رؤية د.منى أبو الفضل النقدية للنظام الدولي وموقع الأمة الإسلامية منه

تقديم:

 في علم العلاقات الدولية السائد –وهو العلم ذو الصبغة الغربية المهيمنة- أصبح من الشائع الحديث عن النظريات والرؤى النقدية “Critical Theories” و”Critical Perspectives”[1]، وهي نظريات ورؤى تأسس على مراجعة شاملة لأسس ومنطلقات معرفية ووجودية تأسس عليها علم العلاقات الدولية. ومن ثم فإن هذه الرؤى والنظريات النقدية تصب نقدها على محاور مختلفة من الدراسة الدولية: سواء ما تعلق منها بمنهاجية الدراسة ومناهجها (نقد الوضعية والسلوكية ومنظومة مفاهيم العلم المتحرر من القيم“)، أو ما تعلق منها بالموضوعات وأجندة القضايا البحثية في العلاقات الدولية. وتمتد اهتمامات هذه النظريات والرؤى النقدية للواقع الدولي فتوجه النقد إلى النظام الدولي الوستفالي كشكل تنظيمي للعلاقات الدولية، ولمؤسسات هذا النظام وقيمه، وعلاقة وحداته ببعضها البعض،… إلخ.

هذه الرؤى النقدية التي ارتبطت بالدعوة إلى الاهتمام بدراسة الأفكار وقوة الأفكار The Power of Ideas صاحبتها دعوة لدراسة القيم، وكذلك صاحبتها دعوة لدراسة الدين والثقافة والحضارة من أجل فهم أفضل لواقع العلاقات الدولية ومن أجل تطوير مَقْدِرات هذا العلم على استيعاب وفهم الواقع الدولي من أبعاد مختلفة ومنطلقات فكرية ونظرية ومعرفية مغايرة.

ومن هنا جرى حديث بين حين وآخر -من داخل هذه الرؤى النقدية- عن الحاجة إلى فتح الطريق أمام إسهامات غير غربية في علم العلاقات الدولية تعبر عن خصوصيات ثقافية، تساهم في كسر الاحتكار الغربي لهذا العلم[2] .

وارتبطت بهذه الدعوات إشارات متفرقة إلى أن الرؤى النقدية الإسلامية -وحتى السيخية والكونفوشية، وغيرها- للعلاقات الدولية أصبحت تتشابه إلى حد بعيد مع تلك الرؤى النقدية التي يطرحها الغرب -في مراجعته لذاته- على نحو أصبح يمكّننا من الحديث عن “أخلاقيات خطاب” واحدة ومشتركة “Discourse Ethics[3] واحدة ومشتركة تجمع بين هذه الرؤى النقدية على تنوُّع مصادرها وتبحث عن آفاق تبلور “نظرية نقدية لا مركزية”  Decentralized Critical Theory تسهم فيها أطراف من مناطق مختلفة من العالم، تشترك جميعها في التحليل الأخير في “محاولة التوفيق بين العالمية والاختلاف Universality and Difference”. ويُنظر إلى هذه الرؤى النقدية –ذات الأصول الدينية أو فلنقل العقائدية، فبعضها سماوي وبعضها غير سماوي- على أنها تشترك في المحاور نفسها، ومنها بالأساس نقد لإخضاع الديني للسياسي يتولد عنه ضمن ما يتولد نقد للشكل الحالي للنظام الدولي الوستفالي، مع اعتراف البعض باحتفاظ كل من هذه الرؤى بقدر من الخصوصية النابعة من الثقافة والهوية الذاتية لكل منها. ومع تأكيد البعض الآخر أن الكثير من هذه الرؤى النقدية غير الغربية وُلِد في المهجر، وحرّكه التلاقي والالتقاء المباشر مع الحضارة الغربية [4] .

هذا هو –وبإيجاز شديد- حال النظرة القائمة إلى الرؤى النقدية في علم العلاقات الدولية بوجه عام، وإلى تلك الرؤى النقدية التي تشكلت من داخل دوائر حضارية غير غربية بوجه خاص.

إن هذه الورقة البحثية –كما يتضح من هذا التمهيد النظري الموجز- تقرأ رؤية د.منى أبو الفضل النقدية حول النظام الدولي وموقع الأمة الإسلامية منه من داخل إطار “النظرية السياسية الدولية[5]، وتجد في هذه الرؤية ساحة لاختبار جودة ودقة هذه المقولات العامة -الآخذة في الانتشار في حقل العلاقات الدولية- حول علاقة –أو على وجه أكثر دقة، تشابه- الرؤى النقدية غير الغربية في العلاقات الدولية ببعضها البعض، وعلاقتها –وتشابهها- مع التيار النقدي الغربي المراجع للنظريات والأطر التحليلية السائدة في علم العلاقات الدولية..

فعلى الرغم من أن تخصص د.منى أبو الفضل الأصيل لم يكن هو العلاقات الدولية، وعلى الرغم من أن نيتها ربما لم تكن حتى هي المساهمة المباشرة في تطوير طرح إسلامي حول العلاقات الدولية، إلا أن ما قدمته هذه العالمة الموسوعة من أطروحات في مجالات مختلفة -منها ما يخص العلوم الاجتماعية بصفة عامة، ومنها ما يخص العلوم السياسية بصفة خاصة- كان من بينها ولا شك ما يقع في صميم اهتمامات وهموم دارس العلاقات الدولية، خاصة المنتمي منه إلى الدائرة الحضارية الإسلامية-العربية.

إن قراءة بعض أطروحات د.منى أبو الفضل من داخل النظرية السياسية الدولية تستمد شرعيتها من ثلاثة أمور:

 الأمر الأول– أنه بغض النظر عن حجم التشابه أو الاختلاف الذي تحمله الرؤى الإسلامية في العلوم الاجتماعية مع غيرها من الرؤى، فإن ما يجتمع عليه باحثو العلوم الاجتماعية المنتمون إلى تيار أسلمة المعرفة هو هدف يتمثل في قراءة العلم في سياقه الراهن، بفهمه واستيعابه والخلوص منه إلى طرحٍ يعبر عن خصوصية الرؤية الإسلامية، ويقدم من داخل العلوم القائمة مرتبطًا بجدالاتها وليس من خارجها منفصلاً عنها أو غير واعٍ بها، فالهدف من أسلمة المعرفة هو تجسير تلك الفجوة بين العلوم الشرعية والعلوم الدنيوية.

فما يحمله فكر د.منى أبو الفضل من أبعاد لا يعبر عنها وحدها؛ وإنما د.منى أبو الفضل هي رمز من رموز التغيير والتجديد الإسلامي، فهي رمز لدين ورمز لتيار ورمز لمدرسة سعت وزملاؤها لتأسيسها. ولا يمكن قراءة هذا الفكر بمعزلٍ عن منظومة من الأفكار تسعى إلى التغيير والتجديد وتؤمن بقدرة الطرح الإسلامي على تحريك العالم نحو واقع أخلاقي جديد، يكون منتجًا “لتجديد ثقافي عالمي [6] .

من هنا مثَّلت هذه الورقة محاولة لقراءة مقولات د.منى أبو الفضل من داخل علم العلاقات الدولية، بمفرداته ومفاهيمه الأساسية. فـ”د.منى أبو الفضل” وهي تقدم رؤية نقدية، رؤية تكميلية، رؤية بديلة، تقدم رؤية تأبى صاحبتها لها أن تكون منفصلة عن العلوم الدنيوية، دون أن يعني هذا بحالٍ إبخاس قدر ما بهذه الرؤية النقدية من اختلاف وخصوصية وتميز.

الأمر الثاني– يتعلق بطبيعة الإسهامات الإسلامية في العلاقات الدولية تحديدًا، فقليل من هذه الإسهامات يأتي في صورة إسهام مباشر في العلاقات الدولية ومن قِبل أساتذة متخصصين فيها. أما أغلب هذه الإسهامات فيأتي من خلال كتابات في الفقه والفكر والنظرية وغيرها من كتابات الشرعيين وغيرهم. ومن هنا فإن بناء وتطوير منظور حضاري-إسلامي في العلاقات الدولية يستلزم استعانة المتخصصين في العلاقات الدولية بهذه الكتابات الإسلامية من أجل تسكينها في إطار علم العلاقات الدولية القائم والاستفادة منها في تطويره، حتى ولو لم تصدر هذه الكتابات عن متخصصين في هذا العلم.

الأمر الثالث والأخير– هو أن تسكين كتابات د.منى أبو الفضل في إطار علم العلاقات الدولية في فترات زمنية مضت –وقبل تعرض العلم لمراجعات حقيقية تولد عنها إعادة الاعتبار للقيم في دراسة الظواهر الدولية- كان سيواجه رفضًا من قِبل المتخصصين في العلم، ولكن تسكين مثل هذه الكتابات أصبح أمرًا أكثر قبولًا بفضل تلك المراجعات.

فما تقدمه د.منى أبو الفضل من طرح نظري في هذا السياق يمكن تصنيفه تحديدًا على اعتباره طرحًا معياريًّا حول العلاقات الدولية والنظام الدولي[7]، فهي ترصد الواقع ولا تتقيد به، وإنما تتجاوزه لتبحث فيما ينبغي أن يكون عليه حاله. وهي تقدم طرحًا يحوي تعريفات بديلة لهيكل النظام الدولي وبنيانه، ووحداته الأساسية، وأنماط التفاعلات بين هذه الوحدات، وتعريفات القوة في داخله، … فهي تطرح رؤية نقدية متداخلة الأبعاد والمستويات، تتقاطع فعليًّا مع العلم السائد بقدر ما تجد فيه “منطلقًا” لنقد العلم وتغيير الواقع.

وكانت التساؤلات التي دارت في خلفية هذه الورقة هي: كيف يتشابه طرح د.منى أبو الفضل الحضاري/الإسلامي النقدي حول العلاقات الدولية والنظام الدولي والقيم مع أطروحات نقدية أخرى؟ إلى أي مدى تحمل الأطروحة النقدية الإسلامية الأصيلة مناطق للالتقاء مع المراجعات الغربية أو حتى غير الغربية لعلم العلاقات الدولية؟ ومن ثم، ما حجم الإضافة التي تحملها هذه الأطروحة النقدية ذات الخصوصية التوحيدية إلى علم يقوم بالفعل بمراجعة ذاته ونقد ما نهض عليه من أسس بما في ذلك استبعاده –تحت تأثيرٍ من هيمنة المناهج السلوكية والرؤى المادية- للأبعاد القيمية والأخلاقية، ومن بينها الدين؟ ثم ما طبيعة الاختلاف التي يحملها هذا الطرح الإسلامي عن غيره من الأطروحات التي تحمل صفة الإسلامية أيضًا؟

ولا تدّعي الورقة بحال القدرة على التصدي لمثل هذه الأسئلة متعددة الأبعاد والمستويات، ولكن ما تدّعي الورقة محاولة القيام به هو محاولة استكشاف الإجابات التي قدمتها د.منى أبو الفضل عن هذه الأسئلة، فالورقة توقفت للتأمل كلما توقفت د.منى أبو الفضل لتتحدث عن أهم ما يميز ويمايز هذه الرؤية النقدية من منظور حضاري عن غيرها من الرؤى سواء الغربية أو غير الغربية أو حتى الإسلامية الأخرى.

إن خصوصية هذه الرؤية النقدية –والتي ربما تشترك مع غيرها من الرؤى الغربية وغير الغربية في الرغبة في التغيير وتحريك العالم نحو واقع أخلاقي جديد والخروج من أسر نظريات تعيد إنتاج الواقع وتكرس ما به من مثالب- تنبع بالأساس من خصوصية النموذج المعرفي الذي تنطلق منه وهو النموذج الذي سمح لها بإعادة تعريف القوة ومن ثم إعادة توزيع هيكل القوة في النظام الدولي، وتحريك العلاقات الدولية على أساس من الدعوة والدين، واستحضار دور الأمة كفاعل دولي، …إلخ. وهو ما تسعى الورقة لتوضيحه في الجزئيتين التاليتين :-

أما الجزئية الأولى، فتؤصل لرؤية د.منى أبو الفضل حول النظام الدولي بالإشارة إلى مرجعيتها المعرفية التوحيدية ذات الطبيعة الخاصة والتي تميزها عن غيرها من الأطروحات الإسلامية وغير الإسلامية –سواء دينية أو غير ذلك. فعندما تتحرك قراءة العلاقات الدولية في فلك هذا النموذج المعرفي تتغير موازين القوى وتتبدل مواقع الفاعلين الدوليين ويصبح الفاعل الأقوى هو الأتقى، هو صاحب العقيدة الأسلم، وليس صاحب الترسانات العسكرية ولا الاستثمارات الهائلة. وعندما تتحرك قراءة العلاقات الدولية في فلك هذا النموذج المعرفي تصبح الغاية من امتلاك المعرفة هي إقامة نظام عالمي أكثر أخلاقية، لا الطغيان ولا إجبار الآخرين على “القيام بأشياء ما كانوا ليقوموا بها“، كما هو تعريف القوة التقليدي. وعندما تتحرك قراءة العلاقات الدولية في فلك هذا النموذج المعرفي تكتشف البشرية من القيم ما يجمعها ويوحدها حتى على اختلاف ألوانها وصورها بل وعقائدها.

والجزئية الثانية تحدد موقع الأمة من هذه المنظومة المعرفية ومن ثم دورها كفاعل أهم في النظام الدولي، ومسئولياتها تجاه ذاتها وتجاه الإنسانية جمعاء، مع استدعاء معاني الأمة القطب والأمة الوسط.

  • أولاً: من النموذج المعرفي التوحيدي إلى رؤية بديلة لواقع النظام الدولي:

لا يمكن بحال فصل رؤية د.منى أبو الفضل للواقع الدولي وقراءتها له عن مشروع أسلمة المعرفة؛ فمن سياق أسلمة المعرفة تكتسب د.منى منهج الرؤية. وهي رؤية تتأسس على وعي معرفي خاص يميز بين نموذجين أو نسقين معرفيين أساسيين: النموذج المعرفي التوحيدي، والنموذج المعرفي المادي.

ويُعدُّ الكشف عن خصائص المنظور المعرفي التوحيدي (والوجودي أيضًا) كمنظور البديل لمن أراد الخروج عن إطار المنظور المعرفي الغربي العلماني المادي المهيمن والسائد (في طرح د.منى) نقطة الانطلاق لصياغة أي أطروحة نقدية إسلامية. فالبعد المعرفي هو البعد الأهم والأعلى والأسمى، وهو الذي يحدد الوجهة والغاية والهدف، ويحدد أيضًا الوسائل والأدوات.

من هنا تتميز هذه الرؤية الإسلامية ابتداءً عن غيرها من الرؤى النقدية الإسلامية التي تنطلق من جزئيات وفرعيات، بأنها تنطلق من كليات وشموليات.

إن تجدد الوعي المعرفي لدى المسلمين مع مطلع القرن الخامس عشر بعد الهجرة (ما يتعارف على تسميته بأسلمة المعرفة) ظهر متزامنًا مع حالة من المراجعة الغربية الشاملة للعلوم السياسية من حيث مناهجها وموضوعاتها. وكلاهما –أي الوعي المعرفي الإسلامي المتجدد والمراجعة الغربية- تحرك بفضل حالة من عدم الرضا عن أوضاع العلم، وقدرته على التفسير والتغيير. والمراجعتان–على الرغم من أنهما شبه متزامنتين- ظهرتا منفصلتين عن بعضهما البعض. وبينما كانت الدراسات الغربية ولا تزال تبحث عن أطر بديلة، انطلقت أسلمة المعرفة من قناعة بأن لديها أطرًا بديلة ذات إسهام له قدرات بناءة في دفع الواقع نحو أوضاع أفضل. فأهم ما يميز هذا الطرح الإسلامي –الذي يستند إلى وعي وإلى نموذج معرفي توحيدي- عن أطروحات نقدية غربية هو أنه لا يتطور ولا ينمو بشكل عشوائي، وفق تطورات الواقع واصطدامه بالنظرية. ولكنه وإن كان يعتبر الواقع المتغير فهو يعود إلى نصوص ثابتة يستقي منها قيمه وقواعده وضوابط حركته[8]. وهو بهذا يختلف اختلافًا كليًّا عن الغرب. فالغرب –حتى في مراجعاته- صاحب قيم متأرجحة، متذبذبة، “بندولية الحركة“، وحيث تفتقر قيمه إلى الأصل الثابت، ومن ثم تتنوع مصادرها وتتشتت بين الأديان والقوانين والواقع بما تقضيه موازين القوة فيه، وغيرها.

وعلى الرغم من هذا الانفصال الأكيد بين حركتَيْ المراجعة الغربية والإسلامية، دون أن ينفي الانفصال بينهما إمكانية استفادة كل منهما من الأخرى، إلا أن د.منى أبو الفضل ترى أننا –وبفضل المراجعة الغربية العلمية للذات التي ولّدها وتزامن معها واقع سياسي وضع الإسلام على قائمة اهتمامات الغرب ودفع الغرب للاهتمام بثقافة المسلمين وعقيدتهم، وأيضًا وبفضل واقع مساعي التجديد الحضاري وأسلمة المعرفة التي وضعت الغرب على أجندة اهتمامات الإسلام- ترى د.منى أبو الفضل أننا أمام لحظة مفصلية من لحظات الالتقاء بين الحضارتين الغربية والإسلامية. هكذا تقرأ العالمة الفاضلة واقع العلاقات الدولية الراهن!!!

لما كانت أسلمة المعرفة تستدعي معها خلاصًا من أسر رؤية غربية مادية تنظر للمعرفة على اعتبارها طريقًا لتحقيق القوة؛ “فالمعرفة ربما تكون سبيلاً لتحقيق القوة، ولكنها قبل هذا هي طريق إلى إعادة اكتشاف الفضيلة والحكمة”…

كان من الطبيعي ألا يُنتظر لهذه الحلقة من حلقات اللقاء الإسلامي الغربي أن تكون حلقة صراع وصدام (على الأقل هي ليست كذلك من وجهة نظر الطرف الإسلامي). فالمراد باللقاء أو الالتقاء أو المواجهة  Encounterهو اللقاء الفكري (فالأولوية في مشروع أسلمة المعرفة هي للبعد الثقافي-الاجتماعي، ومنه تُمنح العلوم الاجتماعية أولوية الاهتمام في هذا المشروع) [9]. والتعليم Education  هو “أحد عناصر الحلقة ولكنه ليس الحلقة ذاتها” في مشروع الأسلمة الذي هو عملية إعادة إحياء شاملة، بها الفكري والأخلاقي والروحاني والثقافي- الاجتماعي، “عملية من التنشئة والتوعية الثقافيةAcculturation “، عملية دائرية من التنشئة الذاتية للجماعة السياسية في الإسلام فيها الفرد وفيها الجماعة (الأمة)، عملية “راديكالية من تحويل المفاهيم والمعتقدات Beliefs” تتداخل فيها المكونات ويواجهها التحدي الأكبر في “كيفية التوفيق لا التلفيق” بين مكوناتها داخل كلٍّ أكبر له الغاية ذاتها[10].

وعملية أسلمة المعرفة هي بالأساس عملية “بحث عن الذات“، بدونها لا يمكن للمسلمين أن يضطلعوا بتلك المهام الأبدية التي اختص الله تعالى بها أمتهم، ألا وهي أن تكون أمة شهادة، وأمة وسط، وخير أمة.

والغاية من أسلمة المعرفة هي تجديد هوية الأمة؛ لإعادة تفعيل وجودها ودورها. وإذا كان واقع الأمة قد لحق به ما لحق به من تفكك أو ضعف أو تخاذل، فإنما لحق به هذا نتيجة هجر الأمة الأصول من قرآن وسنة وهجرها منهج التفكير والتفكر في هذه الأصول… لكن عناصر ومقومات الرؤية الإسلامية ما زالت قائمة يمكن استدعاؤها وإعادة استيعابها في كل وقت.

وبمجرد أن يحدث هذا –ومسئولية إحداثه تقع على عاتق المسلمين- يصبح من الممكن إعادة بناء الأمة الفاعلة. فما أقام الأمة الإسلامية والحضارة الإسلامية في بداياتها إلا حركتها في إطار هذه الرؤية الإسلامية للعالم. واليوم عودتها إلى الحياة من سكون وخمول تستلزم استحضار هذه الرؤية الأصيلة لتعود معها حركتها في العالم.

فهذه الرؤية التي تطرحها د.منى أبو الفضل تتخلص فعليًّا من أسر واقع موازين القوى الدولية، تعيد صياغة موازين القوى، ترى أن للمسلمين قوةً وأن قوتهم تتمثل في نموذجهم الحضاري، وأنها قوة لا تقل بحال عن قوة الغرب التي تنهض على أبعاد مادية بالأساس[11]. وهذه الرؤية لا ترى أن القوة غاية في ذاتها. فليست غاية المسلمين من استعادة الوعي بنموذجهم المعرفي هي استعادة القوة والمكانة على مستوى النظام الدولي، كما هو القول الشائع الذي يرى أن عودة المسلمين للتمسك بدينهم مرة أخرى هي سبيلهم إلى قيادة العالم، وإنما غايتهم أكثر صدقًا وأكثر إخلاصًا لوجه الله تعالى؛ غايتهم الاضطلاع بالمسئولية التي ارتضاها الله سبحانه وتعالى لهم أن يكونوا أمة دعوة، أمة شاهدة، أمة تجسد الرسالة، تعمل بها وتنقلها، وإلا ما تحققت شهادتهم على الناس.

فغاية الغايات من أسلمة المعرفة هي إعادة تشكيل وإعادة بناء الأمة الإسلامية. وهو ما تؤكده د.منى أبو الفضل بقولها: “نحن لسنا بصدد تغيير العالم ولا تغيير الغرب، نحن بصدد تغيير أنفسنا”، وتعتبر أن أي تغيير وتحول يلحق بعدها بالتيارات والتكوينات الثقافية-الاجتماعية في الغرب أو العالم هو تغيير مرغوب فيه ومحبب، ولكنه مجرد مكسب جانبيIncidental Benefit [12].

ولكن د.منى أبو الفضل تؤمن في الوقت ذاته بأن عملية إعادة إحياء الأمة ستحقق ولابد –بشكل تلقائي- هذا المكسب الجانبي. فـ”المسلمون بالعمل على طريق استعادة وإعادة بناء الهوية الثقافية الإسلامية سيسهمون في تجديد ثقافي عالمي[13].

بل لا مانع من سعيهم لتحقيق هذا المكسب الجانبي متى أصبحوا على وعي بالرسالة التي يرغبون في حملها للغرب. فعندئذ يمكنهم الشروع في البحث عن الوسائل التي يمكن أن ينقلوا بها هذه الرسالة، وهي وسائل لا تنفصل عن وعيهم بالرسالة ذاتها ولا عن وعيهم بالمستهدف من هذه الرسالة.

إن الدخول في حوار مع الغرب والتواصل معه من أجل توصيل الرسالة يحتاج إلى ما هو أكثر من قوة الحجة وامتلاك ملكات “خِدع” الحوار، فهو يحتاج في المقام الأول إلى رسالة، وإلى مضمون. وهذا المضمون لن يمتلكه المسلمون إلا بوعي ذاتهم أولاً.

وتحقيق هذا الوعي الذاتي –في تصور د.منى- له سبيلان متوازيان لا مجال للتخلي عن أحدهما.

أما السبيل الأول، فهو التعرف على الغرب والانفتاح على علومه وعلى مراجعاته لهذه العلوم. وفيها تجد د.منى أن 95% مما يحتاجه المسلمون للكشف عما بالأطروحات الغربية من ثغرات يمكن لهم تخطيها متى انطلقوا للتعامل مع الواقع والنظرية من رؤى معرفية إسلامية بديلة.

فأسلمة المعرفة ليس المقصود بها أسلمة معرفة المسلمين، وإنما المقصود بها أسلمة المعرفة على إطلاقها. أي قراءة المعرفة، كل المعرفة من داخل منظور إسلامي، أو فلنقل رؤية إسلامية للعالم.  فالمعرفة هي محور هذه الحلقة من حلقات الالتقاء بين المسلمين والغرب.

وإذا كانت د.منى تقيم علاقة جديدة تمامًا بين الإسلام والغرب، تعيد من خلالها تعريف القوة؛ فالقوة قد تُمتَلك بإمكانات ومقدرات مادية وقد تُمتَلك بإمكانات ومقدرات غير مادية، فإنها لا تنظر إلى الإسلام والغرب على اعتبارهما عدوين، وإنما على اعتبارهما مختلفين ومتكاملين، فلولا وجود الثاني لما اتضحت سمات الأول. وهي سمات من الأهمية بمكان استيعابها وفهمها، إذا كان الهدف هو إعادة بناء المنظور[14] .

أما السبيل الثاني ، فهو إعادة قراءة التراث الإسلامي واستحضار خصائص الرؤية الإسلامية للعالم، وبالجمع بين السبيلين تتحقق “الندية Parity” بين المنظور الحضاري الإسلامي والمنظور الغربي العلماني. فالندية هي سمة أساسية لتلك العلاقات الجديدة التي يجب أن تتولد بين الغرب والإسلام؛ علاقة تبادل ثقافي تتسم بالندية حتى لا يصبح الالتقاء مجرد حلقة أخرى من حلقات تكريس التبعية وفقدان الهوية وتضييع الذات[15].

فما الاختراق الغربي الثقافي المعاصر للمجتمعات الإسلامية إلا منتج لحلقة من حلقات الالتقاء بين الغرب والإسلام غابت عنها الندية. فمع تبلور خصائص وسمات النموذج المعرفي الغربي المهيمن في سياق عصر التنوير الأوروبي، والذي وصلت مقولاته إلى أوجها مع القرن الثامن عشر الميلادي، ومع تزايد القوة المادية للغرب وانحطاط ثقافة المسلمين وقوتهم، لم يكن من الصعب على الغرب أن يفرض ثقافته على الثقافات الإقليمية بما فيها الثقافة الإسلامية ليصبح هو صاحب الثقافة العالمية، وبالتالي أصبحت الشعوب المختلفة تتطلع في العالم لحداثة وتنمية هي في جوهرها عملية تغريب (في ظل تداخل وخلط منطقي بين الحداثة والتغريبية).

لكن تحقيق الندية تواجهه مشكلتان: المشكلة الأولى هي الغرب ذاته، والذي -على الرغم من ظهور المراجعات في داخله ومن إبدائه “الفضول” تجاه معارف الثقافات الأخرى- مازال بحاجة لإبداء قدر أكبر من “التواضع في التعامل مع الغير“. هذا التواضع تعترض طريقه خبرة تاريخية طويلة من التقاء الغرب مع غيره، كانت في كثير من مراحلها خبرات صدام وصراع، وانتهت في كثير من حلقاتها بانتصار غربي. بل وتعترض طريقه أيضًا حسابات الواقع السياسي الراهن –وليس فقط الاعتبارات التاريخية- لأن الغرب لا يزال فعليًّا في موقع الهيمنة المادية من ناحية والهيمنة الثقافية من ناحية أخرى –حتى ولو بحكم محاولته الذاتية اكتشاف أخطائه ومراجعة منطلقاته.. فإذا ما نظرنا إلى الخبرة التاريخية لالتقاء الغرب بالإسلام وإلى السياق السياسي الراهن للعلاقة بين الغرب والإسلام، لأيقنَّا أن انفتاح الغرب اليوم على أطروحات إسلامية وتقبله التعلم من المسلمين وعلى أيديهم خطوة لا تُقدم عليها أغلبية الأكاديميات الغربية، حتى وإن تحمس لها البعض منهم (لاحظ كيف أن هذه الرؤية التي تقدمها د.منى أبو الفضل تعتبر الواقع وتعتبر التاريخ، وكلاهما مهم في فهم طبيعة العلاقة بين المسلمين والغرب، وكلاهما مهم كذلك في تطوير الرؤية النقدية لهذه العلاقة).

وهنا يأتي الدور المهم للمسلمين في إقناع الغرب بأن لدى الإسلام ما يقدمه للغرب، وأن لدى المسلمين القدرة على أن يدعوا الغرب لما يحييه ويحييهم على حد سواء.

أما المشكلة الثانية التي تواجه تحقيق الندية، فتتولد عن واقع المسلمين. فطالما سعى المسلمون إلى لقاء الغرب ثقافيًّا وتعريفه بأنفسهم وبحضارتهم وبالقرآن والسنة، وانتهى بهم الحال إلى الفشل وتكريس التبعية والجهل بحقيقة الدين وحقيقة الأمة؛ لتشتت جهودهم من ناحية ولافتقارهم إلى المرشد الذاتي عند الانفتاح على الغرب والتعرف عليه من ناحية أخرى.

والواقع الثقافي الإسلامي يعاني أزمة. فمحاولات التجديد تضيع وتتشتت من ناحية بين من استوعبتهم العلمانية ويستحضرون باسم العلم والعلمية مفاهيمَ ورؤًى غربية ينكرون ما سواها (“فكل دراسة لابد أن تنطلق من فرضيات لتحقيق أهداف محددة، وأصحاب المنطلقات والأهداف ليسوا منا، وإن حملوا أسماء تعرفنا عليها من بيننا...”) [16] –ووجود هؤلاء لا يقتصر فعليًّا على الدوائر الأكاديمية، ولكنهم مهيمنون على مستويات النخب الحاكمة، ومهيمنون على مستوى الإعلام، وهذا هو حال معظم الدول الإسلامية-، ومن ناحية أخرى بين من يتمسكون بتراث إسلامي لا مجال لبعثه إلى الحياة في واقعهم المعاصر. وعلى الرغم من أن أغلبية المسلمين لا تقع ضمن أي من المجموعتين، إلا أن هذه القطبية التي عرفتها المجتمعات الإسلامية كانت كفيلة بخلق “حالة متوطنة من الجمود الثقافي في العالم الإسلامي“.

فبقدر ما في الداخل من رؤية علمانية مادية تحكمها وتتحكم فيها تعريفات مادية للمصالح والقوة، بقدر ما في الداخل أيضًا من رؤية دينية فقدت الاتصال بقيمة التجديد في منظومة القيم الإسلامية، وعندها فقدت الاتصال بواقع المسلمين ففقدت الفاعلية والقدرة على التأثير.

ناهيك عن أن حتى من يبدون على استعداد لحمل لواء عملية التجديد الحضاري ينقصهم الكثير من الوعي بحقيقة الثقافة والدعوة التي يجب أن تحركهم[17].

وهنا يتضح معلم آخر يميز هذه الأطروحة النقدية عن غيرها من الأطروحات النقدية، فعلى الرغم من أن بهذه الأطروحة نقدًا عميقًا للخارج –سواء من حيث نظرته للواقع الدولي أو من حيث سعيه لفرض هذه النظرة وإكسابها صفة العالمية، إلا أن أضعاف هذا النقد يوجه للداخل، لواقع إسلامي متشتت فاقد الاتصال مع أصوله وعقيدته. وهذا النقد، وإن كان يعكس رؤية متوازنة للواقع، فهو يعكس قبل هذا إيمانًا بقدرة الإسلام ونموذجه الحضاري على تحقيق التجديد والتجدد.

إن التوازن(الاعتدال/ الوسطية) في طرح الرؤية والوعي بعيوب الذات قبل عيوب الغير تظهر جلية في رفض د.منى التعامل مع عالم المسلمين كما لو كان كلاً مصمتًا. كما تظهر في رفضها صياغة اللقاء بين الغرب والإسلام، كما لو كان لقاءً بين كيانين كل منهما متجانس، واعتبار أن هذا الأمر خطأ كبير ونقطة انطلاق مضللة تُفقد اللقاء الكثير من قدراته على إحداث التغيير والتلاقي ودفع العالم نحو نظام أكثر أخلاقية.

فكما أن عالم الإسلام ليس كلاً مصمتًا، فإن عالم الغرب ليس كلاً مصمتًا كذلك؛ فبه عناصر إلحادية يجب العمل من أجل التعرف عليها واستبعادها، وبه عناصر مؤمنة يمكن صقل توجهاتها. ومن هنا قد يشترك الجميع في خطاب على الرغم من أن الخطاب هو بين أطراف مسلمة وأطراف في الغرب[18].

وفكر الغرب متنوع المصادر والروافد، هناك روافد تعود إلى كلاسيكية القرون الأولى، وهناك روافد تعود إلى مسيحية العصور الوسطى، وهناك روافد تعود إلى الحداثة ثم ما بعد الحداثة. وهي حقب يجب أن يدركها ويستوعب أبعادها المسلمون عند لقائهم الفكري مع الغرب. فبقراءة هذه الأبعاد والروافد تتكشف الإجابات عن أسئلة حول: كيفية تأثير بعض هذه الروافد دون بعضها الآخر، وكيفية تقلب الأفكار والتقاليد، وكيفية ظهورها في قوالب جديدة مع تحول العصور؟

هذا التصور حول الحاجة إلى التميز بين التيارات المختلفة في الغرب عند التعامل معه تدعمه منظومة من الآيات والأحاديث القرآنية:

﴿قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضًا أَرْبابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾   [آل عمران:64]. و”الأرباب من دون الله” في سياق هذه الرؤية تحتمل أمورًا شتى بما فيها: الكِبر، والوثنية، والأيديولوجية التي تفرق بين البشر وبعضهم البعض وتخلق حدودًا وهمية بين الإنسان والإنسان. أما الكلمة السواء فهي كلمة موزونة بالعدل، كلمة يشترك الجميع في قبولها ويتفقون عليها. وتعتبرها د.منى أبو الفضل شبيهة بنظام مشترك من “المنطق والتفكير الأخلاقي“، وهو نظام يحمل ضمن ما يحمل اعتقادًا في وحدة الأصل والمصير البشري. فالخطاب قد يبدأ بأصحاب الأديان السماوية في الغرب، ولكنه فعليًّا لا يتوقف عندهم؛ لأن وحدة الأصل الإنساني تسمح بأن يتجاوزهم الخطاب والحوار إلى غيرهم: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾   [النساء:1] ، ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾   [الحُجُرات:13].

وما يتبقي من خلاف بعد التعارف والحوار هو واقع لابد من قبوله، يؤخر الله أمره ليوم يعلمه، وأخبرنا به العليم الخبير في كتابه: ﴿ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾   [يونس:19].

إن لغير المسلمين موقعًا في داخل هذه الرؤية التي تستدعي البعد الإسلامي في العلاقات الدولية. وإذا كان بعضهم يندرج أمره تحت معنى الآية الكريمة السابقة، فإن لهم تواجدًا آخر داخل هذه المنظومة الحضارية إذا ما نظرنا لمفهوم “البيئة المؤسلمَة“”Islamicated”  الذي نسبت بفضله د.منى أبو الفضل للمؤرخ “مارشال هودجسون” بُعد النظر. فلقد رصد “هودجسون” كيف أن الطوائف غير المسلمة أصبحت “جزءًا لا يتجزأ من منطقة الشرق الأوسط حيث أسهموا في هذه البيئة وتأثروا بها وأصبحوا يشتركون مع شعوبها في الرموز الثقافية والقيم والمعتقدات الأساسية والأسلوب العام للحياة[19]. ناهيك عن أن أهل الكتاب يتمتعون بوضعية خاصة في الرؤية الإسلامية للعلاقات السياسية والاجتماعية[20].

والنظرة الإسلامية للغرب ليست نظرة لـ “آخر” معادٍ، وإنما هي نظرة “لجزء من كل“؛ فالغرب هو جزء من السفينة الإنسانية لو خرقها لهلك وهلك الجميع ولو قوِّم لنجا ونجا الجميع. (وفي هذا إعادة تعريف لوحدات النظام الدولي، ولطبيعة العلاقة بينها، فهي وحدات لا تنفصل مصالحها ولا تنفصم مصائرها عن بعضها البعض). والمسلمون –إن قدروا هذه المسئولية حق قدرها- لا يملكون حق اللامبالاة أو الأنانية في تحملها.

وهي نظرة تدعمها آيات وأحاديث تحدد الرؤية الإسلامية للعالم ومنها:

﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ﴾   [البقرة:213] .

وفي هذا السياق يكتسب المسلمون نظرة جديدة للعالم وللغرب، فيدركون مسئوليتهم الأخلاقية من منطلق جديد، “يستوعبون العالم من منطلق العالمية (مفهوم الوحدة في التنوع)، ويستوعبون الغرب من منطلق التعددية“. هي فعليًّا نظرة أكثر تسامحًا مع العالم وأكثر إدراكًا لحجم المسئولية التي يحملها المسلمون تجاه الجميع.

إن د. منى أبو الفضل لا تستحيي –كما صار يفعل الكثيرون اليوم- أن تقيم العلاقة بين المسلمين والغرب على أساس الدين، بل هي تقيم العلاقة بين الإنسانية جمعاء على هذا الأساس. فالدين -في تعريف العالمة الجليلة- هو تلك المبادئ أو القيم المشتركة بين المجتمعات البشرية على تجمعها، متى بحثنا عن القيم التي تشترك فيها البشرية فسنجدها موجودة ولابد، ويمكن التعبير عنها بمفهوم الدين. أما ما تختلف فيه البشرية فهو الشرعة أو المنهاج ويعني كيفية قيامها تقوم بتطبيق تلك المبادئ العامة التي يحملها ويعبر عنها الدين. (وفي بحثها عن قيم مشتركة تجمع بين الإنسانية، نجدها تشبه الكثير من الباحثين في علم العلاقات الدولية خصوصًا بمدارسه الليبرالية وباتجاهاته ما بعد الحداثية المختلفة، ولكنها تختلف عنهم في أنها تعرف أين تجد هذه القيم!). وعندما يتم العثور على هذه القيم المشتركة نكون بصدد إقامة نظام عالمي أخلاقي، يشمل الجميع ويتعامل مع الجميع من مختلف الثقافات دون تمييز.

والخبرة التاريخية ترشد إلى قدرة الرؤية الإسلامية على تجديد الثقافة والحضارة. ليس فقط إذا ما اعتبرنا الإنجاز التاريخي الذي حوّل أقوامًا عربية تفتك بهم العداوة والقبلية إلى سادة لإمبراطورية عالمية، ولكن أيضًا إذا ما رصدنا كيف أن هذه الدعوة الإسلامية أينما وصلت حولت وجه المجتمعات وأرست بها قيمًا ومبادئ سامية، أسسًا أخلاقية وروحية ينهض عليها المجتمع، فجددت الثقافة وأقامت مقومات التنمية الإنسانية والاجتماعية. وهو ما ترشد إليه الخبرة التاريخية لكل من البربر والأتراك والمغول والفرس والهنود والمالاي وممالك غرب وشرق إفريقيا. بل حتى ما ترشد إليه الخبرة التاريخية لأوروبا ذاتها حيث لعب الاتصال مع الإسلام دورًا أساسيًا في تجديد الوعي الأوروبي بالذات “بما في ذلك ميلاد جديد للمسيحية[21].

فعلى الرغم من تفوقه المادي، والانتصار المزعوم لأيديولوجيته الليبرالية، إلا أن الغرب يقف فعليًّا مأزومًا بسبب غياب القيم الأخلاقية عن مجتمعاته وسيطرة النزعات الفردية عليها، يقف محاصرًا بأجندة من القضايا تتخطى المجالات الثقافية والاجتماعية لتترك أثرًا على المجال السياسي، وتتخطى الداخل الغربي لتفرض نفسها كمشكلات عابرة للحدود خاصة مع الهيمنة الثقافية الغربية على العالم. وما قضايا: المخدرات، والجنس، والتشرد إلا أشكال من تلك القضايا التي تعكس حجم المشكلة التي يعيشها الغرب بكل تلك الفجوة بين القيم والسياسة وبين الدين والدولة التي تلقي بأعباء ثقيلة على النفس الغربية وعلى النفس البشرية في كل مكان اقتدت فيه بهذا النموذج المعرفي المادي. وهي مشكلات ترشد الغرب إلى أهمية الانفتاح على “رؤى أخرى للعالم حول العالم والحياة“، “الانفتاح على المتسامي“، كما يُؤثر البعض وتؤثر د.منى أبو الفضل القول[22].

إن هذه النظرة للواقع الدولي تخلق إذًا نمطًا جديدًا من أنماط التفاعلات على المستوى الدولي… نمط قوامه الدين والرسالة والدعوة!!! وهو نمط سلمي من أنماط التفاعلات؛ لأنه قائم على حوار وتواصل في إطار من الإيمان بوحدة الإنسانية، بل وبوجود قيم مشتركة تجمع بين أطراف هذه الإنسانية.

وهو نمط من التفاعلات لا يستدعي القوة العسكرية ولا القوة الاقتصادية –لا يستدعي القوة بمعناها المادي- وإنما يستدعي قوة الأفكار. إن هذا النمط من التفاعلات يجيده المسلمون لأنهم يعلمون جيدًا أن “قوة العقل” تفوق في أهميتها “قوة العضلات”، ليس من باب الرضوخ لواقع جعل ميزان القوة المادية في غير صالح المسلمين –هكذا تؤكد العالمة الجليلة، ولكن لإدراكهم أن قوة العقل المسلم مستمدة من اتصال مع الخالق، وأن القوة المادية لها سننها التي تحكم حركتها ما بين الزيادة والنقصان والزوال ونواميس تُكتسب وتزول وفقًا لها، فالخيرية  ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ﴾   [آل عمران:110] إنما تنبع من أمر الأمة بالمعروف ونهيها عن المنكر… من هنا تتساوى الأمة مع غيرها من الأمم في النواميس التي تحكم حركتها، ولكنها تختلف عنهم في الواجبات التي يكون عليها الاضطلاع بها والتي تحدد لها في نهاية المطاف حركتها بين الارتقاء والانحدار[23].

ولعل الطابع السلمي لهذه المرحلة من مراحل الالتقاء إنما يستمد منطقيته –في تصور د.منى- من طبيعة هذه المرحلة وخصوصيتها من بين مراحل الالتقاء التي شهدتها العلاقة بين المسلمين والغرب… فالعالم المعاصر –عالم العولمة- بثورته في العلوم العسكرية لم يعد بمقدوره تحمل تبعات الدخول في مواجهات وصدامات، وبثورته التكنولوجية أصبح يبحث عن قواعد أخلاقية جديدة للمسئولية، بل وبفضل هذه الثورات التي صاحبتها ثورة في المعلومات والاتصال أصبح العالم أقل استعدادًا لتقبل القهر بين وحداته، وفرض الإرادات على الأضعف. حتى مبدأ فرض الثقافة الغربية على الغير، على اعتبارها الثقافة المهيمنة، أصبح يتعرض للانتقاد من قِبل بعض “أصحاب الضمائر” –حتى من الغربيين أنفسهم- ممن يرفضون هذه الحالة غير المبرَّرة من غياب العدالة في واقع العلاقات الدوليةUnjust and Unjustifiable State of Affairs. (وهي رؤية تشترك مع بعض الرؤى الغربية الليبرالية في نظرة بها قدر من الإيجابية إلى ما تعارف دارسو العلاقات الدولية على تسميته بالمجتمع الدولي!!).

وعند الحديث عن العدالة، تجد د.منى أبو الفضل مجالاً واسعًا للمساهمة من قِبل المسلمين في حل الكثير من أبعاد المشكلات الإنسانية والاجتماعية التي تتفاقم على مستوى العالم والتي تقع في صلبها قضية العدالة Human and Social Inequities [24].

وعصر العولمة تميزه كذلك مراجعات فكرية مستمرة “في أصول النظم والعمران والعقائد والثقافات“. والمراجعة تمتد إلى العلاقات الدولية؛ حيث تتم مراجعة قواعد وأسس الشرعية التي ينهض عليها النظام الدولي وتتم إعادة النظر في مكونات هذا النظام، وعلاقتها ببعضها البعض، كما تتم إعادة النظر في قضاياه وعلى رأسها قضية التوفيق بين التنوع والوحدة في عالم أصبح أكثر اتصالاً وأكثر تقاربًا، ومن ثم أحيانًا أكثر اصطدامًا ببعضه البعض.

  • ثانيًا: الأمة الإسلامية وموقعها من النظام الدولي:

تروي د.منى أبو الفضل أنها “أحست وجود الأمة” واستشعرت وجودها في قلوب طلبتها في قاعة الدرس عند ما توالت أحداث مفصلية على العالم الإسلامي –كان على رأسها الثورة الإيرانية وحركة الجهاد في بلاد الأفغان- باتت تحرك مشاعر بأن الأمة الإسلامية مازالت موجودة على الرغم من سيادة الخطاب العلماني السياسي آنذاك، وعندها أدركت الحاجة إلى التوفيق بين ما تقدمه للطلبة في قاعة الدرس وبين ما يكشف لها عنه انتماؤها الدفين الأصيل إلى العقيدة الإسلامية.

وترصد العالمة والمربية الفاضلة كيف أن الأمة تجمعها عناصر مشتركة مع غيرها من الأمم والجماعات السياسية، ويميزها أيضًا عنهم عناصر، من بينها: “تمايز النشأة…، والثوابت الكامنة…، والوظيفة الحضارية“. أما المشترك فهو “الأسباب الموضوعية أو التاريخية” التي تنعكس على وضعية الأمة بين الصعود والهبوط، والنهضة والتقهقر.

فخصوصية الأمة ترتبط بعقيدتها التوحيدية، فهذه العقيدة هي التي تعطيها مقومات وجودها، ومقومات إعادة بنائها. “وطالما أن هناك قرآنًا فهناك أمة“؛ فطالما هناك قرآن ظل هناك ما يحدد وظائف الأمة وطبيعة التكليف والالتزام الذي يقع على عاتقها، وطبيعة ممارساتها على مستوى المعاملات والعبادات.

وعلى الرغم من أن الأمة هي الفاعل الأهم في تركيز واهتمام د.منى أبو الفضل “أم الكيانات الجماعية التي عرفتها هذه المنطقة الحضارية“، فهي المناط بها مهمة التفاعل والالتقاء مع الغرب، ومن ثم فهي المخاطَب بمسئولية استحضار ذاتها واستكشاف عقيدتها وإعادة الوعي بها وإدراكها. إلا أن الأفراد والجماعات والدول كلها فواعل لها وجود في طرح د.منى التحليلي، بل هي فواعل لا تفصلها مستويات تحليل حدية ثنائية أو أكثر من ثنائية، فعلاقاتهم متداخلة، ودورهم مؤثر وقد يكون محوريًا في تغيير واقع الأمة وتجديد وعيها بذاتها، ولكن وجود الأمة لا يتوقف عليهم[25]. هذه العلاقات المتداخلة تؤكدها إشارات متفرقة في كتابات د.منى أبو الفضل من قبيل: أن “الأمة حقيقة نفسية تعيش داخل كيان الفرد قبل أن تسقط على الواقع الاجتماعي والتاريخي“، وهي قائمة بـ”التواجد النفسي” حتى ولو لم تكن قائمة كواقع تنظيمي، وهي تعيش في ضمير الجماعة حتى ولو لم يكن لديها قوة تنظيمية واعية[26].

فالفرد قد يكون في ذاته مجسدًا لكل ما ينبغي أن يكون عليه حال الأمة، فيكون الفرد أمة في ذاته، وهو من كانت “صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين” أي أنه يعيش كل لحظة من لحظات حياته متمثلاً “قيم الأمة ومُثلها وهمومها وآمالها“. وهو ليس بالضرورة نبيًا –كما كان إبراهيم عليه السلام- ولا قائدًا سياسيًا –كما كان عمر بن عبد العزيز أو صلاح الدين الأيوبي- ولا عالمًا في علوم الشريعة –كما كان أبو حامد الغزالي، ولكنه قد يكون شخصًا عاديًّا “تجده الأمة على ثغرة مهمة من ثغورها“.

وإذا كان للأمة بعد رأسي يتمثل في علاقتها بربها، فإن لها بعدًا أفقيًّا يتمثل في علاقة أفرادها ببعضهم البعض.

أما وجود الجماعات داخل الأمة من فرق ونحل وطوائف وأحزاب فليس هو المعوق أمام تصور الأمة، ولكن إبراز الجزء على حساب تغييب الكل –أي الأمة- يحدُّ من فاعلية الأمة وقدراتها، ويوهم بعدم وجودها بينما هي حاضرة وقادرة على استعادة فاعليتها ودورها التاريخي.

والدولة مهمة بالنسبة للأمة، صحيح أن الأمة توجد بها أو من غيرها، بمساعدتها أو بمعارضتها، ولكن مساعدة الدولة للأمة كفيلة بأن تنهض بها وأن تجدد لها دورها “وحضورها التاريخي الفاعل“، حتى لا تتبدد انتماءات الجماعة المسلمة بين “قوميات متفرقة، متجاورة -متنافرة“. وكذلك دور الإمام أو الخليفة مهم، ولكن اختفاء الخليفة –كأداة تنفيذية ترعى مصالح الأمة وتنهض على حمايتها- لا يعني اختفاء الأمة حتى لو أضعف هذا من فاعليتها. “الخلافة أو النظام السياسي لا يُنشئ الجماعة السياسية التي تتمثل في الأمة، بل الأمة قائمة وهي الأصل… وهي التي تستطيع أن تفرز الأطر النظامية دون أن تكون حبيستها… أو على حد تعبير “لووي جاروديه”: أن الإسلام هو الأمة[27].

فالفاعلين كافةً بمقدورهم إذًا خدمة الأمة وتفعيل قدرتها على القيام بوظيفتها أو إعاقة دورها ولكنها في نهاية الأمر باقية. ومصدر من مصادر قوتها واستمراريتها يرجع إلى مرونتها التنظيمية[28]. ومصدر من أهم مصادر خصوصيتها هو هذه الاستمرارية، والقدرة على التجدد والصحوة والتألق من جديد مهما بدت متراجعة أو متوارية في بعض الأحيان. وبقاء هذه الأمة أبدي ببقاء وخلود الآية القرآنية رقم:110 من سورة آل عمران: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ…﴾ [29].

ترتبط بهذا الطرح  جزئية أخرى مهمة ألا وهي أن ما يكشف عن الأمة اليوم في وجدان المسلمين هو وقائع وأحداث تمس حياتهم وتحرك مشاعرهم فتؤكد أن بقاء الأمة حقيقة في قلوب هؤلاء المسلمين. ولكن د.منى تؤكد الحاجة إلى إخراج الأمة من “دائرة الانفعالات الحسية والوجدانية إلى دائرة المدركات الواعية”. وتحقيق هذا ممكن بطرح موضوع الأمة على المستوى الفكري والعلمي حتى تتحول من مجرد شعور مستبطن يطفو إلى السطح بين الحين والآخر إلى شعور ووعي بهذا الانتماء وبما يفرضه من واجبات والتزامات. ويزيد من إمكانات إعادة تصوير المفهوم أنه ظل يشكل ضمير الجماعة التي قطنت أرجاء دار الإسلام على مدار ما يزيد على ثلاثة عشر قرنًا. أما “مفهوم القومية” الذي جاء ليعيد تشكيل هذا الضمير الجماعي في صياغة بديلة، إنما هو مفهوم حديث نسبيًّا لا يكاد يجد له القرار في وعي الجماعة”، مفهوم غرسه الاحتلال الأجنبي وكرَّسه ليخدم أغراضه ويتمكن من نهب ثروات المنطقة وتسخيرها لخدمة طموحاته الامبريالية[30]، أو هو في أفضل تقدير مفهوم مشوَّش تنازعه في الشرعية مفاهيم وتصورات أخرى. ناهيك عن أن إيجابيات العصر المتمثلة في الثورة العلمية الاتصالية تتيح إمكانات حقيقية من التواصل والاتصال بين مكونات الأمة وأعضائها. بل إن إعادة تجسيد الأمة شيء ممكن؛ لأن علم السياسة “علم كفاحي” لا ينفصل عن الواقع ولا يستسلم له، يسعى دائمًا للتغيير نحو واقع أفضل، وكذا الحال بالنسبة للدراسات الإسلامية التي هي بطبيعتها دراسات لا تصاغ من منطلق الترف النظري، ولكنها تصاغ لكي تفعَّل وتطبَّق. فالمطلوب هو الحركة بين الواقع –وهو واقع يشهد ضمن ما يشهد حركة من المد الإحيائي الإسلامي، وتأثيرًا متصاعدًا للإسلام كقوة سياسية على المستويين المحلي والدولي- وبين النظرية، الحركة بين المشاهدة والتجريب من جانب وبين التنظير والتجريد من جانب “على النحو الذي يتفق والمنهجية القرآنية[31].

ولم تقرأ د.منى أبو الفضل في مشاهد المد الإحيائي الإسلامي[32] مجرد حالة من افتقار النظم السياسية الداخلية للشرعية، ولا مجرد دليل على أن الإسلام لا يزال كامنًا في صدور البعض يحرك وعيهم بذاتهم وأهدافهم ويتحكم في رؤيتهم لمصالحهم، ولا مجرد دليل على أن الإسلام يحمل مقومات “الأيديولوجية الثورية“؛ القادرة على التغيير، في مقابل “الأيديولوجية التبريرية” التي تُستخدم للإبقاء على الأوضاع الراهنة داخل نظم عربية وإسلامية، وإكساب بعضها شرعية قد لا تستحقها. ولكن قبل هذا وذاك قرأت د.منى في مشاهد المد الإحيائي الإسلامي (ظاهرة العنف في العالم الإسلامي ومن قبله) رفضًا لمنطق التحديث والتغريب العلماني المادي الوضعي[33]، الذي أخذ يستفحل بين جنبات الأوطان الإسلامية تحت شعارات التنمية والنهضة والتحضر (في ظل ضعف في القدرات التنظيمية على استيعاب نتائج التحديث وعدم تجانس ثقافي وغياب التطوير السياسي)، وقرأت فيها حركة متشابكة تتواتر فيها الأحداث والانفعالات على نحوٍ يعيد للأذهان منطق الحديث النبوي الشريف “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم…”[34] .

إن تقديم مفهوم الأمة في طرح د.منى أبو الفضل هو جزء من عملية تقديم المفاهيم والأطر البديلة التي تثري حقل المعرفة وعقل الباحث، وهي مفاهيم وأطر تعبر عن خصوصية إسلامية، ولكنها تصلح لأن تكون بعضًا من مفاهيم وأطر للوعي بأشكال أخرى من العلاقات على المستوى الدولي تتخطى حدود الدول القومية. يضاف إلى هذا أن تقديم الأمة “ككيان جماعي بديل كفيل بأن يُثري ويُغني أفواجًا لاحقة من الإنسانية الباحثة“؛ فتأصيل الأمة منهجًا ومفهومًا كفيل بتحريك وعي جديد داخل أرجاء العالم الإسلامي وخارجه[35].

إذًا: فأين موقع هذه الأمة –التي هي واقع معنوي أكثر منها حقيقة معاشة يتحرك المسلمون حركة واعية من داخلها- من النظام الدولي؟

إنها تحتل موقع القطبية.

فإذا كانت د.منى أبو الفضل قد أعادت نصب ميزان القوى، وعدَّلت من ترتيب أهمية مكونات القوة، وتصورت أشكالاً جديدة من التفاعلات على المستوى الدولي، فهي لم تكتفِ بهذا الحد وإنما في التحليل الأخير قدمت تعريفًا جديدًا للقطبية. لكن القطبية –في طرحها- لا ترشد إلى قمة النظام وإنما إلى قلبه، فالأمة الإسلامية “تمثل وسط إنسانية مستقطبة بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، فهي حلقة وصل ومركز ثقل في آن واحد[36]. فالأمة الإسلامية تحتل موقع القطبية في النظام بحكم كونها “تلك الجماعة القيادية المميزة ذات القدرة الاستقطابية العالية، والتي تؤدي إلى آثار مزدوجة من حيث تماسكها الداخلي وانفتاحها أو جاذبيتها بالنسبة للغير على المستوى الخارجي“، فالأمة القطب لها وظيفة قيادية. والأمة القطب هي ترجمة The Charismatic Community[37]. فهي أمة تحتل موقع القطبية بحكم جاذبيتها –وليست القطبية هي ترجمة Polarity. ولكن في هذه النظرة الجديدة للنظام الدولي، الأمة هي قطب هذا النظام الأوحد ففيها –وحدها- تستشري العقيدة التوحيدية التي تتولد عنها هذه “الطاقة الاستقطابية والإشعاعية“. والقطب يجتذب إليه الآخرين دونما مجهود منه، ودونما استعلاء ودونما إكراه، كما يجتذب إليه وحداته فيشدهم إلى بعضهم البعض، دون أن يفقد كل منهم كيانه أو وجوده المستقل!![38].

وتتصور د.منى أبو الفضل الأمة القطب وقد ارتقت “درجة في العالمية اللاحقة من احتوائها للجماعة الإنسانية“. فهذه الأمة –أمة التوحيد- تستوعب في داخلها الاختلاف دونما صعوبة، اختلاف العرق واللغة واللون والطبقة وحتى الدين شريطة إعلاء عقيدة التوحيد[39]. وهي تؤكد أن العرب ليسوا هم كل الأمة[40]، وإن كانوا هم قاعدتها وعنصرًا من عناصر قوتها، إلا أن الأمة لا تقتصر عليهم بحال. فـ”الأمة في الإسلام استوعبت عمليًّا وثقافيًّا من حيث العقيدة والفكر والروح والقيم شعوبًا وقبائل شتى لم تقتصر على جنس أو عنصر أو تاريخ دون غيره“، من هنا تكتسب الأمة صفة العالمية (ومن هنا يكتسب المنظور الحضاري الإسلامي عالميته أيضًا…)[41].

إن إحدى أهم سمات هذه الأمة الإسلامية تظل هي أنها “أمة وسط“؛ فهي “مصدر للتوازن والانسجام بين الجماعات البشرية… (وهي معتدلة) تجتنب الإفراط والتفريط، وهي وسط من حيث موازين القيم والأنظمة التي تقوم عليها… فالنسق القيمي الإسلامي يوازن بين القيم الفردية والجماعية و(الحقوق والواجبات)،…إلخ“. بل إنها وسط حتى من حيث جغرافية موقعها؛ حيث تمثل “امتدادًا استراتيجيًّا إقليميًّا وبشريًّا متصلًا يتوسط المعمورة[42]. والوسطية “لا يُقصد بها الأرضية المتوسطة التي يتم التوصل إليها باستئصال الأطراف، أو المحصلة الجمعية لموقف معتدل“، وإنما المقصود بالوسطية هي وسطية النموذج المعرفي حيث يمتلك النموذج المعرفي الإسلامي نواة مستقرة تعد بذاتها بمثابة نقطة انطلاق ومرجع لتحديد المواقف الأخرى،” ومنه يقاد العالم إلى نموذج الثقافة المتكاملة ­” [43].

خلاصة القول: إن الأمة الإسلامية في موقعها من النظام الدولي ليست موقع المتساوي وسط متساويين، ولا موقع المستعلي وسط من هم أقل منها، وإنما هي أمة قطب. ولكن حتى تتحقق لها قطبيتها هي بحاجة لإصلاح ذاتها، وإصلاح ذاتها ضروري حتى تضطلع بمهامها الحقيقية تجاه ذاتها وتجاه الإنسانية.

وختاماً

يمكن التوقف عند ملاحظتين

الملاحظة الأولى: أن ما رصدناه من رؤية نقدية للنظام الدولي وموقع الأمة الإسلامية يمثل رؤية مختلفة ولا شك سواء من حيث كلياتها –المتمثلة في الانطلاق من منظور معرفي توحيدي تنفرد به الرؤية الإسلامية المعرفية بين الرؤى العلمانية والدينية على حد سواء- أو من حيث جزئياتها –المتمثلة في تحديد هيكل النظام الدولي وطبيعة العلاقة بين وحداته وتعريف القيم ومصدرها في داخله، ومستويات التحليل،… إلخ. حتى وإن اشتركت مع رؤى نقدية غربية وغير غربية في رغبة في إحداث التغيير وتحريك العالم نحو واقع دولي أكثر أخلاقية.

ومع هذا، فإن نقاط التلاقي بين بعض الرؤى النقدية الغربية ورؤية د.منى أبو الفضل –وهي الرؤية التي تمثل مدرسة من داخل تيار أسلمة المعرفة- تستحق التوقف عندها بالتأمل، وترسخ في الأذهان مقولات د.منى عن أن عالم الغرب ليس واحدًا وأن عالم الإسلام ليس واحدًا. فطرح د.منى أبو الفضل تلاقى مع الرؤى النقدية الغربية في أكثر من موضع كان على رأسها البحث عن قيم مشتركة تجمع الإنسانية، والإيمان بأهمية وقدرة الإسهامات النظرية غير الغربية على تحريك الواقع وتغييره، والاعتقاد في أن عصر العولمة بقدر ما يحمل من تحديات بقدر ما يفتح آفاقا للتعارف والتلاقي بين الحضارات والشعوب. إن هناك بالفعل من داخل الغرب من يبحث عن عالم أكثر وعيًّا بأهمية القيم والفضائل، مؤمنًا بقدرة القيم والفضائل على تحريك وتغيير الواقع نحو ما هو فيه خير للإنسانية جمعاء، وهو على استعداد للانفتاح على الآخر، يسعى لفهمه ويقبله باحترام. وهؤلاء النفر من الغربيين التواصل معهم مهم ومفيد؛ فلهم فضل كبير في كشف ثغرات وعيوب البنيان المعرفي الغربي، ومن ثم إكساب المسلمين قدرة أكبر على الوعي بذاتهم –هكذا علمتنا د.منى أبو الفضل. وهؤلاء الأناس أيضًا يمكن أن يكونوا جسورًا تنتقل عبرها أفكار مضيئة من مسلمين أقوياء مثل د.منى أبو الفضل.

الملاحظة الثانية: أن قراءة ما هو متاح من أعمال د.منى أبو الفضل جملةً واحدةً فيها صعوبة وتحدٍ حقيقي لأي باحث مبتدئ –بل أتصور حتى لأي باحث مخضرم- بقدر ما فيها من النفع والفائدة. والصعوبة تنبع في جزء منها من تمتُّع د.منى أبو الفضل بملكات لغوية استثنائية تضفي على العبارات أبعادًا لا تألفها الآذان والأذهان. وتنبع قبل هذا من عمق الأفكار والقدرة على التصور والتجريد النظري. أما الفائدة والنفع فترتبط بطبيعة كتابات د.منى أبو الفضل، وهي التي تكتب في المعرفة والوجود تارة، وفي النظم السياسية تارة، وفي العلوم الاجتماعية تارة،…إلخ. حيث لا تتضح أبعاد الأفكار وعمقها إلا برصد هذا الترابط بين المعرفي والنظري في كلٍ واحد حتى على تنوع الدراسات وتعدد مسمياتها وتصنيفاتها.

بل إن قراءة أعمال د.منى أبو الفضل جملةً واحدة لتكشف عن رؤاها النقدية؛ فالعلوم الاجتماعية بصفة عامة لم تولد مكتملة نهائية المعالم والأبعاد، ولم تفترض أبدًا الكمال ولم تترفع أبدًا عن النقد، وإنما هي –على الرغم من وضوح أهدافها منذ البداية- تشكلت مرحلية، وظلت قادرة على نقد ذاتها وتطوير ذاتها على مدار عقود من الاهتمام بتقديم منظور حضاري في العلوم الاجتماعية دون أن تفرط في هذه الذات ودون أن تفقد “قبلتها[44].

إن ما قدمته د.منى أبو الفضل من جهد نظري -لا يملك المرء إلا أن يقف أمامه منبهرًا من فرط العمق والمنطق والجرأة والاتساق- هو حجر الأساس لجهد نظري وعملي هائل ما زال بانتظار كل من يأمل في التغيير، تغيير واقع أمة وواقع نظام دولي، ويأمل في أن يكون له نزر ولو يسيرًا من ثواب هذا العمل…

اللهم ارحمها واجعل علمها نفعًا لها وللعالمين أبد الآبدين… آمين.

لتحميل الدراسة بصيغة pdf اضغط هنا.

****

هوامش

[1] وهو مسمى خلافي بدوره، فالبعض يقصر هذا المفهوم على المنتج النظري المرتبط بمدرسة فرانكفورت، والتي قامت في جذورها الفلسفية على الجمع بين أطروحات قدمها Kant وأخرى قدمها Marx، وهي المدرسة التي تعد أعمال Jürgen Habermas التعبير الأكثر تأثيرًا وقوةً عن أفكارها ومنطلقاتها، ويعد Andrew Link later و Robert Cox من أهم ممثليها  المعاصرين. والبعض يضمِّن النظرية النقدية إسهامات نظرية نقدية أخرى كالإسهامات النسوية والإسهامات ما بعد الهيكلية post structuralism  .

أهم ما يميز هذه الرؤى النقدية في تعريف هذه الورقة هو أنها قامت على أسس معرفية ووجودية مختلفة عن تلك التي قامت عليها النظريات السائدة في علم العلاقات الدولية، فهي نظريات ما بعد وضعية. وهي بهذا تختلف عن تلك النظريات الوضعية التي قامت بنقد النظريتين الواقعية والليبرالية في العلاقات الدولية. يأتي على رأس هذه المجموعة الوضعية النظريات الماركسية والماركسية الجديدة والجرامسيكية الجديدة.

راجع في هذا الخصوص:

Kimberly Hutchings, International Political Theory, (University of London Press: London, 2005), pp.39-46.

[2] انظر كلاً من:

– نادية مصطفى، إشكاليات البحث والتدريس في علم العلاقات الدولية من منظور حضاري مقارن، بحث مقدم إلى مؤتمر “حوار الحضارات والمسارات المتنوعة للمعرفة المؤتمر الثاني للتحيز“، (برنامج الدراسات الحضارية وحوار الثقافات، المعهد العالمي للفكر الإسلامي: القاهرة، 2007)، ص ص 12-13.

– نادية محمود مصطفى وآخرون، حوار الحضارات على ضوء العلاقات الدولية الراهنة، أعمال ندوة حوار الحضارات، (مركز العلاقات العربية الإيرانية: دمشق، 2000)، ص ص 4-13.

– أماني محمود غانم، البعد الثقافي في دراسة العلاقات الدولية: دراسة في خطاب صراع الحضارات، رسالة ماجستير في العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2005، (إشراف) نادية محمود مصطفى، ص ص 21-148.

[3] في الأصل مفهوم استخدمه Jürgen Habermas  للتعبير عن خطاب في العلاقات الدولية يقوم على الدعوة إلى الاحترام المتبادل بين الجميع وعلى شعور بالمسئولية التضامنية   solidaristic responsibilityتجاه الجميع.

 [4] Giorgio Shani, Religion, politics and international relations: Provincializing critical theory: Islam, Sikhism and international relations theory, Cambridge Review of International Affairs, Vol. 20, no. 3, Sept. 2007, pp.417-433.

[5] مفهوم يكرس فكرة أن نظرية العلاقات الدولية عادت لتتخطى في محتواها دراسة ما هو واقع إمبريقي في العلاقات الدولية إلى محاولة الكشف عن الأبعاد المعيارية المتداخلة مع هذا الواقع وقراءته؛ سواء كما هو قائم أوكما ينبغي له أن يكون.

[6] منى أبو الفضل، إسلامية المعرفة كقوة للتجديد الثقافي العالمي أو علاقة المدخل المعرفي التوحيدي بالحداثة، السيد عمر (ترجمة)، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، 1994، ص 4.

[7] راجع في صدد التمييز بين النظرية المعيارية والنظرية الإمبريقية:

Barbara Goodwin, “Using Political Ideas”, (John Wiley & Sons: Chichester/ New York/ .., 1997), p.5.

[8] Mona Abul-Fadl, Paradigms in Political Science revisited: Critical Options and Muslim Perspectives, The American Journal of Islamic Social Sciences, Vol. 6, No. 1, 1989, p.3, 4.

 [9] Mona Abul-Fadl, Where East Meets West: The West on the Agenda of the Islamic Revival, Islamization of Knowledge, No. 10, The International Institute of Islamic Thought, Cairo, p.64.

[10] منى أبو الفضل، الأمة القطب: نحو تأصيل منهاجي لمفهوم الأمة في الإسلام، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة: 2005،  ص 76.

[11] دون أن ينفي هذا أو يقلل من أهمية القوة المادية للغرب، ولكن أيضًا دون أن يغفل أهمية القوة الثقافية والحضارية التي يمتلكها المسلمون، خاصة إذا ما نظرنا إلى خصوصية هذه المرحلة من الالتقاء بين المسلمين والغرب، والتي هي بالأساس –في تصور د.منى- مرحلة لقاء والتقاء فكري.

[12]  Ibid, p.63. [[12]].

[13] منى أبو الفضل، إسلامية المعرفة كقوة للتجديد الثقافي…، مرجع سابق، ص 29.

[14] Ibid, p. 70.

[15] Mona Abul- Fadl, Where East Meets West,…,Op. Cit., p. 21.

[16] منى أبو الفضل، فقه الواقع والمنظور الحضاري: حول مشروع دراسة “فقه الواقع“، دراسة غير منشورة، ص 85.

[17] Mona Abul-Fadl, Where East Meets West…, Op. Cit., pp. 28-32.

[18] Ibid, p. 46, 47 also p. 64.

[19] منى أبو الفضل، الإسلام والشرق الأوسط، السيد عمر (ترجمة)، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، 1994، ص 23.

[20] المرجع السابق، ص 5.

[21] منى أبو الفضل، إسلامية المعرفة كقوة للتجديد الثقافي العالمي أو علاقة المدخل المعرفي التوحيدي بالحداثة، السيد عمر (ترجمة)، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، 1994، ص 11.

[22] المرجع السابق، ص 8.

[23] Mona Abul-Fadl, Community, Justice and Jihad: Elements of the Muslim Historical Consciousness, The American Journal of Islamic Social Sciences, Vol. 4, No. 1, 1987, p. 17.

[24]  Ibid, p. 82.

[25] منى أبو الفضل، الأمة القطب…، مرجع سابق، ص 72.

[26] المرجع السابق، ص 76.

[27] المرجع السابق، ص 79.

[28] منى أبو الفضل، الأمة القطب: نحو تأصيل منهاجي لمفهوم الأمة في الإسلام، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة: 2005، ص 56.

[29] منى أبو الفضل، المرجع السابق، ص ص 19-27.

[30] منى أبو الفضل، الإسلام والشرق الأوسط، مرجع سابق، ص 73.

[31] منى أبو الفضل، الأمة القطب…، مرجع سابق، ص 47.

[32] لاحظ كيف اعتبرت د.منى الثورة الإيرانية (الظاهرة الإيرانية) بمثابة “صحوة واعية موجهة لجماعة نوعية محددة هي جزء أصيل من جماعة أم كبرى هي الأمة“، راجع: منى أبو الفضل، الأمة القطب…، مرجع سابق ص 50.

[33] منى أبو الفضل، الإسلام والشرق الأوسط، مرجع سابق، ص 123.

[34] المرجع السابق، ص 49.

[35] المرجع السابق، ص 35.

[36] منى أبو الفضل، إسلامية المعرفة كقوة للتجديد…، مرجع سابق، (الهوامش)، ص 41.

[37] ولقد أرشد عالمنا الجليل د.طه جابر العلواني إلى أن تعبير “القطب” هو في الأصل أحد التعبيرات الصوفية، فلقد كانت د.منى أبو الفضل تهوى مثل هذه التعبيرات غير المألوفة وتمتلك قدرة على تطويعها لتضيف إلى دراساتها عمقًا مستمدًا من عمق وثراء اللغة العربية.

[38] والإسلام يختلف في هذا عن المسيحية واليهودية، فعلى الرغم من أن التقاليد المسيحية واليهودية ما زالت مكونًا من مكونات التراث الغربي، إلا أن طبيعة هذه الديانات وغايتها ووجهتها ونمط التأثيرات الخارجية فيها مختلفة كلها! وهو ما ترك أثره على مستوى الخبرة التاريخية والتي تختلف فيها وضعية الإسلام أيضًا، فالمسيحية اعتُبرت هي العامل المحفز لتحلل الإمبراطورية في أوروبا على عكس ما كان الإسلام هو العامل المحفز لقيام الإمبراطورية الإسلامية.

– راجع: منى أبو الفضل، الإسلام والشرق الأوسط، مرجع سابق، ص 37، 38.

[39] منى أبو الفضل، الأمة القطب…، مرجع سابق، ص 72.

[40] منى أبو الفضل، نحو تأصيل منهاجي لدراسة واقع النظم المعاصرة في المنطقة العربية، الجزئية السادسة: مقدمات في أصول الحركة الواقعية الحضارية، مجموعة محاضرات غير منشورة.

– انظر أيضًا: منى أبو الفضل، الإسلام والشرق الأوسط، مرجع سابق، ص 22، 23.

[41] منى أبو الفضل، فقه الواقع والمنظور الحضاري: مرجع سابق، ص 88.

[42] منى أبو الفضل، الأمة القطب، مرجع سابق، ص 83.

[43] منى أبو الفضل، إسلامية المعرفة كقوة للتجديد الثقافي العالمي، مرجع سابق، ص 12.

[44] تعرف د.منى أبو الفضل “القِبلة” على أنها نقطة الوصل التي تسكن في الأعماق غير المرئية في قلب إنسانيتنا عندما نسعى إلى تضمين وعينا وضمائرنا تلك القيم التي من شأنها إنقاذ تاريخنا الإنساني المشترك: The nodal point which reaches to the invisible depths of the core of our humanity as we seek to internalize within our consciousness and our consciences the values that can save our common history.

=راجع:

 Mona Abul-FadlWhere East…, Op. Cit., p. 110

  • نشرت الدراسة ضمن كتاب: د. نادية مصطفى، د.سيف الدين عبد الفتاح، ماجدة إبراهيم (تحرير)، التحول المعرفي والتغيير الحضاري: قراءة في منظومة فكر منى أبو الفضل، مركز الحضارة للدراسات السياسية، مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات، دار البشير للثقافة والعلوم، 2011.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى