البعد الثقافي في حوار الحضارات: التوظيف السياسي، وشروط التفعيل

مقدم إلى ندوة: حوار الحضارات في نظام عالمي مختلف: التباين والانسجام، سراييفو 2010

يغلب استخدام حوار الأديان، حوار الثقافات، حوار الحضارات، كمترادفات، إلا أن تأصيل الدراسات الحضارية يقتضى التمييز بين المستويات الثلاثة وإن لم يكن الفصل بينها، حيث تتقاطع هذه المستويات بطريقة أو أخرى، انطلاقًا من تعدد تعريفات كل من الدين والثقافة والحضارة.
ومن ثم فإن موضوعًا بعنوان: “البعد الثقافي في حوار الحضارات” إنما ينطلق من مفهوم واسع للحضارة يتضمن البعد الثقافي باعتباره المكون القيمي للحضارة والذي يصبغها بصبغته، وقد تتعدد الثقافات الفرعية في حضارة واحدة ولكن يظل يجمعها رابط جمعي وسطي يميزها جميعًا بالرغم مما بها من تنويعات تحقيقًا لسنة الله في تعدد الأقوام وتنوع الألوان والألسنة ولو في نطاق أمة واحدة قامت على رابطة عقدية فأضحت كيانًا حضاريًا اجتماعيًا، والأمة الإسلامية خير ممثل لهذه الصورة[1].
هذا ويتسم البعد الثقافي في حوار الحضارات الآن بما يميزه عمَّا كان يتسم به في مراحل سابقة من تطور النظام العالمي؛ حيث تنوعت أشكال وأنماط الحوار والتفاعل بصفة عامة بين الحضارات المختلفة عبر التاريخ. ومن ثم فإن النظام العالمي المعاصر، على الأقل منذ نهاية الحرب الباردة وفي ظل العولمة، تختلف خصائصه الهيكلية وحالته ومنظومة القيم السائدة فيه، عمَّا كان يعرفه نظام الحرب الباردة والقطبية الثنائية، أو نظام تعدد القوى وصراع القوى الكبرى التقليدي منذ نهاية القرن التاسع عشر أو…الخ[2].
ولم يكن هناك اتفاق بين منظري المرحلة المعاصرة من العلاقات الدولية، حول درجة الاستمرار أو الاختلاف في خصائصها بعد نهاية الحرب الباردة أو حول ماهية العولمة وتجلياتها وعواقبها[3]، إلا أنه قد حدث توافق على أمرين كان لهما آثارهما الكبيرة على دوافع ومبررات الحاجة إلى حوار بين الحضارات وموضع التغيرات الثقافية من هذا الحوار وهذان الأمران هما: من ناحية، بروز الأبعاد الثقافية والدينية في تشكيل العلاقات الدولية مع درجة كبيرة من اختراق الخارجي للداخلي، ومن ناحية أخرى أن النظام العالمي الجديد ليس بأفضل من سابقه بعد نهاية الصراع الأيديولوجي؛ حيث تستمر أوجه التباين والاختلاف بين مكوناته، بل وتغلب على أوجه الانسجام، تلك الأخيرة التي كان يبشر بها أنصار الليبرالية الجديدة ومنظرو العولمة. وفي قلب هذا الأمر الثاني احتل الإسلام والمسلمون موقع الصدارة في إعادة تشكيل هذا النظام العالمي. ولا أدل على ذلك من طغيان الحوار بين الإسلام والغرب[4] على غيره من الحوارات بين حضارات أخرى. كذلك انفرد العالم الإسلامي باستهداف الغرب له بالوجه الآخر للقوة، أي القوة الصلدة، وبقيام المسلمين بقتال بعضهم بعض.
ومن ثم فإن اقترابي من الموضوع، استنادًا لهذا الفهم عن موضع البعد الثقافي من حوار الحضارات وعن مفهوم نظام عالمي مختلف يستلزم أن تنطلق الدراسة من بعض مشاهد بخبرات تقدم دلالالتها بالنسبة لتعدد المداخل لتناول البعد الثقافي لحوار الحضارات مما يساعد على تحديد المدخل الذي ستركز عليه الدراسة، ألا وهو التوظيف السياسي من ناحية وعواقبه على نتائج الحوار وما يستلزمه من شروط لتفعيله.
ومن ثم تنقسم الدراسة بعد هذا التمهيد إلى جزئين: أولهما؛ يرسم خريطة الخطابات العربية/الإسلامية تجاه عملية الحوار وعلى النحو الذى يبين إشكالية العلاقة بين الثقافي والسياسي، حيث تنبني الدراسة على مقولة أن حالة الحوارات الكبرى الراهنة التي تحتكر المبادرة بها وتسويقها وتوظيفها القوى الكبرى، إنما تتسم بالتسييس غير الرشيد والذي يجرد الحوار من منافعه كعملية تواصل وتعارف وتجعل منه أداه سياسية بالدرجة الأولى تحقق أهداف ومصالح سياسات صراع القوى أكثر من خدمة أهداف العدالة وحماية الحقوق المشروعة التي تتهاوى أمام القوة الظالمة.
الجزء الثاني: يسعى لتقديم ملامح تصور إسلامي حضاري عن موضع منظومة (التعارف-الحوار) من خطاب إنساني إسلامي يستجيب لتحديات العولمة وتحديات تسييس الحوار ويؤسس لتغيير عالمي منشود.

تمهيد: مشاهد ودلالات: مداخل البعد الثقافي في حوار الحضارات ودوائره

إن الملتقيات المتنوعة: مؤتمرات، ندوات، محاضرات، تعد بالنسبة للباحث والمفكر بمثابة ساحة للحوار بقدر ما تعد أيضًا ساحة للخبرات من واقع مشاهد، تكون بمثابة مصدر لتأكيد معرفة أو اختبار معرفة أو تغيير معرفة. إن هذه المشاهد كمصدر للخبرات والدلالات قد ساهمت في تكويني المعرفي والفكري في مجال الحوار بقدر ما أسهمت القراءات المتنوعة المستويات.
ونظرًا لمشاركتي في مؤتمر ينعقد في سراييفو فكان لابد وأن تتداعى ذاكرتي لتستدعي ما يتصل بالبلقان بصفة عامة وبالبوسنة وكوسوفا بصفة خاصة، ونظرًا لانتمائي إلى الدائرة العربية من الحضارة الإسلامية، فإن محورية “الصراع العربي الإسرائيلي” استدعت لدي ما يتصل بموضعه من الحوارات وأثر تلك الأخيرة عليه.
كذلك فإن إنتمائي أيضًا للأمة الإسلامية وضرورة الوعي بموضعها من العالم شارك في استدعائي ما يتصل بالأمة في العالم والحوار بين “الإسلام والغرب”.
وأخيرًا ونظرًا لتخصصي في العلاقات الدولية أستدعي مشهد حالة مراجعة العلم وموضع الدين والثقافة والحضارة من الاتجاهات الحديثة في الدراسات الدولية وكيف خدمت الأبعاد المعرفية اللازمة لفهم قضية الحوارات العالمية المعاصرة.
وتبين هذه المشاهد الأربعة، وبطريقة متراكمة، مغزى العنوان الفرعي للدراسة.
المشهد الأول: مشهد يتصل بمفتي البوسنة، فلقد التقيت بالدكتور مصطفى سيرتش عدة مرات خلال السنوات السبع الماضية، في لقاءات حوارية أو حول الحوار على مختلف المستويات. الأولى في مكتبة الإسكندرية 2003، والثانية في طرابلس 2005، والثالثة في استانبول 2006، والرابعة في القاهرة 2008، والخامسة في سويسرا 2009؛ واستمعت إلى د. مصطفى وقرأت له[5] في أكثر من مناسبة أخرى كان آخرها خلال مشاركته في لقاء نظمته جامعة جورجتاون في صيف 2009. وفي كل مرة كنت أتلمس فيه عنصرين واضحين، بل شديدي الوضوح: القوة النابعة من الإيمان بالإسلام، أي قوة المعرفة بالذات والثقة فيها، ووضوح الرؤية النابعة من دقة فهم الواقع المحيط بالأمة وواقع المسلمين في البلقان بصفة خاصة وموضع الحوار من هذا الواقع وإمكانيات إدارته لهذا الواقع أو تغييره، وهناك عبارات عديدة لا أنساها من حواراتي معه ومنها على سبيل المثال:
“لقد كانت الحرب نعمة علينا لأننا استعدنا الوعي بذاتنا وتمسكنا بها حين وجدنا من يحيطون بنا يقتلوننا أو لا يسارعون لنجدتنا لأننا مسلمين، لا يجب أن نكف عن تذكيرهم بما ارتكبوه ولنجعل ذكرى سربرينيتشا ذكرى حية دائمة كما فعل اليهود بالهولوكوست”.
“نحن موجودون في أوربا منذ قرون، ولسنا كمسلمي غرب أوروبا، أتينا من هجرة ولكن تعيش شعوبنا في أوطانها منذ بداية تاريخها، العرب وبقية المسلمين لا يناصروننا بالقدر الكافي أو اللازم، لن نكف عن الدفاع عن شريعتنا وشرح طبيعتها في مواجهة حملات التشكيك ضدنا وضدها، السياسة يجب عدم تركها لرجال السياسة فقط وكذلك القوة العسكرية، وبالمثل لا يمكن ترك الدين لرجال الدين فقط”.
وأخيرًا لا أنسى خطابه القوي في جنيف في أكتوبر 2009[6]، فلقد بدأ كلمته بأنه يمثل أوربا إذا أراد الأوربيون أن يعترفوا بذلك، وبأنه يمثل أيضًا الإسلام من الشرق إذا أراد أهله أن يعترفوا بذلك.
ثم انتقل د. مصطفى إلى السياق المحيط بمبادرة خادم الحرمين لحوار الأديان مشيرًا إلى الوقت الصعب الذي يعيشه المسلمون منذ نهاية القرن العشرين مشبهًا إياه بحال بني إسرائيل في التاريخ. فإن أحداث الحادي عشر من سبتمبر اعتبروها اعتداء على الحضارة الغربية من جانب معتدٍ سموه مسلمًا، وإذا كان الغرب قد تألم إلا أن المسلمين تألموا أكثر ومازالوا يتألمون، وقد كثرت عليهم وتداعت اتهامات وسائل الإعلام.
وإذا كان المسلمون قد تحملوا الإعلام، إلا أن الموقف تغير بعد الرسوم الدنماركية وخطاب البابا حيث تبين أنها قضية موقف رسمي وعالي وليست مجرد قضية إعلام. وأوضح د.مصطفى سيرتش موضع مبادرة الملك عبد الله من مبادرات سابقة ابتداءً من مبادرة د. محمد خاتمي 1998، مرورًا بمبادرة تحالف الحضارات من جانب تركيا وأسبانيا، وصولًا إلى وثيقة “كلمة سواء”.
وبين كيف أن مبادرة السعودية وإن توافرت فيها شروط النجاح إلا أنه بعد شرحها وتحليلها، فهي تستوجب العمل، لأنه لا يكفي الحديث عن المبادئ والقيم الإنسانية بل لابد من مواجهة التحديات العالمية مثل البيئة والسلاح النووي والفقر، وجميعها تحديات ذات أبعاد قيمية إلى جانب الاقتصادية؛ حيث يعيش الجميع في وقت يسوده الحقد والخوف والطمع. ورجوعًا إلى حالة مسلمي البلقان التي بدأ بها، أشار د. مصطفى أن البوسنيين يشكون من إبادتهم كقومية وكعرق وليس ديانة، لأن الشكوى في الشرق من اضطهاد أهل بعض الأديان ليست مفهومة في الغرب.
وإذا كان القانون الدولي والأمم المتحدة قد خانت مسلمي البوسنة وكذبت عليهم ولم تقدم لهم الأمن والسلاح، فليس أمامهم إلا الثقة في الله ونصره.
خلاصة القول: إن هذا الشيخ، من بين جنبات سراييفو والبلقان، من وسط الدمار والنار في البلقان حيث دارت أسوأ كارثة إنسانية وسياسية في نهاية القرن العشرين، جسد أمامي نموذجًا لقوة الحق ومغزى الحوار بالنسبة لأصحاب الحقوق الذين يتمسكون به ويدافعون عنه بكل الطرق بما فيها الحوار ودون التخلي عن الحقوق أو الاعتذار عن الإسلام، بل ومن خلال الاقتراب من مشاكل الإنسانية ولكن من مدخل دور الدين ومسئوليته تجاهها. ولم يكن إنجذابي إلى شخص د. مصطفى وإلى فكره إلا استكمالًا لمسار ممتد من اهتمامي بشؤون البلقان -في حلقتها المعاصرة امتدادًا لحلقاتها التاريخية[7]- وهو اهتمام متخصص العلوم السياسية الذي وجد نفسه أمام صراعات دموية تدور على ساحة أوروبا في نهاية القرن العشرين، وتستدعي كل ما يتصل بالعلاقة بين التاريخ والدين والقومية والسياسة من جدالات فكرية وسياسية. وحين توقفت أصوات القنابل والمدافع، وفي وقت لم تجف فيه بعد دماء الضحايا ولم تندمل جراح المكلومين ولم تخف وطأة صور المأساة على من عايشوها، تعددت وتوالت المبادرات المنظمة للحوار بين الأديان أو الثقافات في البلقان كسبيل لرأب الصدع وإدارة العواقب ومنع انفجار جديد[8]. في حين أن التاريخ قد بين وعبر أكثر من سبعة قرون (منذ فتح كوسوفا الذي تمت به سيطرة العثمانيين على البلقان) أن شروط التعايش أو شروط الصدام بين شعوب هذه المنطقة بدياناتهم ومذاهبهم وقومياتهم لم يرتهن بجولات حوار بقدر ما ارتهن بتوازنات القوى العالمية وموضع الإسلام والمسلمين منها قوة أو ضعفًا. ولست هنا بموضع الدفاع عن الإسلام وأثر دخوله إلى البلقان أو انعكاس تاريخ هذا الدخول والانتشار على تاريخ تفاعلات هذه المنطقة مع من حولها[9]، ولكنني لم أستدعِ ما سبق التنويه إليه عن مأساة البلقان في نهاية القرن العشرين إلا لأحدد السياق الذي كان د. مصطفى سيرشى ينطلق منه ويعود إليه، سواء في موقعه في سراييفو مشاركًا في الحوارات بين أهل البلقان أو في أرجاء العالم متحدثًا عن الحوار بين المسلمين والغرب والعالم بصفة عامة معتبرًا ذاته “البوسنية البلقانية” جزءًا من هذه الأمة ومستدعيًا في نفس الوقت كل خبرته الناجمة عن انتمائه إلى البوسنة في البلقان مقارنًا إياها بخبرات مسلمي أوروبا الغربية ومسلمي المشرق.
المشهد الثاني: مشهد مكون من عدة مجموعات من المقاطع المتعاقبة؛ مجموعة من هذه المقاطع تحمل أسماء المبادرات العربية والإسلامية والغربية تحت مسمى حوار الحضارات أو الثقافات أو الأديان والتي ذخرت بها وسائل الإعلام عبر عقد مضى، منذ أن أعلنت الأمم المتحدة عام 2001 عام حوار الحضارات[10]، وينتهي هذا العقد بمبادرة الملك عبد الله لحوار الأديان[11]، مرورًا بأعداد لا تحصى من المؤلفات التي يبرز مصطلحان بين عناوينها وهما الإسلام والغرب أو الإسلام وحوار الحضارات[12].
المجموعة الثانية من المقاطع والمتزامنة مع المجموعة الأولى (وإن كانا يبدوان على خطين متوازيين لا يلتقيان) تحمل عناوين العدوان على أفغانستان، العدوان على العراق، العدوان الإسرائيلي على السلطة الفلسطينية وحصارها منذ 2002 في ظل انهيار عملية التسوية وصولًا إلى العدوان على غزة وحصارها وتهويد القدس … العدوان على لبنان 2006، الحرب في دارفور، الحرب في اليمن،… وغيرها من مشاهد العنف الدموي في العالم الإسلامي المتوالية والمستمرة عبر ما سمي (عقد الحوارات)[13].
المجموعة الثالثة من المقاطع: سلسلة أزمات الحوار ابتداء من أزمة الرسوم الدانماركية المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم)، وحتى أزمة مبادرة منع بناء المآذن في سويسرا مرورًا بأزمة فيلم الفتنة في هولندا، وأزمة الحجاب ثم النقاب في فرنسا، وأزمة تصريحات بابا الفاتيكان في محاضرة ألقاها في جامعة ألمانية… ناهيك عن عدد آخر من الأزمات التي لم تكتسب أبعادًا عالمية بقدر ما اكتسبت الأزمات السابق الإشارة إليها[14].
إن هذه المجموعات المتراكمة والمقارنة من المقاطع تدفع متخصص العلوم السياسية أو السياسي المفكر للسؤال: إذن ما جدوى الحوار؟ ما العلاقة بين هذا الزخم في الحوارات وهذا الزخم من العنف الدموي؟ أم أن الحوار يتم توظيفه سياسيًا؟
المشهد الثالث: مشهد مركب من جلستين في مؤتمرين، أحدهما مؤتمر نظمته مؤسسة سانت اجيديو في ميلانو (2004) تحت عنوان “الأديان والثقافات: شجاعة بناء إنسانية روحية جديدة”. والمؤتمر الثاني نظمه المركز الدولي لحوار الأديان في الدوحة (2008) تحت عنوان “القيم الدينية بين المسالمة واحترام الحياة”[15]. والجلستان في المؤتمرين تبرزان نموذجًا من التوظيف السياسي في مؤتمرات حوار الأديان، ويعد الصراع العربي الإسرائيلي ساحة أساسية لهذا النموذج.

عن كيفية استدعاء الصراع العربي الإسرائيلي في مؤتمرات حوار الأديان العالمية:
1- في مؤتمر ميلانو وتحت عنوان “الإسرائيليين والفلسطينيين: أي أمل جديد تجاه صراع قديم؟”، انعقدت جلسة ساخنة شديدة الدلالة عن كيفية استخدام الحوارات لكسر الحواجز النفسية ودعائم الإرادة ولمحو ذاكرة التاريخ وأسانيد الحقوق، كل ذلك تحت دعاوى الحوار والتعارف والتعايش. ولم يكن الحوار في الواقع إلا خطابًا مفروضًا من أعلى، من الطرف صاحب القوة وتحت أغلفة الإنسانية وبدون أي اعتبار للحقوق وبدون دعوة إسرائيل لتقديم أية التزامات، في نفس الوقت الذي لا تقبل فيه إلا بالتطبيع الكامل وكسر الإرادة الرافضة للاحتلال.
ولم تكن الجلسة التي شارك فيها يهود ومسلمون ومسيحيون وفلسطينيون وإسرائيليون إلا اختبارًا لتوازنات القوى على أرض الواقع سعيًا لانتزاع اعتراف فلسطيني بإدانة الذات والاعتراف بالحاجة إلى مزيد من القدرة على التعايش مع اليهود وقبولهم.
إن المقولات العامة السابقة إنما تترجم خلاصة حالتي الانفعالية وحصيلة متابعتي لوقائع الجلسة.
فإن الوقائع والمقولات التي سادت الجلسة وغلبت عليها لتُبين أهداف ودوافع مثل هذه الجلسات، التي يراد لنظائرها أن تتكرر على مستويات أخرى مدنية وشعبية بين الفلسطينيين بالأساس، تحت زعم دعم مناخ الثقة المتبادلة والتعايش والقبول بالآخر والتسامح. وجميعها جهود تركز على ما يسمى “الإنساني” في مقابل “سياسي”، على نحو أضحى يهدد الحقوق والذاكرة، مما دفع الكثيرين للتحذير من هذا الانحراف في مجرى عملية السلام.
خلاصة الخبرة في هذه الجلسة –كما سبقت الإشارة من قبل– أن الحقوق والذاكرة والتاريخ كانت محل هجوم باسم السلام، وهو سلام وهمي متحيز لطرف على حساب الآخر، كما أن الدفاع عن هذه الحقوق أضحى يتم بلغة اعتذارية تصالحية في مواجهة معتدٍ يستخدم كل مفردات الخوف وعدم الأمن ويدَّعي قبول تفاوض لا تتوافر شروطه، ويدعو إلى نسيان الماضي على النحو الذي يخدم إسرائيل فقط التي لا تكف عن التذكرة برؤيتها عن تاريخ اليهود وما عانوا منه خلال قرون. وأخيرًا هم يتحدثون عن إطار ثقافي ديني مطلوب لإحلال السلام، هو الإطار الذي يخدم سياسات السلطات والصلف والعدوان الإسرائيلي بمساندة أمريكية أوربية، وكما لو أن إطارنا نحن الديني والثقافي هو المسؤول عن “فشل التفاوض والسلام”، وفي الحقيقة هم لا يريدون لهذا الإطار الديني والثقافي، أن يستمر كمصدر للمقاومة المشروعة عن الحقوق المنتهكة للشعب الفلسطيني وللأمة الإسلامية برمتها.
2- في مؤتمر الدوحة (2008)، وفي جلسة تحت عنوان “العنف والدفاع عن النفس”، تراكمت خبرة من نوع آخر؛ حيث تبين هذه الخبرة كيف أن حديث العنف والسلام (بين خبراء وعلماء دين مسلمين ويهود ومسيحيين) لا يمكن أن ينفصل عما يجري على أرض فلسطين منذ ما يقرب من المائة عام. كما بينت هذه الجلسة كيف لم يعد الفلسطينيون فقط هم موضع الاتهام بالعنف والعداء ضد اليهود بل أيضًا الإسلام ذاته.
فلقد كانت هذه الجلسة خبرة حية عن كيفية تفاعل تأثير التاريخ مع تأثير الأصول الدينية على قضايا الحوار ومساره في الجلسة. وبالرغم من أن حالات أخرى قد تم استدعائها في هذه الجلسة، مثل حالة العلاقة بين الصرب والمسلمين في البلقان، إلا أن التركيز كان على الفقه الإسلامي وخبرات المسلمين تجاه الآخر وكذلك على القضية الفلسطينية.
ومن أهم ملامح النقاش التي يهمني تسجيلها هنا ما يلي:
من ناحية، مبادرة أستاذة يهودية أمريكية بالتذكرة “بمذبحة” بني قريظة (حسب زعمها) في عهد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ومدى علاقة ذلك بالسلام الذي تحدث عنه الأستاذ المسلم. كذلك بادر رجل دين كاثوليكي من القيادات الدينية الكاثوليكية في مصر بالاستعجاب من اقتصار كلمة الشيخ المسلم عن السلام في الإسلام ناسيًا ممارسات عنف عديدة في التاريخ الإسلامي على رأسها مقتل اثنين من الخلفاء الراشدين.
ومن ناحية أخرى، بادر حضور من القيادات الفلسطينية، على مستوى إدارة المحليات والإفتاء، باستدعاء الاعتداء اليهودي الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وتساءلوا عن مصداقية وفعالية الحوار في ظل هذه الحالة، وأن الحوار لن يثبت هذه المصداقية إلا إذا وافق اليهود المجتمعون على إدانة هذا المسلك الإسرائيلي وبيان أنه ليس من اليهودية.
ولقد اجتمع الحضور في الجلسة من مسلمين ومسيحيين على أن السياسات الإسرائيلية تعترض أية حوار فاعل بين الأديان، وأنه لا يمكن أن يصبح الأخير مدخلًا للسلام في ظل استمرار هذه السياسات على انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني ورفض إقامة دولة فلسطين.
المشهد الرابع: تصاعد وزن الاهتمام بالأبعاد الثقافية والحضارية في التنظير للعلاقات الدولية في الغرب لدرجة غير مسبوقة سواء من حيث الكثافة والنوع. ومن أبرزها عنوان سلسلة شهيرة من إصدارات جامعة كمبريدج تحت عنوان “الدين والثقافة في العلاقات الدولية” (12 كتاب). ناهيك عن معالجة أدبيات نظرية مهمة لموضع الدين والثقافة من نظرية العلاقات الدولية[16].
كل هذا في وقت مازالت الشكوك ومظاهر القلق تنتاب أعداد كبيرة من أعضاء هيئة التدريس في جامعات عربية تجاه جهود أكاديمية لتقديم منظور إسلامي حضاري لدراسة العلوم الاجتماعية والسياسية.
إن استدعاء هذه المشاهد إنما يساعد على إبراز الأمور التالية:
الأمر الأول: إن الحوار بين “الإسلام والغرب” قد اختطف الحديث عن أو في أو حول “حوار الأديان والثقافات والحضارات” وخاصة منذ نهاية الحرب الباردة، بحيث طغى لدينا في الدائرة العربية الإسلامية الاهتمام بهذا المستوى العام من الحوار، الذي يجمع الأمة برمتها في مواجهة الغرب برمته. وبالرغم من أهمية الإشكاليات العامة إلا أنها تختزل صورة شديدة التركيب، وهي صورة ما يسمى “الحوارات”. حيث يدور العديد منها في دوائر متنوعة، تتسم كل دائرة بخصوصية ثقافية، من حيث مشاكلها التي تفجر الحاجة للحوار أو من حيث خبرة الحوارات ذاتها. فإذا كان لدينا حوارات في البلقان، فلدينا أيضًا “حوارات الإيمان” Interfaith- Dialogue في الولايات المتحدة وأوروبا. كذلك لدينا الحوارات بين شمال وجنوب المتوسط التي تديرها مؤسسة آناليند إحدى أذرع الاتحاد الأوروبي، والحوارات من أجل ثقافة السلام داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة…إلخ وهكذا نستطيع أن نميز دوائر متداخلة من الحوارات تبرز جميعها الأبعاد الثقافية في حوار الحضارات، وتستدعي كل منها اهتمامًا منفردًا، لتزداد الصورة وضوحًا وحتى لا نقع في إشكاليات ناجمة عن التعميم في نطاق ما يسمى الحوار بين الغرب والإسلام، وهو التعميم الذي يقود إلى عدم الخروج بنتائج محددة، بحيث تصبح اللقاءات مجرد هدف في حد ذاته.
الأمر الثانى: هو أن هذا التعميم أو هذا الإطار العام دفع دائمًا للتساؤل؛ هل الحديث عن الحوار في حد ذاته وكهدف وغاية قد اختطف الحديث عن الحوار كسبيل لحل الصراعات؟ بحيث طغى الحوار وهو أحد وجهي العملة، على الوجه الآخر من العملة، ألا وهو الصراع؟ ولذا ثارت التساؤلات ما هي مخرجات ونتائج هذه الحوارات العامة التي يلتقي خلالها وعلى نحو متكرر مجموعات متنوعة من الرسميين أو النخب (الفكرية، الإعلامية، الأكاديمية، المدنية) يجتمعون وينفضون، وفق أجندات الجهات الداعية (إسلامية أو غيرها) دون أن يتمكنوا من تحديد دقيق للنتائج على جانبي الحوار. وكم تساءلت بنفسي كأستاذة علاقات دولية وكمديرة لمركز بحثي في مجال “الحوار” ولمدة عقدين من الزمان تقريبًا عن نتائج ما شاركت فيه من لقاءات عديدة ومتنوعة داخل وخارج مصر، وخاصة النتائج بالنسبة لإدارة الصراعات والنزاعات. حيث استطعت من ناحية أخرى أن أتفاعل مع هذه اللقاءات باعتبارها ساحات حوارية مهمة، كنت أرصد خلالها وأسجل تقييمي لحالة الحوارات (من يحاور من، خريطة الاتجاهات، أجندة القضايا، الحجج والحجج المضادة، أين خطاب الصراع؟ شروط فعالية الحوار وعقباته.. والأهم كيف تؤثر السياسة على الحوار والعكس؟)
كل ذلك في نفس الوقت الذي لا تكف فيه أدوات القوة الأخرى العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية من لعب دورها في إدارة هذه الصراعات، سواء المتفجرة منها أو التي تم تسكينها وتجري محاولة تسويتها, بل وعلى نحو دفع للتساؤل ما جدوى هذه الحوارات، هل هي شرط مسبق لإسكات الصراعات أم أن تسوية هذه الصراعات بطرق عادلة هو الشرط المسبق لتصبح الحوارات عملية طبيعية ممتدة تتفاعل خلالها الخبرات الإنسانية لتدعيم أركان عالم أكثر عدالة وإنسانية وليس مجرد عالم أكثر استقرارًا وأمنًا وسلامًا للأقوياء الذين يفرضون الاستقرار والأمن والسلام لهم بأدوات عدة منها “الحوارات غير المتكافئة باسم الدين أو الثقافة أو الحضارة، فهي حوارات تجري بين الضحية والمعتدي، بين القوي والضعيف، وبين الغني والفقير، بين الظالم والمظلوم، بين الذي يمتلك المعرفة والذي لا يمتلكها…
الأمر الثالث: إن الحوارات ليست عملية محايدة. فمن المفترض أن الحوار بالأساس هو عملية فكرية طوعية تتم بين البشر على كافة المستويات ليحدث التواصل والتعارف والتثاقف والتجديد، وليتحقق الفهم المتبادل والإدراك المتبادل، في إطار سنة التنوع والتعدد من سنن الله في الاجتماع البشري. والمفهوم على هذا النحو يفترض شروطًا ليحقق الحوار أهدافه[17]. إلا أن خبرتي مع عقد من الحوارات قد بينت أن الحوارات هي أداة من أدوات السياسات الخارجية للقوى الكبرى توظفها، حول قضايا أو في مناطق محددة، لتحقيق أهداف سياسية انطلاقًا من أن المدخل الثقافي لإدارة الصراعات قد تجدد الاهتمام به وازداد بروزًا في الفكر والسياسة منذ نهاية الحرب الباردة وتجاه أرجاء العالم الإسلامي بصفة خاصة، فلقد أضحت مبادرات الحوارات تبدأ من القوى الكبرى، سواء على المستوى الرسمي أو الأكاديمي أو المدني، ولا تجد الأطراف الأخرى إلا الاستجابة للمبادرة أو الاتجاه نحو المبادرة أيضًا على هذا الصعيد. ومن هنا تبرز ظاهرة تسييس الحوارات التي هي في الأصل عملية فكرية إنسانية ممتدة عبر التاريخ البشري. والتسييس قد يكون من طبائع الأمور على ضوء المفهوم الواسع للسياسة الذي يسع ما هو قيمي إنساني، وقد يكون من غير طبائع الأمور على اعتبار المفهوم التقليدي للسياسة باعتبارها صراع قوى مادية، ومن ثم يصبح الحوار في هذه الحالة الأخيرة مجرد أداة لتحقيق أهداف سياسية من منظور صاحب الغلبة السياسية والتفوق المادي.
الأمر الرابع: إن بروز الحوارات لا يرجع فقط إلى تحولات ما بعد نهاية الحرب الباردة، ودخول النظام العالمي مرحلة جديدة من التغيرات في هيكله وسياساته ومنظومة قيمه، في ظل تجليات العولمة، وأيديولوجية العولمة وسياسات العولمة، ولكن يتجسد أيضًا بروز الحوارات على الصعيد المعرفي والتنظيري، بل إن هذا الأخير يمثل الإطار للحوارات على أرض الواقع. حيث تجدد، في ظل العولمة وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، الاهتمام بالأبعاد القيمية والأبعاد الثقافية في التنظير للعلاقات الدولية، وعلى نحو اقترن بالدعوة إلى تعددية المنظورات الحضارية ليخرج علم العلاقات الدولية من أزمته وليجد العالم حلولًا لمشاكله المزمنة وليحدث تغييرًا عالميًا يصبح معه العالم أكثر عدالة وإنسانية.
كل ذلك انطلاقًا من نقد ذاتي من داخل الغرب للمركزية الغربية –في كافة تجلياتها- وسعيًا لتطوير فهم جديد (بديل لفهم الحداثة والتنوير والعلمانية) لثقافات وحضارات العالم، قائم على إدراك جوهر التعددية وقيمة الاختلاف، ومعترفًا بأثر تنوع القيم والأفكار والتصورات والرؤى الحاكمة على المجتمع والسياسة سواء في داخل كل إطار ثقافي-حضاري أو فيما بين بعض هذه الأطر. وذلك نقضًا أو بعدًا عن الإدراك الحداثي لهذه الأطر المتنوعة إما باعتبارها غير مؤثرة على الإطلاق أو باعتبارها جامدة لا تتغير أو لا تقدر على التغير.
ولهذا فإن المدرسة البنائية الجديدة والمدرسة النقدية يؤسسون لهذا التوجه ويدعون ثقافات الحضارات الأخرى لتقديم إسهامات في التنظير للعلاقات الدولية في المرحلة الراهنة من تطور هذه الثقافات.
إن هذه المشاهد الأربعة وما أبرزته من دلالات إنما تجسد أربعة مداخل نحو البعد الثقافي في حوار الحضارات:
1. مدخل الحوار بين “الإسلام والغرب” كمدخل عام للحوار وباعتباره سبيلًا للتهدئة العالمية تشارك فيه فواعل عديدة تنتمي لثقافات مختلفة (في إطار رابطة الإسلام) وبين الحضارة الغربية.
2. مدخل الحوارات في الدوائر الثقافية –سواء في حضارة واحدة أو بين عدة حضارات (الحوارات في البلقان، في المنطقة العربية، في آسيا…إلخ)
3. مدخل توظيف السياسة للبعد الثقافي في الحوارات بين أطراف للصراعات العالمية أو الإقليمية أو الداخلية وهو مدخل نوعي جزئي يقتصر على دوائر الصراعات الممتدة.
4. مدخل حوار التعارف والتعددية الثقافية في التنظير للعلاقات الدولية من منظورات حضارية مقارنة.
وهكذا يتضح لنا أن البعد الثقافي في حوار الحضارات هو بعد مركب بقدر ما أن حوار الحضارات هو مجال مركب يقع في صميمه الاختلاف بين الأديان والثقافات التي تمثل الجانب القيمي من التكوين الحضاري والذي لابد وأن ينعكس على جانبه المادي.
وبدون إدعاء القدرة على تغطية هذه المداخل الأربعة، أكتفي بالاقتراب من المدخل العام ويظل للتمهيد السابق فضل التعريف بدوائر الحوار الحضاري الواجب التمييز بينها انطلاقًا من البحث في أثر البعد الثقافي عليه. والمقصود بالبعد الثقافي هنا ذلك المتصل بآثار اختلاف الثقافة والحضارة على اختلاف الرؤى والقيم وقواعد السلوك والأخلاق، وعلى اختلاف الرؤية للعالم ودوافع السلوك وأسس الهوية، وهو ذو تأثير على المستويات التالية: أسس جديدة لتقسيم العالم، محرك للتفاعلات الدولية ومحدد لنمطها ولحالة النظام الدولي، أداة من أدوات السياسة وموضوع من موضوعاتها، محدد لخطاب النخب وخطابات القاعدة، وعنصر تفسيري أو تبريري للتحالفات، وأخيرًا مكون للقوة.

أولًا: خطابات عربية إسلامية والتوظيف السياسي للبعد الثقافي في حوار الحضارات: الخريطة والاتجاهات

إن المداخل الأربعة السابقة تطرح إشكاليات سواء خاصة برصد الخطابات ورسم خريطة اتجاهاتها أو سواء خاصة بشروط تفعيل هذه الحوارات تحقيقًا لأهدافها المعرفية والفكرية والسياسية. ذلك لأن الخطابات سواء العربية الإسلامية أو الغربية حول حوار الحضارات وفي قضاياها إنما تنقسم حول المشروعية والجدوى والفاعلية والتوظيف السياسي للحوار ضمن علاقة الأمة الإسلامية مع سائر أمم العالم، إلا أنني أركز على حالة الجانب العربي الإسلامي[18].
فلقد جادلت كتابات كثيرة عبر العقدين الماضيين عن مشروعية إقامة علاقات سلمية، وتعاونية، وإجراء تفاعلات حوارية وتواصلية مع أهل الحضارات والثقافات والأديان الأخرى غير الإسلامية. وفي المقابل تُطرح رؤى أخرى تنفي هذه المشروعية وتدخلها ضمن مقولات: موالاة الأعداء ومداهنة الأقوياء المعتدين. وتجلى لنا كيف يستند أولئك وهؤلاء إلى تأويلات مختلفة لنصوص شرعية، وأيضًا إلى تكييفات للصدامات الواقعة والمعارك المحتدمة بين أمة الإسلام والغرب خاصة. ونتيجة هذا الشد والجذب الفكري والدعوي والإعلامي تمضى فعاليات هذه الحوارات الهوينى، ولا تتطور إلا قليلًا.
لكن الأمر الذي يتوافق عليه الأكثرية من الجانبين هو التشكيك في “الجدوى” التي يمكن أن تعود على وضعية الأمة وموازين القوة بينها وبين الغرب من وراء هذه الحوارات؛ سواء على صعيد السجال الفكري من إيقاف غزو ثقافي أو تحصين للذات، أو على الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية. وتتأكد هذه الشكوك والشكاوى من مدخلين: أولهما- الإقرار بافتقاد الشروط اللازمة لصحية الحوار؛ خاصة فى ظل اختلال موازين القوى، وثانيهما- مدخل الخبرة والعبرة من مسيرة الحوار عبر الفترة الماضية. فبعد نحو عشر سنوات من مولد هذه الحوارات ونموها وتراكمها وتشييد مؤسساتها وهيئاتها الراعية عبر العالم والدول، يبدو الذين خاضوا تجارب هذه الحوارات متثائبين لا تنشط نفوسهم تجاه استمراره، وكثير منهم متشائم بصدد مستقبله.
ومن ناحية ثالثة: يرتبط بمسألة الجدوى موضوع “الفاعلية الإسلامية” في هذه الحوارات، وقدرات النخب المسلمة على التأثير فى الأطراف الأخرى (داخل الإطار الحواري) أو في الواقع الفكري- فضلًا عن العملي- سواء في داخل بلادنا أو في بلاد الآخرين. ومن ثم يقارن بعضهم بين “الآثار” التي يمكن أن تحدثها مثل هذه الحوارات وبين “الثمار” التي يُؤمَّل أن تجنيها جهود المقاومة والجهاد، والجهود المركزة من أجل إعادة بناء البيت الإسلامي وترتيبه.
وفي خط موازٍ ينتقل كثيرون من نقد “لا فاعلية” الطرف الإسلامي في هذه الحوارات والنعي على ضآلة “الجدوى” المنتظرة منها، إلى بحث مرامي الغرب من تشجيع هذا المضمار و”توظيف” رجاله السياسيين والاستراتيجيين والتبشيريين والإمبرياليين لهذه الحوارات؛ ويذكرون أغراضًا عدة: منها استقطاب تيارات فكرية مسالمة (باسم المعتدلين moderates أو الوسطيين) لضرب تيارات أخرى توصم بالتطرف والعنف والغلو والإرهاب، أو تبريد النفسية المقاوِمة والتنفيس عن الاحتقان الإسلامي نتيجة الاعتداءات والتعديات المتواصلة من الغرب تجاه الأمة أقصاها وأدناها. ومن ثم يتحدث بعض الناقدين عن أن هذه الحوارات إن هي إلا ذرائع “تطبيع حضاري” على منوال التطبيع الشرق أوسطي المستمر، وعلى الأصعدة المختلفة وفي قلبها: البعد الثقافي والفكري والعقدي.
وعبر ثلاث محطات رئيسية من المحطات التي مر بها مسار الحوار، ولكن في ظل احتدام أنماط من الصراع المسلح عبر أرجاء العالم الإسلامي، يمكن أن تستخلص الخصائص الكبرى لحالة “الحوار”، وخريطة اتجاهاته عبر عقدين من الحوار[19].
وهذه المحطات الثلاث هي كالتالي:
المحطة الأولى: ردود الفعل والاستجابات للعولمة مقترنة بأطروحات هنتنجتون والتي أبرزت الجدال حول أصل العلاقة بين الحضارات صراعًا أم حوارًا[20]، والمحطة الثانية ردود الفعل والاستجابات تجاه تداعيات الحادي عشر من سبتمبر والتي أبرزت الجدل حول شروط الحوار وجدواه. والمحطة الثالثة هي أزمة الرسوم الدانماركية التي أبرزت بل وجسدت فقدان المصداقية في الحوار تحت تأثير تزايد مظاهر العداء للإسلام والمسلمين (وليس الإسلاموفوبيا)[21].
وتستكمل أحداث أخرى هذه المحطة الثالثة مثل أزمة تصريحات بابا الفاتيكان[22] وأزمة الحجاب في فرنسا[23]، وأزمة الفيلم الهولندي الفتنة وصولًا إلى أزمة المآذن في سويسرا[24]، وهي سلسلة من الأزمات -مثلت كما سبق الإشارة- محطة كبرى في التأزيم المتكرر في مسار الحوار بين الحضارتين العربية الإسلامية، والغربية (الأوروبية الأمريكية)[25].
وبالنظر إلى اتجاهات الخطابات يجدر القول أن إشكالية العلاقة بين البعد السياسي والبعد الثقافي قد تبوأت مكانة واضحة في الجدال بين هذه الاتجاهات، وفي هذه الجدالات كانت الخطابات عن الحوار والخطابات عن صراع الحضارات بمثابة وجهان لعملة واحدة. ولقد تبلورت الجدالات حول أمرين: فمن ناحية أولى: أيُّ البعدين هو المتغير المستقل وأيُّهما التابع؟ ومن ناحية أخرى: هل الاختلافات في الدين والثقافة والحضارة لابد أن تقود بالضرورة للصراع؟ وما هو تأثير طبيعة السياق الدولي على بروز حالة الصراع أو إمكانية الحوار؟ ومن ثّم، ما هو أصل العلاقة بين الحضارات؟ وهل حلَّ صراعُ الحضارات محلَّ صراع القوى التقليدي أو صراع الطبقات؟ أم يمكن اكتشاف نمط جديد للعلاقة بين البعدين المادي والقيمي في تفسير العلاقات الدولية على نحو يكسر الحواجز بين علمانية هذا التفسير أو تديينه؟
وتتلخص خريطة اتجاهات الخطابات العربية الإسلامية المتجادلة حول أبعاد الحوار فيما يلي:
من ناحية؛ اتجاهات الجدل حول أطروحات هنتنجتون[26]:
ولقد انقسمت هذه الاتجاهات بين ثلاثة: الأول- يؤكد مقولات هنتنجتون، ولكن يرفض إمكانية الحوار انطلاقًا من حقائق اختلال توازنات القوى الدولية، وسياسات القوى الغربية تجاه الجنوب أو العالم الإسلامي، أو باعتبار أن مبعث هذه السياسات هو الأبعاد الثقافية الحضارية؛ أي مبعثها هو الصراع الحضاري من جانب الغرب تجاه عالم الإسلام والمسلمين، ومن ثم فإن الحوار لن يكون إلا سبيلًا جديدًا لفرض الهيمنة الثقافية والحضارية، واتجاه ثانٍ- يرفض مقولات هنتنجتون: إما رفضًا أن تكون العلاقة بين الحضارات –وليس توازن القوى والمصالح- هي المفسر الأساسي للعلاقات الدولية، انطلاقًا من رؤية واقعية للعلاقات الدولية ترفض تسييس الحضارات، وإما رفضًا لإلصاق التهمة بالإسلام والحضارة الإسلامية باعتبارها مصادر للصراع والتصادم، ومن ثم دفاعًا عن الإسلام والمسلمين الذين يقبلون الآخر ولا يرفضونه، بل يتعاونون معه ومستعدون للحوار معه، وإما دفاعًا عن التعددية الثقافية والحوار بين الثقافات والحضارات باعتباره الأساس في العلاقات الدولية انطلاقًا من رؤية إنسانية عالمية، أو انطلاقًا من رؤية إسلامية تعترف بأهمية الحوار، والتعارف الحضاري بين الأمم والشعوب، وكأساس من أسس الرسالة العالمية للإسلام، وليس مجرد الدفاع والاعتذار عن الإسلام.
والاتجاه الثالث- يقول إن الحوار أو الصراع هي حالات للعلاقات بين الحضارات. وفي حين يرى رافد من هذا الاتجاه أن الحالة الدولية الراهنة لا تسمح بحوار ثقافات أو حضارات حقيقي نظرًا لاختلال ميزان القوى الدولية؛ بحيث لن يقود الحوار إلا إلى فرض نمط حضاري على الآخر، فإن رافدًا آخر يرى أن الحوار ضروري للخروج بالعالم من أزمته الراهنة، إلا أنه لابد وأن تتوافر له الشروط لكي يحقق أهدافه الحقيقية ووفق ما يقتضيه مفهوم الحوار ذاته؛ أي باعتباره سبيلًا للتفاهم المشترك وإزالة العوائق أمام العلاقات السليمة.
بعبارة أخرى ولد اتجاه “حوار الحضارات” من رحم التصدي لمقولة صدام الحضارات في الدائرة العربية والإسلامية، ومن زخم الاعتراض على هذه المقولة وتفريعاتها انطلاقًا من تعريفات متنوعة للحضارة والثقافة، والعلاقة بينهما والحوار الفكري والحضاري، وانطلاقًا من أسانيد معرفية وفكرية مختلفة تؤثر على طبيعة الرؤى للعالم، والعلاقة بين مكوناته، بل وتؤثر على الموقف من اتخاذ الحضارات، أو الثقافات وحدات للتحليل السياسي من عدمه.
وفي المقابل لماذا لا نقول إذًا إن مفهومنا –من الدائرة الإسلامية- عن نمط العلاقة بين الحضارات هو “تعارف الحضارات”، وأنا هنا أستخدم ذلك المصطلح الذي بادر بتقديمه بعض الأساتذة مثل أ.زكي الميلاد ود.سيف الدين عبد الفتاح[27].
وإذا كان لابد أن نسجل أن المفهوم الإسلامي عن حوار الحضارات كما أصل له الفكر الإسلامي المعاصر[28] ينبني على رؤية الأصول (قرآنًا وسنة) ويعكس الأسس المعرفية للرؤية الإسلامية، ومن ثم يختلف في جوهره عن المفهوم الغربي عن الحوار الثقافي أو الحضاري، كما لابد وأنه يختلف في غاياته ودوافعه.
ومن ثم، فإن استخدام »تعارف الحضارات« وليس حوارها أو صراعها يمثل استجابة »إيجابية« وليس مجرد رد فعل لما أثارته أطروحات »صراع الحضارات«.

ومن ناحية ثانية: عن اتجاهات الجدالات حول جدوى الحوار وشروطه وبروز إشكالية السياسي- الثقافي بعد الحادي عشر من سبتمبر[29]:
فلقد تجددت الجدالات حول العلاقة بين الحضارات بقوة وزخم، وتم استدعاء مقولات هانتنجتون وأنصاره، والمقولات المضادة له. ولكن كان السياق أكثر تدهورًا مما كان عليه في بداية التسعينيات؛ حيث أضحى العالم الإسلامي في موقف المتهم بعد أن كان في موضع مصدر التهديد المحتمل؛ ففي حين رأى البعض في الهجمات على نيويورك وواشنطن دليلًا على “الغضب المسلم” ضد سيطرة القيم الغربية وضد السياسات الغربية، فإن البعض الآخر اتجه إلى النظر إلى الهجمات في سياق صراع المصالح ودور الشبكات المتشعبة الإرهابية في العلاقات الدولية؛ ولهذا فإن الجدال حول دور العلاقة بين الأبعاد الثقافية الحضارية، وبين الأبعاد الاستراتيجية في تفسير هذه الأحداث وما تلاها من تطورات في الخطابات الأمريكية والسياسات الأمريكية، قد اكتسب زخمًا كبيرًا؛ حيث برز السؤال التالي مجددًا: هل الصراع الحضاري هو الذي يحكم العالم؟ ما هو مصدره؟ وما السبيل لمواجهته؟ وهل يقدر حوار الحضارات على إدارة هذه المرحلة؟
واستمر نفس الجدل وانقسام الاتجاهات حول وزن الأبعاد الثقافية الحضارية بالمقارنة بغيرها، ولكن اقترن في هذه المرة بسياق زماني ومكاني محدد يرتبط بالسياسة الأمريكية العالمية وتجاه عالم الإسلام والمسلمين بعد الحادي عشر من سبتمبر؛ فبالرغم من تزايد الاعتراف بوضوح المفردات الثقافية والحضارية في الخطابات الأمريكية الرسمية وغير الرسمية –سواء الصدامية منها أو الحوارية– فلقد ظل هناك اتجاه يرفض التفسير الثقافوي للعالم على اعتبار أنه لن يقود إلى حل المشاكل نظرًا لصعوبة تنازل الثقافات عن ثوابتها، ومن ثم لا سبيل إلى الحوار إلا بعد توافر شروطه، وفي المقابل اعترف اتجاه آخر أن المرحلة الراهنة من السياسة الأمريكية تكشف بوضوح عن صراع حضاري تجاه الإسلام والمسلمين، يصبح معه الحديث عن الحوار من قبيل الاستسلام، لأن الحوار الذي سيدور سيكون بشروط الغرب، ووفق مدركاته، ونحو غاياته ألا وهو “الإسلام المعٌَدل” ولأن السياسة الأمريكية توظف الأبعاد الثقافية لخدمة أغراض سياسية بالدرجة الأولى في حين رأى اتجاه ثالث أن الحوار أو الصراع الفكري ليس إلا أداة أو نوعًا من التكتيك لإدارة مرحلة الأزمة التي تحتدم فيها الصراعات حول المصالح، وارتبط بهذا الانقسام انقسام آخر جدد ما سبق وثار حول أطروحات هنتنجتون، ألا وهو الانقسام حول إمكانيات الحوار في مقابل الضغوط نحو الصراع في العلاقات بين الولايات المتحدة وعالم الإسلام والمسلمين.
ولكن الحوار في ماذا؟ أو الصراع في ماذا؟ وكيف؟ حقيقة تتعدد القضايا التي يتم تناولها بالتحليل المقارن بين المنظورات المختلفة: وعلى رأسها تأتي قضايا العنف، حقوق الإنسان، ثقافة السلام، ثقافة التسامح بين الخصوصية والعالمية. ولكن ظلت أدبيات العلاقة بين الحضارات تفتقد الاهتمام بأجندة حوار الحضارات المتنازع على مصداقيته وجدواه.
كما تظل الأنباء تتواتر بلا انقطاع عن مؤتمرات وندوات ولقاءات ومناظرات، على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي، وعلى الأصعدة الرسمية والمدنية والشعبية، على نحو يثير التساؤل عن مدى وجود استراتيجية كبرى لتعظيم نتائج هذه الملتقيات؟ أم أن هذه الملتقيات أضحت غاية في حد ذاتها، ومجرد استجابة –غير منظمة- لحملة العدوان المتصاعدة ضد العرب والمسلمين وضد المرجعية الإسلامية من ناحية، ولحالة التأزَم العالمي التي تهدم الأمن والاستقرار من ناحية أخرى.
والجدير بالملاحظة أنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، قفز الاهتمام بالقضايا والآليات قفزة واضحة. حيث فرضت طبيعة تحديات هذه المرحلة، على المؤسسات الرسمية بصفة خاصة الانتقال بدرجة أكبر إلى هذه الجوانب العملية؛ فلقد أضحت الضغوط نحو ضرورات ومتطلبات الحوار أكثر وضوحًا، ليس في نظر الحكومات فقط ولكن بالنسبة أيضًا لبعض الروافد الفكرية التي كانت ترفضه أو تتحفظ عليه.
وفي نفس الوقت الذي استمر فيه الجدل بين الاتجاهات الفكرية والسياسية حول جدوى الحوار وشروطه، فإن الواقع المحيط كان يفرض تحدياته على هذا الجدال؛ حيث برزت بقوة إشكالية العلاقة بين السياسي والثقافي (الحضاري- الديني).
فلقد بينت السياسات الأمريكية تجاه العالم الإسلامي –في إطار الحرب الأمريكية على الإرهاب- كيف أن أدوات القوة العسكرية والاقتصادية كانت تلعب دورها الصدامي وذلك في وقت لم تكف الأصوات الغربية عن دعوة المسلمين للحوار تحت مبررات عديدة.
ولذا ظل السؤال الحائر: ما الذي يمكن أن يتحقق للمسلمين من وراء الحوار الذي تسارع الجميع لتدشينه؟ بعبارة أخرى لم يعد السؤال دائرًا لتكييف نمط العلاقة القائمة بين حوار أم صراع؟ ولكن أضحى السؤال، بعد أن كشفت الوقائع بذاتها عن نمط السياسات الصراعية الأمريكية، هل للحوار الذي تسوِّقه بالأساس مؤسسات وهيئات غربية هل له مصداقية؟
بعبارة أخرى، في ظل سياق إقليمي وعالمي متدهور، طُرح السؤال بقوة عن مصداقية الحديث عن حوار حضاري أو حوار بين الحضارات أو الثقافات أو الأديان، في نفس الوقت الذي تتصاعد فيه لغة القوة العسكرية الغاشمة، سواء من جانب الولايات المتحدة أو إسرائيل ضد عالم المسلمين.
ومن هنا، وعلى ضوء المقابلة بين زخم الوقائع والأحداث والتطورات على ساحة عالم المسلمين، والتي تنضح جميعها بالأدلة على الصراع الذي يديره الغرب مع عالم المسلمين من ناحية، وبين زخم المؤتمرات والملتقيات العالمية والإقليمية والوطنية المتواترة والتي تنضح بخطابات المتجادلين حول جدوى إدارة حوار فعال ودوافعه من ناحية أخرى، برز السؤال التالي: ألم تقدم خبرات الأعوام الثلاثة على الحادي عشر من سبتمبر الدلالات الكافية حول ما إذا كانت الحالة القائمة من العلاقات بين عالم المسلمين وعالم الغرب هي حالة صراع حضاري أم صراع مصالح؟ وحول ما إذا كان الحوار مازال ممكنًا أو ما زال قادرًا على أن يساهم بفاعلية في إدارة معضلات هذه العلاقات في بداية القرن الواحد والعشرين؟
ولذا؛ فإن خبرات الملتقيات الحوارية، والمؤتمرات العلمية التي شاركتُ فيها طيلة أربع سنوات (2002- 2006) قد أفرزت اتجاهات أكثر تفصيلًا عن فلسفة الحوارات وأهدافها ومشاكل إدارتها على الجانب العربي، على النحو الذي يضع مصداقية الحوار على المحك، كما طُرِح للاختبار مدى كون الحوار قضية سياسية بالدرجة الأولى وإن كانت ذات أبعاد ثقافية تستدعي الدين. ولذا كان مطروحًا بقوة السؤال عن درجة العداء للإسلام وتأثيرها على آفاق الحوار باعتبار هذا العداء مسألة سياسية بقدر ما هي معرفية وفكرية في آن واحد، وتنوعت الاتجاهات حول القضية[30].
ومن ناحية ثالثة: اتجاهات حول إمكانية الحوار بعد بروز أعمال العداء ضد الإسلام وتكرار أعمال “العنف باسم الإسلام” ومن ثم حول عواقب تسييس الأبعاد الدينية والثقافية في العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي.
لقد صعد هذا السؤال بوضوح على ضوء مغزى أزمة الرسوم الدنماركية. ولقد سبق وتردد هذا السؤال وصعد الاهتمام بمناقشته مع عدد من الأزمات المتفجرة على التوالي؛ وهي نوعان: النوع الأول- من الدول الغربية تجاه العالم الإسلامي وبأدوات القوة الصلدة أساسًا، ومن أهمها: العدوان الإسرائيلي المستمر منذ مارس 2002 على السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، العدوان الأمريكي على أفغانستان وتداعياته منذ أكتوبر 2001، العدوان على العراق، التدخلات الدولية في الأزمة اللبنانية منذ مقتل الحريري وصدور القرار 1559، الملف النووي الإيراني، التدخلات الدولية في دارفور. هذا إلى جانب أدوات التدخل بالقوة المرنة (تجديد الخطاب الديني، التربية المدنية، تطوير التعليم، تحديث الشباب والمرأة..)، في نفس الوقت الذي لم تنقطع فيع أعمال الهجوم المعرفي –الفكري وفي الإعلام ضد الإسلام والمسلمين. ولم تكن الرسوم الدنماركية إلا بمثابة قمة جبل الثلج العائم.
والنوع الثاني يأتي من قوى مارست أعمال العنف باسم الإسلام أو اتُهم فيها مسلمون ابتداءً من تفجيرات مدريد 9/3/2004، ثم تفجيرات لندن في 7/7/2005، وعنف ضواحي باريس (2005)، وقبل ذلك تفجيرات بالي في إندونيسيا (2003)، تفجيرات طابا (2004) شرم الشيخ في يوليو 2005، ودهب (أبريل 2006)، تفجيرات الأردن (2005)، تفجيرات المغرب (2004)، تفجيرات السعودية، وتفجيرات في تركيا وتونس وفي الأرجنتين وبومباي. ويتضح من اتساع هذه الخريطة –داخل العالم الإسلامي وخارجه- كيف أن تعقد الأمور منذ 2001، قد تزايد ولم ينته، كما كانت ترجو الحملة الأمريكية ضد الإرهاب، وكما يرجو الداعون إلى الحوارات.
وبين النوعين ظلت جهود فكرية ومدنية على الجانبين تسعى لإعلاء صوت الحوار والدعوة للعدالة قبل السلام. وفي نفس الوقت، لم تستطع الجهود الرسمية الوطنية والإقليمية (العربية والإسلامية) أن تحقق التنسيق الفاعل بينها في مجال الحوارات على نحو يحدث اختراقًا في المجتمعات الغربية، يناظر ما حققته نظائرها الغربية في مجتمعاتنا، مثلًا: تأسيس مؤسسة آناليند لحوار الثقافات الأورومتوسطية تجسيدًا للبعد الثقافي للشراكة الأورومتوسطية[31] في مقابل جمود دور مفوضية حوار الحضارات على صعيد الجامعة العربية، واستمرار تناثر جهود المؤسسات الإسلامية الوطنية منها والإقليمية وعبر الإقليمية.
وكانت ردود الفعل تجاه الرسوم الدانماركية –في الخطابات العربية والإسلامية- ذات دلالات واضحة حول مدى الشرخ الذي أصاب صورة الحوار على الساحة العربية والإسلامية.
وقد أوضحت ردود الفعل تجاه أزمة الرسوم الدانماركية في الخطابات العربية والإسلامية مدى الشرخ الذي أصاب صورة الحوار على الساحتين العربية والإسلامية. وقد أدت الأزمة إلى تراجع رموز إسلامية داعمة للحوار وممارسة له عن دعمها أمام وطأة التسييس والإهانة. من ناحية أخرى، اجتمعت رموز من تيارات مختلفة قومية وليبرالية وإسلامية -بشكل غير مسبوق– على إدانة الغطرسة الأوروبية وحق حرية التعبير بلا ضوابط أو مسئولية، وفقًا للنمط الليبرالي الغربي المزعوم.
إن الأزمة التي فجرتها الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول- عليه الصلاة والسلام- كانت أزمة غير مسبوقة، نظرًا لطبيعة تطورات الحدث الذي فجرها وردود الفعل تجاهها، واتساع نطاق تداعياتها، وتعدد القضايا محل الاهتمام وتداخلها، وتعدد الفواعل الرسمية والمدنية والشعبية التي تحركت.
وهكذا، وفي حين كان يتصاعد معدل الاساءة للإسلام والمسلمين بصور متعددة، نجد أن مسلسل تجريم معاداة السامية – أو بالأحرى إسرائيل[32] تتوالى حلقاته بصورة متزايدة.
لقد أكدت أزمة الرسوم الدانماركية سمة المعايير المزدوجة للسياسات الغربية بعد أن اختبرت أسس الرؤية التي تنبني عليها: الصراع، العنصرية والمادية. وهناك في الغرب ذاته تيارات فكرية نقدية تحذر من مخاطر أزمة الحضارة الغربية، والتي تتولد من داخلها. ولذا، وحيث تنتقد رؤى حضارية إسلامية نقائص هذه الحضارة الغربية فإن بعضها يؤكد أن هذه الأزمة لا يمكن حلها فقط من داخلها، خاصة بعد أن وصلت إلى مرحلة متطرفة من الاستعلاء وإنكار الحضارات والثقافات الأخرى. ولذا، فهي في حاجة إلى مراجعة تنظر إلى ما تقدمه نماذج حضارية أخرى، مثل النموذج الإسلامي، من قيم الاجتماع والعمران البشري العادل والمتكافئ[33].
إن الأزمة الدانماركية ومسار تطورها دعا الكثيرين –ومنهم رموز ليبرالية وقومية ويسارية وليس فقط رموزًا إسلامية- إلى التحذير من محاولة بعض التيارات في الغرب فرض منظومة قيم ثقافية ورؤى للعالم تجافي خصوصيتنا الثقافية أو فرض مفهوم حرية التعبير، كما تفهمه العلمانية الغربية.
كما حذرت من مؤشرات العمد والقصد في الإساءة للإسلام والمسلمين في هذه الأزمة. ولعل من أوضح الأدلة على ذلك “رفض الاعتذار” أو “الاعتذار المشروط” أو التلاعب بالأعذار أو تأكيد حيوية “حرية التعبير” وتسريب مبررات حول عدم إمكانية تشريع دولي لتجريم ازدراء الأديان بحجة عدم إمكانية منع من يريد انتقاد الأديان.
وعلى ضوء ما سبق يمكن القول –وبعد متابعة تطور وقائع السياسة وتفاعلاتها على الساحة الإسلامية الدولية والداخلية، وتطور الجدالات النظرية والفكرية والمعرفية على ساحة العلاقة بين “الإسلام والغرب” منذ نهاية الحرب الباردة– إن خطابات صراع الحضارات والنهايات (الدين، الأيديولوجيا، التاريخ) ليست مجرد مبررات ثقافية ودينية تستخدمها السياسات الأمريكية والأوروبية في نطاق ما يسمى الحرب على الإرهاب. بل لقد أصبحت إحدى المصالح الاستراتيجية العليا للغرب هي إعادة تشكيل عقل المسلمين وفكرهم وفرض قيم ثقافية ومعرفية في محاولة للتصدي للإسلام المقاوم والممانع.
ولهذا يجب –عند تقييم نتائج الحوار– ألا نقتصر على لوم أنفسنا بالتقصير في أداء ما علينا من واجبات. فقد آن الأوان لأن نضع الآخر أمام مسئوليته أيضًا، ونلفت نظره إلى تزايد عنصريته والإساءات المتعمدة المقصودة ضد الإسلام والمسلمين.
بعبارة أخرى، آن الأوان لاستراتيجية هجومية وليست دفاعية فقط، وللمطالبة بتقنين أسس ومتطلبات الحوار العادل المتكافئ. إن سيل المبادرات الرسمية والمدنية، التي أخذت تتوالى خلال الأزمة الدانماركية وما بعدها وحتى الآن، لم تكن تهدف إلى منع تكرار ما حدث، ولكن إلى مجرد رأب الصدع الذي وقع مع “المسلمين المعتدلين”. فلقد تبين كيف كان توحد النخبة مع العامة واضحًا وكيف انتقدت بشدة نخب عربية، تؤمن بالحوار وتمارسه، ما حدث من الدنمارك وحلفائها في أوروبا، واعتبرته تطرفًا ووقاحة دبلوماسية ومؤامرة أوروبية.
إن القراءة في أحداث وخطابات وتفاعلات الأزمة ساعدت على بيان أن الحوار المطلوب مستقبلًا –ليكون عادلًا ومتكافئًا– يجب أن يرتكز على التقنين الدولي لتجريم تعمد ازدراء أو تحقير الإسلام والمسلمين، بقدر ما تم من تجريم معاداة السامية. إن ازدراء وتحقير المسلمين واتهامهم بما ليس فيهم لم يعد من قبيل الجهل أو حرية التعبير، ولكنه توظيف سياسي لتكريس اتهام مسلمي الغرب بعدم الاندماج، ومسلمي العالم بتهديد الاستقرار والسلم. وبذلك، يتم تبرير كل أنماط السياسات العدوانية والتدخلية ضدهم، سواء لأسباب سياسية أو دينية.
خاتمة القول: إن “حالة” الجدالات بين خطابات الحوار وخطابات الصراع عبر ما يزيد عن العقد من الزمان هي “حالة” واضحة المعالم تتنازع على صعيدها الحجج الثقافية مع نظائرها السياسية، كما أن المتابعة المقارنة بين الوقائع الإقليمية والعالمية والخطابات الفكرية توضح درجة تسييس دعوات الحوار الآتية من الغرب، كما توضح من ناحية أخرى درجة تسييس أزمات الحوار أو فلنقل جولات “الصراع” التي توظف فيها بعض فئات “الغرب” السياسية والفكرية الأطروحات الحضارية- الثقافية- الدينية (الصراعية) لأهداف سياسية. ومع استمرار وضوح هذا التسييس على هذين المستويين يصبح السؤال التالي مشروعًا: ما جدوى الحوار إذن؟ على اعتبار أن الحوار ليس مجرد أداة من أدوات السياسات الخارجية ولكن هو بالأساس استراتيجية وتعبير عن رؤية معرفية ذات تأثيرات متعددة المستويات، وخاصة المستويات المدنية والشعبية. ويظل المحك مرة أخرى ليس هو مدى فاعلية الدوائر المدنية والشعبية “العربية والإسلامية” في جهودها الحوارية، ولكن المحك هو مدى استجابة الدوائر المدنية والشعبية “في الغرب” مع هذه الجهود، وخاصة وأن تلك الأخيرة لا تقارن بنظائرها الصراعية من جانب دوائر العداء للإسلام والمسلمين، سواء في مجال الفكر أو الإعلام أو السياسة. ولذا، وبعد اتضاح درجة التسييس في توظيف الحوار أو الصراع –الحضاري- فإنه ليس فقط مقبولًا الآن الاعتذار، بالجهل بالإسلام- كذريعة لتوجيه الاتهامات للإسلام أو لإهانة وتحقير رموزه. وعلى القطاعات المدنية والشعبية والفكرية في “الغرب” أن تدرك قدر الأزمة التي استحكمت حول علاقات الشعوب العربية الإسلامية، على نحو يفرض عليها جهودًا متزايدة لخدمة العدالة وليس الحديث عن السلام.
كما على القطاعات المدنية والشعبية والفكرية في “الشرق” أن تدرك قدر الجهد اللازم بذله لإحياء وتجديد ثقافة المقاومة جنبًا إلى جنب مع ثقافة التعارف –ولا أقول السلام. ولعل الدلالات الحضارية -في اشتباكها مع دلالات سياسات القوى للعدوان الإسرائيلي على لبنان- تزيد الرؤية وضوحًا عن من يكره من ولماذا؟ ومَنْ يقود صراعًا حضاريًا وهو يدّعى العمل من أجل الحرية وحقوق الإنسان؟ ولعل هذه الدلالات تتضح لنا من المقارنة بين خطابات حسن نصر الله وخطابات كل من بوش وبلير وأولمرت وخطابات كل من الملك عبد الله بن سعود، وعبد الله بن الحسين، والرئيس حسني مبارك، ومن المقارنة بين سلوك الحرب الإسرائيلية وبين روح المقاومة الإسلامية لحزب الله، ومن المقارنة بين الزخم المدني والشعبي المؤيد للمقاومة في الدول العربية والإسلامية وبين نظيره في الغرب المدين للعدوان على المدنيين في لبنان وفي غزة… إن المشهد اللبناني والعربي والإسلامي والعالمي منذ 12 يوليو 2006 ثم مع مشهد العدوان على غزة ديسمبر /يناير (2008-2009)، ومشاهد العدوان والعنف المتكررة والمستمرة على ساحات أخرى إسلامية سواء في العالم العربي أو في أفغانستان وباكستان وكشمير وسينكيانج والقوقاز أو في البلقان وتجاه مسلمي أوروبا والولايات المتحدة، وفي المقابل تبرز مشاهد أخرى تقدم دلالات متناقضة. ففي حين يتجه الرئيس الأمريكي أوباما للعالم الإسلامي بخطاب من جامعة القاهرة في يونيو 2009 وهو خطاب أثار ردود فعل متباينة[34]، نجد أن المملكة العربية السعودية تدعم من مبادرة الملك عبد الله من أجل حوار الأديان والثقافات فتنعقد على التوالي مؤتمرات نيويورك (2008) ومدريد 2008 وسويسرا 2009 في إطار مقولة الفصل بين الحوار وبين السياسة أو التسييس[35]. وفي حقيقة الأمر كانت مبادرة السعودية في صميم السياسة حيث كانت محاولة لكسر الجمود الذي أصاب الحوار من جراء عنف السياسات الغربية تجاه العالم الإسلامي.
كل هذه المشاهد تستدعي قراءة حضارية مركبة ولابد وأن تقدم مزيدًا من الدلالات حول مغزى جدالات الحوار/ الصراع وإشكاليات العلاقة بين الحضاري-السياسي في المرحلة الراهنة من تطور وضع الأمة الإسلامية في النظام الدولي. وهي مرحلة تسطر لها الآن المقاومة الإسلامية في لبنان وفي غزة وفي كل مكان سمات جديدة نأمل أن يتم استثمارها في مزيد من إحياء قدرات الأمة وثقة شعوبها بأنفسها وبإمكانيات التصدي لمؤامرة الهيمنة والسيطرة الأمريكية الصهيونية، سواء بأدوات المقاومة العسكرية (ما يسميه د. المسيرى: الحوار العسكري) أو بأدوات الحوار النقدي وليس حوار الاستسلام.
كذلك فإن الأمر يتطلب تضافر جهود الجميع الآن، وتوزيع الأدوار فيما بينهم وفق رؤية استراتيجية تنظر للحوار بين الأديان والثقافات باعتباره قضية سياسية وأداة من أدوات إدارة الصراع وليس بديلًا عنه، ومن ثم تحتاج المبادرة به وإدارته وعيًا كاملًا بالسياق السياسي المحيط والأهداف السياسية لأطرافه، وكل هذا دون التخلي عن الحوار كاستراتيجية ومبدأ في الأساس.
فإن الحوار النقدي يمكن أن يكون سندًا للحوار العسكري لأن الحوار- باعتباره نمطًا من أنماط العلاقات الحضارية- ليس غاية في حد ذاته، كما أن له سياق دولي يبرز الحاجة إليه أو يواريه فضلًا عن الشروط اللازمة لتحقيق أهدافه. ومن ثم فإن قبوله كنمط من أنماط التفاعل هو قبول مشروط لا يجب أن يعني موقفًا اعتذاريًا دفاعيًا في مواجهة اتهامات الغرب أو في مواجهة سياساتهم الصراعية، حفاظًا على البقاء أو درءًا للأخطار، واستعواضًا عن الضعف المادي، ولكن يجب أن يكون الحوار انطلاقًا من ذاتية ثوابت الأمة، ومن قضاياها وتعبيرًا عن مجرد آلية بين آليات أخرى تستجيب لمتغيرات السياسة. وكذلك شريطة أن يكون مقرونًا في المرحلة الراهنة بالوعي بالأبعاد الصراعية في دواعي الطرف الآخر، حتى ولو كانت مغلفة بخطابات الحوار، ومقرونًا بالوعي بحقيقة أثر توازنات القوى على تحديد قضايا الحوار، وغاياته، ونتائجه. وشريطة أن تتوافر له شروط الحوار السوي والفاعل وعلى رأسها الحوار البيني المسبق على المستوى الرسمي والفكري، وأخيرًا شريطة ألا تنتقل ضغوط الواقع على الرسميين إلى النخب والمفكرين. فهم مطالبون بالحوار، لأنه من بين أساليب جهاد العصر وليس اعتذار العصر.
ولا يكون الحوار أحد سبل جهاد العصر إلا من خلال تحري نموذج المقاصد الشرعية، وقيم الاستخلاف والتزكية والعمران والتعارف. هو جهاد في العصر يتحدث عن المقاومة والعدالة في مقابل لغة السلام التي يتحدث بها الداعون إلى الحوار من الدائرة الغربية. فإن السلام لا يتحقق بالحوار إذا كانت العدالة مفقودة وإذا ماتت المقاومة. بعبارة أخرى فإن ثقافة الحوار – لدينا- يجب أن تنطلق من مفهوم العدالة كغاية وحتى لا يكون ثمن السلام هو الاستسلام، أو الاعتذار أو الدفاع عن براءة الذات الحضارية. أن هذه الرؤية عن الحوار إنما تنبثق عن رؤية معرفية وفكرية عن “تغيير العالم”. وهذا هو موضوع الجزء الثاني من الدراسة.

ثانيًا: نحو تفعيل الحوار بين الثقافات من أجل تغيير عالمي: رؤية تعارفية إنسانية

النظام العالمي المعاصر، منذ نهاية الحرب الباردة، تتنازع تفسير حالته ومناخه العام رؤيتان: تلك التي تركز على ما تفرزه تجليات العولمة من قوى الانسجام والترابط بين أرجاء العالم، والأخرى التي تبرز قدر التباين في ظل العولمة[36].
وإذا كان الحوار في نظر البعض سبيلًا لزيادة الانسجام على حساب التباين، إلا أن آثار التسييس السابق شرحها قد بينت أن التباين يزداد تكرسًا في ظل خطابات وسياسات الهيمنة الغربية الحضارية على العالم برمته وليس العالم الإسلامي فقط، مما ولد مشروعات مقاومة متعددة المصادر والتوجهات والأدوات منها المشروع الصيني، لدرجة دفعت البعض إلى وصف القرن الواحد والعشرين بقرن آسيا، ومنها المشروع الإيراني، والمشروع اللاتيني، والمشروع الإسلامي. وأنا هنا لا أتحدث عن مجرد قوى صاعدة منافسة للقوة الأمريكية وحليفتها القوة الأوروبية، ولا أتحدث عن حضارات متقابلة ولكن أتحدث عن مشروعات متقابلة تنظر لمستقبل العالم برؤى متنوعة انطلاقًا من تنوع الرؤى للعالم التي يستند إليها كل مشروع وفى صميم كل من هذه الرؤى ماهية الثقافة والهوية مجدولة بالاعتبارات السياسية والاقتصادية.
وفيما يتصل بالمشروع الإسلامي بصفة خاصة، (استجابة لما انطلقت منه الدراسة أي دائرة انتمائي الثقافي والحضاري أي العربية الإسلامية) وما يتصل بحواره مع المشروع الحضاري الغربي في ظل اختلال توازن القوة المادية بين حاملي كل من المشروعين، يمكن القول أن المشروع الحضاري الإسلامي ليس بمفرده الذي يواجه أزمة تدعى الحداثة الغربية منذ أكثر من قرن قدرتها على حل هذه الأزمة إذا ما تم الاندماج كاملًا في مشروعها، إلا أن المشروع الحضاري الغربي (الحداثي الوضعي العلماني) يواجه بدوره أزمة وإن اختلفت في النوع والطبيعة. فإن الركن الركين من أركان هذا المشروع: الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية إنما تمر بأزمة تنعكس على أزمة المجتمعات الحداثية وعلى أزمة في النظام العالمي برمته. وهي أزمات تدور حولها مراجعات معرفية وفكرية ونظرية مهمة في الغرب ذاته[37].
فلماذا لا تكون هذه الأزمات بدورها مجالًا للحوار حيث أن هذه الأزمات تنعكس على أزمات الدوائر الحضارية المختلفة وعلى رأسها دائرة الحضارة الإسلامية؟ ولماذا تبدو الحوارات قاصرة على أزمات المسلمين وعلى نحو يبدو معهم “الآخر” مقدمًا النصح أو فارضًا الحل؟
ومن أهم الاتجاهات التي تشارك في هذه المراجعات اتجاهات البنائية الجديدة والنقدية التي تهتم بدور الأفكار والتصورات والمعتقدات في تشكيل العلاقات الدولية، وتنطلق من نقد الهيمنة الحضارية المدعاة من الغرب. ولكن شاركت هذه الاتجاهات مع اتجاهات أخرى ليبرالية وواقعية في الدعوة إلى الديمقراطية العالمية كسبيل لدرجة أكبر من الاستقرار والسلام.
إن هذه المحاولة لتحقيق الديمقراطية على المستوى العالمي ليست بجديدة وهى ليست منتجًا من منتجات العولمة فقط، ومن ثم فإن الحوار بين الثقافات حولها ذو جذور سابقة. وما يهمنا هنا هو أن الحوار حول الديموقراطية العالمية هو حوار أيضًا حول منظومة القيم الديموقراطية المطلوب عولمتها والفلسفة التي تنبني عليها. فهل من الجدوى الاستمرار في هذا النمط من الحوار كسبيل من سبل علاج قصور الحوارات السابقة أم يجب الانتقال إلى مجال آخر أكثر فاعلية؟
إن رصد الجدالات بين الاتجاهات الفكرية والنظرية في الغرب، حول الديموقراطية العالمية لتبين الآتي[38]: إن هناك عدم توافق على المفهوم ناهيك عن التساؤل هل هي “ديمقراطية عالمية حقًا”؛ حيث يتضح أن المقصود هو الديموقراطية الليبرالية الرأسمالية النابعة من الخبرة الحضارية الغربية.
ومن ثم فيبدو الحوار البيني – الغربي هو استجابة لأزمة الديمقراطيات الغربية أساسًا تحت تداعيات التحولات العالمية وآثارها الداخلية، وفي محاولة لدعم نشرها باعتبارها الوجه الآخر للسلام اللازم فرضه ولو بالقوة القهرية، ولذا فغير الغربيين –وخاصة المسلمين- غير موجودين في خريطة هذا الاتجاه الليبرالي إلا بقدر كوننا موضوعات ومفعول بنا لأننا غير ديموقراطيين، بل نحن معرضون للحروب باسم الديموقراطية من أجل أن تصبح عالمية؛ حيث أن غاية هذه الديموقراطية كما يرى الليبراليون منع الحروب وتحقيق السلام.
هذا وتستبطن هذه النتائج التي تسفر عن رصد الجدالات حول “الديموقراطية العالمية” مجموعة من الثنائيات (الداخلي /الخارجي، الحروب /السلام، الشعوب/الدول، إجراءات الديموقراطية/فلسفتها…)
وفى المقابل فإن منظورًا حضاريًا من مرجعية إسلامية يساعد على تجاوز هذه الثنائيات تحقيقًا لدرجة أكبر من الانسجام والتناسق والتوافق وليس التناقض والصراع والتنافر الذي تنضح به الثنائيات المشار إليها عاليًا، والتي لن تجعل من الديمقراطية العالمية –في ظل أوضاع القوى العالمية الراهنة تحت هيمنة أحادية حضارية– إلا مجرد ثوب جديد لنفس الجسد.
كذلك فإن الاتجاهات البنائية تقدم رؤية أكثر نقدية للمنظور التقليدي للعلاقات الدولية، الذي يستهدف الحفاظ على نظام الهيمنة الدولية القائمة ومن ثم فهو أكثر انفتاحًا وتعددية يتساءل عن ديمقراطية كونية وليس مجرد ديموقراطية ليبرالية عالمية، ذلك لأنه ينشغل بمشاكل الشعوب الناجمة عن العولمة الاقتصادية والاجتماعية.
وإذا كانت هذه الجدالات بين روافد الفكر الغربي هي جدالات حول فلسفة الديمقراطية ومنظومة قيمها وغاياتها العالمية إلا أن عالم الإسلام، وعالم الدين بصفة عامة، غائب بدرجة كبيرة عنها. فكيف نستطيع من مرجعية إسلامية تأخذ الإسلام كمصدر للقيم والمبادئ اللازم تفعيلها لخدمة منظومة الإنسانية، أن نقدم رؤية لا تخلط بين المقاصد والأدوات؟ فإن المقصد هو التغيير العالمي الذي يحقق العدالة الإنسانية.
إن من أهم شروط تفعيل الحوار بين الحضارة الغربية والإسلامية، من منطلق البعد الثقافي أن يتصدى إلى أجندة قضايا جديدة لا تنغلق في قضايا محاكمة الإسلام أو التشكيك فيه أو تنغلق في قضايا ترويج منظومات قيم الغرب ولكن تمتد إلى أجندة إنسانية شاملة، يمكن أن يشارك فيها الجميع من منطلق دوائرهم الثقافية.
فإذا كانت بعض مستويات الحوار بين الغرب والعالم الإسلامي قد دارت بين رجال دين وعلماء يهتمون بدور الأديان وبين علمانيين أو حتى ملحدين حول قضايا إسلامية وما لها من ارتباطات مع أوضاع مجتمعية وسياسية واقتصادية (الإسلام والمرأة، الإسلام والأقليات، الإسلام والعنف، الإسلام والجهاد والإرهاب، الإسلام والتسامح والسلام)، وإذا كانت مستويات أخرى من الحوار ترى الاتجاهات الفكرية اليسارية أنها يجب أن تقتصر على قضايا الاستعمار والهيمنة والعدالة التوزيعية للثروات، أي حول أبعاد العلاقة بين الشمال والجنوب بصفة عامة. فإن اتجاهات ثالثة، وهي الليبرالية، ترى أن الحوارات هي وسيلة للمشاركة في دراسة وحل مشاكل الإنسانية كلها ولكن من خلال نقل الحداثة والاندماج في النظام العالمي[39].
وإذا كانت اتجاهات أخرى تقول بأن أحد أهم شروط تفعيل الحوار بين الحضارات هو تأسيس الحوارات البينية على صعيد الحضارة الإسلامية بين شعوبها ودولها حيث تبرز الحاجة مثلًا إلى حوارات عربية- إيرانية، وعربية تركية، وعربية كردية، وعربية أمازيغية، ناهيك عن حوارات المذاهب (الشيعة والسنة) والأديان (المسلمون والمسيحيون) في الشرق[40]. كذلك هناك الحاجة إلى حوارات بين الحضارات الشرقية ذاتها، حيث توالت على سبيل المثال ملتقيات الحوار الإسلامي الياباني والعربي – الصيني، كذلك جرت بعض جولات الحوار العربي اللاتيني[41].
ففي المقابل، وفى الوقت الذي تتعثر فيه الحوارات سواء البينية أو بين الغرب والعالم الإسلامي، تبرز الأصوات الداعية إلى توسيع دائرة الحوار الإسلامي- المسيحي (عالميًا وإقليميًا) لتزداد استيعابًا لمشاركة اليهود. وهو الأمر الذي يولد استجابات وردود فعل عديدة، على ضوء ما تتعرض له القضية الفلسطينية من عدوان مستمر ومتصاعد وعلى ضوء تسييس الحوارات التي يشارك فيها اليهود لتصبح غطاء لمساندة السياسات الإسرائيلية ومدخلًا مرنًا للتطبيع.
إن هذه الاتجاهات الخمسة التي تتنازع الحوارات في النظام العالمي المعاصر، إنما تعوق فعاليتها عديد من الأسباب، لعل الجزء الأول من الدراسة يكون قد اقترب من بعضها وأهمها، ألا وهو التوظيف السياسي في ظل اختلال توازن القوة العالمية.
ومن هنا لابد وأن نتصدى لإعادة صياغة أجندات الحوارات (على الأقل التي شهدها العقد الماضي) حتى لا نظل أسرى الدفاع أو الاعتذار من جانب مسلمين أو أسرى التصحيح والإرشاد أو التعالي والاتهام والتشكيك من جانب غربيين، لنقدم خطابًا بنائيًا إنسانيًا من أجل إصلاح الإنسان كجوهر للتغيير العالمي.
إذن كيف نستطيع أن نشارك فى هذا الحوار؟
لقد تعددت الرؤى من جانب علماء مسلمين عن إمكانية بل وضرورة مشاركة رؤى إسلامية في “إصلاح العالم”، وأقتصر هنا على ذكر النماذج الثلاثة التالية: حامد ربيع، منى أبو الفضل، وأحمد داوود أوغلو[42].
وتعالج هذه الرؤى إشكاليتين مترابطتين محل الاهتمام، ألا وهما حاجة العالم لنموذج إسلامي يساهم في التجديد الفكري والمجتمعي العالمي من ناحية، وأن التجديد الفكري والمعرفي على مستوى الأمة وانطلاقًا من مرجعيتها وأسسها الحضارية هو شرط ضروري لتجديد قواها ويصب أيضًا في استقرار وسلام العالم من ناحية أخرى. وتوضح هاتان الإشكاليتان أنه بقدر ما يستطيع الإسلام من وجهة نظر هذه النماذج أن يقدم للعالم بقدر ما يجب من باب أولى أن يجري حل مشاكل أمته انطلاقًا من أسسه الحضارية الثابتة، وعلى ضوء نموذجه في التعارف والتواصل انطلاقًا من سنة التعدد والتنوع واستنادًا إلى كونه نموذجًا مفتوحًا وليس مغلقًا. بعبارة أخرى، وانطلاقًا من طبيعة الإسلام “الوسطية” وأنه دعوة للعالمين، وانطلاقًا من ناحية أخرى من الخبرات التاريخية للأمة الإسلامية سواء في وقت القوة أو في وقت الضعف، يمكن القول إنه لا انفصال بين ما يقدمه الإسلام للمسلمين وبين ما يقدمه للعالم.
ومن ثم فإن كل ما يسعى المسلمون لطرحه على العالم –وليس الغرب وحده- هو في واقع الأمر منتج لقناعة بأن الإسلام لديه ما يقدمه للإنسانية من قيم وأفكار، وأن ما يقدمه الإسلام للإنسانية لا يمكن استيعابه إلا من خلال عملية نقد ذاتي لأوضاع المسلمين، عملية من النهضة وإعادة الإحياء؛ إعادة إحياء الرؤية الإسلامية للعالم في فهم ووعي المسلمين قبل غيرهم ربما تكون قادرة على تجاوز ما يرصده المسلمون في هذا العالم من إفلاس أخلاقي وروحاني وإفراط في العنف والطغيان وفي التعريفات المادية للقوة على نحو يجعل من قوة المسلمين قوة مهمشة في العالم[43]. فنحن فعليا أمام حركة ثنائية من نقد الذات ونقد منتج الحداثة والرؤى المادية الوضعية للعالم.
فـ”قضية إصلاح النظام العالمي وكيفية مشاركة المسلمين فيه، سواء من الدول الإسلامية أو من المسلمين في الغرب، هي مشاركة تفترض أن يدير المسلمون في كل مكان إشكاليتين أساسيتين متصلتين بالإدراك المتبادل بينهم وبين غير المسلمين، ألا وهما: أن المسلمين جزءٌ من العالم وفي قلبه لا يمكنهم الانعزال عنه، بل وعليهم دور كبير تجاه الإنسانية وليس تجاه المسلمين فقط، وإن كان هذا الدور يقتضي في البداية إصلاح أحوال المسلمين”[44].
إن الحديث عن تقبل الآخر واستيعاب التعددية الحضارية وإفساح الطريق أمام إسهامات الدوائر المهمشة هو حديث له رونق، ولكن الفكرة على الرغم من لباقتها تستلزم أساسا أن يكون الآخر قادرًا على المشاركة –لديه الرغبة ولديه القدرة على المشاركة- والرغبة والقدرة ترتبطان بالفرد ذاته كما ترتبطان بالنظام السياسي الذي ينتمي إليه وما يتيحه له هذا النظام من قنوات للتمكين، وإلا أصبحت مجرد نموذج آخر من نماذج علاقات الهيمنة والتبعية ولو في شكل أكثر “أناقة”، أو فلنقل أكثر شرعية.

اقترابنا من قضية التغير العالمي أو الإصلاح العالمي من رؤية إسلامية ونحو عدالة إنسانية:
هناك جهود متنوعة أخرى حول إسهام الإسلام في التأصيل لعدد من المفاهيم، أو حول نقد المنظومة الليبرالية عن الديمقراطية. وجميعها لا تستدعي “إجراءات أو مؤسسات بقدر ما تستدعي أطر القيم والواجب الاستناد إليها للإصلاح.
ومن نماذج هذه الجهود – دون ادعاء تقديم مسح شامل لها- النماذج التالية: د.هبة رءوف حول نقد الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية، د.مصطفى كمال باشا حول العلاقة بين الديمقراطية والإسلام، جوناتان موسز حول مفهوم الأمة – ديمقراطية، إرماندوسلفادورى حول مفهوم المصلحة، ود.عبد الحميد أبو سليمان عن إسهام قيم الإسلام في العالم، ود.إسماعيل الفاروقي عن شكل النظام العالمي، ود.سيف الدين عبد الفتاح حول “المقاصد العليا”، ود.سهيل عناية حول المستقبليات.
إذا كان بناء الديمقراطية العالمية قد استدعى أسس معرفية وفلسفية ليبرالية حددت من يشارك ولماذا وكيف و…، على نحو افتقد القيم والدين، كما افتقد مفهوم “الآخر الحضاري”، فإن مفهوم إصلاح العالم من رؤية إسلامية يستدعي المشاركة في بناء القيم وتفعيلها على أكثر من مستوى وعلى نحو يبرز “وسطية الإسلام” لإرساء أسس جماعية للتغيير وليس فرض هيمنة أحادية.
ويتجلى ذلك في منظومة الأبعاد الأربعة التالية لرؤية إسلامية حضارية:

أولًا – محركات ودوافع الإصلاح والتغيير: منظومة الدعوة – القوة – الجهاد

فإن الدعوة هي عملية ممتدة جهادية تتعلق بالفرد والأمة، بالداخل والخارج، بالسلم والحرب، فإن الرؤية العقدية القائمة على قيمة التوحيد والتي تحمل رؤى فرعية ومتكاملة حول الإنسان والكون والحياة، في سياق مفاهيم مثل الأمانة والتكليف والعمارة والاستخلاف، لا تكون بتأسيس العلاقة ضمن حالة استثنائية وهي الحرب، أو حالة السلم المؤدية إلى فعل الاسترخاء وعدم الفاعلية والقعود عن معاني الأمانة والرسالة والخيرية. إن السلم الكامل والحرب الدائمة والشاملة ليست سوى أشكال وأساليب حدية على متصل تتفاوت عليه الأشكال[45].
والقوة حقيقة استخلافية تحرك الفعل الحضاري العمراني فهي ليست قوة طغيان ولكن عمران، وهي لا تعني الوهن والهوان بل هي فعل مأمور به (نموذج الانتفاضة الفلسطينية، والمقاومة حزب الله في لبنان).
ولذا فإن هذا المفهوم للقوة قد يفرض إعادة تعريف مفهوم السياسة ذاته بحيث يصبح القيام على الأمر بما يصلحه وتكون القوة هنا عناصر إصلاح وعمران، والسياسة بناء لعمران -وليس كما في المفهوم الغربي توازن واستقرار في ظل تكريس الواقع- والعمران نسق حضاري ومجال معرفي وفكري إسلامي يتخطى حدود الفقه التقليدي ويتجاوزها في رؤيته للعالم التي يستند إليها، ولذا فهو يقدم بديلًا حضاريًا للتقسيم الفقهي التقليدي للمعمورة إلى دار سلم ودار حرب.
والقوة ليست عناصر مادية فقط، فعلى أهمية هذه العناصر القصوى إلا أن هناك أيضًا عناصر معنوية تضفي على معاني القوة معاني الإرادة والإعداد والقدرة[46].

ثانيًا- العلاقة بين دوائر الاجتماع البشري (الإنسان، الجماعة، الأمة، الدولة)

العلاقة بين الفرد، الجماعة، الأمة، الدولة، العالم، هي علاقة ضم inclusion وليس استبعاد دائرة على حساب أخرى. فجميعها دوائر متحاضنة Overlapping Circles ويجسد هذا الضم وهذا التحاضن مفهوم الأمة بصفة عامة والأمة الإسلامية بصفة خاصة[47].
وعلى ضوء هذه الثلاثية: الجماعة – الأمة – الدولة، فإن الرؤية عن مصدر إصلاح “العالم” تتضمن عدة دوائر تتضافر في تأثيراتها وهي كالآتي:
إصلاح الإنسان الفرد على ضوء ميزان الحق والواجب، فحقوق الإنسان ليست مجرد حقوق ولكن ضرورات[48]. والوجه الآخر لها هو الواجبات والالتزامات، فليس للفرد على الدولة أو الحكومة حق المحاسبة والرقابة والشفافية فقط، ولكن ما هو واجبه ليستأهل هذه الحقوق. وهنا يقفز حاليًا ما يسمى التربية المدنية وثقافة الديمقراطية وثقافة التعددية، وجميعها تعبيرات معاصرة لإعداد الإنسان لدوره الديموقراطي أو لنقل الدور المجتمعي العام المشارك في المجال العام. وهذا الإعداد لابد وأن يتم على ضوء ميزان بين ما هو مدني وما هو قيمي ديني وميزان بين ما هو فردي ومجتمعي… كل ذلك انطلاقًا من مفهوم الإنسان وحقوقه في الرؤية الحضارية الإسلامية[49].
إصلاح الجماعة – الأمة /الدولة والنهوض بها (بين الدولة والأمة): إن أسباب ضعف الأمم والجماعات في الرؤية الإسلامية إنما تنطلق من الأسباب القيمية التي تنعكس على الأسباب المادية، ومن ثم فإن النهوض والإصلاح والتجديد والإحياء يبدأ أيضًا من هذه الدائرة القيمية ممتدًا بالتفعيل إلى الدوائر الأخرى. كما أن إصلاح “الكلي” شرط لإصلاح الجزئي، فحال الأمة لابد وأن ينعكس على حال شعوبها ودولها كل على حدة.
كذلك فإن حال الجماعة لابد وأن ينعكس على الدولة التي تجسدها. ومن ثم فإن إشكالية العلاقة بين الأمة/ الدولة (أيهما أسبق على الآخر) تنعكس في إشكالية الإصلاح على هذا المستوى الجمعي، بقدر ما تتجسد أيضًا إشكالية العلاقة بين المادي/القيمي.
والعوامل غير المادية احتلت مكانة أساسية في الرؤية الإسلامية عن تطور النظم التاريخية وعن تفسير التاريخ وذلك على عكس دراسات غربية نظمية سقطت في أحادية عوامل التفسير المادية أساسًا[50].

ثالثًا- قدمت الحضارة الإسلامية في أصولها الإلهية والنبوية، وفي منتوجها الفكري والتاريخي جملة من المفاهيم الحضارية الكبرى التي تنطلق من فقه حضاري متميز له أصوله ومبادئه ومفاهيمه ومسائله. ويمكن الإشارة إلى هذا الفقه وأصوله وإلى بعض مفاهيمه الكبرى وقيمه المعبرة، على النحو التالي:

– التعارف الحضاري – التعددية الحضارية – التنوع الحضاري
– التدافع الحضاري – حوار الحضارات في مقابل صدامها وصراعها
– التداول الحضاري – الإنسان في الرؤية الحضارية الإسلامية

رابعًا: الغاية حال العالم ومنظومة قيم تأسيسه (التوحيد، التزكية، العمران) ومنظومة معايير إصلاحه: العدالة، الاستخلاف، العمران، المصلحة، المقاصد، الإنسانية، جميعها مفاهيم تأسيسية في الرؤية القرآنية عن العالم، وقد تم استحضارها بأكثر من سبيل وفي أكثر من سياق، على نحو يصعب معه التوقف بالشرح عند كل منها. إلا أنه يمكن التوقف عند رؤية جامعة لهذه المنظومة قدمها “خورشيد أحمد”[51] وتتلخص كالآتي:
تمثلت القوة الحقيقية للحضارة الإسلامية في السعي في آن واحد نحو التفوق القيمي والقوة المادية، نحو الرخاء والأمن. واتسمت كل مراحل صعود وتوسع الحضارة الإسلامية بهذه العملية الديناميكية. وحين يختل هذا التوازن بين القيمي والمادي تُحدِث قوى الضعف والتفكك آثارها على نسيج المجتمع المسلم وتؤدي إلى سقوطه.
وشهد تاريخ المسلمين عبر 14 قرنًا مراحل صعود وسقوط، إلا أنه بعد كل تدهور سرعان ما كانت تظهر موجات من الإحياء والتجديد تستجيب بقوة لتحديات كل مرحلة.
من هذه الأبعاد الأربعة يتضح لنا ملمحين أساسيين وراء هذه المنظومة:
1- هذه المنظومة تنطبق داخل وخارج الحضارة الإسلامية وليس داخلها فقط.
2- الملمح الثاني؛ هو أن الغاية ليس أن يصبح كل العالم مسلمًا وفق رؤية البعض عن تقسيم دار الحرب ودار السلم، فهذا التقسيم لم يكن إلا تقسيمًا سياسيًا في مواجهة حالة صراع دولي ضد المسلمين. وكان ينظمه ويضع قواعده الرؤية المعرفية الأصلية (الحضارية التعارفية).
ومن ثم فالتحدي أمام المسلمين هو أن يعرفوا كيف يعيشون في العالم كمسلمين وكجزء مندمج فيه يأخذ ويعطي في ظل سنن التداول.
دون الوقوع في الثنائيات التي تزخر بها خطابات “الديمقراطية العالمية، ودون اختزال غاية الديمقراطية العالمية في منع الحرب فقط ودون اختزال محتوى الديمقراطية العالمية في إدارة العالم بطريقة ديمقراطية لإيجاد حلول للمشاكل العالمية يشارك فيها الجميع، ولكن وفق فلسفة الديمقراطية الغربية. فإن إصلاح العالم وتغييره يمكن أن تشارك فيه أمم العالم، كل من دائرتها الحضارية، وفي ظل تعددية حقيقية تثري العالم في إطار تعاوني سلمي.
إلا أن الأمر لا يقتصر على الحاجة إلى رؤية وسطية ولكن هناك حاجة أيضًا لتفعيلها في إدارة أجندة عالمية مشتركة تهم الإنسانية بروافدها المتنوعة. كما هناك حاجة لبرامج وخطط عمل مشتركة ومؤسسات إنجاز تحقق تراكمًا يجعل مخرجات الحوار والتعاون مخرجات ملموسة ومحددة ولا تقتصر على “الكلمات”. ولعلي هنا أستدعي كلمة د. مصطفى سيرتشي في مؤتمر جنيف 2009، السابق الإشارة إليها في أول مشهد في تمهيد الدراسة، فلقد بدأ كلمته بالحديث عن آلام المسلمين ولكن انتهى بأجندة تهم الإنسانية وهي البيئة والفقر والجوع.
فلا يمكن أن تظل ملتقيات الحوارات العامة، رغم أهميتها، تدور في حلقات مفرغة من الحديث عن دوافع الحوار ومبررات وأهدافه وعن القيم الإنسانية المشتركة وعن… فماذا عن التفعيل ليصب في خدمة تغيير العالم ليصبح أكثر إنسانية بالمعنى الحقيقي للإنسانية وليس بالمعنى الذي تختطفه كل مرجعية من المرجعيات المتصادمة.
خلاصة القول في هذه الدراسة، أن البعد الثقافي في حوار الحضارات وإن كان عاملًا أساسيًا إلا أنه لا يعمل تأثيره في فراغ. فهو وإن لم يكن حتمي التأثير وعلى نحو محدد دائمًا، إلا أنه لا يمكن إسقاط مدلول تفاعله مع عوامل أخرى سياسية واقتصادية.
فليست الثقافة العربية الإسلامية ثقافة صماء، وإن كانت تتعرض لتأثيرات إلا أن التحدي الأساسي أمامها في ظل الصراع الحضاري الموجه إلى شعوبها هو أن تحافظ على ثوابتها وتفرز استجاباتها للتحديات وتضمن لها استمرار النمو والتفاعل مع الثقافات الأخرى مع الحفاظ على نواة خصوصيتها[52]. ومن هنا مغزى مقولة “ثقافة التغيير أم تغيير الثقافة”[53]، فإن ثقافتنا في حاجة لثقافة التغيير حتى تستطيع المشاركة في تجديد ثقافي عالمي هو مدخل أساسي لعلاج أزمة النظام العالمي المعاصر.
ومن ناحية أخرى فإن الثقافة الغربية ذات الجذور المسيحية – اليهودية، إنما تشهد تيارين هامشيين: أحدهما يسعى إلى تأكيد هذه الجذور، كما اتضح خلال معركة دستور الاتحاد الأوروبي[54] واتجاه آخر يتحدث عن التعددية في مصادر هذه الثقافة على نحو يدخل فيها مصادر إسلامية أيضًا[55].
ناهيك عن الحديث عن دور الإسلام وأثره كتهديد أو تحدٍ في خلق الهوية الأوربية الحديثة[56]. كل ذلك في مقابل التيار السائد الذي يؤكد على أن هوية أوروبا هي منظومة القيم الحديثة: المواطنة، الديموقراطية، حقوق الإنسان، الحرية…إلخ.
بعبارة أخرى فإن حديث “الثقافات وموضعها من الحوار بين الحضارات في نظام عالمي مختلف إنما يستنبط التباين والانسجام بين الثقافات المنتمية إلى حضارة واحدة أو عدة حضارات وعوامل تحديد هذا التباين والانسجام، فهل مبعثها مثلًا الدين، أم التاريخ، أم السياسة أم نمط عمليات التثاقف المستمرة أم…الخ.
وللإجابة على هذا السؤال أطرح سؤالًا وأستدعي واقعة: والسؤال هو أليس تعثر الحوار بين العالم الإسلامي والغرب مرده (الديني – الثقافي) مجدولًا بالسياسة والتاريخ، وليس الدين فقط أو السياسة أو المصالح فقط؟
أما الواقعة التي أستدعيها فهي تتصل بوضع البلقان المتباين الثقافات والأديان والقوميات. فكما بدأت دراستي بمشهد عن الشيخ مصطفى سيرتشي فأنا هنا أستدعي وقائع البلقان لأمرين: هل البلقان ينتمي إلى الحضارة الغربية فقط، أم هو ما يسمى منطقة التماس بين حضارتين؟ هل ثقافات بعض شعوبه ثقافة غربية أم ثقافة إسلامية أم ثقافات تماس أيضًا؟ ومن ثم فهل هو في حاجة فقط إلى حوار بين شعوبه وثقافاته كحوار بيني في نطاق الحضارة الغربية؟ أم هو بحكم تاريخ الإسلام في البلقان (7 قرون) وبحكم واقع المسلمين فيه، هل هو جزء أيضًا من الحوار بين العالم الإسلامي والغرب، باعتباره جغرافيًا جزءًا من أوربا، القلب التاريخي للغرب، وباعتبار بعض أجزائه في نفس الوقت تمثل جزءًا من الأمة الإسلامية (ذلك المفهوم العقدي الذي يجسد الرابطة العقدية الحضارية بين المسلمين أيًا كان موطنهم وموقعهم في العالم) بقدر ما يمثلون جزءًا من أوربا.
إذن ألسنا في الدائرة العربية الإسلامية في حاجة أيضًا إلى حوار مع مسلمي البلقان أو أن يكون لمسلمي البلقان دور في الحوار بيننا وبين الغرب الذين ينتمون إليه جغرافيًا وتاريخيًا؟ فهم من شعوبه وإن كانوا أسلموا منذ قرون ومازالوا باقين بالرغم مما تعرضوا له عبر القرنين الماضيين من عمليات تصفية، إلا أنهم مازالوا باقين لم يكرر معهم حتى الآن سيناريو “الاسترداد” في الأندلس كاملًا. فإذا كان الغرب يأتي إلينا مبادرًا بالدعوة إلى الحوار معه أو إلى الحوار فيما بيننا كسبيل لحل مشاكل متعددة أو كغاية في حد ذاته، وحول قضايا من قبيل حقوق الإنسان والمواطنة وثقافة السلام والتسامح وقبول الآخر، فهل استطاعت أوربا والولايات المتحدة أن تدير حوارًا مع مسلمي البلقان أو بينهم وبين غيرهم من القوميات والأديان على أساس من العدل والتكافؤ، أم أن الحوار يشهد بدوره ما شهدته ساحات المعارك والحروب الدامية ضد مسلمي البلقان عبر العقد الأخير من القرن العشرين؟ وعلى نحو وصم أوربا والغرب كله بأكبر مأساة إنسانية في نهاية القرن العشرين حيث تم انتهاك حقوق الإنسان بأبشع صورها وحيث تعرض قوم للإبادة الجماعية لمجرد كونهم مسلمين عاشوا قرونًا على هذه الأرض.
بعبارة أخيرة هل نجحت حوارات الأديان والثقافات في بناء ثقافة تعارف وتواصل وثقافة عيش واحد وثقافة سلام عادل سواء في البلقان أو في أقاليم وأوطان أخرى في العالم أو بين العالم الإسلامي والغرب؟[57] سؤال أختم به الدراسة لأنه ستظل الإجابة عليه[58] هي المحك في كل تناول مستقبلي عن أثر البعد الثقافي في حوار الحضارات في النظام العالمي المعاصر الذي يشهد تأزيمًا متكررًا عبر أرجائه نظرًا للتصادم بين قوى التباين وقوم الانسجام الناجم، ليس عن مجرد عدم تكافؤ في القوة، ولكن الناجم عن التصادم بين رؤيتين معرفيتين؛ رؤيتان للعالم إحداهما صراعية تجعل اختلاف الثقافات أو الأديان مفسرًا أساسيًا للصراع أو تدفع بثقافة القوي (ماديًا) أن يهيمن بالقسر والإكراه مع إدعاء العالمية، والرؤية الأخرى تعارفية إنسانية ترتكن إلى مفهوم القوة أيضًا ولكن الذي يدافع عن حقوق الشعوب وينأى عن استراتيجيات الاستئصال للمخالف ويؤسس للعيش الواحد فتتحقق عالمية حقيقية. فليس اختلاف الأديان والثقافات في حد ذاته سببًا في صراع أو دافعًا لحوار، ولكن الأهم كيف تصبح هذه الاختلافات عاملًا في ثراء التنوع والتعدد.
*****

الهوامش:

[1] انظر في العلاقة بين الثقافة والحضارة والدين:
– فؤاد السعيد، د. فوزي خليل: الثقافة والحضارة، مقارنة بين الفكرين الغربي والإسلامي، (في): نادية مصطفى، منى أبو الفضل (محرران): مشروع التأصيل النظري للدراسات الحضارية، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، برنامج حوار الحضارات، دمشق: دار الفكر، 2008، الجزء الرابع.
انظر أيضًا:
– أماني غانم: البعد الثقافي في العلاقات الدولية، دراسة في الخطاب حول صدام الحضارات، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، برنامج الدراسات الحضارية وحوار الثقافات، 2007.
– دنيس كوش، مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية، ترجمة: د. منير السعيداني، بيروت،المنظمة العربية للترجمة، 2007.
[2] انظر على سبيل المثال:
د.محمد السيد سليم (محرر): النظام العالمي الجديد، جامعة القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية، 1994.
[3] انظر جدال المنظورات حول تعريف العولمة وآثارها في:
– James Roseneau: The dynamics of Globalization Toward an operational formulation, Security Dialogue, vol. 26 (3) 1996, pp 247-262
– Philip Cerny: Globalization and other stories: the search for a new paradigm for international relations, International Journal, Autumn 1996, pp 616-637
– Claire Tiran sjolander: The Rhetoric of globalization: what’s in a world? International Journal, Autumn 1996, Pp 603 -615
– Jan Aart Scholte: Global Capitalism and The state, International Affairs, vol. 73, (3) 1997, Pp 427-440.
– Paul Hirst, Global Economy myths and realities, International Affairs, vol. 73(3) 1997. Pp 409-425
– Philip Cerny: Globalization and the changing logic of collective action International Organization Vol. 49, No. 4, Autumn 1995, PP 595-900
– S. smith , J. baylis: The globalization of world politics (1997)
– The American Journal of Islamic Social Sciences: Globalization, vol. 15, No. 3 1998 all the issue
– هانس – بيتر مارتن، هارالد شومان: فخ العولمة (الاعتداء على الديموقراطية والرفاهية)، ترجمة د. عدنان عباس علي، عالم المعرفة، 1998.
– العولمة: أمم فقيرة وقوم فقراء، تقرير التنمية البشرية لعام 1997 منشور لحساب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (في): الاجتهاد، العدد 38، شتاء 1998، ص 65-100.
[4] انظر على سبيل المثال:
– د. سليمان الخطيب: أنماط انتقال الأفكار وآلياتها بين التفاعل والاستلاب: دراسة حالة العلاقة بين عالم الغرب وعالم المسلمين، (في) نادية مصطفى، منى أبو الفضل (محرران)، مرجع سابق.
– مجموعة مؤلفين، أي إسلام وأي غرب: كتاب صحيفة الدعوة الإسلامية، ليبيا، جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، العدد 2، أكتوبر 2003.
– المجلس المصري للشئون الخارجية، مستقبل العلاقة بين الإسلام والغرب وفاق أم صدام، القاهرة: أوراق المؤتمرات، يناير 2005.
– مستقبل العلاقة بين الإسلام والغرب، مجلة رؤى، العدد الثالث عشر، السنة الثالثة، مركز الدراسات الحضارية بباريس، خريف 2001.
[5] انظر على سبيل المثال:
– د. مصطفى سيرتشى: المسلمون في البوسنة ودور المشيخة الإسلامية في ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، (في)م أم د. نادية مصطفى (محرر)، مسارات وخبرات في حوار الحضارات: رؤى متنوعة في عالم متغير، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، برنامج حوار الحضارات، 2004.
– Mustafa Ceric, the many voices of Islam, (in): Abdul Aziz Said, Mohammed Abu- Nemer, Meena Sharify- Funk (eds.), Contemporary Islam- Dynamic, not static, Rout ledge, London and New York, 2006.
[6] في مؤتمر مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار وأثرها في إشاعة القيم الإنسانية، جنيف، سويسرا، 11-12/10/1430هـ.
[7] د.نادية محمود مصطفى، البوسنة والهرسك، من إعلان الاستقلال وحتى فرض التقسيم (مارس 92-يوليو 93)، نجاح العدوان المسلح في فرض الأمر الواقع أمام أنظار النظام العالمي الجديد، القاهرة: مركز الدراسات الحضارية، 1994.
– د.نادية محمود مصطفى، كوسوفا بين التاريخ والأزمة الراهنة (في): حولية أمتي في العالم (1998)، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، 1999.
– د.نادية محمود مصطفى، الخطاب العربي-الإسلامي وضربات الناتو حول كوسوفا، (في): حولية “أمتي في العالم” 1999، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، فبراير 2000.
– د.نادية محمود مصطفى: قراءة ما يحدث في كوسوفا، القدس، العدد5، مايو 1999.
– د.نادية محمود مصطفى، أزمة كوسوفا وحلف الأطلنطي: التوازنات الأوربية والعالمية، المستقبل العربي، عدد يوليو 1999.
– د. نادية مصطفى: ملف “كوسوفا.. حوار القومية والعلمانية والإسلام”، الخميس 18 شوال 1427 هـ – 9/11/2006 م، على الرابط:
http://www.islamonline.net/arabic/politics/IslamicWorld/topic_07/2006/11/01.shtml
– مقدمة كتاب: د. محمد أرناؤوط: كوسوفا – كوسوفا – بؤرة النـزاع الصربي الألباني في القرن العشرين، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، 1998.
[8] من هذه المبادرات على سبيل المثال:
– Project on Ethnic Relations (in central and Eastern Europe, the Balkans and the Former Soviet Union.
– The Dayton Peace accords project.
– Interreligious Dialogue and cooperation in Bosnia.
– Nansen Dialogue Network.
[9] انظر تقرير عن زيارتي لكوسوفا: كوسوفا.. حوار القومية والعلمانية والإسلام، الخميس 18 شوال 1427 هـ – 9/11/2006 م، على: http://www.islamonline.net/arabic/politics/IslamicWorld/topic_07/2006/11/01.shtml.
[10]ابتداء من مبادرة الرئيس الإيراني محمد خاتمي 1998 بالدعوة إلى عام حوار الحضارات انظر:
– د. باكينام الشرقاوي: حوار الحضارات خبرة إيرانية رائدة، (في): نادية مصطفى، علا أبو زيد (محرران)، من خبرات حوار الحضارات: قراءة في نماذج على الصعيد العالمي والإقليمي والمصري، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، برنامج حوار الحضارات، 2003.
– مجموعة مؤلفين: كيف نواصل مشروع حوار الحضارات، أعمال المؤتمر الدولي في دمشق 19- 21/1/2002، كتاب الثقافة الإسلامية رقم 12، المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بدمشق، 2002، جزآن.
[11] انظر قراءة نقدية للمبادرة في:
– أمجد جبريل: مبادرة السعودية للحوار بين الأديان: من مؤتمر مكة إلى مؤتمر نيويورك -2008- (المغزى، المضمون، التوقيت، السياق)، (في) د. نادية مصطفى (إشراف): حوار الأديان: مراجعة وتقويم، أعمال المؤتمر الذي نظمه مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات، بالتعاون مع إسلام أون لاين، القاهرة: مايو 2009. (تحت الطبع)
– انظر أيضًا الكتاب التذكاري الصادر من رابطة العالم الإسلامي حول نص المبادرة وملتقياتها وردود الفعل الناقدة أو المؤيدة لها.
[12] انظر على سبيل المثال ومن منظورات متعددة:
– نادية مصطفى، علا أبو زيد (محرران)، مرجع سابق.
– نادية مصطفى: مسارات وخبرات في حوار الحضارات، رؤى متنوعة في عالم متغير، مرجع سابق.
– نادية مصطفى، علا أبو زيد (محرران) خطابات عربية وغربية في حوار الحضارات، جامعة القاهرة: برنامج حوار الحضارات ، دار السلام للنشر، القاهرة: ط 2، 2007.
– عيسى برهومة: حوار حضارات أم صراع؟ نحو رؤية متوازنة للتعايش، إسلامية المعرفة، العدد 46- 47، خريف وشتاء 2006- 2007.
– د. آمنة نصير: حوار الحضارات من أجل الإنسان تواصل لا صدام، قضايا إسلامية، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، العدد 119، 2005م.
– رضوان زيادة: رهانات حوار الحضارات بعد 11 أيلول، حوار الذات أولًا، مجلة الكلمة، العدد 37، خريف 2002.
– السيد ياسين: حوار الحضارات بين الغرب الكوني والشرق المتفرد، دار ميريت، القاهرة، 2001.
– السيد ياسين: الحوار الحضاري في عصر العولمة، نهضة مصر، 2002.
[13] حول هذه الحالات أنظر:
حولية أمتي في العالم، كتاب غير دوري عن قضايا العالم الإسلامي، مركز الحضارة للدراسات السياسية، القاهرة: العدد الخامس (2002- 2003): في أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
العدد السادس (2004- 2005): في العدوان على العراق.
العدد التاسع (2009 – 2010): في العدوان على غزة (تحت الطبع)
انظر أيضًا:
– نادية محمود مصطفى، سيف الدين عبد الفتاح (إشراف علمي)، العدوان، المقاومة الحضارية فى حرب لبنان: الدلالات والمآلات، مراجعة وتحرير: أماني غانم ومدحت ماهر، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، برنامج الدراسات الحضارية وحوار الثقافات، 2007.
– نادية محمود مصطفى (محرر): أبعاد الصراع في دارفور الأزمة والأفق المستقبلي، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مركز البحوث والدراسات السياسية، 2004.
[14] انظر تحليلًا لهذه الأزمات (في) نادية مصطفى، سيف عبد الفتاح (إشراف)، أزمات العيش الواحد والحوار بين الغرب والعالم الإسلامي، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات، تحت الطبع.
[15] انظر تحليل الخبرتين وغيرهما، والأدلة على المقولات العامة المستنبطة من واقع تحليهما في: نادية مصطفى: خبرات في مؤتمرات وملتقيات دولية: إشكاليات العلاقة بين الديني والسياسي في الحوارات، مقدم في ندوة “حوار الأديان: مراجعة وتقويم” التي عقدها مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بالتعاون مع مؤسسة ميديا انترناشيونال يومي 5-6 مايو 2009، تحت الطبع.
[16] Fabio Petito: dialogue of civilizations as an alternative model for world order, (in): Michalis S. Michael, Fabio Petito (eds.), civilizational dialogue and world order: the other politics of cultures, religions, and civilizations in international relations, Palgrave Macmillan, May 2009.
[17] حول مفهوم الحوار انظر:
أميمة عبود: أسلوب الحوار: الدوافع الأهداف، الشروط، الآليات، الأنماط، (في): نادية مصطفى، منى أبو الفضل (محرران)، مرجع سابق.
[18] ورقة مفاهيمية من إعداد أ.مدحت ماهر على ضوء حلقة نقاش داخلية في مركز الحضارة للدراسات السياسية حول خبرة عقد من الحوارات، نوفمبر 2009 (غير منشورة).
[19] انظر تفاصيل هذه المحطات وهذه الخصائص (في): نادية مصطفى: إشكالية العلاقة بين الحضارات في خطابات عربية وإسلامية، مجلة السياسة الدولية، العدد 168، أبريل 2007.
كذلك انظر:
– Nadia M. Mostafa: Arab Islamic Debates on Dialogue and conflict between cultures, (in): Bjorn Hettne (ed.): Human values and Global Governance, studies in development, Security and Culture. Vol. 2. Palgrave, 2008.
[20] انظر: أماني غانم، مرجع سابق.
[21] نادية مصطفى: الرسوم الدانماركية وشروط الحوار العادل قراءة في مغزى العلاقة بين الثقافي والسياسي، موقع إسلام آون لاين، 3 أبريل 2006، متاح على: http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Zone-Arabic-Shariah%2FSRALayout&cid=1173694768963.
[22] انظر على سبيل المثال: نادية مصطفى هل يكفي البابا أن يعتذر أم كان متعمدًا، إسلام أون لاين.
[23] انظر: نادية مصطفى، علا أبو زيد (تحرير)، الهوية الإسلامية في أوروبا: إشكاليات الاندماج قراءة في المشهد الفرنسي، أعمال الندوة التي عقدت في 18-19 فبراير 2004، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، برنامج حوار الحضارات، 2005.
[24] سيفان لاتيون، باتريك هاني: معارك حول الإسلام في الغرب، مبادرة منع المآذن في سويسرا، ترجمة: عوامرية سلطاني، تقديم ومراجعة حسام تمام، إسلام أون لاين، 2009.
[25] انظر أيضًا: محمد سليم العوا: للدين والوطن: فصول في علاقة المسلمين بغير المسلمين، نهضة مصر، ط3، 2009.
[26] د. نادية محمود مصطفى: إشكاليات الاقتراب من مفهوم حوار الحضارات في أدبيات عربية، (في): حولية أمتي في العالم (2001- 2002) العدد الخامس، الجزء الأول، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2003.
[27] انظر على سبيل المثال:
– زكي الميلاد: تعارف الحضارات، مجلة الكلمة: العدد 16، صيف 1997/ 1418.
– مجموعة مؤلفين، تعارف الحضارات، إعداد زكي الميلاد، دار الفكر، دمشق، 2006.
– د. نادية مصطفى: الاستخلاف في الأرض وإعمارها: تنمية شاملة أساسها الذكر والأنثى، (في): أعمال مؤتمر “لتعارفوا”، طرابلس: جمعية الدعوة العالمية الإسلامية، سبتمبر 2003.
[28] انظر هامش رقم 4
[29] د. نادية محمود مصطفى: خطابات عربية….، مرجع سابق.
– د. نادية محمود مصطفى، د. سيف الدين عبد الفتاح: مقدمة حولية أمتي في العالم، العدد الخامس (2001- 2002)، مركز الحضارة للدراسات السياسية، القاهرة، 2003.
– د. نادية محمود مصطفى (محرر)، السياسة الأمريكية تجاه الإسلام والمسلمين: إشكالية العلاقة بين الأبعاد الاستراتيجية والأبعاد الثقافية، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، برنامج حوار الحضارات، 2003.
– ومن نماذجه أطروحات السيد ياسين، انظر على سبيل المثال: السيد ياسين: حوار الحضارات: تفاعل الغرب الكوني مع الشرق المتفرد، ميريت للنشر، القاهرة، 2002.
[30] انظر على سبيل المثال:
– نادية مصطفى، علا أبو زيد (محرران): خبرات حوار الحضارات، مرجع سابق.
– نادية مصطفى (محرر): مسارات متنوعة … مرجع سابق.
– نادية مصطفى، علا أبو زيد (محرران): خطابات عربية… مرجع سابق.
[31] حول البعد الثقافي للمشاركة الأوروبية المتوسطية من رؤية نقدية تناقش العلاقة بين البعد السياسي والبعد الثقافي انظر: د.نادية محمود مصطفى: البعد الثقافي للمشاركة الأوروبية المتوسطية (في): نادية محمود مصطفى (إشراف علمي وتنسيق)، مراجعة: علياء وجدي، أوروبا وإدارة حوار الثقافات الأورومتوسطية، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، برنامج حوار الحضارات، 2007.
[32] نادية محمود مصطفى (محرر)، معاداة السامية بين الأيديولوجيا والقانون والسياسة، جامعة القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والترجمة والتوزيع، 2007.
[33] د. نادية محمود مصطفى: الرسوم الدانماركية وتداعياتها- أزمة في مسار حوار الأديان والثقافات: قراءة في مغزى العلاقة بين الثقافي/ السياسي وشروط حوار عادل ومتكافئ، http://www.hewaronline.net/denmark/2lrosom2ldenemarkya.htm
[34] حلقة نقاش حول تحليل خطاب أوباما عقدها برنامج الدراسات الحضارية وحوار الثقافات، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، في 25/6/2009. (تحت الطبع)
[35] حول أوجه نقد لهذه المبادرة وأوجه المساندة انظر:
أمجد جبريل: مبادرة السعودية للحوار بين الأديان، مرجع سابق.
[36] انظر هامش رقم (3).
[37] David Held: Democracy and Global order, from the modern state to cosmopolitan Governance, Polity Press, 1997. pp 1-29.
Antony Mcgrew: Democracy beyond Borders? (in) D. Held, A. Mcgrew (eds), The Global transformations Reader: an introduction to the Globalization debate, Polity Press, 2001, pp 405-420.
[38]انظر التفاصيل في:
Nadia Mostafa, Beyond Western Paradigms of International Relations: Towards an Islamic Perspective on Global Democracy, A paper presented to Building Global Democracy Workshop, Cairo 6-8 December 2009.
[39] نادية محمود مصطفى: إشكاليات الاقتراب من مفهوم حوار الحضارات في أدبيات عربية، (في): حولية أمتي في العالم (2001- 2002) العدد الخامس، الجزء الأول، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2003.
[40] انظر على سبيل المثال: نادية مصطفى، باكينام الشرقاوي (تنسيق وإشراف): إيران والعرب: المصالح القومية وتدخلات الخارج (رؤى مصرية وإيرانية)، تحرير ومراجعة: أسامة مجاهد، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات، 2009.
– د. باكينام الشرقاوي، د. نادية مصطفى (تنسيق وإشراف): تركيا جسر بين حضارتين، تحرير ومراجعة: أسامة مجاهد، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات، ومؤسسة أبانت للحوار بتركيا، (تحت الطبع).
– Nadia M. Mostafa, pakinam El. Sharkawy (eds.): The Middle East After 9- 11: Turkish and Egyptian perspectives, center for political Research and Studies, Cairo University, 2005.
[41] انظر على سبيل المثال:
– The Third Seminar, Dialogue among Civilizations, The Islamic world and Japan, Tehran, Iran, Ministry of Foreign Affairs, Islamic Republic of Iran, 2004.
– مؤتمر “التنمية ما بين التقليدي والحديث: خبرتا المجتمعين المصري والياباني” الذي نظمه مركز الدراسات الحضارية بالتعاون مع مركز الدراسات حول الأديان بطوكيو، في الفترة (12، 13 أكتوبر 2008).
[42] د.نادية محمود مصطفى: ماذا يقدم الإسلام للعالم الحديث، بحث مقدم لمؤتمر الإسلام والعلمانية والحداثة، الذي نظمه مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام مع مؤسسة أبانت التركية للحوار، القاهرة، 2007.
[43] راجع:
Mona Abul-Fadl, Where East Meets West: The West on the Agenda of the Islamic Revival, Islamization of Knowledge series (No. 10), The International Institute of Islamic Thought, Herndon, Virginia, U.S.A, 1992.
[44] من: نادية محمود مصطفى، العلاقات الدولية في الفكر الإسلامي، مرجع سابق.
انظر على سبيل المثال:
– Nasser Ahmed Al – Braik: “Islam and World Order: Foundations and Values”, Ph. D, U.M.I., Dissertation Information Service, 1986.
– Mona Abul Fadl: “Islamization as a Force of Global Renewal: the relevance of Tawhidi episteme to modernity, the American Journal of Islamic Social Sciences, Vol. 2, 1988.
– Farish A. Noor: What is the Victory of Islam? Towards a Different Understanding of the Ummah and Political Success in the Contemporary World, (in) Omid Safi (ed.), Progressive Muslims One world, Oxford 2003.
د. نادية محمود مصطفى: ماذا يقدم الإسلام للعالم الحديث، مرجع سابق
[45] د.سيف الدين عبد الفتاح: مدخل القيم: إطار مرجعي لدراسة العلاقات الدولية في الإسلام، في: مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، 1996 (الجزء الثاني).
[46] المرجع السابق.
[47] د. منى أبو الفضل: الأمة القطب: نحو تأصيل منهاجي لمفهوم الأمة في الإسلام، مكتبة الشروق الدولية، الطبعة الأولى، 2005.
وانظر قراءة لأهم أبعاد تأصيل هذا المفهوم في: د. نادية محمود مصطفى، د. سيف الدين عبد الفتاح: مقدمة العدد الثاني من حولية أمتي في العالم (1999)، مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2000.
– د.أمانى صالح: توظيف المفاهيم الحضارية في التحليل السياسي: الأمة كمستوى للتحليل في العلاقات الدولية، (في) د.نادية محمود مصطفى، د.منى أبو الفضل (محرران): مرجع سابق، الجزء الخامس.
[48] د.محمد عمارة: حقوق الإنسان في الإسلام ضرورات وواجبات، سلسلة عالم المعرفة (89)، الكويت، مايو 1985.
[49] انظر بناء المفهوم في: د. نادية محمود مصطفى، د. سيف الدين عبد الفتاح وآخرون: منظومة مفاهيم نظم الحكم والعلاقات الدولية في الإسلام، (في) د. أحمد فؤاد باشا وآخرون (محررون): موسوعة الحضارة الإسلامية، في: سلسلة الموسوعات الإسلامية المتخصصة (4)، القاهرة: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وزارة الأوقاف، ج. م. ع، 2005، ص 397-496.
[50] وحول نماذج توظيف التاريخ في الدراسات الغربية عن تغير النظم الدولية وحول خصائص هذا التوظيف من حيث درجة المركزية الأوربية ونمط العلاقة بين الأبعاد المادية وغير المادية، وحول أبعاد المقارنة بين منظور إسلامي والمنظورات الأخرى التي وظفت التاريخ في دراسة “التغير الدولى” انظر:
– د. نادية محمود مصطفى: أفكار حول إسهام التراث الخلدوني في الفكر الدولي والنظرية الدولية، (في) أعمال المؤتمر الدولي الذي نظمته مكتبة الإسكندرية (ديسمبر 2006): “عالمية ابن خلدون”.
[51] انظر بناء مجموعة هذه المفاهيم (في) د. نادية محمود مصطفى، د.سيف الدين عبد الفنتاح: منظومة مفاهيم نظم الحكم والعلاقات الدولية في الإسلام، مرجع سابق.
[52] نادية مصطفى (إعداد وتقديم)، خصائص الثقافة العربية والإسلامية في ظل حوار الثقافات، مراجعة وتحرير: أسامة مجاهد، جامعة القاهرة: برنامج حوار الحضارات، دار السلام، 2006.
[53] نقلًا عن عنوان المؤتمر الذي نظمته مؤسسة الفكر العربي (بيروت) في مراكش – المغرب، 2005.
[54] انظر على سبيل المثال:
– د.عمرو حمزاوي، ترابطات الهوية والدين في أوربا: بين حيادية الدولة والحقوق الثقافية والسياسية للأقليات، في: نادية مصطفى (إشراف)، الهوية الإسلامية في أوربا، مرجع سابق.
– Frank R. Pfetsch, the European constitution, (in): Amr Hamzawy (ed.), European integration: lessons learned, center for European studies, Cairo University, 2006.
– Ludger Kuhnhardt, constitutionalzing Europe: from national identities, (in): Ibid.
[55] انظر على سبيل المثال:
Lisa Kaul-Seidman, Jorgen S. Nielsen, Markus Vinzent, European identity and cultural pluralism: Judaism, Christianity, and Islam in European curricula, Herbert-Quandt-Stiftung, 2003.
[56] انظر على سبيل المثال:
Tomaz Mastank, Islam and the creation of European identity, University of Westminster, center for the study of democracy, research papers, no. 4, 1994.
[57] نادية مصطفى: إشكالية القراءة في مفهوم ثقافة السلام وخرائط إعادة بنائه من منظور حضاري، إسلام أون لاين.
– سمية متولي، هشام سليمان، اقترابات حل النزاعات وإحلال السلام، ورقة مقدمة لورشة عمل بعنوان “الخريطة المعرفية لدراسات السلام” التي عقدت بمكتبة الإسكندرية في الفترة (14، 15 ديسمبر 2008).
– Hisham Soliman, THE POTENTIAL FOR PEACEBUILDING IN ISLAM: Toward an Islamic Concept of Peace, Journal of religion, conflict and peace, spring 2009, available on: http://www.plowsharesproject.org/journal/php/article.php?issu_list_id=12&article_list_id=39
– سمية متولي، ثقافة السلام، ورقة مقدمة إلى سمينار المعيدين بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 21 نوفمبر 2008.
[58] انظر على سبيل المثال:
– محمد م. الأرناؤوط: خبرة البلقان في صراع وحوار الأديان، جريدة الغد الأردنية، 2/7/2005،
http://www.alghad.com/index.php?New=31186.
– هاني صلاح: تيرانا تحتضن مؤتمر التسامح الديني بالبلقان، إسلام أون لاين، 9/ 12/ 2004.
– كلاوس دامان، البلقان: الحوار أو الموت، ترجمة أحمد فاروق، إذاعة صوت ألمانيا، 25/ 2/2002، http://ar.quantara.com

للتحميل اضغط هنا 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى