أزمة الغذاء: الأسباب والحلول

مقدمة

تُعتبر أزمة الغذاء في العالم واحدة من المشكلات الكونية التي تواجهها البشرية لكونها تمس مباشرة حياة مئات الملايين من الناس وبقائهم. وتُظهر معطيات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) حدة المشكلة الغذائية وحجمها حيث تشير إلى أن عشرات الملايين في العالم مهددون بالموت اليوم بسبب الجوع والأمراض الناجمة عن سوء التغذية. وهي مشكلة ملحة فحلها لا يرتبط بزيادة الإنتاج وتخفيض كلفته فقط بل بوضع إستراتيجية لاستخدام الموارد الإنتاجية تقوم على فهم الجوانب النوعية والكمية لحاجة الإنسان في الغذاء.
ويبرز إلحاح معالجة المشكلة الغذائية المتفاقمة ليس فقط نتيجة لعواقبها الكارثية على حياة مئات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم بل وكذلك لانعكاساتها الخطيرة على الأمن والاستقرار في الكثير من البلدان وعلى المستوى الدولي عمومًا، فالجوع يشكل تهديدًا لاستقرار الحكومات والمجتمعات والحدود.
الأمن الغذائي لا يتعلّق بالغذاء فقط بل بجميع أشكال الأمن الاقتصادي والبيئي وحتى القومي، فكما قيل في افتتاح قمة الجوع في روما 2009 إن أزمة الغذاء اليوم هي نداء تحذيري للغد وإن حلها يتطلّب رؤية كونية واحدة. وقد انعقدت القمة العالمية للأمن الغذائي في روما في أعقاب الأزمة الغذائية عام 2008، والتي شهد العالم خلالها ارتفاعًا بنسبٍ قياسية في أسعار المواد الغذائية ولاسيما الأساسية منها وأدّى إلى أعمال شغب واضطرابات في عدد من البلدان الفقيرة، وتشير التقديرات في عام 2008 بلغ 110 ملايين شخص على الأقل يعانون من الفقر و 44 مليون آخرين يعانون من نقص التغذية (البنك الدولي، 2008)، وفشلت القمة في انتزاع تعهد من الدول الغنية بتأمين مبلغ 44 مليار دولار لانتشال ملايين الناس من الجوع عن طريق تقديم المساعدة للدول النامية من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء. في حين أن الولايات المتحدة وحدها خصصت 747 مليار دولار من أموال خلال الأزمة المالية العالمية للحفاظ على المصارف والشركات المالية الكبرى وربحها.
المشكلة البحثية: يوجد في العالم اليوم أكثر من مليار ومئة مليون نسمة يعانون من الجوع وسوء التغذية، وحسب معطيات الأمم المتحدة التي وردت في تقرير القمة العالمية للأمن الغذائي و قمة الجوع فإن سبعة ملايين طفل في العالم يموتون سنويًا بسبب الجوع أي 17 ألف طفل في اليوم بما يعادل طفل واحد كل خمس ثوان. إن ذلك يحدث في وقت ينتج فيه العالم من الغذاء اليوم ما يكفي لإطعام كل سكان الكوكب، المشكلة ليست في الإنتاج وزيادة فعاليته بل في التوزيع. يهدف البحث الى إيجاد حلول لمشكلة أزمة الغذاء وبذلك يكون التساؤل الرئيسي للبحث ما هي الأسباب التي أدّت إلى أزمة الغذاء العالمية وتفاقمها؟ ويتفرع عن السؤال الرئيسي مجموعة من الأسئلة الفرعية: ما هي أسباب أزمة الغذاء العالمية؟ هل هناك نظريات تفسر أزمة الغذاء العالمية؟ ما هي أهم المنظمات التي تهتم بحل أزمة الغذاء العالمية؟ ما هي سُبل الخروج من هذه الأزمة؟

أولًا- المدخل النظري

يمكن تسكين قضية أزمة الغذاء العالمية في نظرية الليبرالية الجديدة: من خلال تطبيق السياسات النيوليبرالية المتمثلة في تحرير التجارة وحرية حركة رؤوس الأموال عبر الحدود من دون أي قيود، واليى أدّت إلى تفاقم أزمة الديون الخارجية لبلدان الجنوب وخصخصة الخدمات العامة والسلع وكذلك في النموذج الزراعي والغذائي الذي يخدم الرأسمالية والشركات العابرة للقوميات في الاقتصاد العالمي وفي اقتصادات البلدان النامية تحديدًا، فهذه الشركات فرضت نفسها كلاعب رئيس في أسواق المواد الغذائية إنتاجًا وتسويقًا حيث تمارس احتكار المواد الغذائية وتستخدمها في حالات عديدة كسلعة للمضاربة في الأسواق.
النظرية النقدية: تعكس المصلحة العامة في إيجاد سُبل للسياسة تعاون والتزام إنساني من خلال اتفاقيات بين الدول أو إنشاء منظمات مثل (الفاو) لمحاربة الجوع والمجاعات وتأمين الغذاء، بالإضافة إلى وجود مسئولية جماعية متمثلة في الأفراد والجماعات والدول من خلال التبرعات لمساعدة الدول الفقيرة.
المنظور الاسلامي الحضاري: إن الإسلام وبما يمثله من رسالة عالمية شمولية جاءت لتنظم حياة البشر قد احتوى على جملة من الأسس والمبادئ العامة التي تنظم تعامل الإنسان مع الغذاء من حيث ترشيده والدعوة إلى الاقتصاد وعدم الإسراف في تناوله والاعتدال فيه من خلال قول الله تعالى: “كلوا واشربوا ولا تسرفوا”.
فالأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي من الغذاء شرط لازم لحفظ كرامة الأمة وصيانة وحدتها وحماية ديارها ولدرء تحكم الاعداء في مقدراتها وتدخلهم في قراراتها وسياساتها. قد لفت القرآن الكريم أنظار البشرية إلى أهمية الغذاء في حياة الأمم والشعوب من خلال ربطه بالأمن والاستقرار السياسي، وقد تجلى ذلك المعنى من خلال سورة قريش، حيث أمتن الله عز وجل على قريش بما أفاء عليهم من نعمة الأمن الغذائي “الذي أطعمهم من جوع”، ونعمة الأمن والاستقرار السياسي “وآمنهم من خوف”.
مستوى التحليل: هو النظام العالمي الممتثل في الأفراد أو تجمعات الناس والدول سواء المتقدمة أو النامية والشركات المتعددة الجنسيات والمنظمات غير الحكومية المختلفة. تعتبر أزمة الغذاء في العالم واحدة من المشكلات الكونية التي تواجهها البشرية وأكثرها حدة في عصرنا الراهن كونها تمس مباشرةً حياة مئات الملايين من الناس وبقائهم.
نظرية مالتوس والمالتوسيون الجدد:
أكّد روبرت مالتوس أن ثمة علاقة وطيدة بين تطور عدد السكان وتطور كمية الإنتاج؛ زعم مالتوس بأن نمو عدد السكان يفوق الزيادة في إنتاج المواد الغذائية وبحتمية النقص في المواد الغذائية نسبةً إلى زيادة عدد السكان. فقد اعتبر مالتوس أن عدد السكان يزيد وفق متوالية هندسية بينما يزيد الإنتاج الزراعي وفق متوالية حسابية مما يؤدي حتمًا إلى نقص الغذاء والسكن، وما سيؤدي في المحصلة إلى حدوث المجاعات.
المناصرون الجدد يرون أن ثمة ارتباطًا وثيقا بين المشكلة الديموغرافية والمشكلة الغذائية في العالم معتبرين بأن نمو سكان الكوكب يجري اليوم بوتيرة أسرع بكثير من وتيرة نموّ إنتاج المواد الغذائية. ويرون أن الأزمة ظهرت كنتيجة مباشرة لظهور أفواه جديدة وبأعداد كبيرة ومتزايدة على نحو يعجز الكوكب بموارده المحدودة والمتناقصة باستمرار عن إطعامهم.[1]
لا ينفي المالتوسيون الجدد بأن نمو إنتاج المواد الغذائية في الماضي جرى على نحو أسرع من نمو عدد السكان الأمر الذي أتاح زيادة حصة الفرد من المواد الغذائية وذلك بفضل التطور التكنولوجي في المجال الزراعي، غير أنهم يزعمون بأن بداية القرن الحادي والعشرين شهدت أمرين جديدين يتعلّقان بإنتاج المواد الغذائية؛ أولهما في أن نمو إنتاج المواد الغذائية أخذ يتباطأ تدريجيًا مقترنا بتخفيض كلفة الإنتاج وبالتالي الأسعار، والثاني تمثّل في ارتفاع الكلفة البيئية التي تدفعها الطبيعة والبشرية لقاء زيادة الإنتاج الزراعي[2].
البعض يرى أنه لا توجد أي علاقة بين مئات ملايين الجياع في العالم ونموّ عدد السكان، فالسبب الفعلي يكمن في النظام الرأسمالي وفي آلية عمله والعلاقات الإنتاجية الاجتماعية في داخله.

ثانيًا- أسباب المشكلة

المشكلة الغذائية تتّسم بالحدة بصورة خاصة في البلدان النامية والمتخلّفة نظرًا للإرث الاستعماري وما خلّفه من نمط إنتاج في هذه البلدان قاصرًا عن تلبية الحاجات الغذائية للسكان؛ ولكن هذا لا يعني أن المشكلة الغذائية غير قائمة في البلدان المتقدمة، ففيها يعاني قسم من السكان من سوء التغذية على الرغم من وجود فائض كاف من الموارد الغذائية فيها، أما فيما يتعلق بالدول النامية فهناك أسباب وعوامل حقيقية تؤثّر على الوضع الغذائي وساهمت وما زالت في تفاقم المشكلة الغذائية ومنها:
-التقسيم الدولي للعمل، وموقع البلدان النامية في الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية والوضع الذي وجدت هذه البلدان نفسها فيه نظرًا للإرث الاستعماري وما خلّفه من نمط إنتاج فيها اتُفق على تسميته نمط الإنتاج الكولونيالي أو نمط الإنتاج المشوّه الذي يقوم على التخصّص في إنتاج عدد محدّد من السلع التقليدية أو الموجّهة للتصدير[3].
-السياسات النيوليبرالية المطبقة طيلة الثلاثين عامًا الماضية (تحرير التجارة – حرية حركة رؤوس الأموال عبر الحدود من دون أي قيود وتطوّر الأسواق المالية وتفاقم أزمة الديون الخارجية لبلدان الجنوب وخصخصة الخدمات العامة والسلع)، وكذلك في النموذج الزراعي والغذائي الذي يخدم الرأسمالية. فقد أدّت السياسات التنموية الاقتصادية التي تقودها بلدان الشمال منذ الستينيات – الثورة الخضراء وبرامج التقويم الهيكلي واتفاقيات التجارة الحرة الإقليمية وسياسات منظّمة التجارة العالمية وسياسات الدعم المباشر وغير المباشر للقطاع الزراعي في بلدان الشمال – إلى تدمير الأنظمة الغذائية.
فبين الستينيات والسبعينيات وقع ما يُسمّى الثورة الخضراء التي روّجت لها مختلف المؤسسات الدولية ومراكز الأبحاث الزراعية بهدف نظري يتمثّل في تحديث الزراعة في البلدان غير الصناعية، فكانت النتائج في المكسيك في جنوب شرقي آسيا، وعلى الرغم من ارتفاع الإنتاج الزراعي العالمي بنسبة 11 %، تزايد عدد الجائعين في العالم في الفترة نفسها من 536 إلى 597 مليونًا.
وتسبّبت في فقدان 90 % من التنوّع الزراعي والبيولوجي وقلّصت بشكل واسع منسوب المياه وزادت من الملوحة وتآكل التربة وشرّدت الملايين من الفلاحين من الريف إلى الضواحي الفقيرة للمدن وتفكّكت الأنظمة الغذائية الزراعية التقليدية التي تكفل الأمن الغذائي.
وفي الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين أدّى تطبيق برامج التقويم الهيكلي في بلدان الجنوب من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من أجل تسديد الديون الخارجية إلى تفاقم الأوضاع المعيشية لجزء كبير من سكان هذه البلدان. ويكمن محور الاهتمام الرئيسي لهذه البرامج في إخضاع اقتصاد البلد المعني لسداد الديون من خلال تطبيق مبدأ تصدير أكثر وإنفاق أقل.[4]
بموجب هذه البرامج تم إجبار حكومات الجنوب على إلغاء دعم السلع الأساسية مثل الخبز والأرز والحليب والسكر وعلى خفض حاد للإنفاق العام في التعليم والصحة والإسكان والبُنية التحتية. وفرض خفض قيمة العملة الوطنية وجعل المنتجات أرخص للتصدير والحد من القدرة الشرائية للسكان المحليين وتمت زيادة أسعار الفائدة من أجل جذب رأس المال الأجنبي أدت سلسلة من التدابير إلى إفقار مدقع لمعظم شعوب هذه البلدان.
وروجت هذه البرامج على الصعيد التجاري لسياسة الإنتاج الموجه للتصدير بهدف تعزيز احتياطيات العملات الأجنبية وزيادة الزراعات المخصصة لأغراض التصدير والحد من الزراعات المخصّصة للاستهلاك المحلي مع ما يترتّب عليه من أثر سلبي على الأمن الغذائي والتبعية للأسواق الدولية.
وإلغاء الحواجز الجمركية من خلال منظّمة التجارة العالمية وتسهيل دخول المنتجات عالية الدعم من الولايات المتحدة وأوروبا والتي تُباع بأقل من سعر الكلفة. تم تدمير الإنتاج والزراعة المحليين في حين جرى فتح أبواب الاقتصاد بالكامل أمام استثمارات الشركات العابرة للقوميات ومنتجاتها وخدماتها. وجرى توسيع نطاق الخصخصة الشاملة للمؤسسات العامة وكان لهذه السياسات أثر مباشر على الإنتاج الزراعي المحلي وعلى الأمن الغذائي.[5]
قضت هذه السياسات التنموية التي تقودها المؤسسات الدولية على نظام الإنتاج المحلي واستبدلته بنموذج إنتاج غذائي مصنّع ومكثّف خاضع للمصالح الرأسمالية التي أدّت إلى الأزمة وانعدام الأمن الغذائي.
فأصبحت بلدان الجنوب التي كانت حتى السبعينات من القرن الماضي قد حققت الاكتفاء الذاتي وفوائض زراعية تبلغ قيمتها مليارات الدولارات تعتمد اليوم اعتمادًا كليًا على السوق العالمية وتستورد ما معدّله 11.000 مليون دولار من المواد الغذائية سنويًا. إن زيادة العجز الغذائي في بلدان الجنوب هي الوجه الآخر للزيادة في الفوائض الغذائية والتوسّع في السوق في بلدان الشمال الصناعية.[6]
– الدور الذي تضطلع به الشركات العابرة للقوميات في الاقتصاد العالمي وفي اقتصادات البلدان النامية تحديدًا؛ فهذه الشركات فرضت نفسها كلاعب رئيس في أسواق المواد الغذائية إنتاجًا وتسويقًا حيث تمارس احتكار المواد الغذائية وتستخدمها في حالات عديدة كسلعة للمضاربة في أسواق أخضعت كل شيء للتسليع ولمنطق الربح الأرض والمياه والغذاء والدواء، فعلى سبيل المثال شركة كارغيل الأميركية تصل مبيعاتها إلى 71 مليار دولار تسيطر على 45 % من تجارة الحبوب في العالم.
وتتسم أنشطة الشركات العابرة للقوميات في هذا المجال بسمتين أساسيتين هما الاحتكار والتركّز، فهي تتحكّم بإنتاج البذور والأسمدة والمبيدات وتسويقها وتسيطر على شبكة توزيع ومبيعات المواد الغذائية على النطاق العالمي. وتسعى شركات التصنيع الزراعي وشركات التوزيع العالمية الكبرى إلى تعميق سيطرتها على كامل السلسلة الإنتاجية ولاسيما من خلال الإتجار المباشر بالمنتج الزراعي بهدف تخفيض تكاليف الشراء وتعظيم الأرباح.
إن الشركات العابرة للقوميات لا تعمل على احتكار سوق المواد الغذائية في العالم فقط وإنما تحدد أسعارها من دون ارتباط بقانون العرض والطلب في غالب الأحيان فالغذاء يُنتج ليس من أجل إطعام الناس إنما من أجل جني الأرباح، فارتفاع أسعار المواد الغذائية وبنسب مفتعلة يعد نتيجة لسياسات تلك الشركات، فتكسر هذه الشركات نمط الإنتاج الزراعي التقليدي المتوارث في أي من البلدان وتعيد توجيه الزراعة فيه باتجاه زراعات عصرية (تصنيعية أو ترفيهية) موجّهة نحو التصدير، وهو أحد الأسباب والعوامل التي تساهم في تفاقم المشكلة الغذائية في العالم حيث أصبحت المواد الغذائية الأساسية بعيدة عن متناول أعداد متزايدة من الأفراد.
– النمو السريع الذي تشهده اقتصاديات بلدان كبيرة كالصين والهند وبلدان أخرى وتسارع وتيرة التصنيع فيها أدّى إلى ارتفاع مستوى المعيشة في هذه البلدان وازدياد أحجام استهلاك المواد الغذائية فيها ومن ثم يؤدئ ذلك إلى تسارع الطلب على النفط فيها وبالتالي إلى ارتفاع أسعاره ومن ثم إلى ارتفاع أسعار مكوّنات أساسية للإنتاج الزراعي كالوقود وزيوت الآلات والأسمدة والمبيدات، بالإضافة إلى أنه كلما ارتفعت أسعار الوقود ترتفع تكلفة نقل المنتجات الغذائية إلى الأسواق ومن ثم إلى ارتفاع في أسعارها.[7]
– ومن بين الأسباب التي تساهم في تفاقم المشكلة الغذائية في العالم تطوير “الوقود العضوي” وإنتاج ما يُسمى الوقود الأخضر خصوصًا مع ارتفاع أسعار النفط والغاز سَبّب ذلك ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الأسمدة وتكاليف النقل المرتبطة بالنظام الغذائي،
مما دفع إلى زيادة الاستثمار في إنتاج أنواع الوقود البديلة من أصل نباتي، وجدها البعض في القطاع الزراعي فتتحوّل مساحات شاسعة من الأراضي في العديد من البلدان النامية خاصة من زراعة الحبوب والزراعات الغذائية الأخرى إلى زراعات لإنتاج الوقود العضوي وبالرغم أن نسبة الفقر وسوء التغذية في كل من الهند والبرازيل عالية جدًا فهما أكبر مصدر للوقود العضوي في العالم.
إنتاج هذا الوقود الأخضر يدخل في منافسة مباشرة مع إنتاج الغذاء، وقد أوضحت منظمة الفاو في تقريرها حول الأمن الغذائي للعام 2008 أن التوسع السريع للوقود الأخضر في جميع أنحاء العالم له أثر كبير مباشر في زيادة في أسعار الحبوب، فكلما تم تحويل الحبوب مثل الذرة والقمح والصويا إلى وقود زراعي كلما انخفض إمداد السوق بالحبوب ومن ثم ترتفع أسعارها.[8]
– تطور تكنولوجيا الإنتاج الزراعي في البلدان المتطوّرة التي تحوّل بعضها إلى مصدر للمنتجات الزراعية والمواد الغذائية له دور كبير في تفاقم مشكلة الغذاء في البدان النامية، فتحولت بموجبه دول صناعية متطوّرة إلى التخصّص في إنتاج سلع زراعية على أسس علمية وتكنولوجية حديثة وتصديرها إلى البلدان الأخرى بما فيها البلدان النامية وبأسعار عالية. ويقترن ذلك مع لجوء حكومات الدول الصناعية المتقدّمة سواء في الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة أو اليابان إلى تقديم الدعم المباشر لمزارعيها.[9]
-تسارع ظاهرة التمدين في البلدان النامية أي نزوح أعداد واسعة من سكان الأرياف إلى المدن مع ارتفاع نسبة البطالة فيها إلى مستويات غير مسبوقة وتقلّص عدد العاملين في القطاع الزراعي وانتقال إلى قطاعات الاقتصاد غير المنتجة للمواد الغذائية وإهمال مساحات واسعة من الأراضي في الأرياف، وهي أمور تؤدّي إلى تراجع الإنتاج الزراعي في عدد كبير من البلدان النامية وبالتالي إلى تقلّص إمكانات التأمين الغذائي لسكانها.
-وجود أسباب جوهرية ساهمت وما زالت في تفاقم المشكلة الغذائية في العالم، فالجفاف وغيره من الظواهر المرتبطة بتغيّر المناخ في بلدان منتجة مثل الصين وبنغلاديش وأستراليا أثّرت على المحاصيل وعلى إنتاج المواد الغذائية وزيادة استهلاك اللحوم خصوصًا في بلدان أميركا اللاتينية وآسيا.
كما أن التغيّرات في العادات الغذائية وفق لنمط الاستهلاك الغربي وارتفاع في معدّلات النمو الاقتصادي والتطوّر في مستوى المعيشة في بعض البلدان من شأنه أن يُفاقم هذه المشكلة. ونتيجة لذلك ستضطر البلدان التي كانت تتميز بالاكتفاء الذاتي إلى استيراد الحبوب بسبب فقدان الأراضي الزراعية، وهذا يعني أن هذه البلدان تعتمد اليوم على أسواق الحبوب المتقلّبة عالميا.[10]
– انتشار الاضطرابات السياسية وآثاره من نزاعات مسلحة وزيادة حجم الإنفاق العسكري له أثر سلبي على الأمن الغذائي الذي تمارسه الكثير من البلدان النامية.

ثالثًا- أهم المنظمات التي تهتم بأزمة الغذاء العالمية

· برنامج الأغذية العالمي هو إحدى منظمات الأمم المتحدة والذي يعتمد في تمويله على التبرعات الطوعية، هو أكبر منظمة للإغاثة الإنسانية تُعنى بمكافحة الجوع في جميع أنحاء العالم، يقدم البرنامج كل عام مساعدات غذائية إلي نحو 80 مليون شخص في أكثر من 80 بلدًا حول العالم، ويعمل حوالي 12,000 شخصًا لصالح البرنامج معظمهم في المناطق النائية التي تخدم بشكل مباشر الفقراء.
ويتبنى برنامج الأغذية العالمي خمسة أهداف إستراتيجية هي:
1. إنقاذ الأرواح وحماية سُبل العيش في حالات الطوارئ.
2. الحماية من الجوع الحاد والاستثمار في تدابير الاستعداد للكوارث والتخفيف من وطأتها.
3. استعادة الحياة الطبيعية وسبل كسب العيش في الفترات التي تلي الصراعات أو الكوارث أو المراحل الانتقالية.
4. الحد من الجوع المزمن ونقص التغذية، وتعزيز قدرات البلدان على الحد من الجوع، بما في ذلك إستراتيجيات تسلم المشروعات والشراء المحلي.[11]
· منظمة الأغذية والزراعة منظمة حكومية دولية تضم في عضويتها 194 ًابلدًا.تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي للجميع هو عنصر محوري في جهود المنظمة بغية تمكين البشر من الحصول ًادائمًا على ما يكفيهم من الأغذية الجيدة، للتمتع بحياة ملؤها النشاط والصحة.
أهداف المنظمة الرئيسية الثلاثة هي:
– القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية.
– القضاء على الفقر ودفع عجلة التقدم الاقتصادي والاجتماعي للجميع.
– الإدارة المستدامة واستغلال الموارد الطبيعية بما فيها الأرض والمياه والهواء والمناخ والموارد الوراثية لصالح أجيال الحاضر والمستقبل.[12]
· هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية: منظمة خيرية إسلامية منبثقة من رابطة العالم الإسلامي تتعاون مع المانحين والمتبرعين لتقديم تبرعاتهم للمحتاجين والمنكوبين في العالم، وتُعنى بالوقف والاستثمار المحترف لتنفيذ برامجها ومشروعاتها لتنمية المجتمعات، وتمتع الهيئة بعلاقات تعاون وشراكة مع أكثر من 13 منظمة دولية وإقليمية مثل: (منظمة هلب الألمانية – جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر)، حيث وقعت عددًا من اتفاقيات الشراكة والتعاون لتنفيذ مشروعات إغاثية وتنموية وصحية وبيئية في عدد من دول العالم خاصة الدول التي تعاني من الفقر.[13]

رابعًا- سبل حل المشكلة الغذائية في العالم

يشير خبراء الفاو إلى أن 78 % من سطح الكرة الأرضية غير صالح للزراعة وأن الأنشطة الزراعية تواجه عوائق حيث 13 % من المساحات المزروعة ذات خصوبة متدنية و6 % ذات خصوبة متوسطة و3 % فقط ذات خصوبة وإنتاجية عالية. وتزرع اليوم حوالي 11 % من مساحة اليابسة وتستخدم حوالى 24 % من مساحة الأراضي الزراعية لتربية الماشية (وعلى الرغم من أن قسمًا من المراعي يُزرع بالحبوب أحيانًا فإنه يجري التعويض عن الخسارة بقطع الغابات وتحويلها إلى مراعٍ).
إن حل المشكلة الغذائية في العالم يتطلّب خلق الظروف الملائمة لزيادة إنتاج المواد الغذائية ومنها:
– يجب إجراء تغيير جذري في موقع البلدان النامية ووضعيتها في التقسيم الدولي للعمل وفي التخصص الإنتاجي خصوصًا في المجال الزراعي والعمل على تنويع بنية الاقتصاد فيها بحيث تصبح قادرة على تأمين حاجاتها من الغذاء سواء بتطوير الإنتاج أو بتوظيف القسم الأكبر من حاصلات التصدير في تحقيق هذا الهدف.
– التوسع في الأراضي الزراعية والعمل على استصلاح أراضٍ أخرى في بلدان مختلفة من العالم، ووقف الزحف العمراني على مساحات واسعة من أفضل الأراضي الصالحة للزراعة.
– العمل على رفع إنتاجية الإنتاج الزراعي في البلدان النامية من خلال إتاحة الفرص لها لاستخدام أفضل الإنجازات العلمية والتكنولوجية التي توصلت إليها الدول المتقدّمة في المجال الزراعي والتي جعلت من هذه الدول مصدرًا للمنتجات الزراعية، ومن أجل ذلك على الدول المتقدّمة التخلي عن الانفراد بالمعرفة والتكنولوجيا تحديدًا في مجال الإنتاج الزراعي الأمر الذي يتيح زيادة إنتاجية الغذاء وتحسين نوعيته وتأمين القوت لمئات الملايين من الذين يعانون سوء التغذية في جميع أنحاء العالم.[14]
– إجراء تعديلات جوهرية في السياسات الزراعية والغذائية، حتى يُتاح للمزارعين تحقيق الاكتفاء الذاتي وبيع منتجاتهم في الأسواق المحلية، بدلًا من تخصيصها للتجارة الدولية. وتنويع المحاصيل والاهتمام بالأراضي واستعمال المياه وخلق أسواق محلية وأنظمة غذائية مجتمعية.
– وعلى الحكومات توفير المساعدة للمزارعين من خلال توفير الوقود وخفض الاحتباس الحراري وتحقيق السيادة الغذائية. ويتعيّن على الحكومات الوطنية أن تعطي أولويّة مطلقة لإنتاج المواد الغذائيّة ذات الطابع المحلي لخفض الاعتماد على التجارة الدولية، بالإضافة إلى دعم المزارعين الصّغار بأسعار تفضيلية لمنتجاتهم، وعلى السياسات الحكومية أن تشجّع الزراعة الأصلية المستديمة والعضويّة والخالية من المبيدات والمواد الكيمائية والجينات المعدّلة.
– ومن الضروري أيضًا حماية أنظمة الزراعة الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي المهددة بشكل خطير من قبل النموذج الزراعي المعتمد حاليًا، والذي تهيمن فيه الشركات العابرة للقوميات والمتعدّدة الحنسيات.
– ويجب مواجهة السياسات النيوليبرالية من خلال توفير آليات التدخّل من قبل الدولة لتثبيت أسعار السّوق والتحكّم في الواردات، على البلدان أن تهيمن على تقرير درجة اكتفائها الذاتي من الإنتاج وأن تعطي الأولوية لإنتاج الغذاء من أجل الاستهلاك المحلي من دون أي تدخّل خارجي.
– حظر المضاربة المالية والمتاجرة بغذاء المستقبل ومنع الإنتاج الواسع للوقود الزراعي من أجل النفط الأخضر.
– لا بد من وضع حد لهيمنة الشمال على الجنوب والوقوف في وجه الهيمنة من قبل الشركات الزراعية العابرة للقوميات والمتعدّدة الجنسيات، في مواجهة الطابع الاحتكاري للإنتاج ومعالجة الغذاء وتسويقه، ومن الضروري تقديم الدعم للمزارعين الصغار وتشجيعهم على اعتماد الزراعة الإيكولوجية ودعم استهلاك بديل يعتمد على السوق المحلية وعلى تعاونيات استهلاك زراعي إيكولوجي.[15]
ومن الواضح أنه لا يمكن حلّ المشكلة الغذائية العالمية بجهود منعزلة ومتفرّقة لبلدان محددة أو منظمات معينة بل بفضل جهود دول العالم مجتمعة، ولا يكمن تناول هذه المشكلة بمعزل عن تحليل المشاكل الأخرى ومعالجتها كمشكلة الحرب والمشكلة الديموغرافية ومشكلة الطاقة والمشكلة البيئية فكلها مترابطة وتصيب المجتمع الدولي كله.

خاتمة:

أزمة الغذاء العالمية واحدة من أكبر التحديات التي تواجه العالم لأنها تؤدي إلى المزيد من الاضطرابات وعدم الاستقرار العالمي، وهي أزمة ذات طابع دولي ولن نتمكن من إيجاد مخرج لها إلا من خلال سياسة تعاون والتزام إنساني، فالثورة الصناعية حررت المجتمع من الندرة الاقتصادية وأزالت المشكلة بين تزايد عدد السكان وبين توافر الغذاء لإطعام الأعداد المتزايدة منهم. فقد أصبح الاقتصاد العالمي قادرًا على إنتاج كميات من السلع والغذاء والثروات بحيث يمكن تأمين الحاجات الأولية لجميع سكان العالم وإبعاد خطر المجاعة عنهم، غير أن المشكلة ليس في الإنتاج بل في التوزيع المتفاوت للموارد والثروات، إذ تفيد معطيات الأمم المتحدة أن 10 % فقط من ثروات حفنة من أصحاب المليارات في العالم كافية لسد حاجات المليار فقير من الغذاء والدواء وماء.
*****

الهوامش:

* طالبة ماجستير في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.
[1]علي سفر، توماس روبرت مالتوس من نظرية السكان إلى لعنة الإبادة،2015مقالة منشورة على الرابط التالي:
http://www.alarab.co.uk/article
2 http://resourcecrisis.com/food
[3] محمد دياب، المشكلة الغذائية في العالم: جوهرها وأسبابها الحقيقية،الدفاع الوطني اللبناني,2013 مقالة منشورة على الرابط التالي:
الموقع:https://www.lebarmy.gov.lb/ar/content
[4] المرجع السابق
[5]Eric Holt, THE WORLD FOOD CRISIS, 2008 available at:
http://www.worldhunger.org/holt-gimenez
[6] المرجع السابق
[7] بول كروجمان، أزمة الغذاء العالمية:الأسباب والمسؤوليات,2008مقالة منشورة على هذا الموقع:
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=35852
8 http://www.grida.no/publications/rr/food-crisis/page/3558.aspx
[9] محمد دياب، مرجع سبق ذكره.
[10] بول كروجمان، مرجع سبق ذكره.
11 http://ar.wfp.org/overview
12 http://www.fao.org/about/ar
13http://www.egatha.org/portal/index.php?option=com_content&view=article&id=1&Itemid=6
[14] محمد دياب، مرجع سبق ذكره.
[15] Eric Holt,op.cit

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى