قراءة في العدد الحادي عشر من حولية أمتي في العالم

الثورة المصرية والتغيير الحضاري والمجتمعي

إشراف: أ.د.نادية محمود مصطفى  … أ.د.سيف الدين عبد الفتاح

إعداد: مدحت ماهر الليثي  أ.ماجدة إبراهيم  .. أ.شيماء بهاء الدين

عندما خرج شباب مصريون للميادين في الخامس والعشرين من يناير 2011 لم يكونوا يتوقعون ولا أحد غيرهم أنها “الثورة”، ولا أن نهاية نظام حسني مبارك قد كُتبت.

تابع العالم الثورة المصرية –في أعقاب التونسية- باندهاش وإعجاب كبيرين؛ ليس لأنها قامت؛ فدواعي قيامها لا حصر لها، وهي أوضح من أن تُذكر؛ ولكن للكيفية التي سارت بها هذه الثورة، وللمآلات التي انتظرها الجميع من نجاحها. ولعام كامل يراقب المصريون ثورتهم المستمرة، ومن حولهم الأمة العربية والإسلامية وشعوب العالم، الجميع يطرح تساؤلات كبيرة عن دلالات ما يجري ومآلاته؛ في غمار فيضان من التحليلات والسجالات والرؤى التي التحمت مع الأحداث أكثر مما عمقت فهمها وتفسيرها.

أعادت الثورات العربية الخمس (في: تونس، مصر، اليمن، ليبيا، سوريا) الأضواء إلى الأمة من الداخل والخارج وعبر حدودها البينية، أعادت صورة (أمتي في العالم) من زوايا نظر جديدة تبشر بنظام إقليمي وربما عالمي جديد. وإذا كانت الثورة التونسية قد سبقت زمنيا الثورة المصرية، فإن المسار الذي اتخذته ثورة مصر، بالإضافة إلى تميز المكانة المصرية في الأمة، وانجذاب العالم إلى متابعة ديناميات ثورة لم تنحسم من البداية ولم تكف عن الانفجارات المتتالية عبر عام وأكثر، كل هذا أضفى على ثورة 25 يناير خصوصية، جعلت البعض يتحدث عن “عالم ما بعد 25 يناير” من منظور عالمي وإقليمي.

ومن ناحية أخرى، فقد أعادت الثورات العربية -وفي مقدمتها الثورة المصرية- النظر في كثير مما كان يعد مسلمات عن شعوب الأمة ونظمها السياسية وقدراتها على الإصلاح والتغيير والإبداع والتلاقي. ففي الحالة المصرية مثلت الأيام الأولى للثورة (الثمانية عشر يوما) ميدانا آخر من نوع خاص غير ميادين التظاهر والاحتجاج والثورة السياسية؛ إنه ميدان الأفكار والمفاهيم، والقيم والمبادئ، ميدان الثقافة وأنماط الحركة والتعايش التي أفعمت بها ميادين الثورة، وكشفت عن أصالتها ورسوخها في الضمير العام والوعي الجمعي.

لقد شاع كثيرًا أن شعوب الأمة تعاني طبيعة عبيد وثقافة قطيع، وعقلية وهن مهانة، ونفسية عجز واستكانة، ولعل هذه الانتفاضة العربية الجماعية وما بُذِل فيها من تضحيات ودماء قد كشفت عدم صدق هذه المقولة، وأن الذي فرض على ظاهرنا هذه المعاني إنما هو ظلم تمكَّن وطغيان تحكَّم. لقد برزت في هذه الثورات خصائص في الأمة وشعوبها كسرت إلى جانب حاجز الخوف، كثيرا من أطر التفسير التقليدية، وتجاوزت الثنائيات النكدة التي أصابت حياتنا بصدع كبير عطل مسيرتنا. إننا بكل يقين إزاء نموذج جديد، نموذج معرفي وثقافي وعملي للتحرر والتحرير، والإبداع والتجديد؛ نموذج يطرح من الأسئلة عن طبيعته وسماته، وفرصه وتحدياته، ما يؤسس لعمل بحثي مهم تمثله (أمتي في العالم).

لقد تأسست (أمتي في العالم) نفسها -ومنذ خمسة عشر عامًا- على نموذج معرفي مشابه للذي أبرزته هذه الثورات باعتباره نموذجًا معرفيًا إيمانيًا قيميًا إنسانيًا، يقدم منظورًا حضاريًا، ذا صبغة كلية شاملة متكاملة وحاضنة، يضفر بين الثنائيات ويتجاوزها إلى ما هو أرحب: الفرد والجماعة، المجتمع والدولة، الوطن والأمة، الداخل والخارج، المدني والديني، السياسي والاقتصادي، الفكري والحركي، الإيمان والعمل، الروح والعقل، القيم والمصالح، … يتجاوزها لصالح الجامعية الهادفة، والمشترك الحاضن للتعايش والتعدد والتنوع، والتعارف الإنساني. ومن ثم سنجد أن الحولية –وقبلها مركز الحضارة والمنظور الذي تتبناه جماعته العلمية والبحثية- تقدم رؤية خاصة لهذه الثورة ولما ينبغي أن تمضي عليه فترتها الانتقالية كي تتحول بسلام إلى دولة قوية وروح ثورية وتغيير سياسي واقتصادي وثقافي، وداخلي وخارجي.

هذا العدد: محاوره وسؤاله المركزي:

في هذا الإطار، يأتي العدد الحادي عشر من (أمتي في العالم) ليلقى الضوء على مسار الثورة المصرية على وجه الخصوص والتركيز، دون إهمال للحاضن العربي والإسلامي، وكذا الصلة بالعالم من حولها، وذلك من مدخل ما اتجهت الثورة لإحداثه في المجتمع المصري والدولة المصرية من تغيير حضاري واجتماعي لا يقف عن حدود السياسي بمعناه المضيق.

ومن الناحية التنفيذية، يتميز هذا العدد من (أمتي في العالم) بجملة من الخصائص التي تجعله عددًا فريدًا. فالتزامن بين التخطيط للحولية وبين نمو الحدث المركزي الذي تتابعه، ثم القرب الشديد بين هيئة تخطيطها (بمركز الحضارة للدراسات السياسية الكائن بميدان التحرير قلب الحدث) وبين الحدث نفسه، ثم المشاركة الفعلية للقائمين على تخطيط الحولية في فعاليات الحدث بمستوياته المختلفة… كل هذا جعل هذا العدد من (أمتي في العالم) عددًا خاصًّا بل شديد الخصوصية والتميز.

ولا يقف أمر هذه الخصوصية عند هذا الحدّ، بل إن له بعدًا آخر يزيد حدث الثورة عمقًا وأهميةً؛ وهو وقوعه في مصر: قلب الأمة العربية والإسلامية، الدولة الحاضرة المغيّبة عن مكان قيادتها في المنطقة العربية لأكثر من ثلاثة عقود. وكما تقدم، فبالرغم من سبق الثورة التونسية ودورها في تفجير سلسلة الثورات العربية، يبقى للثورة المصرية وقعها الأثقل وتأثيرها المدوي. وقد كان لهذه الحقيقة دورها في اختيار موضوع هذا العدد، ليس انحيازًا إلى الوطن الأثير، ولا تعصبًا لانتماء دون آخر، بل وعيًا بأن الأمة العربية والإسلامية تستقبل عهدًا جديدًا من التغيير والتجدد الحضاري والسياسي حين تنتفض دولة مثل مصر، وتنفض عنها أغلال الضعف والتخلف والاستبداد والتبعية، وتستشرف غدًا أفضل وأعز.

ولذا، فالحولية ما زالت ضمن إطارها النظري والفكري الحاكم؛ وهو: (الأمة)، وضمن سياقها الحي المؤثر: (في العالم). لقد كانت هذه هي دوائر وعينا وفكرنا وانتمائنا بالدرجة الأولى، لكنها اليوم أصبحت أيضا ميادين لسعينا الحرّ والمتجدّد بإذن الله تعالى.

نما مخطط هذا العدد مع تطورات المرحلة الانتقالية للثورة المصرية منذ ما بعد 11 فبراير 2011، ليلتقط المستجدات ويسكّنها في مواضعها من عالم أحداث الثورة وقضاياها الاستراتيجية، وعالم قواها وفواعلها ومؤسساتها ومواقف كل منها وتفاعلاتها مع المجريات، ومن عالم أفكارها وإشكالياتها الثقافية والفكرية. إن متابعة مجريات الثورة المصرية، وتداعياتها في الداخل والخارج، وكيف تجاوبت معها القوى السياسية والمدنية والمجتمعية كافةً على هذين المستويين، لا يُقصَد منها تأريخٌ يحفظ الذاكرة وحسب، ولا تجميعٌ للبيانات للتوثيق أو التخزين، لبحثٍ يعدّه باحث أو مستندٍ يرجع إليه مدافع عن قضية، على أهمية كل هذا. لكن القصد الأساس لإسهام (أمتي في العالم) في تفحص فعاليات الثورة وتطورات المرحلة الانتقالية هو تعميق الفهم للواقع الماثل، وحفز قوى بناء المستقبل القريب؛ بغية ترشيد الحركة وتنوير الطريق.

نعم، إن اللحظة التي تمر بها الأمة -وفي قلبها الثورات العربية- تتطلب مستويين أساسين من العمل: مستوى المنخرط المنغمس في الحركة، يطهّر أرضًا مملوءة بألغام الفساد والتآمر، ويعزّز أرضًا مكتسبة أمام المنقلبين على أعقابهم، ويغرس بذورا جديدة في الأرض المتلهفة للماء والنماء، ويجمع الفرقاء المتشاكسين من أجل جماعة وطنية حقيقية ومتضامنة (وقد كان لمركز الحضارة في هذا خبرة مهمة سنأتي على ذكرها). ومستوى آخر يقف وراء الأول، يرصده ويرصد له، يراقب هذه الحركة، ويلمح مناطات قوتها ومواضع ضعفها ومواطن انكشافها، ويقلِّب النظر فيما حول هذه الحركة من سياقات معاونة أو منافِسة أو معادية أو مختلطة، لكي ينظِم في النهاية هذا كلَّه ضمن رؤية واضحة ونافعة؛ إرشادًا وتنويرًا. ومن هنا تأتي أهمية أن تتأسس في أمتنا مراكز للتفكير والبحث الاستراتيجي، ويتجلى دور التقارير الاستراتيجية مثل تقرير (أمتي في العالم).

للحصول علي الملف كاملاً

اضغط هنا

ا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى