التحديات السياسية الحضارية الخارجية للعالم الإسلامي: بروز الأبعاد الحضارية الثقافية

مقدمة:[*]

فى البداية يمكن عرض الإطار التحليلي والمنهاجي لدراسة التحديات الخارجية في العناصر التالية:
من ناحية: تنطلق الدراسة من مقولة أساسية تتلخص كالآتي: أن التحديات هي نتاج طبيعة النظام الدولي القائم وطبيعة وضع العالم الإسلامي على صعيده.
ولذا لابد وأن تنبني الدراسة بالضرورة على مزاوجة بين تحليل الفكر الغربي الإستراتيجي والسياسات الغربية تجاه العالم الإسلامي وبين تحليل خصائص وضع العلاقات الدولية القائمة ووضع المسلمين فيها في نهاية القرن العشرين؛ حيث تعد هذه المرحلة من تاريخ العالم وتاريخ الإسلام والمسلمين مفترق طرق جديدًا تمر به العلاقات الدولية، وهو مفترق يفرز أثوابا جديدة للتحديات الخارجية للعالم الإسلامي.
ومن ناحية أخرى: تعددت الأدبيات- خلال العقدين الأخيرين من القرن 20- التي تناولت تحت مسميات عدة مجال بحثنا. فنجد مثلًا العناوين التالية: الإسلام والغرب، الإسلام والمسلمون في عالم متغير، الإسلام والنظام الدولي الجديد، أمتنا والنظام الدولي الجديد، مستقبل العالم الإسلامي في ظل النظام العالمي الجديد، العالم الإسلامي والمتغيرات الدولية الراهنة. ومثلت هذه الأدبيات تيارًا واضحًا ومتدفقًا يبرز قدر الأهمية التي اكتسبها هذا الموضوع سواء في نظر المسلمين أو غيرهم.
ولذا فمن أهم الأدبيات التي تخدم الدراسة المنظمة لهذا المجال البحثي المجموعات التالية: مجموعة أدبيات العولمة وخصائص العلاقات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، مجموعة الأدبيات التي تركز على المقولات الكبرى للفكر الإستراتيجي الغربي تجاه العالم الإسلامي في ظل العولمة (ومن أهمها مقولات صدام الحضارات). والتي تمثل الإطار العام الذي تنبثق عنه سياسات القوى الكبرى الغربية تجاه القضايا الاستراتيجية التي تواجه الدول الإسلامية، مجموعة أدبيات الفكر السياسي الغربي والتي تعالج اتجاهات إدراك مفكري الغرب ومنظريه لوضع الإسلام والمسلمين بين مصادر التهديد للاستقرار العالمي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وأخيرًا مجموعة أدبيات تتصل بالسياسات التي ينتهجها الغرب نحو الدول الإسلامية سواء المتصلة بالقدرات المادية أو المتصلة بالنسق القيمي والمعرفي والفكري.
ومن ناحية ثالثة: يثير إطار تحليل هذه المجموعات من الأدبيات بعض الإشكاليات. وهي تتلخص في مجموعة من الثنائيات التي تطرح بعض الاختيارات:
1. نطاق التحديات الزمني: التاريخ / الحاضر / المستقبل:
إن التاريخ هو ذاكرة الأمة عن التحديات السابقة، وكيف تطورت وصولًا إلى ما نحن عليه من حيث حالات القوة – الضعف، الوحدة – التجزئة، الاستقلال – التبعية، وهو التاريخ الذي نفهم تطوره في ظل رؤية دائرية تداولية تهتدي بسنن الله في الاجتماع والعمران. ومن ثم فإن المرحلة الراهنة من تكاثف وتعاظم خطر التحديات الخارجية ليست حتمية أو أبدية، كما إنها نتاج تراكم التحديات الخارجية عبر قرون انحدار منحنى الحضارة الإسلامية والدولة الإسلامية والأمة الإسلامية شعوبًا ونظمًا.
2. نطاق التحديات المكاني: الأمة/ الدولة القومية/ الأقليات المسلمة:
إذا كان تعريف ” الدولة الإسلامية ” الراهنة يثير إشكاليات عديدة على مستوى الداخل والعلاقات الدولية، وإذا كان تعريف الأمة يثير تساؤلات أكثر، إلا أن انطلاقنا من مستوى الأمة لا يجب أن يلغى خصوصيات وأوضاع المناطق المختلفة من العالم الإسلامي. ومن ناحية أخرى، فإننا نهتم أيضًا بموقع الأمة من النظام الدولي بصفة عامة ومن القواسم المشتركة مع الجنوب.
3. منابع التحديات (من أين؟) ومصادرها (ماذا؟) ومجالاتها (أين تتجلى؟): الخارجى/ الداخلى، السياسى/الاقتصادى/ العسكري / الثقافى:
يجدر الاهتمام بالعلاقة بين الداخلي والخارجي، فإن دراستنا للتحديات الخارجية لا تعني غلبة تأثير الخارجي على الداخلي فقط ولكن تعنى تحديد منابع التحديات ومصادرها في الخارج ثم تحديد مجالات تأثيرها وهي ثلاثة: القوة (القومية والكلية)، الوحدة (بين مكونات الأمة) الاستقلال (عن الآخر). ومن ثم فمع تغير المنابع – عبر التطور الزمني – تتغير المصادر والمجالات.
ولعل من أبرز التغيرات تلك التي أفرزت السمة الأساسية للتحديات الراهنة أي التحديات الحضارية الثقافية. وهذه التحديات وإن كان الداخل هو مساحتها، والثقافة هي مظهرها، إلا أن الذي يبرز وطأتها وعواقبها الحقيقية هو البيني (العلاقات بين مكونات الأمة)، والعلاقة مع الآخر، ومن هنا تبرز كل أبعادها السياسية. كيف؟ ففي ظل تزايد وطأة التجزئة القطرية، والتبعية السياسية والاقتصادية، والخلل في التوازن العسكري لصالح الأعداء فإن خط الدفاع الأخير المتبقي للأمة- هو البعد العقيدي الحضاري الثقافي- فهو الرابطة الباقية الأساسية بين مكونات الأمة والمميزة لها عن الآخر بدون اندماج أو استيعاب كاملين فيه، بل إنه تكمن في هذا البعد إمكانيات التجديد الحقيقية. فإن التجديد لا يكون ماديا فقط بل لابد أن يصبح منطلقه ومحكه هو البعد الثقافي الحضاري. فهذا هو الركيزة لعملية تجديد ذاتية منفتحة، لا تقوم ذاتيتها على الانغلاق ولكن تتبلور في ظل أسس التعارف الحضاري مع الآخر. وعلى هذا النحو فإن ” الثقافي” هنا الذي نهتم به ليس التفاصيل الفنية عنه، ولكن باعتباره مخرجًا أو مدخلًا في عملية سياسية كبرى متعددة الأبعاد.
4. مستويات التحديات: الواقع/ الفكر
لا نقتصر على مستوى الفكر، ولكن يجب أن نمتد إلى قراءة أحداث الواقع ووقائع سياسات القوى الكبرى تجاه قضايا الإسلام والمسلمين. فمثلًا يجب ألا نقتصر على مقولات صدام الحضارات، ولكن يجب أن نتناول أسباب ظهورها في هذه المرحلة، وما إذا كانت تمثل إطار الحركة المقترحة وتمهد لها وترشدها؟ وما هي الدلائل على ذلك في السياسات الغربية؟.
5. مناط التحدي: الثوابت والمتغيرات.
التحديات الخارجية ليست طارئة ولكنها تمثل الصورة الراهنة لأصل تتجدد أشكاله وأساليبه وأدواته من مرحلة إلى أخرى من مراحل تطور العلاقات الدولية الإسلامية. إذن ما هو الثابت وما هو المتغير عبر القرون الممتدة، سواء في قرون القوة والفتح والوحدة أو قرون الضعف والتراجع والتجزئة؟ إن الثابت هو مناط التحدي وهو عملة ذات وجهين:
أولهما: غاية الآخر في استبعاد وإقصاء وإذابة الأمة ودثر نموذجها الحضاري، وليس هياكلها السياسية فقط.
ثانيهما: قدرة الأمة ودأبها على الاستجابة الدائمة للتحديات بأنماط مختلفة من الاستجابات.
وأخيرًا: ينقسم إطار التحليل بين محاور ثلاثة تتصل بخبرة العقدين الأخيرين من القرن العشرين:
والمحور الأول تحت عنوان: خصائص العلاقات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة: أطروحات العولمة.
المحور الثاني تحت عنوان: وضع الإسلام والمسلمين في الفكر الاستراتيجي الغربي: بين أطروحات صدام الحضارات وأطروحات التهديد الإسلامي للغرب.
أما المحور الثالث:يتناول السياسات الغربية: مصادر التحديات ومجالاتها.
هذا ولقد فرضت أحداث 11 سبتمبر 2001- التي وقعت خلال الإعداد لنشر “الأمة في قرن” إضافة محور رابع، يتصل بدلالات هذه الأحداث وانعكاساتها المرتقبة على التحديات التي يواجهها العالم الإسلامي.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن تراكم هذه المحاور الأربعة يعني اعترافًا بأن فهم واقع العلاقات الدولية الراهنة هو الخطوة الأولى لفهم طبيعة المرحلة الراهنة من وضع العالم الإسلامي في النظام الدولي والسياسات الغربية تجاهه، والتي تمثل بدورها مصدر التحديات الخارجية الأساسية.

المحور الأول- خصائص العلاقات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وأطروحات العولمة

من أهم نتائج الدراسة المنظمة لهذه الخصائص ووضع عمليات العولمة منها هي بروز الاهتمام أو تجدده وانبعاثه وإحيائه بالبعد الثقافي الحضاري باعتباره مجالًا تتجسد على صعيده صراعات جديدة للقوى ويتم على صعيده اختبار توازنات القوى؛ نظرًا لأن دور العوامل الحضارية والثقافية قد برز –أو تجدد بروزه- في العلاقات الدولية بالمقارنة بالبروز السابق للعوامل السياسية –الاستراتيجية، وهي العوامل التي حازت الأولوية حتى نازعتها الصدارة منذ بداية السبعينيات العوامل السياسية – الاقتصادية.
بعبارة أخرى بعد أن حازت المداخل والقضايا الواقعية التقليدية الأولوية لدي دارسى وممارسى العلاقات الدولية في مرحلة الحرب الباردة، وبعد أن برزت أولوية المداخل والقضايا المتصلة بعلاقات الاعتماد المتبادل الاقتصادى والتبعية الاقتصادية في مرحلة الانفراج وتصفية القطبية الثنائية، تبرز الآن أولوية نظائرها الحضارية والثقافية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة أو ما يسمي عصر العولمة (1).
ويدفع هذا الأمر لطرح التساؤلات التالية:
ما العلاقة بين البعد الثقافي- الحضاري وبين التغيرات العالمية الهامة التي يشهدها العالم من أكثر من عقد من الزمان؟ وكيف مثلت هذه التغيرات تحديات للفكر والحركة في عالم ما بعد الحرب الباردة؟ ومن ثم كيف قفزت على الساحة الجدالات المعرفية و المنهاجية والنظرية حول العلاقة بين الحضارات؟
أ‌- شهد القرن العشرون ثلاثة أحداث عظمى مثلت نقاط تحول أساسية في تفاعلات النظام الدولي وهي: الحرب العالمية الأولى، الحرب العالمية الثانية، نهاية الحرب الباردة وإنهيار الاتحاد السوفيتي. وإذا كان الحدثان الأول والثانى عبرا عن أقصى أشكال انفجار الصراع أي استخدام القوة العسكرية في حرب شاملة – عالمية – فإن الحدث الثالث لم يشهد هذا النمط، ولكنه لم يقل عن الأولين من حيث آثاره على العالم. بل لقد فجر هذا الحدث الأخير وآثار الجدال حول حقيقة العصر الذي تمر به العلاقات الدولية: هل هو عصر جديد؟
ولقد كانت كل من الأحداث الثلاثة نتاج تراكمات من التفاعلات التي ولدتها وشكلتها مجموعة من القوى والعوامل التي تتصل في جانب منها بالخصائص القومية للدول، أو التفاعلات النظمية بين الدول أو القوى الهيكلية طويلة الأجل.
وإذا كانت إشكالية العلاقة بين الداخلي والخارجي قد وقعت في صميم جهود التنظير التي شهدتها كل مرحلة من هذه المراحل من تطور العلاقات الدولية في القرن العشرين، فإن اتجاه هذا التطور من بداية القرن إلى نهايته عكس تزايدًا مطردًا في درجة تأثير الخارجي على الداخلي وفي طبيعة هذا التأثير ونطاقاته؛ بحيث يمكن القول إننا نعاصر حاليا اختراقا كثيفًا من الخارجي تآكلت فيه وتهاوت الحدود بينه وبين الداخلي. ومن ناحية أخرى لم يعد هذا الاختراق قاصرًا على النطاقات السياسية التقليدية أو الاقتصاد السياسي، ولكن امتدت هذه النطاقات لتشمل الاجتماعي والثقافي أيضًا وبدرجة كثيفة غير مسبوقة.
ولهذا -أي نظرًا لدرجة عمق الاختراق ونظرًا لاتساع نطاقاته – برزت خطورة التحديات الخارجية التي تواجهها كل مجتمعات ودول العالم، ليس الصغيرة النامية فقط ولكن الكبرى المتقدمة أيضًا ولو بدرجات مختلفة.ومن هنا أيضًا كانت أهمية وضرورة التعرف على درجة التغير العالمي ومجالاته.
ب‌- ويعكس الانتشار الذائع لمصطلح «العولمة» اعترافًا بهذه الحالة من الاختراق والتي تسود مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة والقطبية الثنائية.
لم يبرز مصطلح “العولمة” بصورة متكررة وكثيفة – في الأدبيات الغربية في مجال العلاقات الدولية- إلا منذ بداية التسعينيات، أي متزامنًا مع أهم حدثين في نهاية القرن العشرين وهما إنهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة، حيث أخذ يتبلور الحديث عن «النظام العالمي الجديد» الذي شغل مساحة هامة من اهتمام منظري العلاقات الدولية وساستها.
ولقد انطلق الاهتمام بدراسة هذه التغيرات من الاهتمام بتفسير نهاية الحرب الباردة ومن الاهتمام بدراسة تأثيراتها وتحدياتها على مجال العلاقات الدولية. وهنا برز السؤال المزدوج التالى: هل كانت نهاية الحرب الباردة بداية مرحلة جديدة في العلاقات الدولية أفرزت خصائص جديدة، أم أن نهاية الحرب الباردة ذاتها كانت نقطة تحول نتيجة تراكم آثار مجموعة من القوى والعوامل خلال العقدين الماضيين أعلنت عن خصائص متغيرة للعلاقات الدولية، أي أعلنت عن تغير العالم، وهل يبرز هذا التغير وزن عوامل ثقافية وحضارية؟.
إذا كانت اهتمامات العقدين الأول والثانى من النصف الثاني من القرن العشرين قد انبرت لوصف خصائص النظام الثنائي القطبية وحالة الحرب البادرة، وإذا كانت اهتمامات العقدين الثالث والرابع قد انبرت للتساؤل عن ماهية التغيرات التي أخذ يواجهها هذا النظام على نحو يدفع به إلى مرحلة جديدة من التفاعلات تبرز على صعيدها التفاعلات التعاونية التنسيقية وليس الصراعية فقط في ظل ما عرف “الاعتماد المتبادل”، فإن أدبيات العقد الخامس (التسعينيات) قد انبرت في شرح التحولات العالمية، وما إذا كانت تعني حقيقة أننا نعيش عالمًا جديدًا يفرض تحديات خارجية ذات طبيعة مختلفة جذريًا عما قبل أم لا؟ وكيف تظهر التحديات الحضارية في قلب هذه التحديات؟.
‌ج- ومن واقع القراءة في بعض الأدبيات الرئيسية عن خصائص العلاقات الدولية وعن العولمة يمكن أن نقدم المجموعتين التاليتين من الملاحظات:
المجموعة الأولى من الملاحظات:
1. تقدم لنا القراءة في أدبيات التسعينات(2) – باختلاف اتجاهاتها- دلالات هامة حول أسئلة ثلاثة كبرى: ما هي حالة العلاقات الدولية؟ ما هو تشخيص طبيعة التحولات العالمية؟ ما هي الآثار الناجمة عن التحولات بالنسبة للجنوب؟
لقد اتفق تيار هام من الأدبيات على كون العالم يشهد عصرًا جديدًا بعد نهاية الحرب الباردة. ولكن حول حالة النظام الدولي، وما إذا كانت تعاونية أو صراعية فلقد اختلفت الاتجاهات في توصيفها بين قائل باستمرار حالة الفوضى العالمية والصراع، وبين قائل باتجاه العالم نحو وضع أكثر تعاونية.
هذا، وتدور مجمل خصائص العلاقات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة كما تحددها تلك الأدبيات حول عدد من القضايا المشتركة هي:
– إنهيار الاتحاد السوفيتي وعلاقته بانتهاء الصراع الإيديولوجى، التطورات التكنولوجية وأثرها على المجالات المختلفة، الرأسمالية وعولمتها، انتشار الديمقراطية وتحدياتها، أزمة الدولة القومية على عدة مستويات (من الخارج ومن الداخل).
ومجمل هذه الخصائص المتقاطعة بين الأدبيات التي تعبر عن وجهة النظر القائلة بتغير حالة العالم تتلخص فيما يلي:-
التغير في العلاقات بين القوي الكبرى نحو نمط جديد من علاقات الهيمنة يرتكز على علاقات التكتل وتوازنات القوي الإقليمية، تغير خريطة العالم في اتجاهين أحدهما اندماجي والآخر تفكيكي، انتشار الديمقراطية مما يثير تحديين رئيسيين: معضلات التحول الديمقراطي وأثر هذا الانتشار على فرص السلام، أثر ديناميكيات عولمة الرأسمالية على تزايد الفجوة بين دول العالم، مظاهر الفوضى العالمية، ومصادر الاضطراب العالمي، مثل تنامي عدد الفاعلين الدوليين؟ التقنيات الحديثة، عولمة الاقتصاد الوطني، تزايد إلحاح قضايا الاعتماد المتبادل، ضمور قوة الدول القومية، مشاكل العالم الثالث وتزايد الفجوة بينه وبين دول الشمال.
وفي المقابل فإن البعض الآخر من الأدبيات ينقد هذه الخصائص موضحًا إنها ليست جديدة وأن الجديد منها صدفة لن تتكرر؛ لأن:
– الاعتماد المتبادل لا ينفي احتمال الصراع كما إنه ليس بجديد؛ ولأن التغيير عبر العمليات السلمية مصادفة وليس إشارة لانتهاء العنف؛ ولأن نهاية نظام “يالتا” ونهاية التاريخ لا ينفي احتمالات الصراع الذي كان قائمًا- ومازال- على المصالح؛ ولأن نظامًا عالميًا جديدًا قائمًا على قواعد الشرعية الدولية (مثل حرب الخليج) نمط لن يتكرر.
وفيما يتعلق بوضع العالم الثالث/ الجنوب/ العالم الإسلامي على خريطة تحليلات هذه النماذج نلحظ ما يلي:
هناك اقترابان أولهما ينظر لهذه الكيانات باعتبار أن وضعها هو مصدر لتحدي استقرار العالم، مما لابد وأن تترتب عليه سياسات عملية تشكل تهديدًا للعالم الإسلامي على المستوى الفكري والعملي (كما سنرى).
وثانيهما يرصد ما تمثله تلك المتغيرات العالمية من تحديات يمكن إجمالها في تهميش العالم الإسلامي، تهديد القيم والثقافة الإسلامية، افتقاد مثل هذه الدول لمزايا التحرك بين قطبين، أثر التكتلات الاقتصادية السلبي على الاقتصاد الإسلامي.
2. ويمكن أن نقدم من ناحية أخرى بعض الملاحظات الأساسية حول آثار هذه التحديات على العالم الإسلامي، ووضع العامل الثقافي فيها. وهي تتلخص كالآتى:
من ناحية: يطرح واقع العلاقات الدولية الراهنة المتشابك والمعقد والمتداخل (سواء بالنسبة للفاعلين أو قضايا أو شبكات أو آليات التفاعلات) تحديات هامة أمام دول العالم الإسلامي باعتبارها في معظمها دولًا صغرى. فإن إدارة التعامل مع هذا الواقع تتطلب إدراكًا وقدرات متعددة قد لا تتوافر في معظمها لدي هذه الدول على النحو الذي يمكنها من إدارة مشاكلها الأساسية، وخاصة في مجال التنمية البشرية والمادية.
ومن ناحية أخرى: لا يقتصر التحدي على “الواقع”، ولكن يمتد إلى الإطار القيمي الذي يغلفه ويؤطره، والذي ينبثق عن منظومة القيم والمصالح الغربية الرأسمالية فالحديث الغالب عن انتشار الرأسمالية، والديمقراطية وقيم الثقافة الغربية وسلوكياتها إنما يتم أساسا,ً في هذه الأدبيات, من منظور أحادى، وإن تعددت روافده. فهي روافد تيار واحد وعلى نحو يثير لدينا التساؤل عن المشروع الحضاري البديل، ومن الذي بمقدوره أن يطرحه الآن؟ ناهيك عن الربط _ بصورة أو بأخرى _ بين الديمقراطية والتنمية الرأسمالية وبين تحقق السلام والأمن والاستقرار في العالم؟ ومن ثم يصبح العالم الثالث أو الجنوب_ مصدرًا لتهديد هذه الأمور، أو مصدرًا من مصادر الفوضى والاضطراب في العالم، أو تعبيرًا عن استمرار الصورة التقليدية للسياسات الدولية أي الصراعية الواقعية.
وهنا يجب أن أسجل ما يلي: إن هذا السيناريو في أدبيات نهاية القرن العشرين قد ظهر من قبل مع سيناريو منتصف السبعينيات. فحين برزت أدبيات الاعتماد المتبادل الدولي والتي شخصت اتجاه العلاقات الدولية نحو حالة أكثر تعاونية _ تنافسية تختلف عن الحالة الصراعية التي أينعت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، برزت في المقابل لها الأدبيات التي تبين أن حالة الاعتماد المتبادل هذه لا تصدق على العلاقة بين الشمال والجنوب. كما ظهر سيناريو مناظر أيضًا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، ففي مقابل انتشار الحديث عن حق تقرير المصير للشعوب والأمن الجماعي في ظل دور عصبة الأمم المتحدة كانت حالة “الجنوب ” أو الدول المستعمَرة لا تؤكد هذه المقولات.
كذلك حين تنامت الأدبيات بعد أزمة الخليج الثانية شارحة النظام العالمي الجديد، ظهرت الرؤى التي ظلت تحذر من أن العالم الثالث بصراعاته ومشاكله يمثل قنبلة موقوتة وأن انتهاء الصراع الأيديولوجي والقطبية الثنائية لن ينعكس إيجابًا على أوضاعه، بل كانت أزمة الخليج إحدى هذه القنابل.
ومن ناحية ثالثة:وإذا حاولنا أن نربط بين التنظير للواقع في البند الأول-عاليا- وبين الإطار القيمى الذي يغلف هذا الواقع في البند الثاني- عاليا- تبرز لنا قضية خطيرة وهامة تعكس فهمنا لجوهر إشكالية العلاقة بين الخارجي والداخلي كما تطرحها الأدبيات الغربية الشاملة عن العلاقات الدولية في المرحلة الراهنة، ففي هذا الجوهر لم يعد التأثير الخارجي على الداخلي ينصب من حيث قنواته ومجالات تأثيره على السياسي والاقتصادي فقط، ولكن امتد وبصورة واضحة وجذرية وعميقة تختلف من حيث الدرجة والعمق عن مراحل سابقة إلى البعد الثقافي الاجتماعي، وما يتصل به من تشكيل عمليات الإدراك ليس لدي النخبة فقط، ولكن لدي القاعدة أيضًا، وخاصة في الدول غير الغربية: الاتحاد السوفيتي السابق ودول العالم الثالث. فينتج عن الطبيعة التداخلية المعقدة للعلاقات الدولية الراهنة في ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، قنوات وسبل عديدة لدعم وتعميق القناعة لدي غير الغربي ولتسجيل الاعتراف النهائي من جانبه، ليس بتفوق الغرب فقط كما حدث في مراحل سابقة، ولكن بحتمية انتصاره وعدم القدرة على منافسته أو مقاومته، ومن ثم ضرورة الاقتداء به والالتحاق به لأنه لا بديل لـه. ولعل إعادة قراءة تفسير انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط التطبيق الشيوعي في أوربا يساعدنا على فهم التعميم السابق؛ حيث نجد تفسيرات -من منظورات مختلفة- لهذا الانهيار (تأثير سباق التسلح، الصحوة الديمقراطية للشعوب، الإنهاك الاقتصادي..) ولكن البعض(3) يرى أن المكمن الحقيقي للتفسير هو الكيفية التي أدركت بها القيادة السوفيتية ونخبها تفوق الغرب وعدم القدرة على الاستمرار بالطرق القائمة في الحكم وفي الاقتصاد. بعبارة أخرى يقول إن ما كسر إرادة القيادة السوفيتية لم يكن فشلًا اقتصاديًا أو ثورة شعبية من أسفل، ولكن تصور تاريخي مقارن نظرة تاريخية مقارنةComparative historical Judgment بأن مجتمعاتهم ليست مثل المجتمعات الغربية وليس هناك أي دليل على أن تصبح مثلها سواء من خلال تجديد ونمو جذري في الشرق أو من خلال انهيار النظام الرأسمالي في الغرب. ولذا فإن هذا الإدراك، كما يرى هذا الاتجاه، هو الذي قاد جوربا تشوف إلى استسلام غير مشروط وهو الأمر الذي أنهى الحرب الباردة.
إذًا الأمر لا يتصل بتفوق الخصم وتحدياته المادية أساسًا، ولكن يتصل بالاعتراف من الداخل بعدم القدرة على المقاومة والتغيير وإصلاح النموذج من الداخل. ولقد لعبت قنوات الاتصال الحديثة والتفاعلات العبر قومية في مجال الإنتاج والمال، كما يقول البعض الآخر،(4) دورها في تحقيق تجانس اجتماعي – سياسي بين المجتمعات، كما لعبت هذه القنوات دورها في التأثير على الصفوة وعلى القاعدة السوفيتية على نحو شكل الإدراكات والقناعات عن الفجوة القائمة وعن عدم القدرة على تخطيها.
ولعلنا نستطيع أيضًا من خلال إعادة قراءة تاريخ مرحلة التنظيمات العثمانية في الأدبيات الغربية أن نستكشف منطقًا مناظرًا يفسر كيفية انهيار الدولة العثمانية من الداخل، وذلك من جراء تأثيرات الخارج لتوظيف هذا الداخل الذي اتجه للغرب من أجل الإصلاح فلم يحدث له إلا الانهيار(5).
المجموعة الثانية من الملاحظات: يمكن أن نسجل أيضًا بعض نتائج القراءة في أدبيات العولمة(6) التي راجت سواء في الأوساط الأكاديمية الغربية أو العربية الإسلامية على حد سواء، وهي النتائج المستخلصة من الإجابة على مجموعتين من الأسئلة، المجموعة الأولى: تتصل بتشخيص الظاهرة ذاتها وعواقبها: ما هي العولمة (التعريفات المختلفة)؟ ما الأسباب التي أدت إلى التركيز عليها في هذه المرحلة؟ ما هي أبعادها أو مجالات تجلياتها (الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، الثقافية)؟ بعبارة أخرى ما الذي يتم عولمته؟ ما هي الآثار المطروحة بالنسبة لحالة النظام الدولي؟ أين ما يتصل بالجنوب بصفة خاصة؟ ومن ثم، وعلى ضوء الإجابة يمكن تحديد خصائص هيكل النظام الدولي، وأهم القضايا موضع التفاعلات: التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان (منظومة القيم السياسية)، تحرير التجارة العالمية وحركة رؤوس الأموال (منظومة القيم الاقتصادية) منع انتشار أسلحة الدمار الشاملة ومكافحة الإرهاب (منظومة القيم الأمنية) هيمنة الثقافة الغربية لتصبح ثقافة عالمية (منظومة القيم الثقافية)، واتجاهات التفاعلات وأنماطها (نحو مزيد من التجانس والاندماج أو نحو مزيد من التفكك والتجزئة)، وأهم القوى المؤثرة في هذه التفاعلات الدولية (الثورة التكنولوجية والمعلوماتية، ودور الصهيونية)
وعلى هذا النحو السابق، فإن العناصر المشار إليها من الأسئلة لها مدلولاتها الهامة بالنسبة للدول الإسلامية بصفة خاصة: ما هي الآثار على اقتصاديات وسياسات الدول الإسلامية؟ وكيف تمثل هذه الآثار تحديات لعمليات التنمية، ولإمكانيات التنسيق والتضامن الاقتصادي، وللقدرات الأمنية، وأخيرًا: الهوية؟ وكيف تمثل هذه الآثار مدخلًا خطيرًا لتدخلات خارجية متطورة الأشكال والأدوات؟ وتتلخص هذه النتائج كالآتى:
من ناحية:حول أبعاد العولمة وتجلياتها يمكن القول إنه إذا كان الاقتصاد محركًا أساسيًا في العولمة إلا إنه بمفرده لا يكفي لتحقيق الفهم الصحيح لهذه العولمة.
ولقد حرصت الاقترابات الشاملة من العولمة، مثل اقتراب العلاقات الدولية، أن تنبه إلى البعد الثقافي الاجتماعي إلى جانب الأبعاد التقليدية التي جرى التركيز عليها في تحليل العلاقات الدولية، أي الأبعاد السياسية – الأمنية التقليدية التي برز الاهتمام بها خلال اشتداد الحرب الباردة وأبعاد الاقتصاد السياسي التي برز الاهتمام بها منذ بداية السبعينيات.
لقد أضحت عولمة الثقافة والمجتمعات أو العولمة والثقافة من أهم المستجدات التي يمكن القول إن صعودها (بدون انفصال عن السياسي -الاقتصادي) يميز المرحلة الراهنة من العولمة، وذلك بفرض قبول أن العولمة ليست عملية حديثة أو لصيقة بنهاية القرن العشرين ونهاية الحرب الباردة، بل إنها قديمة ذات جذور تاريخية ترجع إلى بداية الرأسمالية وتطورها منذ عدة قرون. وإذا كانت التعريفات الشاملة عن العولمة قد جاءت من نطاق منظري العلاقات الدولية أساسًا فهذا يعني إنه يظل من مهمة هذا المجال الدراسى أساسًا تقديم رؤية شاملة حول خريطة الأبعاد المختلفة للعولمة (تجليات، عمليات، قوى مفسرة) وهي الأبعاد التي تهتم بأحدها منفصلة عن الأخرى مجالات دراسية عدة. ولهذا يمكن القول إن الاهتمام بالأبعاد الاجتماعية الثقافية في الدراسات الدولية يمثل الإضافة الحقيقية في دراسة التغيرات العالمية الراهنة على نحو يدفعنا للتساؤل: هل يمكن أن يصبح مجال دراسة التغيير العالمي مجال دراسة مستقلة تتعاون على صعيده علوم مختلفة؟ ولعل من أهم المؤشرات على صعود الاهتمام بهذه الأبعاد في الدوائر الأكاديمية للدراسات السياسية ظهور أطروحات “صدام الحضارات” والجدال الذي أثارته، والذي يعكس أبعادًا ثقافية –حضارية شديدة الوضوح.
ومن ناحية أخرى: وحول آثار العولمة يمكن القول إن الاتجاهات المختلفة حول تقديرها تنقسم- أساسًا- بين القائلين بالآثار الاندماجية التجانسية للعولمة وبين القائلين بالآثار السلبية التفكيكية على الأصعدة المختلفة. ومن واقع الاختلافات بين هذين الاتجاهين يمكن أن نستنبط الملاحظتين التاليتين:
الملاحظة الأولى: أن العولمة التي تتصدى لها أدبيات نظرية العلاقات الدولية هي عولمة متعددة الأبعاد (الاقتصادية – الرأسمالية)، (السياسية -الديمقراطية)، (الثقافية -القيمية)، وباعتبارها عملية مستمرة تاريخية برزت تحت تأثير عدة قوى ذات جذور، وإن تكثفت حاليا درجتها وعمقها؛ نظرًا لاعتبارين أساسيين: أحدهما يقترن بالعقدين الماضيين، وهو الثورة التكنولوجية الهائلة التي حققت طفرة نوعية في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات على نحو أثر بدرجة كبيرة على طبيعة القوة ومكوناتها وممارساتها، فلم تعد القوة العسكرية فقط أو القوة الاقتصادية فقط ولكن أيضًا قوة المعرفة والإبداع والمعلومات. والاعتبار الثاني يتصل بنهاية الحرب الباردة والصراع الأيديولوجي والقطبية الثنائية، ومن ثم ظهور النموذج الحضاري الرأسمالي الغربي وكأنه بلا منافس في الوقت الراهن. ولهذا فإنه على ضوء هذين الاعتبارين يمكن القول إن هناك إرادة واعية وراء تحويل عملية العولمة إلى منظومة مقننة ومؤسسة، وذلك من جانب الغرب – بقيادة أمريكية- الغرب الذي يقود عملية العولمة والذي انتصر في الحرب الباردة بلا حرب واحتكر عناصر القوة الجديدة العالمية. ولا أدل على ذلك من البيانات الرسمية من قادة الدول الصناعية الغربية والتي يتسم خطابها بالتقييم الإيجابي للعولمة. ومع ذلك كانت بعض البيانات الأخرى – الصادرة عن مستويات أدنى بين مستويات التنسيق الغربي العالمية مثل الاتحاد الأوربي – وإن تضمنت انتقادات للعولمة فهي لا تري فيها تناقضًا مع التكتلات الإقليمية الجديدة. كذلك فإن خطاب الهيمنة (تلويحًا بها أو انتقادًا لها) يقع في خلفية الأدبيات النظرية سواء بصورة ضمنية أو بصورة مباشرة، والمقصود هنا هيمنة النموذج الغربي بأبعاده المختلفة الاقتصادية -السياسية -الثقافية.
بعبارة أخرى، الحديث عن تجليات العولمة وعن آثارها لا يمكن أن ينفصل عن التساؤل حول: ما الذي يجري؟ عولمته؟ وبواسطة من؟ ولصالح من؟
فبعد سؤال: لماذا العولمة؟ لابد وأن يأتي سؤالان: ماذا أو كيف؟ وإذا كان أساتذة العلاقات الدولية الغربيون – سواء عند تحليل خصائص العلاقات الدولية، الراهنة (كما سبق ورأينا) أو عند تحليل العولمة – لم يبدُ جميعهم مأخوذين بالإيجابيات المرتقبة للعولمة، والتي يبشر بها الليبراليون الجدد أو أصحاب مقولة نهاية التاريخ، إلا أن انتقاداتهم تظل في نطاق النموذج الغربي ولو في شكل إعادة النظر في بعض أسسه، وخاصة مدى عالمية صيغ الديمقراطية واقتصاد السوق ومدى مصداقية نجاح انتشارها كشروط مسبقة للسلام والأمن الدوليين.
بعبارة موجزة، فإن الجانب الأول الذي يميز العلاقات الدولية في إطار العولمة الراهنة هو القناعة بأن العملية الجارية من التفاعل المتبادل والتأثير والتأثر واسعة النطاق بين أرجاء العالم، إنما تتم ليس نتيجة التطور التراكمي في عوامل هيكلية فقط ولكن تتم تحت قيادة وإدارة نموذج حضاري واحد، وبفاعلية قيادة أكبر قوة من قوى هذا النموذج أي الولايات المتحدة.
الملاحظة الثانية: يمثل صعود الأبعاد الاجتماعية الثقافية في تحليل العولمة إلى جانب الأبعاد السياسية والاقتصادية (كما سبق التوضيح) إضافة حقيقية في دراسة التغيرات العالمية خلال العقود الأخيرة. وكان لهذا الصعود عدة مدلولات من ناحية، وكان نتاج عدة تأثيرات من ناحية أخرى. فهو يعني أن الاختلاف حول العولمة ليس اختلافًا حول تجليات العملية فقط بقدر ما هو أيضًا اختلاف حول البعد القيمي لمضمون هذه التجليات وعواقبها. ولهذا فإن الجدال بين الاتجاهات الفكرية ‎والنظرية المختلفة (الواقعية الجديدة، الليبرالية الجديدة مثلًا) قد اكتسب أبعادًا قيمية واضحة. ولذا فإن عصر العولمة الراهن قد اقترن بإحياء البعد القيمي في الدراسات الدولية (مما يفسح المجال- كما سبق أن أشرنا -للاجتهاد من أجل تقديم ملامح رؤية إسلامية حول هذا الموضوع).
هذا ولا يجب الاعتقاد أن بروز الاهتمام بالأبعاد الثقافية الحضارية على صعيد دراسات التغير العالمي يكون منفصلًا عن الأبعاد السياسية والاقتصادية. بل إن هذا البروز ليس إلا تعبيرًا عن التفاعل مع السياسي والاقتصادي بل واتجاه السياسي والاقتصادي إلى توظيفه فعلى سبيل المثال، فإن الحديث عن الدمقرطة وحقوق الإنسان لا ينفصل عن الأبعاد الثقافية الحضارية، والحديث عن اقتصاد السوق والتكيف الهيكلي لا ينفصل بدوره عنها، فإن طبيعة المرحلة الراهنة من العلاقات الدولية والتي سبق تحليل خصائصها (الفواعل، القضايا، الأدوات، مستويات التحليل، أنماط التفاعلات، القوى والعوامل المؤثرة على هذه التفاعلات) تقدم الكثير من المدلولات بالنسبة لتفسير صعود الاهتمام بهذه الأبعاد الثقافية الاجتماعية، وبالنسبة لتفاعلها مع نظائرها السياسية والاقتصادية.
وبالرغم من هذا الحديث عن عدم الفصل بين الأبعاد الثلاثة إلا إنه يظل لوضع الأبعاد الثقافية خصوصية في هذه المرحلة، وخاصة بالنسبة لدول الجنوب وفي قلبها العالم الإسلامي. فبعد أن تحققت الهيمنة الغربية السياسية والعسكرية أولا، ثم الاقتصادية فلم يتبق إلا اكتمال الهيمنة على الصعيد الثقافي أيضًا. وإذا كانت أبنية الجنوب مازالت ممانعة للدمقرطة الغربية باعتبارها الشكل الوحيد للديمقراطية، وغير ممانعة للتبعية الاقتصادية، فإن الجبهة الثقافية مازالت تشهد مقاومة. ولكنها المقاومة التي تواجهها صعوبات جمة، ليس من أجل الدفاع عن الخطوط الأخيرة فقط، ولكن حتى لا يحدث الانسحاق الكامل، وحتى يحدث التجديد المطلوب.

المحور الثاني- وضع الإسلام والمسلمين في الفكر الاستراتيجي الغربي في نهاية القرن العشرين

من أطروحات صدام الحضارات إلى أطروحات التهديد الإسلامي

كشفت أطروحات التهديد الإسلامي للغرب وأطروحات صدام الحضارات في الفكر الغربي عن أهم التحديات الفكرية الراهنة التي تواجه العالم الإسلامي، والتي تنبني عليها التحديات الأخرى على مستوى السياسات. وإذا لم يكن هذا النمط من الفكر جديدًا على الرؤى الغربية تجاه عالم الإسلام والمسلمين، إلا أن نمط بروزه وطبيعة مقولاته الراهنة لتعكس ما وصلت إليه الأبعاد الثقافية الحضارية من أهمية في تشكيل هذه الرؤى، وما تنبثق عنها من سياسات.
بعبارة أخرى إذا كان التعامل مع الفكر الذي تطرحه هذه الأدبيات الغربية يكتسب أهمية خاصة نظرًا لطبيعة المرحلة التحولية التي يمر بها العالم وتمر بها العلاقة بين الإسلام والمسلمين والغرب، فمما لا شك فيه أن هذه اللحظة التاريخية ليست فريدة، ولكن كان لها سوابقها في التاريخ السياسي والتاريخ الفكري للعلاقة بين الطرفين. فإن الرؤى الغربية عن وضع الإسلام والمسلمين في العالم وعلاقتهم بالغرب قد تتابعت وتوالت عبر هذه المراحل، لتعكس طبيعة كل مرحلة من مراحل تطور هذه العلاقة (وبالمثل تطورت أيضًا الرؤى الإسلامية)؛ حيث كان لكل منها تجلياتها في كل مرحلة، والتي عكست درجات وأشكالًا مختلفة من التحديات لاستقلال الأمة ولقوتها ولوحدتها ولهويتها، ولقد اعتنت مصادر متنوعة بتقييم اتجاهات هذا التطور (7).
وكانت كل مرحلة من مراحل تطور العلاقة- ومن ثم تطور رؤية كل طرف عن الآخر- كانت ذات مدلولات بالنسبة لطبيعة إشكالية ” نحن وهم” لدى كل من طرفي العلاقة من ناحية، وبالنسبة لقنوات وآليات الاحتكاك والتفاعل بينهما سواء كان قتاليا أو سلميًا من ناحية أخرى. فإذا كانت المرحلة الأولى من المواجهة (حتى الحروب الصليبية) قد اتسمت بعدم اهتمام الطرف الأقوى(الإسلام) بالتعرف على أحوال الطرف الأضعف (الغرب)، فإن الأخير كان يجهل ماهية الإسلام ولم يكن يملك من الوسائل ما يمكنه من التعرف عليه. أما المرحلة الثانية التي حدث فيها الاحتكاك العضوي بين الطرفين- على أرض الإسلام- وذلك خلال الحملات الصليبية، فلقد عكست هذه الحملات رؤية الكراهية وعدم الاعتراف بالإسلام والعنف والتعصب تجاهه من ناحية- ولكنها كانت من ناحية أخرى البداية لإرساء قنوات وآليات أخرى غير الحروب لتعرف كل طرف على أحوال الطرف الآخر. ولذا، إذا كانت الحروب الصليبية قد فشلت في تحقيق أهدافها لمدة قرنين فإن أساليب أخرى أخذت في التطور حتى وصلت إلى مرحلة الاستعمار التقليدي للعالم الإسلامي. ففي ظل الاستشراق ثم السيطرة التجارية ثم السيطرة السياسية وصولًا إلى الاحتلال العسكري، كانت تتمدد جذور الفكر عن المركزية الأوربية من ناحية كما تتبلور ملامح تفوق المنظومة الرأسمالية الغربية العلمانية من ناحية أخرى. ولهذا بعد نظرة الاحتقار والدونية للغير، تبلورت نظرة التفوق والهيمنة على الغير، ولذا تبلورت التحليلات عن عبء الرجل الأبيض ومهمته في التمدين والحضارة والتي ارتكنت إليها بعض نظريات تفسير الاستعمار، كما تعاقبت تجليات النظرية الليبرالية. وبعد انتهاء مرحلة الاحتلال العسكري وبداية مرحلة الاستقلال الرسمي، لم يغفل الغرب عن تطوير آليات جديدة تدشنها وتبرزها رؤى أخرى تتفق وطبيعة المرحلة، وهي الرؤى عن ” التحديث” على النمط الغربي والتي لم تفرزها إلا تكريسا للتخلف وتعميقًا لروابط التبعية والتجزئة، الأمر الذي فجر رؤى مخالفة لدى المسلمين عن حقيقة هذا الغرب، الذي سعوا لديه من أجل نقل نماذج الإصلاح لعلاج التدهور في القوى (8). وبذا بدأت موجة من رد الفعل والاستجابة المضادة للانبهار السابق وللنقل السابق ولرغبات ” التوفيق” السابقة. وتمثلت تلك الموجة في حركات الإحياء أو الصحوة الإسلامية بروافدها المختلفة في النصف الثاني من القرن العشرين، وذلك في ظل توازنات قوى مادية شديدة الاختلال بين الطرفين لصالح الغرب.ولكن بقى للعالم الإسلامي بالرغم من السيطرة السياسية عليه، وبالرغم من التبعية الاقتصادية، وبالرغم من التجزئة السياسية، بقى لـه خط الدفاع الأخير الذي لو تم دعمه وتجديده لاستطاع المسلمون علاج خلل القوى المادية، ألا وهو البعد العقيدي والبعد الثقافي والحضاري. ولقد كان وضع هذين البعدين وما حاق بهما من تطورات وما قد يترتب عليهما من آثار موضع اهتمام الرؤية الغربية المعاصرة وجوهر انشغالها الراهن عند تحليل وضع الغرب في العالم ووضع الإسلام والمسلمين فيه في نهاية القرن العشرين. ولهذا أينعت الآن مقولات صدام الحضارات والتهديد الإسلامي.
وبعبارة أخرى، إذا كانت عوامل القوة المادية الشغل الشاغل للغرب خلال القرون السابقة من صراعه مع الإسلام والمسلمين، باعتبارها السبيل لتحقيق الأهداف المتصلة بالأبعاد غير المادية (الانتصار على الإسلام)، والتي هي في جوهر هذا الصراع وصميمه بالرغم من تغليفه (وفقًا للظروف) بأردية أخرى اقتصادية وسياسية أو أيديولوجية، إذا كان هذا هو الوضع السابق فإن طبيعة المرحلة الراهنة من العلاقات الدولية تدفع على السطح بأولوية الاهتمام بالأبعاد الاجتماعية- الثقافية الحضارية. ولهذا فإذا كان السؤال الكبير المطروح في الأدبيات الغربية في التسعينيات هو: هل العالم يدخل عصرًا جديدًا وما طبيعته؟ فإنه يتفرع عنه سؤالان لا يقلان أهمية في نظر الغرب ألا وهما: من ناحية، ما مستقبل الغرب وهيمنته على العالم بعد أن انتصر نموذجه السياسي والاقتصادي، ومن ناحية أخرى: ما مصادر الخطر الجديدة على الغرب بعد انتهاء التحدي الشيوعي؟ وما مصادر التهديد لـه؟ وكيف يستطيع التعامل معها؟ وفي قلب هذه المصادر نجد إنه يبرز في التحليلات- سواء كانت كلية أو جزئية- ما يتصل بوضع الإسلام والمسلمين ومستقبل علاقتهم مع الغرب، ليس على ضوء المتغيرات السياسية والاقتصادية والعسكرية المعتادة فقط ولكن على صعيد متغيرات الحضارة والثقافة أيضًا، بل يصبح مستقبل هذه العلاقة محكًا لمستقبل استمرار هيمنة نموذج الغرب الحضاري من عدمه في مواجهة احتمالات الصراع مع نموذج الإسلام الحضاري (بالرغم من كل ما يتسم به أصحاب هذا النموذج من ضعف مادي لا يقارن بقوة الغرب المادية).

أولًا- أطروحة صدام الحضارات

تقدم دراسات ثلاث (9) لهانتجتون رؤية ذات ملامح واضحة، وهي رؤية تقدم منظورًا حضاريًا وليس منظورًا سياسيًا أو اقتصاديًا فقط عن وضع الغرب العالمي وعلاقته بالغير، وخاصة عالم الإسلام والمسلمين.
وكانت الدراسات الدولية-سواء من منظور الفوضى الدولية أو منظور المجتمع العالمي- قد اجتمعا على اعتبار الجنوب ساحة صراع دولي أو باعتباره كيانا هامشيا، أو باعتباره مصدرًا أساسيًا من مصادر تهديد الشمال (النظم التسلطية، التسابق على التسليح، الفقر، والهجرة والأصولية الإسلامية والمخدرات). ثم تأتي دراسات هانتجتون لتقلب هذا الاتجاه الغالب طوال القرن العشرين عن علمنة العلاقات الدولية، ولتقدم إعلانًا عن بروز وتجدد الاهتمام بالأبعاد الثقافية الحضارية في فهم العلاقات الدولية وإدارتها، ولذا فلقد شهدت ساحة العلاقات الدولية الراهنة- أحداثًا ووقائع ومناظرات وسياسات عديدة ترجمت هذا البروز. ولم تعد أطروحات هانتجتون إلا قمة جبل الثلج العائم التي جذبت الأنظار وشحذت الجهود النظرية والمبادرات السياسية، وذلك في وقت كان النظام الدولي يشهد صراعات دموية كثيفة بين أقوام وعرقيات تنتمي إلى حضارات مختلفة، كما أخذ يشهد (كما سنرى) مجموعة من السياسيات الاقتصادية والعسكرية والثقافية التي تعكس محاولات إقرار هيمنة نموذج حضاري غربي على العالم. وها نحن الآن نعايش مرحلة ما بعد الهجمات على الولايات المتحدة في سبتمبر 2001 بكل دلالاتها الحضارية (كما سنرى).
وبدون الدخول في تفاصيل القراءة الذاتية لهذه الدراسات وأبعادها المنهاجية ونتائجها التراكمية ومدلولاتها بالنسبة لما تمثله من جديد في مجال نظرية العلاقات الدولية بمنظوراتها الغربية بالمقارنة بمنظور إسلامي في هذا المجال (10)، يمكن أن اقتصر على الملاحظات التالية:
1- ما الجديد في المقالة الأولى والثانية حتى تستثير كل هذا القدر من النقاش والجدل؟ قد تكون مفاهيم الحضارة والثقافة والهوية التي طرحها هانتنجتون قد أثارت النقد لعدم دقتها ولتداخلها، وقد يكون مستقبل العالم الصراعي بين “حضارات، ثقافات، أديان” لا تعرف العقل والرشادة بقدر ما تعرف التعصب للأنا ضد الآخر، قد يكون النموذج الذي يطرح هذا التصور مرفوضًا من أصحاب النماذج التعددية العالمية لتفسير السياسات الدولية الذين يعلون من الحوار والتعاون، وقد يكون ترشيح هانتنجتون للحدود الإسلامية كحدود دموية يتمحور حولها الصراع سواء في مستواه الكلي (بين حضارات) أو في مستواه الجزئي (بين دول من حضارات مختلفة) قد يكون هذا الترشيح أيضًا موضع هجوم من المدافعين الاعتذاريين عن الإسلام، نظرًا لما يحويه من اتهامات للإسلام والمسلمين، ونظرًا لتجسيده الإسلام كعدو المستقبل بالنسبة للغرب. وقد يكون تمثّل هانتجتون نموذج الحضارة الغربية حيث يدافع عن ضرورة استمرار قوته وقيمه ومصالحه هو موضع الهجوم والانتقاد الفلسفي من جانب هؤلاء الذين يتصدون لنقض الأسس الفلسفية والفكرية لهذا النموذج العلماني المادي ولرفض عواقبه على البشرية.
هذه جميعها- وغيرها بالطبع -كانت القنوات الكبرى التي جرى على صعيدها الجدل والنقاش حول أطروحة “صدام الحضارات. ولكنني على ضوء قراءة هذا الجدل، أظل مدفوعة للتساؤل ما الجديد في موضوعات هذا الجدل حتى يتصدر الاهتمامات على هذا النحو؟ وخاصة أن العديد منها قد سبق طرحه من قبل وفي دراسات لآخرين وفي مجالات معرفية مختلفة. فعلى سبيل المثال وكما أشار هانتنجتون نفسه نقلًا عن بعض المفكرين -ارتفع الاهتمام بوضع الدين والهوية ودورهما في المجتمعات وفي العلاقات الدولية في عالم ما بعد الحرب الباردة، وسجلت دراسات عديدة آثار الصراعات العرقية والدينية كمصادر لتهديد استقرار النظام الدولي الجديد، بل إن الأمثلة التي كان يقدمها من الأحداث والوقائع والتطورات لم تكف الدراسات الغربية وغير الغربية عن تحليلها ولو من منظورات مختلفة.
تبين نتائج هذه القراءة النقدية كيف أن هذه الأطروحات تمثل إقرارًا بأن الصراع هو منهج الغرب ذاته تجاه العالم وتجاه المسلمين بصفة خاصة؛ لأنه يرى فيهم وفي الإسلام تهديدًا ذا طابع خاص، وتنبع هذه الرؤية من كيفية إدراك الأبعاد الحضارية الثقافية الكامنة في الأمة الإسلامية.
2- وإذا كان البعض قد رفض أطروحات صراع الحضارات لأنها تقوم على منظور حضاري- وليس ماديًا- يفسح مكانًا للدين، وهو الأمر غير المعتاد من الفكر والتنظير الغربي في ظل “علمنة دراسة العلاقات الدولية”، إلا أن طرح “هانتجنتون” للعامل الحضاري كمحرك للعلاقات الدولية يعتبر تغييرًا جوهريًا في المنطلقات النظرية وهو الأمر الذي يقتضي التوقف عنده والتساؤل عن مبررات هذا المنحنى: هل يتصل بما أضحى يدب في الحضارة الغربية من ضعف وتآكل في القوة بالمقارنة بحضارات أخرى أخذت تستنهض قواها من جديد؟ وفي هذا الصدد نلحظ أن “هانتجنتون” في ختام تحليله لمبررات اهتمامه بالحضارات كمحرك للتفاعلات الدولية، يربط بين أثر زوال الأساس الأيديولوجى للصراع العالمى وبين جهود الغرب الرامية لدعم قيمه كقيم عالمية والحفاظ على هيمنته، العسكرية ودعم مصالحه الاقتصادية من ناحية، وبين تولد ردود فعل مضادة من قبل الحضارات الأخرى من ناحية أخرى.
3- في المقالة الأولى وتحت عنوان “خطوط التقسيم بين الحضارات”نجد أن النماذج والأحداث التي يشير إليها هانتجنتون لتوضيح المستويين من الصدام بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، وبين الأولى وحضارات أخرى-ليست إلا أحداثًا ووقائع درج المحللون على تفسيرها استنادًا إلى عوامل أخرى غير صدام الحضارات. ولهذا يتحدد السؤال: لماذا يسميها الآن هانتنجتون بمسماها الحقيقي الذي يصدق عليها من قبل؟ هل يعني هذا إنه بعد أن استنفد الغرب أرديته وأقنعته السياسية والاقتصادية وحقق من ورائها أهدافه لم يعد يبق له إلا القناع الحضاري؟ ألا يعني هذا أن هانتنجتون يشعر أن الهيمنة الغربية لن تكتمل بالهيمنة السياسية والاقتصادية فقط ولكن يلزم لاكتمالها الهيمنة الحضارية أيضًا وفي قلبها الهيمنة الثقافية؟ ومع هذا السؤال وفي هذا الموضع يتراكم مغزى أسئلة أخرى مناظرة سبق طرحها حول نفس المغزى والغاية للمقالة برمتها.
ومن ناحية أخرى: يذكر المؤلف أمثلة من الصدام والمواجهة -ولكن لا يحدد المسئول عن انفجارها. الغرب أم المسلمين، المسلمين أم شعوب أخرى. ولكن يورد خلاصتين لمفكر مسلم ولآخر مستشرق يهودي يقدمان نفس المعنى. فينقل عن أكبر أحمد قوله إن المواجهة التالية ستأتي حتمًا من العالم الإسلامي، إن الصراع سيبدأ من أجل نظام دولي جديد انطلاقًا من طغيان الموجة الكاسحة التي تمتد عبر الأمم الإسلامية من المغرب إلى باكستان”.
وينقل عن برناردلويس قولـه “إننا نواجه فراغًا وحركة يتجاوزان كثيرًا مستوى القضايا والسياسات والحكومات التي تنتهجها، ولا يقل هذا عن كونه صدامًا بين الحضارات، ربما غير رسمي، لكن لاشك في إنه رد فعل تاريخي لخصم قديم لتراثنا اليهودي -المسيحي، وحاضرنا العلماني، والتوسع العالمي لهما معًا “. إن الاستشهاد بهاتين المقولتين تعنيان – على ضوء تحليل هانتنجتون السابق لأحد أسباب صدام الحضارات وهو أن الغرب أضحى في أوج قوته – تعنيان أن الصدام إنما هو استجابة ورد فعل للتحدي المتمثل في القوة والتوسع الغربي العلمانى.
وأعتقد أن القراءة على هذا النحو لهذا الجزء من تحليل هانتنجتون قد يدفعنا إلى عدم الهجوم على مقولته عن الصدام بين الإسلام والغرب، كما فعلت بعض الانتقادات لنفس المقولة؛ دفاعا عن الإسلام؛ ورفضًا أن يكون الإسلام صراعيًا أو إكراهيًا أو عدوانيًا أو إرهابيًا، بل يمكن أن نتحول على ضوء هذه القراءة أيضًا إلى هجوم من نوع آخر على هيمنة الغرب ومظاهرها التي يقرّ بها ويعترف المؤلف بآثارها على الآخر كما سنرى لاحقًا. وبذا ننتقل من المواقف الاعتذارية التبريرية الدفاعية إلى الهجومية. فنحن لسنا مصدر التهديد، ولكننا نحن المعرضون للتهديد في حين أن استجابتنا ورد فعلنا هي التي تبدو مصدر “الصراع” وعدم الاستقرار من وجهة النظر الغربية.
4- وتحت العناوين الأربعة التالية في المقالة الأولى، “الغرب ضد الباقي”، “البلدان الممزقة “، “الصلة الكونفوشيوسية -الإسلامية “، “الآثار الضمنية بالنسبة للغرب”: تؤكد قراءتنا لتحليل هانتنجتون تحت هذه العناوين ما انتهينا إليه من قبل عن غير المعلن في هذه المقالة ومقصدها ومغزاها، ألا وهو تقرير هيمنة الغرب في صدام الحضارات، ومن ثم مسئولية هذه الهيمنة عن تفجير هذا الصدام من جانب الغير، ومن ثم تحذير الغرب وتنبيهه لضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد الآخر. وسيتضح لنا ذلك مما يلي:
من ناحية: تشخيص مظاهر ” أوج قوة الغرب ” العسكرية والاقتصادية والسياسية وآثارها، حيث يقول إن “.. القرارات (المؤسسات الدولية).. التي تعكس مصالح الغرب تقدم للعالم باعتبارها قرارات تعكس رغبات المجتمع العالمي.. والواقع (بعد ضرب مثالي حصار العراق وليبيا) أن الغرب يستغل المؤسسات الدولية والقوة العسكرية والموارد الاقتصادية لإدارة العالم بطرائق تحافظ على الهيمنة الغربية وتحمي المصالح الغربية وتدعم القيم السياسية والاقتصادية والغربية.. تلك هي على الأقل الطريقة التي يرى بها غير الغربيين العالم الجديد. وهناك قدر كبير من الحقيقة في هذا الرأي”.
ومن ناحية أخرى: هو يقرر أن مصدر الصدام بين الغرب والآخرين ليس اختلاف الحضارات أساسًا، ولكن اختلاف ميزان القوى والثقافة، فهو يقول”.. إن الفروق في القوة وإن الصراعات على القوى العسكرية والاقتصادية والمؤسسية هي أحد مصادر الصراع بين الغرب والحضارات الأخرى. وتمثل الاختلافات في الثقافة أي القيم والمعتقدات الأساسية مصدرًا ثانيًا للنزاع” فبدلًا من أن تصبح الحضارة الغربية كما يشير لها هانتنجتون حضارة كلية تناسب كل الناس، فإن الأفكار الغربية ليس لها جاذبية كبيرة في الحضارات الأخرى، بل أنتجت جهود الغرب لنشرها ردود فعل معادية؛ ولذا فهو يقول إن المرجح أن يتمثل المحور المركزي للسياسات العالمية في النزاع بين ” الغرب وبقية العالم وردود الحضارات غير الغربية على القوى والقيم الغربية”.
ومما لا شك فيه أن قراءة التحليل السابق يجعلنا نكرر ما سبق استخلاصه عن غير المعلن في دراسة هانتنجتون وهو أن مصدر التهديد بالصدام بين الحضارات هو هيمنة الغرب وقوته- وليس الحضارات الأخرى التي تقاوم التسويات على حساب مصائر شعوبها. بعبارة أخرى فإن محور السياسات العالمية المعاصرة ليس صراع القوى التقليدي أو الصراع الأيديولوجي، ولكن ردود فعل الحضارات غير الغربية على القوى والقيم الغربية الساعية للهيمنة. وتأخذ ردود الفعل هذه- كما يقول هانتجتون ثلاثة أشكال: الانعزال مخافة تسلل فساد الغرب وهو بديل ذو تكلفة عالية، الانتظام في قافلة عربات الفريق أي الانضمام إلى الغرب وقبول قيمه ومؤسساته، وأخيرًا محاولة موازنة الغرب بتطوير القوة والتعاون مع المجتمعات غير الغربية الأخرى ضد الغرب، أي باختصار التحديث من دون التغريب.
بعبارة أخرى فإن الذي يستوجب الاهتمام في فكر هانتجنتون هو المقولات الصريحة والواضحة والحاسمة حول الصدام بين الإسلام والغرب صدامًا حضاريًا دينيا،ً وحول التضامن بين شعوب الحضارة الواحدة في مواجهة الحضارات الأخرى، وحول سياسات الغرب المرتقبة في مواجهة الحضارات الأخرى وخاصة الإسلامية. ولكن هنا يجب ملاحظة أمر هام، فإن هانتجنتون لا يضع فقط الإسلام كعدو مرتقب للغرب، ومن ثم ينبري البعض للدفاع عن الإسلام، ولكن يبرز أيضًا ما يجب أن نفطن إليه بقوة، وهو كيف أن الغرب هو عدو الإسلام والمسلمين والحضارات الأخرى. حقيقة يسجل في مقالته الأولى-كما رأينا- وكذلك نجد في مقالته الثانية أكثر من تحذير للغرب بأن الآخر يصحو ولم يعد مفعولًا به بل أضحى في وضع الفاعل الذي يعود إلى جذوره، ويرغب في تشكيل العالم بطرائق غير غربية، ومن ثم يحذر هانتجنتون بأن هناك خطرًا ثقافيا يجئ من الجنوب ويحل محل التهديد الأيديولوجي الذي جاء من الشرق.
حقيقة نستطيع تسجيل هذا كله، ولكن ما نستطيع تسجيله بدرجة أكبر وأهم هو الإجراءات التي يوصي بها هانتنجتون لمواجهة هذا الآخر. وهنا مكمن التحدي الأساسي الذي تفصح عنه المقالة الأولى في أكثر من موضع منها، وبأكثر من تعبير صريح وحتى تصل إلى صفحاتها الأخيرة، فيتركز فيها جل التوصيات الموجهة للغرب لحماية نفسه.وهي توصيات مناظرة لتلك التي ختم بها دراسة ثالثة وهامة ركزت على أبعاد الوضع العالمي للثقافة الغربية، ومن ثم ينصح هانتجنتون الغرب أن يركز طاقاته على حماية نفسه وتدعيم صفوفه، وليس على السعي لنشر ثقافته لتصبح عالمية، وهو يقسمها إلى مجموعتين من النتائج:
نتائج قصيرة الأجل تدعو الغرب إلى تدعيم وحدة حضارته بين العنصرين الأوربي والأمريكي، وأن تدمج في الغرب مجتمعات البلدان الممزقة، والحد من توسع القوة العسكرية للدول الإسلامية والكونفوشية، والحفاظ على التفوق العسكري الغربي، واستغلال الخلافات والنزاعات بين الدول الإسلامية والكونفوشية، ودعم المجموعات الحضارية الأخرى المتعاطفة مع القيم والمصالح الغربية، وتقوية المؤسسات الدولية التي تعكس المصالح والقيم الغربية. أما مجموعة النتائج طويلة الأجل فهي تفترض من الغرب استراتيجية أخرى للتعامل مع الحضارات غير الغربية التي تحاول التحديث دون التغريب؛ حيث سيتعين على الغرب أن يتراضى مع هذه الحضارات الحديثة غير الغربية التي تقترب قوتها من قوته، ولكن مع احتفاظ الغرب بالقوة الاقتصادية والعسكرية الضرورية لحماية مصالحه في مواجهة هذه الحضارات.
5- هذا وتأتي الدراسة الثالثة لهانتجتون (الغرب متفرد وليس عالميًا). لتحقق تراكما يزيد الصورة وضوحًا، فهي تقدم تحليلًا للأسس الفلسفية والفكرية التي يرى الغرب بناء عليها نفسه متفردًا. وهنا يكمن مناط ما سبق وإدراكه هانتجتون كمحرك للعلاقات الدولية أي صدام الحضارات. فالحضارات تتصادم في نظرة لأنها مختلفة ولآن الغرب متفرد عليها وأن لم يكن عالميًا. ولهذا فإن هذه الدراسة تحت عنوان ” تعزيز الغرب” تقدم نصائح أخرى مكملة للنصائح في الدراسة الأولي ومفادها باختصار هو: أيها الغرب قد لا تكون ثقافتك عالمية ولكن يجب أن تظل الأقوى. بعبارة أخرى إذا كان لابد وأن يكون هناك صدام للحضارات، فليستعد الغرب لهذا الصدام وليس فقط بإجراءات تجاه الحضارات الأخرى، ولكن أيضًا بإجراءات تتصل بدعم قوته ووحدته في مواجهة الآخر.
فهو يقول بداءة:” لقد حان أوان تخلي الغرب عن وهم العالمية، وأن يدعم قوة وتماسك حضارته في عالم الحضارات. إن مصالح الغرب لن تتحقق بالتدخل السافر في خلافات الشعوب الأخرى.. في عالم متعدد الأقطاب والحضارات تكون مسئولية الغرب هي تأمين مصالحه الخاصة، لا أن يدعم مصالح الشعوب الأخرى، ولا أن يحاول إنهاء الصراعات بين الشعوب الأخرى عندما تكون الصراعات ذات أهمية ضئيلة أو عديمة الأهمية للغرب “.
هذه هي النصيحة الأولي وهي تنتمي إلى المدرسة الواقعية، وليس مدرسة الاعتماد المتبادل، ولعلها تمس لدينا معضلة من أكبر معضلات العقل المسلم الراهن، ألا وهي اتهام الغرب بالإمبريالية، وفي نفس الوقت الالتجاء إليه كالمنقذ في الصراعات المختلفة. بعبارة أخرى، إذا لم تكن قيم الغرب مقبولة وإذا كانت قوته تتراجع، فلماذا الدعوة إلى تدخله في صراعات لا تعنيه مباشرة؟ ولماذا لا نأخذ في الاعتبار إنه قد يكون تفجير أزماتنا بل وتصميمها في الخارج هي إحدى استراتيجيات الغرب للحفاظ على مصالحه؟
أما النصيحة الثانية التي يقدمها هانتجتون فهي:
وحدة الغرب ودعمه وتجانسه في مقابل إغلاق باب المناورة أمام القوى غير الغربية؛ لأن الحفاظ على وحدة الغرب أمر جوهري لإبطاء انهيار التأثير الغربي في العلاقات الدولية. فطالما بقي الغرب متحدا ًسيظل لـه حضور هائل في المشهد العالمي، وبانقسامه سيكون مهيئًا لجهود الدول اللاغربية لاستغلال اختلافاته الداخلية (لاحظ أن هذه الدعوة لوحدة الغرب يقابلها كوجه آخر للعملة تفجير الآخرين وتفكيكهم طالما هم مصدر تحدٍ، وطالما لا يمكن اندماجهم) ولذا فإن النصيحة الثالثة لتعزيز تماسك الغرب تعني لدي هانتنجتون إجراءين: صون الثقافة الغربية داخل الغرب، تعيين حدود الغرب”. والإجراء الأول يتطلب التحكم في الهجرة من المجتمعات اللاغربية مع تأمين استيعاب المهاجرين في الثقافة الغربية. أما الإجراء الثاني فيتصل بالناتو الذي يصفه هانتنجتون بأنه منظمة أمن الحضارة الغربية وأن هدفه الأول هو الدفاع عن تلك الحضارة وحمايتها.
إن فكر هانتنجتون يعبر بقوة عن المسكوت عنه في الخطاب الرسمي الغربي المعلن تجاه الإسلام والمسلمين، والذي تعلن عنه بقوة السياسات الغربية. تلك السياسات التي تترجم التحديات التي يفرزها هذا الفكر الصدامي والتي تتشح بالعنف الهيكلي. وتتعدد أدوات الأخير وتتخذ أشكالًا جديدة تتخطى أساليب العنف التقليدية السابقة العسكرية منها والاقتصادية والسياسية، وتمتد إلى أخرى ذات أبعاد ثقافية حضارية واضحة تصل إلى وضع أسس جديدة لتقسيم العالم ذات طابع حضاري واضح.

ثانيًا- الاتجاهات الفكرية- السياسية الغربية حول ” التهديد الإسلامي” للغرب

وهي الاتجاهات التي تنقسم بينها الأدبيات التي تتصدى لبيان كيف يدرك الغرب الإسلام والمسلمين؛ إثباتًا أو دحضًا لصحة مقولة التهديد الإسلامي للغرب في مرحلة العقدين الأخيرين من القرن العشرين. وهي المرحلة التي ترتبط بتصفية الحرب الباردة وما بعد انتهائها، كما ترتبط بخبرة الصحوة الإسلامية في النصف الثاني من القرن العشرين. وبالنظر إلى عدة نماذج من الأدبيات المعينة بهذا الأمر(11)، وبدون الدخول في تفاصيل تحليلها المقارن(12)، يمكن أن نسجل المجموعتين التالتين من الملاحظات:
المجموعة الأولى ملاحظات منهاجيه:
فمصادر ذلك ” التهديد الإسلامي” محل الاهتمام، قد تكون حكومات بعض الدول الإسلامية، أو الحركات الإسلامية أو الجماعات المسلمة في الغرب. هذا ولقد تعاملت الأدبيات مع ” الإسلام” إما بوصفه ظاهرة سياسية- اجتماعية وليس كدين يعكس أبعادًا إيمانية وقيمية وثقافية أساسًا، أو إطارًا مرجعيًا لمجالات الحركة والفكر المختلفة، أو قوة ذات أبعاد عقدية ثقافية حضارية وليس قوة سياسية اقتصادية فقط. كذلك تفاوتت التحليلات من حيث موقفها من وزن البعد الثقافي الحضاري في تفسير الصحوة الإسلامية، ومن ثم طبيعة ما تمثله من تهديد للغرب.
ومن ثم فنجد البعض -مثل المستشرقة الألمانية الشهيرة آن شميل(13)يرجع العداء للإسلام والمسلمين إلى الجهل الذي يورث الكراهية والبغضاء؛ لأن عدم المعرفة ينجم عنه الخوف، ومن ثم ترى أن الجهل الذي تتناول من خلاله العديد من الدراسات الغربية الإسلام يؤدي بهذه الدراسات إلى نوع من الإسقاط الذاتي على ما يقومون بدراسته، فيصفون الإسلام بأشياء من جنس تصوراتهم ومعتقداتهم الخاصة وليس من جنس المعرفة الحقيقية الصحيحة بالإسلام. وهو الوضع الذي تكرر بصور مختلفة من العصور الوسطى إلى القرن 19وإلى القرن20. وفي المقابل فإن البعض الآخر لا يفسر ” العداء للمسلمين ” بالجهل بالإسلام أو بالعداء للإسلام أو بالجذور التاريخية للمواجهة بين الغرب والإسلام، ولكن يفسره ويرجعه ويربطه بالمصلحة السياسية ومتطلبات الحركة لحمايتها، حيث إن صناعة صورة الإسلام والمسلمين المشوهة إنما تهدف أول ما تهدف إلى تبرير سياسات معينة قائمة. وعلى جانب ثالث – كان ثمة دراسات جادة وواعية بحقيقة الشأن الإسلامي، تتناول الظواهر بالتحليلات المتوازنة التي لا تنطلق من التزام مسبق بصورة ذهنية عن الإسلام، كما لا تبحث فقط عن آثار الاعتبارات المصلحية الواقعية البراجمتية، ولكن تنطلق من النظرة المتكاملة للإسلام باعتباره ظاهرة سياسية -اجتماعية وظاهرة دينية ذات أبعاد عقدية ثقافية حضارية متميزة.
ومن أجل توضيح الفارق بين هذه النماذج الثلاثة -المشار إليها عاليا- (درجة فهم الإسلام أو الجهل به، تغليب عامل المصالح السياسية، وزن العامل الثقافي) نحيل إلى خطاب لفرنسوا بورجا(14). فلقد أشار إلى أن ظاهرة صعود الحركة الإسلامية كقوة سياسية داخل المجتمعات العربية إنما يمثل الحركة الاستقلالية على الصعيد الرمزي الدلالي الثقافي، كامتداد لمرحلتين سابقتين من الحركة الاستقلالية على صعيدها السياسي أولًا ثم الاقتصادي ثانيا. ثم أشار إلى أن رد فعل الغرب تجاه الحركة الإسلامية هو نفس رد الفعل تجاه الحركة الاستقلالية في الخمسينات، إلا إنه استدرك لتوضيح ما للبعد الثقافي الدلالي من مغزى وخصوصية على صعيد العلاقة بين الغرب وهذه الحركات الاستقلالية. وهو في هذا الاستدراك التوضيحي أحال إلى حديث لـه مع “طارق البشري ” مفاده إنه إذا كانت حركات الاستقلال العربية قد استخدمت مصطلحات ثقافة الغرب للتعبير عن أفكارها، ولذا وجدت جزءًا من أجزاء المشهد السياسي الغربي يتعاطف مع أطروحتها، سواء كانت تلك الحركات الاستقلالية يسارية أم قومية أم شيوعية أم مسيحية، إلا إنه حين بدأت الحركة الاستقلالية تنتقل إلى الصعيد الثقافي الدلالي وتستخدم مفردات مستقلة لا تنتمي إلى ثقافة الغرب بروافدها المختلفة، توقف ذلك التعاطف فورا،ً بل حتى انعدم وجود جزء يتفهم على الأقل تلك الحركات التي أضحت تمثل تهديدًا لسيطرة النظام الرمزي الغربي طوال القرن العشرين. بعبارة أخرى: فإن بورجا(15) يفسر الظاهرة الإسلامية بأنها تعبير عن ديناميكية تتعلق أساسًا بالهوية، تواصل على الساحة الثقافية والإيديولوجية والرمزية ديناميكية القضاء على الاستعمار القديم. ولذا فهو يرى أن عملية إعادة أسلمة نظام التصورات أو القيم الثقافية في جنوب المتوسط عملية طبيعية وليست أمراضًا اجتماعية؛ لأنها عملية تندرج في إطار الديناميكية القومية أو توجه الهوية الذي ترد به المجتمعات على صدمة الهيمنة السياسية الأوربية، بعد الاعتناق الثقافي لمبادئها، وبعد إضفاء الطابع الأثري على عالم رموز الثقافة الإسلامية، والتي تفككت تحت وطأة تلك العملية. ومن ثم، فإن هذا التوجه الذي يمثله نموذج خطاب بورجا إنما يحوي حجج الرد على النخب الغربية والنخب العربية العلمانية التي تتعمد استبعاد الأبعاد المتعلقة بالدين والهوية والإحياء الحضاري في تفسير الظاهرة الإسلامية، وفي الاقتراب من المبررات الغربية لما يسمى “التهديد الإسلامي”.
بعبارة موجزة فإنه إذا كانت الدراسات الغربية في تناولها للعلاقة بين الغرب والإسلام -تتنوع في اقتراباتها – فإنه لا يمكن أن نغفل تقدير ما أضحى لوزن الأبعاد الثقافية -الحضارية من تميز وحضور في دراسات المرحلة الراهنة. وهو الأمر الذي لابد من تسجيله في هذا الموضع من الدراسة امتدادا لما سبق تسجيله عن وزن هذه الأبعاد أيضًا، وتمهيدًا آخر لما سيرد في المحور الثالث ثم المحور الرابع عن تحدي السياسات الغربية وعن ردود الفعل الإسلامية لهذه التحديات قبل وبعد أحداث سبتمبر.

المجموعة الثانية من الملاحظات تتصل بنتائج التحليل المقارن:
حيث يمكن التمييز بين اتجاهات كبرى ثلاثة: ذلك الذي يرى في الإسلام والمسلمين تهديدا ًخطرًا على الحضارة الغربية وعالم سياسة الغرب ومصالحه، وذلك الذي يرفض وجود هذا التهديد (إما استخفافًا أو إنصافًا)، وأخيرًا ذلك الذي يرى أن للعملة وجهين غير منفصلين، لأن الأمر لا يقتصر على السؤال: هل هناك خطر من جانب الإسلام والمسلمين؟ ومن ثم هل هذا الخطر يفسر التحديات المفروضة على الغرب في علاقته مع عالم الإسلام والمسلمين؟
ومن واقع التحليل المقارن بين مضمون النماذج الممثلة لهذه الاتجاهات، وذلك من حيث تحديدها لمصادر التهديد وأشكاله ودوافعه وعواقبه، نستطيع أن نوجز النتائج التالية:
أن الأدبيات في مجملها قد تنوعت من حيث التركيز على أحد مصادر ثلاثة لإيناع فكرة “الخطر الإسلامي”. وهذه المصادر هي: الإرث التاريخي للعلاقة بين الإسلام والغرب، طبيعة الظرف الدولي الراهن بعد نهاية الحرب الباردة، وأخيرًا طبيعة مواقف وسياسات الطرف الغربي والطرف الإسلامي سواء حكومات أو حركات إسلامية.
ومن ناحية أخرى: انقسمت هذه الأدبيات بين اتجاهين كبيرين: اتجاه يقول بوجود خطر إسلامي، والآخر يدحض هذه المقولة. وترى الأدبيات الممثلة للاتجاهين أن القائلين بالتهديد الإسلامي ينتمون لروافد مختلفة من داخل الغرب ذاته، ومن داخل الدول الإسلامية ذاتها (النظم والنخب العلمانية)، وتتمحور مصادر التهديد الإسلامي – لدى الاتجاه الأول- حول ثلاثة أبعاد تتعدد المؤشرات عن كل منها.
وهي البعد السياسي (الثورة الإيرانية، السودان، التحالف السوداني الإيراني، الإرهاب..)، والبعد الثقافي بمعنى التهديد لقيم الغرب وثقافته وحضارته في أسسها المختلفة، وأخيرًا البعد الديموجرافي المتمثل أساسًا في وجود المسلمين في الغرب.
أما أصحاب الاتجاه الثاني الذي يدحض مقولة “التهديد الإسلامي ” فإن تحليلاتهم تستند في مجملها إلى مجموعة من المؤشرات والمبررات التي تدور حول ما يلي:
1- فكرة “الإسلام الموحًّد” هي خرافة لا مكان لها على أرض الواقع؛ حيث إنه ظاهرة فسيفسائية ولا يعدو أن يكون رابطًا نوعيًا أكثر من كونه مصدر لقوة سياسية، ومن ثم فإن مسألة التكتل الإسلامي المتناغم هي مجرد أسطورة متكررة
2- الإسلام حاليا هو الذي يقف موقف المدافع سواء في البلقان أو القوقاز أو وسط آسيا أو الهند أو إسرائيل، وفي دول أوربا الغربية. ومن ثم فإن الخطر القائم ليس الخطر من الإسلام ولكن الخطر على الإسلام.
3- عدم حاجة الغرب لابتكار عدو جديد عقب إنهيار الاتحاد السوفيتي، فالرأسمالية هي قوة توسعية تسعى لإخضاع العالم كله لسيطرتها وإجباره على تقليد الغرب في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
4- التقليل من وزن الإرث التاريخي كمصدر للنزاع؛ نظرًا لتزايد تأثير اعتبارات الواقع الراهن في تجديد هذا النزاع، سواء الاعتبارات المتصلة بسياسات الدول الغربية نفسها تجاه المسلمين والتي يتولد عنها كثير من الإحباط والرفض والهجوم والاتهام للغرب، أو سواء الاعتبارات المتصلة بالواقع الراهن لنظم وحكومات بعض الدول الإسلامية التي تصارع بعضها البعض، أو التي تشارك الغرب التحذير من مخاطر “الأصولية الإسلامية”.
5- مناقشة موقف الإسلام من قضايا محورية كالديمقراطية وحقوق الإنسان والتسامح والعنف. وحول هذه المناقشة يتجسد لنا الفارق بين رافدين أساسين من الاتجاه الذي يدحض مقولة “التهديد الإسلامي”. الرافد الأول (فريد هاليداي) لا يعكس فهمًا منضبطًا للإسلام، على عكس الرافد الثاني(اسبوسيتو، بورجا). فيرى الأول أن الإسلام لا يمثل أيديولوجية عالمية قوية، وإنه مجموعة من النصوص التي تحوي دائرة متسعة من الإمكانات والاستخدامات المتاحة، مما يتيح اختيارًا حسب الطلب للإجابة على الأسئلة الأساسية في السياسة والمجتمع؛ ولذا تختلف الإجابات باختلاف الزمان والمكان. وبناء على هذه الرؤية للإسلام يذهب هذا الرافد إلى أن الإسلام ذاته لا يشرح سبب ما يعتقده المسلمون في أمور كثيرة مثل الاقتصاد والحكم ووضع المرأة.. بعبارة أخرى يعني هذا الرافد إنه لا جدوى من البحث في موقف الإسلام من هذه القضايا؛ لإنه لا توجد إجابة إسلامية واحدة من نصوص الإسلام ولكن هناك إجابات متعددة يضعها المسلمون. ومما لا شك فيه أن هذه الرؤية تعكس جهلًا واضحًا بحقيقة الإسلام كإطار مرجعي، ومن ثم نفيها لوجود “تهديد إسلامي” إنما هو من قبيل الاستخفاف، وهو الأمر الذي لا يصل إليه الرافد الثاني في رؤيته لنفس هذه الأبعاد.

المحور الثالث- السياسات الغربية والعالم الإسلامي مصادر التحديات ومجالاتها

القواسم المشتركة بين المناطق:
وإذا كان تشخيص وتنظير أوضاع نهاية القرن العشرين تضعنا أمام خصائص ووقائع لا يمكن إنكارها كتجليات للعولمة على صعيد الاقتصاد والسياسة والاتصال، وإذا كان تحليل الأطر الفكرية الغربية التي أحاطت بهذه الخصائص قد أفصح عن الاتجاهات الكبرى للأيديولوجيا التي تحكم عملية العولمة باعتبارها عملية إرادية تقودها وتؤثر على تفاعلاتها الولايات المتحدة الأمريكية، فإن المستوى الثالث الذي لا يكتمل إلا به فهم أبعاد عملية العولمة في تجلياتها المختلفة هو مستوى السياسات: أي سياسات القوى التي تقود هذه العملية، والتي تعكس أهدافها، وأدوات تحقيق مصالحها. ويتجسد في هذا المستوى الثالث أي السياسات: مصادر التحديات التي تواجه العالم الإسلامي في نهاية القرن العشرين.
ومن ثم فإن التغيرات النظمية وطويلة الأجل (فواعل دولية جديدة، قضايا عالمية جديدة، ثورة معرفية ومعلوماتية، اقتصاد عالمي …) وكذلك التغيرات في توزيع القوى العالمية وفي آليات إدارة العلاقات الدولية، جميع هذه التغيرات تضع جميع دول العالم أمام تحديات متجددة. تتلخص في التحديات التي تفرضها الأبعاد الثلاثة الكبرى لعملية العولمة: تحديات عولمة الرأسمالية، تحديات عولمة الديمقراطية وحقوق الإنسان، تحديات الثورة المعلوماتية والاتصالية. وحيث إن العولمة – كما سبق التوضيح – هي عملية إرادية تقودها الولايات المتحدة ومن ثم فإن محتوى أبعادها الثلاثة لا ينفصل عن مضمون النموذج الغربي الرأسمالي (المعرفي، الحضاري، السياسي،) لذا فإن استراتيجيات القوى الكبرى وسياساتها -إنما تجسد بصورة محددة مصادر التحديات التي تواجه الدول الإسلامية. ولقد عكست مؤتمرات العولمة خلال التسعينات مجالات هذه التحديات ومصادرها الأساسية. فما هي إذن هذه السياسات؟
بالنظر إلى مجموعات من الأدبيات المتنوعة الاقترابات من أوضاع الجنوب والعالم الإسلامي في ظل التحولات العالمية وفي إطار السياسات الغربية (16) وبالنظر أيضًا إلى أبعاد الاستراتيجية الأمريكية العالمية ووضع العالم الثالث (17) فيها يمكن أن نستخلص مستويات أو دوائر جرت فيها هذه السياسات بآثارها على العالم الإسلامي في مجموعه. ومن ثم فهي التي ينبع منها مصادر ومجالات التحديات العامة لهذا العالم.
وهذه المستويات الخمسة من السياسات هي:
السياسات في النطاق الحضاري الثقافي والمتصل بمنظومة القيم، السياسات في نطاق القوة العسكرية والأمن التقليدي، وفي نطاق القوة الاقتصادية، وفي نطاق الصراعات المسلحة التي تندلع على أراضي الدول الإسلامية وفيما بينها، وفي نطاق الأقليات المسلمة.
وتنطلق هذه المستويات الخمسة من مقولة أساسية من ناحية، كما يثير تحليلها بعض الإشكاليات المنهاجية من ناحية أخرى، كما يعكس مضمونها ومحتواها سمة أساسية وهي تصاعد وزن البعد الحضاري الثقافي العقدى إلى جانب الأبعاد السياسية، الاقتصادية العسكرية التقليدية وعلى نحو انعكس على طبيعتها الراهنة.. كيف؟
1- وتتلخص هذه المقولة كالآتي:
إذا كانت دراسة مراحل تطور التاريخ الإسلامي الدولي -خلال القرنين الماضيين – قد بينت كيف أعيد تشكيل أوضاع دوله وتوازنات مناطقه في ظل التحولات الدولية الكبرى، فإنه في هذه المرحلة التحولية الراهنة – في نهاية القرن العشرين – شهد وضع الدول الإسلامية مفترق طرق جديدًا؛ حيث يتعمق من خلال مجموعة متطورة من الأدوات التدخلية: تأثير النظام الدولي على السياسات الداخلية وعلى التفاعلات الإقليمية على نحو يوضح أن هناك نمطًا من التأثيرات الخارجية على مناطق العالم الإسلامي من شأنها إعادة تشكيلها على أسس جديدة تمثل تحديات خطيرة على مصالح الأمة في مجموعها (القوة، الوحدة، الاستقلال) وتستوجب تنظيم استجابات في مواجهتها.
ومن الملاحظ أن هذه المقولة تضع الخطوط تحت “أدوات، تأثيرات، أهداف (إعادة تشكيل) سياسات القوى الخارجية تجاه العالم الإسلامي في مجموعه.
هناك حاجة ماسة إلى استقصاء هذه السياسات (بأدواتها وأهدافها وتأثيراتها) في إطار مقارن يجمع بين مناطق العالم الإسلامي أو بين دوله الكبرى على الأقل، على نحو يساعد على ترجمة التوجهات العامة التي تطرحها الدراسات العامة إلى نتائج أكثر تحديدًا تقوم على دراسات تستقرئ واقع الحالات والمناطق المختلفة والتفاعل بينها للوصول إلى تعميمات أكثر دقة حول التحديات التي تواجه الأمة في مجموعها.

2- وتثير هذه المستويات من السياسات الإشكاليات التالية:
من ناحية بالنظر إلى هذه المستويات الخمسة، نجد إنها تطرح التفاعل التبادلي بين ثلاثة مستويات تحليلية: الداخلي في الدول الإسلامية، والعلاقات بين المسلمين، والعلاقات الخارجية للمسلمين. ولذا تتقاطع هذه الدوائر في مناطق مشتركة. ومن هنا أجد أهم صعوبات عرض هذه المجموعات من السياسات واستخلاص ما تثيره من تحديات. فمثلًا: تحديات العلاقات الإسلامية – الإسلامية (وخاصة علاقات الأركان، مصر، إيران، تركيا) لا تنفصل على الإطلاق عن علاقات كل منها مع الدول الأخرى.
بعبارة أخرى أيضًا، فإن التحديات الخارجية ليست منفصلة عن الداخلي، فالتحديات الخارجية هي تحديات تتجه إلى الداخل وبأدوات متنوعة ومتعددة. وهذا هو قمة التحدي الذي تواجهه الدول الإسلامية الآن. أي أن الأوضاع الداخلية مفتوحة أمام التدخلات الخارجية تحت أقنعة ومسميات مختلفة، ولكنها ليست إلا أدوات للسياسات الخارجية أضحت تمثل درجة ما وصل إليه اكتساح الخارجي للداخلي (مثلا: الأقليات غير المسلمة، ودعم قوى المعارضة العلمانية، العقوبات والحصار، والإعلام الفضائي والإلكتروني)، وذلك في وقت أضحي الداخلي مساحة مفتوحة لهذا الاكتساح.
ومن ناحية أخرى: إن تناول التحديات الخارجية النابعة من السياسات الغربية إنما يثير في الواقع إشكالية العلاقة بين المجتمع والدولة من ناحية، وإشكالية الاختلاف بين الدول الإسلامية من ناحية أخرى.
فيجب علينا التمييز بين دول وحكومات قائمة تتكيف مع سياسات الغرب ولا تعاديه، وبين دول حكومات محاصرة. ومن ثم فإن التحديات التي تواجه كلًا منها مختلفة في الطبيعة والحجم. فالتحديات التي تواجه إيران تختلف عن التحديات التي تواجه تركيا أو مصر من زوايا محددة، وإن كانت مصر وإيران مثلًا تواجهان قواسم مشتركة من تحديات أخرى (مثلا: القيود على التسليح).
كما يجب علينا التمييز بين التحديات التي تواجه حكومات دول إسلامية، وبين التحديات التي تواجه الحركات الإسلامية بروافدها المختلفة، والتي تنبع من هذه الحكومات ومن الغرب على حد سواء.
ومن ناحية ثالثة: يفرض أيضًا الاقتراب من “السياسات الغربية ” باعتبارها مصادر للتحديات أمام العالم الإسلامي إشكالية تحديد سلم الأولويات: من حيث درجة ونطاق الآثار وخطورتها، ومن حيث طبيعة الأدوات التي توظفها القوى الخارجية (من صميم الداخل، أو البيني، أو الخارجي البحت): فمثلًا: سياسات التفكيك الداخلي، سياسات الأزمات الإقليمية، سياسات قيود التسليح، سياسات الاندماج في اقتصاد العولمة.. هل تستوي أولوية خطورة آثارها؟ وكذلك هل يستوي: التدخلات العسكرية المباشرة، مع الضغوط الاقتصادية، مع دور القوى المعادية المتحالفة ضد الأمة (الهند في مواجهة باكستان، إسرائيل في مواجهة العرب، الصرب في مواجهة مسلمي البلقان، اليمين المتطرف في مواجهة مسلمي دول غرب أوربا)؟
ومما لا شك فيه أن الخيارات لابد وأن تختلف من منطقة إلى أخرى، ومن حالة إلى أخرى، ومن هنا أيضًا تبدو ضرورة الانتقال من القواسم المشتركة إلى أنماط متنوعة عند الحديث عن تحديات خارجية سياسية للعالم الإسلامي. فعلى سبيل المثال: قيود التسليح على مصر-الآن – لا تقاس بأولوية التهديد المثار من خلال توظيف “المسألة القبطية ” في مصر الآن، كذلك فإن تحديات العولمة للهوية تمثل همًا مشتركًا ولكن تختلف درجة الاعتراف به من دولة إلى أخرى.
ومن ناحية رابعة: فإن إشكالية “المؤامرة” على الإسلام والمسلمين تفرض نفسها على كل دارس مسلم للسياسات الغربية تجاه مناطق العالم الإسلامي المختلفة. ومن ثم فإن تحليل سياسات الغرب التراكمية في المجالات الخمسة السابق تحديدها يمكن أن تساعد على إدارة هذه الإشكالية المتصلة بكيفية إثبات حقيقة المؤامرة وأبعادها. ذلك لأنه إذا اكتفينا بالقول بالمؤامرة فهذا يعني تقييد إرادة الفعل والمبادرة الذاتية طالما نحن لسنا إلا ضحية لمؤامرة، في حين أن ما يفعله الغرب تجاهنا -كما يقول أستاذنا د. محمد عمارة – ليس إلا حراسة تخلفنا.
3. تصاعد إشكاليات العلاقة بين السياسي- الاقتصادي- العسكري وبين الحضاري الثقافي العقدي:
لم تكن الغاية النهائية للهجمة الغربية في العصر الحديث، منذ بدايتها وفي تطورها متحالفة مع الصهيونية، تتمثل في السيطرة على الأرض والثروة فقط، ولكن أيضا إسقاط النموذج واستبداله. ولذا تحالفت الأدوات العسكرية والاقتصادية مع نظائرها الثقافية – الحضارية لتحقيق هذه الغاية النهائية عبر مخطط استراتيجي تتوالى تكتيكاته على الساحات المختلفة للمواجهة: السياسية، العسكرية، الاقتصادية والثقافية –الحضارية.
فإذا كانت الهجمة الأوربية الحديثة على عالم الإسلام منذ القرن السادس عشر قد بدأت مع الكشوف الجغرافية، ثم تطورت أشكالها وآلياتها وأهدافها من السيطرة التجارية إلى التدخلات السياسية إلى اقتطاع الأطراف إلى الهجوم على القلب، ثم استكمال احتلال أراضي المسلمين وتجزئتها، فإن الأداتين الاقتصادية والعسكرية قد لعبتا الدور الأساسي خلال القرون الأربعة الأولى منذ بداية الهجمة، وذلك لتحقيق الدوافع والأهداف الاقتصادية والسياسية للقوى الأوربية البازغة على الساحة العالمية، بالسيطرة على الأرض والثروة. ولم تنفصل هذه القاعدة عن الغاية النهائية أي الانتصار على “النموذج ” في الإسلام أي الانتصار على “العقيدة” في الإسلام، تلك العقيدة التي هي للأمة بمثابة الروح والقلب للجسد، ومن ثم فهي تنعكس على صميم الخصوصية الإسلامية المشتركة الحضارية والثقافية للشعوب الإسلامية.
ولذا، ونظرًا لأن البعد الحضاري –الثقافي –العقيدي يعد بعدًا محوريًا في صراع القوى، ففيه تكمن المداخل إلى ساحات الصراع الأخرى، وإليه ونحوه تصب نتائج الصراع في هذه الساحات الأخرى، لهذا كله فلقد شهدت المراحل المتتالية من الهجمة الأوربية الحديثة توظيفا لأدوات ثـقافية –حضارية (الاستشراق، التبشير، المدارس الأجنبية..) لتمهد للأداتين الأخريين وتدعم من تأثيرهما، وذلك بتوفير النخب المتعاونة وتهيئة الأطر المناسبة للحركة تحت مسميات الإصلاح والتحديث والتنوير. حقيقة كانت حالة القوة والعقل لدى المسلمين قد وصلت لدرجة من التردي مكنت الآخر من عالم المسلمين، ولكن الحاجة للإصلاح والتحديث والتنوير كانت من داخل النموذج لتجديده، وليس لاستبداله بنموذج آخر يسعى إلى الهيمنة والسيطرة باستبعاد وإقصاء وتشويه بل وتصفية النماذج الأخرى بكل وسائل القسر والإكراه التي تنبثق عن القوة المادية.
والآن، وفي نهاية القرن العشرين وفي قلب المرحلة الراهنة من التحديات التي تواجه عالم المسلمين يحتل البعد الثقافي – الحضاري مرتبة متغيرة.
فلقد أضحت ساحة الثقافة – والحضارة آخر ساحات الهجوم “علنيًا” وآخر خطوط دفاعنا. كما أضحت الأداة الثقافية –الحضارية في تناغم شديد واندماج واضح مع الأدوات الاقتصادية والسياسية وذلك في غمار عمليات “العولمة”.
ولا غرابة إذن أن يلحظ المراقب والباحث الأكاديمي أن ساحة الخطاب الغربي، الذي تم تدشينه بقوة منذ عقد، حول “العولمة “، زاخرة عامرة بما يتصل بالثقافة والحضارة والدين، وهذا هو دأب العلاقة بين السياسة وبين الأكاديمي في الغرب: ففي مرحلة الاحتلال العسكري والاستعمار التقليدي طغت الدراسات والنظريات الاستراتيجية –العسكرية على غيرها، وفي مرحلة الاحتلال الاقتصادي والاستعمار الجديد والتبعية (بعد موجات الاستقلال السياسي) طغت دراسات الاقتصاد السياسي الدولي الجديد، والآن تنمو الاهتمامات حول “العولمة والثقافة، العولمة والهوية، الثقافة العالمية، العولمة الثقافية”، كما يعلو الخطاب عن حوار الحضارات أم صدام الحضارات؟ وعن حوار الأديان ليس في الأوساط الأكاديمية والثقافية فقط ولكن السياسية أيضا. وهذا الوضع الآن لا يعكس إلا تأكيد القناعة بأن المواجهة ليست حول السياسة والاقتصاد فقط، ولكن الحضارة والدين في قلبها. وفي المقابل كان لابد لخطابنا العربي –الإسلامي، سواء السياسي أو الأكاديمي، أن يلقف الطعم كما لقف قبل عدة سنوات طعم “النظام العالمي الجديد ” –وأن يبدأ في استهلاك هذا الخطاب الغربي الكاسح عن “العولمة”، وأن يتساءل: هل العولمة ظاهرة أم عملية؟ حديثة أم قديمة؟ ما هي أبعادها ومضامينها؟ وما هي القوى المحركة لها؟ ما هي آثارها؟ هل يمكن تقديم مفهوم واضح عنها محل رضاء وقبول؟
وبالرغم من تعدد وقائع العولمة وتجلياتها كعملية لا يمكن إنكار وجودها في مجالات مختلفة، وبالرغم من ضرورة وحيوية الإحاطة بالتنوع في الاتجاهات حول تقويم آثارها سلبًا أم إيجابًا، إلا أن ما يفرض نفسه بوضوح هو ما يتصل بمستوى تناول “العولمة ” كأيديولوجية وكسياسات جارية على الأصعدة المختلفة. فمما لا شك فيه أن محتوى هذه السياسات يعكس آثار انتصار النموذج الغربي كنموذج بلا منافس أو متحدٍ في الوقت الراهن. ولذا فإن أيديولوجية العولمة إنما تنبثق عن الليبرالية الجديدة، وعن سياسات القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة. ومن ثم فإن العولمة عملية إرادية تعكس اتجاه نموذج حضاري للهيمنة بسبل إكراهية وقسرية –على النماذج الأخرى ليس على الأصعدة الاقتصادية والسياسية فقط ولكن على الصعيد الثقافي بالضرورة. وعلى هذه النماذج الأخرى أن تتكيف وتنخرط أو أن تقاوم وتقدم الاستجابات اللازمة لمواجهة تحديات العولمة.
ولذا فإذا كانت التحديات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تبرز من إطار سياسات العولمة وفي ظل عملياتها، إنما تمثل درجة متقدمة ومتطورة من الخطورة التي سبق وواجهتها الأمة ولو في ظل سياقات أخرى وبأشكال أخرى للتدخلات الخارجية (الإصلاحات والتنظيمات، الاستعمار التقليدي، الاستعمار الجديد، الحرب الباردة) إلا أن المجال الحقيقي للتحديات الأكثر خطورة والتي اكتسبت أبعادًا متطورة هو المجال الحضاري –الثقافي في ظل عمليات العولمة الراهنة التي لا تعكس مجرد تدخلات خارجية ولكن اختراق واجتياح الخارجي للداخلي.
بعبارة أخرى فإن المرحلة الراهنة من تطور النظام العالمي هي المرحلة التي يخوض فيها “الغرب” المعركة في مواجهة “الباقي” لاستكمال تنميط العالم ليس اقتصاديا فقط على النمط الرأسمالي، أو سياسيًا فقط على نمط الديمقراطية البرلمانية، ولكن أيضا في إطار منظومة القيم الثقافية –الحضارية الغربية. ولن يكتمل الانتصار الاقتصادي أو السياسي بدون الثقافي الحضاري. وفي المقابل فإن الفشل على الساحة الثقافية –الحضارية يحمل كل إمكانات نمو مراكز قوة عالمية بديلة قد تنعكس معها وبها مسار التفاعلات العالمية وتوازنات القوى العالمية. إذن ما هي القواسم المشتركة من التحديات النابعة من السياسات الغربية؟

سنقدم فيما يلي تحليلًا لأبعاد هذه السياسات وآثارها على العالم الإسلامي في نهاية القرن 20 (18)

أولًا- السياسات على صعيد البعد الحضاري – الثقافي – العقدي وتحديات حماية منظومة القيم: بين الوسيلة والغاية

إن الممارسات على هذا الصعيد أضحت تقع في صميم “أفعال القوى الغربية ” وتوازنات “السياسات العليا”، بعبارة أخرى أضحى فرض منظومة القيم الغربية ليس غاية في حد ذاته، ولكن سبيلًا لتحقيق مصالح أكيدة، ومن ثم يصبح اختلال منظومات القيم الأخرى واستسلامها هو الغاية.
ومن هنا تتولد الحاجة والضرورة لإعادة تعريف السياسي في هذه المرحلة الراهنة من تطور المجتمعات والدول والنظام العالمي. ولذا ليس من الغريب، كما سبق أن رأينا، كيف تم استدعاء “صراع الحضارات ” ليصبح منظورًا بديلًا لصراع سياسات القوى، وكيف يدور التساؤل عن وزن هذا البعد؟ وكيف تمتد القائمة طويلة بالموضوعات ذات الطبيعة الثقافية؟ والتي تمثل موضوعات للعلاقات الدولية وعلى رأسها:
حوار الحضارات، حوار الثقافات، حوار الأديان، حقوق الإنسان، ثقافة السلام، ثقافة الاستهلاك، ثقافة التسامح، ثقافة التعددية، الدين والعلاقات الدولية، التعددية الثقافية.
وحيث إنه ليس بالإمكان إدعاء تقديم مسح للسياسات الغربية على الصعيد الممتد – وإن كان الأمر يستحق أن يولى لـه دراسة مستقبلية – إلا إنه من الممكن اختيار نماذج للعرض والمناقشة تبين أوجهًا شتى لمعضلات وإشكاليات هذا المجال.
وتتخلص هذه النماذج فيما يلي
1- البعد الثقافي في الشراكة المتوسطية- الأوربية والدعوة إلى حوار ثقافي بين جانبي المتوسط(19)
2- الحوار الإسلامي -المسيحي الذي تتعاطاه مستويات عدة على رأسهـا مستوى الفاتيكان -الأزهر (20)
3- المؤتمر العالمي للسكان والتنمية في القاهرة 1994، المؤتمر العالمي حول المرأة في بكين 1995(21)
4- المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فينا 1993والجدال حول العالمية والخصوصية في هذه الحقوق(22)
5- القانون الأمريكي ضد الاضطهاد الديني 1996(23)
6- التحول الديمقراطي والتعددية وفق منظومة قيم الخبرة الغربية وأهداف سياستها: خبرة الحالة الجزائرية في (91-92)، خبرة تأييد نقل النموذج التركي – وليس الإيراني إلى جمهوريات آسيا الوسطى (24)
ومن هذه النماذج لابد وأن يتضح أمامنا أمران: أحدهما أن المقصود بالبعد الحضاري -الثقافي هو ذلك المستوى العام الواسع الذي يتعدى ويتخطى المعنى الضيق للثقافة (بمعنى: مظاهر السلوك وأسلوب الحياة)، ويمتد إلى القيم والمفاهيم والنسق المعرفي بمصادرها ومجالات تفعيلها المتنوعة ابتداء من الفرد إلى المجتمع إلى الدولة.
وثانيهما: أن أدوات إدارة السياسات تجاه هذه النماذج هي أدوات ذات طبيعة داخلية أساسًا، مثل: منظمات المجتمع المدني خاصة المنظمات الأهلية غير الحكومية في مجالات حقوق الإنسان والمرأة والطفل والثقافة، وشبكاتها عبر القومية الممتدة عبر الحدود، ومثل الأقليات القومية أو الدينية في دول إسلامية والتي تمتد بتوجهاتها نحو الخارج طلبا للمساندة لمواجهة انتهاك حقيقي لحقوقها أو مجرد ما يسمى اضطهادًا (تيمور الشرقية في إندونيسيا، الأقباط في مصر، المسيحيون في جنوب السودان، الأكراد في العراق..) ومثل الحكومات في مواجهة قوى المعارضة “الإسلامية ” أساسًا (خبرة الجزائر، خبرة تونس مثلا) وأخيرًا مثل بعض قوى المعارضة ” في الخارج” التي تعمل ضد بعض النظم والحكومات.
وتكشف تفاصيل هذه النماذج عن تحديات القدرة على تحديد المشترك بين الحضارة الإسلامية والحضارات الأخرى من ناحية، والقدرة من ناحية أخرى على التجديد في هذه الحضارة وأبعادها الثقافية دون مساس بالخصوصية التي تكمن في ثوابت هذه الحضارة، ومن دون الفشل في صياغة استراتيجية للتعامل مع الآخر. كما تكشف أيضًا تفاصيل هذه النماذج عن تحديات تحديد المفاهيم الإسلامية التجديدية حول القضايا الهامة المثارة في عالم اليوم وخاصة التعددية الديمقراطية، حقوق الإنسان، المواطنة، السلام، الإرهاب، التسامح…
كما تكشف هذه التفاصيل أخيرًا – على صعيد السياسات وليس المفاهيم والمدركات – كيف أن توازنات القوى تنعكس بقوة على العملية المفاهيمية الإدراكية التي تتشكل في ظلها الخبرات العملية لجميع هذه النماذج (وغيرها مما لم نحدده)، والتي تعكس اتجاهًا لفرض منظومة قيم الطرف الأقوى.
فإذا قبلنا أن يقوم حوار ثقافات، فكيف ستكون نتائجه بين طرفين غير متوازنين في القوة؟ كيف ستنساب الأنماط والقيم؟
وإذا قبلنا بعالمية حقوق الإنسان التي تفترض عندئذ التدخل لحماية انتهاكاتها، فما الإطار المرجعي الذي يتم وفقا لـه تحديد مفاهيم هذه الحقوق؟ مما لا شك فيه أن قيمه الحرية ذات مضامين مختلفة باختلاف الأطر المرجعية والمنظورات..
وإذا قبلنا أن الاضطهاد الديني مرفوض، فمن الذي يحدد حالات الاضطهاد ومؤشراتها والتي تتطلب العقاب الاقتصادي؟
وإذا قبلنا بحيوية وضرورة التحول الديمقراطي والتعددية، فهل نقبل أن تكون الضحية هي الديمقراطية إذا كانت ستؤدي إلى وصول قوى إسلامية إلى السلطة بالانتخاب؟
وإذا قبلنا الحوار الثقافي أو الحضاري فما المقصود بالحوار الديني أو الحوار الإسلامي المسيحي، أين هو من سياسات التنصير والتبشير، وأين هو من سياسات التطهير الديني والإبادة التي يتعرض لها المسلمون؟
إن التساؤلات السابقة لتكشف لنا عن قدر التحديات التي تكمن في النماذج السابق طرحها، وهي تحديات ثقافية -حضارية -عقدية في جوهرها وإن كانت تجري في ظل سياسات اقتصادية وعسكرية تحكم الضغوط من حولها.
فمما لاشك فيه أن التفوق الغربي التكنولوجي في الميادين العسكرية والاقتصادية والاتصالية والمعلوماتية، والذي يغير الآن من طبيعة الحرب بالقوة العسكرية، ومن طبيعة الحرب الأخرى أي التي تدار بالقوة الاقتصادية، ومن طبيعة الحرب النفسية والإعلامية التي تدار بالقوة المعلوماتية الاتصإليه، كان لابد وأن ينعكس هذا التفوق بقوة على البعد الحضاري- الثقافي – العقدي في موازين القوى. وهذا يعني أن ميدان المعركة ليس فقط ماديًا ولكن غير مادي أيضًا موجهًا إلى النماذج الحضارية الأخرى – وخاصة التي تملك مقومات المقاومة والتحدي، بل وطرح البديل، مثل نموذج الحضارة الإسلامية
ثانيا – سياسات النظام الدولي لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وتحديات الأمن القومي: بين القيود وبين الفرص
التسابق على التسلح عملية أساسية في العلاقات الدولية- وتمثل سياساته ركنا أساسيًا من أركان سياسات توازنات القوى الدولية. ولا تقتصر أطراف هذه العملية وهذه السياسات على الدول الكبرى فقط، ولكن تمتد وبدرجة أساسية إلى الدول الصغرى أيضًا، سواء فيما يتعلق بالأسلحة التقليدية أو أسلحة الدمار الشامل. وإذا كان العامل المتصل بالقوة وبالهيمنة والسيطرة يبرز فيما يتصل بسياسات السباق على التسلح بين الكبار، فإن عوامل أخرى هي التي تثور فيما يتصل بنظائرها بين دول “العالم الثالث” أو دول الجنوب الذي يمثل العالم الإسلامي جل أعضائه.ومن أهم هذه العوامل: إشكاليات تحقيق المكانة والحفاظ على الأمن في مواجهة التدخلات الخارجية والصراعات الإقليمية والداخلية.
ولهذا فإنه في ظل أوضاع وظروف هذه الدول، والتي يشوبها عدم الاستقرار، تصبح سياسات التسلح من أهم قيود التبعية للنظام الدولي الشامل، حيث تعجز قدرات هذه الدول عن الوفاء بمتطلباتها المتنامية من التسلح، في حين أن النظام الدولي المحيط يولد بتدخلاته البيئة الجاذبة للسلاح. ولهذا فإن قضايا التسلح في دول العالم الإسلامي وسياساته تفرض مجموعة من التساؤلات عن العلاقة بين التسلح وبين الحرب والسلام، والصراعات وجهود التنمية وأوضاع التخلف، وأوضاع التبعية والاستقلال. بعبارة أخرى فإن هذه الأسئلة تطرح المقابلة بين الدوافع وبين المحددات سواء لسياسات التسليح أو نتائجها.
كذلك تثور جميع هذه الأسئلة في خلفية سياسات النظام الدولي لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل والموجهة أساسًا إلى الدول غير الغربية، فبالرغم من أن دول العالم الثالث تمثل سوقًا رائجة وأساسية لصناعات السلاح التقليدي والذي تتنافس الدول المنتجة على أسواق تصديره، وحيث إن ميزانيات التسلح لمعظم هذه الدول تمثل نسبة كبيرة من إجمالي ميزانياتها (نفقات الشرق الأوسط هي الأكبر في العالم الثالث) إلا أن أسلحة الدمار الشامل تطرح سيناريوهات أخرى مفادها اتجاه الدول الكبرى التي تحوز هذه الأسلحة وكذلك قدرات إنتاجها إلى تقنين قواعد لضبط أو تقييد أو منع انتشار هذه الأسلحة.
وإذا كان الانتشار النووي قد تصدر في البداية الجهود المبذولة، فلقد امتدت هذه الجهود بعد ذلك إلى الأنماط الأخرى من هذه الأسلحة: الكيميائية – البيولوجية، وكذلك الصواريخ طويلة ومتوسطة المدى القادرة على حمل هذه الأسلحة. ولقد تطورت سياسات منع الانتشار النووي وكذلك منع أسلحة الدمار الأخرى عبر مرحلتين كبيرتين: في ظل القطبية الثنائية والحرب الباردة، ثم في مرحلة ما بعد الحرب الباردة.
وخلال المرحلة الأولى تركز الاهتمام على الانتشار النووي (25).وتنوعت القيود المفروضة والتي تمحورت حولها سياسات القوى الكبرى التي تدير نظام منع الانتشار، من القيود القانونية وأبرزها معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، إلى القيود التجارية، إلى القيود السياسية والاقتصادية.
ولقد تنوعت الأهمية النسبية لكل مجموعة من القيود في المراحل المختلفة التي مرت بها الجهود الدولية في هذا المجال. فخلال الستينات والسبعينات تركزت الجهود على القيود الفنية الممثلة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعلى معاهدة N.P.T. وكان اتجاه بعض الدول مثل الصين، إسرائيل، الهند، وباكستان ومصر لتطوير قدراتها دليلًا على عدم فعإليه هذه القيود. وتأكد الأمر مع التفجير النووي الهندي الأول 1974. ومن ثم تركزت الجهود على القيود التجارية لمنع تصدير المعدات والتكنولوجيا والوقود وإحكام المراقبة عليهم وخاصة في ظل تزايد الطلب على مفاعلات الطاقة النووية بعد أزمة البترول 73-74 وما ترتب على هذه الزيادة من تنامي احتمالات الانتشار العسكري – النووي. وكانت مجموعة لندن من أهم المجموعات التي مارست هذه القيود التجارية، ولم تحل هذه القيود بدورها دون استمرار تطوير بعض الدول لقدراتها في حين تراجعت دول أخرى عن تجاربها، وخاصة في ظل ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية (ترغيبًا وترهيبًا) للتخلي عن الخيار النووي. ولهذا وفي حين تنامت المعلومات والتحليلات عن تطور القدرة الكورية والهندية والباكستانية والقدرة الإسرائيلية تنامت في المقابل التحليلات عن دوافع ومظاهر تراجع البرنامج النووي المصري (26) والإيراني، وحدث إجهاض البرنامج العراقي بضربة عسكرية 1981، وبدأ حصار ليبيا بسبب برامج أسلحتها، وتراجعت الجزائر وسوريا عن بداية برامج نووية. ومع نهاية الثمانينيات – في ظل مؤتمرات مراجعة معاهدة N.P.T وفي ظل التقويم المقارن للبرامج النووية لبعض الدول وسياسات القوى الكبرى المقارنة تجاهها – تبلورت مقولة ذات وجهين: تحيز سياسات منع الانتشار النووي من ناحية، وعدم فعإليه قيود منع الانتشار من ناحية أخرى. ومن ثم تأكد الطابع السياسي للمشكلة حيث اتضح أن القيود المختلفة لا يمكن أن تمنع دولة من تنفيذ قرار سياسي بحيازة القدرات النووية وتطويرها، ولكن ستزيد من صعوبات وتكلفة هذا التنفيذ.
ومن ثم لم تعد دول العالم النامي تواجه تحديات سياسات منع الانتشار النووي فقط، ولكن تواجه تحديات اتخاذ القرار بحيازة هذه القدرات من عدمه، ليس للاستخدامات العسكرية فقط ولكن للاستخدامات السلمية أيضًا. ذلك أنه إذا توافرت الدوافع والمبررات لعدم التطوير للأغراض العسكرية إلا إنه تبقى المقدرة على تطوير التكنولوجيا النووية من أهم دلائل تطور المشروعات الحضارية المعاصرة. بعبارة أخرى لم تعد حيازة هذه التكنولوجيا عاملًا من عوامل الأمن القومي – بالمعنى الضيق أي العسكري التقليدي – ولكن أضحت عاملًا أساسيًا من عوامل الأمن القومي بمعناه الشامل المتعدد الأبعاد.
ويتضح لنا هذا المغزى بوضوح – بالنظر إلى الساحة العربية الإسلامية، وما أضحت تواجهه دولها في نهاية الثمانينيات من تحديات ترقى إلى مستوى التهديدات الفعلية؛ نتيجة اختلال ميزان القوى العربي -الإسلامي – الإسرائيلي على الصعيد التكنولوجي وتداعياته في مجالات التسلح التقليدي وغير التقليدي على حد سواء. فإذا كانت إسرائيل بفعل قرارها السياسي بحيازة القوة النووية، وبفعل مساندة القوى الكبرى في النظام الدولي لتنفيذ قرارها، وبفعل عناصر مذهبها النووي (الغموض، الاحتكار) قد نجحت في تطوير قدراتها النووية في الوقت الذي فشلت فيه معظم الدول العربية على هذا الصعيد، فإن الوضع منذ نهاية الثمانينيات حمل معه مؤشرات إضافية على مدى هذا الاختلال في ميزان القوى من ناحية، وعلى مدى التحيز في النظم الدولية لمنع الانتشار النووي والكيميائي والبيولوجي والصواريخ من ناحية أخرى – وكانت حرب الخليج الثانية وتداعياتها في قلب هذه الأوضاع. فمن ناحية: (27) دخلت عملية التحديث النوعية للقوة العسكرية الإسرائيلية مرحلة تحول شهدت نقلة نوعية نتيجة التحالف الاستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي، والذي كان من أهم دلائله اشتراك إسرائيل في مبادرة حرب الكواكب الأمريكية، مع ما يعنيه ذلك من تطوير للقدرات في مجال الأقمار الصناعية، والصواريخ، والأسلحة النووية التكتيكية.
وفي المقابل تنامت التحذيرات الغربية من تطوير العرب لبدائل السلاح النووي أي الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والصواريخ، ومن ثم تنامت التحذيرات الإسرائيلية المعتادة ليس تجاه العرب فقط، ولكن تجاه إيران أيضًا وكذلك باكستان، كما ظهر الحديث عن البرنامج النووي السوري والجزائري، ومن ثم تصاعد الحديث عن “القنبلة النووية الإسلامية (28). وعلى صعيد آخر تنامت أيضًا – بعد توقف الحرب العراقية الإيرانية – التحذيرات الغربية من مخاطر القوة العسكرية العراقية واعتبارها من مصادر عدم الاستقرار الإقليمي في المنطقة.
ومن ناحية أخرى، وحين اندلعت أزمة الخليج الثانية باحتلال العراق للكويت، فإننا نجد على ضوء تحليل أسباب اندلاع الأزمة العلنية أو الخفية، وكذلك على ضوء تحليل آليات وأدوات إدارة الأزمة والحرب وتداعياتهما، وعلى ضوء تحليل نواتج الحرب وأوضاع النظام العربي بعدها، نجد على ضوء هذا كله أن قضية أسلحة الدمار الشامل لدى العراق، وموازين القوى العربية الإسرائيلية لم تكن غائبة عن الساحة بل كانت حاضرة بوضوح في بعض المشاهد، كما كانت حاضرة ضمنيًا في خلفيات مشاهد أخرى.
ولذا فإن النحو الذي جرت عليه عملية تدمير قدرات العراق من أسلحة الدمار الشامل، وكذلك الأزمات المتكررة التي شهدتها هذه العملية طوال ثمان سنوات(29) لتبين كيف أن القيود على امتلاك العرب لهذه الأسلحة قد وصلت إلى مرحلة متطورة تخطت بها القيود القانونية، والتجارية والسياسية للنظام الدولي لمنع الانتشار، ودخلت معها مرحلة التدمير المباشر للقوة العسكرية وتحت غطاء الشرعية الدولية. وهذا الوضع لم تشهده ساحة العلاقات الدولية من قبل، ولكن أضحى أحد سبل عديدة لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة العربية وتوازناتها الإقليمية.
ومن ناحية ثالثة: لم يكن هذا الوضع إلا المشهد الأكبر من مشاهد عملية تطوير النظام الدولي لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وهي العملية التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية؛ تحقيقًا لأحد أهم أهداف استراتيجيتها العالمية، ألا وهو هدف مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل (كما سبق ورأينا).
ولقد تشكل الإطار العام للسياسة الأمريكية تجاه هذه القضية من المكونات التالية: إحكام القيود القانونية واستكمالها، ومن هنا كان التمديد النهائي لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، إعادة صياغة دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية تطبيق الضمانات الدولية لتشديد هذا الدور وتحقيق فعاليته، مراجعة معاهدة الأسلحة الكيميائية وتشديد بنودها وإقرارها في مؤتمر دولي 1992 سعيًا نحو إزالة هذه الأسلحة(30)، تصعيد الضغوط السياسية والاقتصادية على حالات محددة لإجبارها على تصفية قدراتها النووية وغيرها كما يحدث مع إيران وكوريا الجنوبية، واستخدام الأداة العسكرية المباشرة لتصفية القدرات كما في حالة العراق. ولقد أثارت جميع هذه الإجراءات طوال التسعينيات انتقادات عديدة من جانب الدول العربية والإسلامية، وتبلورت على هذا الصعيد الانتقادات لتحيز النظام الدولي لمنع الانتشار ضد المصالح العربية الإسلامية ولصالح التفوق الإسرائيلي في ميزان القوى العسكرية. وكانت خطة بوش لضبط التسلح في الشرق الأوسط 1991 من أكثر المبادرات تعبيرًا عن هذا التحيز في مرحلة خطيرة من مراحل تطور الصراع العربي الإسرائيلي أي مع بداية عملية التسوية السلمية(31)؛ حيث تنص على تجميد القدرات النووية على ما هي عليه، وعلى إزالة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، وعلى تجميد القدرات الصاروخية، مما يعني تكريس الوضع القائم لصالح إسرائيل. ولذا كانت مصر وسوريا من أقوى الدول الرافضة للتوقيع على معاهدة الأسلحة الكيميائية، كما رفضت المطلب الإسرائيلي أن يكون السلام النهائي هو الشرط المسبق لإزالة أسلحة الدمار الشامل، ومن ثم تكتسب هذه القضية أبعادًا هامة في المنطقة العربية الإسلامية بصفة خاصة نظرًا لارتباطها بعملية التسوية السلمية الجارية بين العرب وإسرائيل، وحيث تقدم المثل البارز على تأثير تدخلات القوى الكبرى على موازين القوى العسكرية على النحو الذي لا يكون لصالح الدول الإسلامية.
ومن ناحية رابعة: جاءت التفجيرات النووية الهندية والباكستانية في مايو 98(32) من أهم أدلة تغلب دوافع حيازة هذه القدرات النووية على قيود النظام الدولي لمنع الانتشار وعقوباته. فلم يحل دون باكستان والوصول إلى هذه القدرة كل الضغوط السياسية والاقتصادية التي تعرضت لها من قبل، كما تمكنت القدرات الذاتية العملية من التغلب على قيود منع الانتشار الفنية والتجارية والعملية. ومع ذلك فتظل لهذه التجربة التي قدمتها دولة إسلامية دلالات أخرى حول وجهٍ آخر للعملة: هل تحل هذه القدرات المسلحة مشاكل التخلف الاقتصادي في باكستان أم تزيد من تفاقمها؟ وخاصة في ظل العقوبات التي تعرضت لها التفجيرات؟
ولذا فإن التحدي الذي تواجهه عملية امتلاك عناصر القوة العسكرية الحديثة لا يتمثل في القيود الدولية فقط ولكن يواجه أيضًا المعضلة بين تحديات الداخلي ومتطلباته، وبين تحديات المكانة الدولية والأمن العسكري ومتطلباته. بعبارة موجزة فإن هذه السياسات وعواقبها لتبين أن أهم التحديات التي تواجه الدول الإسلامية على ساحة الأمن القومي هي صياغة استراتيجية لإعادة بناء هذه القدرة سواء على مستويات قومية أو جماعية.

ثالثا- سياسات التدخلات الخارجية وأدواتها في ظل آثار العولمة السياسية: تحديات إعادة بناء النموذج. في ظل معضلة “العولمة / الخصوصية” ومعضلة “السيادة القومية / الشرعية الدولية”

من أهم آثار البعد السياسي للعولمة تلك الآثار المتصلة بسيادة الدولة، وهي آثار لا تفلت منها كل أنواع الدول، ولكن تختلف طبائع ودرجات انتقاص السيادة التقليدية للدول (33). وتكتسب الآثار بالنسبة للدول الإسلامية سمات أخرى وخاصة فيما يتصل بما بقي من الوظيفة العقيدية لهذه الدول. ومن ثم فإن الحديث عن آثار العولمة على أزمة الدول الإسلامية لا يجب أن يقتصر على ما يسمى بوظائف دور الرفاهة ثم وظائف ودور المنافسة، ولكن يجب أن ينصرف إلى أبعاد أخرى ذات طبيعية حضارية -ثقافية يكمن فيها ما بقي من خصوصيات تجارب الدول الإسلامية. وهنا لابد وأن نميز بين مستويين من الآثار السياسية: أحدهما يبرز آثار سياسية مباشرة، والآخر يبرز آثارًا سياسية غير مباشرة.
1- الآثار السياسية المباشرة: ومن أهم المجالات التي تتبلور على صعيدها آثار مباشرة للعولمة، أي آثار اكتساح الخارجي للداخلي، في ظل منظومة قيم الطرف الذي يقود العولمة، ويديرها مجال التحول الديموقراطى وحقوق الإنسان.
وبدون الدخول في تفاصيل الجدالات المتنوعة الأبعاد بين المنظورات المختلفة (الليبرالية -القومية- اليسارية – الإسلامية) حول إشكالية الخصوصية / العالمية التي تحيط بقضية حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي (34)، أو حول إشكالية شرعية التدخلات الخارجية باسم حقوق الإنسان(35) فيكفي هنا التركيز على الملاحظتين التاليتين:
من ناحية: إن الدول الإسلامية كانت ساحة أساسية وهامة لاختبار هذه الجدالات وما اقترن بها من مواقف سياسية تتصل بأحداث وبتطورات بعض الحالات ذات الدلالات الواضحة حول “التدخلات الخارجية ” بأدوات وقنوات مختلفة على هذا الصعيد (كما سنرى).
من ناحية أخرى: إن التساؤل حول مرمى هذه التدخلات وأهدافها الحقيقية (وهو نشر منظومة القيم السياسية والاقتصادية باعتبارها أساسًا لتحقيق وحماية المصالح الشاملة في العالم) هذا التساؤل إنما يطرح أمرين من وجهة نظرنا: من ناحية؛ عدم إنكار أن الدول الإسلامية تعيش بالفعل أزمة مشاركة، أزمة شرعية، أزمة حقوق إنسان. ومن ناحية أخرى أن الحاجة للتغيير أو الإصلاح في المجال السياسي إنما يجب أن تستند إلى أصول وثوابت إسلامية، وليس أن تقوم على نظم ومنظومات مفروضة من الخارج. فحتى الآن ومنذ 200 عام – لم يؤد النقل عن الغرب إلا إلى الصدع في المجتمعات والدول الإسلامية الساعية إلى التجديد والإصلاح.
وتزداد خطورة هذه التدخلات – في ظل خطاب العولمة وسياساتها. وتتعدد النماذج على ذلك: وعلى رأسها يظهر سلوك القوى الكبرى تجاه التطورات الداخلية في بعض الدول الإسلامية الكبرى، التي لعبت ومازالت تلعب فيها الحركات الإسلامية أدوارًا شتى، وإن اختلفت نتائجها ما بين التعايش مع النظام (الأردن) وما بين الوصول إلى السلطة بانقلاب عسكري (السودان) وما بين المشاركة المقيدة في إطار شبه تعددي (مصر) وما بين التصفية والاحتواء (الجزائر، وتونس) (36).
ولقد تعددت أنماط أدوات التدخل الخارجي في سياسات الدول الإسلامية الكبرى سواء حول هذا المجال المتصل بالقوى الإسلامية المعارضة أو غيره من المجالات مثل “الأقليات غير المسلمة أو الأقليات القومية” (كما في حالات مصر والعراق والسودان، وتركيا، وإندونيسيا)، أو سواء حول المجال الذي يسمى “المجتمع المدني وحقوق الإنسان”. وتتراوح أدوات هذا التدخل الخارجي ما بين الأدوات الاقتصادية والعسكرية والسياسية. وإذا كانت بعض الحالات قد شهدت توظيف أدوات العقاب الاقتصادي بدرجاتها المختلفة (إيران، ليبيا، السودان) فإن حالات أخرى شهدت توظيف أدوات الترغيب الاقتصادية متمثلة في شكل معونات واستثمارات (الجزائر، مصر، الأردن). ومن ناحية أخرى تتنوع أدوات الضغط السياسية المباشرة وغير المباشرة (قانون الاضطهاد الديني الأمريكي، عدم قبول تركيا في الاتحاد الأوربي، لجان التقصي الدولية (الجزائر)، السماح باللجوء أو الإقامة في العواصم الغربية لقادة قوى معارضة لبعض الدول الإسلامية، المساندة المالية لتوجهات محددة تقوم عليها منظمات غير حكومية في نطاق أنشطة المجتمع المدني..)
أما التدخلات بالأداة العسكرية فهي تتغلف بأردية حقوق الإنسان والاعتبارات الإنسانية والأخلاقية؛ ولقد ظهرت بوضوح في العراق وبصورة مباشرة متمثلة في الضربات العسكرية وفي الوجود العسكري (37)، كما تظهر بصورة غير مباشرة متمثلة في الضغوط من أجل تقييد أو منع تسليح بعض الدول الإسلامية بأنظمة أسلحة الدمار الشامل (كما سبق ورأينا). ويعد الناتو من أكثر أدوات التدخل العسكري “المباشر” التي تثير اهتمامًا راهنا الآن. فإذا كانت أحداث الحرب حول كوسوفا قد كشفت الغطاء عن التدخلات المحتملة في إطار “شرعية الناتو”، فإن احتمالات هذه التدخلات قد ثارت من قبل. وذلك حين أخذ قادة الناتو- بعد نهاية الحرب الباردة يدخلون دائرة المتحدثين عن خطر “الأصولية الإسلامية “. ففي فبراير 1995 أعلن مسئولون في الأطلنطي عن اتفاق الدول الأعضاء على الدخول في اتصالات مع مصر وإسرائيل وتونس والمغرب وموريتانيا حول ما يعتبره الحلف تهديد الأصولية الإسلامية وسبل مواجهة هذا التهديد. هذا ولقد ربط فيلي كلايس أمين عام حلف الأطلنطي في ذلك الوقت بين خطر تنامي الحركات الإسلامية المتطرفة وبين خطر الإرهاب وانتشار الأسلحة النووية، وتتلخص مقولة كلايس في فبراير 95 (نقلًا عن الخليج 8/2/95) في أن الأصولية الإسلامية تمثل نفس التهديد الذي كانت تمثله الشيوعية للغرب.. إن حلف الأطلنطي يمكن أن يساهم في مواجهة هذا التهديد الذي يمثله المتطرفون الإسلاميون من حيث قيام الحلف بإعادة تحديد دوره بعد الحرب الباردة. فإن حلف الأطلنطي هو أكثر من كونه مجرد تحالف عسكري، فهو قد ألزم نفسه بالدفاع عن المبادئ الأساسية للحضارة التي ربطت أوربا الغربية بأمريكا الشمإليه.
ولذا ففي نفس الوقت الذي بدأ فيه الحديث عن توسيع الأطلنطي نحو الجنوب، فلقد دعى كلايس إلى حوار حول الأمن والاستقرار في المنطقة. ولذا بدأ حوار أمني متوسطي أطلنطي تداخل مع البعد الأمني في الشراكة المتوسطية الأوربية وذلك للبحث، وفق خطاب الأطلنطي في كيفية مساعدة الدول المتوسطية على مواجهة “تحديات الأصولية “. ولقد عكس هذا الحوار القلق لدى الأطلنطي مما يسمى “قوس عدم الاستقرار – الذي يمتد على طول الجناح الجنوبي لحلف الأطلسي من الجمهوريات السوفيتية السابقة في منطقة القوقاز مرورًا بالشرق الأوسط وحتى الجزائر(38).
وكانت هذه التصريحات الأطلنطية هي الأولى من نوعها الصادرة عن الأوساط الرسمية الأطلنطية، معبرة بذلك عن وجه من أوجه فكر “صراع الحضارات”. وفي مواجهة هذه التصريحات الأطلنطية عن مهام جديدة للناتو ثارت ردود فعل عديدة من جانب الأوساط الرسمية وغير الرسمية في عديد من الدول الإسلامية وخاصة أوساط الحركات الإسلامية مثل حزب الله.
كما بدأت التحليلات العربية – الإسلامية حول مستقبل دور الناتو تجاه الجنوب تحذر من العواقب التدخلية للمهام الجديدة(39). هذا ويجدر هنا أن نسجل أن ما صرح به سكرتير عام حلف الأطلنطي فيلي كلايس 1995 تم استدعاؤه ونحن نعايش في أبريل 1999 تدخلات الناتو العسكرية في البلقان. فإن هذه التدخلات آثارت كثيرًا من ردود الفعل تجاه احتمالات التدخل المستقبلية في أجزاء العالم، وذلك في إطار المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف الأطلنطي. وهو المفهوم الذي كشفت عنه الغطاء رسميًا قمة واشنطن في أبريل 99 بمناسبة الاحتفال بمرور 50 عامًا على إنشاء الحلف.
إن هذا العرض المسحي الشكلي لهذه الأنماط من السياسيات التدخلية الخارجية ذات الآثار السياسية المباشرة يثير أمامنا نوعين أساسيين من التحديات:
أولهما: أن أوضاع الداخل في الدول الإسلامية في حاجة لتغييرات وإصلاحات عديدة لعلاج أزمات المشاركة، والشرعية والتي تغلفها أزمات الهوية والانتماء. ولكن هذه الحاجة لا تبرر نوعين من المقولات أولها رفض التدخلات الخارجية سعيًا لإخفاء انتهاكات داخلية قائمة بالفعل، وثانيها: مساندة تدخلات خارجية لفرض منظومة متكاملة ذات مضامين محددة.
بعبارة أخرى – إذا كان النظام الدولي – تحت دوافع متطلبات البعد السياسي للعولمة – يتجه نحو تقنين مبررات وآليات التدخل الدولي باسم حماية حقوق الإنسان والديمقراطية، وأيا كانت مواقفنا من حقيقة دوافع هذا التوجه وأهدافه الحقيقية حتى الآن، فمما لا شك فيه أن دلالات الحرب حول كوسوفا بالنسبة لماهية “الشرعية الدولية الجديدة” (كما كان لحرب الخليج الثانية، من قبل، من دلالات حول “الشرعية الدولية في ظل ما سمي بالنظام الدولي الجديد) كان لها أكبر التأثير على مجرى الأوضاع بعد هذه الحرب، وبعد أن دخل النظام الدولي مرحلة إقرار الأوضاع التي تم إعادة ترتيبها خلال هذه الحرب.
ثانيهما: أن جميع التطورات المحيطة بعالم المسلمين، والتي بدأت شرارتها من أرجاء هذا العالم (الخليج 90 كوسوفا 99) لتحمل الكثير والكثير من التحديات المستقبلية التي لا تفرض إعادة تصحيح لأوضاعنا الداخلية والإقليمية فقط ولكن التي تفرض صياغة رؤية تتفهم حقيقة هذه التحديات بالنسبة لمعضلة العلاقة بين “السيادة القومية” وبين” الشرعية الدولية” في ثوب جديد، وهي العلاقة التي تقع – كما سبق القول في بداية هذه الجزئية – في صميم دلالات العولمة السياسية بالنسبة لعالم المسلمين دولًا كانوا أم أقليات (كما هو حال كوسوفا) وستقدم لنا الحرب الأمريكية على أفغانستان بعد الهجمات على الولايات المتحدة دلالات أخرى كما سنرى.
2- الآثار السياسية غير المباشرة: الأدوات الاقتصادية والثقافية الدينية
وحيث إن أبعاد العولمة المختلفة لا تنفصل تمامًا من حيث محركاتها، ومن حيث عملياتها وآلياتها، لذا فإن الحديث عن الآثار السياسية (غير المباشرة) على الدول الإسلامية إنما يجد مصادره في أبعاد مختلفة تتصل بأدوات متنوعة اقتصادية وثقافية ودينية، حقيقة لا يتصدى بحث “التحديات الخارجية للعالم الإسلامي إلى الدائرة الاقتصادية مباشرة ولكن لا يستطيع أن يغفل آثارها. فإذا كانت تحديات إعادة بناء أركان القوة الاقتصادية المستقلة للدول الإسلامية وبناء صيغ للتكتل الاقتصادي الإسلامي من أهم تحديات “العولمة الاقتصادية ” على الصعيد الاقتصادي، فإن لهذه العملية وجهًا آخر ذا أبعاد سياسية. ومن النماذج التي تبين لنا هذه الرابطة بين آثار عمليات العولمة الاقتصادية على أوضاع الدول الإسلامية السياسية نسوق النماذج التالية:
أ-دور مؤسسات التمويل العالمية: وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في تشابكاتها مع مراكز الرأسمالية العالمية. فإن سياسات هذه المؤسسات لا تقتصر تأثيراتها على الأبعاد الاقتصادية المالية بمعناها الفني، ولكن تمتد إلى السياسات الكلية للدول المعنية. فإن ضمان تدفق تيارات المعونات والقروض والاستثمارات يتطلب من هذه الدول اتباع سياسات إصلاح هيكلي داخلي وخارجي ذات أبعاد سياسية واضحة وذلك وفقًا لتصميمات وتوجهات هذه المؤسسات المالية(40).
ولعل تحليل الارتباط بين الأزمة المالية الاقتصادية وبين الأزمة السياسية في كل من إندونيسيا وماليزيا يقدم لنا دلالات هامة واضحة على ذلك التحدي الذي تفرضه سياسات العولمة المالية، ليس على الأوضاع الاقتصادية فقط، ولكن أيضًا على الأوضاع السياسية(41).
ب-آثار ثقافة الاستهلاك: من أهم أدوات تحقيق أهداف الرأسمالية العالمية ما يسمى ثقافة الاستهلاك وهي جزء ركين من أركان ودلائل التداخل بين أبعاد العولمة المختلفة. وفي إطار هذه الثقافة يتجاوز الاستهلاك المعنى المبسط – المادي – لـه، بحيث يصبح هو ذاته الشكل الرئيسي للتعبير عن الذات والمصدر الأساسي للهوية. وهو ما يعني تحول كل ما هو مادي وغير مادي إلى سلع تخضع للعرض والطلب. كذلك لا يصبح الاستهلاك إلا مصدرًا للتباين الاجتماعي بل وأصل الانتماء السياسي، ومن ثم يحدث تقويض للتصنيفات والتباينات الثقافية مع ما لذلك كله من آثار تتجه إلى إدماج هوية الفرد بهذه الثقافة. فالرأسمالية تحول الأفراد إلى مستهلكين من خلال إحداث تغيير في هياكل تطلعاتهم واحتياجاتهم، وذلك في الاتجاه الذي يخدم عملية التراكم الرأسمالي. ومما لاشك فيه أن انتقال هذا النمط من الثقافة إلى مجتمعات أخرى يترتب عليه ردود فعل متباينة، لابد وأن تؤثر على اتجاهات هذه المجتمعات وسياسات نظمها (42).
بعبارة أخيرة، فإن أنماط التدخلات الخارجية – من خلال أدوات متباينة للسياسات الغربية: دبلوماسية، سياسية، اقتصادية، عسكرية إنما تسعى لتحقيق أهداف متكاملة لا تتصل بالنظم الرسمية القائمة وحسب، ولكن تمتد إلى جذور المجتمعات.
ومن الأدوات الأخرى التي يتم توظيفها والتي يكون لها آثار سياسية – غير مباشرة- الدين. ويتضح تحديات هذا التوظيف للدين عبر عدة مستويات منها: الأقليات غير المسلمة، مشروعات تنصير العالم، الدعوة إلى حوار الأديان، العامل الديني وتشكيل سياسات الولايات المتحدة تجاه بعض القضايا(المقاومة الأفغانية ضد الاحتلال السوفيتي، البلقان) جولة البابا في الشرق الأوسط ثم في إفريقيا.
وإذا كانت أداه الأقليات غير المسلمة من أهم أدوات التنافس الدولي حول الميراث العثماني في البلقان والشام في القرن 19، فإن صورتها الجديدة في النصف الثاني من القرن العشرين قد انطلقت من التخطيط الإسرائيلي الذي أعلن عنه 1981 إريل شارون حول تفكيك المنطقة عرقيا ودينيا وطائفيا(43) وتوالت تعبيرات السياسات الغربية عن هذه الصورة (تجاه جنوب السودان، قانون الاضطهاد الديني الأمريكي) وبقدر ما كان التبشير الدعامة الثانية التي ارتبطت بدعامة التجارة في عملية الكشوف الجغرافية بقدر ما أن التطور على صعيد هذه الأداة عبر القرون – والذي لم ينقطع – قد قاد إلى انتشار اتجاهات سياسات التنصير وتنوع أدواتها انطلاقًا من مخطط محكم ومدعوم أضحى يهدد – ليس الأقليات المسلمة- ولكن امتد إلى عقر دار كبريات الدول الإسلامية (عملية الاستئصال في إندونيسيا) (44). ولهذا حظيت استراتيجية تنصير العالم اهتمام الباحثين من خلال مناقشة خطاب البابا يوحنا بولس الثاني الذي أصدره في 1982 يطالب فيه بضرورة “إعادة تنصير العالم” وذلك تصريحًا بالمخطط المضغم الذي تبلور في منتصف الستينات عن المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني (1965). حيث اتخذ في هذا المجمع عدة قرارات لا سابقة لها في التاريخ منها تبرئة اليهود من دم المسيح(45).
رابعًا – إدارة مشاكل وأزمات الأمة من الخارج، سياسات تفكيك العلاقات الإسلامية – الإسلامية وبعيدًا عن أطر الحركة الإسلامية الجماعية
تشابكت دائما أنماط العلاقات فيما بين الدول الإسلامية مع نظائرها وبين الدول الإسلامية والدول غير الإسلامية، ولقد تنامى تأثير الأخيرة على حساب الأولى. وقدم لنا التاريخ عبر مساره خلال القرنين الأخيرين – قرني الضعف – الكثير من النماذج التي اختلفت مدلولاتها ونتائجها بالمقارنة بنظائرها في قرون سابقة أي في مرحلة القوة والوحدة.
وإذا كانت التجزئة القطرية هي الميراث الأول من الاستعمار بعد تصفيته في صورته التقليدية، فلقد تنامت وتعمقت ملامح ومشاهد تكرس التجزئة وعواقبها، متمثلة في مستويات عدة ولقد تجسدت هذه الملامح بشدة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وتراكمت مدلولاتها على نحو يوضح مدى تكدس التأثيرات الخارجية السلبية على العلاقات الإسلامية – الإسلامية، في وقت وصلت فيها قواعد هذه الأخيرة إلى درجة من التهافت الذي مكن لهذه التأثيرات الخارجية من ممارسة تأثيراتها(46) السلبية. ولقد تجسدت أهم أشكال تحديات العمل الجماعي الإسلامي في تلك التحديات التي تواجهها منظمة المؤتمر الإسلامي وتؤثر على فعاليتها(47)، ناهيك عن تحديات توزيع الأدوار، والترتيبات البديلة، ومقاومة العقوبات، وتنمية العلاقات عبر القومية لإعادة بناء الوحدة من القاعدة، وسبل تنمية أواصر النصرة للأقليات المسلمة:
وفيما يلي نماذج على بعض المشاهد عن التأثيرات الخارجية:
1- نزاعات أهلية أو حروب إقليمية أو تنافسات دولية حول مناطق تتولى إدارتها أطراف ثالثة غير إسلامية، وحيث يتم الهروع للخارج لحل الأزمات وإيقاف الحروب، مما يفسح الفرصة للتدخلات الخارجية لتحقيق مصالحها، في نفس الوقت الذي يغيب فيها الدور الإسلامي. ويكفي هنا التذكرة بمحدودية فعالية الدور الإسلامي بالمقارنة بالقوى الأخرى تجاه الحرب العراقية- الإيرانية، حرب الخليج الثانية، تجاه الصراع في أفغانستان، تجاه الصومال، تجاه البوسنة وكوسوفا ـ تجاه الشيشان وكشمير، ولعل ما آلت إليه إدارة توازنات القوى حول الصراع الدولي على آسيا الوسطى والقوقاز من أبرز وأحدث الأمثلة على تراجع الأدوار العربية والإسلامية (الإيرانية والتركية) لصالح أدوار القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة والتي تلعب إسرائيل حليفها الاستراتيجي دورًا أساسيًا في توازنات هذه المناطق(48).
2- تنازع الأدوار بين دول الأركان الكبرى: مصر، إيران، تركيا، السعودية، باكستان، ماليزيا.. في بعض المجالات، بل تدهور العلاقات بين بعضها حول بعض القضايا. ويكفي هنا التذكرة بالتنافس التركي – الإيراني – الباكستاني حول وسط آسيا، النزاعات التركية – العربية، التحالف التركي الإسرائيلي، التوترات الإيرانية – المصرية: فهل يمارس الدور الخارجي تأثيره على هذه المحاور إلى جانب تأثيرات الاختلاف بين نماذج هذه الدول الأركان: النموذج الشيعي الثوري في إيران، النموذج العلماني في تركيا، النموذج شبه التعددي في مصر، النموذج الملكي في السعودية..
ويجدر الإشارة إلى إنه إذا كانت قيادة العالم الإسلامي قد تنازعتها في بعض المراحل – دول كبرى إسلامية: الدولة العباسية، الدولة الأموية في الأندلس ثم الدولة العثمانية والدولة المملوكية ثم الدولة العثمانية والدولة الصفوية، فإن الدول الكبرى الإسلامية الراهنة لا تتنازع قيادة العالم الإسلامي؛ لأن هذا المستوى من الحركة – أي الدائرة الإسلامية – لا يحوز لدى جميعها نفس الأولوية والاهتمام، بل ربما سقط تمامًا لدى البعض. ولذا تصبح صراعات المصالح القومية محركًا أساسيًا: ولعلنا لا نستطيع مثلًا أن نفهم مؤخرًا شبكة التفاعلات الإسرائيلية التركية، التركية – السورية، الإسرائيلية- الآسيوية، المصرية – الإيرانية، إلا على ضوء حقيقتين أساسيتين: الدور التركي والدور الإسرائيلي في الاستراتيجية الغربية لتطويق سوريا وإيران من ناحية(49) الدور المصري المرن والمتحرك بين شد وجذب في العلاقات مع كل من إيران وتركيا وإسرائيل من ناحية أخرى (50).
إن تداخلات هذه الشبكة من التفاعلات ومدلولاتها بالنسبة لمصالح الأمة في مجموعها، تعد وغيرها من أقوى المشاهد على ما أضحى للتحالفات مع الآخر من تأثيرات سلبية على التحالفات الإسلامية وعلى مراكز القوى الإسلامية.
من هنا يمكن أن نفهم أيضًا الدلالات السلبية لمصطلح دول الجوار الذي تطلقه دوائر عربية رسمية وغير رسمية على إيران وتركيا وعلى إسرائيل وإثيوبيا على حد سواء. فإن هذا المصطلح يدخل في الدائرة الإسلامية أطرافًا أخرى غير إسلامية بحكم الجوار الإقليمي، ويضعها على قدم المساواة مع دول وشعوب إسلامية، ارتبطت مع الدائرة العربية بعلاقات تعاون أو صدام في إطار تاريخ توازنات القوى الإسلامية وتفاعلاتها. ولذا – وتزكية للأبعاد الحضارية الإسلامية المشتركة بين أركان الشعوب الإسلامية الكبرى الثلاثة العربية، التركية، الفارسية، فلابد وأن يتراجع مصطلح دول الجوار أمام مصطلح – أركان الأمة غير العربية.
3- قبول العقوبات والحصار الذي تفرضه القوى الكبرى على بعض الدول الإسلامية باسم الشرعية الدولية: والعقوبات الممتدة على العراق منذ عشر سنوات من أصرخ الأمثلة. حقيقة كان لهذه العقوبات مغزى في بداية أزمة الخليج الثانية، ولكن بعد انتهاء الحرب، وبعد تدمير قدرات العراق، ومع تكرار الأزمات حول رفع هذه العقوبات، لابد وأن يثور التساؤل متى يمكن أن تسقط الدول الإسلامية هذه العقوبات؟ وهل لابد وأن تنتظر قرارًا من الشرعية الدولية في حين أن الولايات المتحدة وبريطانيا انتهكتا هذه الشرعية حين وجهتا- ومازالتا توجهان ضرباتهما العسكرية المتقطعة للعراق بدون قرار من الشرعية الدولية؟
إن العقوبات أيضًا المفروضة على جنوب السودان وإيران، وإن اختلفتا عن عقوبات العراق، إلا إنهما يثيران أيضًا التساؤل حول دوافعهما وحول أسانيد ومبررات سكوت الدول الإسلامية عن انتقادهم أو تخطيهم أو السعي لرفعهم أم أن الأمر يحتاج لما احتاج إليه حتى الآن تجميد العقوبات على ليبيا وهو الأمر الذي لعبت فيه مصر والسعودية دورهما الواضح حتى تم التوصل إلى حل لأزمة لوكيربي(51).
4-طرح ترتيبات إقليمية وعبر إقليمية كبديل لأطر جماعية قائمة. وعلى رأس هذه الترتيبات البديلة التي تم طرحها خلال التسعينيات: المتوسطية والشرق أوسطية، وهي صياغات نهاية القرن العشرين لصياغات سابقة ظهرت في ظل سياقات إقليمية وعالمية مختلفة. ولم تحظ مشروعات إقليمية وعبر إقليمية في العالم الإسلامي يمثل ما حظى به هذين المشروعين من اهتمام، لأنهما ولدا بقوة دفع أوربية وأمريكية وكمكونات من الخطط الاستراتيجية الكلية تجاه المنطقة العربية (52). وفي المقابل لم تلق ترتيبات مكملة إسلامية، تزامنت في مولدها مع هذين المشروعين، نفس الاهتمام وعلى رأس هذه الترتيبات المكملة، مجموعة الدول الثماني الإسلامية(53).
ومما لاشك فيه أن القراءة في دوافع مبادرة الشراكة الأوربية المتوسطية وأهدافها وفي أبعادها الثلاثة، وفي خطوات تنفيذها حتى الآن، وفي الانتقادات التي تعرضت لها وخاصة من المنظورات العروبية والإسلامية، لتبين لنا كيف إنها تمثل قوة جذب نحو المركز وقوة طرد مركزية عن الدائرة العربية والإسلامية. وازداد الوضع خطورة مع الشرق أوسطية التي اقترن تدشينها بالسلام العربي الإسرائيلي، والتي انبنت بمبرراتها وأسانيدها على اعتبارات المصالح المادية أساسًا مع تخطي كل اعتبارات العقيدة والهوية والحضارة والتاريخ، بل ووقائع الوضع الراهن الذي ينوء بالاحتلال الإسرائيلي وسياسات التوسع والسيطرة الإسرائيلية. بعبارة أخرى فإن هذين النمطين من الترتيبات البديلة تمحورا حول التقاطع بين دائرة التسوية السلمية للصراع العربي الإسرائيلي منذ مؤتمر مدريد وبين دائرة استراتيجيات الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي تجاه إعادة ترتيب المنطقة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. فإذا كانت عملية التسوية السلمية قد بدأت تحت تأثير معطيات إقليمية (نتائج حرب الخليج الثانية) ومعطيات عالمية (ما بعد الحرب الباردة) فإن هذه الترتيبات البديلة كانت تدعم هذه العملية، وحين انهارت هذه العملية انهارت معها الشرق أوسطية وأخذت المتوسطية في المعاناة.
خلاصة القول، فإن المشاهد السابقة لتبين أن من أهم التحديات التي تواجهها الدول الإسلامية على هذا الصعيد تتلخص كالآتي: تحدي توزيع الأدوار بين الدول الأركان في نطاق استراتيجية إسلامية لتعبئة جهود التنمية وإدارة الأزمات، تحدي مقاومة العقوبات وتدعيم التضامن الجماعي في مواجهة التدخلات الخارجية من خلال أداة العقوبات التي تنال من الشعوب أكثر مما تنال من النظم، تحدي مراجعة متطلبات الترتيبات البديلة التي تكون على حساب متطلبات الأطر الجماعية الإسلامية العامة أو الإقليمية، وأخيرًا تحدي تنمية العلاقات عبر القومية لإعادة بناء الوحدة من القاعدة إذا كان يتعذر إعادة بنائها من القمة السياسية، حيث إن طبيعة النظام الدولي الآن – في ظل خصائص ما بعد الحرب الباردة وعمليات العولمة (كما رأينا) تسمح بظهور المجتمع المدني الدولي، حيث تنامت وتزايدت منظمات المجتمعات المدنية في الدول المختلفة، وحيث تنامت شبكات التفاعلات بين هذه المنظمات عبر الحدود القومية(54).
فإن مراكز القوة العالمية الاقتصادية والاجتماعية الثقافية تدير مصالحها من خلال شبكات التفاعلات المدنية الوطنية وعبر القومية التي لا تنفك في معظمها عن توجهات هذه المراكز وتأثيراتها،من خلال أدوات عدة على رأسها التمويل المشروط، أي المرتبط ببرامج عمل في مجالات تحتل الأولوية في أجندة هذه المراكز، وعلى رأسها مجالات حقوق الإنسان، المرأة والطفل، الثقافة، رجال الأعمال.
ومما لا شك فيه إنه إذا كان للعولمة آثار إيجابية يمكن الحديث عنها من منظور المصالح الإسلامية، فإن ذلك يتصل بالآثار الممكنة على صعيد دعم العلاقات عبر القومية بين الشعوب الإسلامية، وعلى النحو الذي ينمي المصالح والاهتمامات المشتركة ويوفر قنوات العمل الجماعية التي تتجه إلى خدمة المجتمعات. ويظل التحدي الأساسي هو أن تتم هذه العملية في إطار رؤية إسلامية واضحة المعالم تسعى إلى إحياء وتجديد مفهوم الأمة وواقعها لتعويض التآكل والتهاوي في الوحدة على مستويات العلاقات الرسمية.

المحور الرابع أولى حروب القرن الواحد والعشرين ووضع الأمة الإسلامية: رؤية أولية (55)

إذا كانت الصفحات السابقة قدمت رؤية تشخيص حال التحديات التي تواجه الأمة في نهاية القرن العشرين، فإن أحداث 11 سبتمبر 2001 وما تلاها حتى الآن (نهاية أكتوبر2001) قد أكدت هذه التحديات، وكشفت النقاب عنها سافرة واضحة، حيث أضحى وضع الأمة الإسلامية في النظام الدولي مع بداية القرن الواحد والعشرين رهين عواقب السياسات الأمريكية والغربية التي أعقبت الهجمات على واشنطن ونيويورك من ناحية، كما أضحي هذا الوضع من ناحية أخرى ساحة تتجدد حولها وعليها اختبارات مقولات صراع الحضارات ومقولات التهديد الإسلامي للغرب، في مقابل مقولات الحرب الصليبية والمؤامرة على الإسلام والمسلمين.
وتبرز من قلب جميع هذه السياسات وجميع هذه الرؤى والمدركات المتبادلة الأبعاد الثقافية الحضارية للعلاقات بين عالم الغرب وعالم المسلمين جلية واضحة، فهي لا تنفصل عن التفكير في أسباب الهجمات على الولايات المتحدة، أو عن مبررات ردود الفعل الأمريكية على هذه الهجمات، أو عن طبيعة السياسات الأمريكية وعواقبها؛ ذلك لأن أولى حروب القرن التي دشنها الهجوم على واشنطن ونيويورك ثم غزو أفغانستان قد استحضرت معني “الصراع الحضاري” بعد أن دشنت الحرب الباردة ” الصراع الأيديولوجي”، وبعد أن دشنت الحربان العالميتان الأولي والثانية ” صراع القوى” خلال القرن العشرين. إذن ما تكييفنا لطبيعة اللحظة التاريخية الراهنة؟ وكيف تكشف عن الأبعاد الحضارية للتحديات التي تواجه الأمة الإسلامية؟
فعن طبيعة اللحظة التاريخية الراهنة منذ أحداث 11 سبتمبر 2001. فإنها تبين أزمة عالمية ذات أبعاد حضارية وثقافية، وهي أزمة ذات وجهين: وجه الهجوم على الولايات المتحدة، ووجه ما يسمى الحرب ضد الإرهاب الدولي.
إن الهجوم على الولايات المتحدة يعد أخطر حدث منذ نهاية الحرب الباردة. فلقد أصاب في الصميم كل ما تمثله الولايات المتحدة منذ نهاية هذه الحرب، وهو نمط جديد من أعمال العنف المسلح ذو دلالة حضارية. فلقد وقع على أهم رمزين من رموز القوة الأمريكية العالمية، أي القوة المالية والقوة العسكرية، بل هما أهم رموز الحضارة الغربية وقيمها المادية عن الرفاهية وعن الأمن. ولهذا فلقد تم وصف هذه الهجمات بأنها غير مسبوقة وغير متوقعة وأنها كارثة قومية أمريكية. ومن ناحية أخرى، فلقد جاءت الهجمات من فواعل دولية جديدة هي قوى الإرهاب الدولي، والذي تصفه الولايات المتحدة بأنه عدو جديد وغير محدد الهوية.
أما الحرب على أفغانستان، وهي الحلقة العسكرية المفتوحة في حرب الولايات المتحدة على ما أسمته الإرهاب الدولي، فهي رابع حرب تخوضها الولايات المتحدة خلال عقد واحد، وذلك بعد حرب الخليج وبعد التدخل في الصومال ثم البوسنة ثم الحرب حول كوسوفا.
ولقد طرحت جميع هذه الحروب حيال تفجرها قضية العلاقة بين الإسلام والغرب، ووضع الإسلام والمسلمين في النظام الدولي (56). ومن ثم فإن هذه الصراعات المتفجرة- وجميعها ذات جذور تاريخية- قد حملت دلالات ثقافية وحضارية هامة، أحاطت بها وتولدت عنها أطروحات عن التهديد الإسلامي للغرب من ناحية، وأطروحات المؤامرة على الإسلام والمسلمين من ناحية أخرى. كما أثارت كل من هذه الحروب جدالات وخلافات هامة بين التيارات السياسية المختلفة، كما أثارت انقسامات في الرؤى والمدركات حول وضع العامل الحضاري والثقافي – وفي قلبه الدين- بين أسباب اندلاع هذه الحروب ونمط إدارتها وعواقبها ونتائجها.
ومن ثم تأتي أحداث 11 سبتمبر ثم حرب أفغانستان لتمثل قمة ما وصل إليه منحنى الرؤى المتبادلة بين عالم المسلمين وعالم الغرب، ومنحنى السياسات الغربية تجاه الأمة خلال العقد الأخير من القرن العشرين، وبذا تصبح “أولى حروب القرن الجديد” بمثابة مفترق طرق خطر بالنسبة لوضع الأمة الإسلامية في النظام الدولي.فلقد أضحت محك اختبار قوي وتحديًا شديد الخطورة للعلاقة بين أمريكا والإسلام في داخلها وخارجها، فمهما حرصت أمريكا على اعتبار “الإرهاب الدولي”- وليس الإسلام والمسلمين هو عدوها، ومهما كان الفاعل الحقيقي للهجمات على نيويورك وواشنطن، فستظل هذه اللحظة التاريخية الراهنة مفترق طرق خطيرًا تعبر معه الأمة بوابة القرن الواحد والعشرين وقد كشفت التحديات الحضارية الثقافية عن وجهها الحقيقي. ومن هنا فإن شدة الوطأة على الأمة ليس لما تواجهه من تحديات سياسية وعسكرية، ولكن لما أضحت تواجهه من تحديات حضارية ثقافية. وهي التحديات التي تبرز لنا سواء على صعيد أسباب أو مبررات الهجوم على الولايات المتحدة، أو سواء على مستوى الإعداد للتحالف الدولي ضد الإرهاب، أو خلال العمليات العسكرية في أفغانستان، والمعارك الدبلوماسية المحيطة بها.
ولذا لا عجب أن مصطلحات حرب صليبية، حرب حضارية، صراع حضاري، قد تطايرت هنا وهناك مكونة حولها دوائر نقاشية على المستويات الرسمية أو الشعبية على الجانب الإسلامي أو الجانب الغربي.
بعبارة أخرى أضحي الوضع المتفجر منذ 11 سبتمبر 2001، ساحة لاختبار مقولات صراع الحضارات والتهديد الإسلامي للغرب، والمؤامرة على الإسلام والمسلمين. ولذا نجد أن الرؤى والمدركات المتبادلة من ناحية والسياسات النابعة منها من ناحية أخرى محملة بأبعاد ثقافية للعلاقة بين عالم الغرب وعالم المسلمين يقع في قلبها البعد العقدي والديني.
فلقد أضحت هذه الأبعاد (أي الأبعاد المتصلة بآثار اختلاف الثقافة والحضارة على اختلاف الرؤى والقيم وقواعد السلوك والأخلاق، وعلى اختلاف الرؤية للعالم ومعايير التقييم ودوافع السلوك وأسس الهوية) ذات تأثير على المستويات التالية: أسسًا جديدة لتقسيم العالم، محركًا للتفاعلات الدولية ومحددًا لنمطها ولحالة النظام الدولي؛ أداة من أدوات السياسة وموضوعًا من موضوعاتها؛ محددًا لخطاب النخب والقاعدة، عنصرًا تفسيريًا أو تبريرًا للتحالفات، مكونًا للقوة.
هذا ويجدر الإشارة أنه ليس المقصود بالأبعاد الحضارية تلك المتصلة بالاختلاف بين حضارتين فقط، ولكن أيضًا بالتنويعات داخل الدائرة الحضارية الواحدة. كما أن الاهتمام بهذه الأبعاد الحضارية لأحداث سبتمبر2001 وما بعدها لا يعني الانطلاق من تبني مفهوم الصراع الحضاري مع الغرب أو الانزلاق في الدفاع عن الحوار الحضاري، ولكن تعني الاعتراف بأهمية الأبعاد الحضارية لهذه الأحداث وضرورة دراستها على مستويات مختلفة.
خلاصة القول: إن الاقتراب من الهجمات على الولايات المتحدة ومن الحرب ضد “الإرهاب الدولي” من خلال اقتراب ثقافي حضاري يعني أمرين: من ناحية يعد استكمالًا لاختبار وضع الأمة في النظام الدولي خلال العقد الأخير من القرن العشرين، وتأكيدًا للتغير في طبيعة التحديات التي نستهدفها. ومن ناحية أخرى: الكشف عن قضايا فكرية ومعرفية هامة برزت من ثنايا متابعة الرؤى والسياسات الغربية والإسلامية المتبادلة منذ أحداث سبتمبر 2001.
فمن واقع متابعة هذه الرؤى وهذه السياسات يمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات الأولية التي تستدعي -بطريقة أو بأخرى- ما سبق طرحه في المحور الثالث من الدراسة عن مستويات التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية.

أولًا- الخطاب الغربي وسياساته

1- الأبعاد الحضارية على مستوى الخطاب الغربي: لم تعد إدارة الفجوة بين الشمال والجنوب عملية ذات أبعاد اقتصادية أو عسكرية فقط، ولكن أسفرت أيضًا عن أبعادها الحضارية الثقافية. وكان مؤتمر مكافحة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا محطة اختبرت ما أضحت عليه هذه الفجوة الحضارية الثقافية من عمق. ثم أضافت أحداث سبتمبر 2001 وما بعدها دلالة أخرى أكثر عمقًا. وهي الدلالات النابعة من كيفية إدراك المسئولين الأمريكيين لمصادر تهديد الأمن الأمريكي، ولمصادر تشكيل تحالفات السياسة الأمريكية، ودوافع هذه التحالفات من ناحية، وطبيعة إدراك المسلمين لهذه التحالفات من ناحية وطبيعة إدراك المسلمين لهذه الأمور من ناحية أخرى.
ويعد هذا الإدراك المتبادل تعبيرًا عن طبيعة المرحلة الراهنة من تطور ثنائية نحن وهم، نحن والآخر، وهي الثنائية الأكثر ديمومه بين مدركات النظام العالمي، والتي تحولت- عبر قرون ممتدة إلى قانون صارم للثنائية التي تحكم الرؤية للعالم، والتي تعد في جانب كبير منها نتاجًا للثقافة وفي قلبها “الدين”. ولقد تطورت التعبيرات عن هذه الثنائية على صعيد الفكر الغربي والفكر الإسلامي على حد سواء. ولقد انتقلت- على الصعيد الغربي من الثنائية الدينية (مسيحيون/ كفرة)، إلى ثنائيات علمانية متعاقبة (متحضرون/ برابرة، متقدمون/ متخلفون، شمال/ جنوب، وأخيرًا أخيار/ أشرار).
وإذا كانت الرؤى المتبادلة والإدراك المتبادل بين المسلمين والغرب قد تطورت مع تطور علاقاتهم وتفاعلاتهم (كما سبق التوضيح) فإن طبيعة المرحلة الراهنة من هذا التطور- منذ أحداث سبتمبر2001- قد أكدت بروز وزن الأبعاد الثقافية الحضارية.
وحيث إن هذه الرؤى والمدركات المتبادلة ذات طبيعة معقدة ومتشعبة، وتتضمن العديد من المستويات الرسمية وغير الرسمية، فسنكتفي في هذا المقام بالتوقف عند بعض الملاحظات الأولية الاستطلاعية حول البعد الثقافي الحضاري في إدراك الغرب لمصادر التهديد، وكذلك في إدراك إسرائيل والدول العربية والإسلامية.
(أ) فإذا كان الخطاب الرسمي وغير الرسمي في الغرب، لم يخل طوال العقد الماضي من الإشارة إلى المخاطر التي تتعرض لها الحضارة الغربية، الناجمة من أوضاع الجنوب، وعلى رأسها “الحركات الأصولية المتطرفة”، أو “الإرهاب”، ومع ضرب قائدة العالم الغربي في 11-9-2001، لم يكن غريبا أو مفاجئا أن الأبعاد الثقافية والحضارية قد غلبت على الخطابات الرسمية وغير الرسمية الأمريكية والغربية عامة. فنجد أن هذه الخطابات- سواء وردت في تصريحات رسمية، أو تعليقات وتحليلات مكتوبة ومسموعة ومرئية، وعلى رأسها أول تصريحات بوش عقب الهجمات مباشرة وتصريحاته المتوالية خلال العشرة أيام التالية، وخاصة في خطابه أمام الكونجرس- تصف الهجمات بأنها حرب ضد الديمقراطية والحرية؛ ضد العالم المتحضر؛ ضد قيم وقواعد الحضارة الغربية، وبأنها حرب بين الخير والشر، وبين الحرية والخوف.ومن ناحية أخرى وصفت هذه الخطابات الحرب خلال الإعدادلها بأنها حرب القرن الحادي والعشرين لحماية الحضارة الإنسانية ضد أعدائها؛ حرب ضد كل من يرفض قيم الحضارة الغربية ومبادئها في الديمقراطية والحرية؛ حرب ضد عدو جديد بدون وجه وبدون حدود. وعند اندلاع الحرب على أفغانستان كان من نماذج الخطاب تلك المقولات عن كون الحرب ليست دفاعًا عن أمريكا فقط ولكنها دفاع عن العالم الحر ضد القهر والشر. وكذلك المقولات عن أن الحرب هي دفاع عن شعب أفغانستان ضد من يقهرونه كما سبق الدفاع عن مسلمي الكويت والصومال وكوسوفا.
من إذن يمثل مصدر التهديدات؟ وإلى من تتجه الحرب الشاملة ضد الإرهاب؟
بالرغم من التأكيدات الرسمية الأمريكية والغربية على أنه لا يجب الخلط بين الإسلام والإرهاب، أو بين المسلمين والعرب وبين الإرهابيين، فإنها لم تكن إلا تأكيدات ذات طابع تكتيكي تحركها دوافع عدة، على رأسها القلق تجاه قضية الاندماج الداخلي، سواء في المجتمع الأمريكي أو بعض مجتمعات أوروبية؛ ومن ثم الحاجة إلى تأمين التماسك خلال الأزمة.ومما لا شك فيه أن قضية التعددية الثقافية والدينية في هذه المجتمعات قد زادت أهميتها وخطورتها في الوقت نفسه، خوفا من أن تصبح مصادر التهديد من الداخل، وليس من الخارج فقط، وخاصة في ظل التساؤلات حول التحديات التي ستفرضها الإجراءات الأمنية والاستخبارية الجديدة على الطابع المدني الديمقراطي لهذه المجتمعات.
ومن ناحية أخرى، كانت هذه التأكيدات تمثل مخرجًا لبعض النظم العربية والإسلامية التي لا بد من تعبئة مشاركتها في التحالف الدولي لتوفير غطاء شرعي عربي وإسلامي لهذه الحرب الجديدة.
وبالرغم من هذه التأكيدات، وجدنا أن العرب والمسلمين هم المتهمون الأساسيون منذ البداية، وقبل أن تكتمل التحقيقات وتعلن النتائج. وأثارت هذه التحقيقات-ومازال- كثيرًا من علامات الاستفهام في ظل التخبط الذي يحيط بقائمة المشتبه فيهم التي تم الإعلان عنها، وفي ظل استبعاد المراقبين ووسائل الإعلام الغربية، مناقشة احتمالات أخرى حول منفذي الهجمات ومدبريها، والمقصود بذلك بالطبع قوى أخرى، مثل: ميليشيات اليمين المتطرف الأمريكي؛ منظمات الجريمة المنظمة والمخدرات، والموساد… إلخ.
وأخيرًا كان إعلان الولايات المتحدة عن هدف محاربة ” الإرهاب الدولي” باعتباره العدو ومصدر التهديد، بمثابة اختيار استراتيجي يثير من الغموض أكثر مما يطرح من الحلول، وعلى أساس أنه عدو غير محدد الهوية والحدود لا يهدد الولايات المتحدة فقط، ولكن يهدد العالم بأسره بما فيه العالم الإسلامي.
وفي المقابل لم تخل أوساط الرأى العام والنخب الفكرية الغربية من دوائر لم تخف تحيزها ضد الإسلام والمسلمين، وسارعت إلى توجيه الاتهام المباشر لهم واتهامهم بالإرهاب والعنف.
(ب) أما عن إسرائيل فلقد اجتهدت منذ بداية الأحداث لتتطابق مع المعسكر المهدد؛ أي معسكر العالم الحر، الديمقراطي، المتمدين، ولتأكيد أن الصراع العربي- الإسرائيلي ليس مسئولا عن تصعيد العداء للولايات المتحدة، وأن إسرائيل عرضة لـ”الإرهاب الفلسطيني الإسلامي” مثلها مثل الغرب، وأن العرب والمسلمين مصدر التهديد الأساسي للغرب، ناهيك بالطبع عن استغلال ضباب نيويورك وواشنطن لتصعيد العدوان على الشعب الفلسطيني، وانتهاك ما تبقى من ملامح الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة، بل والتحرك نحو تصفيته.
وإذا كان البعض قد يرى أن المؤشرات القولية السابقة ليست دليلًا على أن الصراع الحضاري هو محرك السياسات الأمريكية، وذلك على أساس أن العداء للإسلام موجود دائمًا وأن العنصرية الأمريكية موجودة دائمًا، ولأن الولايات المتحدة تظهر دائمًا-في فكر نخبها- باعتبارها ممثلة الخير في مواجهة الشر؛ ولأن المواقف الأمريكية من العرب والمسلمين ليست لصفتهم هذه، ولكن للاعتبارات المتصلة بالمصالح، إلا إنه يمكن الرد على هذا الاتجاه بالقول إن البعد الحضاري لم يكن غائبًا أبدًا عن الرؤى الغربية حول الإسلام والمسلمين أو عن سياساتهم.
فإن الاختلافات بين الرؤى الرسمية الغربية، التي اتصفت بالبراجمتية التي ترفض وجود علاقة بين السياسات العدائية للعرب والمسلمين وبين الموقف المعادي من الإسلام، وبين الرؤى غير الرسمية القائلة أو الرافضة لوجود تهديد إسلامي للغرب، هذه الاختلافات ليست جديدة ولكنها من صميم تقاليد الفكر الغربي المعاصر تجاه عالم الإسلام والمسلمين، بل تمثل استمرارية وتجديدًا للفكر الاستشراقى. ومن ثم فهي تأخذ في اعتبارها وبعمق عامل البعد الحضاري الثقافي وتتأثر به، فهي لا تعتبر العالم الإسلامي مصدر تهديد لاعتبارات سياسية أو اقتصادية فقط، ولكن لاعتبارات قيمية وثقافية أيضًا هذا فضلًا عن المخاوف من تزايد الوجود الإسلامي في الغرب.
ومع ذلك تظل اللحظة التاريخية الراهنة- بعد الهجمات على نيويورك وواشنطن- محكًا لاختبار ولتحد قوى للعلاقة بين أمريكا والإسلام سواء في داخلها أو خارجها. لأن هذه الهجمات قد كسرت قاعدة عدم وجود ميراث تاريخي مثقل بالعدواة المباشرة بين الولايات المتحدة وعالم المسلمين يناظر الإرث التاريخي مع الغرب الأوربي. ومن ناحية أخرى لم تكن سمات ثقافة العداء تجاه الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة متصلة- حتى الآن- بتأثير المهاجرين كما في أوربا.
(ج) ولكن هل يعي المسلمون ما يجري؟ كيف أدركوه؟ وكيف عبّروا عنه؟ إن وصف الحيرة والالتباس هو الذي يصدق على وصف حالة الخطابات الرسمية وغير الرسمية العربية كيف؟ الإجابة تأتي لاحقًا
(2) خصائص السياسات الأمريكية (الأوربية):خبرة جهود تشكيل التحالف الدولي ضد الإرهاب وإدارته قبل بدأ الحرب وخلالها.
تغلب على توجه السياسة الأمريكية الاتجاه الداعي إلى القيام بحرب شاملة وممتدة، متعددة الأدوات والمستويات، والتي قد تستغرق عدة أعوام. ولذا لم تكن ساحة الحرب على أفغانستان التي بدأت في 7/10 إلا الساحة الكبرى الأولى لهذه الحرب. وهي التي سرقت الانتباه عن جبهات أخرى أخذت السياسة الأمريكية في التحرك على صعيدها باسم محاربة الإرهاب الدولي.
وبالرغم من التأكيدات الرسمية الغربية أن الإسلام والمسلمين ليسواهم المستهدفين بهذه الحرب، إلا إنه لا يمكن القول إلا أن المسلمين هم المستهدفون بالفعل، حتى ولو كانوا من وصفوا بأنهم المسلمون الأشرار.وتتمثل ساحات هذا الاستهداف في ثلاثة أساسية وهي: استخدام القوة العسكرية ضد أفغانستان والتهديد باستخدامها ضد دول أو تنظيمات عربية إسلامية أخرى، والحركات الإسلامية بروافدها المختلفة، مسلمي الغرب.
ويظل السؤال الذي يهمنا هو ما هي الأبعاد الحضارية التي تطرحها هذه الساحات؟ وما الذي تحمله من تحديات للأمة، دولًا وشعوبًا مسلمة وجماعات مسلمة في الغرب؟
(أ) التحالف الدولي من أجل الحرب ضد أفغانستان:
بهذا الصدد يمكن أن أسجل الملاحظات التالية:
أ – بالرغم من إدانة كل الدول للهجمات ضد المدنيين الأبرياء، وإدانة الإرهاب الدولي، وتأكيد الحاجة للتعاون الدولي للقضاء عليه، وبالرغم من إعلان دول عديدة مساندتها الكاملة للولايات المتحدة فيما ستقدم عليه ردًا على هذه الهجمات، يمكن أن نلاحظ أمرين، سواء على الصعيد الأوربي أو الآسيوي أو العربي والإسلامي، ولو بدرجات مختلفة:
– الأمر الأول هو نوع من التردد والحذر من مساندة استخدام القوة العسكرية ضد أفغانستان، وذلك استنادًا إلى عدة اعتبارات، من أهمها: ضرورة التأكد من مسئولية أسامة بن لادن، أو الأضرار الشديدة التي ستحيق بالمدنيين الأفغان الذين يرزحون تحت خط الفقر، أو مخاطر الانزلاق الأمريكي في مستنقع أفغانستان، أو مخاطر اتساع نطاق استخدام القوة العسكرية على نحو يهدد بحرب إقليمية.
– والأمر الثاني هو نوع من الاتهام – الضمني أحيانًا والصريح أحيانًا أخرى – بأن السياسات الأمريكية العالمية مسئولة عن إثارة العداء ضد الولايات المتحدة، وأن على الولايات المتحدة أن تتأنى في حساباتها وتحركاتها؛ حفاظًا على السلام العالمي.
ب- بالرغم من أن إسرائيل قد أعلنت منذ الساعات الأولى بعد الهجمات، عن الضرورة الملحة لتكوين تحالف دولي ضد الإرهاب، للدفاع عن الحضارة الغربية والعالم الحر، وحيث تصاعدت الأسئلة لاحقا عن كيفية اشتراك دول عربية وإسلامية في تحالف تشارك فيه إسرائيل، فإننا نجد تصريحًا أمريكيًا – على لسان وزير الخارجية – بأن إسرائيل لن تشارك في هذا التحالف. وبالطبع فإن المقصود هو التحالف العسكري لتوجيه ضربة لأفغانستان، وليس التحالف على أصعدة أخرى قائمة بالفعل بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وعلى رأسها التحالف ضد الحركات الإسلامية التي يسميها الطرفان “الحركات الأصولية الإسلامية” أو “الإرهاب الإسلامي”. كما أن إسرائيل تشارك أطرافًا أخرى – مثل تركيا، والهند، وروسيا، والصرب- في تحالفات ضد قوى إسلامية أخرى.
ويذكرنا هذا السيناريو بسيناريو التحالف الدولي ضد العراق في 1991. والجدير بالتسجيل هنا أن إسرائيل تجني حتى الآن ثمار تحالف لم تشترك فيه منذ عشر سنوات، وهاهي تجني منذ الآن ثمار تحالف جديد يتم تشكيله؛ ولذا فلا بد أن يكون مثارًا بقوة الآن على الصعيد العربي والإسلامي – ما إذا كان لهذه المشاركة العربية والإسلامية مردود إيجابي على القضايا المصيرية للأمة الإسلامية: الداخلية منها أو الدولية أو البينية.
وفي حين أعلنت إسرائيل وضعها القواعد الجوية الإسرائيلية تحت تصرف الولايات المتحدة، فإن عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية أعلن في 21-9- 2001 أن الدول العربية لا يمكن أن تشارك في تحالف تشترك فيه إسرائيل.
ج- إن الولايات المتحدة لم تكن بسبيل تعبئة مساندة دولية عارمة نابعة من إرادة حرة في كل الحالات، ولكنها في الواقع قامت بممارسة ضغوط وتهديدات مباشرة وغير مباشرة على بعض الأطراف، ملوحة أحيانًا بالجزرة، وملوحة أحيانًا أخرى بالعصا؛ ولذا فإن آليات تشكيل هذا التحالف وطبيعته ونتائجه، أثارت أكثر من تساؤل حول هيكل النظام الدولي الجديد وحقيقة القوة الأمريكية: هل هي قوة صلدة تستطيع إجبار الجميع على قبول ما تريده؟ أم هي قوة مرنة تستطيع الإقناع بقبول ما تريده؟ بعبارة أخرى: هل ستؤكد أمريكا انفرادها بوضع القوة العظمى الوحيدة؟ أم ستتواتر المؤشرات على تآكل هذا الوضع نتيجة تراكم التحديات أمامه؟
وهنا يمكن توجيه النظر إلى الحالات التالية: حالة باكستان وما يثيره وضعها الخاص من إشكاليات أمام قبول رئيسها التحالف المباشر العسكري لتوجيه الضربة ضد أفغانستان، حالة دول مثل مصر والسعودية وإندونيسيا، وتعبئة تحالفها غير المباشر الذي يتمثل في التعاون المالي أو الاستخباراتي أساسًا (فضلا عن توظيف القواعد الأمريكية في الخليج)، حالة الصين وروسيا والهند وإيران، وتعبئة عدم المعارضة المفتوحة للعمليات العسكرية أساسًا، حالة الاتحاد الأوروبي وتعبئة تحالفه المشروط.

خلاصة القول بهذا الصدد ودلالته بالنسبة للأمة الإسلامية:

1- أن المرحلة الحالية- في نظر إدارة بوش- تمثل لحظة اختيار صعب وحاسم بالنسبة للجميع، اختيار “أن تكون مع أمريكا أو ضدها”، هكذا قالها بوش، في خطابه أمام الكونجرس. وهي، أكثر من ذلك، لحظة تدشين لمرحلة تقسيم جديدة للعالم. وإذا كانت الدول الكبرى تقدر على المناورة حول شروط هذه الاختيارات، فإن هناك بعض الدول التي تعلن أوضاعها أنه لا سبيل أمامها للاختيار؛ لأن التحالف مفروض عليها أرادت أم لم ترد؛ ولذلك لا عجب أن تجتهد مثل هذه الدول- وهي إسلامية- لإيجاد المبررات لإضفاء شرعية على “اختياراتها”، وعلى رأس هذه المبررات ضرورة الالتزام بمتطلبات “التعاون الدولي” ضد “الإرهاب”، وفقًا لمقررات “الشرعية الدولية”، متناسية أنه تعاون في مواجهة دول وشعوب إسلامية ستتعرض لضربات عسكرية بقيادة أمريكية، وليس ما يسمى الشرعية الدولية.
2- أن كل دولة إسلامية تبنت موقفها من عملية تشكيل التحالف بشكل فردي، ولم نجد أية مؤشرات عن مواقف جماعية إسلامية تجاه هذه التطورات الخطيرة التي تمس الأمة الإسلامية بصورة واضحة. فإذا كان الناتو قد اجتمع، وكذلك الاتحاد الأوروبي، بل منظمة الدول الأمريكية، في اجتماعات استثنائية، فلم ترد سريعًا بادرة عن إمكانية انعقاد قمة طارئة للجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي، هذا بالرغم من أن العرب والمسلمين هم المستهدفون الأساسيون سواء بالإجراءات العسكرية أو الأمنية أو الاقتصادية أو الدبلوماسية.حين اجتمعت القمة الإسلامية الطارئة-بعد شهرين الهجمات، أثارت نتائجها الواهية الكثير من الانتقادات والهجوم.
3- أن الأمر الآن أكثر خطورة مما كان عليه خلال حرب الخليج 1991، أو خلال حرب الناتو ضد الصرب 1999، وهما حدثان- على ما بينهما من اختلافات في السياق المكاني- أثارا الجدل حول مشروعية وشرعية مساندة التحركات الأمريكية تجاههما، فالآن نجد أن الولايات المتحدة خصم أساسي ومباشر، كما أن الائتلاف الذي جرى إعداده ليس لعقاب دولة مسلمة لاعتدائها على دولة مسلمة أخرى- كما احتجت بذلك بعض المواقف في بداية التسعينيات-ولكن الوضع الآن يتصل بعملية أمريكية لضرب دولة مسلمة، باعتبارها مؤيدة للإرهاب وفقًا لمفهوم الولايات المتحدة وحلفائها وعلى رأسهم إسرائيل، والاستعداد لضرب دول وأهداف عربية وإسلامية أخرى.
لذا لا عجب أن ذرت الرياح بيانات طالبان وقادة الجماعة الإسلامية في باكستان القاضية بعدم شرعية مساعدة الولايات المتحدة ضد دولة إسلامية، كما لا عجب أيضًا أن تذرو الرياح الآراء الداعية الولايات المتحدة لأن تتأنى في اتخاذ قراراتها وأن تتجه نحو خيارات أكثر سلمية. ومن هذه الآراء تلك التي صرّح بها الرئيس المصري مبارك، قبل بداية الحرب موضحًا أن التهم لم تثبت بعد على أسامة بن لادن وطالبان، ومن ثم فإن الضربة العسكرية الأمريكية يجب أن تتأنى حتى لا تودي بحياة المدنيين الأبرياء.
د- كانت التحركات العسكرية الأمريكية المنفردة الضخمة في كافة أرجاء العالم، هي بالطبع الاستجابة الطبيعية والمتوقعة من جانب الدولة العظمى، التي تعرض أمنها لاختبار جاد مع الهجمات القاتلة على رمزي قوتها: المال والقوة العسكرية.ولكن يظل السؤال التالي يفرض نفسه بإلحاح: هل الهدف الوحيد هو الاستعداد لاستئصال أسامة بن لادن وتنظيمه ونظام طالبان الذي يؤويه؟ أم أن هناك أهدافا أخرى حقيقية تستدعي كل هذه الاستعدادات العسكرية الجارية وحشد ذلك التحالف؟ أعتقد أنه لا يجب البحث عن إجابة هذا السؤال المزدوج في اتصاله المباشر بما يُسمى مكافحة الإرهاب، ولكن يجب النظر إليه في سياق الإستراتيجية الأمريكية العالمية بعد نهاية الحرب الباردة، وموضع مكافحة الإرهاب منها، وما يتصل بذلك من أحاديث التدخلات الدولية من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية. إن الخبرتين السابقتين للاستخدام الأمريكي للقوة العسكرية ضد العراق، وضد صربيا خلال التسعينيات، تقدمان لنا دلالات شديدة الوضوح، وهي أن الولايات المتحدة لا تحرك القوات الضخمة تحت غطاء دولي لتحقيق أهداف محدودة (مثل تحرير الكويت أو حماية ألبان كوسوفا) فقط، ولكن تكون تلك الأخيرة مجرد منطلق لإعادة تشكيل التوازنات الإقليمية في المناطق المعنية، ولاختبار التوازنات العالمية حولها، بما يحقق حماية المصالح الإستراتيجية الأمريكية وتحقيق الأهداف المرتبطة بها وتدعيمها.ولهذا، وعلى ضوء استدعاء دلالات هاتين الخبرتين، يمكن القول بأن العمليات العسكرية ضد أفغانستان إنما يحركها ويرتبط بها قضية التوازنات الدولية في آسيا، ووضع العامل الإسلامي في هذه التوازنات؛ ولذا تفرض مجموعة من القضايا نفسها على تحليلنا الراهن، وعلى متابعتنا للتطورات مع تنفيذ العمليات وبعدها، وهنا يمكن أن نطرح الأسئلة التالية:
– لماذا قدمت جمهوريات آسيا الوسطى وخاصة أوزبكستان خدماتها اللوجسيتيكية للولايات المتحدة؟ ومقابل ماذا؟ وما أثر هذا على تزايد النفوذ الأمريكي في مقابل الروسي؟ هل يمكن أن تتجدد الحرب الأهلية في طاجكستان تحت اعتبارات المساندة مع حكومة طالبان من جانب الجماعات الإسلامية الطاجكية؟
– هل يمكن أن تتزعزع أوضاع باكستان الداخلية من جراء المواجهة بين النظام الباكستاني والقوى الإسلامية المعارضة للتعاون مع الولايات المتحدة؟ أم أن المكاسب التي سيحققها الاقتصاد الباكستاني قد تؤثر على إضعاف هذه المعارضة في نظر “الشارع الباكستاني”؟ هل ستراقب إيران ضرب نظام طالبان غير الموالي لها؟ وما الفائدة المرجوة؟ أين صوت الهند؟ لماذا تكتفي الصين بإعلان رفضها للخيار العسكري؟ وما الذي يجري في كواليس العلاقات الأمريكية- الصينية، وخاصة مع الإعلان الأمريكي الأخير عن قبولها انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية؟ لماذا لم تكتفي روسيا بتحذير الولايات المتحدة من الانزلاق في مستنقع أفغانستان لتدفعها حساباتها إلى تقديم التعاون الاستخباراتي وغيره للعمليات العسكرية الأمريكية؟ أم ستكون هذه العمليات الأمريكية القريبة من البطن الروسي ذات آثار مباشرة على الأمن الروسي تقتضي من بوتين حسابات أخرى فيما بعد؟ هل ستكون العراق واليمن وليبيا أهدافا تالية للهدف الأفغاني؟ ما الآثار المحتملة لقيام نظام أفغاني جديد موال للولايات المتحدة تكونه قوى المعارضة الشمالية؟
بعبارة أخرى، واستحضارًا لما يعترف به المستشرقون أكثر من اعترافنا به (كمقولة لبرنارد لويس) عن كون آسيا الوسطى امتدادًا حضاريا للشرق الأوسط، وبالنظر إلى إعادة التشكيل التي تعرضت له منطقتا الشرق الأوسط والبلقان، فيمكن القول إن التوازنات في آسيا ووضع العامل الإسلامي منها يقع في قلب التحرك العسكري الأمريكي من ناحية، والتحالف الروسي-الصيني- الهندي مع الولايات المتحدة من ناحية أخرى. فلعلنا نستطيع أن نتساءل: ما المصلحة المشتركة التي جمعت بين هذه القوى الإقليمية المتنافسة في وسط آسيا؟ وما الذي جمع بينها وبين المنافس الأمريكي الأكبر؟ وما هي هذه المصلحة التي فاقت مكاسبها تكلفة الوجود الأمريكي في الجوار الروسي والصيني المباشر؟
أليست هذه المصلحة هي محاربة الحركات الإسلامية في مجتمعات آسيا الوسطى و غرب الصين، وكشمير؟ وكذلك تقييد إيران واحتواءها، وتصفية مستقبل القوة النووية الباكستانية المستقلة؟
(ب) أهداف أخرى: أبعد من أفغانستان: الحركات الإسلامية، ومسلمو الغرب
وعلى صعيد آخر، فإن التحركات العسكرية الأمريكية لا تستهدف أفغانستان فقط أو التوازنات الآسيوية بصفة عامة، ولكن تمثل استعراضًا هائلًا للقوة العسكرية، وهي القوة التي تمثل إحدى الدعائم الأساسية في الحرب الحضارية الشاملة الجاري إعدادها بقيادة أمريكية، وبمشاركة أوروبية، وبمراقبة عربية وإسلامية ضد ما يُسمى “الإرهاب الدولي”. والدعائم الأخرى لهذه الحرب الممتدة والشاملة عديدة ومتنوعة، فمنها الاقتصادية المتمثلة أساسًا في أوراق الضغط المالية والتجارية، ومنها الاستخبارية والأمنية المتمثلة في الإجراءات المتطورة ضد الناشطين الإسلاميين في أوروبا وفي الدول العربية والإسلامية ذاتها، وهي الإجراءات التي تثير في الغرب الكثير من الجدل حول كيفية الموازنة بين حماية الحريات الفردية والحقوق المدنية في ظل الديمقراطية الغربية، وبين منع استغلال تلك الحريات والحقوق لأغراض إرهابية.وإذا كان هذا الجدال يأخذ أبعادًا جديدة الآن في أوروبا والولايات المتحدة بعد الاتجاه لتطوير الإجراءات الأمنية والاستخبارية في المجتمعات الغربية، فإن نظيره في الدول العربية والإسلامية يحمل أبعادًا أخرى يترجمها السؤال التالي: ما القدر المتبقي من مساحة الحركة أمام الناشطين إسلاميًا: سواء المحجوبون عن الشرعية، أو الذين يتمتعون بها، أو المحاصرون؟ هل ستمثل الهجمات ضد الولايات المتحدة وعواقبها بالنسبة لوضع المسلمين داخل وخارج الولايات المتحدة، منطلقا جديدًا للسلطات الرسمية نحو مزيد من الحوار والانفتاح؟أم نحو مزيد من الصدام والمواجهة والحصار، سواء على صعيد المشاركة السياسية أو المجتمع المدني أو التوجهات الثقافية والخدمية العامة؟ بعبارة أخرى كيف ستجري إدارة الأبعاد غير العسكرية للحرب الحضارية الشاملة ضد ما يُسمى “الإرهاب” داخل وخارج مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟
بعبارة أخرى، فإن السياسات الأمريكية والغربية بصفة عامة تجاه مستقبل مسلمي الولايات المتحدة وأوربا، وتجاه مستقبل الحركات الإسلامية المعارضة في الدول الإسلامية لتطرح بعمق التساؤل حول مصداقية النموذج الحضاري الأمريكي: أي النموذج الذي يقوم على ركائز ثلاثة: الحريات المدنية، المجتمع- البوتقة التي تصهر القوميات المتنوعة، الدعوة إلى حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي. وفي المقابل فإن مصداقية اندماج مسلمي الغرب في مجتمعاتهم الجديدة، وكذلك مصداقية نوايا النظم والحكومات العربية نحو التحول الديمقراطي، قد تعرضت للاختبار وللمحك وللتشكيك.

ثانيًا- ردود الفعل العربية والإسلامية: كيف تدير التحديات التي تفرضها السياسات الغربية؟

يتضح من متابعة سلوك النظم العربية والإسلامية مجموعة من الخصائص التي تطرح قضايا هامة ذات أبعاد حضارية واضحة. وتحتاج هذه القضايا لإعادة قراءة وتفكير على نحو يساعد على صياغة رؤية حضارية لفهم ما يجرى على صعيد الأمة.
وبدون الدخول في تفاصيل الأبعاد المشتركة لهذا السلوك (إدانة الهجمات، الموافقة على الاشتراك في التحالف الدولي ولو بدرجات مختلفة، تحديد شروط للضربات العسكرية ضد أفغانستان، نقد مفهوم الإرهاب الأمريكي) فيجدر القول إن القضايا التي يثيرها هذا السلوك إنما تتصل بأمرين أساسيين من أمور العلاقات الدولية الإسلامية:
الأمر الأول: هو مفهوم الأمة ومعضلات العلاقة بين المصلحة الوطنية وبين مقتضيات الرابطة العقدية
الأمر الثاني: هو مفهوم الجهاد وعلاقته بأشكال العنف المسلح المتنوعة في العالم الإسلامي والمتجهة نحو العالم المحيط تجاه بعض النظم العربية والإسلامية.
وتوضح الممارسات، الرسمية وشبة الرسمية (وهي في حاجة لرصد منظم ومتراكم خلال هذه المرحلة) مدى ما أضحت علية الفجوة بين الواقع القائم وبين المبادئ والقواعد الشرعية المنظمة للعلاقات الإسلامية الدولية. والجدير بالذكر أن هذه القضايا قد ثارت من قبل خلال حرب الخليج، وحرب كوسوفا، وحرب البوسنة، وحرب الشيشان….
إن هذه القضايا تطرح مجموعة من الملاحظات تجسد عمق التحديات التي تواجه الدول الإسلامية والشعوب الإسلامية وهذه التحديات تجد جذورها في الداخل والبيني الإسلامي بقدر ما تفرضها التدخلات الخارجية. وهي التدخلات التي وصلت درجة كبيرة من العمق والتشعب، غير مقتصرة على الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية التقليدية، ولكن امتدت لتكتسب أبعادًا حضارية وثقافية واضحة الدلالة، وذلك في ظل المرحلة الراهنة التي يخوضها عالم الإسلام والمسلمين في علاقته مع الغرب في بداية القرن الواحد وعشرين.
وتتصل هذه الملاحظات بالنظم العربية والإسلامية، وبالحركات الإسلامية، وبمسلمي الغرب. وهي تتلخص كالآتي:
(1) مع الإدانة الكاملة للهجمات على الولايات المتحدة ومع إعلان مساندة هدف مكافحة الإرهاب الدولي، ومع مساندة تحركات السياسة الأمريكية ولو بدرجات متنوعة، ظهر رفض تبني المفهوم الأمريكي (وهو نفس المفهوم الإسرائيلي) عن الإرهاب. وفي المقابل ونظرًا لتبني وصف أسامة بن لادن بأنه إرهابي، ونظرًا لرفع الأخير هدف الجهاد، فلقد وقعت الدول الإسلامية في حرج فك الاشتباك والتداخل بين مفهوم الجهاد وبين مفهوم الإرهاب.
(2) ومع عدم الإعلان الأمريكي الرسمي عن الأدلة التي تدين أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، ومع استمرار الولايات المتحدة في توجيه ضرباتها العسكرية وغيرها إلى هذا الهدف باعتباره المتهم بتنفيذ الهجمات، يتخبط الخطاب الرسمي العربي أو المسلم في ظل عدم إثبات إدانة العرب والمسلمين.
فنجد إنه في نفس الوقت الذي يتم فيه إدانة الهجمات بأنها عمل إرهابي تظهر الإشارة إلى مسئولية سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط عن تفجير العداء لها. وهذان الوجهان لنفس العملة يعنيان أن للإرهاب مبرراته من ناحية، والاعتراف الضمني من ناحية أخرى بأن هذا الإرهابي هو عربي ومسلم يحركه العداء للصهيونية وللسياسات الأمريكية المتحيزة لإسرائيل وضد العالم الإسلامي.
وبعبارة أخرى بجمع الخطاب بين الاتجاه لتبرئة العرب والمسلمين من تهمة الإرهاب، وبين الاتجاه لتبرير ما قاموا به- إذا كانوا هم الفاعلين. ويعكس هذا الخطاب المزدوج منطق الدفاع والاعتذار وفقدان إرادة المبادرة وإلقاء المسئولية على الغير، أي يعكس هذا الخطاب نقيصة ثقافية خطيرة في العقل العربي والمسلم في ظل استحكام أزمة المجتمعات والدول داخليًا وخارجيًا.
أما الخطاب غير الرسمي فيعكس بدوره ازدواجية أخرى. فإذا كانت روافده تجتمع على خطأ إلقاء اللوم على الخارج فيما يصيب العرب والمسلمين في كل مكان الآن، إلا أن الرافد الذي يصف نفسه بالاعتدال والوعي والعصرية والتنويرية يلقى اللوم على الموجة القومية والدينية، وفي المقابل فإن الرافد الديني والقومي يلقى باللوم على ما أصاب المجتمعات العربية والإسلامية من تهافت في ظل تأثيرات العولمة والتغريب وفي ظل النظم الحاكمة العاجزة عن مواجهة تحديات الصهيونية.
(3) مع الإدانة- المشروطة- لتوجيه ضربات عسكرية لأفغانستان، ومع السكوت عن بداية الحرب واستمرارها تكرر في الخطاب الرسمي العربي رفض أن تكون دول عربية هدفًا لضربات متزامنة أو لاحقة. إذن لماذا هذا الفصل بين الدائرتين: وسط آسيا، المنطقة العربية؟ إذا كان المستشرقون- أمثال برنارد لويس- قد اعترفوا بالبعد الحضاري الرابط بين المنطقتين، وإذا كانت الاستراتيجية الأمريكية العالمية لا تفصل بينهما، فلماذا يفصل الخطاب الرسمي بينهما على هذا النحو، ألم يكن السيناريو الذي بدأ في الخليج، ومازال مستمرًا- منذ عشر سنوات هو خطوة نحو ما يحدث الآن واستكمالًا لأهداف تتصل بأهداف إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية والعالمية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة؟
(4) مع إعلان إسرائيل تسكين نفسها في المعسكر الغربي المتحضر الذي يقود الحرب ضد الإرهاب، ومع مقارنتها الدائمة بين الإرهاب التي تعرضت له الولايات المتحدة وبين ” الإرهاب الفلسطيني والإسلامي” التي تواجهه إسرائيل، ومع تصاعد موجات العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الذي يتمسك بالانتفاضة كسبيل لتحرير أرضه، ومع اكتفاء النظم العربية بالمراقبة وباللعبة الدبلوماسية تاركة قوى الانتفاضة في مواجهة الآلية العسكرية الإسرائيلية الغاشمة، مع هذا كله يظل منطق التمسك بالتسوية السلمية قائمًا ومسيطرًا على السلطة الفلسطينية وعلى النظم العربية. واقترن هذا المنطق- ومن جانب السلطة الفلسطينية بصفة خاصة- بإعلان رفض الربط بين القضية الفلسطينية وبين إرهاب بن لادن وتنظيم القاعدة. فكان خطاب مسئولي السلطة- عقب إذاعة خطاب بن لادن الأول- واضحًا وصريحًا في هذا الصدد. وأي كان تكييف أعمال بن لادن، إرهابًا أم جهادًا- فإن ذلك الخطاب الفلسطيني يعني رفض الربط بين الجهاد الفلسطيني وبين جهاد بن لادن لمناصرة القضية الفلسطينية. ولقد أثارت هذه الخطابات التساؤل حول حقيقة مفهوم الجهاد ومبررات استخدام القوة العسكرية وفق هذا المفهوم وضوابط هذا الاستخدام وظروفه، حتى لا يثور الخلط الشائع بينه أي بين مفهوم الجهاد وبين اللفظ الشائع التداول الآن وهو الإرهاب. كما أثارت هذه الخطابات التساؤل أيضًا عن قدر ما تبقى من البعد الإسلامي للصراع العربي الإسرائيلي وقدر ما يبقى من التضامن الإسلامي مع القضية الفلسطينية0 فهل من ظلوا يتذكرون هذه القضية وأبعادها الإسلامية هم ” الإرهابيون فقط” أم أن ما يسمى أنشطة إرهابية هي كل ما يبقى لهم من سبل للجهاد؟؟؟
(5) الأزمة الأفغانية ليست وليدة اليوم، وتمثل الحرب الدائرة الآن على أراضيها بقيادة أمريكية المرحلة الراهنة من تطور هذه الأزمة المستحكمة منذ عقدين ولم تكن أفغانستان ساحة تلاعبت بها القوى الكبرى فقط (الاتحاد السوفيتي، الولايات المتحدة) في لعبة الصراع العالمي بينهما ولكن شاركت فيها دول عربية وإسلامية بأدوار شتى. ولم يكن استمرار الحرب الأهلية الأفغانية بعد الانسحاب السوفيتي لعبة بين الفصائل الأفغانية فقط ولكن لعبة إدارتها الدول العربية والإسلامية. ولذا فلقد كانت أفغانستان ساحة لاختبار توازنات القوى الإسلامية أيضًا، ويظل اللاعب الخارجي مراقبًا عن بعد حتى تأتي لحظة التدخل الفعلية. وها هي أفغانستان تشهد الآن لحظة ثانية من التدخل الغربي هدفها طالبان وبن لادن وتنظيم القاعدة بعد أن كان هدف اللحظة الأولى السابقة هو الاتحاد السوفيتي. إن غياب الإرادة الإسلامية الجماعية لإدارة الأزمات يفسح السبيل أمام التدخلات الخارجية بكل مخاطرها وعواقبها.
(6) كان الخطاب الرسمي الرافض لاستخدام القوة العسكرية كسبيل لعلاج الولايات المتحدة للإرهاب الدولي، خطابًا متدرجًا متنوع التعبيرات. وفي المقابل فلقد كانت أدوات العنف المسلح هي الأدوات الأساسية التي أدارت بها النظم العربية والإسلامية معركتها مع القوى المعارضة لها. وإذا كان المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب هو بديل تقدمه العديد من هذه النظم، إذا كان الأسلوب التفاوضي الجماعي هو الأساسي في مثل هذه المؤتمرات، إذن لماذا لم يتم توظيفه بين الحكومات وقوى المعارضة الداخلية بامتداداتها الخارجية؟
ومما لاشك فيه إن المرحلة الراهنة من إدارة العلاقة بين الحكومات وبين هذه القوى- وخاصة الإسلامية فيها- ستدخل مرحلة خطيرة في ظل الضغوط الخارجية. وكذا يثور التساؤل- ما هو مصير درجة التحول الديمقراطي التي سمحت بها الحكومات والنظم العربية والإسلامية منذ منتصف الثمانينيات؟
(7) مع استعار الحرب ضد الإسلام والمسلمين من ناحية ومع اجتهاد المسئولين الغربيين أن تكون الحرب الدائرة باسم الإرهاب هي حرب ضد الإسلام والمسلمين، وبعد جولات السجال الممتدة- طوال ما يربو على العقد- بين مؤيدي حوار الحضارات في هجومهم على أطروحة هانتجتون، إذ بخطاب حوار حضارات يكتسب دفعه قوية. وتقود هذه الجولة الراهنة جهات رسمية عربية وإسلامية (مؤتمر في تونس في إطار الإيسيسكو ومؤتمر في القاهرة في إطار جامعة الدول العربية). ومرة أخرى يقفز منطق الاعتذار والتبرير والدفاع عن الإسلام والمسلمين بحيث يبدو خيار حوار الحضارات وكأنه بديل عملي، في يد الحكومات وأمام شعوبها، لموازنة تداعيات الاشتراك في التحالف الدولي بقيادة أمريكية. وفي مقابل المنطق الرسمي، بدوافعه الخاصة، يبرز المنطق المعارض للاندفاع وراء خطاب أو سياسات حوار الحضارات والمطالب بتبني خطاب الهجوم على الآخر ومثالبه الحضارية وسياساته الجائرة غير القيمية، والمنطق الرافض لإمكانية قيام حوار حضارات في ظل اختلال ميزان القوى المادي بين حضارتين، والمنطق المتسائل عن فائدة وجدوى مثل هذا الحوار في حين أن الأصل والواقع الذي نريد تحسين صورته لدى الآخر، هو أصل مشوه بالفعل ويحتاج لعملية تغيير جذرية حتى تتوافر له شروط القدرة على إجراء حوار سوى…
(8) تواجه الحركات الإسلامية المعارضة-سواء المعتدلة أو المسلحة- ما يمكن أن نسميه تحدى ظاهرة بن لادن. فإذا كانت الولايات المتحدة والدول الأوربية الكبرى قد ناورت بعض النظم الحاكمة بورقة المعارضة الإسلامية لها، أي إذا كان المنهج الغربي- بصفة عامة- قد أتسم بنوع من الازدواجية في التلاعب بهذه الورقة، فإن الهجوم المباشر على الولايات المتحدة وتوجيه الأخيرة الاتهام المباشر لما أسمته الإرهاب الدولي ممثلًا في بن لادن وتنظيم القاعدة، قد حسم التأرجح الأمريكي الرسمي لصالح المواجهة المباشرة مع هذه القوى المعارضة الإسلامية وامتداداتها في الخارج. ولذا أضحت هذه القوى تواجه تحديات فكرية متجددة بقدر ما تتعمق التحديات السياسية التي تواجهها من قبل، وذلك في ظل الإجراءات والسياسات الأمنية والاستخبارية التي تتعاون فيها النظم الحاكمة مع الأجهزة الغربية المعينة. ومن ثم تتلخص مجموعة التحديات الحضارية المتداخلة في أبعادها الداخلية والخارجية كالآتي:
· التحدي الفكري والتأصيلي لفك الاشتباك بين مفهوم الجهاد (بالقوة العسكرية) وبين مفهوم الإرهاب أي ضرورة تحديد مفهوم إسلامي للإرهاب يوضح الفرق بين مفهوم الإرهاب الشائع وبين مفهوم الجهاد (فهل بعد بن لادن، وأبو سياف، ومجاهد وكشمير، وحماس والجهاد في فلسطين، والمقاومة الشيشانية، في ظل ظروف وأهداف كل منهم مجاهدين أم إرهابيين؟). وتزداد أهمية هذا التأصيل مع شيوع تعاطف الشارع العربي والإسلامي مع خطابي بن لادن في وقت تتجه إليه الضربات باعتباره إرهابيًا.
· التحدي الفكري والتأصيلي لفك الاشتباك بين المفهومين، الذائعين لحوار الحضارات وصراع الحضارات، وتوضيح الشروط اللازمة لإجراء الحوار والظروف التي تفرز صراعًا حضاريًا لأن الاختلاف بين الحضارات في حدّ ذاته لا يولد بالضرورة الصراع بين الحضارات.
· التحدي الفكري والتأصيلي لتجديد مفهوم الأمة أي إعادة عرض وطرح مفهوم الأمة بمستوياته المختلفة، لإزالة الضباب الذي أحاط بمصداقية المفهوم في ظل تهاوي العرى بين المسلمين.
· التحديات التي تفرضها السياسات والإجراءات الاستعدائية من جانب النظم والتي تستهدف ليس الأنشطة السياسية فقط ولكن امتدت لتستهدف أنشطة مدينة وتطوعية وخيرية درج التيار الإسلامي على إدارتها في مجالات الإغاثة الإنسانية، والتربية الإسلامية ناهيك بالطبع من تحديات خطيرة وهامة أضحت تواجهها البرامج التعليمية والتوجه العام الداخلي لدولة مثل السعودية، التي تعرضت لحملة إعلامية باعتبارها هي الحاضة لفكر الإرهاب.
· تحديات الفشل في الوصول إلى السلطة والمشاركة في الإصلاح الداخلي من خلال مشروع إسلامي متكامل الأبعاد وهذه التحديات تتحول الآن إلى تحديات الوجود والاستمرار كتيار أساسي من تيارات العمل السياسي والعمل المدني والأهلي.
(9) وأخيرًا يواجه مسلمو الغرب، في الولايات المتحدة وفي أوربا- تحديات خطيرة لمواقفهم من قضايا الأمة في ظل ضغوط الاندماج في الوطن الجديد والولاء له والانتماء إليه.
ففي نفس الوقت الذي أحرز فيه الوجود المسلم في الغرب مكاسب جعلته يقرب من أن يصبح جزءًا مندمجًا في مجتمعاته، وفي نفس الوقت الذي كان يمثل زخمًا في مساندة قضايا الأمة وخاصة في جانب الإغاثة الإنسانية العالمية وفي جانب الدعوة الإسلامية في قلب الغرب، إذا بالهجوم على واشنطن والغرب يضع على المحك كل هذه الإنجازات بل يعرض الجماعات المسلمة في الدول الغربية لضغوط جديدة. وخاصة في ظل الإجراءات الأمنية وسياسات الهجرة الجديدة التي شرعت في تقنينها وتطبيقها الحكومات الغربية. وإذا كانت هذه الإجراءات وهذه السياسات قد لاقت معارضة من قطاعات الرأي العام الغربي نظرًا لتهديدها جوهر الحريات المدينة والمبادئ الديمقراطية التي تقع في قلب النموذج الغربي والأمريكي بصفة خاصة، إلا أن تقنينها وتطبيقها قد وضع مسلمى الغرب أمام تحديات خطيرة. وكان على رأسها القيود والضغوط على مؤسسات الإغاثة الإنسانية العالمية ومواردها المالية. ومن ناحية أخرى كان الموقف من الحرب في أفغانستان (بين التأييد، وبين الرفض والإدانة، وبين التحفظ) والفتاوى الخاصة بموقف الجنود الأمريكيين المسلمين من المشاركة في هذه الحرب محكات للتحديات التي يواجهها انتماء واندماج المسلم الأمريكي.
ومع ذلك- وفي ظل الوجه الآخر للعملة- أي وجه تنامي اهتمام قطاعات من الشعوب الأوربية والأمريكية بالتعرف على الإسلام وعلى عالم المسلمين، فيظل أمام مسلمي الغرب تحدي أساس هو تحدي تنظيم الدعوة في قلب الغرب للاستجابة لهذه الاتجاهات الجديدة الساعية للتعرف على الإسلام. فبالرغم من كثرة الأدبيات العلمية والأكاديمية الغربية عن الإسلام والمسلمين فيظل فهم قوة عقيدة المسلمين، يمثل إشكالية أساسية في العقلية الغربية، الرسمية وغير الرسمية، ففي هذه المنطقة يكمن أحد أهم القيود التي تواجه فرض النموذج الحضاري الغربي كنموذج عالمي. ومن هنا أخذ الغرب- وعلى رأسه الولايات المتحدة – يعترف بما أضحى عليه البعد المعنوي الديني من قوة وتأثير. ولذا وإذا كان البعد الحضاري الثقافي قد تجدد الاهتمام به لفهم العلاقات الدولية منذ ما يقرب من العقد فإنه بعد الهجمات على واشنطن وتداعياتها على العالم وفي قلبه عالم الإسلام والمسلمين- فلن يستطيع دارسو النظام العالمي وتفاعلاته- في مرحلة ما بعد أحداث سبتمبر 2001- إهمال وزن وتأثير هذا البعد.
وسيظل السؤال المطروح لفترة ممتدة هل الصراع الحضاري، هو الذي يصف حالة الصراع العالمي في بداية القرن الواحد والعشرين؟ وكيف ستواجه الأمة تجليات هذا الصراع وعواقبه بالنسبة للبعد الحضاري الثقافي لتفاعلات الأمة على الصعيد الداخلي والبيني ومع الآخر؟
*****

الهوامش:

1- Fred Halliday: The End of the cold war and international relations (in) K. Booth, S.Smith (eds): International relations theory today (1995) PP 39-61.
2- James Roseneau , Mary Durfee: Thinking theory thouroughly, coherent approaches to an Incoherent world (1995). PP 31-69
3- Pierre Grosser: Les temps de la guerre froide. 1995 PP 193-263.
4- Adams Roberts: A new age in International relations. International relations vo. 67-No3 July 1991.
5- د.محمد السيد سليم: التحولات العالمية وآثارها على العالم الإسلامي (في) د.حسن العلكيم (محرر) قضايا إسلامية معاصرة 1997.
6- شهدت التسعينيات نموًا ملحوظًا في الدراسات حول ” النظام الدولي الجديد. سواء في الجماعة البحثية العربية أو الأجنبية انظر تحليلات مقارنة لأهم هذه الدراسات في
– د.ودودة بدران: الرؤى المختلفة للنظام العالمي الجديد (في) د. محمد السيد سليم (محرر) النظام الدولي الجديد، مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة، 1994.
– د. نادية محمود مصطفى: المنطقة العربية والنظام الدولي الجديد (في) تقرير الأمة في عام، مركز الدراسات الحضارية، القاهرة، 1993.
– د. حسنين توفيق: النظام الدولي الجديد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1992.
– د. أحمد يوسف (محرر) الوطن العربي والتغيرات العالمية، معهد البحوث والدراسات العربية 1991.
7- انظر على سبيل المثال متابعة لاتجاهات هذا التطور في
– د. نادية محمود مصطفى: مدخل منهاجي لدراسة التطور في وضع ودور العالم الإسلامي في النظام الدولي (في) د. نادية محمود مصطفى (إشراف) مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، المعهد العالمي للفكر الإسلامي 1996، الجزء السابع ص 67-70.
– وحول اتجاهات تشويه صورة المسلمين والأدبيات القديمة المعبرة عنها انظر:
– د.زينب عبد العزيز: محاصرة وإبادة موقف الغرب من الإسلام، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، 1993.
– وحول تبريرات لهذه الاتجاهات التشويهية انظر: آن شميل: (مقدمة) مراد هوفمان: الإسلام كبديل، ترجمة غريب محمد غريب، مؤسسة بافاريا للنشر، المانيا، 1993.
– وحول اتجاهات التطور انظر على سبيل المثال:
– Albert Hourani: Islam in European thought , Cambridge University press 1991
– Norman Daniel: Islam, Europe and Empire , Edinburgh University Press 1966
– ——————–: Islam and the West: The Making of an Image 1960
8- وحول رؤية ثقافية حضارية عن تغير الرؤية الغربية للآخر في ظل تغير رؤيته للذات الغربية انظر:
– Ali Mazroui: The cultural forces in world Politics,1990.
وحول تحليل ثقافي اجتماعي لتطور إشكالية ” نحن وهم ” في النظرية الاجتماعية وفي أدبيات نقد الاستشراق انظر: الدراسة المتميزة:
– Mehrzad Boroujerdi: Iranian Intellectuals and The West. Syracuse University Press, 1996.
– د. علي الشامي: الحضارة والنظام العالمي، أصول العالمية في حضارتي الإسلام والغرب، دار الإنسانية، بيروت، 1995.
9- Clash of Civilization. Foreign affairs vo 72 No3 summer 1993
وانظر الترجمة العربية (في) شئون الأوسط العدد 26، فبراير 1994، ص 79-102.
10- انظر هذه التفاصيل في: د. نادية محمود مصطفى: التحديات السياسية، ص. ص 84-114.
11- Judith Miller: The challenge of radical Islam , foreign affairs spring 1993
ومن النماذج الأخرى الممثلة لهذا الاتجاه، المقالة القصيرة الشهيرة التي صدرت كتطوير لمحاضرة ألقاها المستشرق اليهودي الشهير برنارد لويس والتي حازت جائرة أحسن مقال في العلوم الإنسانية في الولايات المتحدة 1990. وهي مقالة:
-The roots of The Islamic Rage , The Atlantic monthly No 226: 3 September 1990, pp47-51
ومن نماذج الأدبيات التي لا ترفض وجود تهديد إسلامي ولكن التي تقول بفشل الإسلام السياسي على أساس أن الحركات الإسلامية قد تعدت ذروتها دون أن تحقق أهدافها في التغيير الإسلامي على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية أو السياسية انظر:
-Olivier roy: The Failure of Political Islam. Demy 1994
– Leon Hadar: what green feril , foreign Affairs , spring 1993
-فريد هاليداي: الإسلام وخرافة المواجهة، الدين والسياسة في الشرق الأوسط، ترجمة محمد مستجير، مكتبة مدبولي، 1996.
-جون اسبوسيتو: التهديد الإسلامي أسطورة أم حقيقة،القاهرة، 1995.
-وإلى جانب النماذج الشاملة المشار إليها عاليا يمكن أن نرصد مجموعة أخرى من الأدبيات الشاملة حول نفس الموضوع، وهي تعكس اتجاهات متنوعة حوله.
-فرانسوا بورجا: الإسلام السياسي، صوت الجنوب
-إدوارد سعيد: الإسلام والغرب (في) برناردو لويس، إدوارد سعيد: الإسلام الأصولي في وسائل الإعلام الغربية وجهة نظر أمريكية، بيروت، دار الجيل 1994.
– يوخين هيبلر، انريا لويج: الإسلام العدو بين الحقيقة والوهم: ترجمة أيمن شرف، القاهرة، دار الفرسان للنشر 1995
– Graham fuller , Jan O. Lesser: A sense of Siege , the geopolitics of Islam and the West , west view press, 1995
– Olivier roy: Th Failure of Political Islam, 1994.
– تمثل الأدبيات المشار إليها عاليًا نماذج لأدبيات شاملة حول التهديد الإسلامي من منظور غربي. وهناك نماذج لنمط آخر من الأدبيات، وهي الجزئية التي تقتصر على تحليل درجة ما تمثله ظاهرة الحركات الإسلامية بصفة خاصة من تهديد للاستقرار الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط أو جنوب المتوسط. وهي أدبيات ترصد الحالة وتشخصها وتفسرها من أجل طرح بدائل للسياسات الخارجية والتصورات الاستراتيجية الغربية. ومن بين تلك النماذج – التي تقدم رؤية وسط عملية وإجرائية أكثر منها فكرية – انظر على سبيل المثال: غسان سلامة: الإسلام والغرب، شئون الأوسط، أبريل 95، 5367 فيبي مار: الإحياء الإسلامي: قضايا تتعلق بالأمن، شئون الأوسط، أبريل 1995، 6881
– وحول تحليل اتجاهات متبادلة بين “المسلمين” وبين الولايات المتحدة -والتي تتراوح ما بين اتجاه يرى في الإسلام مصدر لتهديد الديمقراطية، واتجاه يرى أن الولايات المتحدة هي مصدر تهديد المسلمين، واتجاه يبحث في إمكانية التعايش بين الإسلام والديمقراطية الغربية: انظر البحوث المنشورة في
Richard W. Bulliet (ed) Islam and Democracy. The Middle East Institute, Columbia University, Occasional Papers (1), 1994.
9- انظر التحليل التفصيلي المقارن لمضمون هذه الأدبيات في: د. نادية محمود مصطفى: مرجع سابق ص. ص120-161، كذلك ومن الدراسات الأخرى التي اهتمت بنفس الموضوع أي التحليل المقارن للأدبيات التي تناولت الرؤى الغربية للإسلام والمسلمين، انظر: شريف عبد الرحمن نماذج من الرؤى الغربية للإسلام والمسلمين في العالم المعاصر، حولية ” أمتى في العالم (1999)” مركز الحضارة للدراسات السياسية، القاهرة، 2000م.
12- في تقديمها لكتاب د. مراد هدفان الإسلام كبديل ص 1-20.
13- انظر على سبيل المثال: نظرة الغرب الخاطئة عن جوهر الحركة الإسلامية.. هي صراع يظل موجودًا. حوار أجراه خالد الحروب في: الإصلاح العدد 232، 8-14/4/1993 ص 30-32.
14- محتويات الحركات الإسلامية من منظور غربي: حوار مع فرانسوا بورجا أجراه د.رفعت سيد أحمد، المنار الجديد، العدد 20، ربيع 1998ص 100-118.
15- انظر على سبيل المثال: أدبيات المحور الأول، وأدبيات التهديد الإسلامي في المحور الثاني.
16- د. نادية محمود مصطفى: المنطقة العربية والنظام الدولي الجديد، تقرير ” الأمة في عام ” (1992)، مركز الدراسات الحضارية، القاهرة، 1993م.
17- فيما يتصل بكل مجموعة من هذه السياسات سنكتفي بالإحالة إلى دراسات قدمت تحليلًا لما أثارته هذه السياسات من جدالات، دون التوقف عند تفاصيل وقائع هذه السياسات.
وعدا هذه المجموعات من الدراسات (النوعية) يمكن الإشارة إلى مجموعة من الدراسات الكلية التي اقتربت، من مختلف أبعاد العلاقات بين المسلمين “والغرب” سواء الأبعاد الفكرية أو السياسية. وهي تنقسم تحت عناوين “الإسلام والنظام الدولي، الإسلام والعولمة، الإسلام والغرب.. وهكذا. وتمثل هذه الدراسات قاعدة مناسبة لتحليل الاتجاهات التي تنقسم بينها استجابات علماء الأمة تجاه التحديات المختلفة.
انظر على سبيل المثال وليس الحصر:
– د. محمد عمارة: العالم الإسلامي والمتغيرات العالمية الجديدة، مجلة المسلم المعاصر العدد 61، أغسطس -أكتوبر 1991، ص 5-22
– حسنين توفيق وأماني مسعود: الصحوة الإسلامية في الأدبيات الغربية، منبر الحوار رقم 25، 1992
– محمد مهدي شمس الدين: الإسلام والغرب، الواقع القائم وآفاق المستقبل: الكلمة، العدد 16، صيف 1997.
– أبو بكر أحمد باقادر: الإسلام والغرب، مجلة مستقبل العالم الإسلامي العدد 17، شتاء 1996.
– محمد السماك: موقع الإسلام في صدام الحضارات والنظام العالمي الجديد، بيروت، دار النقاش 1995.
– منى ياسين: الغرب والإسلام، القاهرة دار جهاد 1994.
– عبد الهادي أبو طالب: العالم الإسلامي ومشروع النظام العالمي الجديد، بيروت، دار الساقي، 1995.
– منير شفيق: النظام الدولي الجديد وخيار المواجهة، بيروت، 1992.
– أحمد صدقي الدجاني: وحدة التنوع وحضارة عربية إسلامية في عالم مترابط، القاهرة، المستقبل العربي 1990.
– محمد عبد القادر أحمد، هموم إسلامية في نظام عالمي جديد، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1993.
– محمد حمدي زقزوق: الإسلام والغرب، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1994
– محمد قطب، رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر، القاهرة،مكتبة السنة 1991.
– أنور الجندي: مستقبل الإسلام بعد سقوط الشيوعية، مكة المكرمة، رابطة العالم الإسلامي 1990.
– أحمد الموصلي: الأصولية الإسلامية والنظام العالمي 1992.
– بشير نافع: عرض ندوة الإسلام والغرب التي نظمها المعهد العالمي للفكر الإسلامي في فرجينيا في مارس 1995. إسلامية المعرفة. عدد 1 يونية 1995. ص 195-198.
– محمد دكير: ندوات ومؤتمرات حول الإسلام والغرب، إعادة النظر وتصحيح العلاقة، مجلة الكلمة، العدد 16 صيف 1997، ص 145-161.
– د. علي المزروعي: قضايا فكرية، إفريقيا والإسلام والغرب: ترجمة د. صبحي قنصوه (وآخرون) مركز دراسات المستقبل الإفريقي، سلسلة دراسات إفريقية (4) 1998.
– Ali Mazroui: Globalization, Homogenization or Hegemonizatio. The American Journal of Islamic Social Sciences. Fall 1998. PP 1-15
– ندوة مستقبل العالم الإسلامي في ظل النظام العالمي الجديد. دراسات استراتيجية العدد 1، يولية 1994، ص 88-108
– طارق البشري: في المسألة الإسلامية المعاصرة، 6 أجزاء، دار الشروق 1996، 1998.
– كمال أبو المجد (وآخرون): أبحاث ندوة مستجدات الفكر الإسلامي والمستقبل، الكويت، وزارة الأوقاف 1992.
– د.سيد دسوقي حسن: دراسة قرآنية في فقه التجدد الحضاري. نهضة مصر، 1998(سلسلة في التنوير الإسلامي (رقم 4)
– د. محمد الأرناؤوط، د.محمد صفي الدين، د. حمدي عبد الرحمن: (محررون)، أوربا والإسلام، أوراق المؤتمر الدولي الثاني الذي نظمته جامعة آل البيت في يونية 1996. منشورات جامعة آل البيت 1998
1- د. نادية محمود مصطفى: الأبعاد السياسية للمشروع المتوسطي (في) د. نادية محمود مصطفى (محرر): مصر ومشروعات النظام الإقليمي الجديد في المنطقة، مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة 1997.
– نادية مصطفى: البعد الثقافي للشراكة المتوسطية الأوربية (في) د. سمعان بطرس فرج الله (محرر) أعمال ندوة مستقبل الترتيبات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط. معهد البحوث والدراسات العربية 1998.
– د. نيفين عبد الخالق: البعد الثقافي للشراكة الأوربية المتوسطية (في) ندوة: الشراكة الأوربية المتوسطية – مركز البحوث والدراسات السياسية مركز الدراسات والوثائق القانونية والاقتصادية والاجتماعية، القاهرة، 1997.
20- د. سيف الدين عبد الفتاح – عزة جلال: اتفاقية الأزهر مع الفاتيكان لحوار الأديان (في) أمتي في العالم (1998) حولية قضايا العالم الإسلامي، مركز الحضارة للدراسات السياسية، 1999.
21- أثارت أعمال هذه المؤتمرات جدالات هامة بين الإسلاميين وغيرهم.
22- نظر المبحث الثالث من هذا الفصل
23- هشام جعفر: قراءات في الدلالات السياسية والفكرية لقانون الاضطهاد الديني (في) أمتي في العالم. مرجع سابق: ص 109-123.
24- حول خبرة الحالة الجزائرية: انظر د. نادية مصطفى: المنطقة العربية والنظام الدولي الجديد: مرجع سابق ص 101-108.
– شريف عبد الرحمن:الأزمة الجزائرية، متابعة لتطور مواقف الأطراف المختلفة في حلقة العنف المفزعة (في) حولية أمتي في العالم (1998)، مركز الحضارة للدراسات السياسية، القاهرة، 1999
25- حول هذه السياسات انظر على سبيل المثال:
26- د.نادية محمود مصطفى: سياسات منع الانتشار النووي في العالم الثالث، السياسة الدولية، أكتوبر 1986.
27- د. نادية محمود مصطفى: السياسات المصرية والخيار النووي (في) د. أحمد يوسف (محرر) سياسة مصر الخارجية في عالم متغير. مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة، 1990.
– أمين هويدي: الصراع العربي الإسرائيلي بين الرادع التقليدي والرادع النووي، مركز دراسات الوحدة العربية.
28- د. نادية محمود مصطفى: سياسات سباق التسلح الإسرائيلي العربي في الثمانينات. الفكر الاستراتيجي العربي. أبريل 1990.
29- محمود عزمي: القنبلة النووية الإسلامية، شئون الأوسط، عدد 9، 1992.
30- د. نادية محمود مصطفى: خبرة تدمير القدرات العراقية في مجال أسلحة الدمار الشامل: سلسلة كراسات سياسية، مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة، أغسطس 1993.
31- ملف السياسة الدولية: تمديد معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية ونزع أسلحة الدمار الشامل، يناير 1996.
– د. ممدوح عطية، د. عبد الفتاح بدوي: السلام الشامل أو الدمار الشامل: نزع أسلحة الدمار الشامل، الصلاح للدراسات الاستراتيجية والانتاج الإعلامي، باريس 1991.
32- ملف السياسة الدولية: الحد من التسلح في الشرق الأوسط، أكتوبر 1992.
– أمين هويدي: الحد من التسلح في الشرق الأوسط بين المصداقية والوهم، مجلة مستقبل العالم الإسلامي العدد 8، خريف 1992، ص 180-218
– د. محمد السيد سليم: ضبط التسلح وعملية السلام في الشرق الأوسط. المناهج والآفاق: دراسات في الأمن والاستراتيجية (عدد يولية1994). مركز البحوث والدراسات السياسية جامعة القاهرة.
33- درية شفيق بسيوني: الخيار النووي الباكستاني الدواعي والحتميات: الفكر الاستراتيجي العربي العدد 31 يناير 1990
-د. جلال الحفناوي: التفجيرات النووية الهندية الباكستانية (في) أمتي في العالم، حولية قضايا العالم الإسلامي 1998، مركز الحضارة للدراسات السياسية 1998.
34- د. جلال آمين: العولمة والدولة، المستقبل العربي، فبراير 1998.
-Philipe G.Cerney: Paradoxes of the competition State: The dynamics of Political Globalization
35- -مصطفى كامل السيد: العولمة والدولة، ندوة العولمة من منظور مقارن: مركز البحوث والدراسات السياسية، مركز الدراسات والوثائق القانونية والاقتصادية، ليون، يونيه 1998.
31- Jacques Donnelly: Universal Human Rights in Theory and Practice. Cornell university Press 1991.
32- G. Greenwood: Is there a right of Humanitation intervention World Today. February 1993
-M. Goulding: Humanitation War, Military intervention and Human Rights. International Affairs vo. 69. No. 3. 1993.
-د.أحمد الرشيدي: بعض الإشكاليات النظرية لمفهوم التدخل الإنساني، قضايا حقوق الإنسان، الإصدار الثاني، المنظمة العربية لحقوق الإنسان، القاهرة، 1997.
36- انظر تحليلًا مقارنًا في – جون اسبوسيتو، مرجع سابق
-د. علا أبو زيد (محرر): الحركات الإسلامية في آسيا، مركز البحوث والدراسات الآسيوية، جامعة القاهرة 1997.
– د. علا أبو زيد (محرر): الحركات الإسلامية في عالم متغير (بالإنجليزية) مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة
37- وحول بعض الحالات – مثل الجزائر – وخاصة أبعاد التدخلات الخارجية حول تطوراتها الداخلية منذ صعود جبهة الانقاذ ثم تصفيتها وحتى الآن، انظر: إبراهيم البيومي غانم: الديمقراطية في الوطن العربي (حالة الجزائر) (في) تقرير أمة في عام، 1992، مركز الدراسات الحضارية (1993). ص 147-165.
– فرانسوا بورجا: الإسلام السياسي – صوت الجنوب
– د. نادية مصطفى: المنطقة العربية والنظام الدولي الجديد: مرجع سابق ص68-75.
– Robin Wright: Islam , Democracy and the West , Foreign Affairs , Summer 1992, pp131-145
– د. سيف الدين عبد الفتاح، شريف عبد الرحمن: الأزمة الجزائرية، متابعة لتطور مواقف الأطراف المختلفة في حلقة العنف المفرغة (في) أمتي في العالم، مرجع سابق ص 211-265
– عبير بسيوني: التدخل الخارجي في الصراعات الداخلية: حالة التدخل في العراق (مارس 91-سبتمبر 96)، رسالة ماجستير في العلوم السياسية (غير منشورة) كلية الاقتصاد، جامعة القاهرة، 1997.
38- حول التغيرات في الناتو بعد الحرب الباردة: انظر د.عماد جاد، حلف الإطلنطي، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، 1999.
39- حول العلاقة بين الحوار الأطلنطي المتوسطي الأمني وكذلك الحوار الأمني المتوسطي – الأوربي انظر:
– د.زينب عبد العظيم: البعد الأمني في الشراكة الأوربية المتوسطية. (في) د.سمعان بطرس فرج الله (محرر) مرجع سابق ص 185-230
40- انظر تحليلًا مقارنًا للأبعاد السياسية
– د.زينب عبد العظيم: صندوق النقد الدولي والإصلاح الاقتصادي في الدول النامية: جوانب سياسية في دراسة الإصلاح الاقتصادي في غانا وشيلي ومصر، مركز بحوث ودراسات الدول النامية.
41- انظر تحليلًا لهذا الارتباط في الحالتين في
– د.زينب عبد العظيم، سلوى دعادر: أزمة جنوب شرق آسيا، دراسة حالتي ماليزيا وأندونيسيا (في) أمتي في العالم، مرجع سابق
38- Malcolm Walters: Golobalization , London 1995(Ch: The New World chaos: Cultural Globalization)
42- أحمد فخر: الجوانب الأمنية في وثائق الشراكة: بحث مقدم إلى الملتقى المصري الفرنسي حول المشاركة الأوربية المتوسطية، مركز البحوث والدراسات السياسية، مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية، 1997.
– محمد السماك: مرجع سابق 216-217
43- د.زينب عبد العزيز: محاصرة وإبادة، موقف الغرب من الإسلام، بيروت المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، 1993.
– محمد الغزالي: صيحة تحذير من دعاة التنصير، القاهرة، دار الصحوة، 1991.
44- د. زينب عبد العزيز: تنصير العالم، دار الوفاء للطباعة والنشر، 1995
– د. محمد عمارة: استراتيجية التنصير في العالم الإسلامي، سلسلة بحوث الثقافة والحضارة، مركز دراسات العالم الإسلامي بمالطا
45- انظر تحليلًا للخصائص الهيكلية للدول الإسلامية وتأثيرها على العلاقات بينها
-د. محمد السيد سليم: العلاقات بين الدول الإسلامية، الرياض، 1992.
46- انظر تقويمًا لمنظمة المؤتمر الإسلامي في:
-د. محمد السيد سليم (محرر) منظمة المؤتمر الإسلامي في عالم متغير، مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة(1996) بالإنجليزية.
47- حول نماذج من الدراسات المتصلة بهذه الصراعات والأزمات والمناقشات انظر على سبيل المثال
-أحمد الرشيدي (محرر) أزمة الخليج الأبعاد الإقليمية والعالمية، مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة 1991.
-د. نادية محمود مصطفى: الحرب في البوسنة: (في) تقرير الأمة في عام 1993، مركز الدراسات الحضارية، الخاص ن 1994.
-د.نادية محمود مصطفى، أماني غانم: البوسنة بعد دايتون. في (أمتي في العالم).
-د.محمد السيد سليم: المشكلة الشيشانية: أوراق آسيوية، رقم واحد.
-محمد السماك: موقع الإسلام في صراع الحضارات والنظام الدولي الجديد، ص 79-107
-د. إجلال رأفت: الأزمة الصومالية طبيعتها وأسبابها: مستقبل العالم الإسلامي، العدد 8 خريف 1992 ص 81-113.
– د.حسن مكي: الصومال من الاستلاب الحضاري إلى الحرب الأهلية والإجتياح الاستعماري. دراسات استراتيجية عدد، يوليه 1994ص 3-14.
48- د.مصطفى علوي (محرر): الوطن العربي وكومنولث الدول المستقلة، معهد البحوث والدراسات العربية، جامعة الدول العربية، 1994.
49- د.إبراهيم البيومي، عبد الله جاد، أحمد ترك: التطورات الداخلية في تركيا وانعكاساتها الإقليمية والدولية (في) أمتي في العالم، مرجع سابق.
– محمد السماك: مرجع سابق ص 138-149.
– د. رؤوف عباس (محرر) العلاقات العربية التركية – معهد البحوث والدراسات العربية، جامعة الدول العربية.
– هيثم الكيلاني: تركيا والعرب، دراسات استراتيجية (العدد6) مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 1996.
– د. سيف الدين عبد الفتاح، أحمد صالح: التطورات الداخلية في إيران وصعود خاتمي وأثرها على التفاعلات السياسية والتفاعلات الإيرانية(في) أمتي في العالم(مرجع سابق) ص 367-413
49- العلاقات العربية – الإيرانية، معهد البحوث والدراسات العربية.
– انظر أبحاث مؤتمر: سياسة مصر تجاه آسيا والذي نظمه مركز البحوث والدراسات الآسيوية في يناير 1999.
– كذلك انظر: بحوث ندوة دول الجوار: تركيا، إيران، أثيوبيا: مركز البحوث والدراسات السياسية – جامعة القاهرة 1998.
50- حول: أزمة لوكيربي انظر
– العالم الإسلامي والمتغيرات الدولية، عالم الجنوب ومستقبل النظام الدولي
– قضية لوكيربي (نموذج حالة) بحوث مجلة مستقبل العالم الإسلامي، العدد 6 ربيع 1992.
– وحول العقوبات على العراق انظر
– د. نادية مصطفى، أحمد صالح: العقوبات الدولية على العراق: (في) أمتي في العالم: مرجع سابق. ص 267-323
– وحول سياسات الاحتواء المزدوج على كل من العراق وإيران انظر: د. أحمد ثابت: الترتيبات الأمنية في الخليج: العراق وإيران: حدود الاستبعاد والاحتواء المزدوج (في) د.سمعان بطرس فرج الله (محرر) مرجع سابق ص 147-183.
51- انظر حول المتوسطية والشرق أوسطية وإعادة تجديد النظام العربي:
– د. نادية محمود مصطفى (محرر): مصر ومشروعات النظام الإقليمي الجديد، مرجع سابق.
– انظر أيضًا أعمال مؤتمر معهد البحوث والدراسات العربية حول نفس المجال(في) د.سمعان بطرس فرج الله (محرر): أعمال ندوة مستقبل الترتيبات الأمنية.. مرجع سابق
– وكذلك انظر أعمال المؤتمر السنوى الأول للمركز العربي للدراسات الاستراتيجية الذي عقد في إبريل 96 تحت عنوان موقع الوطن العربي على خريطة القرن الواحد والعشرين، من تحرير أ.السيد ياسين.
50- د. نفين مسعد: منظمة الدول الثمان الإسلامية في: د.سمعان بطرس فرج الله (محرر) مرجع سابق
51- Jessica Mathews: Power Shift , Foreign Affairs January – February 1996.

52- تكونت هذه الرؤية من واقع المتابعة المنظمة لتطور الأحداث والوقائع منذ 11سبتمبر2001 ولمدة شهرين. وستمثل هذه الرؤية المنطلق لدراسة أكثر تفصيلًا وتعميقًا يتضمنها العدد الرابع من الحولية (2002) إن شاء الله- تعالي.
53- انظر مناقشة تفجر هذه القضية خلال هذه الحروب في:
– د.نادية محمود مصطفى، المنطقة العربية والنظام الدولي الجديد، مرجع سابق
– د. نادية محمود مصطفى، الحرب في البوسنة، مرجع سابق
– د. نادية محمود مصطفى، حالة الخطاب العربي-الإسلامي حول ضربات الناتو وكوسوفا: قراء في العلاقة بين الأبعاد الإنسانية والأبعاد الاستراتيجية، حولية أمتي في العالم (العدد الثاني،14هـ-2000م)، مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2000، ص ص 533-569.

[*] تقدم هذه الدراسة خريطة مختصرة لهيكل ومضمون دراسة تفصيلية ممتدة جرى إعدادها خلال عامي 97 – 98 وتم نشرها 1999 ضمن أعمال مشروع ” دراسة التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في القرن المقبل”. وتم هذا المشروع – تحت رعاية رابطة الجامعات الإسلامية. ولقد صدرت هذه الدراسة – وهي الثالثة بين 9 دراسات تناولت أبعادًا أخرى للتحديات في كتاب تحت عنوان “التحديات السياسية الخارجية للعالم الإسلامي” (1999) (260 صفحة). وعلى ضوء الأحداث الجارية منذ 11 سبتمبر 2001، تم إضافة بعض الأوراق في نهاية الدراسة

نشر في موسوعة الأمة في قرن، الكتاب السادس، 2002

للتحميل اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى