم تضحِّ مؤتمراتُ ما بعد انتصارات هذه النظم بحقوق الشعوب والأمم (مسلمة أو غير مسلمة) من أجل مصالح قوة ضيقة. وفي مراحل تراجعها وضعفها، المتزامنة مع مراحل الصعود والهيمنة الغربية والحداثية، كانت القاعدة الحداثية-الواقعية هي الحاكمة؛ حمايةً لمصالح الدولة القومية في صراعها مع غيرها من الدول القومية وعلى حساب الأمم والشعوب (أوروبية أو غير أوروبية).
وابتداءً، وقبل استدعاء خريطة النماذج التاريخية الشارحة لدلالة الخبرة الغربية الحديثة يجدر التوقف عند الملاحظات المنهاجية التالية:
(1) بالنظر إلى المعنى اللغوي لكلمة “مؤتمر”([1])، فهو مجلسٌ مجتمعٌ للتشاور والبحث في أمر ما، والمعنى اللغوي الإنجليزي لكلمة Conference هو اجتماع شخصين أو أكثر لمناقشة أمور ذات اهتمام مشترك أو تبادل للآراء. أما من يشارك فيه؟ ما الموضوع؟ ما الشكل؟ ما الزمان والمكان …؟ فجميعها أمور متعددة ومتنوعة؛ مما يعني أن هناك -وعبر مسار تطور الظاهرة التاريخي- أشكالا متعددة من المؤتمرات: ثنائية أو جماعية، بين نفس القوم أو مع غيرهم من الأقوام، حول قضية محددة أو حول حالة أكبر وأشمل، بقيادة محددة أو بدونها، وفق مرجعية معلنة أو لا؟ خيرًا أو شرًا؟ بعد حرب أو في ظل سلام؟ وهكذا..!
والنماذج المستدعاة في هذه الورقة المفاهيمية تركز على الجانب الخاص بالإشكالية والمقولة من الطرف السائد (أو المنتصر أو…) وما طبيعة النتيجة؟
(2) وكانت المؤتمرات الدولية الأوروبية قد أضحت في عصر النهضة الأوروبية الحديثة تقليدًا دبلوماسيًا واضحًا، وخاصة منذ مؤتمر فينيا 1815؛ حيث وضع قواعد محددة للسلوك الدولي، ووضع أسس نظام المؤتمرات الدورية للتشاور حول المشاكل الدولية كوسيلة لإدارة التوازنات الأوروبية–الأوروبية ابتداء، ثم الأوروبية-العثمانية–الروسية، ثم الأوروبية-العالمية في عصر التنافس الاستعماري العسكري([2]).
(3) إن المؤتمرات الدولية –أيًا كان نمطها ومستواها- هي ساحة مفاوضات أو تفاهمات تغلفها الأطر العسكرية والسياسية الرسمية، في حين أن منطلقاتها أو نتائجها تتصل بمشاهد أخرى، قد لا تبدو مباشرة على طاولة المفاوضات، ولا يعيشها المفاوضون من الدبلوماسيين والعسكر، ولكن يعيشها ويعايشها “الناس” أهل البلاد أو أصحاب القضايا محل النزاع: قتلى، مشردين، لاجئين، مقاومين، متآمرين، صابرين، معترضين… إلخ.
هذه المشاهد وما يحيط بها من مطالب وتطلعات ليست هي محل الاعتبار والاعتناء على طاولة المفاوضات، ولكن بالأساس مصالح الدول وتوازنات القوى. وقد يتذكر أصحابُ الياقات البيضاء وأربطة العنق والبذلات الفاخرة هؤلاء الناس ببعض العبارات عن الأبعاد الإنسانية واللازمة لتجميل الصورة القاسية. ولهذا فإن للتاريخ الدبلوماسي أو التحليل الدبلوماسي لهذه المؤتمرات وجه آخر لا يتصل بالملوك والحكام والأمراء وقادة الجيوش والدبلوماسيين فقط، ولكن يتصل بالناس وحقوقهم وأهدافهم؛ ولذا فإن مصادر تحليل الجانبين الرسمي والشعبي مصادر مختلفة. ومن ثم فإن الأخبار عن الجانبين متوازية في حين أنهما وجهان لعملة واحدة. بعبارة أخرى؛ التواريخ السياسية للمؤتمرات الدولية ليست هي تواريخ الحقيقة ولكن هي تواريخ رسمية لا تعلن كل الحقيقة، وقد تزيفها.
(4) وسنقتصر في هذه الورقة –كما سبقت الإشارة- على الخبرة الغربية الحديثة، ويكفي بشأن الإسلامية الإشارة إلى ما يلي:
إن التقاليد الدبلوماسية الإسلامية في هذا المجال كانت أسبق من الغربية الحديثة وأكثر اختلافًا، من حيث المرجعية ومن ثم من حيث القواعد المنظِّمة ومن حيث الأهداف. وقد تبلور الاختلاف الرئيس بين المجموعتين من التقاليد الحضارية في الإشكالية الأساسية محل الدراسة، التي يمكن أن تتضح من خريطة للنماذج التاريخية المتقابلة للشرح الكاشف عن جوهر هذه الاختلافات سواء في فترات القوة أو الضعف، في دراسة شاملة مقبلة.
فلقد كانت المرجعية الإسلامية هي المنطلق في التنظيم الداخلي، ومن ثم تأسيس العلاقات الدولية على قواعد وأسس هذه المرجعية، منذ تأسيس دولة المدينة المنورة بقيادة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وإرساء قواعد الخلافة الراشدة، وتوالي نظم الخلافة الإسلامية. ومنها تلك القواعد الحاكمة لإرسال البعثات الدبلوماسية والرسل ووظائفهم، وعقد المعاهدات بناء على مؤتمرات أو مفاوضات([3]).
ولهذا اختلفت التقاليد الإسلامية المتصلة بهذا المجال عن نظائرها الغربية؛ نظرًا لاختلاف المرجعيات سواء الدينية قبل وستفاليا 1648 التي كانت تشكل الدوافع والسلوك الأوروبي، أو بعد وستفاليا أي بعد الادعاء بأن مصلحة القومية وليس الدين هي المحرك. وإذا كانت الخبرة النبوية الشريفة كنسق قياس مرجعي تبرز الأبعاد القيمية التي تحكم التعامل مع “الناس” كفارًا أو أهل كتاب (من مرجعية إسلامية)، وإذا كانت خبرة الخلفاء الراشدين في هذا المجال أيضًا تؤسس على الخبرة النبوية وتمتد بها وتجتهد لبناء فقه جديد يستجيب لاختلاف السياقات الزمنية والمكانية، فإن خبرات التاريخ الإسلامي عبر العصور الإسلامية المتتالية (الأموية، العباسية، المملوكية، العثمانية) في فترات القوة والضعف، في إطار مركزية الخلافة أو صعود دور أمراء وسلاطين يحكمون أرجاءها في إطار عمليات الفتوح والاتساع أو عمليات السقوط والاسترداد (كما في الأندلس مثلاً)؛ هذه الخبرة الممتدة والمركبة حبلى بالنماذج والحالات الرشيدة، وفق الأصل القرآني والنهج النبوي، أو غير الرشيدة.
وحيث إن مفهوم السياسة والعلاقات الدولية في مرحلة التأسيس والبناء والصعود الحضاري الإسلامي السائد والمهيمن، طيلة عشرة قرون على الأقل وقبل النهوض الأوروبي الحديث، يختلف بوضوح عما ساد العالم الإسلامي بالتدريج منذ بداية الموجة الثانية من الهجوم الأوروبي الحديث على العالم الجديد وعلى قلب العالم القديم، فستقتصر الورقة على خبرة القرون الخمسة الأخيرة التي شهدت الصعود الأوروبي الدولي في مواجهة تحدي الدولة العثمانية وفتوحها وهيمنتها الدولية حتى منتصف القرن الثامن عشر على الأقل، ثم اندماجها في نظام التفاعلات الأوروبية في إطار مرحلة دفاعها وتراجعها.
(2)
وبالنظر إلى خريطة النماذج التاريخية الحضارية الغربية في فترة التأسيس والصعود الحضاري الحديث، وسياقاتها الإقليمية والعالمية والأمثلة الشارحة يمكن الإشارة إلى ما يلي:
1- الانطلاق من علمنة السياسات الداخلية، منذ تأسيس الدول القومية العلمانية؛ ومن ثم علمنة العلاقات الدولية ابتداء من مؤتمر ويستفاليا مرورًا بمؤتمر فيينا وإدارة التوازنات على القارة الأوروبية ثم مؤتمرات التنافس الاستعماري وتقسيم المستعمرات بين القوى الكبرى الأوروبية المتنافسة على الهيمنة العالمية، وصولاً إلى مؤتمرات تسوية آثار الحرب العالمية الأولى.
2- وخلال هذا المسار تبلورت السمات التالية:
 مساندة الحركات القومية الأوروبية أو غيرها من عدمه ليس احترامًا لحقوق الشعوب ولكن وفقًا لحسابات صراع مصالح القوى وتوازناتها، وللأسف تحت ذريعة الحفاظ على الاستقرار والأمن والسلم، والمقصود طبعًا ذلك الخاص بالدول والنظم والأُسَر الحاكمة المهيمنة وليس الشعوب أو الدول المنهزمة.
 تقسيم الدول وترسيم الحدود بينها أو إنشاء دول جديدة أوروبية أو غيرها وفقًا للتوازنات ودون مراعاة لوحدة الشعوب أو الأمم. وذلك خلال إدارة التوازنات الأوروبية على القارة أو خلال عملية التنافس الاستعماري الدموية على أراضي وثروات شعوب العالم، ابتداء من اكتشافات العالم الجديد وحتى استعمار قلب العالم القديم -أي العالم الإسلامي.
 تقنين هيمنة مجموعة من الدول على السياسة الدولية في مواجهة مجموعة أخرى من الدول، دون الأخذ في الاعتبار مصالح الشعوب والأمم وحقوقها القومية أو الدينية أو الإنسانية بما في ذلك الشعوب الأوروبية المسيحية ذاتها وليس فقط الشعوب الملونة وغير المسيحية.
بعبارة أخرى، فإن مجموع هذه السمات الكبرى السائدة على السياسات العليا وغيرها تجسد طبيعة النموذج الحضاري للتنافسات والتوازنات والصراعات الأوروبية–الأوروبية ومع غيرها من الحضارات، وهو النموذج الواقعي اللاقيمي اللاأخلاقي الذي يقدس الدولة القومية، والذي ينطلق من نموذج معرفي وضعي، مادي علماني. وأرادت هذه القوى أن تفرض هذا النموذج الحداثي العلماني على العالم خلال عملية الاستعمار الدموية؛ باعتباره النموذج العالمي الأصلح والأرشد للتنوير والتقدم والسلام.
3- وتتضح هذه السمات الكبرى للسياقات الإقليمية والعالمية، الأوروبية الغربية على ضوء أمثلة المؤتمرات الكبرى التالية: مؤتمر وستفاليا 1648، مؤتمر فيينيا 1815، مؤتمرات تسوية الحرب العالمية الأولى وخاصة فرساي. وهي مؤتمرات ثلاثة كبرى برزت في مفاصل تاريخية أوروبية وعالمية مهمة، وكانت منطلقات لنظم دولية ونهايات لنظم أخرى، وانخرطت فيما بينها سلسلة من المؤتمرات “الأصغر”، تنفيذًا لاستراتيجياتها الكبرى.
 بالنسبة لمؤتمر وستفاليا 1648م([4])، فإنه يعتبر ختام سلسلة من الحروب امتدت ثلاثين عامًا بسبب الصراع بين الكاثوليكية والبروتستانتية، بدأت حروبًا دينية ولكنها سرعان ما انتشرت وأصبحت حروبًا سياسية، دخلتها الدنمارك والسويد وفرنسا في مواجهة الإمبراطورية الرومانية، ولحفظ التوازن في أوروبا اضطرت الإمبراطورية إلى الدخول في مفاوضات انتهت بصلح وستفاليا، وأدى هذا الصلح إلى مجموعة من النتائج من أهمها:
– تفتت الإمبراطورية الرومانية واستقلال بعض ولاياتها، وضم فرنسا منطقة الألزاس وبعض أجزاء اللورين، وظهور براندنبرج كدوقية كبرى تتزعم الحركة البروتستانتية.
– إقرار مبدأ التعايش بين الكاثوليكية والبروتستانتية، بل والتعايش بين الأديان، بحيث لا يصبح “الدين” سببًا في الحروب بين الدول.
– الاعتراف بالولايات كدول ذات سيادة، وبالتالي تبلور النظام الدولي الذي تعتبر فيه الدول -وليس الإمبراطوريات- الركن الرئيس، مما مهد لظهور الدولة الإقليمية وتطور فكرة الدولة القومية ذات السيادة التي تحتكر استخدام العنف وعدم التدخل في شئونها.
– تدشين عهد جديد في السياسة الدولية يقوم على: احترام سيادة الدولة، والمساواة بين الدول بصرف النظر عن مذهبها الديني أو نظامها السياسي.
– وقوام هذا العهد الجديد مفهوم “توازن القوى” بين مجموعة الدول الأوروبية الرئيسية: بريطانيا، وفرنسا، وروسيا، وبروسيا، ويُقصد بذلك إقرار نوع من التكافؤ النسبي بين تلك الدول فلا تسيطر دولة واحدة أو ائتلاف على السياسة الأوربية، واختلف هذا التوازن من مرحلة إلى أخرى طبقًا لعلاقات القوى، ولعبت بريطانيا الدور الرئيسي في المحافظة على هذا التوازن. وكانت الإمبراطورية العثمانية ما تزال في مرحلة القوة وكانت طرفًا في التوازنات الأوروبية ولو بشكل غير مباشر، تشارك في المؤتمرات الدولية طوال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كما سبقت الإشارة.
 وكان مؤتمر فينيا 1815([5]) نتاج السياقات الإقليمية الأوروبية منذ منتصف القرن السابع عشر؛ أي كان مفصلاً تاريخيًا مهمًا بين القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر.
ومنذ ما بعد وستفاليا، وفي ظل نظام الدول القومية العلمانية المستحدث، اجتاح أوروبا عددٌ من الثورات العلمية والفكرية ثم الثورة الصناعية، وجميعها أدت إلى نشوء الظاهرة الاستعمارية واختلالات التوازنات الأوروبية بين الامبراطوريات القديمة (النمساوية –المجرية والبروسية والعثمانية) وبين القوى الكبرى الصناعية الجديدة بقيادة بريطانيا بصفة خاصة.
ثم مثلت الثورة الفرنسية 1789 نقطة تحول في مسار السياسات الأوروبية والدولية بصفة عامة؛ حيث مثلت تحديًا للنظم التسلطية الأوروبية ولنظام توازن القوى الأوروبي، ودفاعًا عن حقوق الشعوب في التحرر من استبداد الملكيات. إلا أن هزائم نابليون المتكررة –نتيجة تحالف قوى أوروبية لإعادة بناء نظام القوى في مواجهة سعي فرنسا للهيمنة- قد أدى إلى مؤتمر فيينيا لوضع أسس نظام توازن أوروبي جديد.
اجتمعت الدول المتحالفة مرة أخرى في فيينا، بعد هزيمة نابليون الثانية؛ وذلك من أجل ترسيخ أسس التسوية السياسية في أوروبا، وتم الاتفاق على ثلاثة مبادئ للتفاوض وهي:
1- إعادة الحقوق الإقليمية والسياسية لملوك وأمراء الدول المتحالفة بصرف النظر عن التطلعات القومية.
2- تعويض الدول المنتصرة بأقاليم جديدة.
3- إضعاف فرنسا حتى لا تعود إلى سياسة التوسع الإقليمي.
وعلى ضوء نتائج المؤتمر يكون قد نشأ نظام جديد في أوروبا يُعرف باسم “الاتفاق الأوروبي”، يقوم على التوازن بين القوى الكبرى في أوروبا بحيث لا تطغى قوة على أخرى، وضمان سيطرة الملَكيات الأوروبية المنتصرة على السياسة الأوروبية وقمع الاتجاهات الجديدة التي جاءت بها الثورة الفرنسية. ويتضح أن ذلك النظام اهتم بالتوازنات الأوروبية وبإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه من قبل الثورة الفرنسية، ولم يهتم بالتطلعات القومية للشعوب الأوروبية، وتأثرها بأهداف الثورة الفرنسية ومبادئها.
ومن ناحية أخرى، عبر القرن التاسع عشر، وفي ظل نظام مؤتمر فينيا، تصاعد التنافس الاستعماري الأوروبي في آسيا وأفريقيا، وارتبط هذا التنافس بالتوازنات على القارة الأوروبية بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبينهم وبين الإمبراطوريات التقليدية النمساوية والعثمانية، وسجل القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين انعقاد مؤتمرات أوروبية لتقنين المقاصات الاستعمارية -أي المساومات بين الدول الاستعمارية لاقتسام المستعمرات. وكان هذا التنافس هو سبب أساس من أسباب اندلاع الحرب العالمية الأولى([6])، ومن أهم هذه المؤتمرات مؤتمر برلين 1884-1885 حول أفريقيا، والاتفاق الودي 1904 حول شمال أفريقيا، واتفاق سايكس بيكو 1916 حول الشام، ومن قبلهم مؤتمر لندن 1840 حول مصر والشام.
فلقد اقتسمت هذه المؤتمرات وغيرها الأراضي والثروات ورسمت الحدود على حساب تقسيم الأمم والشعوب أو القبائل. وتمت المفاوضات والتقسيمات في إطار صراعات وتوازنات القوى الأوروبية من أجل الهيمنة على أوروبا والعالم. ومن ثم فإن تطلعات الشعوب سواء الأوروبية نحو الحرية أو الوحدة القومية، أو غير الأوروبية نحو الاستقلال والوحدة أيضًا قد تم إهدارها طوال القرن التاسع عشر على نحو قاد إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى([7]).
 وكانت مؤتمرات تسوية الحرب العالمية الأولى([8]) أيضًا نموذجًا ثالثا كبيرًا، وفي مفصل تاريخي آخر، لكيفية إهدار حقوق وتطلعات الشعوب الأوروبية والعربية لحساب توازن المصالح بين القوى الكبرى. فكانت تصفية الامبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية على حساب تقسيم شعوب وقوميات في البلقان وشرق أوروبا لحساب قيام دول جديدة (بولندا مثلاً)، أو إعادة ترسيم حدود دول أخرى (ألمانيا) وتقسيم جزء من الأمة الألمانية بين أكثر من دولة، ناهيك بالطبع عن إعادة التقسيم في الشام وكردستان بعد هزيمة الدولة العثمانية.
ولقد كانت هذه التسويات غير عادلة على النحو الذي جعلها تحمل بذور اندلاع حرب عالمية ثانية بعد عقدين من الزمان، ومرورًا بأزمة اقتصادية عالمية طاحنة دشنت آثارها وسهلت من صعود نظم فاشية ونازية في عقر دار العالم القديم وفي أقصى الشرق، وقادت جميعُها العالمَ إلى حرب دموية طاحنة.
خلاصة القول، على ضوء هذه النماذج من التاريخ الدبلوماسي الأوروبي يمكن القول: إذا كانت أدبيات التاريخ الدبلوماسي أو تطور التاريخ السياسي للعلاقات الدولية الغربية خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تركز على عمليات وآليات إدارة الصراعات والتوازنات الرسمية العليا، فإن استدعاء ما يتصل بمصير الشعوب والأمم والقوميات والأديان، في أوروبا أو خارجها، يأتي ذكرُه في شكل أرقام عن الضحايا ومساحات الأراضي المستقطعة والثروات المهددة. وتظل الآثار الاجتماعية والفكرية تُستدعى من قبيل الاستثناء في الأدبيات التي تنحى منحًى أكثر معيارية من المناحي الواقعية الوضعية الصلدة التي تهتم بالهياكل والدول القومية أكثر من اهتمامها بأحد عناصر هذه الدول وربما أهمها وهو الشعب وتاريخه وهويته قبل تقسيم الأرض وممارسات السلطة والسيادة.
ومن ثم نجد أن الاتجاهات النقدية ما بعد الوضعية والواقعية (من قبيل ما بعد الكولونيالية -أي ما بعد الاستعمار- ودراسات مقاومة الهيمنة) أكثر اهتمامًا بتواريخ الشعوب والأمم ومعاناتها في ظل صراعات القوى والمصالح. ولكن يظل للتواريخ الجزئية أو الكلية المعاصرة عن العالم الإسلامي، تميزها في استدعاء الأبعاد الدينية والاجتماعية والفكرية في كل من دوافع وآليات وآثار الحروب الكبرى ثم التدخلات الخارجية في ظل الاستعمار وما بعده. وتقع المؤتمرات الدولية الاستعمارية الكبرى في قلب هذه التحليلات.
(3)
وعلى ضوء دلالات النماذج التاريخية السابقة حتى أوائل القرن العشرين يمكن استدعاء خبرات ونماذج الذاكرة التاريخية المعاصرة عبر القرن العشرين وحتى أوائل القرن الحادي والعشرين، وصولاً إلى نماذج العامين الأخيرين من هذا العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين (2017-2019).
وهي خبرات ونماذج وقعت بدورها في ظل سياقات دولية وإقليمية شكلت أنماط الحروب والتدخلات الخارجية في القضايا العربية، وفي قلبها أنماط من المؤتمرات الدولية الجزئية والكلية، التي عكست بدورها عملية صراع المصالح وتوازنات القوى على حساب حقوق الشعوب ومصالحها.
وتقدم لنا الذاكرة سيلا من هذه المؤتمرات يلزم رسم خرائط لها، وذلك بالنظر إلى أربعة أنماط من القضايا الكبرى التي واجهتها الشعوب العربية ومازالت حتى الآن وتتجدد مسائلها من مرحلة إلى أخرى من مراحل تطور السياقات الإقليمية والعالمية عبر هذا القرن. هذه القضايا هي: نمط التغيير الحضاري الداخلي، التبعية للنظام العالمي بعد انتهاء الاستعمار التقليدي، مشروع الصهيونية العالمية وعدوان إسرائيل، الوحدة أو التضامن الإقليمي وعبر الإقليمي.
والمراحل الفرعية التي مرت بها تفاعلات هذا القرن، والتي وسم كلا منها حدثٌ إقليمي وعالمي مفصلي شكَّل ملامح السياق الدولي لكل مرحلة، هي:
• المرحلة الأولى- تصفية توازن القوى المتعدد التقليدي وتقسيم الأوطان العربية:
تسويات حرب عالمية أولى، ضعف الدولة العثمانية وتفكها وتفكك الإمبراطورية النمساوية المجرية، بداية مشروع صهيوني تنافسي عالمي يزيح قوى كبرى قديمة ويبرز على السطح قوى جيدة، عالم جديد يتشكل، شعوب لم يتوقف سعيها للاستقلال بقيادة قوى وطنية وخاصة قوى إسلامية قادت الكفاح المسلح في حين اكتفت الوطنية العلمانية بالمفاوضات([9]).
• المرحلة الثانية- الحرب الباردة والثنائية القطبية والحرب الباردة العربية:
نهاية حرب عالمية ثانية وتوازن قوى عالمي جديد، ظهور إسرائيل، صراع أيديولوجي عالمي وانقسام العالم إلى معسكرين، حركات الاستقلال العربية، وبداية الحرب الباردة العربية بعد موجة من الانقلابات العسكرية، هزيمة يونيو 1967 وتداعياتها الداخلية والإقليمية على الصراع العربي الإسرائيلي والصراعات العربية في ظل بداية الانفراج وتراجع الحرب الباردة([10]).
• المرحلة الثالثة- تصفية الحرب الباردة وصعوبات المقاومة الوطنية في ظل العولمة:
الانفراج الدولي، وحرب أكتوبر وإعادة تشكيل نمط التحالفات العربية بعد أزمة البترول ثم بعد السلام المصري الإسرائيلي، والحرب الأهلية اللبنانية وضرب المقاومة الفلسطينية المسلحة من الأراضي العربية، الثورة الإيرانية والحرب العراقية الإيرانية، توالي سياسات شد أطراف المنطقة بعيدًا عن الوحدة والاستقلال والحرية في ظل تنامي قوة إسرائيل، وظهور تهديدات جديدة للمشروع العربي من داخل الأوطان ومن جواره (الثورة الإيرانية)، بحيث لم يعد الصراع العربي الإسرائيلي الصراع الأساس، ومن ثم تغيرت أنماط التحالفات العربية –العربية، والعربية الإقليمية.
وكانت المؤتمرات الدولية والإقليمية في هذه المرحلة كاشفة عن هذه التحولات؛ فعلى سبيل المثال: اتفاقية الطائف لإنهاء الحرب اللبنانية وتداعياتها، ثم مؤتمرات فك الاشتباك، وصولاً إلى مؤتمر كامب ديفيد وتداعيات السلام المصري الإسرائيلي على القضية الفلسطينية، مؤتمرات الحوار العربي الأوروبي، والحوارات الأوروبية المتوسطية طوال الثمانينيات،…إلخ.
• المرحلة الرابعة- نهاية الحرب الباردة وإعادة تشكيل النظام العالمي والنظم الإقليمية (1991- 2011)([11]):
وكان لهذه المرحلة انعكاساتها شديدة الصعود على “العالم الإسلامي” والمنطقة العربية بصفة خاصة بجوارها الحضاري الإيراني والتركي وبعدائها مع “إسرائيل”. وكان لعدد من المؤتمرات الدولية في هذه المرحلة دلالات كاشفة عما أضحى عليه التغلب الخارجي على الداخل وعلى الإقليمي لحساب مشروعات التجزئة والتبعية والصعود الإسرائيلي تحت رايات خطر الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل ومعاداة السامية، والإسلاموفوبيا، وتهديد الحركات الإسلامية السياسية للديموقراطية والمدنية، وضرورة الإصلاحات الهيكلية الرأسمالية وفق أجندة صندوق النقد الدولي، وشراء الأسلحة الغربية مع تقييد الصناعات الحربية الوطنية…إلخ.
ومن نماذج هذه المؤتمرات: مؤتمر مدريد 1991، مؤتمرات التفاوض الإسرائيلي الأردني ثم الفلسطيني الثنائية، مؤتمرات الشراكة الأورومتوسطية، مؤتمرات الحرب الأهلية في السودان وحتى انفصال جنوبها، مؤتمرات ضد الوجود السوري وضد دور حزب الله في لبنان،… مؤتمرات استمرار حصار العراق وحتى العدوان عليها 2001، مؤتمرات حقوق الإنسان والمرأة في مواجهة التطرف الإسلامي وخاصة طالبان في أفغانستان، مؤتمرات ما بعد 2001 عقب العدوان على أفغانستان، مؤتمرات المحافظين الجدد في صعودهم في الولايات المتحدة الأمريكية وتحالفهم مع مؤتمرات الايباك إعدادًا لاحتلال العراق بعد أفغانستان، مؤتمرات الإصلاح الديمقراطي في الشرق الأوسط …إلخ، ومؤتمرات حوارات الأديان والثقافات بعد 2001.
وأضحت المنطقة العربية منذ الثورات ثم الثورات المضادة ثم الحرب على الإرهاب في قلب التدخلات العالمية شديدة التحالف مع نظم وقادة الثورات المضادة تحت ذريعة الحرب على الإرهاب. وقدمت السياقات الدولية والإقليمية (2011 – 2017) ملامح وسمات جديدة عن أنماط هذه التدخلات من أهمها ما يلي([12]):
(1) تأخر فرض تسويات سياسية من أعلى على ساحات الاقتتال الغربي-العربي، وهو ليس هدفًا في حد ذاته حماية للمدنيين وإنقاذًا للأرواح أو الحيلولة دون التدمير الحضاري لأوطان بأكملها أرضًا وشعبًا وثقافة وأجيالاً قادمة ولكن الهدف هو شكل الخريطة الجديدة للنظم في المنطقة وخريطة علاقاتها الخارجية، والأهم وضع إسرائيل في المنطقة. ولعل إعادة تشكيل خريطة المنطقة وتوازنات القوى الكبرى حولها أضحى الشرط المسبق لإيقاف هذا الاقتتال، وفي قلب هذا التشكيل الجديد دور إسرائيلي سائد في المنطقة.
(2) ومن خصائص عملية إعادة التشكل منذ 2011 ضبابية الإجابة عن سؤال: من العدو للعرب؛ إيران أم إسرائيل أم الإرهاب أم الإسلام السياسي؟ هل العدو خارجي فقط أم داخلي أيضًا؟ وهذه الضبابية شديدة الخطورة بعد أن كان التوافق قائمًا حول كون إسرائيل هي العدو. وهو الأمر الذي ترتب عليه إعادة تشكيل التحالفات ليس في مواجهة إسرائيل (متشددين أم معتدلين) ولكن تحالفات مع إسرائيل في مواجهة تحالفات ضد إسرائيل. ومن ثم أضحت إسرائيل عامل تدخل واضح في ساحات الصراعات الداخلية لمساندة طرف ضد طرف.
(3) الصبغة الطائفية الفجة والمعلنة بدون حياء سواء في سوريا أو العراق أو اليمن، والصبغة الانقلابية الأكثر فجاجة (التي تجمع بين صبغات أخرى) في مصر وليبيا واليمن. ولقد سبق صعود هذه الصبغة وانفجارها صعودًا إسلاميًا في بداية الثورات ثم استهدافًا لها من الثورات المضادة، وصولاً إلى أزمة المشروع الإسلامي الذي أضحى إجمالاً لصيقًا بالإرهاب، دون تمييز بين روافد هذا المشروع.
وبين الطائفية متعددة الأوجه وبين أزمة المشروع الإسلامي وأخونته أضحت الهوية المشتركة والوعي الجمعي بالذات الحضارية الجامعة في خطر شديد، على نحو يفل من عضد المقاومة الحضارية للتصهين والتجزأة والانحدار الحضاري والتبعية.
ولقد أفرز العامان الأخيران (2017-2019)، اللذان تزامنا مع ذكرى مئويات عدة (وعد بلفور، نهاية الحرب العالمية الأولى، ثورة 1919 في مصر…) حالة انكشافية عن هذه الخصائص التي أضحت شديدة الوضوح وانحسرت عنها الضبابية والأسئلة.
فمن ناحية: العدو المعلن رسميًا الآن هو إيران وليس إسرائيل، وأكثر الأدلة هو السكوت الرسمي عن كل ممارسات إدارة ترامب بل واللهث وراءها وإسرائيل لمزيد من التحالف في مواجهة إيران (مثلاً مؤتمرات القمة في السعودية 2016، ثم في رمضان 1440)، وبذا أضيف إلى الصراعِ السياسي الصراعَ الطائفي المقيت بين السُّنة والشيعة على نحو يزيد من تعقيد حالات الاقتتال الداخلي ويزيد من صعوبة تسوياتها في إطار منافسات دولية وإقليمية أكثر مقتًا، وفي المقابل تراجع من الخطاب الرسمي بل والنخبوي العربي الحديثُ عن العداء للصهيونية وإسرائيل من ناحية، وقفزت من ناحية أخرى كل خطابات التصهين التي لا تبرر إقامة العلاقات مع إسرائيل فقط ولكن التي تؤسس لشرعية وجود إسرائيل وتسكت عن تصفيه القضية الفلسطينية.
ومن ناحية أخرى: استمرار الاقتتال الداخلي في اليمن وسوريا وليبيا، واتساع تداعياته الإقليمية التي تلعب فيها إسرائيل الآن دورًا واضحًا (المواجهة الإيرانية الخليجية ودور اليمن الحوثي فيها واتخاذها ذريعة للتصهين الخليجي، المواجهة الإيرانية الإسرائيلية على أرض سوريا، منذ أن استقر نظام بشار فالتفتت إسرائيل للوجود الإيراني بعد أن انتهى دوره في تثبيت النظام الدموي من جديد…).
ومن ناحية ثالثة: الإنهاك الداخلي لإيران بالعقوبات ليس الوحيد، فالإنهاك الداخلي لتركيا أيضًا مستمر منذ الانقلاب العسكري الفاشل وعلى نحو يقيد من إمكانيات وقدرات الحركة التركية دعمًا للمقاومات المستمرة ضد الثورات المضادة والإرهاب وتصفية القضية الفلسطينية، بل وتصفية الأساس الحضاري للوجود العربي: هوية إسلامية وتاريخًا وجغرافيا. وفي المقابل ينطلق الدور الإسرائيلي بقوة ظاهرة خلال العامين الماضيين، بعد أن ظل يراقب الثورات عند اندلاعها ويبني الروابط مع الثورات المضادة ويغذي الإرهاب.
ومن ناحية رابعة: اشتداد الخناق الداخلي والخارجي على روافد الحركة الإسلامية السلمية الحضارية التي تمثل عامود الخيمة في التوازنات مع مختلف الروافد الإسلامية الأخرى، والتي تمثل الدرع الواقية ضد “الإرهاب” الملتحف برداء الإسلام.
ومن أخطر أدوات هذا الخناق: الإعلام الذي نقل الإسلاموفوبيا من كونها ظاهرة يشهدها الغرب إلى عقر دار الدول العربية ذاتها. ومن ثم السعي إلى إعادة رسم الصورة الذهنية عن الإسلام وعما يجب أن يكون عليه المسلمون، بعيدًا بدينهم عن الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، محبوسين به في دُور العبادة أو منقطعين عنه بالإلحاد.
ومن ناحية خامسة: اتجاه صراع أو تنافس القوى العالمية منحى أحاديًا حادًا مع سياسات ترامب الهجومية والمنفردة على كافة الأصعدة، وتعدد المناورات والمقاصات المعلنة وغير المعلنة بين الولايات المتحدة وروسيا بصفة خاصة والصين وأوروبا، وتظل المنطقة العربية –كعهدها دائمًا- ساحة لاختبار هذه التوازنات والحسابات لحماية المصالح الخارجية، ومن ثم تظل تعاني من آثارها على حساب “الشعوب” وحقوقها.
ولم تحقق المؤتمرات الدولية المنعقدة طوال العامين المنصرمين (والتي يتناولها الملف) نتائج في التسوية بقدر ما تكشف في مجموعها عن حقيقة المؤتمرات كآلية دبلوماسية لإدارة الصراعات في ظل اختلالات توازنات القوى المخيفة بين رعاة المؤتمرات -من قوى كبرى أو عملائهم الإقليميين- وبين ممثلي النظم المنهكة الأكثر ميلاً للاستسلام والمواءمات لحسابات المصالح، حماية لأنظمتهم على حساب شعوبهم.
وعلى ضوء كل ما سبق، وأخذًا في الاعتبار التصاعد والتطور في آليات وأدوات ومبررات التدخلات الخارجية في المنطقة، كليًا وجزئيًا عبر القرنين الأخيرين على الأقل، ووصولاً إلى خبرة ما بعد الثورات العربية؛ يمكن القول إنه عبر الأعوام الخمسة الأخيرة (2014- 2019) من عمر الثورات المضادة والحروب في المنطقة أضحى تكرارُ المؤتمرات الدولية بوازع ورعاية خارجية ظاهرةً تمثل غاية في حد ذاتها أكثر من كونها وسيلة ناجعة لإيجاد حلول أو تسويات ولو مؤقتة توقف المجازر البشرية في ظل رعاية القوى المتصارعة على النفوذ والهيمنة وتحت ذرائع متعددة: الإرهاب أم إيران أم المقاومة أم صفقة القرن أم ماذا؟؟؟
والجدير بالذكر أن تراكم خبرة هذه الأعوام الأخيرة يبرز ملامح مهمة وأكثر انكشافًا عما ذي قبل، مقارنة بمشاهد 1991، 2001، 2011.
(4)
على ضوء دلالات الذاكرة التاريخية ووصولاً إلى واقع الأعوام الأخيرة حول الصراعات العربية-العربية ونمط التدخلات الخارجية فيها، فإن خلاصة القول هي:
إن التوجه العام التراكمي والمتصاعد هو تغلب الخارج بحلولٍ مفروضة وعجز الداخلي والبيني عن المبادرة الفاعلة، فضلاً عن التردد والتأرجح ومن ثم عدم الحسم في الوصول إلى تسويات.
ذلك لأن معايير المصالح الضيقة للحكومات والنظم في الداخل، ومعايير حسابات التوازنات بين القوى الخارجية على نحو واقعي فج، هي الحاكم الأساس. ولذا تستمر الأزمات وتتجدد مسائلها بلا حلول حاسمة، مع خروج هذه الأزمات ثم دخولها من اتفاق فاشل إلى آخر. ولهذا تظل كافة القضايا مفتوحة بل وتمر بدوائر مغلقة، وتتجدد انفجاراتها في أردية جديدة، ويظل جوهر القضية قائمًا، سواء قضايا صراع تقليدية أو قضايا عالمية جديدة (مثل البيئة والفقر والجوع والتنمية والتمييز النوعي أو العنصري… والكراهية، وحوارات الأديان والثقافات وحقوق الأقليات أو السكان الأصليين، أو اللاجئين أو المرأة والطفل والمعاقين والمهمشين…).
ناهيك بالطبع عن الصراعات الممتدة ذات الجذور التاريخية والدينية أو العرقية والتي سرعان ما تنفجر دمويًا في جولة لتهدأ بعد ذلك ظاهريًا في جولة أخرى… والخاسر في ذلك كله الشعوب، على حساب العمران والعدالة والإنسان، والفائز في المقابل قوى الرأسمالية العالمية ومجمعات الصناعات العسكرية والدوائية والمعلوماتية.
إن العالم في ظل العولمة المعاصرة يدخل في دائرة متشابكة من المؤتمرات اللانهائية اللاهثة متعددة المستويات والقطاعات والمراحل، والتي تبدو أنها أضحت غاية في حد ذاتها بل من طبائع الأمور في عالم متعولم يدَّعون أنه أضحى قرية صغيرة. ولكن واقع وخبرة هذه المؤتمرات؛ الإقليمية أو العالمية، النوعية أو الكلية، تكشف أن الأزمة الرأسمالية العالمية في استفحال؛ حيث تظل الأبعاد المادية النفعية الاستهلاكية تتحكم في القلة المالكة لعناصر القوة في العالم على حساب الأبعاد القيمية الأخلاقية الإنسانية، بل واعتبار هذه الأخيرة عائقًا أمام الاستقرار والسِلم من وجهة نظر هؤلاء الأقوياء.
إنه النظام العالمي المعاصر وفي قلبه النظام الرأسمالي الغربي العتيد، يكافح بقوة من أجل استمرار هيمنته العالمية في مواجهة مراكز القوة العالمية الصاعدة الرأسمالية أيضًا للأسف ولكن غير الغربية، وفي مواجهة مراكز المقاومة العالمية المنبثقة عما يسمى “Global south” سواء في شكل مسلح أو فكري أو مدني حقوقي عبر قومي وعالمي.
وإذا كانت مؤتمرات عالمية كبرى بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية قد حسمتا نهاية نظام الإمبراطوريات القديمة ابتداءً ثم أرست نظامًا عالميًا جديدًا منذ 1945، إلا أن الأصعدة الإقليمية الأوروبية وغير الأوروبية عبر العالم ظلت وما زالت تشهد تحولات مهمة أدت إلى نهاية الحرب الباردة والثنائية القطبية ابتداء ودشنت مرحلة تالية من التفاعلات يُعاد فيها تشكيل توازنات العالم، وبقدر ما حسمت بعض المؤتمرات -ولو مؤقتًا- حالة التحولات في وسط آسيا، والبلقان وأمريكا اللاتينية مثلاً، فإن القلب العربي ما زال يقاوم منذ 1991 مشروع سايكس بيكو ثانية، وفي نهاية العقد الثاني من الألفية ما زالت كل الاحتمالات مفتوحة، والحقيقة الوحيدة المؤكدة هي أن سلسلة المؤتمرات طوال العقد وخلال العام 2018- 2019 لم تحسم الاقتتال العربي-العربي تحت رعاية خارجية، بل إننا نواجه احتمال انفجار حرب إقليمية مفتوحة في ظل تصاعد المواجهة الإيرانية– الخليجية– الأمريكية منذ عدة أشهر وصولاً إلى أزمة المواجهة حول ناقلات النفط في الخليج وبحر العرب. ولم يستطِع طرف أن يفرض إرادته على الآخر حتى الآن ليستسلم ويقي الشعوب نيران الحرب. والأخطر أن هذه التهديدات قد تكون غاية في حد ذاتها لجذب الأنظار عن المؤامرة الصريحة المعلنة تحت اسم “صفقة القرن”، والتي بدأ تدشينها علنًا وبفجاجة في مؤتمر المنامة في 25/6/2019. بل ولعل انعقاد هذا المؤتمر في هذا التوقيت بعد سلسلة مؤتمرات الرياض للاستعداء على إيران وبعد فشل سلاسل مؤتمرات التسوية السياسية لليمن وليبيا وسوريا، هو غاية في حد ذاته لإعلان فرض الإرادة الإسرائيلية بتعاون مع الصهاينة العرب.
وأخيرًا: إن المؤتمرات الدولية، تحت رعاية قوى خارجية ذات مصالح متصارعة وتسعى إلى الحفاظ على قواعد سيطرتها التاريخية وتجديدها، ليست هي الوسيلة لإيجاد حل لأزمات المنطقة. ولكنها ستظل جاثمة على صدور الشعوب مثيرة للآمال الزائفة، ولن يتغير السيناريو إلا حين تفرض مقاومة الشعوب إرادتها وتجد مؤتمرات مضادةً تعكس إرادات القوى المدنية عبر القومية والعالمية، المساندة لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، والمقاوِمة للهيمنة والعنصرية والاستبداد والفساد بكافة أشكالهم؛ مثل مؤتمرات العولمة المضادة، ومقاومة العنصرية، والحوارات، وحقوق الإنسان، ومقاطعة إسرائيل، والمقاومة للصهيونية.
ولكن يظل السؤال: أين المؤتمرات العربية- العربية الناجزة الفاعلة؟ أين مؤتمرات وفعاليات المقاومات العربية الحضارية المدنية السلمية، جنبًا إلى جنب مع صمود المقاومات المسلحة ضد إسرائيل وضد كل الاحتلال الأجنبي لأرض عربية ومسلمة؟
إن زخم “المؤتمرات الشعبية” المفتوحة المستمرة بلا دأب لعدة شهور في السودان والجزائر وغزة وأخيرًا في عدة مدن عربية وإسلامية وأجنبية ضد صفقة القرن وضد مؤتمر المنامة، لَيحملُ في طياته بعض مؤشرات الأمل أن دورة الثورات المضادة والتصهين العربي (تحت راية الحرب على الإرهاب) لابد أن تقارب نهايتها لتبدأ دورة ثورات جديدة للتغيير الحضاري، وفق قواعد ومبادئ المرجعية الحضارية للأمة بكل شعوبها وتوجهاتها ومذاهبها من أجل العمران والعدالة حمايةً للإنسان، فردًا وجماعة وأمة.
وإذا كانت الذاكرة التاريخية الحضارية الغربية الحديثة قد قدمت لنا مشاهد واقعية فجة، فإن القراءة في الذاكرة الحضارية التاريخية الإسلامية لابد أن تقدم لنا وجهًا آخر لعملة العلاقة بين صراعات وتوازنات القوى وبين مصالح وحقوق الشعوب والأمم؛ أي الوجه العمراني الإنساني الذي وإن لم ينبنِ على ضعف أو تخاذل إلا أن عناصر قوته كانت حامية راعية لحقوق الشعوب وحامية ومحافظة على التعدد والتنوع والتعارف والتداول والتدافع الحضاري؛ هكذا تقول لنا تواريخ فتوحنا منذ بداية الرسالة وحتى بدأ التراجع، مقارنة بتواريخ كشوفهم واستعمارهم الدموية([13]).
والحمد لله.
*****

الهوامش:

(*) أستاذ العلاقات الدولية المتفرغ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية /جامعة القاهرة، ومدير مركز الحضارة للدراسات والبحوث.
[1] انظر معجم المعاني الجامع: http://cutt.us/z3psh
[2] انظر: د. محمد السيد سليم، تطور السياسة الدولية في القرنين التاسع عشر والعشرين، القاهرة، دار الفجر للنشر والتوزيع، ط2004، ص 85- 84 ، 106.
[3] انظر في هذا:
– د. أحمد عبد الونيس: الأصول العامة للعلاقات الدولية في الإسلام، في: د.نادية مصطفى (إشراف)، مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996 (الجزء الخامس).
– د. عبد العزيز صقر: العلاقات الدولية في الإسلام وقت الحرب، في: د.نادية مصطفى (إشراف)، مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، (الجزء السادس).
– فاروق حمادة، البعثات الدبلوماسية في العهد النبوي وأثرها في التشريع الدولي، ضمن أعمال ندوة “التشريع الدولي في الإسلام”، الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ط الأولى، 1997م.
[4] لمزيد من التفصيل راجع: د.محمد السيد سليم، مرجع سابق، ص 39، 40.
[5] انظر: المرجع السابق، ص 61-66.
[6] انظر د.سمعان بطرس فرج الله، العلاقات السياسية الدولية فى القرن العشرين، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1980.
[7] انظر التفاصيل في آسيا وأفريقيا والقضايا العثمانية والوطن العربي، في: د.محمد السيد سليم، مرجع سابق، ص 175 – 246.
[8] انظر تفاصيل هذه التسويات ونتائجها وصولا إلى الحرب العالمية الثانية، في: المرجع السابق، ص 283 – 387.
[9] انظر مؤتمرات تسويات الحرب الأولى وسايكس بيكو.
[10] حول مؤتمرات تسويات الحرب ومؤتمرات إدارة صراعات الحرب الباردة المسلحة في العالم الثالث أو العالمية الخاصة بالأمن الأوروبي والتسابق على التسلح، أو إدارة الصراع العربي الإسرائيلي قبل وبعد 1956 و1967 و1973، أو إدارة الحروب الأهلية في اليمن ولبنان والسودان، والحرب العراقية الإيرانية، …إلخ. انظر: محمد السيد سليم، مرجع سابق.
[11] انظر: د.نادية محمود مصطفى، الهجمات الحضارية على الأمة وأنماط المقاومة: بين الذاكرة التاريخية والجديد منذ الثورات العربية، في: أمتي في العالم “المشروع الحضاري الإسلامي: الأزمة والمخرج”، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2017.
[12] انظر تفاصيل قضايا ومسائل هذا السياق في: المرجع السابق، ص 80 – 85.
[13] انظر على سبيل المثال: توماس أرنولد، الدعوة إلي الإسلام. ترجمة د. حسن إبراهيم حسن، د. عبد المجيد عابدين، إسماعيل النحراوي، النهضة المصرية، القاهرة، 1970.
وحول الفتوح الإسلامية، انظر: ميشيل بوازار، إنسانية الإسلام، ترجمة عفيف دمشقية، بيروت: منشورات دار الآداب، 1983م.
وحول المقارنة بين نمط الفتوح العثمانية الحضارية والحروب المضادة النمساوية المجرية في البلقان، انظر: د.محمد أرناؤوط، الإسلام في يوغسلافيا من بلغراد إلى سراييفو، دار البشير للنشر، عمان، 1993.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى