الاقتصاد السياسي الدولي: مقدمة للاقترابات والأنظمة والإشكاليات

مقدمة:

يعد هذا الكتاب كتابًا مدرسيًا يبلغ عدد صفحاته (484) صفحة قُسمت إلى ثمانية فصول تعرض العديد من وجهات النظر والرؤى بشأن الاقتصاد السياسي الدولي، ففي واقع الأمر وكما سنرى في الفصول القليلة التالية إن وجهات النظر أو رؤى الذين يكتبون أو يفكرون بالاقتصاد السياسي الدولي غالبا ما تكون مختلفة بشكل جذري. فحتى بين هؤلاء الذين يتشاركون في الأفكار الرئيسية يوجد بينهم اختلافات حادة.
ونستعرض فيما يلي فصول هذا الكتاب وأهم ما تم طرحه من نقاط وما خلصت إليه:

الفصل الأول: إزالة الغموض الذي يكتنف العالم المقعد للاقتصاد السياسي

واحد من أغراض أو أهداف ذلك الفصل التمهيدي هو التعرف على العالم المعقد بشكل متزايد للاقتصاد السياسي الدولي أو العالمي. وفي ذات الوقت هناك العديد من الأفكار الأساسية التي أريد أن يضعها الكاتب في الاعتبار عن قراءة بقية هذا الكتاب؛ أولاً، لا يوجد نهج أو اقتراب محدد أو نظرية نهائية في الاقتصاد السياسي الدولي. ثانياً، كما أنه لا يوجد نظرية محددة أو نهائية لا يوجد أيضا اتفاق عام حول كيفية تعريف أو تحديد ما الذي يشمله الاقتصاد السياسي الدولي على الأقل خارج نطاق الاهتمامات التقليدية للتجارة الدولية- التمويل والإنتاج -. ثالثاً، قدمت العولمة عناصر أو أطرًا هامة بل مركزية حديثة داخل الاقتصاد السياسي الدولي، وهي على وجه التحديد تغير علاقات القوة؛ ظهور مجموعة من الفاعلين الإضافيين (المنظمات من غير الدول)، تغيير أو تعديل الديناميات العالمية عبر التطور أو الابتكار التكنولوجي. رابعاً، بغض النظر عن الاختلافات التنظيرية والجدالات تستلزم دراسة الاقتصاد السياسي الدولي أن نأخذ مسالة “القوة” في الاعتبار، ما هي القوة، ومن لديه القوة، وكيفية توزيع وممارسة القوة على نحو جاد أو خطير. فالقوة ليست بعيدة عن العالم الاقتصادي، بل إنها جزء لا يتجزأ من العالم الاقتصادي، والعالم الاجتماعي ككل.

الفصل الثاني: النظريات التأسيسية للاقتصاد السياسي الدولي: المدخل غير التقليدي للمذهب أو النزعة التجارية، الليبرالية والماركسية

في واقع الأمر انقسم الباحثون في الاقتصاد السياسي الدولي منذ فترة طويلة بين ثلاث مدارس رئيسية؛ وهي المذهب التجاري، والماركسية، والليبرالية.
تؤكد المناقشة التي تم عرضها في هذا الفصل، أن الاقتصاد السياسي الدولي ليس فقط حقلًا مثيرًا للجدل، بل أيضًا يبدو فوضويًا. ويطرح هذا الفصل سؤالًا رئيسًا هو: كيف ينبغي لطلاب الاقتصاد السياسي الدولي التعامل مع أو الاقتراب من تلك المناقشات أو المداولات المتنوعة؟ وهنا بعض الاقتراحات؛ أولاً، استخدام تلك المناقشات أو المداولات كوسيلة ملائمة لتعريف أو تحديد النقاط الرئيسية للخلاف في الاقتصاد السياسي الدولي. ثانياً، استخدام الجدالات التي لا زالت مستمرة في الاقتصاد السياسي الدولي كأساس حيوي لا زال موجودًا لفهم وتفسير الاقتصاد السياسي العالمي. ثالثاً، استخدام المداولات أو المناقشات التنظيرية كنقطة انطلاق هامة لإعادة فحص الأسئلة القديمة، أو لطرح أسئلة جديدة تماما حول الاقتصاد السياسي الدولي كما تم مناقشته في الفصل الأول. وتعد الأسئلة التي يطرحها الباحثون حيوية لعملية الفهم والتفسير. مع وضع جميع تلك الفرضيات في الذهن لاستمرار عملية اكتشاف وفهم الاقتصاد السياسي الدولي.

الفصل الثالث: النظريات المعاصرة للاقتصاد السياسي الدولي

على الرغم من استمرار سيادة النظريات التأسيسية الثلاث (الليبرالية – الماركسية – النزعة التجارية) حتى اليوم، بل ما زالت المحور الرئيسي لتفكير الأكاديميين وغير الأكاديميين على السواء، فيمكن القول باختصار أن أفكار تلك النظريات الثلاث أصبحت متأصلة بشكل جذري في عالمنا الآن، ومع ذلك هناك نظريات تعد جديدة نسبيًا أو معاصرة، أي ظهرت في ذلك الحقل منذ ما يقرب من ثلاثة أو أربعة عقود، وينبغي على أي طالب للاقتصاد السياسي الدولي أن يكون على دراية بها. ففي حقيقة الأمر تتضمن تلك النظريات المعاصرة هيكلًا متنوعًا من الاقترابات من شأنها تفنيد أو إعادة النظر في معظم الفرضيات الأساسية التي تستند عليها النظريات التقليدية. وتلك الاقترابات أو المناهج هي؛ ما بعد الوضعية، التأسيسية، البنائية. وتلك الفئة من الاقترابات تتحدى بشكل رئيسي الاعتقاد الشائع على نحو كبير بأن العلوم الاجتماعية تستطيع إنتاج أهداف أو حقيقة مجردة أو خالية من القيمة، فتلك الاقترابات تؤكد أن العالم الاجتماعي هو موضوعي لا محالة.
وفي ضوء ما تقدم فقد سلط الكاتب الضوء على ما يلي:
1- نظرية الاستقرار المهيمنة Hegemonic Stability Theory.
2- نظريات ما بعد الهيمنة Post-Hegemonic Theories.
3- مباريات المستوى الثنائي والاقتصاد السياسي الدولي.
4- الاقترابات البنائية للاقتصاد السياسي الدولي.

الفصل الرابع: السياسات والاقتصادات والتجارة العابرة للحدود

تعد مسالة تحرير التجارة الدولية قضية خلافية؛ فما زال هناك انقسام حول كيفية تحرير التجارة أو التجارة العابرة للحدود رغم إجماع المختلفين بأن تحرير التجارة في حد ذاته أمر جيد وضروري. وستستمر التجارة الدولية بشكل كبير لكن ينحصر الخلاف حول “تعريف التجارة الدولية” بمعنى أكثر دقة. تنحصر الإشكالية في مسألة الحواجز أو الحدود السياسية، بمعنى أن وجود تلك الحدود يعني “تجارة محكمة أو مُدارة” وليس تجارة حرة. وهذا ليس بالضرورة مصطلح سلبي، بل يعكس المخرجات المعقدة لعمليات وعلاقات القوة، التي تلعب جميعها دورًا مؤثرًا داخل الهياكل المحلية والدولية. وفي الاقتصاد السياسي الدولي، تُعد دراسة تلك العمليات والعلاقات المتعلقة بالقوة أمرًا حاسمًا لفهم وتفسير شكل الاقتصاد العالمي.

الفصل الخامس: النظام المالي العالمي

يعد النظام المالي العالمي أمرًا معقدًا للغاية وله تأثيرات واسعة النطاق. فعند الحد الأدنى يجب الاعتراف بأن العلاقة بين الأسواق والدول هي نظام مالي معولم أو عالمي بشكل متزايد ومعقد ومتشابك إلى حد بعيد. ويخبرنا هذا التعقد وتشابك العلاقة بين الدول والأسواق أيضا بأنه لا يوجد فاعل واحد أو مجموعة من الفواعل في ذروة قوتهم أو لديهم جميع القوة، ويعني ذلك أن القوة في نظام مالي معولم موزعة أيضًا بين الدول والفاعلين من غير الدول، وهذا التوزيع أو الانتشار للقوة يمكن أن يكون فوضويًا للغاية، لأن الفاعلين المختلفين الذين لديهم مصالح متعارضة طوال الوقت يسعون إلى تحقيق أهدافهم بالتنسيق مع الآخرين أو تحقيقها بشكل يتعارض مع مصالح الآخرين، ولكن ما يهتم به أو يدرسه الاقتصاد السياسي الدولي هو متعلق بكل ما سبق.

الفصل السادس: الإنتاج العابر للحدود، الاستثمار الأجنبي المباشر والتنمية الاقتصادية

أولاً، من الواضح أن العولمة بشكل عام والإنتاج العابر للحدود بشكل خاص يشكلان فعليًا الاقتصاد العالمي، فالعالم أصبح أكثر تشابكًا واتصالا بصورة أعمق عما كان عليه في السابق، وهذا التوجه من المحتمل أن يستمر في المستقبل القريب. ثانياً، من الواضح على نحو كبير أن تلك التغيرات تؤثر على قوة الدول نسبيًا ليس فقط لصالح الدول الأخرى، بل أيضا لصالح الشركات العابرة للحدود أو المتعددة الجنسية، وهذا لا يعني أن الدول أصبحت بلا قوة أو هامشية بل على العكس ستصبح الدول أكثر أهمية في حماية وترويج قوة وحيوية مجتمعاتهم ومواطنيهم في ظل عالم اقتصادي أكثر عولمة وتنافسية. وللأسف هنا دائما المشكلة وهي (ليست جميع الدول مستعدة أو قادرة على تحمل تلك المسئولية أو تنفيذ تلك المهمة). ثالثا، على الرغم من بقاء الدول كفاعل رئيسي إلا أن الشركات المتعددة الجنسيات ستستمر في الازدهار وستزداد أهميتها أيضًا. وهذا يقودنا إلى النقطة الرابعة وهي: ماذا تفعل الشركات المتعددة الجنسيات، وكيف وأين تستثمر رؤوس أموالهم، وكيف ينظمون الإنتاج… إلخ، ومن سيتحمل مصير أفراد الدول والمجتمعات. وهذا يعني في المقابل أن تلك الأسئلة حول الشركات العابرة للحدود يمكن ويجب أن تنظم، حتى ولو منظمة بشكل فعال ستظل تثير اهتمامات أو مخاوف رئيسية لأعوام عديدة قادمة. وأخيراً، أن التنظيم الفعال للشركات المتعددة الجنسيات وعملية العولمة ستحتاج على الأرجح إعادة تعريف “للسيادة الويستفالية”. كما أن التوتر المحتدم بين السيادة الويستفالية والعولمة لن يزول بسهولة، فكلاهما لديه قوة مفرطة.

الفصل السابع: عدم المساواة، الفقر والاستغلال في الاقتصاد العالمي

من منظور الماركسية تعد الرأسمالية هي السبب الرئيسي في عدم المساواة والاستغلال الشديد، وعلى النقيض ترى الرأسمالية أن تحرير الأسواق هو الحل الوحيد للفقر، وكلا المنظورين قائمين على “أنطولوجيا موضوعية” أي حقائق موضوعية موجود بشكل مستقل للمعرفة والتصورات الإنسانية، وهذا يجعل من الصعوبة إيجاد أساس أو حل وسط بين المنظورين، لأن هناك فقط حقيقة واحدة يمكن تعريفها أو تحديدها موضوعيا. يركز الاقتراب البنيوي على التشكيل الاجتماعي للحقيقة ومن ثم يفسح مجالًا للمناورة. لهذا يجبرنا الاقتراب البنيوي على معرفة أو رؤية هياكل وعمليات السوق كأمر قابل للتوسع، كما أنه خاضع لكل من المراجعة الأساسية والدقيقة التي تتوقف على كيفية فهم تلك الهياكل والعمليات على نحو عام، كذلك تتوقف على ماذا يصنع الناس والمؤسسات والمنظمات.

الفصل الثامن: الحوكمة في الاقتصاد العالمي

الخيال العلمي نسخ تبدو متضاربة من حكومات عالمية متخيلة، وتشمل تلك التصورات طيفًا يبدأ من المثالية والطوباوية وصولًا إلى الاستبدادية القمعية ولفهم مبدأ الحكومة العالمية في هذا السياق يمكن أن نضع كلمة (دولة أو دول) مكان كلمة (الفرد أو الأفراد) في الجملة السابقة، وكلمة (حكومة عالمية) مكان كلمة دولة. وفي هذا السياق فقد تناول هذا الفصل الحاجة إلي الحكم العالمي ومغزى وأهمية الحكومة العالمية خاصة في ظل الدور المتصاعد والمتزايد للمنظمات العابرة للحدود الوطنية، وينتهي هذا الفصل برصد نقاط الخلاف الرئيسية في الاقتصاد السياسي العالمي.

خاتمة:

تناول هذا الكتاب العديد من الأسس، ومع ذلك هناك الكثير من الأسس تُركت دون معالجة. فالاقتصاد السياسي الدولي حقل واسع، وهناك تطورات جديدة وهامة تقريبا كل يوم، ولا يستطيع كتاب واحد تغطية كل الاقتصاد السياسي الدولي. فالهدف الرئيسي لهذا الكتاب كان تقديم الأدوات المفاهيمية الرئيسية وأطر التحليل (مثل الاقترابات التنظيرية المتنوعة) التي من خلالها نستطيع أن نبدأ عملية تحليل وفهم وتفسير للأحداث والعمليات والقضايا بشكل مثمر في الاقتصاد السياسي الدولي. والتي تتيح للباحث المتابعة بشكل مستقل، ويمكن القول إن المبادئ والأطر الرئيسية أو المهيمنة للتحليل تعد نفسها خاضعة للتغير، فبالعودة إلى السبعينيات كان لا يوجد أي ذكر للبنيوية الاجتماعية في أي كتاب أكاديمي، وكان يتم تناول العديد من الاقترابات الأخرى. ولا تزال المذاهب أو النظريات الثلاث التأسيسية؛ الليبرالية والماركسية والمذهب التجاري مهمة، لكنها خاضعة لإعادة التعريف والمراجعة على نحو كبير منذ أعوام. فالتغير باختصار مستمر، وهذا ما يجب أن يضعه المرء في حسبانه عندما يفكر في الاقتصاد السياسي الدولي.
*****

الهوامش:

* Timothy C. Lim, International Political Economy: An Introduction to Approaches, Regimes, and Issues, (2014) available at the following link :
http://www.saylor.org/courses/books
** طالب دكتوراة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى