أزمة البيئة العالمية: رؤية نقدية

مقدمة:

سوف نتناول في هذا البحث أزمة البيئة العالمية بصورة عامة وشاملة؛ أي وفقًا لمستوى التحليل النظمي الدولي أو العالمي، حيث أن أزمة البيئة تضم في إطارها العديد من القضايا والمشكلات كالطاقة وندرة الموارد والتلوث والاحتباس الحراري والجفاف إلى آخره. وعليه فسوف نتناولها من منطلق الاتجاه النظري النقدي في إطار حقل دراسة الاقتصاد السياسي الدولي، متناولين في إطار ذلك أهم التطورات التاريخية للأزمة البيئة والتداعيات المنعكسة على البيئة في إطار المحاولات العالمية الوصول لمزيد من الرفاهية والتقدم الصناعي، وما يترتب عليه من زيادة في إطار الااعتماد المُتبادل. كذلك ننوه في إطار ذلك عن تطور فرع جديد في إطار حقل دراسة الاقتصاد السياسي الدولي ألا وهو الاقتصاد السياسي الأخضر وبعضًا مما يرتبط به من موضوعات وقضايا وكذلك نظريات وما يرتبط بها من أفكار وافتراضات وكيف أنه أحد المنطلقات الكونية لتناول ومواجهة الأزمة البيئة. ذلك بالإضافة إلى ذكر بعض أهم المحاولات والااتفاقيات البيئية الدولية والعالمية وأهم المنظمات المعنية بذلك على المستوى الدولي والعالمي ومن ثَم نوضح أهم الحلول لأزمة البيئة العالمية ليس فقط في إطار الدول القومية والمؤسسات الحكومية ولكن بالأساس إنطلاقًا من المجتمع ذاته، ومجهوداته وقدراته على التحسين والتقدم في إطار وجود نوع من الدعم السياسي، وذلك لأنها أزمة كونية يختص بها الأفراد ويُلقى عليهم بالمسؤولية في إطارها، مثلهم مثل الدول القومية والحكومات.

أولًا: قضية البيئة من مُنطلق اقتصاد سياسي دولي ووِفقًا للنظرية النقدية

سوف نقوم في تناولنا لأزمة البيئة العالمية بعرضها وتحليلها في إطار حقل دراسة الاقتصاد السياسي الدولي إنطلاقًا من المدخل النظري النقدي. ترجع جذور النظرية النقدية إلى عصر وحقبة التنوير في كتابات وأفكار كلًا من كانط وهيغل وماركس، على أن ذلك ليس أقدم ما يُمكن تتبعه بل هناك كذلك ما يشير إلى وجود جذور ولمحات لها في كتابات اليونانيين القدامى و في أفكارهم، كذلك يُمكننا تتبع تاريخ النظرية النقدية في إطار كلًا من نيتشه وويبر على أنه لم يَكُن قبل القرن العشرين حتى أصبحت النظرية النقدية فرعًا مستقلًا في الفكر يُعرف باسم مدرسة فرانكفورت، إنه في أعمال ماكس هوركهايمر، ثيودور أدورنو، والتر بنيامين، هربرت ماركوز، إريك فروم، ليو وينثال.، وفي الآونة الأخيرة، يورغن هابرماس حيث أصبحت النظرية النقدية تُمَثِل قوة مُجددة وأن أصبح مُصطلح نظرية نقدية شعارًا فلسفيًا يُستخدم للتشكيك في الفِكر السياسي والااجتماعي الحديث وذلك من خلال توجيه نوع من النقد الجوهري لمثل هذا الفكر. فهذا الاتجاه النقدي في جوهره هو محاولة لمعالجة الاتجاهات والمحاولات النقدية التحررية والتي كان قد تم اجتياحها وغزوها من قِبَل اتجاهات فكرية، ااجتماعية، سياسية، اقتصادية، ثقافية وكذلك تكنولوجية حديثة. فالنظرية النقدية تقوم في جوهرها على تحدي الفكر الفلسفي السياسي والااجتماعي الغربي السائد والتحرر منه وذلك من خلال إعادة توجيه النظر إلى الحاجة إلى وجود نظريات من أجل التنظير وحل مشكلات المُجتمع السياسي الدولي ذاته وكذلك إلقاء الضوء على الظلم الاجتماعي والهيمنة الاجتماعية نتيجة ما هو سائد من نظريات وما يؤخذ بِه، والذي هو وِفقًا للنظرية النقدية يَحُد من قدرات الإنسان وإمكانياته حيث يضع الأفراد في قوالب جامدة مُعينة. على أنه من أهم إسهامات النظرية النقدية في إطار العلاقات الدولية هو توسيع نِطاق ما هو كائن في إطار العلاقات الدولية أي موضوعها وما تتناوله، على أن ذلك لم يشمل فقط افتراضات وموضوعات وجودية ومعرفية بل كذلك أوضح العلاقة بينهم وبين ما سبقهم من ارتباطات والتزامات سياسية.[1]
كذلك يتناول النقديون سياسات المعرفة في إطار العلاقات الدولية، وعليه فأنصار النظرية النقدية يرفضون حقيقة أن المعرفة حيادية وغير مُسيسة. كذلك يطرح أنصار هذه النظرية أنفسهم على الساحة التنظيرية والعلمية بقوة بل وأنهم مشاركون في إنتاج المعرفة فهي ليست حِكرًا على اتجاه أو فصيل سياسي أو معرفي دون الآخر، وعليه فهم يؤكدون أن العلاقات الدولية ليست فقط مرتبطة بالسياسات بل هي كذلك في ذاتها سياسية. وعليه فإن النظرية النقدية الدولية تهتم بصورة كبيرة وتركز على العلاقة بين السلطة أو المصالح عامةً والمعرفة بل وتلاحظها عن كَثَب. وبناءً على ذلك فإن أهم إسهامات هذا الاتجاه النقدي الدولي هو كَشف وإيضاح حقيقة الطبيعة السياسية المُكَوِنة للمعرفة. وعليه فهي تسعى في إطار ذلك إلى تحدي وإزالة وكشف جميع العواقب التي توجد وتُقيد الحرية الإنسانية، وعليه فتبعًا لعملية التحرر هذه سوف يُمكن إحداث تحول في إطار دراسة العلاقات الدولية.[2]
كذلك فنجد أن النظرية النقدية تُعيد النظر للمجتمع الدولي من خلال ثلاثة أبعاد رئيسية؛، أولها بُعد مُتعلق بما هو معياري وأخلاقي ويتعلق بالنقد الفلسفي للدولة كونها هي الشكل المُحدد للتنظيم السياسي، فذلك البعد الأول يتمحور حول ما هو معياري وتحديدًا ما يتعلق بالمصلحة الخاصة والااستثناء أو الااستبعاد المُجتمعي لبعض الفئات، وعليه فهذا البُعد يُوضح كيف أن الدولة الحديثة المتمحورة حول مفهوم المصلحة الخاصة تعمل على ااستبعاد الكثير من الفئات وخاصة الاجتماعية منها من التمتع بحقوقها الدولية وعليه فالنظرية النقدية تنتقد فكرة الدولة الحديثة ذات السيادة باعتبارها عائقًا رئيسيًا في وجه تحقيق المساواة والعدالة والتحول نحو مزيد من التحررية في إطار المجتمع الدولي العالمي. أما البُعد الثاني فهو متعلق بالجانب الاجتماعي وبتطوير نوع مختلف من الفهم تِجاه أصول ومراحل تطور الدولة الحديثة والمجتمع الدولي. وعليه فالبعد الثاني من النظرية النقدية يتمحور حول الجانب الاجتماعي المُتعلق بالدولة والقوى الاجتماعية وتغيير وتحول الأنظمة الدولية. فالنظرية النقدية في إطار العلاقات الدولية تتبنى اتجاهًا تفسيريًا للبنية الاجتماعية وتوضح كيف أن المجتمع الدولي له وجود ذاتي مُشترك بين مُختلف العناصر المُكونة له. كذلك فالنظرية النقدية الدولية تُوَضِح كيف أن التحليلات المختلفة المتعلقة بالإختلافات الاجتماعية المتزايدة على الساحة الدولية تؤدي إلى إحداث تغير في الحياة السياسية العالمية والمجتمع الدولي. على أن البُعد الثالث يتمحور حول احتمالات وامكانيات التطبيق العملي للسيناريوهات المختلفة المطروحة لإعادة تشكيل وصياغة النظام الدولي تماشيًا مع نظرتها التحررية. وعليه فالبعد الثالث يتمحور حول فكرة الكونية والخِطاب الأخلاقي. وعليه فهذا البُعد يُركز على فكرة البُعد الأخلاقي في المجتمع الدولي وكيف أن مفهوم الدولة السيادية تؤدي إلى التعدي على الحقوق الأخلاقية عندما تكون في مواجهة غيرها حول مصالحها الوطنية الخاصة. كذلك يقوم هذا البعد بتوضيح كيف أن المشروعات الكبيرة العالمية في إطار النظام الكوني وإن كانت قائمة على التعاون الدولي فهي لم تؤدِ لتغيير حقيقة الممارسات في إطار الحياة السياسية العالمية. وعليه فالهدف هنا ليس مجرد معرفة القوى التي تعاني من نوع من الااستبعاد الاجتماعي في النظام العالمي بل كذلك التعرف على تلك القوى التي تعمل على استبدال مجتمع الدول السيادية القائم على المصلحة الخاصة للدول بمجتمع آخر قائم على فكرة البنية الكونية للحُكم العالمي.[3]
وعليه فالنظرية النقدية تدعو لإعادة صياغة ولإعادة النظر للمجتمع السياسي الدولي من مُنطلق يتعدى سيادات الدول القائمة بذاتها ليشمل كافة الفواعل الاجتماعية في إطار نظام مُعَولَم بل ويؤكد على أحقية الممارسة السياسية المبنية على الممارسة الديمقراطية للجميع بلا أي استثناء أو استبعاد اجتماعي. مما يستتبع قيام الدول بإدراج نفسها في أنواع متداخلة ومتشابكة من أشكال المجتمعات العالمية. وهذه الفكرة من المجتمعات الدولية المتشابكة ستعمل على توفير إطار عمل يؤدي إلى إحداث نوع من التوسع في الحياة السياسية وعليها فسيكون للعناصر والفواعل الخارجة عن إطار الدولة السيادية السياسية نوع من الحقوق والواجبات السياسية والأخلاقية التي لا بد من الاستماع إليها وأخذها في الاعتبار عند القيام باتخاذ أي قرار وهو ما يُطلق عليه أصحاب الرؤية النقدية (الكونية النقاشية أو الحوارية). وعليه فذلك الحوار الأخلاقي يعمل على توفير النقاش الديمقراطي في عملية صنع القرار الدولي والعالمي مما بالتبعية يؤدي إلى تنظيم الصراعات العنيفة والوصول إلى حلول وااتفاقيات مُرضية لجميع الأطراف المُشاركة وعلى صعيد آخر فهي توفر وسائل النقد والتبرير للمبادئ التي يتم على أساسها التنظيم البشري سياسيًا. وفي مجمله فالنظرية النقدية وتحديدًا الحوار الأخلاقي يدعم فكرة المثالية الكونية حيث التنظيم السياسي للبشرية والمجتمع الإنساني مَبني وقائم على عملية من الحوار والنقاش غير المُقَيَد. على أنه من أهم إسهامات النظرية النقدية هو تَمَحورها حول فكرة العلاقة بين السلطة والمعرفة وأن الإنتاج المعرفي في إطار النظم الدولية هو مُسيس ومبني على مُعتقدات وقناعات مُسبقة ومُوجهة سواء تم إدراك ذلك بصورة واعية أو غير واعية، فالنتاج المعرفي ليس محايدًا. كذلك فالنظرية النقدية تُعيد النظر في مفهوم الدولة الحديثة والمجتمع الدولي وتطرح أسئلة جوهرية ومحورية حوله وحول تكوينه وعلى صعيد آخر وأشمل فهي تُعيد النظر بصورة جذرية وإعادة التفكير في القاعدة والأسس المعيارية للسياسات العالمية.[4]
نجد أنه في إطار بحث العلاقة بين البيئة والاقتصاد العالمي هناك اتجاهين أحدهما يرتبط بالاقتصاد السياسي الدولي والآخر بسياسات البيئة العالمية، على أننا سوف نركز على جانب الاقتصاد السياسي الدولي بصورة أكبر. إن النشاط الإنساني له مصادره وتداعياته على أن أغلب الأنشطة الإنسانية وبخاصة هنا الاقتصادية منها تتم بداخل الأسواق ليس فقط الأسواق في حدود الدولة بل وخارجها كذلك. ونتيجة لحالة الااعتماد المتبادل التي يشهدها العالم فإن الدول والمجتمعات عامة تواجه نوعًا من الصعوبة في فرض نفوذها سواء على أسواقها الداخلية المحلية أو حتى الخارجية. وامتدادًا لذلك فهناك ااعتماد متبادل بين الدول سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وكذلك فيما يتعلق بالتخطيط الإستراتيجي الأمني. وطِبقًا لذلك فإن محاولات التحكم والتفاعل بين البيئة الاجتماعية للإنسان والبيئة الطبيعية المحيطة بِهِ أمر يَصعُب تحقيقه وإدارته بنجاح. فنجد أن الاقتصاد السياسي الدولي وما يقوم عليه في العصر الحالي من اعتماد متبادل وتداخل بين ما هو محلي ودولي وما هو سياسي واقتصادي وما يترتب عليه من ممارسات تبعًا لذلك، له تداعياته على البيئة. فأولًا هناك أزمة التقدم وبِخاصة الاقتصادي والتكنولوجي وما يترتب عليه من تراجع وانتهاك للبيئة، فبصفة عامة أي نوع من التقدم أو التطور الذي يُحدثه النشاط الإنساني له تأثيره وتداعياته على البيئة، كذلك فالإنسان يُمكنه تعديل وتحسين عمله وطريقة تفاعله مع البيئة بصورة أفضل، حيث أن لكل اتجاه وطريقة في إحداث تغيير أو اختلاف في النشاط الإنساني، تعتبر نتيجة لنوع من المُقايضة والمفاوضات التي اجتمعت الدول أو السلطات الحكومية على المستوى الدولي واتفقت عليها وتتصرف وتُشَكِل سياساتها على أساسها وتنفذها تحت اسم ومظلة الدولة، مُتناسين أنفسهم بذلك ما ينعكس على البيئة من أضرار من جِهة ومن جِهة أُخرى ما ينادي ويُطالب بِهِ قطاعات واسعة من مجتمعات ومنظمات المجتمع المدني وحُماة البيئة.[5]

ثانيًا: الأزمة البيئية من منظورات مُغايرة

وتنعكس الأزمة البيئية بوضوح في حالة ثورة التصنيع التي ما زالت الدول والسلطات الآن تربو إليها، وذلك بصَرف النظر عن ما يترتب عليها من تداعيات بيئية وخيمة، وذلك فقط لأنها تُحافِظ على استمرارية نظام اقتصادي عالمي لا أكثر وبأقل التكاليف والخسائر ولمصلحة فِئات على حساب فِئات أُخرى. فمشكلة الدول والأسواق وما يترتب عليها من عواقب بيئية، ربما يُمكن تناولها والبحث عن حلول لها على المستوى المحلي لكن ليس الدولي أو العالمي، فالأمر هنا يُصبح أكثر تعقيدًا؛ فنجد أن الدول النامية تسعى لتحقيق أهدافها في حين أن الدول المتقدمة تسعى لتوسيعها والحِفاظ عليها ورفع مستوى الطموح للدول النامية، ومن هنا يأتي التصادم بين ما تسعى إليه هذه الدول كيف تحققه وبين تداعياته وعواقبه البيئية العالمية.[6] على أنه وفي إطار زيادة احتدامية النقاش بين الباحثين فيما يتعلق بالاقتصاد السياسي الدولي كحقل مستقل للدراسة وما طرأ عليه من تغيرات وتحولات، تم توجيه الأنظار نحو التداعيات البيئية نتيجة تحرر التجارة والاقتصاد واتساع نِطاقهما دوليًا وعالميًا. على أنه وفي إطار عام 1990، تم التركيز بصورة كبيرة على الاقتصاد السياسي الدولي للبيئة كمصطلح. وعليه فقد بدأت بعض المبادرات الدولية والعالمية المُتعاونة مع بعضها البعض والتي هدفها الأساسي هو الربط بين الاقتصاد السياسي الدولي والبيئة، وتِبعًا لذلك التطور والاهتمام جاء تقرير بورنتلاند لعام 1987، ومن بعده مؤتمر قمة الأرض في ريو لعام 1992، وقد كان كلا هذين الحدثين هما الحافز والدافع الأساسي لتوجيه المزيد من الهتمام نحو العلاقة بين البيئة والاقتصاد. فقد عملت هذه المبادرات كذلك على مواجهة التحديات التي تواجهها البيئة، والتي يرون أنها تتفاقم بسبب نشاطات واتجاهات الاقتصاد العالمي.[7]
فالهدف الأساسي هو إيجاد مبادرات تعاونية عالمية يمكن في إطارها دمج وإيجاد رابط وعلاقة بين طريقة حكم وتسيير الاقتصاد العالمي من ناحية والبيئة من ناحية أخرى. على أن تلك المبادرات التعاونية التي توجد في إطار الاقتصاد السياسي الدولي تركز على التداعيات البيئية الناتجة في إطار نظام أو حكومة أو منظمة معينة بينما تتجاهل وتتغاضى عن تلك التداعيات الأُخرى المؤثرة على البيئة الناتجة في إطار عمليات أُخرى غير مؤسسية. وعليه فنجد أن أهم التطبيقات المُتعلقة بالاقتصاد السياسي الدولي وتأثيرها المباشر على البيئة تتمثل في عولمة الأسواق المالية، والتحولات الكبيرة في القوة الاقتصادية للدول الكبرى، وكذلك ارتفاع وتغير الأسعار عامة في ظل الأسواق العالمية. وبالإضافة لذلك وتبعًا له فنجد أن هناك قوى صاعدة كالصين والهند تريد كذلك اللحاق بركب الحضارات الغربية مما يؤدي لزيادة معدلات التسارع والمنافسة وبخاصة فيما يتعلق بعمليات التصنيع. ونجد أنه بعد طرحنا لأهم تداعيات الاقتصاد السياسي الدولي وتطبيقاته على البيئة، فإننا نجد بأن الدعوة هنا لحل أزمة البيئة تتوافق والرؤية النقدية للعلاقات الدولية والاقتصاد السياسي الدولي خاصةً، فالحل قائم على الدعوة العالمية وتخطي حدود الدولة الواحدة والارتفاع فوق الحواجز الجغرافية، حيث أن تلك المسؤولية العالمية لا تقتصر على دور الدولة أو الحكومات فقط بل الأفراد كذلك بما يشكلونه من مجتمع مدني ومنظمات غير حكومية وغيره. كذلك الحاجة لإيجاد نظام عالمي منظم يتناول هذه القضية بكثافة، حيث أن أحد إسهامات حقل دراسة الاقتصاد السياسي الدولي في إطار العلاقات الدولية هو فتح المجال لتناول قضايا خاصة بعينها كقضية البيئة. كذلك الحاجة لنشر الوعي بالواعز الأخلاقي والقيمي بل والديني كذلك. كذلك الدعوة لإعادة النظر في وسائل التقدم والحداثة التي يستخدمها الإنسان الآن والسعي نحو سيناريوهات أكثر ملائمة مع البيئة، الأمر الذي سيساعد بدوره في إعادة رسم وتشكيل المنظومة العالمية.[8]

ثالثًا: التطور التاريخي لأزمة البيئة العالمية

إن العلاقة بين الإنسان والبيئة المحيطة به أي الطبيعة بوجه عام وذلك بكل ما تشمله من موارد وثروات وحتى كوارث طبيعية هي علاقة تفاعل متبادل وعلاقة تأثير وتأثُر، وعليه فكل الأديان السماوية بلا استثناء قد عُنيت بعلاقة الإنسان مع البيئة المُحيطة بِهِ. ولقد ذكرت الكتب المقدسة في فحواها المشاكل البيئية والكوارث الطبيعية التي حدثت منذ فجر تاريخ الإنسانية على كوكب الأرض مثل الفيضانات والزلازل والجفاف وغيرها. فالله بِقادرٍ على الخَلق والتدمير من خلال الكوارث الطبيعية والبيئية والتاريخ الإنساني حافل بأمثلة لقبائل وأمم تم إبادتها على هذه الشاكلة. وبالرغم من ذلك فنجد أن الكوارث البيئية الطبيعية التي هي من صنع الإنسان لم يُنَوِه التاريخ عنها أو يَذكرها بصورة كبيرة ذلك لأنها لم تظهر إلا في أوقات الحروب مثلًا أو التدخل الإنساني العدواني السافر وذلك على مدار التاريخ. ولا بد لنا في إطار ذلك من أن نحيط علمًا بأن الطُرُق السليمة في تفاعل الإنسان مع البيئة واستخدام الموارد الطبيعية التي تَزخَر بها قد تم تناولها وذكرها في الكُتُب المقدسة، على أن الحضارات التقليدية القديمة منذ فجر التاريخ الإنساني وإن كانت تتبع ديانة وتعاليم سماوية معينة إلا أنها لم تُعنى بفكرة سوء استغلال الموارد البيئية أو تلوثها أو تدميرها بفعل النشاط الإنساني، وإن كان هناك نوع من سوء الاستغلال إلا أنه أبدًا لم يَصِل إلى حد التلوث والتدمير البيئي. على أنه ومؤخرًا أصبح التناول الحديث لعلاقة التفاعل بين الإنسان والبيئة مرتبطًا بالجانب الديني وتعاليمه التي نوهت منذ قديم الأزل عن أسس تفاعل النشاط الإنساني مع البيئة حتى لا يحدث من ناحية كوارث طبيعية وعلى صعيد آخر للحفاظ على الموارد البيئية وعدم إهدارها مما يساعد على حفظ حقوق الأجيال القادمة.[9]
وعليه فيمكننا إجمالًا القول بأنه قديمًا كان هناك نوع من التوازن بين الموارد البيئية واستغلالها وبين النشاط الإنساني وعليه فلم يكن هناك عدم توازن بين ما يقوم به الإنسان من استغلال للموارد البيئية المحيطة به وبين الكيان البيئي، فمنذ فجر التاريخ، وهناك نوع من التوازن بين الإنسان ونشاطه وبين البيئة وذلك يرجع بالأساس لمحدودية النشاط الإنساني حينها وبخاصة التكنولوجي، وعليه فقد كان متوازنًا مع قدرة البيئة على العطاء.[10]

رابعًا: أزمة البيئة الكونية وأهم أسبابها

على أن نقطة التحول في ذلك التوازن البيئي بدأت بالتغير في إطار الثورة الصناعية ومع نهاية العصور الوسطى، وهو الأمر الذي أدى إلى وجود نوع من عدم التوازن والاختلال بين الاستخدام الأمثل أو الأصلح للموارد وبين الكيان الوجودي للبيئة. لقد جاءت الثورة الصناعية بالكثير من التحسينات والتقدم في المجالات الزراعية وكذلك الصناعية وبخاصة صناعة الحديد والصلب، وكذلك التطور الكبير في مجال الآليات والماكينات بداية ظهور وضع و طريقة الإنتاج في إطار المصانع وليس البشر أنفسهم، فبدأت الآلة مُنذ ذلك الحين تحل محل الإنسان في الصناعة والإنتاج. على أنه وراء تلك التغيرات في مجالات الإنتاج عامةً هناك مصدر ونظام جديد للطاقة مبني على الفحم كمصدر للوقود وقد ظلت الصناعات مرتكزة على الفحم من هذا المُنطلق وحتى القرن العشرين عندما بدأ الغاز والبترول باحتلال الصدارة، والهيمنة على مجال الصناعات والإنتاج و إحلالهم محل الفحم في ذلك. وعليه فأنواع الوقود الحفري هذه الرخيصة والوفيرة والمركزة أدت لتسارع معدلات التلوث، الثروة، والتكنولوجيا وكذلك الإنتاج والتجارة. وهذه الطاقة الرخيصة هي التي قامت بعنونة وتحديد التوازن بين الاستخدام الكفء والحريص لمثل هذه الموارد وبأقصى قدر من الفاعلية من ناحية ومن ناحية أخرى بين النواتج المُلَوِثة لمصادر الطاقة هذه. وهنا لا بد لنا من ملاحظة الاختلاف العظيم بين كلًا من الحضارات الإنسانية التقليدية وبين الحضارات الإنسانية المتقدمة الحديثة.[11]
على أن هناك إختلافين رئيسيين ينعكسان على البيئة بشكل كبير جدًا، ألا و هما أولا الاستخدام الواسع للوقود الحفري والتكنولوجيا المتقدمة بشكل واسع الأمر الذي أدى إلى زيادة الثروات والقدرة الإنتاجية ومعدلات الإنتاج بشكل كبير، مما أدى لزيادة وتمتع البشر بالرفاهية إلى حد كبير. وبالرغم من أننا في عصر لم يعد يعتمد على الرقيق وأعمال السخرة في الإنتاج، إلا أن تلك العوائد الاقتصادية الكبيرة تكون قاصرة على فِئات معينة بينما تستبعد فِئات أُخرى. وثانيًا هو أن ذلك العالم الصناعي يقوم بمُشاهدة والتعامل مع معدلات كبيرة من التقدم والنمو والابتكار، وهذه كلها عوامل تتقدم وتنمو بشكل متسارع جدًا وإلى حد كبير أكثر من أي حضارة سابقة، وهو الأمر الجديد الذي طرأ على البشرية بصورة واضحة و َدَّ فيها. على أنه وعلى صعيد آخر نجد أن المعدل السكاني قد مَثَلَّ أكبر زيادة في هذا الأمر، وذلك حيث تضاعفت معدلات النمو السكاني بين عامي 1850و 1930، ومرة أخرى بين عامي 1930 و 1975. وعليه فمعدلات الزيادة السكانية قد قفزت قفزة كبيرة في هذه الفترات وكذلك قد تم توقع حدوث الأمر ذاته حينها مرة أُخرى من تضاعف حجم التعداد السكاني بين عامي 1975و 2010. ولقد حدث نمو وتسارع كبير في معدلات الابتكار والاختراعات والتكنولوجيا عامةً، بحيث أنه يُمكن لنا كجنس بشري تَذَّكُر تلك الفترات الماضية التي لم يَكُن فيها ما يُعرَف بالتلفاز أو السيارات أو الراديو أو الطائرات. كذلك فالتقدم التكنولوجي في مجال الاتصالات ووسائل المواصلات لم يتم النظر إليه سوى مؤخرًا على أنه نوع من التقدم الفعَّال والمؤثر. على أنه الآن يتم إعادة تقييمهم واختبارهم لمعرفة مقدار ومعدلات الطاقة المستخدمة وجودة وقيمة الحياة المترتبة على مثل ذلك التقدم، مع العلم أن غير ذلك من الاختراعات والابتكارات ربما يكون له تأثير مختلف سواء في الاستخدام أو التأثير أو التقييم.[12]

خامسًا: تطورات وتداعيات أزمة البيئة الكونية

ونجد أن الابتكارات العلمية والتكنولوجيا المعتمدة على الطاقة بشكل أساسي أدت إلى تفاقم اثنين من الظواهر التي وُجِدَت في كلًا من المجتمعات الصناعية وكذلك المجتمعات التقليدية والحضارية من قبلها. أولهما أن تلك الحضارات قد طورت نُظُمًا سياسية واقتصادية متكاملة. فالمجتمعات الصناعية وحتى ما بعد الصناعية تقوم بدمج الاقتصاد العالمي في إطار اقتصادها التكاملي، على أن ثاني هذه الظواهر هو أن تلك الحضارات التقليدية كانت غير مستقرة وبعضها ازدهر لأقل من بضعة قرون. على أنه وعلى صعيد آخر فالمجتمعات الأكثر تقدمًا أو تحضُرًا تُصبح مُختلة أيضًا بالإضافة لاستنزافها السريع للموارد، تلويث البيئة. وكذلك تصنيع الأسلحة على أن كل ذلك يتم بمُعدَل كبير وسريع بحيث يعتقد الكثيرون أن ذلك لا يمكن أن يستمر حتى لمدة قرن لاحق في البيئة ومواردها لن تصمد في وجه ذلك. على أن التطور والتقدم الكبير في قطاع التكنولوجيا واسعة المدى أو النطاق والتي هي في خدمة المنظمات والمؤسسات الكبيرة والعملاقة المُعقدة أدى إلى توليد و إيجاد وضع جديد و في إطار مُختلف، حيث لم يَحدُث من قبل أن كان هذا القدر الكبير من الطاقة المُستخدمة في التقدم والتطور التكنولوجي مُتاح للاستخدام الإنساني. ذلك مع ملاحظة أن عددًا كبيرًا من الدول في القرن الحالي قد قاموا بتركيز وزيادة مدى قوتهم وتأثيرهم في وقت ازدادت فيه بصورة كبيرة عدد المنظمات والمؤسسات الأجنبية والمتعددة الجنسية والتي تعتمد في عملها وإنتاجها على الكثير من الموارد البيئية ومصادر الطاقة، الأمر الذي أدى بتبعيته إلى تَرَكُز مستقبل الكوكب وما يحويه من موارد ومصادر طاقة في أيدي عدد صغير من المؤسسات والأفراد وحتى الدول. فهذه المؤسسات تعمل على دمج الاقتصاد العالمي في إطار ثقافة عالمية استهلاكية مبنية على استنزاف الطاقة.
مع العلم أن العالم أجمع لم يَشهَد مثل ذلك المعدل المُتسارع من التغير والتحول على المستوى العالمي. وبالرغم من ما تَعِد به تلك الثقافة الصناعية المبنية على الاستهلاك من تحسين مستوى المعيشة والحياة للأفراد، فإنه وبالأرقام والإحصائيات نجد أن هناك تزايد مطرد في معدلات الجوع والفقر والبطالة والاحتياج عالميًا، مع العلم أنه وبالرغم من تلك الحقيقة فهناك قِطاع أو شريحة من الأفراد أصبحت أغنى بصورة غير مسبوقة من قبل. ورغمًا عن ذلك فإنه وفي إطار ثورة زيادة وارتفاع التوقعات التي يشهدها العالم، فإن الكثيرين وحتى من أولئك الفقراء في العالم ما زالوا يعتقدون بقدرة الصناعة والتنمية والتحديث على جلب الخير والرفاهية لهم. على أن كل تلك التوقعات والممارسات الاقتصادية لها تداعيات غير مألوفة وغير مسبوقة بالنسبة لذلك الكوكب الذي نَقطُنه والبيئة التي نعيش فيها. فالتسارع والتزايد في معدلات النمو الاقتصادي يؤدي بدوره لانعكاسات سلبية كثيرة على البيئة ويتمثل ذلك في سوء استخدام الأرض نفسها مثلًا والمساحات الخضراء، وعلى صعيد آخر هناك سوء استخدام لموارد البيئة الأُخرى مثل التهديدات التي تواجهها موارد المياه مثلًا والتي تُهدد بجفاف العديد من المناطق.[13]

سادسًا: الاعتماد المتبادل وأزمة البيئة العالمية

إن الانتقال والتحول من الحياة في إطار نِظام اقتصادي مستقل وليس عالميًا؛ بمعنى وجود نظام اقتصادي خاص بالوحدات الاجتماعية المُختلفة سواء في نطاق دول قومية أو غيره إلى التحول إلى نظام اقتصادي مندمج عالميًا، أدى ذلك إلى زيادة معدل الهشاشة والتأثُر وزيادة نسبة الحساسية الاقتصادية تجاه أي مُكَوِن في النظام عَجِزَ عن الاستمرارية أو تأدية وظائفه أو حتى أصابه أي خللٍ كان. وبناءً على ذلك فإن اندلاع حرب أو قيام ثورة على قِطاع واسع إلى حد ما في أي مكان من العالم يؤثر على الاستقرار السياسي والاقتصادي لباقي بِقاع العالم، وهو الأمر ذاته الذي يُحَولنا جميعًا إلى نوع من العبيد في إطار ذلك النظام الاقتصادي الاندماجي العالمي، والذي بدوره يجعل مهمتنا الأساسية الحِفاظ على بقائه واستمراريته وضمان نجاحه حتى نضمن نحن بالتبعية قدرتنا على الاستمرار والبقاء لأننا ربطنا مصائِرنا جميعًا في إطار نظام واحد مُعَولم. وتِبعًا لذلك فإن هذا النظام الاقتصادي يكون ناجحًا وفعالًا عندما تديره إدارة وقوى عمل رشيدة وفعالة ومنظمة ومجردة في حين أن أي صِفات عاطفية غير متوقعة والتي هي موجودة بطبعها بسبب تكويننا الإنساني لا بد من التضحية بها من أجل بقاء واستمرارية النظام القائم، ولا بد لنا هنا أن نحيط علمًا بأن مثل تلك المشاعر والتوجهات الإنسانية هي مُتواجدة الآن في إطار الدليات حول الطاقة النووية واستخدامها.[14]
وعليه ففي نِطاق ذلك العالم الزاخر بمصادر الطاقة الرخيصة والوفيرة، نجد أن التكنولوجيا الحديثة وما تجلبه من طفرات وتغيرات فإنها تعطي الكثير من القوة لبعض الأفراد والجماعات لا أكثر، وتُتيح لهم مصادر قوة جديدة وكثيرة، وتجعلهم يتحكمون في قطاعات شرائح أكبر من الأفراد حول العالم. وعليه فالأفراد بصفة عامة يشعرون بنوع من الضعف وعدم القدرة على إحداث تغييرات فعَّالة ومؤثرة في ظل المُجتمع العالمي المُقاد من خلال فئات صغيرة من البشر لديها مفاتيح السلطة والتكنولوجيا والمعرفة. فالتقدم التكنولوجي يخدم تلك الفئات الصغيرة من البشر أكثر من خدمتها للبشرية بوجه أجمع. فالعواقب البيئية من تجريد للمناظر والبِقاع الطبيعية حول العالم، تلويث المجاري والمسطحات المائية، البقع الزيتية النفطية في البحر، والضباب الدخاني المُتزايد وما يترتب عليه من زيادة في معدلات الاحتباس الحراري، كل ذلك وغيره يزداد وبمعدلات غير مسبوقة وإن لم يتم التَصَرُف في هذه الأزمة الحالية فإن العواقب الوخيمة سوف تدفعها البشرية كلها سواءً في إطار نظام صارم وزيادة في معدلات الوفيات السرطانية. فالانخفاض فيما يُعرَف في الدين الإسلامي بمفهوم القناعة أو الرضا، أدى إلى زيادة مفهوم وممارسات المجتمع الاستهلاكي بحيث أصبحت كل نزوة وكل رغبة تستحق بل وأحيانًا تستوجب السعي عند البعض. فذلك المجتمع الذي يُحدث طفرات في معدلات التقدم التكنولوجي واستخدام وسائل الطاقة، يُصَور للإنسان أن المُتَع كلها مُتاحة بدون الحاجة لمجاهدة النفس أو ضَبطِها أو الصراع من أجلها أو حتى تكلفة النفس عناء الحصول عليها، فكل شئٍ الآن أصبح مُتاحًا بكبسة زِر. فأسلوب الحياة المُعتمد على الطاقة والتقدم التكنولوجي بمعدلات كبيرة يعمل على إشباع الحاجات والجوارح الإنسانية من خلال العديد من الوسائل القائمة على الراحة والرفاهية والتسهيلات ابتداءًا من الطعام السريع إلى وسائل التسلية والاستمتاع الإلكترونية، والسفر والتنقل السريع، ووسائل التبريد والتدفئة، والعقاقير المُسكنة للآلام، وحتى الأجهزة والماكينات التي توفِر الأيدي العاملة بقيامها بدور العامل البشري في الصناعة والإنتاج وخِلافه. فالتطور العلمي والتكنولوجي الذي نشهده في هذا القرن والرغبة الإنسانية في تخطي الحدود البيولوجية للإنسان من أجل إحداث المزيد من الامتداد في الحدود الجغرافية والمعرفة والقوة والخبرة قدر الإمكان وبدون النظر إلى العواقب البيئية وتكلفة القيام بذلك، هو الأمر الذي مكننا من التوصل إلى برامج الفضاء، والمواصلات فوق السمعية، وكذلك انصهار وتداخل السلطة والقوة. فهذه الطموحات الإنسانية والرغبات غير المنتهية واللا محدودة يتم تضمينها في جسد فانٍ ومحدود.
إن مواجهة مثل هذه القضية البيئية ذات البعد الإنساني والقيمي والأخلاقي بل وكذلك الديني تتطلب نوعًا من الصحوة والإدراك لحقيقة أنه مهما حققنا من العلم والتقدم وسعينا نحو سُبُل تطوير البحث العلمي فإنه لن يستمر إلى الأبد. المشكلة الكبرى هي في أن المجتمع الإنساني حاليًا ينظر إلى عملية التصنيع ومما يحققه من تنمية وتطور على أنها حقيقة قائمة بذاتها ومستمرة للأبد فيتم النظر إلى هذه الثقافة التصنيعية الاستهلاكية على أنها مسلم بها، والتعامل بنوع من التغاضي عن حقيقة أنها لا تجلب التقدم للجنس البشري بل على العكس، فهي تُعجِل من فنائِه وفناء ذلك الكوكب. فمثل تلك الأمور تدعو لضرورة العودة إلى أُسس قيمية حتى لا يتم الإصابة بالغرور في خِضَم ذلك كُلِهِ، فالغرور والمُكابرة هو أساس فناء الحضارات وعدم استمراريتها. على أن هذا النوع من التعويل بصورة كبيرة على التكنولوجيا في كافة الدول المتقدمة منها والنامية، بالإضافة إلى الحاجة إلى الصحوة المعرفية فيما يتعلق بالأزمة البيئية ومصير الكوكب، هو أمر لا يقتصر فقط على الدول المتقدمة والنخب العالمية بل يجب وأن يشمل كافة الطبقات والمجتمعات الإنسانية بغض النظر عن مدى تقدمها. على أن ذلك لا يعني أن الدول صاحبة التقدم التكنولوجي والقدرات الأكثر حداثة لن يكون لها الدور الأكبر في التوجيه وتحمل المسؤولية بهذا الخصوص باعتبارها الأكثر قدرة على التأثير والقيادة.[15]
وعليه يمكننا هنا إجمال القول بأن المشكلة البيئية تندرج وتدخل في صميم المشكلات الإنسانية الشاملة. ونجد أن الهدف الرئيسي دائمًا وأبدًا هو الحِفاظ على أسس وسُبُل التنمية المستدامة، والقدرة على تحقيق ذلك تضع الكثير من القيود على الإنسان وقدراته فتلك المنظومة العالمية تُحَتِم على الإنسان ألا يقوم إلا بإنتاج أقل ما يُمكن أن يُحدث خلل في إطار المنظومة العالمية الموجودة. مع العلم أن التنمية واستدامتها توجد ويمكن الحِفاظ عليها متى وجِدَ الإنسان، فهو وحده القادر على إحداث ذلك النوع من التقدم والتنمية ولا أحد غيره. على أن الإنسان المُخاطَب هنا هو ذلك الإنسان الحُر القادِر على الابتكار والإبداع بلا قيد وحدود. فهو أيضًا ذلك الإنسان القادر على تطوير مشروعات وخِطط موالية للمصالح البيئية والتي تَحدُث تلقائيًا عندما يَصِل الإنسان إلى حد المُصالحة مع البيئة. وبالرغم من السالف ذِكره فالمشكلة الكبرى أننا نعيش في إطار منظومة وثقافة قائمة على مفاهيم الرفاهية والثراء الاقتصادي و المادي، وخالية من أعراف ومفاهيم وقيم الإنسانية والبيئة وما لنا وما علينا تِجاه أنفسنا وما سيتبعنا من أجيال ستعاني عواقب أفعالنا.[16]

سابعًا: السياسات الخضراء في مواجهة أزمة البيئة الكونية

نجد أنه سوف نقوم قليلًا بالتنويه عن فرع الاقتصاد السياسي الأخضر وما يرتبط بِهِ من موضوعات ونظريات وقضايا، كالسياسات الخضراء، والنظرية السياسية الخضراء، والبيئة العالمية. وكذلك تتناول في إطارها معوقات التَقَدُم وما بعد التطوير، واعتراضات الخضْر لفكرة وسيطرة نظام الدولة، ذلك مع ملاحظة ومراعاة وجود الكثير من الاعتراضات على أفكار وآراء أنصار النظرية الخضراء فيما يتعلق بفكرة ومفهوم اللامركزية الذي يسعون إليه، مع تناول ما يتناولونه الخُضر كذلك من السياسات الخضراء العالمية. ونجد أن السياسات الخضراء قد بدأ الحديث عنها منذ منتصف السبعينيات، وقد ظهرت كقوة تحليلية للوضع العالمي الراهن وكما أنها تطرح رؤية معيارية ناقدة للوضع الدولي والعالمي فيما يتعلق بسياسات البيئة وطبيعة وهيكلة النظام العالمي طِبقًا لذلك. على أنه لا بد لنا وأن ننوه عن تفرِقَة هامة بين اتجاهين مختلفين قد يتم الخَلط بينهما، وهما؛ مفهوم حماية البيئة وما يتخللها من السياسات البيئية وِفقًا لهذا الاتجاه، وبين السياسات الخضراء. فحماة البيئة لا يقومون برفض النظام العالمي السياسي أو الاقتصادي أوالاجتماعي القائم بل هم لا يعترضون عليه في حين يحاولون فقط وضع و إيجاد مساحة لطَرح سياساتهم الخضراء في إطار هيكل النظام الدولي القائم وقضاياه العالمية. وذلك على العكس تمامًا مما يؤمن بِهِ الخُضر حيث يقومون برفض النظام القائم كُليةً سياسيًا و اقتصاديًا واجتماعيًا محاولين طرح بدائل لهذا النظام العالمي ويطرحون سياسات خضراء خاصة بهم في إطار رؤيتهم تلك. وفي خِضَم ذلك لا بد لنا أن نذكر كذلك أن هناك تطورًا كبيرًا في الأدبيات التي تتناول النظرية السياسية الخضراء وذلك في إطار حقل دراسة العلاقات الدولية وما يتخلله من دراسات وفروع بينية.[17]
كذلك نلاحظ أنه وفي إطار دراسة وتطور النظريات والسياسات الخضراء قد ظهر في أوائل التسعينيات ما يُعرف بالبيئة العالمية أو علم البيئة العالمية. ونجد أنه وإن كانت النظرية السياسية الخضراء تقوم بإرساء قواعد ورؤى فيما يتعلق بالسياسات الخضراء العالمية للخُضْر، فعلم البيئة العالمية ذاك يوفر قاعدة تحليلية لتلك السياسات الخضراء وأنصارها من الخُضْر. على أن أغلب ما يقدمه هذا الاتجاه كذلك هو إعادة طرح مجموعة من الحقائق والمسلمات المُتعلقة بالبيئة والإنسان والتفاعل بينهما وما هو ترتب عليه حاليًا اختلال في التوازن البيئي العالمي وبالتبعية أزمة البيئة العالمية التي نشهدها الآن، وعليه الحاجة المُلِحة إلى تغييرات جذرية لما هو قائم من نظام عالمي، وليس مجرد تأقلم مع ما هو قائم. وعلى صعيد آخر يقوم الخُضْر بطرح هام جدًا وهو تصديقهم في حقيقة وجود محدودية وقيود على التقدم والتطور، فهم لا ينظرون للأمر بأن الإنسان يستطيع تحقيق تقدم وتنمية بصورة لا نهائية بل على العكس فهم يؤمنون بعدم القدرة على تحقيق مثل ذلك التقدم والتطور اللانهائي في إطار نظام فانٍ ومنتهٍ وله أجل بالأساس. وعليه فهم يرون أن مثل ذلك التطور والتقدم هو معادٍ للبيئة من الأساس.[18]
كذلك نجد بأن هناك طرحًا آخر مثيرًا للكثير من الجدل من قِبَل الخُضْر ألا وهو رفضهم لفكرة ومفهوم مركزية الدولة وطَرحهم وتدعيمهم لفكرة اللامركزية في إطار النظام العالمي. حيث يقومون في كتاباتهم بطرح نماذج وهياكل مغايرة لما هو قائم لشكل وطبيعة النظام الدولي الحالي، ونلاحظ أن كتاباهم تلك ليست غير قابلة للتنفيذ أو غير مأخوذ بها، بل على العكس ففكرة اللامركزية في إطار النظام العالمي الآن تلقى رواجًا كبيرًا. على أن طرح هذه الفكرة مرتبط بالأساس بإيمانهم أن اللامركزية في ظِل العولمة هي أكثر تأثيرًا وفاعلية. وبالرغم من ذلك فلقد لَقيت هذه الفكرة تحديدًا هجومًا كبيرًا عليها في كثير من الأدبيات ومن النظريات الأخرى، وكذلك أدت لإثارة الكثير من التساؤلات وأهمها حول حقيقة وجدية تمسك الخُضْر أنفسهم بهذه الفكرة. ذلك مع مراعاة أن أيًا من تلك المقترحات والترتيبات المتعلقة بهيكلة وتشكيل النظام السياسي تحتاج للكثير من التنسيق والتنظيم حتى تكون هناك قابلية لتطبيقها حتى وإن تم الإجماع والموافقة عليها وهو ما يصعب تحقيقه بالأساس.[19]
وبناءً على السالف ذِكرَه فنجد أن هناك كذلك ما يُعرف بالسياسات الخضراء العالمية التي يسعون لتطبيقها في إطار أُطرُوحاتهم النظرية تلك. على أنهم يتعرضون لنوع من الهجوم والنقد الشديد والذي على أساسه يُتَهَمون بمُعادَاتِهم لفكرة الدولة القومية وسيادة الدولة. وعلى السالف ذِكرَه يُمكننا القول بأن النظرية الخضراء عامةً لديها نظرتها وحججها وأُطرُوحاتها المُغايرة والمثيرة للكثير من الجدل أيضًا ذلك نظرًا لما تحويه بصفة عامة من رؤى للنظام العالمي، سواءً تمثل ذلك في محور التركيز على العلاقة بين الإنسان والطبيعة المُحيطة بِهِ، أو فيما يتخللها من أفكار كالتركيز على معوقات وضرورة الحد من التقدم الصناعي والتطور لما يشكله ذلك النشاط الإنساني وتلك العقيدة الإنسانية من نتائج سلبية ومدمرة على الطبيعة والبيئة المُحيطة. ذلك بالإضافة لأكثر ما تقدمه من مقترحات جدلية تتعلق بفكرة مركزية نظام الدولة. فأهم ما يحاول القيام به أنصار النظرية الخضراء هو التركيز على الأزمة البيئية العالمية القائمة نتيجة للنشاط الإنساني الأناني والسلبي تِجاه البيئة ومحاولة إعادة الأسس المعيارية لذلك في إطار المجتمع الدولي عامةً.[20]

ثامنًا:جدلية العلاقة بين دول الشمال والجنوب في إطار المنظومة البيئية

وفي إطار طرحنا هذا و خاصة عند الحديث عن ما هو قيمي وأخلاقي، لا يمكننا إغفال وضع دول الجنوب أو دول العالم الثالث أو الأطراف في إطار الاقتصاد السياسي الدولي. وعليه فنجد أنه قد تم طرح جدلية العلاقة بين دول الشمال والجنوب وبخاصة في إطار محاولات معالجة قضايا البيئة على أكثر من صعيد؛ على أن أحد أهم هذه الأصعدة يتمثل في عدم التوزيع العادل والمتكافئ بين دول الشمال والجنوب اقتصاديًا وبخاصة فيما يتعلق بالقدرات والإمكانيات من أجل السعي نحو إيجاد حلول لقضايا البيئة، الأمر الذي يؤدي إلى عدم وجود نوع من التوازن الكبير بين السياسات المطروحة وما يمكن تطبيقه. وعلى صعيدٍ آخر نجد أن هناك نوعًا من الاستغلال الذي تقوم به دول الشمال المتمثل في حقيقة الاستيلاء على موارد وثروات دول الجنوب ومن ثَم إعادة النفايات والملوثات الناتجة عن استهلاكهم لتلك الموارد وبخاصة فيما يتعلق بالوقود الحفري وغيره. فمن المسؤول؟ نحن جميعًا. ولكن من له القابلية على إحداث تأثير وتغيير أكبر في محاولات إعادة التوازن البيئي؟ نحن جميعًا أيضًا، مع مراعاة اختلاف القدرات والتي يترتب عليها القدرة والقابلية على إحداث تغيير على المستوى العالمي.[21]

تاسعًا: بعضًا من أهم المبادرات والااتفاقيات والمنظمات البيئية العالمية والإقليمية

نجد أنه وفي إطار محاولات إيجاد حلول للقضايا لبيئة عامةً وخاصةً فهناك العديد من الجهود الفردية والدولية والمؤسساتية لتحقيق ذلك. وعليه فسوف نقوم بذكر بعضًا منها إقليميًا، بسبب أن بعض المشاكل البيئية قد تكون إقليمية بالأساس وإن كان تأثيرها عالميًا. كذلك نراعي أن أغلب المحاولات والمبادرات تستهدف قضية بيئية محددة لمعالجتها وليس بصفة عامة كالاحتباس الحراري مثلًا أو غيره، وعليه كذلك نراعي أن ما سنذكره من اتفاقيات مثلًا سيكون معنيًا بقضية بيئية أو بأخرى بالتحديد لمعالجتها، وقد تكون حلًا إقليميًا أو دوليًا وفقًا لطبيعة القضية محل التناول، و كذلك فإن مدى فاعلية هذه المحاولات أو المبادرات تكون غير محددة أو مؤكدة، إلا أننا سنطرح ما تيسر ذكره في إطار تسليط الضوء على الجهود العالمية البيئية لا أكثر.
وعليه فسوف نتناول بالذكر بعض تلك الاتفاقيات والمبادرات البيئية فنجد أن هناك مثلًا اتفاقية البازل لمعالجة أزمة نقل النفايات السامة الملوثة للبيئة عبر الحدود القومية، وهذه الاتفاقية لا يترتب عليها عواقب قانونية ولم تثبت الكثير من الفاعلية، ولقد كانت معنية بالأساس بحماية دول الجنوب من ممارسات دول الشمال في هذا الإطار، على أن الانضمام إليها كان اختياريًا للدول.[22] كذلك هناك قمة تدعى قمة مدن البيئة والتي تُعقد باستمرار في محاولة لمعالجة قضايا البيئة المختلفة. على أن القمة الأولى مثلًا كانت تحت عنوان تأثير المدينة على الطبيعة ولقد تم عقد تلك القمة الأولى في بيركلي في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1990، وقد كانت القمة الثانية في أديليد بأستراليا لعام 1992 تحت عنوان المدن والعدالة الاجتماعية والبيئة عند زراعة فكرة جديدة. وقد جاءت قمة مدن البيئة الخامسة في مدينة شنجن بالصين لعام 2002، على أنه قد انعقدت قمة مدن البيئة العاشرة لعام 2013 في مدينة نانت بفرنسا. كذلك جاء مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية عام 1972 في ستوكهولم، كذلك كان هناك اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي. ذلك بالإضافة لبروتوكول كيوتو باليابان لعام 1997، والذي قد شمل بعض التعهدات الملزمة قانونيًا، وقد جاء في إطار محاولات حل أزمة تغير المناخ. على أنه وبعد عشر سنوات من إعلان قمة ريو عام 1992، قد تم إعلان المؤتمر العالمي للتنمية المستدامة لعام 2002. كذلك كان هناك مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ريو+20، وذلك لعام 2012.[23] وقد تبعها بعد ذلك اتفاقيات تلك المنعقدة في باريس والتي ترتب عليها مؤتمر المناخ في مراكش لعام 2016.

عاشرًا: الحلول المطروحة لأزمة البيئة العالمية وتطوراتها

إن قضايا البيئة في حد ذاتها كثيرة ومتفرعة، وكل قضية على حِدا لديها ملابساتها وحلولها الخاصة، فمثلًا إذا تناولنا قضية تغيُر المُناخ، فلقد كان هناك العديد من الجهود والمحاولات لتخطيها وحلها ابتداءًا من اتفاقية كيوتو ثم اتفاقية المناخ في باريس ومن ثم مؤتمر المناخ في مراكش من أجل وضع هذه الخطط والإستراتيجيات محل التنفيذ. على أننا سوف نجد أن أيًا كانت الحلول فهي تتطلب إلى حد كبير جهد وعمل من القادة السياسيين سواءً كانوا المحليين أو الدوليين وذلك حتى يتم تنفيذها. على أننا سوف نقوم بالتركيز على أهم ما يمكن تطبيقه من حلول بيئية عامة لحل الأزمة من جذورها ليس فقط حاليًا وإنما للأجيال القادمة كذلك. ونجد أن أحد أهم تلك الحلول الجذرية هو فكرة التعليم الأخضر. وهذه الفكرة تتمثل في جعل قضية البيئة هامة ومحط نِقاش في إطار البحث عن حلول لها، وذلك من خلال إدراجها في المقررات التعليمية الدراسية، بمعنى جعلها جزءًا من المنظومة التعليمية والفكرية منذ الصغر. بالإضافة إلى العمل على تدعيم ذلك من خلال وجود قيادات اجتماعية تناصر هذه القضية وتعمل على الدفاع عنها. وليس ذلك فقط فتطبيق الحلول والمقترحات المتعلقة بالتعليم الأخضر تشتمل على عدة زوايا فهي تحمل في ثناياها جعل التعليم الأخضر المتعلق بالبيئة إجباريًا في بعض المراحل التعليمية وبخاصة في المراحل الأولى من التعليم عند تشكيل الوعي، كذلك زيادة الوعي بحقيقة وجود الاقتصاد الأخضر وأنه يحوي بداخله العديد من فرص العمل والاستثمار التقليدية منها والحديثة بما لا يَضُر البيئة. ذلك بالطبع مع الحاجة إلى وجود دعم سياسي قوي كما ذكرنا آنفًا من أجل إيجاد إمكانيات لتطبيق ذلك.[24]
على أن أحد أهم الحلول الأُخرى يتمثل في دور وسائل الإعلام في ترسيخ القيم البيئية، وذلك من خلال توعية الجماهير بأزمة البيئة الحالية وأن تفتح لهم الساحة من أجل المُشاركة والعمل الفعَّال من أجل المساهمة في تحقيق نوع من التحسن من أجل البيئة. كذلك فالإعلام يلعب دورًا هامًا في تسليط الضوء على ما هو إيجابي من اتجاهات يُمكن تبنيها من أجل حماية البئية والحِفاظ عليها، وذلك من خلال أن تقوم وسائل الإعلام عامةً بإعطاء أولوية للقضايا البيئية على الساحة الإعلامية.[25] نجد أننا في إطار طرحنا لمثل هذه الحلول المُقترحة فنحن لا نحدها ولا نقصرها كذلك نحن نحاول بصورة أكبر عرض تلك الحلول التي وإن كان لها بعد سياسي ولكنها بعيدة عن الشكل النمطي للحلول في إطار الدول القومية والمنظمات الدولية التي تضع قواعد وتشريعات قد تُعنى بقضايا البيئة.
على أنه وفي إطار آخر للتطورت المُتعلقة بأزمة البيئة، قام الرئيس الأمريكي المنتخب مؤخرًا دونالد ترامب، بالتصريح عن نيته بأنه لا يمكن الالتزام بالاتفاقيات في إطار المحاولات الدولية لحل أزمة البيئة وبخاصة قضية الاحتباس الحراري فإنه لا بد من الالتزام بمعايير وكميات معينة من الإشعاعات الكربونية نتيجةً لما تسببه من احتدام وتفاقم لأزمة البيئة. حيث جاءت حجة الرئيس الأمريكي في هذا الأمر بأن ذلك سيؤدي لتقليل أو خفض معدلات الإنتاج والتقدم نتيجة للحاجة لتخفيض نسبة الإشعاعات الكربونية الناتجة عن ذلك. على أنه ووِفقًا لآخر الدراسات المطروحة فإن هذه المعلومة ليست صحيحية. ذلك لأن خفض تلك المعدلات الإشعاعية الكربونية، يتمحور حول وضع قواعد أكثر تحديدًا وصرامةً وليس منع تلك الإشعاعات من خلال إيقاف الإنتاج نتيجة ما ينتج عنه من تلوث للبيئة.[26]
على أنه لنا هنا أن نلاحظ حقيقة أنه قد تم إلقاء اللوم بصدد تلك المشاكل البيئية على النظام الاقتصادي العالمي، وعليه فقد تم الطرح من قِبل عدة دراسات وبخاصة تلك ذات البعد القيمي والجذري إلى حد كبير، أي يكون هناك نظام اقتصادي مُغاير لا هو قائم، وإن كان لا يرفض الرأسمالية العالمية ولكن يريد تقنينها إلا أنه من منطلق رؤية مختلفة. بمعنى أنه نظام اقتصادي لا يراعي فقط الكم بل كذلك الكيف والحقوق البيئية في استهلاك الموارد واستخدامها في محاولة لإعادة تحقيق التوازن البيئي. ونجد أنه قد تم إطلاق مصطلح الاقتصاد المطرد للدولة على هذه الرؤية الجديدة المطروحة.[27]

خاتمة:

إنه وفي إطار عرضنا لأزمة البيئة العالمية نجد أن هناك علاقة وثيقة بين الاقتصاد السياسي الدولي وما يترتب عليه من نتائج وبين تداعيات أزمة البيئة العالمية. فالتسابق والمنافسة بين الدول والبشر من أجل تحصيل أكبر قدر ممكن من مصادر الطاقة والثراء لتحقيق التقدم الاقتصادي، أدى إلى خلق منظومة قيمية قائمة على التحديث والصناعة قبل كل شيء بغض النظر عما ينتج عن ذلك من ملوثات وأضرار سواءً للبيئة أو الإنسان. وعليه فإن تغيير خارطة القيم والأعراف تلك سواءً من خلال التعليم أو وسائل الإعلام أو غيره، هي أحد أهم الخطوات التي لا بد من زيادة الوعي والفهم بالمشكلة والأزمة من أجل حلها، وبخاصة وأن ذلك لن يستدعي التضحية بما وصلنا إليه وما نصبو إليه ولكن تقنينه.
*****

الهوامش:

* طالبة ماجستير في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.
[1] Devetak Richar,”Critical Theory” in Theories of International Relations, ed. Scott Burchill, Andrew Linklater, Richard Devetak, Jack Donnellym, Matthew Paterson, Christina Reus-Smit & Jacqui True,. New York: Palgrave Macmillan، 2005. Third Edition. pp. 137-140.
[2] Ibid, pp. 144.
[3] Ibid. pp. 145.
[4] Ibid. pp.153.
[5] Nazij Choucri، “Political Economy of the Global Environment”، International Political Science Review، Vol. 14، No. 1 (1993): pp. 103-107.
[6] Ibid, pp. 109.
[7] Clapp Jennifer. “International Political Economy of the Environment”. Research Gate. Jan. 2014. https://www.researchgate.net/publication. 18 Sep. 2016.
[8] Ibid.
[9] Sachedina Abdulaziz. “Historical Background to The Present Environmental Crisis”. The Fountain Magazine، no. 28 (December، 1999) ، http://www.fountainmagazine.com، (accessed December 29، 2016).
2على شريف الزهرة، “العلاقة بين المسائل الإنسانية البيئية و قضية التنمية المستدامة”، مجلة الفقه و القانون، عدد. 37 (2015) : ص.41-52.

[11] Sachedina Abdulaziz. “Historical Background to the Present Environmental Crisis”. The Fountain Magazine، no. 28 (December، 1999)، http://www.fountainmagazine.com، (accessed December 29، 2016). Pp. 1.
[12] Ibid,pp. 2-3.
[13] Ibid, pp.4.
[14] Ibid,pp.5.

[15] Ibid.7.
8 على شريف الزهرة، “العلاقة بين المسائل الإنسانية البيئية وقضية التنمية المستدامة”، مجلة الفقه والقانون، عدد. 37 (2015) : ص.41-52.
[17] Paterson Matthew,” Green Politics،” in Theories of International Relations, (ed.) Burchill Scott, Linklater Andre, Deveta Richard, Donnellym Jack, Paterson Matthew, Reus-Smit Christina & True Jacqui. New York: Palgrave Macmillan، 2005. Third Edition، pp. 237-240.
[18] Ibid, pp. 242-249.
[19] Ibid, pp. 250-252.
[20] Ibid, pp. 253.
[21] Ibid, pp. 254.

[22] Derek Kellenberg and Arik Levinson، “Waste of Effort? International Environmental Agreements”، Journal of the Association of Environmental and Resource Economists، Vol. 1، No. 1/2 (Spring/summer 2014)، pp. 135-169.
2 شكراني الحسين، “من مؤتمر ستوكهولم 1972 إلى ريو+20 لعام 2012: مدخل إلى تقييم السياسات البيئية العالمية”، بحوث اقتصادية عربية، عدد. 64 (خريف، 2013)، ص. 148-168.
[24] Peterson، John. “Green Education: A Solution for the Environmental Crisis And for the Green Economy”. (May 25، 2014). https://www.linkedin.com/in/professorpeterson، (accessed December 31، 2016).
2 دواجي كريم، “دور وسائل الإعلام في ترسيخ القيم البيئية: قراءة في الخطاب الإعلامي البيئي الجزائري”، مجلة جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية، عدد. 19 ( أبريل، 2016): 21-38.
[26] Wadhwa، Vivek. “Trump says energy regulations are hurting economic growth. The evidence says otherwise”. The Washington Post (December 21، 2016)، https://www.washingtonpost.com، (accessed January 1، 2017).
[27] Stephen James Purdey، “The Normative Root of the Climate Change Problem”، Ethics and the Environment، Vol.17، No. 2 (Fall، 2012)، pp. 75-96.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى